hmsain.ahlamontada.com

نشكرك على التسجيل فى هدا المنتدى زرنا باستمرار و شاركنا رايك فاليد الواحدة لا تصفق ورايك يهمنا كما ان حضورك الدائم يحفزنا

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

hmsain.ahlamontada.com

نشكرك على التسجيل فى هدا المنتدى زرنا باستمرار و شاركنا رايك فاليد الواحدة لا تصفق ورايك يهمنا كما ان حضورك الدائم يحفزنا

hmsain.ahlamontada.com

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
hmsain.ahlamontada.com

منتدى يهتم بنشاطات حركة مجتمع السلم بلدية عين بوزيان


    الفحص الطبي قبل الزواج من منظور الفقه الإسلامي ـ دراسة علمية فقهية أ . د . علي محي الدين القره داغي

    Admin
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 2093
    تاريخ التسجيل : 01/03/2010
    الموقع : hmsain.ahlamontada.com

      الفحص الطبي قبل الزواج   من منظور الفقه الإسلامي    ـ دراسة علمية فقهية   أ . د . علي محي الدين القره داغي Empty الفحص الطبي قبل الزواج من منظور الفقه الإسلامي ـ دراسة علمية فقهية أ . د . علي محي الدين القره داغي

    مُساهمة  Admin الإثنين 27 يونيو 2011 - 16:51

    أســتاذ ورئيس قسم الفقه والأصول / جامعة قطر
    والخبير بمجمع الفقه الإسلامي بمكة المكرمة ، وجدة
    وعضــو المجلــس الأوروبي الإفــــتاء والبحوث


    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين محمد وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه إلى يوم الدين
    وبعد
    مما لا يخفى أن الإسلام أولى عناية منقطعة النظير بالأسرة من حيث تكوينها وحمايتها ، ورعايتها ، وتحقيق التآلف والمحبة فيما بينها ، فبيّن أحكامها ، وفصّل فيها أكثر مما فصل في أحكام بعض الشعائر مثل الصلاة والزكاة ، حتى وصل القرآن بنفسه إلى بيان حكم امرأة تخاف النشوز من بعلها فقال تعالى : (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلا جُنَاحَ عَلَيهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً) .
    وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أهمية الأسرة في الإسلام باعتبارها اللبنة الأولى للمجتمع إن صلحت صلح المجتمع ، وإن قويت قوي المجتمع ، وإن تطورت تطور المجتمع ، وإن سعدت سعد المجتمع ، وعلى العكس إن فسدت فسد المجتمع ، وإن ضعفت ضعف المجتمع ، وإن تخلفت وتمزقت ، تخلف المجتمع وتمزق ، وهكذا .
    ولذلك أحاط الإسلام الحياة الزوجية بسياج عظيم يشمل كل الجوانب النفسية والاجتماعية والإنسانية والصحية ، وهيأ لتنشئتها نشأة صحية ومتوازنة كل عناصر النجاح حيث أرشد إلى كيفية الاختبار ، ومعايير الاختبار ، وكيفية الحفاظ على العلاقة الزوجية ، وبيان سبلها وطرقها النفسية والاجتماعية والعملية .
    وجعل الإسلام من أهم مقاصد الشريعة في الزواج الألفة والمودة والمحبة والرحمة والستر ، لخصها بكلمة عظيمة وهو (لستكنوا إليها) بحيث يصبح كل واحد من الزوجين سكناً حقيقياً للآخر ، وسكنى نفسية وستراً ولباساً ، وذلك لبقاء نسل الإنسان محفوظاً ، ومحفوفاً بمنتهى وسائل الحماية ، والعواطف ، ولتحقيق هذه المقاصد العظيمة شرع الإسلام كل ما يحققها ويكون وسيلة لأدائها ، ولذلك شرع النظر إلى المخطوبة ثلاث مرات ، بل أمر به ، ودعا إلى اختيار الولود الودود ، وإلى التخيير للنطفة ، واختيار سليمة البدن والعقل قوية البنيان ، صحيحة الجسم التي تنجب أولاداً أصحاء وهكذا الأمر تماماً بالنسبة للمرأة التي عليها أن تختار شريك حياتها بالمواصفات المطلوبة ، وملاحظة أن العرق دساس ، وغير ذلك مما يأتي تفصيل بعضها في هذا البحث .
    ومن هذا الباب يأتي موضوع الفحص الطبي قبل الزواج وقبل كتب الكتاب ، حيث نحاول الإجابة عن مجموعة من الأسئلة حوله ، وهي : هل إن الفحص الطبي قبل الزواج يتفق مع مقاصد الشريعة ، ويتسق معها ويتناسق ويتناغم مع أهداف الزواج؟ وألا يتعارض مع القيم والمبادئ الإسلامية ؟ وما موقف الإسلام من العدوى ؟ وهل يتعارض مع التوكل والإيمان بالقضاء والقدر ؟ وما فوائد هذا الفحص ، وسلبياته ؟ وهل هذا الفحص لكل الأمراض؟ وما هي الأمراض الوراثية التي يمكن الكشف عن حاملها قبل الزواج ؟ وما هي انواع الفحوصات المطلوبة ؟ وهل هناك علاقة بين الأمراض والزواج

    ( ) سورة النساء/الآية 128



    من الأقارب؟ وأخيراً ما موقف الفقه الإسلامي من الفحص الطبي قبل الزواج ، ومشروعيته ، أو إلزامه؟ وما هي البدائل عن الفحص الطبي قبل الزواج ؟ ومن الذي يتحمل تكاليف مصاريف الفحص الطبي لكلا الخاطبين ؟
    هاذ ما سنحاول الإجابة عنه وعن غيره ، والخوض في تفاصيل الفحص الجيني بقدر ما يسمح به البحث ، من خلال الاعتماد على المبادئ العامة والقواعد الكلية ، ومقاصد الشريعة ، وفقه المآلات ، وسد الذرائع ، وما ذكره الفقهاء في مجال العيوب العضوية ، أو الأمراض المعدية من حيث ثبوت حق الفسخ للطرف الآخر ، سائلين الله تعالى أن يلهمنا الصواب ، ويعصمنا من الزلل والخلل في العقيدة والقول والعمل ، إنه حسبنا ومولانا ، فنعم المولى ونعم الموفق والنصير .

    كتبه الفقير إلى ربه أ.د.علي محيى الدين القره داغي


    التعريف بالفحص الطبي قبل الزواج :

