hmsain.ahlamontada.com

نشكرك على التسجيل فى هدا المنتدى زرنا باستمرار و شاركنا رايك فاليد الواحدة لا تصفق ورايك يهمنا كما ان حضورك الدائم يحفزنا

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

hmsain.ahlamontada.com

نشكرك على التسجيل فى هدا المنتدى زرنا باستمرار و شاركنا رايك فاليد الواحدة لا تصفق ورايك يهمنا كما ان حضورك الدائم يحفزنا

hmsain.ahlamontada.com

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
hmsain.ahlamontada.com

منتدى يهتم بنشاطات حركة مجتمع السلم بلدية عين بوزيان


    دورة: كُن داعياً لله

    alhdhd45
    alhdhd45


    عدد المساهمات : 1337
    تاريخ التسجيل : 03/03/2011
    الموقع : hmsain.ahlamontada.com

    دورة: كُن داعياً لله Empty دورة: كُن داعياً لله

    مُساهمة  alhdhd45 الإثنين 4 يوليو 2011 - 19:34

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله رب العالمين... وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم...
    أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة... من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى؛ وبعد:
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    أخي الحبيب ... أختي الغالية:
    هذه دورة خاصة بالدعوة إلى الله: حكمها، فضلها، وسائلها، صفات الداعية وكذلك المدعو، مهارات في الدعوة الفردية، الدعوة بين الجنسين: ضوابط وأحكام، عقبات في طريق الدعاة، قصص من حياة الدعاة وغيرها مما يتعلق بالدعوة إلى الله...

    بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
    الحمد لله رب العالمين... وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم...
    أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة... من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى؛ وبعد:

    توطئة بين يديِّ الدورة:
    وقفة في فضل وأهمية مجالس العلم:
    عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قال، قال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم:
    "إن لله ملائكة سيارةً فضلاً يتبعون مجالس الذكر فإذا وجدوا مجلساً فيه ذكر قعدوا معهم وحفّ بعضهم بعضاً بأجنحتهم حتى يملؤوا ما بينهم وبين السماء الدنيا، فإذا تفرقوا عرجوا وصعدوا إلى السماء الدنيا، فيسألهم اللَّه عز وجل وهو أعلم: من أين جئتم؟ فيقولون: جئنا من عند عباد لك في الأرض يسبحونك ويكبرونك ويهللونك ويحمدونك ويسألونك. قال: وماذا يسألوني؟ قالوا: يسألونك جنتك. قال: وهل رأوا جنتي؟ قالوا: لا أي رب، قال: فكيف لو رأوا جنتي؟ قالوا: ويستجيرونك، قال: ومِمَّ يستجيروني؟ قالوا: من نارك يا رب. قال: وهل رأوا ناري؟ قالوا: لا. قال: فكيف لو رأوا ناري؟ قالوا: ويستغفرونك؟ فيقول: قد غفرت لهم فأعطيتهم ما سألوا وأجرتهم مما استجاروا. قال: فيقولون: رب فيهم فلان عبد خطّاء إنما مرّ فجلس معهم. فيقول: وله غفرت، هم القوم لا يشقى بهم جليسهم" - رواه مسلم.
    سبحان الله! ما أعظم أجر هذه المجالس المباركة، وعدٌ من الله بدخول الجنة والعتق من النار ومغفرة خطايا الليل والنهار وذلك لكل من حضر هذه المجالس المباركة أو مرَّ به فضولاً أو لمأرب من مآرب الدنيا ... "هم القوم لا يشقى بهم جليسهم" ... سبحان الله! هل بعد هذا من عطاء وفضل؟!

    وعن أبي هريرة رضي الله عَنْهُ قال: قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: "إِنَّ مَثَل مَا بعَثني اللَّه بِهِ منَ الْهُدَى والْعلْمِ كَمَثَلَ غَيْثٍ أَصَاب أَرْضاً فكَانَتْ طَائِفَةٌ طَيبَةٌ، قبِلَتِ الْمَاءَ فأَنْبَتتِ الْكلأَ والْعُشْبَ الْكَثِيرَ، وَكَانَ مِنْهَا أَجَادِبُ أَمسكَتِ الماءَ، فَنَفَعَ اللَّه بها النَّاس فَشَربُوا مِنْهَا وسَقَوْا وَزَرَعَوا. وأَصَابَ طَائِفَةً أُخْرَى، إِنَّمَا هِيَ قِيعانٌ لا تُمْسِكُ ماءً وَلا تُنْبِتُ كَلأ فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ فِي دِينَ اللَّه، وَنَفَعَه ما بعَثَنِي اللَّه به، فَعَلِمَ وعَلَّمَ، وَمثلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذلِكَ رَأْساً وِلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ الذي أُرْسِلْتُ بِهِ" - متفقٌ عليه.
    والله أسأل أن يجعلني والقارئ الكريم من الصنف الأول الذي رفع الله منزلته بالعلم إلى أعلى الجنان ...
    "قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ؟! إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ" - سورة الزمر، الآية: 9.
    "يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ" - سورة المجادلة، الآية: 11.
    وهذا ما يُفسره ما جاء عن ابن عباس ما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا" قالوا: يا رسول الله وما رياض الجنة؟ قال: "مجالس العلم" - رواه الطبراني.

    أردتُ بهذه التذكرة أن أشحذ الهمم وأوضح معالم الطريق لي ولكم، فالآخرة خيرٌ لك من الأولى، والأجر عظيم بإذن الله ...
    عن سَهْلِ بن سعدٍ، رضي اللَّه عنْهُ، أنَّ النبي صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ لِـ "عَليًّ"، رضي اللَّه عنْهُ: "فو اللَّهِ لأنْ يهْدِيَ اللَّه بِكَ رجُلاً واحِداً خَيْرٌ لكَ من حُمْرِ النَّعم" - متفقٌ عليهِ.
    وعنْ أبي هُريرةَ، رضي اللَّه عَنْهُ، أنَّ رسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، قالَ: "... ومَنْ سلَك طرِيقاً يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْماً، سهَّلَ اللَّه لَهُ بِهِ طَرِيقاً إلى الجَنَّةِ" - رواهُ مسلمٌ.
    اللهم سهّل لنا طريقاً إلى الجنة يا رب العالمين.


    رفاق رحلة الدعوة:
    َعَنْ أبي الدَّرْداءِ، رضي اللَّه عَنْهُ، قَال: سمِعْتُ رَسُول اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، يقولُ: "منْ سلك طَريقاً يَبْتَغِي فِيهِ علْماً سهَّل اللَّه لَه طَريقاً إلى الجنةِ، وَإنَّ الملائِكَةَ لَتَضَعُ أجْنِحَتَهَا لِطالب الْعِلْمِ رِضاً بِما يَصْنَعُ، وَإنَّ الْعالِم لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ منْ في السَّمَواتِ ومنْ في الأرْضِ حتَّى الحِيتانُ في الماءِ، وفَضْلُ الْعَالِم على الْعابِدِ كَفَضْلِ الْقَمر عَلى سائر الْكَوَاكِبِ، وإنَّ الْعُلَماءَ وَرَثَةُ الأنْبِياءِ وإنَّ الأنْبِياءَ لَمْ يُورِّثُوا دِينَاراً وَلا دِرْهَماً وإنَّما ورَّثُوا الْعِلْمَ، فَمنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحظٍّ وَافِرٍ" - رواهُ أبو داود والترمذيُّ.
    إذاً، هذا إرث الأنبياء الذي لا ينغي لأحد أن يكتمه وإلا أُلجِم يَومَ القِيامةِ بِلِجامٍ مِنْ نَارٍ. عن أبي هُريرةَ، رضي اللَّه عنْهُ، قال: قال رسُولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: "منْ سُئِل عنْ عِلمٍ فَكَتَمَهُ، أُلجِم يَومَ القِيامةِ بِلِجامٍ مِنْ نَارٍ" - رواهُ أبو داود والترمذي، وقال: حديثٌ حسنٌ.
    إذاً فهي رحلة في سبيل الله لطلب العلم ... وَعَنْ أنسٍ، رضي اللَّه عنْهُ قالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: "مَن خرَج في طَلَبِ العِلمِ، فهو في سَبيلِ اللَّهِ حتى يرجِعَ" - رواهُ الترْمِذيُّ وقال: حديثٌ حَسنٌ.
    ونَضَّرَ اللَّه امْرءاً سمِع مِنا شَيْئاً، فبَلَّغَهُ كما سَمعَهُ فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أوْعى مِنْ سَامِع...

    وقفة مع إخلاص النية لله:
    الوقفة الثانية التي لا بد لطالب العلم منها هي إخلاص العمل لله ... فهو مفتاح قبول العمل.
    َعَنْ أبي هُريْرة رضي الله عَنْهُ قال: قالَ رَسُولُ الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: "إِنَّ الله لا يَنْظُرُ إِلى أَجْسامِكْم، وَلا إِلى صُوَرِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعمالِكُمْ" - رواه مسلم.
    فلا بد أن يصحح طالب العلم قصده من طلب العلم فيراجع قلبه ونفسه. قال الفضيل بن عياض رحمه الله في تفسير: "الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ" - سورة الملك، الآية: 2 ... قال: "أحسنُ العمل هو أخلَصَهُ وأصوبَهُ، قالوا: يا أبا علي، ما أخلصه وأصوبه؟ فقال: إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يًقبل، وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل حتى يكون خالصاً صواباً ... ثم قرأ: "فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا" - سورة الكهف، الآية: 110.
    الإخلاص - أيها الأحبة - هو مسك القلب وماء حياته ومدار الفلاح كله عليه.
    إن الذي يعمل بلا إخلاص ولا اقتداء كمسافر يملأ جرابه رملاً ينقلُه ولا ينفعه كما قال ابن القيم رحمه الله.
    ولهذا سيُأتى يوم القيامة بأقوام أعمالهم كالجبال لكنها لا تنفعهم لأنها فقدت أهم شروط قبولها ... الإخلاص: "وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا" - سورة الفرقان، الآية: 23.
    "قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا * ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا" - سورة الكهف، الآية: 103-106.
    أسأل الله الإخلاص في القول والعمل، وحسن الاتباع من غير ابتداع أو زلل...


