hmsain.ahlamontada.com

نشكرك على التسجيل فى هدا المنتدى زرنا باستمرار و شاركنا رايك فاليد الواحدة لا تصفق ورايك يهمنا كما ان حضورك الدائم يحفزنا

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

hmsain.ahlamontada.com

نشكرك على التسجيل فى هدا المنتدى زرنا باستمرار و شاركنا رايك فاليد الواحدة لا تصفق ورايك يهمنا كما ان حضورك الدائم يحفزنا

hmsain.ahlamontada.com

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
hmsain.ahlamontada.com

منتدى يهتم بنشاطات حركة مجتمع السلم بلدية عين بوزيان


    بنوك الحليب وعلاقتها بأحكام الرضا ع دراسة علمية وفقهية

    Admin
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 2093
    تاريخ التسجيل : 01/03/2010
    الموقع : hmsain.ahlamontada.com

      بنوك الحليب  وعلاقتها بأحكام الرضا ع  دراسة علمية وفقهية   Empty بنوك الحليب وعلاقتها بأحكام الرضا ع دراسة علمية وفقهية

    مُساهمة  Admin الإثنين 27 يونيو 2011 - 16:11

    الأستاذ الدكتورمحمد الهواري عضوالمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث




    بسم الله الرحمن الرحيم

    تمهيد:

    تبلغ نسبة الأطفال الخُدَّج Premature babiesالذين يلدون قبل أوانهم ما لا يقل عن ( 7% وسطياً) من مجموع المواليد في العالم. وقد يستدعي الأمر إلى عزل هؤلاء الأطفال في حاضنات اصطناعية لفترة قد تمتد حتى يفيض حليب الأم من الثديين. نظراً للعناية الفائقة التي تقدم لهؤلاء الأطفال فإن حالتهم الحرجة تأخذ بالتحسن بصورة تسمح لهم بتلقي الحليب.
    ومن المعلوم أن حليب الأم هو الحليب الأنسب لتغذية هؤلاء الأطفال لاحتوائه على جميع العناصر اللازمة لنمو الطفل إضافة إلى غناه بالخلايا الدفاعية التي تمنحه فاعلية خاصة لمقاومة الجراثيم الضارة بالطفل. وعلاوة على ذلك فقد أظهرت الدراسات العلمية أن الطفل الذي يتغذى بلبن الأم يكون نموه متماشياً مع معدلات النمو الطبيعي، في حين أن الطفل الذي يتناول لبناً اصطناعياً فإن نموّه يتأثر تأثراً كبيراً، حيث تبين أن الرضاعة الاصطناعية قد تؤدي للإصابة بعدد قليل من الأمراض كسوء التغذية والنزلات المعوية والأمراض المَعِديّة التي قد لا تحمد عقباها.

    وتأتي أهمية هذا اللبن كما يقول الدكتور محمد علي البار من الأسباب التالية:
    1. احتواؤه على المكونات الرئيسة المناسبة للطفل الوليد.
    2. احتواؤه على الأجسام الضدية Antibodies والأجسام المناعية Immunebodies اللازمة لمقاومة جسم الطفل للأمراض.
    3. يحمي لبنُ الأم الأطفالَ من مختلف أنواع الأخماج (الالتهابات) Infections التي تصيب الجهاز الهضمي والجهاز التنفسي وغيرهما من الأجهزة.
    4. لا يتحسس الطفل من حليب الأم كما يتحسس من الألبان الأخرى: ألبان البقر والجواميس والأغنام والماعز.
    5. يحتوي لبن الأمهات على كمية كبيرة من خلايا المناعة وخاصة من نوع IJA الذي يلعب دوراً هاما في حماية الجهاز الهضمي والتنفسي.
    6. يحتوي لبن الأمهات على نسبة من معدن التوتياء ( الزنك ) بينما لا يحتوي لبن الأبقار والجواميس على الكمية الكافية منه؛ ولذا فإن الأطفال الذين ينشأون وهم يُغَذّون بلبن غير إنساني يتعرضون لاحتمال الإصابة بأعراض نقص الزنك التي تؤدي إلى حدوث أمراض جلدية حادة أو مزمنة، كظهور ثبور وطفح جلدي سرعان ما يمتلئ بالصديد أو الدم وخاصة في مخارج الجسم ( حول الفم والشَّرَج وفي الأطراف) ويصحب ذلك إسهال قد يكون شديداً .
    ولهذه الأسباب ولغيرها تنصح الأمهات بإرضاع أطفالهن من الثدي لما في ذلك من فوائد للأطفال والأمهات على حدٍّ سواء.
    وبما أن الأم قد لا تستطيع إرضاع طفلها لنضوب لبنها أو لوجود مرضٍ معدٍ أو لأيّ سبب من الأسباب التي تمنع الإرضاع كوجود خراج في الثدي وغيره، فإن البديل لذلك هو اللجوء إلى المرضعات.
    ونظراً لاختفاء المرضعات في المجتمع الغربي وكثير من بلدان العالم فقد برزت إلى السطح فكرة إنشاء بنوك الحليب.
    والأطفال الذين هم بأشد الحاجة لمثل هذا النوع من الحليب هم:
    1. الأطفال الخُدَّج Premature Babies أي الأطفال الذين ولدوا قبل الميعاد (أقل من تسعة أشهر) وكلما كان ذلك أقل من تسعة أشهر كلما كانت حاجة الطفل أكبر.
    2. الأطفال الناقصو الوزن عند الولادة رغم أنهم قد أكملوا مدة الحمل الطبيعية تسعة أشهر ( 280 يوماً من تاريخ آخر حيضة حاضتها المرأة أو 266 يوماً منذ التلقيح، قد تزيد قليلاً أو تنقص).
    3. الأطفال الذين يصابون بالالتهابات الحادة أو الإنتانات المختلفة والتي تجعلهم في حاجة شديدة إلى اللبن الإنساني لما يحتويه من الأجسام الضدية والمناعية.

    وتلبيةً لحاجة هؤلاء الأطفال فقد أنشأ البروفسور تالبوت Talbotعام 1910م وفي مدينة بوسطن بالولايات المتحدة الأمريكية أولَ مركز لجمع وتوزيع حليب المرأة. وقد سمح ظهور تقنية التبريد والتجميد بالمساعدة على حفظ عيّنات الحليب لمدة طويلة وتقديم هذه العينات بشكل عقيم وسليم للأطفال عند الحاجة.

    ومن بعد أنشأت الدكتورة ماري إيليز كايزر Marie-Elise Kaiserأولَ مركز أوروبي لجمع حليب الأمهات في مدينة ماغدبورغ Magdeburgبألمانيا الاتحادية.

    وفي عام 1947 م أنشأ البروفسور لولونغ Lelong في مركز رعاية الوليد في باريس أولَ بنك للحليب يعتمد على مبدأ جمع وتوزيع حليب الأمهات على جميع من يحتاجه من الأطفال. وبهذه الصورة يمكن القول بأنه ظهر لأول مرة وجود قانوني متميز لحليب الأم بعيداً عن الأم المعطية للحليب وللطفل المستقبِل لهذا الحليب. وقد نشأ في المجتمع الغربي جدل قانوني حول مشروعية اعتبار حليب الأم سلعة يمكن تقديمها كبقية السلع المعروفة في السوق. فمن البديهي أن جسم الإنسان يمثل هويته الشخصية ولا يمكن أن يكون عَرَضَاً يجوز التصرف فيه وتبادله في الأسواق. إلا أن هذا الجدل القانوني انتهي بالمُشَرّع الفرنسي على سبيل المثال إلى أن يعتبر أن أحد مكونات الجسم يصبح شيئاً من الأشياء حالما ينفصل عن الجسم ويجوز التصرف فيه. وعلى هذا يعتبر حليب الأم بمجرد انفصاله عنها شيئاً يجوز التصرف فيه بيعاً وشراءً وهبةً. وباعتبار أن هذا الحليب عنصر غذائي حيوي لذا يجوز بيعه والتصرف فيه كباقي السلع الغذائية.