    فالمراد بالفحص لغة هو : الكشف ، يقال : فحص الطبيب أي كشفه ، وحسه ليعرف ما به من علة ، وفحص الكتاب ، أي دقق النظر فيه ليعلم كنهه .
    والطبي ، نسبة إلى الطب ، وهو من طبّ فلان طباً أي مهر ، وحذق ، وطب المريض أي داواه وعالجه .
    والمراد بالفحص الطبي هو القيام بالكشف على الجسم بكل الوسائل المتاحة (من الأشعة ، والكشف المختبري والحص الجيني ونحوها) لمعرفة ما به من مرض .
    وهنا يتم هذا الفحص عند الرغبة في الزواج وقبل كتب الكتاب ، وعقد النكاح ، وذلك لمعرفة ما لدى الزوجين من أمراض خطيرة ، وقد يتم بعده ، تقول الدكتورة مينا نيازي ، خبيرة الوراثة البشرية : قد يتم هذا الفحص قبل الزواج ولا سيما إذا كان الزوجان من الأقارب ، أو بعد الزواج مباشرة إذا ظهرت مشكلة تتعلق بالإنجاب ، أو قبل الحمل أو بعده في حالة وجود تأريخ وراثي عائلي إيجابي لبعض الأمراض في شجرة الوراثة العائلية ، أو في حالة الإجهاض المتكرر ، وعقب الولادة مباشرة إذا كان المولود يعاني من تشوهات وراثية ظاهرية معيبة ، مثل الصغر الملحوظ في حجم الرأس أو الاستسقاء الدماغي أو متلازمة دوان (الطفل المنغولي) أو الشفة الأرنبية ، او الأذن الخفاشية وغيرها من التشوهات غير المألوفة أو النادرة ، وكذلك إذا تأخرت البنت عن البلوغ ، هنا يجب إجراء الفحص الوراثي ، فهذه الفحوصات قبل الزواج تجنب الكثير من المشاكل المتعلقة بالأمراض الوراثية ، التي تمثل منطقة الشرق الأوسط النسبة العلى ، مثل التخلف العقلي الوراثي بأنواعه ، وأمراض فقر الدم التحللي الوراثي ، ومن أشهرها تكور كرات الدم الحمراء ومرض الثلاسيما والأنيميا المنجلية ، ونقص إنزيم جلوكوز 6 فوسفات ، وهذه المجموعة من الأمراض تؤدي إلى سرعة تكسير كرات الدم الحمراء مما يؤدي إلى الإصابة بنوبات متكررة من الانيميا الحادة المعروفة بفقر الدم التحللي ، وتؤكد د. نيازي ان تقديم النصيحة للمقبلين على الزواج بضرورة إجراء الفحص قبل الزواج تأتي عندما يكون هناك تأريخ وراثي لشجرة العائلة أو النسب لدى كل من العروسين إيجابي لبعض الأمراض الوراثية بصفة سائدة او متنحية ، حيث ترتفع نسبة ظهورها في الأنباء ، لأن كلا من الزوجين يحمل الصفة المرضية وراثياً ، وفي حالة تجميعهما معاً (أي الصفتان المرضيتان) فقد يظهر المرض في الأنباء بصورة مركزة مؤكدة الحدوث ، وتعتبر نتائج الفحص مؤكدة وموثقة من واقع الفحص الدقيق الذي يتطور يوماً بعد يوم ، وتتحدد خطة العلاج بعد تشخيص المرض .

    ( ) القاموس المحيط ، ولسان العرب ، والمعجم الوسيط ، مادة (فحص)

    ( ) المصادر السابقة مادة (طبب)
    ( ) انظر : موقع : باب على الانتريت


    أنواع الأمراض والعلاج بالنسبة للفحص قبل الزواج :
    هناك أمراض معدية ، وأمراض غير معدية ، فالأمراض المعدية مثل : السل ، والجدري ، والتهاب الكبد الوبائي ، ومرض نقص المناعة المكتسبة (الآيدز) ونحوها . وأمراض غير معدية مثل أمراض السكر والقلب ونحوهما .
    ومن جانب آخر فإن هناك أمراضاً وراثية تنتقل من خلال الجينات ، وهي ثلاثة أنواع :
    1. أمراض الدم الوراثية وعلى رأسها فقر الدم المنجلي(الانيميا المنجلية) و فقر دم البحر المتوسط .
    2. الأمراض الإستقلابية ، وهي امراض متعددة تتجاوز 400 مرض منها
    3. أمراض متفرقة حسب العوائل وأمراضها حيث تختلف من شعب لآخر ، من عائلة لأخرى .
    والعلاج كذلك أنواع منها العلاج العادي المتمثل في الأدوية ، والعمليات الجراحية ، ونحوهما ومنا العلاج الجيني .
    الأمراض التي تؤثر في الزواج :
    الأمراض التي ينبغي الابتعاد عن صاحبها هي :
    1. الأمراض التي تنتقل إلى الآخر مثل الآيدز والسل ، والتهاب الكبد الوبائي ...فهذه الأمراض يجب فيها شرعاً ما يسمى بالحجر الصحي .
    2. الأمراض الوراثية التي أصابت الطرفين (الخاطب والمخطوبة) أما إذا كانت الإصابة بمرض وراثي لأحدهما فإن نسبة انتقال المرض إلى الأولاد قليلة ، أو نادرة بإذن الله تعالى ومع وجود الإصابة بالمرض لدى الطرفين فإن الحكم الفقهي هو كراهة الإقدام على هذا الزواج ، ولا أعتقد أنه يصل إلى الحرمة إلاّ في مرض الآيدز ونحوه ، لأن انتقال المرض وإن كان حسب الظن الغالب ، لكنه ليس قطعياً كما يقول الأطباء ولكن في حالة إقدامها على هذا الزواج يكونان على علم ومعرفة بهذا الاحتمال الراجح ، وبالتالي فإن هذا العلم به يقوي من ترابطهما ، والبحث عن علاج طفلهما في أبكر وقت مناسب وذلك بفحص البويضة الملقحة لمعرفة ما إذا كانت مصابة أو سليمة ، والأجدر هو إتمام ذلك عن طريق زراعة الأنابيب التي تكون خارج الرحم في البداية ، بحيث إذا ظهر أنها مصابة لن تغرس في الرحم ، حيث إن هذا العمل ليس محرماً ، أما إذا كانت سليمة فتغرس ،

    ) يراجع لهذا الموضوع والمسائل المتعلقة به : الكتاب الحادي عشر للمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية المعاصرة ، ثبت كامل لأعمال ندوة (الوراثة ، والهندسة
    الوراثية ، والجينوم البشري ، والعلاج الجيني ، رؤية إسلامية) المنعقدة في الكويت في الفترة 23 ـ 25 جمادى الآخرة 1419هـ الموافق 13 ـ 15 اكتوبر 1998 ، الجزء 2 ، وبالأخص بحوث : د. محمد علي البار و. محسن بن علي الحازمي و.عبدالله محمد عبدالله ود.محمد الزحيلي ود.ناصر عبدالله الميمان ود. نجوي عبدالمجيد ود.محمد رأفت عثمان ود. حمداني ماء العينين ود.محمد عبدالغفار الشريف ، ويراجع : د.علي القره داغي : العلاج الجيني من منظور الفقه الإسلامي ، بحث مقدم إلى ندوة الانعاكسات الأخلاقية ، المنعقدة بجامعة قطر في الفترة 20 ـ 22 اكتوبر 2001 ، ود. حسان حنحوت : دور البصمة الوراثية في اختبارات البنوة ، بحث مقدم إلى ندوة الكويت المذكورة آنفاً ، ومصادر أخرى تذكر في وقتها .
    [u]

    تركت البويضة الملقحة في الرحم ، ثم اكتشف أنها مصابة فإن حكمه الشرعي يختلف من قبل 42 إلى ما بعدها على تفصيل ليس هذا محله .
    3. الأمراض التي تؤثر على قدرة أحد الزوجين في القيام بدوره بالشكل المطلوب ، وهذه الأمراض تشمل الأمراض النفسية ، والأمراض العضوية .
    فمن الأمراض العضوية النفسية الخطيرة مرض انفصام الشخصية ، وإن لم يصل إلى حد الجنون ، ومرض الاكتئاب المزمن ، ونحو ذلك .
    ومن الأمراض العضوية ما يتعلق بالأعضاء التناسلية للطرفين ، وقد تنبه إلى ذلك فقهاؤنا الكرام منذ زمن مبكر ـ كما سيأتي إن شاء الله ـ ومن هنا ما يتعلق ببعض الأعضاء ، بحيث يعيق أحد الزوجين عن أداء ما عليه ، مثل الإصابة في العمود الفقري حيث تعيقه عن أداء الحقوق الزوجية على الشكل المطلوب .
    مدى إمكانية علاج هذه الأمراض :
    هناك بعض الأمراض قابلة للعلاج ، وأخرى غير قابلة من حيث الواقع الحالي اليوم ، وحتى الأمراض الوراثية منها ما هو قابل للعلاج الجيني ، ومنها ما هو غير قابل في الوقت الحاضر ، والطب في هذا المجال يتقدم ، ولذلك نترك التفصيل فيه ، والذي يهمنا أن ما أمكن علاجه علاجاً شافياً ـ بإذن الله تعالى ـ وعولج فهو يلحق بعدم وجوده...