    والآن، ماذا بعد؟!
    اعتدت أن أبدأ كل دورة أو كل مجلس بهذه القصة:
    يحكى أن ملكاً ظالماً قد تسلط على إحدى القرى الزراعية، فحكمها بالحديد والنار، لا يرقب في الناس إلاً ولا ذمة، يبطش بكل من ينتقد أو يعترض. وذات يوم، أُهدي إلى هذا الظالم فيل ... والفيل طبعاً لا يستثيغ الجلوس في القصور بل يهوى الحقول ... فكان بلاءً حلَّ بأهل القرية، يدوس بأقدامه كل ما يقع تحتها من ثمار أو زرع أو... حتى ضاق الناس به ذرعاً وقرروا أن يرفعوا الأمر إلى شيخ القرية وإمامها عسى أن يجد لهم حلاً مع هذا الظالم وفيله اللعين. اتفق الشيخ مع الناس على الخروج في ثورة غاضبة بعد صلاة الجمعة، تخرج فيها القرية كلها رجالاً وشيوخاً وشباباً فيستحبل عند ذلك على الحاكم الطالم أن يبطش بالقرية بأسرها. وفعلاً، اجتمع الناس في المكان والزمان الموعود، وانطلقت المسيرة الغاضبة إلى قصر الملك يسبقها عيون الحاكم (المخابرات ) وأذنابه. وفي الطريق، نظر الناس إلى جمعهم العظيم هذا وقال أبو محمد في نفسه: أنا عجوز مسكين والحاكم بطّاش أثيم والجمع غفير عظيم؛ فإذا ما انسحبت من هذه المسيرة نجوتً بنفسي من بطش الحاكم وسطوته وما شعر بي أحد، فأنا فرد وهم القرية كلها. وفعلاً، انسل أبو محمد من وسط الجموع واختبأ في داره. في هذه أثناء، لاحظ أبو حمزة خروج جاره العجوز أبو محمد فقرر أن يخرج خلفه إلى داره، فهو أيضاً ذو عيال وليس لهم بعد الله من أحد سواه ... وهكذا بدأ الجمع بالتفرق حتى ما وصل إلى قصر الحاكم إلى الشيخ ومعه 3 رجال. قال الشيخ لمن معه: امضوا إلى بيوتكم، فسأتدبر الأمر مع الحاكم. ودخل الشيخ إلى مجلس هذا الظالم فإذا به قد جهز له السوط والجلاد. قال له الشيخ: يا حاكم الزمان، ما يغضبك مني؟ قال: إنت تؤلب الناس عليَّ. عندها قال له الشيخ: يا ملك الامة المفدى، لقد أسأتَ فهمي؛ فما خرجتُ والناس إلا لنشكو إليك هزال حال فيلكم أعزه الله فأمُر له بفيلة تؤنس له وحشته وتملأ علينا القرية

    هذه القصة هي مثال حيٌّ لما أصاب أمة محمد صلى الله عليه وسلم ... فما هذا الفيل إلا الفساد الذي ينهش في الأمة ويستلب منها حياءها وإبمانها وقيَمَهَا ... والناس هم هذه الأمة ... كلٌ منهم يتنصل من مسؤوليته ويتنكر لدوره.
    هذه القصة تُثبت أن لكل منَّا رسالة لا بد من أدائها على أكمل ما يُرام ... فإن لم يكن له من عمل محدد فلا أقل من يُكثر سواد الصالحين المُصلحين.
    إذن لا يحقرنَّ أحد دوره ... أنت بيدك التغيير ... وأنت مسؤول عن ذلك. عن ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: "كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته، والأمير راع، والرجل راع على أهل بيته، والمرأة راعية على بيت زوجها وولده؛ فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته" - مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

    واذكر قصة أصحاب السفينة ... عن النعمان بن بشير رَضِيِ اللَّهُ عَنْهماُ عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: "مثل القائم في حدود اللَّه والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فصار بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم؛ فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا. فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً" - رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.


    أريد أن ادعوا ولكن ..
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    أخواتي الغاليات.. أني أعاني من مشكلة وأرى أنها مشكلة كبيرة حقا..
    مشكلتي هي أنني جـــــــبانــــــة في إنكار المنكر بالنصح المباشر.. وغالبا ما أرى أمامي ( في الجامعة أو السوق ) منكرات من بعض الفتيات.. وأهمها التكشف والتبرج والسفور.. ومع ذلك لا أنكر عليهن بل.. بل أكتفي بالإنكار بالقلب !!
    والله وحده يعلم كم تؤلمني تلك المناظر.. وكم أكره تلك التصرفات وأمقتها من أعماقي..!
    لدرجت أني أتحاشى الذهاب للسوق أو ألاماكن العامة بسبب هذا الأمر .. وأقول في نفسي ( مادمت أني لا أنكر المنكر فلن أعرض نفسي لرؤيته حتى لا أحمل وزر عدم المناصحة )
    ولكن هذا ليس حل.. أني اعترف بأني جبانة.. ولا أعلم كيف أجبن وأخاف وأنا على الحق وغيري يتجرأ وهو على الباطل !!
    ربما يكون الأمر متعلق بخجلي فأنا خجولة جدا.. وأرتبك عندما أحاول نصح من لا أعرفها.. ورغم أن أختي جريئة في النصح ولا تكل أبدا عن مناصحة السافرات و العاصيات في السوق أو في المسجد وغيرها من الأماكن العامة والخاصة..
    وتحثني دائما لأخطو خطاها.. وتقول إن وضعي هذا ( عدم إنكار المنكر ) هو ضعف إيمان... لأن الإنكار بالقلب (( اضعف الإيمان))...
    وصديقاتي يقولون أن أسلوبي لطيف وأملك قدره على الإقناع مما حمسني إلى الدعوة ولكن إلى الآن لم أكسر هذا الحاجز...
    وقد يكون من الأسباب أيضا هو حصول خبرات سيئة رأيتها أو سمعت عنها عند نصح بعض النساء هداهن المولى..
    فدائما ما أرى أمرآة ترفع صوتها على من تنصحها أو تتأفف أو تقول ( وش دخلك ) أو (ملقوفة ) وغيره من الكلمات الجارحة.. بالرغم أن من تناصحها تفعل ذلك بأدب وهدوء.. ولقد سمعت والله من أحدى قريباتي أن امرأة ضربت من حاولت مناصحتها في السوق وأمام الرجال..!! برغم من أن المر أه التي قامت بالمناصحة كانت مخفضة صوتها حتى لا يكاد يسمع.. ومع ذلك صرخت في وجهها وضربتها.. !!

    أني متضايقة من خجلي وخوفي الزائد.. و لا أعرف كيف أتخلص منه حتى انطلق في سبيل الدعوة إلى الله فذلك ما أتمناه..
    فأرشدوني يا أخياتي.... كيف السبيل إلى ذلك ؟

    أختكن المحبة لكن دائما...........


    --------------------------------------------------------------------------------

    أخيتي الغالية ....
    حبيبتي الغالية لقد كنتُ مثلكِ تماما لا أستطيع أن أنكر المنكر .. وكان ذلك يزعجني كثيرا .. حيث كنتُ أخشى أن أتعرض للمضايقة أو أن تقول لي التي أنصحها (أنتِ لا يخصك) تقريبا كنتُ مثلكُ تماما ..

    وفي يوم من الأيام أهدى لي أخي شريط بعنوان ( أين أنتن من هؤلاء ).. وكان شريط رائع وأدعو أخواتي الغاليات أن يسمعنه .. وسمعتُ فيه قصة رائعة جزى الله صاحبتها خير الجزاء .. وسأرد لكِ القصة وهي ..

    تقول صاحبت القصة :
    كنتُ في مجمع من المجمعات مع مجموعة من صويحباتي تقول : سبحان الله
    ابتليت أنا بالعباءة التي على الأكتاف لم يبقى نوع ولا صنف ولا جديد من هذه العباءات إلا ولبستها ..سبحان الله ..مرة من المرات كنتُ في سوق من الأسواق ..وأنا في كامل زينتي .. ليست في عباءتي ولا في حجابي ..أنا بكامل زينتي ورائحة الطيب تفوح مني تملأ المكان إذ جاءتني امرأة متحشمة متزينة بزينة الإيمان..

    قالت لي : أمة الله اتقي الله ..اتقي الله ..لا تفتني نفسك وتفتني الآخرين .. اتركي هذه العباءة وتحجبي بحجاب الإسلام ..
    فقلتُ : فأخذتني العزة بالإثم ..
    فقلتُ لها :إذا تريديني ألبس الحجاب الشرعي والعباءة التي على الرأس .. عندي شرط واحد..
    تقول : كنتُ أريد إضحاك صويحباتي ..وأنا أدري أن كلامها صح لكن أخذتني العزة بالإثم ..

    قلتُ لها :ما أتحجب إلا إذا قبلتي يدي ..إلا إذا قبلتي يدي .. سوف أتحجب..
    فقالت العفيفة الطاهرة : أُقبل يدكِ وأُقبل رأسكِ .. إذا كنتي تتحجبين وتلبسين الحجاب الذي يرضي الله أُقبل يدكِ وأُقبل رأسكِ..

    فتقول :قبلت يدي وقبلت رأسي .. ثم انصرفت وهي تدعو لي .. أما أنا فجلستُ مع نفسي جلسة ثم أخذتُ أبكي على حالي ..سبحان الله ..ومن حينها قررتُ أن أترك هذا كله وأن ألتزم بالحجاب الشرعي ..

    سبحان الله ..حاربوني صويحباتي ..متخلفة ..رجعية ..إلى آخر كلامهم ..لكني والله العظيم .. تقول : والله وجدتُ في نفسي راحة وطمأنينة واستقرار ..سبحان الله ..رأيتُ الأثر يوم كنتُ في الأسواق بتلك الزينة كم كان يتجرأ عليّ الباعة .. كم كان يتجرأ عليّ الشباب ..