    ما هو بنك الحليب ؟
    هو مركز يتم فيه جمع حليب الأمهات الموجودات في دور التوليد، أو الأمهات المرضعات اللواتي يرضعن أولادهن في المنازل ويقبلن أن يعطين المقدار الفائض من الحليب مرة أو أكثر في اليوم الواحد. ويقوم هذا المركز بجمع حليب الأمهات وتحليل هذا الحليب ومراقبته ومن ثم توزيعه بناء على وصفة طبية إلى الأطفال الخدّج أو إلى الأطفال الذين يعانون من أمراض معوية مناعية أو تحسسية.
    يُجمع الحليب عادة بصورة نظيفة وعقيمة في أوانٍ مغسولة جيداً بالماء والصابون والأفضل أن تكون معقمة بطريقة فنية، ثم يحفظ الحليب لوحده أو بعد خلطه مع غيره وفقاً للشروط التالية:
    أولاً) في درجة الحرارة الطبيعية:
    1. اللِّبَأ: Colostrum
    وهو الحليب الذي تدرّه المرأة خلال الأيام الستة الأولى من بعد الولادة.
    يمكن حفظ هذا الحليب لمدة (12) ساعة في درجة حرارة (27-32)° مئوية.

    2. الحليب الناضج:
    - يحفظ لمدة 24 ساعة بدرجة حرارة ( 15)° درجة مئوية.
    - يحفظ لمدة 10 ساعات بدرجة حرارة ( 19-22)° درجة مئوية
    - يحفظ لمدة 4 – 6 ساعات بدرجة حرارة (25)° درجة مئوية.

    ثانياً) في درجة حرارة البراد:
    الحليب الناضج:
    - يحفظ لمدة (Cool أيام بدرج حرارة ( 0 – 4)° درجة مئوية.
    وإذا تُرِكَ الحليب لمدة ساعتين في درجة الحرارة الطبيعية فيمكن أن يوضع في البراد ويحفظ لمدة (4-5) أيام بدون أي محذور (أو 8 أيام كحدّ أقصى)، أما إذا وضع في الثلاجة فيمكن حفظه عدة أشهر.

    ثالثاً) في درجة حرارة المجمدة:
    يمكن أن يحفظ الحليب الناضـج في قسم التجميد الموجود ضمن البراد لمدة أسبوعين ، أما إذا كانت المجمدة منفصلة فيمكن حفظ الحليب فيه إلى قد تصل إلى ( 3-4 ) أشهر.
    وفي حالة المجمدة الأفقية قد تصل مدة الحفظ إلى (6) أشهر بحالته المجـمدة بدرجـة حـرارة ثابتة (-19)° درجة مئوية.

    ملاحظات :
    1. يمكن حفظ الحليب البشري جيدا في الثلاجة. وقد أظهرت الدراسات عدم تزايد نمو الجراثيم بل إن بعض مكونات الحليب يقوم بتخريب هذه الجراثيم.
    2. الحليب بعد إخراجه من الثلاجة يمكن حفظه لمدة (2-3) أيام في البراد ذلك لأن تجميد الحليب يخرب بعض مكوناته التي تحدّ من نمو الجراثيم ولهذا تتكاثر الجراثيم في الحليب الخارج من الثلاجة أكثر من الحليب المبرد فقط.
    3. إذا رضع الطفل جزءاً من الحليب الذي أخرج من الثلاجة، فيجب وضع القسم الباقي في البراد بحيث يجوز استعماله خلال ( 24-48 ) ساعة ولا يجوز تسخينه أكثر من مرتين لعدم معرفة ما يجري للحليب إذا سخن أكثر من مرتين في اليوم.
    4. يمكن للحليب أثناء حفظه أن يأخذ طعماً وشكلاً غريبين. وقد يكون لهذا علاقة بما تتناوله الأم من أطعمة أو أشربة أو أدوية وغيرها. وقد يصبح الحليب رغويَّ الشكل نتيجة لعمل الخمائر في هضم المواد الدسمة الموجودة فيه مما قد يؤدي لاكتسابه طعماً غريباً، وقد ينفر الطفل من تناول هذا الحليب.
    5. يخضع الحليب لاختبارات وفحوص طبية دقيقة كاختبارات الأيدزAids والتهاب الكبد البائي B والتهاب الكبد الجيمي C والاختبارات الجرثومية المختلفة والتأكد من خلوه من بعض الجراثيم كالمكورات العنقودية Staphylococcus، ويجب إعلام الأم بصورة دائمة عن نتائج هذه الاختبارات.

    6. تُميّز بنوك الحليب بين نوعين من الحليب:
    أ‌) حليب الأم: Lait maternel وهو حليب مخصّص فقط لابن هذه الأم الموجود في المستشفى تحت العناية.
    ب‌) حليب المرأة: Lait feminin وهو الحليب الذي يُجمع ويحفظ ويمكن أن يقدم لأي طفل يحتاجه، وقد يكون هذا الحليب مختلطاً مع غيره من حليب الأمهات.

    7. انتشرت بنوك الحليب كثيراً في العالم الغربي. وقد تكون مؤسسات مستقلة بنفسها أو قد تكون ملحقة بمستشفيات الولادة بصورة عامة. وفي فرنسا على سبيل المثال يوجد حالياً ما يقرب من (20) عشرين بنك للحليب تنتشر على كافة التراب الفرنسي، كما يوجد بنوك مشابهة لها في ألمانيا ومختلف الدول الأوروبية والأمريكية، وهي غير معروفة إلى الآن في أقطار العالم الإسلامي. ومن الجدير بالذكر أن تكلفة هذه البنوك مرتفعة نسبياً، وبصورة عامة لا يُصرَف الحليب منها إلا بناء على وصفة طبية.
    وخلافا لبعض من قال بأن عدد هذه البنوك آخذ بالتراجع والانكماش فإنني أؤكد على انتشارها في العالم الغربي وأعطي على سبيل المثال فيما يلي عناوين بعض بنوك الحليب التابعة لرابطة بنوك الحليب الفرنسية:




    رابطة بنوك الحليب الفرنسية
    ASSOCIATION DES LACTARIUMS DE FRANCE (A.D.L.F.)
    عنوان المركز الرئيسي
    Siège social: 26, boulevard Brune, 75014 Paris.
    Tél : 01.40.44.39.14
    AMIENS
    80030 - Tél. 03.22.66.82.88
    Lactarium - Hôpital Nord - Pédiatrie II-
    Place Victor Pauchet

    BORDEAUX
    33077 - Tél. 05.56.79.59.14
    Lactarium Départemental
    Hôpital Pellegrin - Enfants
    Place Amélie Raba Léon
    BREST
    29200 - Tél. 02.98.22.33.33 p.2002
    Lactarium de Bretagne Occidentale
    Service Pierre Royer
    Hôpital Morvan C.H.R.U Brest
    CHERBOURG
    50102 - Tél. 02.33.20.70.00
    (ligne directe Néo-natologie)
    Lactarium C.H. Louis Pasteur
    46, rue du Val de Saire
    CLERMONT-FERRAND
    63003 Cedex - Tél. 04.73.31.60.00
    HÔTEL-DIEU
    Service Biberonnerie
    Avenue Vercingétorix
    DIJON
    21034 -Tél. 03.80.29.38.34
    Lactarium C.H.R.U Bocage
    Maternité du Bocage GRENOBLE
    38000 -Tél. 04.76.42.51.45
    Lactarium Rhône-Alpes
    Antenne de Grenoble
    Hôpital La Tronche