    فوائد الفحص الطبي قبل الزواج وأهدافه :
    لاشك أن هناك فوائد كثيرة للفحص الطبي قبل الزواج ، من أهمها ما يأتي :
    1. معرفة مدى قدرة الخاطب ، والخطوبة بدنياً على إتمام الزواج .
    2. الاطلاع على وجود الأمراض المعدية الموجودة في كلا الطرفين أو عدم وجودها ، حيث إذا تبين خلوهما عن هذه الأمراض فإنهما يكونان أكثر اطمئناناً ، وإذا تبين وجودهما فيهما أو في أحدهما فإن الخاطبين ينظران في الخيارات الأخرى ، والبحث عن شريك ، أو شريكة الحياة غير المصاب .
    3. الكشف عما في أحدهما ، أو كليهما من عقم ، أو عجز جنسي كامل أو ناقص ، ومن الأمراض التناسلية ، والوراثية مثل السكر ...
    4. الكشف عن الأمراض النفسية المؤثرة في العلاقة بين الطرفين .
    5. الكشف عن أمراض لا تمنع ، ولكن تؤثر في الحمل والولادة ، والذرية مثل عامل الريسوس Rh ومرض القطط والكلاب .
    6. حماية الزوجين من الأمراض المعدية الخطيرة قبل الزواج حيث تنتقل بعض هذه الأمراض عن طريق الاتصال الجنسي مثل الآيدز ، وبعضها بمجرد المجاورة والاحتكاك...
    7. الحد من انتشار الأمراض المعدية ، والتقليل من ولادة أطفال مشوهين ، أو معاقين بقدر الإمكان .
    8. تحقيق الاطمئنان والسكنى من خلال معرفة الطرفين بخلوهما عن الأمراض المعدية ، والأمراض الوراثية .
    9. العلاج المبكر لهذه الأمراض ما دام ذلك ممكناً .
    10.المحافظة على الزواج نفسه ، وعلى كيان الزوجية ، حيث إن كيانه قد ينهدم إذا فوجئ أحدهما بالإصابة بهذه الأمراض .
    11.المحافظة على صحة النسل ، وعلى صحة الذرية ، وهذا الهدف هو من الضروريات ، والكليات الست .

    سلبيات الفحص الطبي قبل الزواج ومحاذيره :
    هناك سلبيات ومحاذير للفحص الطبي قبل الزواج ، يمكن تلخيص أهمها فيما يأتي :
    وقوع الزوجين أو أحدهما في حالة من القلق والاضطراب والاكتئاب ، وربما اليأس ، مثل ما ذكر الأستاذ الدكتور حسان حتحوت : أنه هل في صالح الإنسان أن يعلم عن نفسه أموراً نعتبرها الآن في حوزة المستقبل ، وما شعوره إن علم أن سيموت في حوالي سن الأربعين ، أو أنه سيصاب بمرض شلل العضلات الذي يظهر في حوالي الخمسين...فليس هذا رجماً بالغيب بطبيعة الحال ولا ادعاء بمعرفة المستقبل ، ولكنه كما ترى الهلال في أول الشهر فتقول : إنه سيكون بدراً بعد اسبوعين ، فقراءة الجين حاضر معلوم ينبئ بقادم محتوم ،وتوقع البلاء خير من انتظاره كما تقول الحكمة العربية ...وبالتالي يظل المريض حائراً أيتزوج أو يحجم؟ أو يتجنب أم يمتنع ؟ أو يهلع أم يطمئن؟ .
    إضافة إلى خطورة تعميم قراءة الجينوم لحالة التوظيف ، والتأمين ، وبالتالي يطبق الدنيا ظلاماً على من اكتشف جيناته ، وخطورة وصول المعلومات الجينية المسجلة على قرص الكومبيوتر إذا سطا عليه المتطفلون من الناس أو الشركات أو الحكومات .....
    وكذلك خطورة إفشاء هذا السر من خلال الفحص الطبي لأجل التفكير في الزواج ، فمن الذي يضمن الحفاظ على هذه الأسرار ، ولا سيما فإن الحديث يثار كثيراً عندما لا يتم الزواج ، وتثور الشبهات الأخلاقية ، مما يدعو إلى بيان أن السبب هو المرض وليس الجانب الأخلاقي إضافة إلى مشاكل كثيرة ذكرها الباحثون والتكاليف المادية الباهضة ، وغير ذلك .

    الأمراض المنتشرة في العالم الإسلامي :
    هناك أمراض وراثية كثيرة في عالمنا الإسلامي ، ولكن لم يكتشف منها إلاّ القليل بسبب عدم وجود التقنيات المطلوبة ، وشح المعلومات الدقيقة والموثقة عن هذه الأمراض ، ولكن بشكل عام فهناك أمراض وراثية منتشرة ، منها أمراض الدم الوراثية (فقر الدم المنجلي ، وفقر دم البحر الأبيض المتوسط ، وأنيميا....) ومنها أمراض الجهاز العصبي كمرض ضمور العضلات الجذعي ، ومنه أمراض التمثيل الغذائي المعروفة بالأمراض الاستقلابية التي تنتج بسبب نقص أنزيمات معينة ، ومنها أمراض الغدد الصماء وبالأخص أمراض الغدة الدرقية .