    أما الآن فما أحد يستطيع أن يتطاول عليّ بكلمة واحدة ..
    والسبب إنها تزينت بزينة الإيمان ..

    غاليتي .....
    أين نحن من هذه الصالحة العفيفة ..هيا حبيبتي الغالية نتفق معا ونجعلها قدوة لنا في الدعوة لله ..تهون الحياة وكله يهون في سبيل الدعوة..
    حبيبتي أنا أعتب عليكِ .. لمَ قلتي عن نفسكِ أنكِ جبانة؟؟

    أنتِ ليست كذلك بل أنتِ شجاعة .. نعم شجاعة بإيمانك أحسبكِ كذلك والله حسيبكِ ولا أزكي على الله أحدا.. ولو كنتي جبانة لمَ كتبتي لنا.وأعتقد أن لكِ إجابيات كثيرة وأهمها اللطف في الدعوة إلى الله..
    حبيبتي .... .. قولي دائما أنا شجاعة وقادرة أن أفعل كذا وكذا بإذن الله ..

    وستقدرين إنشاء الله تعالى .. ولا تجعلي حبيبتي الشيطان يخذلكِ ..
    وإن الذي يحدث للصالحات من مضايقات أو سب أو شتم تكون بنسبة 5% تقريبا ..
    وأنا أعتقد معظم الفتيات يسمعن النصح ويستجبن ..

    محبتكِ..
    الصحبة الصالحة


    --------------------------------------------------------------------------------

    أخواتي الغاليات ..
    رغبتُ في أن أسوق لكم هذه القصة ...
    كنت في ألمانيا .. فطرق علي الباب ...وإذا صوت امرأة
    شابة ينادي من ورائه .
    فقلت لها : ما تريدين ؟ .. قالت افتح الباب ..
    قلت أنا رجل مسلم ..وليس عندي أحد ..ولا يجوز أن تدخلي علي ..
    فأصرت علي .. فأبيت أن أفتح الباب..
    فقالت : أنا من جماعة شهود يهوه الدينية ..
    افتح الباب ..وخذ هذه الكتب والنشرات ..قلت : لا أريد شيئا ..فأخذت
    تترجى ..فوليت الباب ظهري ..
    ومضيت إلى غرفتي فما كان منها إلا أن وضعت فمها على ثقب في الباب ..ثم
    أخذت تتكلم عن دينها ..وتشرح مبادئ عقيدتها لمدة عشر دقائق ..
    فلما انتهت .. توجهت إلى الباب وسألتها : لمَ تتعبين نفسكِ هكذا فقالت : أنا
    أشعر الآن بالراحة لأني بذلت مـــا أستطيع في سبيل خدمة ديني .
    قال تعالى : " إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون "

    أفلا نتساءل أخية ..
    ماذا قدمنا للإسلام .. كم فتاه تابت على أيدينا .. كم ننفق لهداية الفتيات إلى
    ذي الجلال والإكرام ..إلى مالك الملك ..إلى الله عز وجل ..
    فربما نقول لا نجرأ ... على الدعوة .. ولا إنكار المنكرات .. !!!
    عجبـــــا ..
    كيف تجرؤ مغنية فاجرة .. ان تغني أمام عشرة آلاف ..ولم تقل إني خائفة أو
    أخجل ..وكيف تجرؤ راقصة داعرة .. أن تعرض جسدها ..ولا تفزع وتوجل ..
    وإذا طلب من بعض الصالحات مناصحه أو دعوة ..خذلها الشيطان ..
    يـــــا سبحان الله ..
    أخواتي الغاليات ..

    وأنا واثقه أنكن لا تأخذن في كلمة الحق لومة لائم .. ولكن سرت هذه القصة

    لنشجع أنفسنا ونقول لأنفسنا نحن على الحق يجب أن نفعل أكثر مما يفعلون ..

    والحمد لله على نعمة الإسلام ..

    محبتكن ..
    الصحبة الصالحة ..


    --------------------------------------------------------------------------------

    أخيتي الحبيبة لتعلمي أولاً أن طريق الدعوة إلى الله ليس طريق مفروشٍ بالورود والرياحين بل بالأشواك والمتاعب

    والداعية إلى الله بعدما تسلك طريقها الدعوي ستقابل الجاهله وتقابل المستكبره وتقابل المعانده و ...
    لذلك لابد لها من زاد تستعين به على دعوتها وأعظم زاد هو (( الصبر ))
    وربما لحق الداعية أذى قولي أو فعلي وربما جُمع لها بين الأذى القولي والفعلي معاً
    وقدوتنا في ذلك إمام الدعاة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ناله من الأذى القولي ماقيل له بأنه (( ساحر – كاهن – شاعر – مجنون – كذاب ))
    أما عن بعض الأذى الفعلي الذي لحقه (( شُج في وجهه – كُسرت رباعيته – وُضِع على ظهره سنى الجزور – رموه الأطفال بالحِجارة - .... ))

    قال تعالى : { واصبر على مايقولون .. }
    وقد أثنى الله على الصابرين وبين أنهم هم المهتدون
    قال تعالى : { وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لمّا صبروا .. }

    وبعد مهما أصابكِ في سبيل نشر دينكِ الحق فهو أعظم لأجركِ وأرفع لقدركِ عند الله

    ولتعلمي ياغاليه أن كل ابن آدم على الفطرة فالمسلم سريع الرجوع لفطرته

    ولكن هناك غبار وصدا إذا احسن ازالته رجع له ايمانه بعون الله وتوفيقه
    وعليكِ بالتوكل على الله والا ستعانه به والإخلاص ثم الإخلاص فإنما يتعثر من لم يخلص

    ولا تيأسي إن لم يستجب لكِ فكم سنه دعى نبي الله نوح قومه (( ألف سنة إلا خمسين عاماً ))

    وعليكِ بعدم التشدد والدعوه برفق ولين
    { ادع الى سبيل ربك بالحكمه والموعظة الحسنه وجا دلهم بالتي هي احسن }

    وتأكدي بإذن الله أنكِ إذا دعوتِ الله بصدق وخضوع أن يجعلكِ ممن ينشر دينه ويعلي كلمته فستستجيب لكِ القلوب المنصرفه بحول الله

    وحينما تستلذين الأذى في سبيل الله فسينفع الله بكِ الأمة بقدرة الله

    وحينما تنظرين إلى تلك المقصرة بعين الرحمة والعطف بحالها فستقبل نصيحتك بإذن الله

    ونحن ياغاليه علينا العمل والإجتهاد فيه فعلينا هداية البيان والدلالة أما هداية التوفيق فعلى من خلقنا سبحانه.

    ثم تصوري ياأخيتي الحبيبة لو أن أمامكِ حفرة بها نار ورأيتِ إمرأة متجهه إلى الحفرة تريد أن تعبرها برغم عدم إستطاعتها وعلمكِ أنها ستقع بها لو عبرتها فهل ستتركينها تقع في النار أم ستمسكين بها بما أوتيتِ من قوة حتى والله لو تحاول إبعادكِ عنها وربما دفعكِ بقوة فستتشبثين بها وتمسكين إلى أن تنقذينها أو تقع رغماً عنكِ (( أليس كذلك )) ؟

    طيب لماذا نتقاعص عن الدعوة بحجج واهيه أمن أجل أننا لم نرى نار الآخرة ؟!!!

    ثم ياغاليه كل عمل يبنى على التخطيط بشري أصحابه بالتوفيق والسداد

    وأنتِ حتماً إذا خرجتِ فسترين التقصير واضح فلذلك يجب أن تسألي نفسكِ إذا رأيت المتبرجة ماذا يجب عليّ أن أقول وإذا رأيت المتعطرة في السوق ماذا يجب عليّ أن أقول
    وإذا رأيت من تستمع للمعازف ماذا يجب عليّ أن أقول وإذا رأيت العاقه لواديها ماذا يجب عليّ أن أقول وإذا رأيت الكذابه ماذا يجب عليّ أن أقول وإذا سمعت المغتابه ماذا يجب عليّ أن أقول و.. و.. وهكذا فأنتِ إذا كنتِ معدة الكلام فسيهون عليكِ الأمر بإذن الله

    فإن أستطعتِ التوجيه فالحمدلله وحاوريها بطريقه لبقه مقنعه

    اما اذا كنتِ في عجله من امركِ فهناك طريقة البطاقه الصغيره

    لا تحمل مكاناً في الشنطه وفيها نصيحه باسلوب جميل وتكونين قد أبريتِ ذمتكِ

    وكذلك الشريط النافع له دوره الفعال وكم أهتدى بها ناس وناس ..

    وسأذكر لكِ بعض المواقف من مثل هذا لتدفعنا وتدفعكِ لرفع راية الدين :

    هناك طالبات رغبن في نصح الفتيات المتبرجات، فقمن بعمل ظرف صغير رسمت عليه نقوش ناعمة ملفتة للنظر، كتبن عليه: لأننا نحبك! فكان لها الأثر الكبير في عودة الكثيرات إلى اللباس الشرعي

    ويقول أحد الشباب :
    سأروي لكم تجربتي في السوق:
    (دخلته ومعي زوجتي وطفلاي ، ومعي كيس مليئ بالأشرطة (شريط لا تحزن لعائض القرني، وأبواب الخيرات لمحمد المنجد) وقام طفلاي بتوزيعهما على النساء المتبرجات خاصة.. فكانت النتائج والحمد لله تسرُّ الناظر!!!
    إنها طريقة لا تعيق تبضعك في السوق، ولا تجعل الفسقة يقولون اشتغل فيما يعنيك، ولا أحدث امرأة ولا أناولها شريطًا؛ بل طفل صغير يسارع إليها ويقول (سَمِّي هذا هدية)!!!
    هل يصعب على أحدكم مثل هذا الفعل؟؟؟؟؟؟؟؟
    0000000000000
    ويقول آخر :
    ذهبت يوما من الأيام مع أهلي إلى شاطئ البحر ومعنا ابننا الصغير الذي يبلغ من العمر 6 سنوات ، فبحثت عن مكان بعيدا عن الضجة والصخب ، وكان ذلك في المساء ، وبينما ألاعب طفلي وأداعبه ، فإذا برجل يأتي بزوجته إلى الشاطئ فيفرش لها فرشة صغيرة ويجلسها قرب الشاطئ ، ثم يفتح لها شريط أغاني غربية صاخبة ، وكان من عادتي أن أحمل في سيارتي بعض الأشرطة للتوزيع بالذات عند علمي بالذهاب لأماكن معينة ، فبحثت عن شريط أبعث به إلى هذه المرأة بواسطة ابني فلم أجد غير شريط واحد وهو تلاوة لأحد المشايخ الكرام فلقد انتهت الأشرطة ولم انتبه لذلك ، فاقترحت على زوجتي أن تضع بعض حبات الرطب في صحن وتكتب رسالة لينة فيها نصيحة لتلك المرأة وزوجها ، ففعلت ، ثم قمت بتغليف ذلك الطبق وأرساله مع الشريط والرسالة لتلك المرأة عن طريق ابني الصغير ......
    وما هي إلا لحظات إخواني فإذا بتلك المرأة تغلق شريط الأغاني وتضع شريط القرآن الذي قمنا بإرساله لها , وما أن ينتهي الشريط حتى تقوم بإعادته تلقائيا حتى قمنا وانصرفنا من ذلك المكان .