    LILLE
    59 037 - Tél. 03.20.44.50.50
    Hôpital Lille
    Hôpital Calmette
    Bd. Professeur Jules Leclercq
    LYON
    69322 Cedex 05 -Tél. 04.72.38.55.67
    Hôpital Debrousse
    Lactarium de Lyon
    29, rue Sœur Bouvier
    MARMANDE
    47200 -Tél. 05.53.64.26.22
    Lactarium Dr. R. Fourcade
    Croix Rouge Française
    Av. des Martyrs de la Résistance
    MONTPELLIER
    34059 -Tél. 04.67.33.66.99
    Lactarium Montpellier
    CHU Hôpital Arnaud Villeneuve
    371 av., Doyen Gaston Giraud
    MULHOUSE
    68051 -Tél. 03.89.64.68.91
    Lactarium C. H. Mulhouse
    Hôpital du Hassenrain
    Avenue d'Altkirch NANTES
    44035 -Tél. 02.40.08.34.82
    Lactarium Jacques Grislain
    C.H.R.U. Quai Moncousu


    ORLEANS
    45032 -Tél. 02.38.74.41.81
    Lactarium1,
    rue Porte Madeleine-BP 2439
    PARIS
    75014 -Tél. 01.40.44.39.14
    Lactarium
    26, Boulevard brune
    POITIERS
    86000 -Tél. 05.49,44,44.44 p. 4206
    C.H.R.U. Jean Bernard
    Av. Jacques Cœur
    SAINT-ETIENNE
    St Priest en Jarez
    42277 - Tél. 04.77.93.64.66
    Lactarium Charles Beutter
    C.H.R.U de St Etienne Nord
    STRASBOURG
    67000 -Tél. 03.88.11.60.54
    Institut de Puériculture
    Lactarium des Hospices Civils
    23, rue de la Porte de l'hôpital
    TOURS
    37000 -Tél. 02.47.47.37.34
    Lactarium
    C.H.R.U. Hôpital Clocheville
    49, Boulevard Bérenger




    محاذير بنوك الحليب:
    لا تهتم بنوك الحليب المنتشرة في العالم الغربي بالقيم الأخلاقية والدينية المتعلقة بالرضاع وما شابه وخاصة بعد أن اعتبرت أن الحليب بمجرد فصله عن الأم يجوز بيعه وشراؤه وهبته.
    بيد أن المجتمعات الإسلامية تنظر إلى هذا النوع من الحليب بالمنظار الديني، فالشريعة قررت أنه " يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب". وهذا يعني أن الطفل الذي يتناول حليباً إنسانياً مجهولاً فقد يؤدي ذلك إلى أن يتزوج الأخ أخته من الرضاعة أو خالته أو عمته أو غيرها من المحرمات عليه.
    ولقد ناقش مجمع الفقه الإسلامي الدولي هذا الموضوع في دورته الثانية المنعقدة في جدة في شهر ربيع الآخر عام 1406 هـ / كانون الأول – ديسمبر 1985 م على ضوء حاجة العالم الإسلامي لبنوك الحليب وأصدر بشأنه القرار رقم 6 ( 6/2) وهذا نصه:
    بعد أن عرض على المجمع دراسة فقهية، ودراسة طبية حول بنوك الحليب، وبعد التأمل فيما جاء في الدراستين ومناقشة كل منهما مناقشة مستفيضة شملت مختلف جوانب الموضوع وتبين منها:

    أولاً) أن بنوك الحليب تجربة قامت بها الأمم الغربية، ثم ظهرت مع التجربة بعض السلبيات الفنية والعلمية فيها وانكمشت وقلّ الاهتمام بها.

    ثانياً) أن الإسلام يعتبر الرضاعة لحمة كلحمة النسب يحرم به ما يحرم من النسب بإجماع المسلمين. ومن مقاصد الشريعة الكلية المحافظة على النسب، وبنوك الحليب مؤدية إلى الاختلاط أو الريبة.

    ثالثاً) أن العلاقات الاجتماعية في العالم الإسلامي توفر للمولود الخَداج أو ناقص الوزن أو المحتاج إلى اللبن البشري في الحالات الخاصة ما يحتاج إليه من الاسترضاع الطبيعي، الأمر الذي يغني عن بنوك الحليب.

    قرر ما يلي:
    أولاً) منع إنشاء بنوك حليب الأمهات في العالم الإسلامي.
    ثانياً) حرمة الرضاعة منها.

    ويتضح مما سبق أن القرار أغفل وضع المسلمين المتزايد في العالم الغربي ولم يتطرق إلى أحوالهم المتصلة بهذا الموضوع. فكان لزاما أن يستأنف البحث على ضوء المستجدات والوصول إلى حكم يتناسب مع حاجة المسلمين في العالم الغربي.

    ولهذا سنعرض بإيجاز الأحكام المتعلقة بالرضاع في الفقه الإسلامي ( تعريفه وصفته وأنواعه وأحكامه ) وما يتصل منها ببنوك الحليب.


    تعريف الرضاع

    1. الرضاع لغةً:
    الرِّضاع والرَّضاعة معناهما واحد، وهما بفتح الراء وكسـرها، وقـد رَضِعَ الصبيُّ أمه، بكسر الضاد، يَرْضَعَها، بفتحها، رَضْعَاً وَرَضَاعَاً ورضَاعَةً.
    قال الجوهري: ويقول أهل نجد: رَضَع يَرْضِعُ ، بفتح الضاد في الماضي وكسرها في المضارع – رضعاً، كضرب، يضرب ضرباً. وأرضعته أمه، وامرأة مُرضع، أي لها ولد ترضعه، فإن وصفتها بإرضاعه قلت: مُرْضِعَة.

    قال شيخ الإسلام زكريا: الرَِّضَاع، بفتح الراء وكسرها: اسم لمصّ الثدي وشرب لبنه.
    قال: وقائله جرى على الغالب الموافق للغة، وإلا فهو اسم لحصول لَبَنِ امرأةٍ أو ما حصلَ منه في جوْف طِفلٍ . وقد تُبدل الضاد تاءً لغةً .
    2. الرضاع شرعاً :
    هو اسم لحصول لبن امرأة أو ما حصل منه في معدة طفل .
    وقال الجرجاني: هو مصّ الرضيع من ثدي الآدمية في مدة الرضاعة .
    وعرّفه بعض العلماء بأنه: مصّ مَنْ دون الحولين لبناً ثابَ عن حمْلٍ، أو شُربه ونحوه . ويقول آخرون: هو اسم لمصّ الثدي وشُرب لبنه .

    3. حكم الرضاع:
    الرضاع جائز في الأصل، قال تعالى: “ وَأُمَّهَاتُكُم اللاّتي أرْضَعْنَكُم وَأَخَواتُكُم منَ الرَّضَاعَة “ . ]سورة النساء: 23[ ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم عن ابنة حمزة رضي الله عنهما : ( إنها ابنة أخي من الرضاعة ) ]انظر صحيح البخاري 5100 وهو جزء من حديث [. وقال عن ابنة أم سلمة رضي الله عنها : ( إنها لابنة أخي من الرضاعة، أرضعتني وأبا سلمة ثُوَيْبة )]رواه البخاري 5101 وهو جزء من حديث[ .
    وعن عائشة رضي الله عنها قالت: " كان فيما أنزل الله من القرآن عشر رَضَعَات يحرِّمنَ ثم نسخن بخمس معلومات يُحرمن فتوفي النبي صلى الله عليه وسلم وهنَّ مما يقرأ من القرآن " ]رواه مسلم 4/167 ؛ وأبو داود 2062 [
    قد يكون الرضاع مكروهاً كالارتضاع بلبن المشركة ولبن الفجور والمشركات؛ قال ابن قدامة: " كره الإمام أحمد الارتضاع بلبن الفجور والمشركات " .
    وقد يكون للرضاع أحكام أخرى بحسب الحال، فقد يكون واجباً وذلك في حق من لها لبن ووجدت طفلاً ليس له مرضعة، فيتعين عليها إرضاعه من باب إنقاذ نفس من الموت والهلاك، والله أعلم .