    تقسيم الأمراض من حيث الوراثة :
    فقد قسم الأطباء أسباب العيوب الخلقية والأمراض الوراثية إلى أربعة أقسام رئيسية :
    القسم الأول : هي الأمراض المتعلقة بالكرموسومات (الصبغيات) وهذا النوع في العادة ليس له علاقة بالقرابة، و أسباب حدوثها في الغالب غير معروفه. ومن اشهر أمراض هذا القسم متلازمة داون (او كما يعرف عند العامة بالطفل المنغولي) . و متلازمة داون ناتجة عن زيادة في عدد الكروموسومات إلى 47 بدل من العدد الطبيعي 46.
    القسم الثاني : من العيوب الخلقية و الأمراض الوراثية تلك الأمراض الناتجة عن خلل في الجينات. ويتفرع من هذا القسم أربعة أنواع من الأمراض :الأمراض المتنحية, والأمراض السائدة , و الأمراض المرتبطة بالجنس المتنحية و الأمراض المرتبطة بالجنس السائدة .
    الأمراض المتنحية هي أمراض تصيب الذكور و الإناث بالتساوي ويكون كلا الأبوين حاملاً للمرض مع أنهما لا يعانيان من أي مشاكل صحية لها علاقة بالمرض. وفي العادة يكون عندما يكون بين الزوجين صله قرابة.ولذلك تنتشر هذه الأمراض في المناطق التي يكثر فيها زواج الأقارب كبعض المناطق في العالم العربي . ومن اشهر هذه الأمراض أمراض الدم الوراثية، خاصة مرض فقر الدم المنجلي (الأنيميا المنجلية) وفقر دم البحر المتوسط (الثلاسيميا ) و أمراض التمثيل الغذائي بأنواعها.
    أما الأمراض السائدة فإنها في العادة ليس لها علاقة بالقرابة, وتتميز بإصابة أحد الوالدين بنفس المرض واشهر أمراض هذا النوع متلازمة مارفان.و مع أن هذا النوع من الأمراض ليس له علاقة بالقرابة, ولكن عند زواج اثنين مصابين بنفس المرض (وقد يكون بينهما صلة نسب ) فقد تكون الإصابة في أطفالهم اشد او اخطر وذلك لحصول الطفل على جرعتين من المرض من كلا والديه.
    والنوع الثالث من أمراض الجينات هي الأمراض المرتبطة بالجنس المتنحية. وهذا النوع من الأمراض ينتقل من الأم الحاملة للمرض فيصيب أطفالها الذكور فقط. واشهر هذه الأمراض مرض نقص خميرة G6PD (أو ما يسمى بأنيميا الفول) وهذا النوع في العادة ليس لها علاقة بزواج الأقارب، ولكن المرض قد يصيب البنات إذا تزوج رجل مصاب بالمرض بإحدى قريباته الحاملة للمرض.
    النوع الرابع و الأخير هو الأمراض المرتبطة بالجنس السائدة هي أنواع من الأمراض النادرة والتي في العادة تنتقل من الأم إلى أطفالها الذكور و الإناث, وقد يكون شديداً في الذكور مقارنه بالإناث.
    أما القسم الثالث من العيوب الخلقية و الأمراض الوراثية هي الأمراض المتعددة الأسباب ومعظم الأمراض تدخل تحت هذا القسم, فمثلا مرض السكر, وارتفاع ضغط الدم, والربو,و الظهر المشقوق(الصلب المشقوق), و الشفة الأرنبية وغيرها من الأمراض كلها تدخل تحت هذا الباب . إن الأسباب وراء هذه الأمراض في العادة غير معروفه ولكن جميع هذه الأمراض لا تحدث إلا في الأشخاص الذين لديهم استعداد وراثي وتعرضوا إلى سبب ما في البيئة المحيطة بهم. في العادة ليس لزواج الأقارب علاقة في حدوث هذه الأمراض ولكن إذا تزوج شخصان مصابان بأي نوع من هذه الأمراض يزيد من احتمال إصابة الأطفال مقارنه بإصابة احد الوالدين فقط مصاب بالمرض.
    القسم الرابع و الأخير من العيوب الخلقية و الأمراض الوراثية هي مجموعه من الأمراض المتفرقة والتي يصعب حصرها ومن اشهر هذه الأمراض, الأمراض المرتبطة بالميتوكندريا والتي تنتقل من الأم فقط إلى بقيه أطفالها .
    لغة الإحصائيات :
    يتوقع إحصائيا أن يصاب طفل واحد من كل 25 طفل بمرض وراثي ناتج عن خلل في الجينات أو بمرض له عوامل وراثية خلال الخمس وعشرين سنه من عمره .و يتوقع أن يصاب طفل واحد لكل 33 حالة ولادة لطفل حي بعيب خلقي شديد. كما يصاب نفس العدد بمشكلات تأخر في المهارات و تأخر عقلي. وتسعه من هؤلاء المصابين بهذه الأمراض يتوفون مبكرا أو يحتاجون إلي البقاء في المستشفيات لمده طويلة أو بشكل متكرر ولها تبعات مالية واجتماعيه و نفسيه . وهذه الأعداد لها تبعات عظيمة و معقدة على الأسرة وبقيه المجتمع .

    مدى قبول الفحص الطبي بين الشباب ؟
    تبين الاحصائيات ، والاستبيانات حول موضوع الفحص الطبي قبل الزواج خلافاً شديداً في الآراء ، وانقسام المجتمع حول الموضوع بين مؤيد ، ورافض ، ومتوقف ، ومنفصل ، وهنا نذكر بحثاً ميدانياً في هذا المجال ، فقد قامت الباحثتان منيرة العصيمي ورويدة نجار من الإشراف التمريضي بمديرية الشؤون الصحية بمدينة جدة بالسعودية بإجراء دراسة على المقدمين على الزواج لمعرفة الآراء والمقترحات حول افحص الطبي قبل الزواج ، وقد اختيرت عينة عشوائية مكونة من مائة وسبعين فرداً منهم 66 ذكراً و 104 إناث وبأعمار مختلفة لتدوين آرائهم من خلال استبيان ، وقد أكد 69% من العينة أهمية الفحص لتجنب أمراض العصر ، وذكر 52% منهم أنهم مروا بتجربة تعرض أحد أقرابهم أو معارفهم لمشاكل صحية لعدم التوافق بين الزوجين صحياً وعدم إجراء فحص قبل الزواج ، وأقر 80% من العينة بإمكانية الانفصال عن مخطوبته أو مخطوبها إذا اكتشفوا عدم التوافق صحياً ، وقال 73% منهم أنهم لا يعرفون رأي الدين في الموضوع ، أما النسبة الباقية والتي تمثل 3.26% فذكرت الحديث النبوي الشريف (تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس) ، وأكد 39% من العينة بأن سبب إهمال المجتمع لهذا النوع من الفحص يرجع إلى أسباب اجتماعية ، وقال 34% منهم بأنه يرجع إلى أسباب اجتماعية ، اقتصادية ، ثقافية ، فالبعض منهم يرفضها جهلاً بأهميتها ، وفوائد تطبيقها ، والبعض الآخر يجد صعوبة في إجرائها ، حيث إن سعر هذا النوع من الفحوصات يكلف ما يقارب مبلغ 2000 ريال للشخص الواحد بالمستشفيات الأهلية ، والبعض الآخر يعتبر هذا النوع من الفحص كشفاً لأمور شخصية ربما يرفضها الخاطب أو يرفضها أهل المخطوبة .
    وعن كيفية معالجة المجتمع التقصير الحاصل في موضوع الفحص قبل الزواج ، أفادت الآراء المكتوبة حسبما ذكر بالاستبيان أن تكون بتوعية المواطنين ثقافياً وطبياً وعمل ندوات ومطويات عبر الإعلام ، وفتح عيادات في جميع المستشفيات لهذا الغرض ، وتسهيل إجراءات الفحص ، ومراعاة شعور المراجعين نظراً لحساسية الموضوع وتوعية الشباب أثناء المراحل الدراسية ، وأن يكون الفحص إلزامياً قبل عقد الزواج ، ووضع تسهيلات من قبل وزارة الصحة بالفحص المجاني لكل من هو مقبل على الزواج .

    التشريعات الصادرة بشان الفحص الطبي قبل الزواج :
    وقد سنت بعض الدول العربية تشريعات ،و أنظمة لتطبيق الفحص الطبي قبل الزواج إجبارياً مثل الأردن التي سنت قانوناً بإلزام الراغبين في الزواج بإجراء الفحص الطبي ، واختيارياً مثل المملكة العربية السعودية ، والبحرين ، وغيرها ، كما أوصت جامعة الدول العربية بسن تشريعات تخص هذا الجانب نظراً لأهميته ، وخطورة آثاره إن ترك الحبل على الغارب .