    ..............

    وهذه قصة عن الصبر على الأذى في سبيل الله :
    قال أحد المشائخ ذهبت إلى أمريكا لإلقاء محاضرات على بعض طلابنا الدارسين هناك فوجدتهم من أصلح الشباب في الجهات الأخرى ما وجدت هذا الصلاح قلت بالله حدثوني ماهو الحاصل عندكم ؟
    قالوا والله ياشيخ أمرنا غريب جداً . قلت : وما أمركم ؟ قالوا نحن كنّا ساكنين في شقة وكان لدينا من المعاصي الشيء الذي لو دخل إبليس علينا لأستحى منه لكثرة مالدينا من المعاصي في مكاننا
    وفي يوم من الأيام جاءنا رجلين صالحين تقيين طرقوا علينا الباب وفتح لهم فلان
    قلت لهم أنت قال : أي والله أنا أكمل لك القصة . قلت : أكمل .
    قال : لما فتحت الباب رأيت وجهاً جميلاً ولحيه جميله أمامي فبهت . قلت له : ماذا تريد ؟
    قال : يا أخي أنتم من أولاد الصحابة جئتم إلى هذه البلاد من أجل الدراسة ونحن جئنا من أجل أن نزوركم لأنكم شباب طيبون
    قلت : ولاحقينا حتى في أمريكا ؟ لا تريدون أن تريحونا فبصقت في وجهه وأغلقت الباب .
    ولما أغلقته بعد قليل إذا بالباب يطرق . قال : فجئت وفتحت الباب وأنا غاضب وإذا بالرجل الثاني
    الذي كان واقف على الدرج يطرق الباب مبتسماً .
    قال يا أخي : جزاك الله خيراً أنت شاب طيب ومن أسرة طيبه وأنت مخير بين أمرين إما أن تفتح لي أدخل وإلا تبصق في وجهي مثل أخي لأن أخي سيرجع بأجر أكثر مني وأنا سأرجع بأجر قليل .
    يقول الشاب والله تحدوا مشاعري وقطعوا قلبي وقال : تسمّرت . وقلت : أدخلوا أمري لله وبالفعل دخلوا وو الله يا شيخ ما خرجوا حتى أخرجونا معهم إلى المسجد ونحن الآن كما ترى جزاهم الله عنا خيراً .

    جعلنا الله وإياكن مفاتيح للخير ومغاليق للشر صالحاتٍ مصلحات هادياتٍ مهديات
    alhdhd45
    alhdhd45


    عدد المساهمات : 1337
    تاريخ التسجيل : 03/03/2011
    الموقع : hmsain.ahlamontada.com

    دورة: كُن داعياً لله Empty رد: دورة: كُن داعياً لله

    مُساهمة  alhdhd45 الإثنين 4 يوليو 2011 - 19:38

    أصول الدعوة إلى الله

    سبحانه وتعالى

    المقدمة:

    الحمد لله نـور السماوات والأرض الذي أرسل رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وكفى بالله شهيداً.

    والصلاة والسلام على البشير النذير، والسراج المنير، الذي بعثه الله بالحق إلى قيام الساعة، وجعل أمته خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويؤمنون بالله..

    وبعد،،،

    فلما كانت الدعوة إلى الله هي المهمة التي كلف الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم قـال تعالى: {يا أيها المدثر* قم فأنذر} وكلف الله بها هذه الأمة كما قال تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله}.

    فأنني أحببت أن أجمع رسالة قصيرة توضح لكل مسلم مكلف بالدعوة أصول هذه الدعوة، وكيف يدعو إلى الله؟

    وذلك حتى تكون دعوته على بصيرة كما قال تعالى: {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين}..

    وإني لأسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفع بهذه الرسالة، ويكتب لها القبول، وأن يقوم المسلمون جميعاً بواجب الدعوة إلى الله على بصيرة ليشرق نور الله في الأرض كلها، ويعلو دين الله على كل الأديان. إنه هو السميع البصير والعلي العظيم..



    وكتبه

    عبدالرحمن بن عبدالخالق

    الكويت

    في 27 من ذي الحجة 1416هـ

    الموافق 14 من مايـو 1996م

    أولا: حكم الدعوة إلى الله:

    الدعـوة إلى الله واجب كفائي على الأمة الإسلامية جميعها لقوله تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله.. الآية} (آل عمران:110).

    وقوله تعالى: {ادع إلى سبيل ربك} (النحل:125).. وقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون، وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل، وفي هذا ليكون الرسول شهيداً عليكم وتكونوا شهداء على الناس، فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة، واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير} (الحج:77-78).

    ويتعين الوجوب على الإمام لقوله تعالى: {الذين إن مكانهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة، وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور} (الحج:41) فجعل سبحانه وتعالى شرط التمكين إقامتهم للصلاة وأداءهم للزكاة وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر.

    ولقوله صلى الله عليه وسلم: [فالإمام راع وهو مسئول عن رعيته] (متفق عليه) والدعوة إلى الله والجهاد في سبيله أولى واجباته.

    ثم أولى العلم من المسلمين الذين أخذ الله عليهم الميثاق ببيان العلم وعدم كتمانه كما قال تعالى: {وإذا أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه..} (آل عمران:187).

    وهذا تحذير من الله لهذه الأمة.. وقال تعالى: {إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون* إلا الذين تابوا، وأصلحوا، وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم} (البقرة:159-160).

    وقـال تعالى: {إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمناً قليلاً أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم} (البقرة:174).

    وقـال صلى الله عليه وسلم: [من سئل عن علم يعلمه فكتمه ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار] (رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة وصححه الألباني في صحيح الجامع 6284).

    ويقول الشيخ عبدالعزيز بن باز حفظه الله: "أما بالنسبة لولاة الأمور، ومن لهم القدرة الواسعة فعليهم من الواجب أكثر، وعليهم أن يبلغوا الدعوة إلى ما استطاعوا من الأقطار" (الدعوة إلى الله وأخلاق الدعاة ص17).

    ويقول أيضاً: "ونظراً إلى انتشار الدعوة إلى المبادئ الهدامة وإلى الإلحاد وإنكار رب العباد، وإنكار الرسالات، وإنكار الآخرة، وانتشار الدعوة النصرانية في الكثير من البلدان وغير ذلك من الدعوات المضللة نظراً إلى هذا، فإن الدعوة إلى الله عز وجل اليوم أصبحت فرضاً عاماً وواجباً على جميع العلماء وعلى جميع الحكام الذين يدينون بالإسلام، فرض عليهم أن يبلغوا دين الله" (الدعوة إلى الله وأخلاق الدعاة ص17).

    ثانيا: فضل الدعوة إلى الله:

    والدعوة إلى الله فضلها عظيم فهي مهمة الرسل والأنبياء، وهم أشرف الخلق وأكرمهم على الله، وهم الذين اختارهم الله لهداية البشر، والعلماء هم ورثة الأنبياء، وقيامهم بالدعوة أعظم تشريف لهم.. قال تعالى: {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين} (يوسف:108).

    ومن فضل الدعوة إلى الله أن [من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً. ومن دعا إلى ضلالة كان له من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً] (رواه مسلم).

    والدعوة إلى الله هي التي من أجلها شرّف الله بها أمة الإسلام جميعاً فجعلها بذلك خير أمة أخرجت للناس، لأنها حملت رسالة الله إلى العالمين، وجاهدت بها كل الأمم فهم خير الناس للناس.

    ثالثا: أهداف الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى:

    * الأهداف العامة:

    إرشاد الناس إلى صراط الله المستقيم، ودينه القويم، وإخراجهم من الظلمات إلى النور، ومن الشرك إلى التوحيد، ومن الجور والظلم إلى العدل والرحمة والإحسان.

    والأدلة على هذا كثيرة جداً منها:

    قوله تعالى: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير} (آل عمران:110).

    وقوله تعالى:{وإنك لتدعوهم إلى صراط مستقيم} (المؤمنون:17).

    وقوله تعالى: {وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم* صراط الله الذي له ما في السموات وما في الأرض إلا إلى الله تصير الأمور} (الشورى:52-53).

    وقوله تعالى: {ادع إلى ربك} (الحج:67).

    وقال تعالى: {قل إنما أمرت أن أعبد الله ولا أشرك به إليه أدعو} (الرعد:36)..

    وقوله تعالى:{المر* كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد} (إبراهيم:1-4).

    وأمة الإسلام التي هي خير الأمم قد أخرجها الله لهذه الغاية فقال سبحانه وتعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله} (آل عمران:110)..