    4. شروط الرضاع المحرِّم:
    إن للرضاع تأثيراً على المرضعة ومن يتصل بها من النسب، وعلى الرضيع وأولاده، إلا أن هذا التأثير لا يوجد إلا إذا تحقق الرضاع بشروطه المعتبرة شرعاً. وقد اختلف الفقهاء في شروط الرضاع، وفي ذلك تفصيل نعرض له بإيجاز فيما يلي:



    أولاً) السن الذي يثبت فيه التحريم بالرضاع:
    اختلف الفقهاء في السـن الذي يثبت فيه التحريم بالرضـاع، فذهـب جمهور أهل العلم إلى أن الرضـاع الذي يثبت فيه التحريم ما كان في سنّ الحولين وهو قول مالك والشافعي وأحمد، وصاحبي أبي حنيفة .
    واستدلوا بقوله تعالى: " وَالوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أوْلادَهُنَّ حوْليْنِ كامِلَيْنِ لَمَنْ أرَادَ أنْ يُتِمَّ الرّضـاعَة " ] سورة البقرة : 233 [ فجعل تمـام الرضـاعة حولين . وبقوله تعالى: " وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونََ شهراً " ] سورة الأحقاف: 15 [.
    وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخـل عليها وعندها رجل، فتغيّر وجـه النبي صلى الله عليه وسـلم فقالت:
    ( يا رسول الله إنه أخي من الرضـاعة، فقال: انظـُرنَ مَنْ إخوانكن فإنما الرضاعة من المجاعة) ] متفق عليه [.
    وعن أم سـلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صـلى الله عليه وسلم: ( لا يحرم من الرضـاعة إلا ما فتق الأمعـاء في الثدي وكان قبل الفطام )] رواه الترمذي 1152 وصححه هو والحاكم [.
    ومعني في الثـدي، قال الشـوكاني: ( أي في أيام الثدي، وذلك حيث يرضع الصبي فيها ) .
    وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: " لا رضاع إلا في الحولين ” .
    وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسـول الله صـلى الله عليه وسلم: ( لا رضاع إلا ما أنشز العظم وأنبت اللحمَ ) .

    أما الإمام أبوحنيفة رحمه الله فقد ذهب إلى أن التحريم يثبت إلى ثلاثين شهراً .
    واستدل بقوله تعالى: " وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونََ شهراً " ] سورة الأحقاف: 15 [.

    وذهب الظاهرية إلى أن إرضاع الكبير يُحرّم، لحديث سهلة بنت سهيل في قصة إرضاعها لسالم رضي الله عنهم، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: جاءت سهلة بنت سهيل فقالت: يا رسول الله، إن سـالماً مـولى أبي حذيفة معنا في بيتنا، وقد بلغ ما يبلغ الرجـال، فقال: ( أرضعـيه
    تَحْرُمي عليه ) .
    وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلى أن إرضـاع الكبير يجوز للحاجة ويثبت به التحريم فقال: ( وهذا الحديث– أي حديث سـهلة بنت سهيل في إرضاعها لسالم أخذت به عائشة رضي الله عنها وأبى غيرها من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يأخذن به مع أن عائشة رضي الله عنها روت عنه قال: " الرضاعة من المجـاعة " لكنها رأت الفرق بين أن يقصد رضاعة أو تغذية، فمتى كان المقصـود الثاني لم يحـرّم إلا ما كان قبل الفطـام، وهذا هو إرضـاع عامـة الناس، وأما الأول فيجوز إن احتيج إلى جعله ذا محرم، وقد يجوز للحاجـة ما لا يجـوز لغيرها، وهذا قول متجه ) .

    الترجيــح:
    والراجح مذهب جمهور أهل العلم، وهو أن الرضـاع لا يحرم إلا ما كان في الحولين لقوله صلى الله عليه وسـلم: ( إنما الرضـاعة من المجاعة ) وللأدلة السابقة المتقدمة في بيان أن الرضـاع الذي يحرّم ما كان في زمن الفطام في الحولين، لأنه هو السـن الذي يتغذى فيه باللبن، فينبت به اللحم وينشز به العظم. وأما الاستدلال بقوله تعالى: " وَحَمْلُهُ وَفِصَـالُهُ ثَلاثُونََ شـهراً " ] سورة الأحقاف: 15 [علـى ثـبوت التحريم إلى الثلاثين، فإن مدة الحمل أدناها ستة أشهر فبقي للفصـال حولان، وقد دلّ على ذلك قـوله تعـالى " وَحَمْلُهُ وَفِصَـالُهُ ثَلاثُـونََ شـهراً " مع قوله تعالى: " وَالوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أوْلادَهُنَّ حوْليْنِ كامِلَيْنِ لَمَنْ أرَادَ أنْ يُتِمَّ الرّضـاعَة " ] سورة البقرة : 233 [ فحولان للرضـاع ويبقى للثلاثين ستة أشهر وهي أقل مدة الحمل. والله أعلم.

    ثانيا) عدد الرضعات التي يثبت معها التحريم:
    وقد اختلف أهل العلم في العدد المحرم من الرضاعة:
    فذهب الإمامان مالك وأبو حنيفة رحمـهما الله تعـالى إلى أن قلـيل الرضاع وكثيره يحرم، وهذا القول هو رواية ثانية عن الإمام أحمـد رحمه الله وإليه ذهب أيضا ابن المسيّب والحسـن ومكحول والزهري ومالك والأوزاعي والثوري والليث .
    واحتجوا بقوله تعالـى: " وَأُمَّهَاتُكُم اللاّتي أرْضَعـْنَكُم وَأَخَواتُكُم مـنَ الرَّضَاعَة " . ]سورة النساء: 23[ ، وهذا لفظ مطـلق يفيد الإطـلاق وعـدم التقييد، وبقوله صلى الله عليه وسلم: ( يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب) .
    وذهب داود الظاهري وابن المنذر، إلى أن أقل ما يحرّم ثلاث رضعات وبه قال أبو ثور وأبو عبيد
    واستدلوا بمفهوم قوله صلى الله عليه وسلم: ( لا تحرّم المصة ولا المصتان ) . وفي رواية عن أم الفضل بنت الحارث قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا تحرّم الإملاجة ولا الإملاجتان ) . فمفهوم الحديث أن الثلاث تحرّم.
    وذهب الإمام الشافعي وأحمد رحمهما الله تعالى إلى أن التحريم لا يكون بأقل من خمس رضعات، وهو قول ابن حزم أيضاً .
    واستدلوا بحديث عائشة رضـي الله عنها قالت: ( كان فيما أنزل مـن القرآن عشر رَضَـعات معلومات يحرّمن، ثم نُسخن بخمسٍ معلومات، فتوفي النبي صلى الله عليه وسلم وهُنَّ فيما يقرأ من القرآن .