    كيفية الفحص وأنواعه :
    هناك أنواع كثيرة للفحص الطبي ، وكشف الأمراض ، ومن أهمها مجال الفحص الطبي للراغبين في الزواج من الجنسين :
    1-الفحص الكشفي عن مرض فقر الدم المنجلي.
    2- الفحص للكشف لإعتلالات الهيموغلوبين مثل الثلاميا وأمراض الدم الاخرى .
    3- اختبار أنزيم (G6BD) لكشف أمراض الدم الانزيمية عند وجود تاريخ عائلي للمرض أو مؤشرات طبية داله عليه .
    4- الفحص الكشفي لاختلال سلاسل صبغة الهيموغلوبين (الثلاسيميا) عن طرق التحليل لعناصر الكبد وتقدير نسبة صبغة الهيموغلوبين A2&F .
    5-اختبار نشاط عامل التخثر الثامن والتاسع للكشف عن الهيموفلايا (أ ب) عند وجود تاريخ عائلي للمرض أو مؤشرات طبية دالة عليه .
    6- اختبار (RPR) للكشف عن مرض الزهري وفحص (TPHA) لتأكيد النتائج الإيجابية .
    7-الفحص الكشفي (والتأكيدي إذا لزم الأمر) عن فيروس نقص المناعة المكتسب (AIDS) .
    8-اختبارات فحص التهابات الكبد الفيروسية بنوعيها (C ، B) .
    9- الفحص الجيني الذي سيأتي تفصيله فيما بعد .

    هل إتمام هذه الفحوصات يعني سلامة الزوجين من الأمراض ؟
    إذا تمت هذه الكشوفات المختبرية والجينية فإن النتائج في الغالب تدل على السلامة بوجه عام ، أو بعبارة الفقهاء (حسب الظن الغالب) أما القطع فبعيد ، وبالأخص في مجال الأمراض الوراثية ، وذلك لأن هناك حوالي ثلاثين ألف جين لم تعرف بعد ولم تكتشف خصائصها .
    ومن جانب آخر فإن هناك أمراً آخر بجانب الفحص الطبي له دور عظيم ـ بعد الله تعالى ـ في إنجاب ذرية سليمة وصالحة ، وهو متابعة برامج وخطط لتفادي الأمراض والعيوب الخلقية بشكل عام ، ومن أهمها التخطيط الصحيح للحمل وتناول المرأة حمض الفوليك لتفادي عيوب الأنبوب العصبي الذي يصيب طفلاً واحداً من كل ألف حالة ولادة وتؤدي إلى شلل الأطراف السفلى ، ومشاكل في الجهاز الهضمي ، والمسالك البولية ، كذلك ضرورة قيام المرأة المصابة بالسكر ، وضغط الدم المتابعة مع الطبيبة قبل الحمل وبعده ، والكشف على المولود حينئذٍ للتأكد من خلوه من الأمراض وإجراء تحليل لهرمون الغدة الدرقية ، والأمراض الأخرى .

    تقسيم الفحوصات من حيث الرجل ، والمرأة الراغبين في الزواج
    وهناك فحوصات تجرى للرجل ، وأخرى للمرأة كالآتي :
    تحاليل المعمل (للرجل):
    1 ـ فحص البول والبراز وصورة الدم الكاملة وسرعة الترسيب، وهذه الاختبارات تظهر نصف أمراض الانسان (تقريباً).
    2 ـ تحليل المني عند الرجل، بعد ما فيه من خلايا المني، التي يجب ألا تقل عن مائة مليون في كل سنتيمتر مكعب (100مليون/ سم3).
    وإذا قلت عن 30 مليون/ سم3، فتدل قلتها على عيب في الهرمونات، يجب علاجه قبل إتمام الزواج.
    وتتأثر خلايا المني (عدداً وشكلاً ونوعاً) بثلاثة هرمونات تأتي من الغدة النخامية Petuitary ، وهرمون رابع من الخصية. ولذلك تحدد نسبة الهرمونات.
    3 ـ فحص البروستاتا، بتحليل السائل المعصور من البروستاتا، لعلاج ما فيه من أمراض قبل الزواج.
    وإذا تم الزواج قبل علاج البرستاتا، ينقل الرجل إلى امرأته ما عنده من أمراض .
    4 ـ مرض السكر، هو أخطر الأمراض الوراثية. ولا يصح أن يتزوج مريض السكر امرأة مريضة بالسكر، لأن طفلهما سيكون أكثر تعرضاً للإصابة بهذا المرض الوراثي الخطير. وتظهر الأمراض الوراثية في الأطفال المولودين حسب نسب حسابية معروفة محددة ثابتة .
    ومن الخطأ أن يطلب إنسان الاكتفاء بتحليل نسبة السكر عنده صائماً (السكر صائماً)، بل يجب تحديد نسبة السكر بعد الأكل بساعتين، فالاختبار الثاني (بعد تناول السكر أو الطعام) هو الأهم في كشف مرض السكر وتحديد نسبته.
    5 ـ فحص الكبد والكلى والقلب قبل الزواج، لعلاج أمراضها.
    6 ـ اختبار الزهري (فاسرمان)، لعلاجه إن كان المرض موجوداً.
    7 ـ تحديد نوع عامل الريسوس Rh ، لتجنب عواقبه في الأطفال المولودين بعد أول طفل.
    تحاليل المرأة:
    1 ـ تختبر المرأة في المعمل الاختبارات العامة (الزهري والبول والبراز وصورة الدم الكاملة وسرعة الترسيب). وتحديد نسبة الهرمونات.
    2 ـ واختبار عامل الريسوس Rh في الدم هو أهم اختبار للمرأة، لأنه يؤثر في الحمل، وفي حياة أولادها.
    وإذا كانت المرأة سلبية (Rh-) كان حملها الأول طبيعياً عادياً سوياً. ولكن يجب عليها (إن كانت سلبية) أن تحقن بالدواء المضاد Anti-D في أول وضع، حتى لا تحدث عندها مضاعفات Rh-Ve.
    وإذا لم تحقن المرأة السلبية هذه الحقنة Anti-D في الوقت المحدد (خلال 48 ساعة من الولادة)، فسوف يحدث عندها إجهاض متكرر بعد أول حمل. ولن ينفعها علاج.
    ولكن حين تحقن المرأة السلبية (سلبية Rh) بهذه الحقنة في وقتها المحدد، تحفظ الأطفال القادمين التالين (الأطفال الثاني والثالث والرابع والخامس... إلخ) من حدوث تكسر كرات الدم الحمر مما يتلف خلايا مخ الطفل.
    3 ـ ومن الاختبارات الخاصة بالمرأة اختبار توكسوبالزموزس الخاص بمرض القطط والكلاب. وتصاب المرأة بالإجهاض إذا أصابها هذا المرض.
    4 ـ وقد يعمل اختبار بالموجات الصوتية للرحم والمبيض وقناتي البيض .