    ولم يشرع الجهاد بالكلمة والمال والسيف إلا لتحقيق هذه الغايات، وقد أجمل ربعي بن عامر رضي الله عنه مهمة أمة الإسلام في الجهاد، فقال عندما أرسله سعد بن أبي وقاص لرستم قائد الفرس، فقال له رستم: لماذا جئتم؟ فقال: إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام. (البداية والنهاية 7/39).

    أما المقصود من الدعوة والهدف منها:

    فالمقصود والهدف الأعظم من الدعـوة هو إخراج الناس من الظلمات إلى النور وإرشادهم إلى الحق حتى يأخذوا به وينجوا من النـار، وينجوا من غضب الله، وإخراج الكافر من ظلمة الكفر إلى النور والهدى، وإخراج الجاهل من ظلمة الجهل إلى نور العلم، والعاصي من ظلمة المعصية إلى نور الطاعة، هذا هو المقصود من الدعوة كما قال جل وعلا: {الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور} (البقرة:257).

    فالرسل بعثوا ليخرجوا من شاء الله من الظلمات إلى النور، ودعاة الحـق كذلك يقومون بالدعوة وينشطون لها لإخراج من شاء الله من الظلمات إلى النور، ومن العذاب إلى المغفرة والجنة، ومن طاعة الشيطان، والهوى إلى طاعة الله ورسوله.

    * الأهداف التفصيلية:

    1) إيجاد الأمة الصالحة الداعية إلى الله المجاهدة في سبيله:

    من أول أهداف الدعوة العمل لإخراج الأمة الصالحة التي تعبد الله سبحانه وتعالى. قال سبحانه وتعالى: {هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته، ويزكيهم، ويعلمهم الكتاب والحكمة، وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين} (الجمعة:2)..

    وقال تعالى: {لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين} (آل عمران:164)..

    وقال تعالى: {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيداً} (الفتح:28).

    والأمة الصالحة: هي مجموع الأفراد الصالحين المجتمعين على الهدى والصراط المستقيم.

    2) إيجاد المؤمن الصالح:

    وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: [لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من أن يكون لك حمر النعم] (متفق عليه).

    وقوله صلى الله عليه وسلم: [يجيء النبي ومعه الرجلان ويجيء النبي ومعه الثلاثة، وأكثر من ذلك.. الحديث] (رواه أحمد وابن ماجه وصححه الألباني في صحيح الجامع 8033).

    فهداية مؤمن ولو واحد تحقيق لهدف عظيم من أهداف الرسالات.

    3) إقامة الحجة لله على الجاحدين والكافرين:

    والدليل على ذلك قوله تعالى: {إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده، وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبوراً* ورسلاً قد قصصناهم عليك من قبل ورسلاً لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليماً* رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزاً حكيماً} (النساء:163-165).

    4) النهي عن الفساد في الأرض:

    وذلك لقوله تعالى: {فلولا كان من القـرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلاً ممن أنجينا منهم.. الآية} (هود:116).

    والنهي عن الفساد في الأرض عصمة للجميع من عقوبة الله العاجلة في الدنيا كما قال تعالى: {وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون} (القصص:59)..

    وكل ما نهى الله عنه فهو من الفساد في الأرض قال تعالى: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون} (النحل:90).. وكل الرسل الذين أرسلهم الله نهوا أقوامهم عن الفساد والطغيان بعد أمرهم إياهم بتوحيد الله وعبادته وطاعته.

    * فنوح عليه السلام نهى قومه عن الشرك بالله، وعبادة الصالحين، وهو أعظم الفساد والشر ونهاهم عن صد المؤمنين عن سبيل الله، واحتقارهم وازدرائهم..

    * وهود عليه السلام نهى قومه عن الطغيان، والعتو في الأرض بإهدار الأموال في العبث والضياع، كما قال تعالى:{أتبنون بكل ريع آية تعبثون* وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون وإذا بطشتم بطشتم جبارين فاتقوا الله وأطيعون} (الشعراء:27-28).

    * وصالح عليه السلام أمر قومه بعبادة الله وحده لا شريك له، ونبذ ما يعبد من دون الله ثم نهاهم عن الإفساد في الأرض بالصد عن سبيل الله، وإيثار الحياة الدنيا على الآخرة فقال لهم: {فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين} (الأعراف:74).. وقـال لهم: {أتتركون في ما ههنا آمنين* في جنات عيون* وزروع ونخل طلعها هضيم* وتنحتون من الجبال بيوتاً فارهين* فاتقوا الله وأطيعون* ولا تطيعوا أمر المسرفين* الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون} (الشعراء:146-152).

    * وشعيب عليه السلام نهى قومه بعد الشرك بالله قائلاً: {.. فأوفوا الكيل والميزان، ولا تبخسوا الناس أشياءهم، ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها، ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين* ولا تقعدوا بكل صراط توعدون، وتصدون عن سبيل الله من آمن به وتبغونها عوجاً} (الأعراف:85-86)..

    ولذلك فإن سبب ما يحصل لأهل الأرض من فساد أحوالهم ودنياهم هو المعاصي، ولذا كان من أعظم أهداف الدعوة إزالة هذا السبب.

    * ورسالة رسولنا الخاتمة جاءت بالأمر بكل معروف، والنهي عن كل منكر، والبعد عن كل فساد في الأرض حتى لو كان عدواناً على حرث أو زرع كما قال تعالى: {ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام، وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد} (البقرة:204-205).

    5) عمارة الأرض بالخير والعمل الصالح:

    من أهداف الدعوة إلى الله عمارة الأرض بالخير، والعمل الصالح.. قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون} (الحج:77).. وقال تعالى: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير} (آل عمران:104)..

    و(الخير): اسم جامع لكل نفع فالخلق الحسن خير، والبر والصلة والإحسان خير، وإعمار الأرض بالزرع النافع خير كما قال صلى الله عليه وسلم: [إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها] (رواه أحمد، والبخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني في الجامع 1424).

    ولا شك أن دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم قد استفاد منها كل العالمين حتى الذين لم يؤمنوا بالإسـلام كما قال سبحانه وتعالى: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} (الأنبياء:107) فإن تعاليم الإسلام التي جاءت بالفضيلة والإحسان، ونبذ الظلم، وإقامة العدل قد استفاد منها كثير من الأمم والشعوب، وإن لم تدخل في الإسلام، وقد أخذت كثير من دول العالم نظام الإسلام في المعاملات، فاستفادت بذلك فائدة دنيوية..

    وقد جاء الإسلام برفع الظلم عن النساء، والعبيد، والضعفاء، فاستفاد الناس من ذلك، وجعل الإسلام حقوقاً للأسرى، ونظاماً في الحروب استفاد منه الكفار أيضاً.

    فقد جاء الإسلام في وقت عم فيه الجهل والظلم، فغير نظرة الناس عمومهم نحو المرأة والعبد.. فأزال الفروق الجاهلية التي كان الناس يتفاضلون بها، ويقتتلون عليها كاللون، والوطن والأصل وأعلن في الناس جميعاً أنهم لآدم وآدم من تراب..

    قـال تعالى:{يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير} (الحجرات:13).

    وقد استفاد الناس من هذا التعاليم ولو بعد حين..

    رابعا: أركان الدعوة إلى الله:

    أركان الدعوة إلى الله ثلاثة هي:

    1) المدعو إليه: وهو دين الإسلام الذي يراد دعوة الناس إليه وهو سبيل الله، وصراطه المستقيم.

    2) الداعي: هو القائم بأمر دعوة الناس.

    3) المدعو: وهو من يراد دعوته وهم الناس جميعاً بوجه عام وأهل الإسلام بوجه خاص.

    الركن الأول: المدعو إليه:

    الأصول العامة للركن الأول.

    1) لا يدعي إلا إلى الإسلام:

    الركن الأول في الدعوة إلى الله هو دين الإسلام الذي يراد دعوة الناس إليه، وحملهم عليه ودين الإسلام هو سبيل الله وصراطه المستقيم. قال تعالى: {ادع إلى سبيل ربك} (النحل:125).

    وقال: {اهدنا الصراط المستقيم* صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين} (الفاتحة:6-7)..

    وقال تعالى:{قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة} (يوسف:108).

    وقال تعالى: {وادع إلى ربك ولا تكونن من المشركين} (القصص:87).

    وقال: {وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم* صراط الله الذي له ما في السموات وما في الأرض ألا إلى الله تصير الأمور} (الشورى:52-53).

    فالدعوة إلى الله هي الدعوة إلى توحيده والإيمان به، والدخول في دينه وصراطه المستقيم، وشرعه القويم، وهو دين الإسلام الذي بعث به خاتم الرسل صلى الله عليه وسلم..

    قال شيخ الإسلام رحمه الله: "الدعوة إلى الله هي الدعوة إلى الإيمان به، وما جاءت به رسله بتصديقهم فيما أخبروا به، وطاعتهم فيما أمروا" (مجموع الفتاوى 15/157).

    2) الإسلام هو كتاب الله وسنة رسوله، وما أجمعت عليه الأمة:

    والإسلام هو ما يتضمنه كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم التي وردتنا بطريق صحيح.. فهذا هو الحق الذي لا شائبة فيه، ولا يتطرق إليه خلل.

    ثم ما أجمعت عليه الأمة كلها لأن هذه الأمة لا تجتمع على ضلالة، كما قال صلى الله عليه وسلم: [لا تجتمع أمتي على ضلالة].

    وما سوى ذلك من رأي واجتهاد، فإنه يصيب ويخطئ، ولا يجوز حمل الناس على قول أحد إلا ما وافق كتاب الله وسنة رسوله.

    وقال شيخنا وأستاذنا الشيخ عبدالعزيز بن باز -حفظه الله-: "أما الشيء الذي يدعى إليه ويجب على الدعاة أن يوضحوه للناس كما أوضحه الرسل عليهم الصلاة والسلام، فهو الدعوة إلى صراط الله المستقيم، وهو الإسلام، وهو دين الله الحق، هذا هو محل الدعوة كما قال سبحانه:{ادع إلى سبيل ربك} (النحل:125).