    الترجيح:
    والراجح مـا ذهب إليه الإمامان الشـافعي وأحـمد رحمهما الله تعالى لصريح ما استدلا به، وهو صحيح محكم، ومن آخر ما نقل عنه صلى الله عليه وسلم في حياته.
    ويجاب عن استدلال أبي حنيفة ومالك رحمهما الله تعالى: أنه مطلق وقد تقرر في الأصول من وجوب حمل المطـلق على المقيّد، فقوله تعالى: " وَأخَوَاتُكُم مِنَ الرَّضَاعَة " وكذا قوله صلى الله عليه وسلم: (يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب ) مطلق يحمل على المقيد بخمس لقـول عائشة رضي الله عنها: ( ثم نسخن بخمس معلومات ).
    ويجاب عن استدلال داود بأنه عمل بالمفهوم، والمفهوم يعمل به مـا لم يخالف منطوقاً ، وقد خالف هنا المنطوق من حديث عائشة رضي الله عنها: ( ثم نسخن بخمسٍ معلومات ). والله أعلم

    ثالثاً) حدّ الرضعة وشروطها:
    وإذا كان التحريم لا يتحقق إلا بخمس رضعات معلومات، فما هو حدّ الرضعة الواحدة وما هي شروطها؟

    (1) حدّ الرضعة:
    الرجوع في ضبط الرضعة والرضعتين إلى العُرف، لأنه لا ضـابطَ له في اللغة ولا في الشرع، وما لا ضـابط له في اللغة ولا في الشـرع يرجع به إلى العرف .
    فالرضعة هي المرة، فمتى التقم الصـبي الثدي فامتص منه ثم تركـه باختياره لغير عارض كان ذلك رضعة ، فأما إن قطع لضـيق نفس ، أو للانتقـال من ثدي إلى ثدي، أو لشـيءٍ يلهـيه، أو قطـعت عنـه المرضعة، فإن لم يعد قريبا فهي رضعة، وإن عاد في الحـال، فجميع ذلك رضعة واحدة على الراجح .
    قال صديق خان: الرضعة أن يأخذ الصبي الثدي فيمتص منه ثم يستمر على ذلك حتى يتركه باختياره لغير عارض .

    (2) شروط الرضعة:
    يشترط في الرضعات أن تكون متفرقات، وبهذا قال الشافعي وأحمد .
    وقد اختلف أهل العلم في شرط الرضعة في مسائل:

    أ‌) السَّعُوط والوَجُور:
    فالسَّعُوط: أن يصبّ اللبن في أنفه من إناء أو غيره.
    والوَجور: أن يصبَّ اللبن في حلقه صباً من غير الثدي.
    فمذهب أهل العلم أنه يثبت به التحريم، وهو قول أبي حنيفة والشافعي وأحمد والشعبي، والثوري، وبه قال مالك في الوَجور .
    والقول الثاني: لا يثبت التحريم، وهو مذهب داود، لأن هذا ليس برضاع، وإنما حرّم الله ورسوله بالرضاع.
    وقد رجح ابن قدامة في المغني مذهب الجمهور فقال: " ولنا أن هذا يصل به اللبن إلى حيث يصل بالارتضاع، ويحصل به من إنبات اللحم وإنشاز العظم ما يحصل من الارتضاع، فيجب أن يساويه في التحريم. والأنف سبيل الفطر للصائم، فكان سبيلاً للتحريم كالرضاع بالفم. قال: والذي يحرم من ذلك ما كان مثل الرضاعة وهو خمس رضعات، فإن ارتضع وكمل الخمس بالوجور، أو أوجر وكمل الخمس برضاع ثبت التحريم .

    ب‌) اللبن المختلط بغيره:
    اللبن المشوب بغيره-أي المخلوط- فهو كاللبن المحض الذي لم يخالطه شيء وذلك في قول عند الحنابلة ، والقول الثاني: إن كان الغالب اللبن حرم وإلا فلا وهو قول أبي ثور والمزني لأن الحكم للغالب ،كما أنه قول الحنفية، قال في الهداية: " وإن اختلط بالدواء واللبنُ غالبٌ تعلّق به التحريم ، لأن اللبنَ يبقى مقصوداً فيه، إذ الدواء لتقويته على الوصول. وإذا اختلط اللبن بلبن الشاة وهو الغالب تعلق به التحريم ".

    ج‌) الحقنة باللبن:
    وأما الحقنة، فمذهب أبي حنيفة ومالك وأحمد أنها لا تحرم، لأن هذا ليس برضاع ولا يحصل به التغذي فلم ينشر الحرمة .
    ومذهب الشافعي في القديم أنها تحرِّم، وعن محمد بن حسن الشيباني رحمه الله أنه تثبت به الحرمة كما يفسد به الصوم . أما في مذهب الشافعي الجديد فلا يثبت به التحريم وعليه الفتوى في المذهب . وقد رجح ابن قدامة رحمه الله عدم التحريم لعدم إنبات اللحم وإنشاز العظم بذلك .
    قال المطيعي في تكملة المجموع شرح المهذب: " وقد سألنا ولدنا التقي الدكتور أسامة أمين فراج فأجاب: لو أعطينا حقنة اللبن من الشَّرَج فإنه لا يتغذى منه الجسم إلا بنسبة ضئيلة في حالة بقائه في جوفه مدة طويلة ، ولا تقاس بجانب ما يتعاطاه بفمه كيفاً وكمّاً، وأما إذا نزل منه في الحال فإنه لا يعود عليه منه ما يغذيه" .

    د‌) الحلب من نسوة متعددات:
    قال في المغني: وإن حلب من نسوةٍ وسقيه الصبي، فهو كما لو ارتضع من كل واحدة منهن، لأنه لو شيب بماء أو عسل لم يخرج عن كونه محرماً، فكذلك إذا شيب بلبن آخر .

    هـ) إذا حلبت اللبن وسقته في أوقات متعددة:
    قال في المغني: ولو حلبت في إناء دفعة واحدة ثم سقته في خمسة أوقات فهو خمس رضعات، وإن حلبت في إناء حلبات في خمسة أوقات ثم سقته دفعة واحدة، كان كرضعة واحدة، قال: كما لو جُعلَ الطعام في إناء واحد في خمسة أوقات، ثم أكله دفعةً واحدة ، كان أكلة واحدة . وهو قول عند الشافعية .

    و‌) الارتضاع بلبن امرأة ميتة:
    هل يشترط للتحريم بالرضاع أن تكون المرضعة حية أثناء الارتضاع، فإذا شرب لبنها بعد موتها لم يُحَرِّم ؟
    اختلف الفقهاء في ذلك، فذهب الحنفية والحنابلة إلى أنه يحرّم لبن الميتة كما يحرم لبن الحية، لأن اللبن لا يموت، وهو قول أبي ثور والأوزاعي وابن القاسم وابن المنذر .
    وذهب الشافعي إلى أنه لا ينشر الحرمة، وبه قال الخلال من الحنابلة، لأنه لبن ممن ليس بمحل للولادة فلم يتعلق به التحريم .
    ورجح ابن قدامة إثبات التحريم، وقال: لأنه لو حلب منها في حياتها فشربه بعد موتها لنشر الحرمة ، وبقاؤه في ثديها لا يمنع ثبوت الحرمة لأن ثديها لا يزيد على الإناء .
    قال المطيعي في تكملة المجموع: ولو حلبت المرأة لبنها في وعاء، ثم ماتت، فشربه صبي نشر الحرمة في قول كل من جعل الوجور محرماً .

    فظهر أن مذهب الشافعية، أنهم يخصون عدم انتشار التحريم بما لو ارتضع من ثديها بعد موتها، أو حُلِبَ من ثديها في وعاء بعد موتها. أما لو احتلبت من ثديها في وعاء قبل موتها ثم شربه بعد موتها فإنه ينشر التحريم عندهم .

    ز‌) الارتضاع من لبن غير الآدمية:
    ولو ارتضع اثنان من لبن بهيمة فهل يصيران أخوين؟
    لا تنتشر الحرمة بلبن غير الآدمية، فلو ارتضع اثنان من لبن بهيمة لم يصيرا أخوين في قول عامة أهل العلم .