    الفحص الطبي الجيني :
    بين القرآن الكريم بأن الجنين يتكون من نطفة متكونة من الحيوان المنوي ، والبييضة فقال تعالى : (إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج) والمشج هو الخلط بين شيئين ، حيث يقول اللغويون : 0المشج ، والمشيج : كل شيئين مختلطين ....وجمعه أمشاج) .
    وقد أثبت العلم الحديث تأكيداً لما جاء في القرآن الكريم أن النطفة تتكون فعلاً من 46 كروموسوماً (أي صبغياً ، أو جُسيْماً ملوناً) 23 منها من الحيوان المنوي للأب ، و 23 منها من البيضة للأم ، وأن هذه الجسيمات الملونة (الكرموسومات) هي المسؤولة عن نشاط الخلية ، وتدبير أمورها ، فهي العقل الموجه الحاكم على الخلية ،و أنها على صغرها ودقتها ـ حيث لا تخضع حتى لمقياس الأنجستروم (واحد على البليون من المتر) تحمل أسرار التكوين ، وأسرار الوراثة ، وأسرار الخلية التي تختلف من واحدة إلى أخرى ، حيث إن لكل خلية أسرارها التي لا تشاركها بقية الخلايا ، وإن كانت تجاورها ، فالخلية الشفافة في قرنية العين تختلف في أسرارها وتكوينها عن الخلية الأخرى ، وهكذا .
    وهذه الجسيمات الملونة أو الصبغيات (الكروموسومات) تظهر على شكل 23 زوجاً ، أي كل واحدة ملصوقة بالأخرى ، أو على التعبير القرآني الدقيق (من نطفة أمشاج) حيث أتى اللفظ القرآني بصيغة الجمع ، أي ليس شيئاً واحداً ، وإنما مجموعة من الأشياء المخلوطة من الأب والأم ، أصبح 22 عضواً منها مسؤولاً عن بنيان الجسم ، وصفاته ،وواحد منها مسؤولاً عن تعيين الجنس ذكراً أو أنثى وأن هذا الزوج من الكروموسومات تختلف في الذكر حيث يتكون من x وy في حين هو متماثل في الأنثى x وx وهذه التفرقة الطبيعية من حيث الكرموسوم بين الرجل والمرأة تظل داخلة في ملايين من الخلايا التي توضح تلك الحقيقة الفاصلة بين الجنسين في خلايا الجلد ، وخلايا الشعر، وخلايا الفم ، وخلايا الدم والمخ والعظام ، وفي كل ذرة من ذرات تكوينه ، وفي هرموناته المختلفة ، وفي تشريحه الجسماني ناهيك عن الجهاز التناسلي ، وتكوين العظام ، والعضلات والأوتار ، وهذا هو تطبيق لقوله تعالى (وليس الذكر كالأنثى) هذا ليس تنقيصاً للمرأة أبداً ،وإنما بيان للفروق الجوهرية التي بعضها لصالح المرأة ، وبعضها لصالح الرجل لتحقيق التوازن والتكامل والزوجية الحقيقية .
    وهذه الجسيمات (الكروموسومات) لها شريط ، أو خيط يتكون من سلسلتين من حمض الدنا DNA أي الحامض النووي تلتفان حول البعض بشكل حلزوني ، وتكونان لولباً مزدوجاً على شكل شريط كاسيت طوله 2800كم فيه مئات الآلاف من الجينات التي تتحكم في الصفات الوراثية من طول الجسم وقصره ، وشكله ولونه ، حتى نبرة الصوت ، ولون العين ، وكذلك الإصابة بالأمراض الوراثية ، وبذلك يتكون حمض الدنا في الخلية الواحدة يحتوي على مائة ألف جين يتألف من ثلاثة بلايين زوج من القواعد .

    تشخيص الأمراض الوراثية عن طريق الفحص الجيني :
    أدى التقدم الكبير في مجال الطب وبالأخص في مجال الجينوم البشري ، حيث استطاع الطب الحديث إحراز تقدم كبير في مجال الوقاية والعلاج من خلال الجينات ، حيث أدت معرفة تركيب المادة الوراثية إلى إحراز تقدم ملحوظ في مجال التشخيص المختبري للأمراض الوراثية ، حيث بذلت الدول المتقدمة جهوداً وأموالاً عظيمة في مشروع الجينوم البشري والعلاج الجيني .

    مشروع الجينوم البشري :
    يبذل العلماء جهود مكثفة لمعرفة الجينات البشرية ، واكتشاف مزيد من أسرارها يستعينون لتحقيق هذا الهدف العظيم بالمختبرات الحديثة المزودة بأحدث التقنيات ، وأضخم الكمبيوترات ، وهو مشروع رصدت له أمريكا خمسة مليارات من الدولارات ، وقد تحق كثير من النتائج العظيمة حتى الآن ، وآخر هذه النتائج هو كشف الخريطة الجينومية للإنسان .
    ولا يمر يوم إلاّ ويتم فيه معرفة عدد هذه الجينات وموقعها على الخريطة الجينومية وحجمها وعدد القواعد النـتروجينية المكونة له ، والبروتينات التي يصنعها بأمر خالقه ، وعدد الأحماض الأمنية المكونة لهذا البروتين ، ووظائفه ، والأمراض التي تصيب الإنسان عند نقص ذلك البروتين .
    وقد شاء الله تعالى أن يؤدي أي خلل يسير في تسلسل القواعد النـتروجينية في الجين المتحكم في البروتين إلى مرض خطير ، ولكن لا يظهر المرض إلاّ عندما يرث الشخص هذا الجين المعطوب من كلا الأبوين ، أما إذا كان لديه جين واحد مصاب والجين الآخر سليماً فإنه يعتبر حاملاً للمرض فقط ، ولا تظهر عليه أي أعراض مرضية ، ولكن عندما يتزوج هذا من امرأة حاصلة على هذا الجين تكون نسبة ظهور المرض في ذريتهما 25% أي واحد من أربعة ، وهنا يأتي دور الفحص الطبي .
    ولكن هناك العديد من الأمراض الوراثية تنتقل عبر جين واحد منتقل من أحد الأبوين،أو كليهما،حيث حصرها بعض العلماء عام 1994م في(6678) مرضاً وراثياً،غير أن(4458)مرضاً منها يصاب نصف الذرية،و(1750) مرضاً يصاب ربع الذرية ، وأوصلها العلماء في عام 1998م إلى اكثر من ثمانية آلاف مرض وراثي .

    لمعرفة الجينوم " ايجابيات وسلبيات " :
    لا شك أن إدراك أسرار الجينات يحقق مصالح كبيرة للبشرية ، ولكنه مع ذلك إذا أطلق عنانها دون ضوابط ، منها أنه لو اشترطت جهات العمل الكشف الجيني لأدى ذلك إلى أن المصابين بالأمراض المحققة أو المحتملة لن يتم تعيينهم ، والأمر أشد في التأمين الصحي ، أو التأمين على الحياة ، ومنها كشف أسرار الإنسان ، وغير ذلك من السلبيات ، لذلك لا بدّ من وضع ضوابط دينية وأخلاقية في هذا المجال .
    وصدرت توصية من الندوة الحادية عشرة للمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية التي عقدت في الكويت في 23 ـ 25/جمادى الآخرة 1419هـ الموافق 13 ـ 15/10/1998م نصت على : ( أن مشروع قراءة الجينوم البشري ـ وهو رسم خريطة الجينات الكاملة للإنسان ، وهو جزء من تعرف الإنسان على نفسه ، واستكناه سنة الله في خلقه وإعمال للآية الكريمة ( سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم ) ومثيلاتها الآيات الأخرى .
    ولما كانت قراءة الجينوم وسيلة للتعرف على بعض الأمراض الوراثية أو القابلية لها ، فهي إضافة قيمة إلى العلوم الصحية والطبية في مسعاها لمنع الأمراض ، أو علاجها مما يدخل في باب الفروض الكفائية في المجتمع .
    ويتوقع العلماء أن هذا المشروع يستهدف تحقيق الغايات التالية :
    1. التعرف على أسباب الأمراض الوراثية .
    2. التعرف على التركيب الوراثي لأي إنسان من حيث خريطته الجينية ومن حيث القابلية لحدوث أمراض معينة كضغط الدم والنوبات القلبية والسكر ونحوها .
    3. العلاج الجيني للأمراض الوراثية .
    4. إنتاج مواد بيولوجية وهرمونات يحتاجها الإنسان للنمو والعلاج .