    فسبيل الله جل وعلا هو الإسـلام وهو الصراط المستقيم وهو دين الله الذي بعث به نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم هذا هو الذي تجب الدعوة إليه لا إلى مذهب فلان ولا إلى رأي فلان، ولكن إلى دين الله، وإلى صراط الله المستقيم الذي بعث الله به نبيه وخليله وهو ما دل عليه القرآن العظيم والسنة المطهرة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم)" (الدعوة إلى الله وأخلاق الدعاة ص/26).

    3) حقيقة الإسلام:

    وحقيقة هذا الدين وهدفه هو عبادة الله وحده لا شريك له، ونبذ ما يعبد من دون الله، والاستسلام والخضوع لأوامره. قال تعالى: {إن الدين عند الله الإسلام} (آل عمران:19).. وقال تعالى: {ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين} (آل عمران:85).

    وقال تعالى: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} (النحل:36) وقال تعالى: {قل إنما يوحى إليّ أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً} (الكهف:110).. وقال تعالى: {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين* لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين} (الأنعام:162-163).

    والخلق جميعاً ومنهم الإنس والجن قد خلقوا لهذه الغاية. قال تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون* ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون* إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين} (الذاريات:56-58).

    4) الإسلام نظام شامل لكل أعمال الإنسان:

    والإسلام نظام شامل كامل لتنظيم أعمال الإنسان جميعها على هذه الأرض، فهو أولاً يحدد عقيدة الإنسان، وعمله تجاه إلهه وخالقه سبحانه وتعالى. ثم عقيدته وعمله نحو أهل الإيمان ممن دخلوا في هذا الدين ثم عقيدته وعمله نحو كل مخلوقات الله التي تحيط بالإنسان في السموات والأرض..

    وفي كل هذه الأمور تأتي الأحكام الشرعية التكليفية الخمسة: الوجوب والندب، والإباحة، والتحريم، والكراهة..

    فلا يوجد عمل ولا اعتقاد إلا وفيه حكم من هذه الأحكام. قال تعالى: {ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء، وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين} (النحل:89).. وقال تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً} (المائدة:3).

    وقد بين سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز حفظه الله الكليات العامة للإسلام الذي تجب الدعوة إليه فقال:

    "وعلى رأس الدعوة إلى الإسلام الدعوة إلى العقيدة الصحيحة إلى الإخلاص لله وتوحيده بالعبادة والإيمان به وبرسله والإيمان باليوم الآخر، وبكل ما أخبر الله به، ورسوله، هذا هو الأساس الصراط المستقيم. وهو الدعوة إلى شهادة ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ومعنى ذلك: الدعوة إلى توحيد الله والإخلاص له والإيمان به وبرسله عليهم الصلاة والسلام، ويدخل في ذلك الدعوة إلى الإيمان بكل ما أخبر الله به ورسله مما كان وما يكون من أمر الآخرة، وأمر آخر الزمان، وغير ذلك..

    ويدخل في ذلك أيضاً الدعـوة إلى ما أوجب الله من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت إلى غير ذلك..

    ويدخل أيضاً في ذلك الدعوة إلى الجهاد في سبيل الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والأخذ بما شرع الله في الطهارة والصلاة والمعاملات والنكاح والطلاق والجنايات والنفقات والحرب والسلم وفي كل شيء لأن دين الله عز وجل دين شامل يشمل مصالح العباد في المعاش والمعاد ويشمل كل ما يحتاج إليه الناس في أمر دينهم ودنياهم، ويدعو إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، وينهى عن سفاسف الأخلاق، وعن سيء الأعمال..

    فهو عبادة وقيادة، يكون عابداً ويكون قائداً للجيش، عبادة، وحكم ويكون عابداً مصلياً صائماً، ويكون حاكماً بشرع الله منفذاً لأحكامه عز وجل، عبادة وجهاد ويدعو إلى الله ويجاهد في سبيل الله من خرج عن دين الله، مصحف وسيف: يتأمل القرآن ويتدبره وينفذ أحكامه بالقوة ولو بالسيف إذا دعت الحاجة إليه، سياسة واجتماع فهو يدعو إلى الأخلاق الفاضلة والأخوة الإيمانية، والجمع بين المسلمين والتأليف بينهم كما قـال جل وعلا: {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا} (آل عمران:103)..

    فدين الله يدعو إلى الاجتماع وإلى السياسة الصالحة الحكيمة التي تجمع الأخوة الإسلامية والتعاون على البر، والتقوى، والنصح لله ولعباده.

    وهو أيضاً يدعو إلى أداء الأمانة والحكم بالشريعة، وترك الحكم بغير ما أنزل الله عز وجل كما قال سبحانه: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل..} (النساء:58).

    وهو أيضاً سياسة واقتصاد كما أنه سياسة وعبادة وجهاد، فهو يدعو إلى الاقتصاد الشرعي المتوسط ليس رأسمالي تكسب المال، وتطلبه بالطرق الشرعية، وأنت أولى بمالك وبكسبك بالطريقة التي شرعها الله وأباحها جل وعلا.

    والإسلام أيضاً يدعو إلي الأخوة الإيمانية وإلى النصح لله ولعباده وإلى احترام المسلم لأخيه المسلم لا غل ولا حسد ولا غش ولا خيانة، ولا غير ذلك من الأخلاق الذميمة كما قال جل وعلا: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض} (التوبة:71) وقال جل وعلا: {إنما المؤمنون أخوة} (الحجرات:10)..

    وقال النبي صلى الله عليه وسلم: [المسلم أخو المسلم لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره..] (متفق عليه).

    فالمسلم أخـو المسلم يجب عليه احترامه، وعدم احتقاره، ويجب عليه إنصافه وإعطاؤه حقه من كل الوجوه التي شرعها الله عز وجل، وقال صلى الله عليه وسلم: [المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً ] (متفق عليه). وقال صلى الله عليه وسلم: [المؤمن مرآة المؤمن] (رواه الطبراني في الأوسط وصححه الألباني في الجامع 6655).

    فأنت يا أخي مرآة أخيك وأنت لبنة من البناء الذي قام عليه بنيان الأخوة الإيمانية، فاتق الله في حق أخيك واعرف حقه، وعامله بالحق والنصح والصدق.

    وعليك أن تأخذ الإسلام كله ولا تأخذ جانباً دون جانب، لا تأخذ العقيدة وتدع الأحكام والأعمال، ولا تأخذ الأعمال والأحكام، وتدع العقيدة، بل خذ الإسلام كله، خذه عقيدة وعملاً وجهاداً، وسياسة، واقتصاداً، وغير ذلك خذ من كل الوجوه كما قال سبحانه: {يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان أنه لكم عدو مبين} (البقرة:208).

    قـال جماعة من السلف معنى ذلك: ادخلوا في السلم جميعه يعني في الإسلام، يقال للإسلام سلم لأنه طريق السلامة وطريق النجاة في الدنيا، والآخرة، فهو سلم وإسلام، فالإسلام يدعو إلى السلم، يدعو إلى حقن الدماء بما شرع من الحدود والقصاص.

    والجهاد الشرعي الصادق فهو سلم وإسلام، وأمن وإيمان ولهذا قال جل وعلا: {ادخلوا في السلم كافة} أي ادخلوا في جميع شعب الإيمان، لا تأخذوا بعضاً وتدعوا بعضاً، عليكم أن تأخذوا بالإسـلام كله، {ولا تتبعوا خطوات الشيطان} (البقرة:168) يعني المعاصي التي حرمها الله عز وجل، فإن الشيطان يدعو إلى المعاصي وإلى ترك دين الله كله، فهو أعدا عدو..

    ولهذا يجب على المسلم أن يتمسك بالإسلام كله وأن يدين بالإسلام كله وأن يعتصم بحبل الله عز وجل وأن يحذر أسباب الفرقة والاختلاف في جميع الأحوال..

    فعليك أن تحكم شرع الله في العبادات وفي المعاملات وفي النكاح، والطلاق، وفي النفقات، وفي الرضاع، وفي السلم، والحرب، ومع العدو والصديق، وفي الجنايات، وفي كل شيء.. دين الله يجب أن يحكم في كل شيء..

    وإياك أن توالي أخاك لأنه وافقك في كذا وتعادي الآخر لأنه خالفك في رأي أو في مسألة، فليس هذا من الإنصاف، فالصحابة رضي الله عنهم اختلفوا في مسائل، ومع ذلك لم يؤثر ذلك في الصفاء بينهم والموالاة والمحبة رضي الله عنهم وأرضاهم.. فالمؤمن يعمل بشرع الله ويدين بالحق ويقدمه على كل أحد بالدليل، ولكن لا يحمله ذلك على ظلم أخيه وعدم إنصافه إذا خالفه في الرأي في مسائل الاجتهاد التي قد يخفي دليلها، وهكذا في المسائل التي قد يختلف في تأويل النص فيها فإنه قد يعذر، فعليك أن تنصح له وأن تحب له الخير ولا يحملك ذلك على العداء والانشقاق وتمكين العدو منك ومن أخيك ولا حول ولا قوة إلا بالله.

    الإسلام دين العدالة، ودين الحكم بالحق والإحسان، ودين المساواة إلا فيما استثنى الله عز وجل، ففيه الدعوة إلى كل خير وفيه الدعوة إلى مكارم الأخلاق، ومحاسن الأعمال، والإنصاف، والعدالة، والبعد عن كل خلق ذميم. قال تعالى: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون} (النحل:90)..

    وقال تعالى : {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير} (الحجرات:13).

    والخلاصة: إن الواجب على الداعية الإسلامي أن يدعو إلى الإسلام كله، ولا يفرق بين الناس، وأن لا يكون متعصباً لمذهب دون مذهب أو لقبيلة دون قبيلة، أو لشيخه، أو رئيسه، أو غير ذلك، بل الواجب أن يكون هدفه إثبات الحق وإيضاحه، واستقامة الناس عليه وإن خالف رأي فلان أو فلان، ولما نشأ في الناس من يتعصب للمذاهب ويقول: إن مذهب فلان أولى من مذهب فلان، جاءت الفرقة والاختلاف حتى آل ببعض الناس هذا الأمر إلى أن لا يصلي مع من هو على غير مذهبه فلا يصلي الشافعي خلف الحنفي، ولا الحنفي خلف المالكي، ولا خلف الحنبلي، وهكذا وقع من بعض المتطرفين المتعصبين، وهذا من البلاء ومن اتباع خطوات الشيطان..