    ح‌) الشك في الرضاع:
    إذا شكت المرضعة هل أرضعت الطفل أم لا ؟ أو هل أرضعته خمس رضعات أو أربع رضعات، لم يثبت التحريم، لأن الأصل واليقين عدم الرضاع .
    قال الإمام الشافعي رحمه الله: ولو شكّ رجلٌ أن تكون امرأة أرضعته خمس رضعات، قلت: الورَعُ أن يكفَّ عن رؤيتها حاسراً ولا يكون لها محرماً بالشك.
    ولو نكحها، أو أحداً من بناتها لم أفسَخ النكاح، لأني على غيرِ يقينٍ من أنها أم .

    وأما إذا شك: هل دخل اللبن في جوف الصبي، أو لم يدخل؟ قال شيخ الإسلام : ( فهنا لا نحكم بالتحريم بلا ريب، وإن علم أنه حصل في فمه، فإن حصول اللبن في الفم لا ينشر الحرمة باتفاق المسلمين) .


    الآثار الشرعية
    المترتبة على الرضاع

    إذا أرضعت المرأة طفلاً رضاعاً مُحَرِّماً، صار المرتضع ابناً للمرضعة بغير خلاف، وصار أيضا ابناً لمن ثاب اللبن بسببه وهو الزوج – زوج المرضعة لأنه صاحب اللبن – فصار الرضيع في تحريم النكاح وإباحة الخلوة والمسافرة كالابن تماماً. ويترتب على ذلك ما يلي:

    1. أولاد المرتضع من البنين والبنات أولاد أولادهما وإن نزلت درجتهم.
    2. جميع أولاد المرضعة – من زوجها صاحب اللبن ومن غيره – وجميع أولاد الرجل الذي انتسب الحمل إليه من المرضعة ومن غيرها إخوة المرتضع وأخواته.
    3. وأولاد أولادهما هم أولاد إخوته وأخواته وإن نزلت درجتهم.
    4. وأم المرضعة جدته، وأبوها جده.
    5. إخوة المرضعة أخواله، وأخواتها خالاته.
    6. أبو الرجل جدّه، وأمه جدته.
    7. وإخوة الرجل أعمامه، وأخواته عماته.
    8. جميع أقاربهما من النسب ينتسبون إلى المرتضع كما ينتسبون إلى ولدهما من النسب.

    والدليل في ذلك ما روته السيدة عائشة رضي الله عنها: " أن أفلح أخا أبي القعيس رضي الله عنه استأذن عليها بعد أن نزل الحجاب، فقالت: والله لا آذن له حتى أستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن أخا أبي القعيس ليس هو أرضعني، ولكن أرضعتني امرأة أبي القعيس فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله إن الرجل ليس هو أرضعني ولكن أرضعتني امرأته، قال: ائذني له فإنه عمُّك تربت يمينك ". قال عروة: فبذلك كانت عائشة تأخذ بقول: ( حرّموا من الرضاعة ما يحرم من النسب) .

    وسئل ابن عباس رضي الله عنهما عن رجل تزوج امرأتين، فأرضعت إحداهما جارية والأخرى غلاماً، هل يتزوج الغلام الجارية؟ فقال: لا اللقاح واحد .

    التحريم من قبل المرتضع:
    فأما التحريم من جهة المرتضع فلا ينتشر إلا إليه وإلى أولاده، وإن نزلوا، ولا تنتشر إلى من في درجته من إخوته وأخواته، ولا إلى أصوله كأبيه وأمه، ولا إلى حواشيه كأعمامه وعمّاته وأخواله وخالاته، فلا يحرم على المرضعة نكاح أبي الطفل الرضيع، ولا أخيه، ولا عمه ولا خاله، ولا يحرم على زوجها نكاح أم الطفل المرتضع ولا أخته ولا عمته ولا خالته، ولا بأس أن يتزوج أولاد المرضعة وأولاد زوجها – صاحب اللبن – إخوة الطفل المرتضع وأخواته ، لأنه ليس بينهم رضاع ولا نسب.

    ومن الجدير بالذكر التنويه إلى أنه لا تثبت بقية الأحكام بالرضاع، من النفقة والعتق ورد الشهادة والإرث وغير ذلك .


    بنوك الحليب
    وأثرها على أحكام الرضاع


    كنت قد أشرت سابقاً إلى أن مجمع الفقه الإسلامي الدولي ناقش هذا الموضوع في دورته الثانية المنعقدة في جدة في شهر ربيع الآخر عام 1406 هـ / كانون الأول – ديسمبر 1985 م واتخذ بذلك قراراً ذكرته فيما مضى.

    وكان من أهم الأبحاث التي تناولت قضية بنوك الحليب بحث أستاذنا الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي حفظه الله الذي ألخصه فيما يلي:
    يقول الأستاذ القرضاوي جوابا على سؤال حول بنوك الحليب: فلا ريب أن الهدف الذي من أجله أنشئت " بنوك الحليب " هدف خيّر نبيل يؤيده الإسلام الذي يدعو إلى العناية بكل ضعيف أياً كان سبب ضعفه، وخصوصاً إذا كان طفلاً خديجاً لا حول له ولا قوة.
    ولا ريب أن أية امرأة مرضع تسهم بالتبرع ببعض لبنها لتغذية هذا الصنف من الأطفال مأجورة عند الله، ومحمودة عند الناس. بل يجوز أن يشترى ذلك اللبن منها إذا لم تطب نفسها بالتبرع، كما جاز استئجارها للرضاع كما نص عليه القرآن وعمل به المسلمون.
    ولا ريب كذلك أن المؤسسة التي تقوم بتجميع هذه " الألبان " وتعقيمها وحفظها لاستخدامها في تغذية هؤلاء الأطفال في صورة ما سمي " بنك الحليب " مشكورة مأجورة أيضاً.
    إذن ما المحذور الذي يُخاف من وراء هذا العمل؟
    المحذور يتمثل في أن هذا الرضيع سيكبر بإذن الله، ويصبح شابّاً في هذا المجتمع، ويريد أن يتزوج إحدى بناته، وهنا يخشى أن تكون هذه الفتاة أخته من الرضاعة وهو لا يدري، لأنه لا يعلم مَنْ رضع معه من هذا اللبن المجموع.
    وأكثر من ذلك أنه لا يعلم مَنْ من النساء شاركت بلبنها في ذلك، مما يترتب عليه أن تكون أمه من الرضاع، وتحرم هي عليه ويحرم عليه بناتها من النسب ومن الرضاعة، كما يحرم عليه أخواتها لأنهن خالاته، ويحرم عليه بنات زوجها من غيرها – على رأي جمهور الفقهاء – لأنهن إخوته من جهة الأب، إلى غير ذلك من فروع أحكام الرضاعة.