    العلاج الجيني :
    هو إصلاح الخلل في الجينات ، أو تطويرها ، أو استئصال الجين المسبب للمرض واستبدال جين سليم به ، وذلك بإحدى الطريقتين التاليتين :
    الطريقة الأُولى :
    عن طريق الخلية ، وذلك بإدخال التعديلات المطلوبة وحقنها للمصاب ، فإدخال الجين إلى الكروموسوم في الخلية يجب أن يكون في موقع محدد ، لأن الإدخال العشوائي قد يترتب عليه أضرار كبيرة .
    ومن المعلوم أن توصيل الجينات يمكن أن يتم بطرق كيميائية،أو فيزيائية،أو بالفيروسات،أما الطريقة الكيميائية فيتم دمج عدة نسخ من DNA الحامل للجين السليم بمادة مثل فوسفات الكالسيوم،ثم يفرغ ذلك في الخلية المستقبلية حيث تعمل المادة الكيميائية على تحطيم غشاء الخلية،وتنقل بالتالي المادة الوراثية إلى الداخل .
    وهناك طريقة أخرى لتوصيل الجينات عن طريق الحقن المجهري حيث يتم دخول المادة الوراثية إلى السيتوبلازم ، أو النواة .
    وطريقة استخدام الفيروسات هي الأكثر قبولاً وتطبيقاً ، وذلك باستخدام الفيروسات كنواقل أو عربات شحن في النقل الجيني ، وهناك نوعان من الفيروسات ، أحدهما مادته الوراثية DNA والنوع الآخر RNA وعلى الرغم من أنهما مختلفان كيميائياً لكنهما يجمعهما أنهما من وحدات نيوكيلوتيده ، وأنهما يشملان شفرات منتظمة بالإضافة إلى تسلسل دقيق للقواعد النيتروجينية ، فقد أثبتت التجارب العملية أن الجين المسؤول عن تكوين بيتاجلوبين البشري يمكن إدخاله في خلايا عظام الفأر بواسطة الفيروسات التراجعية كنواقل ، وكانت النتيجة جيدة ، واستخدم البعض الفيروسات التراجعية لإدخال جين مسؤول عن عامل النمو البشري إلى أرومات ليفية ، وطبقت كذلك على أجنة التجارب بواسطة خلايا الكبد والعضلات .
    وبعد التجارب المعملية خرجت التطبيقات منها إلى الإنسان مباشرة حيث كانت التجربة الأولى على الطفلتين (سبنـتيا)و(أشانتي) اللتين ولدتا وهما تعانيان من عيب وراثي وهو عدم إنتاج أنزيم أدينوزين ديمتاز يعمل نقصه على موت خلايا الدم التائية المسماة بالخلايا النائبة (T – Cells) مما يؤدي إلى التأثير على جهاز المناعة وفي سبتمبر 1990 بدأت رحلة العلاج الجيني بحقن الطفلة (أشانتي) بالخلايا المعالجة وراثياً ثم أخضعت الطفلة الثانية في يناير 1991 وكانت نتيجة علاجهما جيدة .
    الطريقة الثانية :عن طريق إدخال تعديلات مطلوبة على الحيوان المنوي ، أو البويضة.
    وقد أثيرت الشبهات حول الطريقتين ، حيث أثيرت على الأُولى شبهة أخلاقية وهي : هل البصمة الوراثية لهذا الشخص ستكون مطابقة لابنه ؟ كما أثيرت على الثانية شبهة تأثير إدخال التعديلات على الحيوان المنوي ،أو البويضة ؟ . ولذلك لا يجوز العلاج بهذه الحالة من حيث المبدأ .
    ولذلك لا بدّ من التأكيد على هذا الجانب الأخلاقي وهو أن العلاج في الحالتين لا بدَّ أن لا يؤدي بأية حالة من الأحوال إلى التأثير في البنية الجينية ، والسلالة الوراثية .
    ومن جانب آخر فإن للاسترشاد الوراثي ، والهندسة الوراثية دوراً رائداً في منع المرض وتطبيق قاعدة : الوقاية خير من العلاج .
    والعلاج الجيني لا يقتصر دوره على الإنسان بل له دوره الأكبر في عالم النبات والحيوان مثل تغيير وتعديل التركيب الوراثي للكائنات ، أو ما يعرف بهندسة المورثات في الكائنات من مثل التحور الجيني في النبات والاستزراع الجيني في الكائنات الدقيقة مثل البكتريا ، وهندسة الحيوانات وراثياً .

    مستقبل العلاج الجيني :
    تشير النتائج والأبحاث إلى أن مستقبلاً زاهراً ينتظر العلاج الجيني ، وأنه يستفاد منه لعلاج أمراض واسعة الانتشار تطال الملايين من مرضى العالم مثل السرطان ، والتهاب الكبد الفيروسي ، والايدز ، وفرط الكولوسترول العائلي ، وتصلب الشرايين ، والأمراض العصبية مثل داء باركتسون ومرض الزهايمر ، إضافة إلى معالجة الأجنة قبل ولادتها ، وتشخيص الأمراض الوراثية قبل الزواج .

    منافع العلاج الجيني :
    هناك فوائد كبيرة ، ومنافع كثيرة تتحقق من خلال العلاج الجيني يمكن أن نذكر أهمها :
    1. الاكتشاف المبكر للأمراض الوراثية ، وحينئذٍ التمكن من منع وقوعها أصلاً بإذن الله ، أو الإسراع بعلاجها ، أو التخفيف عنها قبل استفحاله ، حيث بلغت الأمراض الوراثية المكتشفة أكثر من ستة آلاف مرض ، وبالتالي استفادة الملايين من العلاج الجيني .
    2. تقليل دائرة المرض داخل المجتمع وذلك عن طريق الاسترشاد الجيني ، والاستشارة الوراثية .
    3. إثراء المعرفة العلمية عن طريق التعرف على المكونات الوراثية ، ومعرفة التركيب الوراثي للإنسان بما فيه القابلية لحدوث أمراض معينة كضغط الدم والنوبات القلبية ، والسكر ونحوها .
    4. الحد من اقتران حاملي الجينات المريضة ، وبالتالي الحد من الولادات المريضة .
    5. إنتاج مواد بيولوجية ، وهرمونات يحتاجها جسم الإنسان للنمو والعلاج .