    فالأئمة أئمة هدى، الشافعي ومالك، وأحمد، وأبو حنيفة والأوزاعي، وإسحاق بن راهويه، وأشباههم كلهم أئمة هدى ودعاة حق دعوا الناس إلى دين الله وأرشدوهم إلى الحق، ووقع هناك مسائل بينهم اختلفوا فيها لخفاء الدليل على بعضهم فهم بين مجتهد مصيب له أجران، وبين مجتهـد أخطأ الحق فله أجر واحد، فعليك أن تعرف لهم قدرهم وفضلهم وأن تترحم عليهم وأن تعرف أنهم أئمة الإسلام ودعاة الهدى، ولكن لا يحملك ذلك على التعصب والتقليد الأعمى، فتقـول: مذهب فلان أولى بالحق بكل حال، أو مذهب فلان أولى بالحق بكل حال لأنه لا يخطئ (لا) هذا غلط.

    عليك أن تأخذ بالحق وأن تتبع الحق إذا ظهر دليله ولو خالف فلاناً أو فلاناً، وعليك ألا تتعصب وتقلد تقليداً أعمى، بل تعرف للأئمة فضلهم وقدرهم، ولكن مع ذلك تحتاط لنفسك ودينك فتأخذ بالحق وترضى به وترشد إليه إذا طلب منك وتخاف الله وتراقبه جل وعلا وتنصف من نفسك مع إيمانك بأن الحق واحد وأن المجتهدين إن أصابوا فلهم أجران، وإن أخطأوا فلهم أجر واحد -أعني مجتهدي أهل السنة، أهل العلم والإيمان والهدى- كما صح بذلك الخير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم" أ.هـ (الدعوة إلى الله وأخلاق الدعاة ص/27-35).

    الركن الثاني: الداعي إلى الله

    الركن الثاني من أركان الدعوة هو الداعي إلى الله والمراد به كل مسلم حمل أمانة الدعوة، ودخل في قوله تعالى: {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني، وسبحان الله وما أنا من المشركين} (يوسف:108).

    والواجبات التي يجب توفرها في الداعي إلى الله هي:

    1) العلم بما يدعو إليه:

    الواجب الأول الذي يجب توفره في الداعي إلى الله أن يكون عالماً بما يدعو إليه، موقناً أن الذي يدعو إليه هو الإسلام. ولأن الإسلام دين متين يشمل جميع عمل الإنسان وعلاقاته بربه ثم بجميع المخلوقات، والعالم من حوله، والعلوم التي جاء بها الدين واسعة جداً فالغيب الذي أخبرنا الله به يبدأ من بدايات الخـلق إلى نهاية الدنيا، مروراً بكل الرسالات والنبوات، ووصولاً إلى أحوال المعـاد والجنة والنار.. ثم إن الشريعة التي فرضها الله علينا تنتظم جميع أعمال المكلفين وتصرفاتهم على الأرض، وحلاً لجميع مشكلاتهم، وقضاءً لجميع أقضياتهم.. ولأن هذا العلم من الاتساع والشمول والعمق مما لا يحيط به إلا الأفذاذ من الرجال، ولا يجمعه إلا الفحول من العلماء ولا يفقهه حق الفقه إلا الأفراد من الراسخين في العلم.. كان لا بد للداعي إلى الله أن لا يهجم على أمر من أمور الدين إلا بعد العلم به، ولا يفتي في مسألة إلا بعد فقه أبعادها ولا يدعو الناس إلا بعد العلم أن ما يدعو إليه هو ما أمر به الله ورسوله ولا ينهى عن شيء إلا بعد العلم أن ما ينهى عنه هو مما نهى الله ورسوله عنه.

    ولا يجوز أن تجعل الأمور الاجتهادية، وما لا نص فيه في منزلة الأمور المنصوص عليها المقطـوع بها.. ويجب على الداعي أن يضع كل أمر في نصابه، ودليل هذا كله قوله تعالى:{قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني} (يوسف:108) فالبصيرة العلـم، وكذلك قوله: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة} (النحل:125) فما لم يكن من سبيل الله لا يجوز الدعوة إليه، وما لم يعلم أنه من سبيل الله لا يجوز أن يدعى إليه.

    والدعوة على جهل تؤدي إلى فساد الدين فكثيرون دعوا على جهل فضلوا وأضلوا..

    وسبيل العلم هو المربي والكتاب والمنهج، وقد سئل شيخنا عبدالعزيز بن باز حفظه الله عن الكتب التي يجب على الداعي إلى الله أن يتعلمها فقال:

    "أعظم كتاب وأشرف كتاب أنصح به هو كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فأنصح كل داع إلى الله، وكل آمر بالمعروف وناه عن المنكر، ومعلم، ومدرس، ومرشد، ذكراً كان أو أنثى، أن يعتني بكتاب الله ويتدبره، ويكثر من قراءته، فهو أصل كل خير، وهو المعلم وهو الهادي إلى الخير، كما قال عز وجل: {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم} (الإسراء:89).

    وهو يهدي بهداية الله إلى الطريق الأقوم إلى سبيل الرشاد، فالواجب على الدعاة والآمرين بالمعروف والمعلمين، أن يجتهدوا في قراءته وتدبر معانيه، فإنهم بذلك يستفيدون الفائدة العظيمة، ويتأهلون بذلك للدعوة والتعليم بتوفيق الله عز وجل.

    ثم أنصح بالسنة، وما جاء فيها من العلم والهدى، وأن يراجع الداعي إلى الله والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر والمدرس ذكوراً وإناثاً كتب الحديث، وما ألفه الناس من هذا ،حتى يستفيد من ذلك، وأهم كتب الحديث وأصحها، صحيح البخاري، وصحيح مسلم، فليكثر من مراجعتهما، والاستفادة منهما، ومن بقية كتب الحديث كالسنن الأربع، ومسند الإمام أحمد، وموطأ الإمام مالك، وسنن الدارمي وغيرها من كتب الحديث المعروفة كما أوصي بمراجعة كتب أهل العلم المفيدة، مثل المنتقى للمجد ابن تيمية، ورياض الصالحين، وبلوغ المرام، وعمدة الحديث، وجامع العلم وفضله لابن عبدالبر، وجامع العلوم والحكم للحافظ ابن رجب، وزاد المعاد في هدي خير العبـاد للعلامة ابن القيم، وأعلام الموقعين، وطريق الهجرتين، والطرق الحكمية كلها له أيضاً..

    وكذلك ما كتبه أبو العباس شيخ الإسـلام ابن تيمية في السياسة الشرعية، والحسبة في الفتاوى، ومنهـاج السنة، فهو من الأئمة العظماء الذين جربوا هذا الأمر، وبرزوا فيه، ونفع الله به الأمة ونصر به الحق، وأذل به البدع وأهلها فجزاه الله وإخوانه العلماء عن صبرهم وجهادهم أفضل ما جزي به المحسنين إنه جواد كريم ..

    فأنا أنصح كل مسلم، وكل معلم، وكل مرشد أن يعتني بهذه الكتب المفيدة بعد العناية بكتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم..

    2) العمل بما يدعو إليه:

    الواجب الثاني الذي يجب للداعي أن يكون عامـلاً بما يدعو الناس إليه، فإذا دعا غيره إلى خير كان أسبق الناس إليه، وإذا نهاهـم عن شر كان أبعد الناس منه، ودليل هذا قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون* كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون} (الصف:2-3) وقوله تعالى: {أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون} (البقرة:44).

    وقوله تعالى عن شعيب: {وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه} (هود:81) وفي الحديث الصحيح: [يؤتى بالرجل يوم القيامة فتندلق أقتابه في النار، فيدور بها كما يدور الحمار برحاه فيجتمع أهل النار عليه فيقولون أي فلان ما شأنك؟ أليس كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ قال: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه] (متفق عليه).

    قال شيخنا عبدالعزيز بن باز حفظه الله: "ومن الأخلاق والأوصاف التي ينبغي، بل يجب أن يكون عليها الداعية، العمل بدعوته، وأن يكون قدوة صالحة فيما يدعو إليه، ليس ممن يدعو إلى شيء ثم يتركه، أو ينهى عن شيء ثم يرتكبه، هذه حال الخاسرين نعوذ بالله من ذلك، أما المؤمنون الرابحون فهم دعاة الحق يعملون به وينشطون فيه ويسارعون إليه، ويبتعدون عما ينهون عنه قـال الله جل وعلا: {يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون} (الصف:2-3).

    هذه الآية العظيمة تبين لنا أن الداعي إلى الله عز وجل ينبغي أن يكون ذا عمل صالح يدعو إلى الله بلسانه، ويدعو إلى الله بأفعاله أيضاً، ولهذا قال بعده "وعمل صالحاً"، فهو داعية إلى الله باللسان، وداعية بالعمل ولا أحسن قولاً من هذا الصنف من الناس: هم الدعاة إلى الله بأقوالهم الطيبة، وهم يوجهون الناس بالأقوال والأعمال، فصاروا قدوة صالحة في أقوالهم وأعمالهم وسيرتهم.

    وهكذا كان الرسل عليهم الصلاة والسلام دعاة إلى الله بالأقوال والأعمال، والسيرة.. وكثير من المدعوين ينتفعون بالسيرة أكثر مما ينتفعون بالأقوال، ولا سيماً العـامة وأرباب العلوم القاصرة فإنهم ينتفعون من السيرة والأخلاق الفاضلة والآمال الصالحة، ما لا ينتفعون من الأقوال التي قد لا يفهمونها، فالداعي إلى الله عز وجل من أهم المهمات في حقه أن يكون ذا سيرة حسنة، وذا عمل صالـح، وذا خلق فاضل حتى يقتدي بفعاله وأقواله" (من أقوال الشيخ بن باز ص/65-66).