    وبعد أن تناول الأستاذ القرضاوي معنى الرضاع الذي رتب عليه الشرع التحريم ثم ناقش ما رجحه صاحب المغني لحديث ابن مسعود عن أبي داود ( لا رضاع إلا ما أنشز العظم وأنبت اللحم )، قال صاحب المغني: " ولأن هذا يصل به اللبن حيث يصل بالارتضاع، ويحصل به من إنبات اللحم ما يحصل من الارتضاع، فيجب أن يساويه في التحريم ولأنه سبيل الفطر للصائم، فكان سبيلاً للتحريم كالرضاع بالفم"
    ونقول لصاحب المغني رحمه الله – والكلام للشيخ القرضاوي - : " لو كانت العلة هي إنشاز العظم وإنبات اللحم بأي شيء كان، لوجب أن نقول بأن نقل دم امرأة إلى أي طفل يحرمها عليه ويجعلها أمه، لأن التغذية بالدم في العروق أسرع وأقوى تأثيراً من اللبن. ولكن أحكام الدين لا تفرض بالظنون، فإن الظن أكذب الحديث، (وإنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي منَ الحقِّ شَيْئَا ).
    ثم يقول الأستاذ القرضاوي: والذي أراه أن الشارع جعل أساس التحريم هو (الأمومة المرضعة) كما في قوله تعالى في بيان المحرمات من النساء: (وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة) ]سورة النساء: 23[.
    وهذه الأمومة التي صرح بها القرآن لا تتكون من مجرد أخذ اللبن، بل من الامتصاص والالتصاق الذي يتجلى فيه حنان الأمومة وتعلق البنوة، وعن هذه الأمومة تتفرع الأخوة من الرضاع، فهي الأصل، والباقي تبع لها.
    فالواجب الوقوف عند ألفاظ الشارع هنا، وألفاظه كلها تتحدث عن الإرضاع والرضاع والرضاعة، ومعنى هذه الألفاظ في اللغة التي نزل بها القرآن وجاءت بها السنة واضح صريح، لأنها تعني إلقام الثدي والتقامه وامتصاصه، لا مجرد الاغتذاء باللبن بأي وسيلة.
    ويتابع الشيخ القرضاوي قوله: ويعجبني موقف الإمام ابن حزم هنا فقد وقف عند مدلول النصوص، ولم يتعدّ حدودها فأصاب المحزّ وَوُفّقَ للصواب. ويَحسنُ بي أن أنقل هنا فقرات من كلامه لما فيه من قوة الإقناع ووضوح الدليل. قال: " وأما صفة الرضاع المحرم، فإنما هو ما امتصه الراضع من ثدي المرضعة بفمه فقط، فأما من سقي لبن امرأة من إناء أو حلب في فمه فبلعه أو أطعمه بخبز أو طعام أو صبّ في فمه أو في أنفه أو في أذنه، أو حقن به، فكل ذلك لا يحرم شيئاً ولو كان ذلك غذاؤه دهرَه كله". برهان ذلك قول الله عز وجلّ: " وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة " ] سورة النساء الآية: 23 [ وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) ، فلم يحرم الله تعالى ولا رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا المعنى نكاحاً إلا بالإرضاع، والرضاعة والرضاع فقط.
    ولا يسمى إرضاعاً إلا ما وضعته المرأة المرضعة من ثديها في فم الرضيع، يقال أرضعته ترضعه إرضاعاً. ولا يسمى رضاعة ولا إرضاعاً إلا إذا أخذ المرضع أو الرضيع بفيهِ الثديَ وامتصاصه إيّاه: تقول: رضع يرضع رضاعاً ورضاعة.
    وأما كل ما عدا ذلك مما ذكرنا فلا يسمى شيءٌ منه إرضاعاً ولا رضاعة ولا رضاعاً، إنما هو حلب وطعام وإسقاء وشرب وأكل وبلع وحقنة وسعوط وتقطير، ولم يحرم الله عزّ وجلّ بهذا شيئاً."
    و يتابع الشيخ القرضاوي كلامه فيقول: ( وبهذا نرى أن القول الذي يطمئن إليه القلب، هو ما يتمشى مع ظاهر النصوص التي ناطت كل الأحكام بالإرضاع والرضاع ومعناهما معروف لغة وعرفاً.
    كما يتمشى مع الحكمة في التحريم بالرضاع، وهو وجود أمومة تشابه أمومة النسب وعنها تتفرع البنوة والأخوة وسائر القرابات الأخرى.)
    ومعلوم أن الرضاع بهذا المعنى في حالة " بنوك الحليب " غير موجود، إنما هو الوجود الذي ذكره الفقهاء، فلا يترتب عليه حينئذ التحريم.

    ويناقش الشيخ القرضاوي مسألة الشك في الرضاع بقوله: " إننا لا نعرف مَنْ التي رضع منها الطفل؟ وما مقدار ما رضع من لبنها؟ وهل أخذ من لبنها ما يساوي خمس رضعات مشبعات؟ على ما هو القول المختار الذي دلّ عليه الأثر، ورجحه النظر، وبه ينبت اللحم وينشز العظم، وهو مذهب الشافعية والحنابلة.

    وهل للّبن المشوب المختلط حكم اللبن المحض الخالص؟
    ففي مذهب الحنفية قول أبي يوسف – وهو رواية عن أبي حنيفة – أن لبن المرأة إذا اختلط بلبن امرأة أخرى ، فالحكم للغالب منهما، لأن منفعة المغلوب لا تظهر في مقابلة الغالب، وهنا لا يُدرى غالبٌ من مغلوب.
    والمعروف أن الشك في أمور الرضاعة لا يترتب عليه التحريم، لأن الأصل هو الإباحة فلا ننفيها إلا بيقين.
    قال العلامة ابن قدامة في المغني: ( وإذا وقع الشك في وجود الرضاع، أو في عدد الرضاع المحرم، هل كملا أو لا ؟ لم يثبت التحريم، لأن الأصل عدمه، فلا نزول عن اليقين بالشك، كما لو شك في وجود الطلاق وعدده ) .

    وفي الاختيار من كتب الحنفية: ( امرأة أدخلت ثديها في فم رضيع، ولا يدرى: أَدخلَ اللبنُ في حلقه أم لا ؟ لا يحرم النكاح.
    وكذا صبية أرضعها بعض أهل القرية، ولا يدرى من هو، فتزوجها رجل من أهل تلك القرية يجوز، لأن إباحة النكاح أصل، فلا يزول بالشك.
    قال ويجب على النساء ألا يرضعن كل صبي من غير ضرورة، فإن فعلن فليحفظنه أو يكتبنه احتياطاً.

    ولا يخفى أن ما حدث في قضيتنا ليس إرضاعاً في الحقيقة، ولو سلمنا بأنه إرضاع فهو لضرورة قائمة، وحفظه وكتابته غير ممكن، لأنه لغير معيّن، وهو مختلط بغيره.

    والاتجاه المرجح عند الشيخ القرضاوي في أمور الرضاعة هو التضييق في التحريم كالتضييق في إيقاع الطلاق وللتوسيع في كليهما أنصار.

    ويلخص الأستاذ القرضاوي بحثه بقوله:
    إننا لا نجد هنا ما يمنع من إقامة هذا النوع من ( بنوك الحليب ) ما دام يحقق مصلحة شرعية معتبرة، ويدفع حاجة يجب دفعها. آخذين بقول من ذكرنا من الفقهاء، مؤيداً بما ذكرنا من أدلة وترجيحات.
    وقد يقول بعض الناس: ولما لا نأخذ بالأحوط، ونخرج عن الخلاف والأخذ بالأحوط هو الأورع والأبعد عن الشبهات؟
    وأقول: عندما يعمل المرء في خاصة نفسه، فلا بأس أن يأخذ بالأحوط والأورع بل قد يرتقي فيدع ما لا بأس حذراً مما به بأس.
    ولكن عندما يتعلق الأمر بالعموم وبمصلحة اجتماعية معتبرة، فالأولى بأهل الفتوى أن ييسروا ولا يعسروا، دون تجاوزٍ للنصوص المحكمة، أو القواعد الثابتة.
    ولهذا جعل الفقهاء من موجبات التخفيف: عموم البلوى بالشيء مراعاة لحال الناس ورفقاً بهم، هذا بالإضافة إلى أن عصرنا الحاضر خاصة أحوج ما يكون إلى التيسير والرفق بأهله.
    على أن مما ينبغي التنبيه عليه هنا هو أن الاتجاه في كل أمر إلى الأخذ بالأحوط دون الأيسر أو الأرفق أو الأعدل، قد ينتهي بنا إلى جعل أحكام الدين مجـموعة "أحوطيات " تجافي روح اليسير والسماحة التي قام عليها هذا الدين. قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: " بعثت بحنيفية سمحة ". " إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين"
    والمنهج الذي نختاره في هذه الأمور هو التوسط والاعتدال بين المتزمتين والمتهاونين. " وكذلك جعلناكم أمة وسطاً "