    سلبيات العلاج الجيني وأخطاره :
    تترتب على العلاج الجيني بعض السلبيات في عدة نواحي اجتماعية ونفسية ، منها :
    1. من خلال كشف بعض الأمراض الوراثية للفرد يترتب عليه آثار كبيرة على حياته الخاصة ، فيتعرض لعدم القبول في الوظائف ، أو التأمين بصورة عامة ، والامتناع عن الزواج منه رجلاً كان أو امرأة ، فقراءة جينومه تؤثر فعلاً على عمله الوظيفي ، وعلى زواجه ، وعلى كثير من أموره الخاصة به ، مما يترتب عليه إضرار به دون ذنب اقترفه ، بل قد لا يصبح مريضاً مع انه حامل الفيروس ، أو جين مريض ، فليس كل حامل للمرض مريض ، ولا كل مرض متوقع يتحتم وقوعه.
    2. التأثير على ثقة الإنسان بنفسه ، والخوف والهلع من المستقبل المظلم مما يترتب عليه أمراض نفسية خطيرة قد تقضي عليه بسبب الهموم ، مع أن الإنسان مكرم لا يجوز إهدار كرامته ، وخصوصيته الشخصية وأسراره .
    3. ان هناك عوامل أخرى بجانب الوراثة لها تأثير كبير على إحداث الأمراض الناتجة عن تفاعل البيئة ونمط الحياة ، إضافة إلى الطفرات الجينية التي تحدث في البويضة أو الحيوان المنوي ، أو فيهما بعد التلقيح .
    4. وهناك مفاسد أخرى إذا تناول العلاج الجيني الصفات الخلقية ـ بفتح القاف ـ من الطول والقصر ، والبياض والسواد ، والشكل ، ونحو ذلك ، أو ما يسمى بتحسين السلالة البشرية ، مما يدخل في باب تغير خلق الله المحرم .
    والعالم المتقدم اليوم ( وبالأخص أمريكا ) في تسابق خطير وتسارع إلى تسجيل الجديد في هذا المجال الخطير وبالأخص ما يتعلق بالإنسان فيوجد الآن أكثر من 250 معملاً ومختبراً متخصصاً في عالم الجينات فلا يُطلِع مختبر الآخر على نتائجه الجديدة ، ولذلك لا يستبعد في يوم من الأيام خروج شيء من تلك الكائنات المهندسة وراثياً ويحمل إمّا أمراضاً جديدة ، أو جراثيم بيولوجية مدمرة ، وخاصة ليست هناك ضمانات قانونية ولا أخلاقية لكثير من هذه المعامل ، ولذلك أنشئت هيئة الهندسة البيولوجية الجزيئية في فرنسا ، ولكنها غير كافية ، وهذه الأخطار تتعلق بما يأتي :
    1. أخطار تتعلق بتطبيقات الهندسة الوراثية في النبات والحيوان والأحياء الدقيقة ، إضافة إلى أن بعض الحيوانات المحورة وراثياً تحمل جينة غريبة يمكن أن تعرض الصحة البشرية ، أو البيئة للخطر.
    2. أخطار تتعلق بالمعالجة الجينية من النواحي الآتية :
    أ ـ النقل الجيني في الخلايا الجرثومية التي ستولد خلايا جنسية لدى البالغين (حيوانات منوية وبويضات) وذلك لأن التلاعب الوراثي لهذه الخلايا يمكن أن يوجد نسلاً جديداً غامض الهوية ضائع النسب .
    ب ـ الدمج الخلوي بين خلايا الأجنة في الأطوار المبكرة .
    ج ـ احتمالية الضرر،أو الوفاة بسبب الفيروسات التي تستخدم في النقل الجيني.
    د ـ الفشل في تحديد موقع الجينة على الشريط الصبغي للمريض حيث قد يسبب مرضاً آخر ربما أشد ضرراً .
    هـ ـ احتمال أن تُسـبب الجينة المزروعة نمواً سرطانياً .
    و ـ استخدام المنظار الجيني في معالجة الأجنة قبل ولادتها قد يؤدي ذلك إلى مضاعفات خطيرة على حياة الأم والجنين .
    ز ـ أخطار أخرى تخص الجينة المزروعة،والكائنات الدقيقة المهندسة وراثياً .
    ح ـ استخدام العلاج الجيني في صنع سلالات تستخدم في الحروب البيولوجية المدمرة .

    الحكم الشرعي للتداوي بصورة عامة ، والعلاج الجيني :
    ينظر إلى العلاج الجيني من خلال اعتبارين : اعتبار عام من حيث هو علاج للأمراض ، واعتبار خاص يتعلق بخصوصيته وماله من آثار وإجراءات .
    أ ـ من حيث هو علاج للأمراض الوراثية فيطبق عليه من حيث المبدأ ، الحكم الشرعي التكليفي للعلاج .
    فمن الناحية الفقهية قد اختلف الفقهاء في حكم العلاج على عدة أقوال ، والذي تشهد له الأدلة الشرعية ومقاصد الشريعة هو أن الأحكام التكليفية الخمسة (الوجوب ، والندب ، والتحريم ، والكراهة ، والإباحة) ترد عليه .
    فالعلاج واجب إذا ترتب على عدم العلاج هلاك النفس بشهادة الأطباء العدول ، لأن الحفاظ على النفس من الضروريات الخمس التي يجب الحفاظ عليها ، وكذلك يجب العلاج في حالة كون المرض معدياً مثل مرض السل ، والدفتريا (الخناق) والتيفود الكوليرا للنصوص الدالة على دفع الضرر وأنه ( لا ضرر ولا ضرار) ، بل إن بعض الفقهاء ـ منهم جماعة من الشافعية،وبعض الحنابلة ـ يذهبون إلى أن العلاج واجب مطلقاً وقيده بعضهم بأن يظن نفعه ، بل ذهب الحنفية إلى وجوبه إن كان السبب المزيل للمرض مقطوعاً به وذلك كما أن شرب الماء واجب لدفع ضرر العطش ، وأكل الخبز لدفع ضرر الجوع ، وتركهما محرّم عند خوف الموت ، وهكذا الأمر بالنسبة للعلاج والتداوي . جاء في الفتاوى الهندية : ( اعلم بأن الأسباب المزيلة للضرر تنقسم إلى مقطوع به كالماء المزيل لضرر العطش ، والخبز المزيل لضرر الجوع … أما المقطوع به فليس تركه من التوكل ، بل تركه حرام عند خوف الموت ) .
    وقد استدل هؤلاء الفقهاء بقوله تعالى : ( ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) وقوله تعالى : (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً) ، وبالأحاديث الآمرة بالتداوي مثل حديث أسامة بن شريك قال : (أتيت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه كأنما على رؤوسهم الطير ، فسلمت ، ثم قعدت ، فجاء الأعراب من ههنا وههنا ، فقالوا : يا رسول الله أنتداوى ؟ فقال : تداووا فإن الله تعالى لم يضع داءً إلاّ وضع له دواء غير داء واحد الهرم ) ، ولحديث أبي الدرداء : ( قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إن الله أنـزل الداء والدواء وجعل لكل داء دواء فتداووا ، ولا تتداووا بحرام ) ، فإذا كان العلاج واجباً فيكون تركه حراماً كما في حالة كون المرض معدياً ، أو يكون الشخص مهدداً بالموت أو بضرر كبير إذا لم يتم العلاج ، ويدل كذلك حديث جابر قال : ( خرجنا في سفر ، فأصاب رجلاً منا حجر ، فشجه في رأسه ، ثم احتلم فسأل أصحابه ، فقال : هل تجدون لي رخصة في التيمم ؟ قالوا : ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء ، فاغتسل ، فمات ، فلما قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بذلك ، فقال : : قتلوه قاتهلم الله ، ألا سألوا إذ لم يعلموا ؟ فإنما شفاء العيّ السؤال...) .
    وأن التداوي مستحب إذا كان التداوي بما يمكن الاستشفاء به حسب الظن وليس اليقين ، وذلك اقتداءً بتداوي الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ قوله ، وفعله ، وفيما عدا ذلك فهو مباح مشروع وهذا رأي جمهور الفقهاء ، قال حجة الإسلام أبو حامد الغزالي Sad اعلم أن الذين تداووا من السلف لا ينحصرون ، ولكن قد ترك التداوي أيضاً جماعة من الأكابر) ثم ذكر بأن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ تداوى ، ولو كان نقصاناً لتركه ، إذ لا يكون حال غيره ف

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس 28 مارس 2024 - 14:11