    * * * * *

    هذا وقد أورد الدكتور محمد علي البار في بحثه أن الشيخ عبد اللطيف حمزة مفتي مصر أفتى بأنه لا تحرم رضاعة أي طفل من ( لبن البنوك ) واستند المفتي في قوله إلى مذهب أبي حنيفة الذي ينص على أن الرضاعَ لا يحرم إلا إذا تحققت شروطه، ومنها: أن يكون اللبن الذي يتناوله الطفل لبن امرأة وأن يصل إلى جوفه عن طريق الفم ولا يكون مخلوطاً بغيره كالماء أو الدواء أو لبن الشاة أو بجامد من أنواع الطعام أو بلبن امرأة أخرى ، فإن خلط بنوع من الطعام، وإن طبخ معه على النار فلا يثبت التحريم باتفاق أئمة المذهب الحنفي.... وإذا لم تمسّه النار فلا يثبت به التحريم أيضاً عند أبي حنيفة سواء أكان الطعام المضاف إليه غالباً أو مغلوباً لأنه إذا خلط الجامد بالمائع صار المائع تبعاً فيكون الحكم للمتبوع والعبرة بالغلبة، ولو خلط لبن امرأتين فإن العبرة للغلبة أيهما كان أكثر فإنه يثبت التحريم دون الآخر، وإن استويا ثبت التحريم بهما.
    والرضاع لا يثبت بالشك. ولا يحرم اللبن رائباً أو جبناً فإن تناوله الصبي لا تثبت به الحرمة لأن اسم الرضاعة لا تقع عليه.
    وإذا صار اللبن جافاً مسحوقاً فقد زال عنه اسم اللبن، وإذا خلط بالماء بعد ذلك لم يعد محرماً.
    وإذا جُمع اللبن من نساء غير محصورات ولا متعينات بعد الخلط فلا مانع في رأي المفتي الشيخ عبد اللطيف حمزة من الزواج بين من تناول هذا اللبن لعدم إمكان إثبات التحريم لعدم تعيين مَنْ تبَرَّعنَ باللبن.
    أما إذا أعطي اللبن محفوظا على هيأته السائلة ثم أعطي للأطفال فإن عامل الجهالة يبقى دائماً، ومن ثم لا يكون هناك مانع من الزواج بين الذين رضعوا من هذا اللبن المجهول. .

    ملاحظات:
    1. خالف عدد من الفقهاء الشيخ القرضاوي والشيخ عبد اللطيف حمزة في الرأي المبيح وذهبوا إلى الحرمة، وبعض هؤلاء الفقـهاء اشتركوا في ندوة الإنجاب المنعقـدة فـي الكويت عام 1983م. وطـالبوا بوضـع احتياطات مشددة إذا دعت الحاجة القصوى إلى مثل هذه البنوك، ومنها أن يكتب على كل قارورة اسـم المتبرعة وأن يسـجل ذلك في سـجل خاص ويكتب فيه اسم الطفل الذي تناول هذا اللبن ويعلم أهل الطفل اسم المرضعة صاحبة اللبن ، وبذلك ينتفي المحذور.

    2. نذكر من بين هؤلاء الفقهاء: الشيخ بدر المتولي عبد الباسط والدكتور محمد الأشقر والشيخ ابراهيم الدسوقي والشيخ عبد الرحمن عبد الخالق والدكتور زكريا البري وغيرهم.

    3. وكان ممن شارك في مخالفة الشيخ القرضاوي لدى مناقشة الموضع في الدورة الثانية لمجمع الفقه الإسلامي الدولي عدد من العلماء نذكر منهم:
    الشيخ عبد الله البسام رحمه الله والشيخ تقي العثماني الذي لا يرى أي ضرورة لإنشاء مثل هذه البنوك في العـالم الإسـلامي كـما يرى أن الارتضاع يتم من شـرب اللبن المحـلوب في الإناء.والشـيخ المختار السلامي الذي يرى أن بنوك الحليب محرمة نظراً للمخاطر الشـرعية والبدنية.والشيخ بكر أبو زيد الذي يرى منع هذه البنوك.

    4. أما الشيخ مصطفى الزرقا رحمه الله فقد ناقش الموضوع من ناحتين: أولاهما : هل يجوز أن يستحسن إنشاء بنوك للحليب في مثل هـذه الأوضاع التي صورت فيها الحاجة إليها وانتشرت في بعض البـلاد ويراد أن تنشأ في بلادنا وقد تنشأ بدون إرادتنا، والناحية الأخرى هي أنه لو أنشيء بنك للحليب فعلاً في بلد ما من البلاد الإسلامية وحصل فيه إرضاع الأطفال بهذه الطريقة، فما الحكم في هذا الرضاعة؟ بغض النظر عن كون إنشاء البنك مقبولاً أو جائزاً أو مستحسناً أو غير جائز وأن له محاذير.

    ويقول الشيخ الزرقا رحمه الله في خلاصة رأيه : " الذي أراه أن الأدلة التي أتى بها الأستاذ القرضاوي حفظه الله وأيده ورحمنا جميعاً أحياءً وأمواتاً، أن أخانا الكبير الأستاذ القرضاوي حفظه الله وأيده ما أتـى به من أدلة وملاحظات يترجـح معها اعتبار عـدم التحريم للأسـباب وللمذاهب التي بينها وهي مذاهب معتبرة وللشـك في تحقق شـرائط التحريم باتفاق هذا كله يكفي لأن نقول أنه لو حصـل بالفعل إنشـاء هذه البنوك فإن هذا لا يؤثر تحريمه ... هذا الذي أراه " أ.هـ .

    5. ورأى الشيخ محمد علي التسخيري ممثل إيران في المجمع الفقهي بأنه لا مانع من إنشاء بنوك الحليب لعدم الارتضاع من الثدي وهو شرط في المذهب عنده، ثم لعـدم العلم باتحاد المرضعة، وأخيراً لعدم العلم بحصول الكمية المطلوبة .

    الخلاصة:
    على الرغم من أن بنوك الحليب غير معروفة إلى اليوم في عالمنا الإسلامي إلا أنها أصبحت حقيقة واقعة في العالم الغربي الذي يقطنه اليوم ما يزيد عن (30) مليون من المسلمين يتمتع كثير منهم بالجنسية الأوروبية، فكان لا بد للمجلس ألأوروبي للإفتاء والبحوث أن يعيد النظر في القرار رقم 6 ( 6/2) الذي أصدره مجمع الفقه الإسلامي الدولي حول هذا الموضوع في دورته الثانية المنعقدة في جدة في شهر ربيع الآخر عام 1406 هـ / كانون الأول – ديسمبر 1985 م.
    ونرى أن نأخذ بما ذهب إليه الأستاذ القرضاوي وأيده في ذلك الشيخ عبد اللطيف حمزة والأستاذ مصطفى الزرقا وذلك بجواز إنشاء بنوك الحليب لما تقدمه من خدمات جليلة في الحفاظ على الحياة الإنسانية، وبجواز تناول الأطفال لهذا الحليب الذي تقدمه البنوك فهولا ينشر الحرمة لجهالة المرضع ولعدم معرفة عدد الرضعات التي تناولها الطفل الرضيع.

    والأمر معروض على المجلس ليرى رأيه في ذلك؛

    والله يقول الحق وهو يهدي إلى سواء السبيل

    وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين





      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس 28 مارس 2024 - 11:58