    3) احتساب أجر الدعوة إلى الله:

    يجب على الداعي إلى الله أن يكون محتسباً لا يطلب على دعوته أجراً. قال تعالى: {قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين} (ص:86) وحتى لا يتهم في دعوته، وأنه لم يدع إلا للدنيا، ولذلك أمر الله جميع رسله أن يقولوا {وما أسألكم عليه من أجر إن أجرى إلا على رب العالمين} (الشعراء:109).

    وأتباع الرسل والأنبياء يجب أن يأتسوا بهم في دعوتهم إلى الله فتكون دعوتهم إلى الله من أجل دينه، واحتساباً لله، وبهذا تجد دعوتهم القبول، وتنتفي عنهم الظنة ويكونون بعيدين عن الشبهة.

    قال شيخنا عبدالعزيز بن عبدالله بن باز حفظه الله: "أما أخلاق الدعاة وصفاتهم التي ينبغي أن يكونوا عليها فقد أوضحها الله جل وعلا في آيات كثيرة في أماكن متعددة من كتابه الكريم (أولاً) منها:

    * الإخلاص: فيجب على الداعية أن يكون مخلصاً لله عز وجل لا يريد رياء ولا سمعة ولا ثناء الناس ولا حمدهم، إنما يدعو إلى الله يريد وجهه عز وجل، كما قال سبحانه وتعالى: {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله} (يوسف:108) ..وقال عز وجل: {ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله} (فصلت:33) فعليك أن تخلص لله عز وجل، هذا أهم الأخلاق، هذا أعظم الصفات أن تكون في دعوتك تريد وجه الله والدار الآخرة" (الدعوة وأخلاق الدعاة ص/36-37).

    ولا شك أن إخلاص الداعية لله في دعوته هو من سر النجاح فيها، ووضع القبول له في الأرض.

    قال الإمام الذهبي رحمه الله: "كان السلف يطلبون العلم لله فنبلوا وصاروا أئمة يقتدى بهم، وطلبه قـوم منهم أولاً لا لله، وحصلوه، ثم استفاقوا وحاسبوا أنفسهم فجرهم العلم إلى الإخلاص في أثناء الطريق، كما قال مجاهد وغيره: طلبنا هذا العلم وما لنا فيه كبير نية، ثم رزق الله النية بعد، وبعضهم يقول: طلبنا هذا العلم لغير الله، فأبى أن يكون إلا لله. فهذا أيضاً حسن، ثم نشروه بنية صالحة .

    وقـوم طلبوه بنية فاسدة لأجل الدنيا وليثنى عليهم، فلهم ما نووا: قال عليه السلام: [من غزا في سبيل الله ولم ينو إلا عقـالاً فله ما نوى] (رواه أحمد والنسائي والحاكم وصححه الألباني في الجامع 6401).

    وترى هذا الضرب لم يستضيئوا بنور العلم، ولا لهم وقع في النفوس، ولا لعلمهم كبير نتيجة من العمل، وإنما العالم من يخشى الله تعالى.

    وقوم نالوا العلم وولوا به المناصب، فظلموا، وتركوا التقيد بالعلم وركبوا الكبائر والفواحش، فتباً لهم، فما هؤلاء بعلماء!

    وبعضهم لم يتق الله في علمه بل رَكِبَ الحيل، وأفتى بالرخص، وروى الشاذ من الأخبار، وبعضهم اجترأ على الله، ووضع الأحاديث فهتكه الله، وذهب علمه، وصار زاده إلى النار، وهؤلاء الأقسام كلهم رووا من العلم شيئاً كبيراً، وتضلعوا منه في الجملة، فخلف من بعدهم خلف بان نقصهم في العلم والعمل، وتلاهم قوم انتموا إلى العلم في الظاهر، ولم يتقنوا منه سوى نزر يسير، أوهموا به أنهم علماء فضلاء، ولم يدر في أذهانهم قط أنهم يتقربون به إلى الله لأنهم ما رأوا شيخاً يقتدى به في العلم، فصاروا همجاً رعاعاً، غاية المدرس منهم أن يحصل كتباً مثمنة يخزنها، وينظر فيها يوماً ما، فيصحف ما يورده ولا يقرره، فنسأل الله النجاة والعفو" (سير أعلام النبلاء 7/152-153).

    قـال عبدالله بن المبارك: "قيل لحمدون بن أحمد: ما بال كلام السلف أنفع من كلامنا؟ قال: لأنهـم تكلموا لعز الإسلام ونجاة النفوس، ورضا الرحمن، ونحن نتكلم لعز النفوس وطلب الدنيا ورضا الخلق" (صفوة الصفوة 4/122).

    4) الصبر على الأذى:

    لا بد للداعي إلى الله من التحلي بالصبر لأنه لا بد وأن يؤذى في دعوته فكل الرسل قد عودوا، وقد قال ورقة بن نوفل للنبي صلى الله عليه وسلم: (لم يأت رجل قط بما جئت به إلا عودي) (متفق عليه)..

    قال تعالى: {وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين وكفى بربك هادياً ونصيراً} (الفرقان:31).

    وقال صلى الله عليه وسلم: [أشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل] (رواه ابن حبان في صحيحه، وصححه الألباني في صحيح الجامع 993).

    ومن أجـل ذلك قرن الله الصبر مع التواصي بالحق، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. قال تعالى: {والعصر* إن الإنسان لفي خسر* إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر} (العصر:1-3).. وقال تعالى عن لقمان وهو يعظ ابنه: {يا بني أقم الصلاة، وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور} (لقمان:17).

    والرسـل أوذوا من الكفار المعلنين للكفر، ومن أهل النفاق ومن أهل الجهل، والحمق كذلك ممن يظهر الدين!!

    وقد أوذي سيـد البشر، وخاتم الرسل وإمام المتقين، سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم من المشركين واليهـود والنصارى كما لقي أيضاً من المنافقين أذى كبيراً فقد كان منهم من قـال في حقه: (لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل)، وكان منهم من سب زوجته، وآذاه في أهله ومنهم من قال: (هو أذن)، ومنهم من تآمر على قتله.. الخ.

    كمـا أؤذي صلى الله عليه وسلم من بعض الجهال الحمقى من أمثال من قال له: (اعدل يا محمد فوالله هذه قسمة ما أريد بها وجه الله) (متفق عليه).

    وكذلك أوذي خيار أصحابه من بعده، وما زال الصديق والفاروق يسبان أشد السب إلى يومنا هذا..

    فالداعي إلى الله لا بد وأن يؤذى، ويبتلى. فإذا كان الداعي إلى الله من أهل الصبر استمر في دعوته، وإن كان من أهل الجزع والضعف والخور، ترك الدعوة إلى الله وإن كان من أهل الحمق والجهل ربما اعتدى على من يدعوهم، وانتصر لنفسه فأفسد دعوته، وأبطل جهاده في سبيل الله.

    5) الحرص على هداية من يدعوه:

    الواجب الخامس الذي يجب توفره في الداعي إلى الله أن يكون حريصاً على هداية من يدعوه فإذا كان من يدعوه كافراً كان حريصاً على إيمانه ساعياً في ذلك بكل سبيل، وقد كان سيد الدعاة والمهتدين وهو نبينا صلى الله عليه وسلم ليحزن أشد الحزن حتى يكاد يقتله الغم أسفاً على نفور الناس من دعوته..

    قال تعالى معزياً ومعاتباً له: {لعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفاً} (الكهف:6)..

    وقد وصفه تعالى بالحرص على هداية الناس. قال تعالى:{لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم} (التوبة:128).. وقال تعالى: {إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل} (النحل:37)..

    والداعي إذا كان حريصاً على هداية من يدعوه سعى إلى ذلك بكل سبيل ولم يدخر وسعاً في إيصال الحق له، واستخدم معه كل وسيلة ناجعة، وأزال كل عقبة تصده عن الحق.

    وأما إذا اتصف بضد ذلك أهمل في دعوة من يدعوه، ولم يكترث لهدايته أو ضلاله..

    وإذا كان من تدعوه مسلماً وكنت حريصاً على أن يهتدي للحق الذي تدعوه إليه، وللمعروف الذي تأمـره به، حملك هذا على إخلاص النية، وبذل قصارى الجهد، والفرح بهداية من تدعوه، والحزن إذا لم يستجب لك.

    6) اتخاذ الحكمة منهجاً وسبيلاً:

    أمر الله سبحانه وتعالى أن تكون الدعوة إلى سبيله بالحكمة والموعظة الحسنة، والجدال بالحسنى، قال تعالى: {وادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن}.

    * قال في لسان العرب:

    الحكمة: هي العدل، ورجل حكيم، عدل حكيم، واحكم الأمر أتقنه، ويقال للرجل إذا كان حكيماً: قد أحكمته التجارب.. والحكيم المتقن للأمور.

    وأصله من المنع: ومنه قوله الشاعر

    بني حنيفة أَحكموا سفهاكم أني أخاف عليكم أن أغضبا

    أي ردوهم وكفوهم.

    ومنه حَكَمَةُ اللجام ما أحاط بحنكي الدابة، وسميت حكمة لأنها تمنعها من الجري الشديد.. والحكمة مانعة لصاحبها من الوقوع في الخطأ.

    * معنى الحكمة في الشرع:

    قال الإمام ابن جرير رحمه الله: "القول في تأويل قوله تعالى: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلـم بمن أضل عن سبيله، وهو أعلم بالمهتدين}.

    يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {ادع} يا محمد من أرسلك إليه ربك بالدعاء إلى طاعته {إلى سبيل ربك} يقول: إلى شريعة ربك التي شرعها لخلقه، وهو الإسلام {بالحكمة} يقول بوحي الله الذي يوحيه إليك، وكتابه الذي نزله عليك {والموعظة الحسنة} يقول: وبالعبر الجميلة التي جعلها الله حجة عليهم في كتابه، وذكرهم بها في تنزيله، كالتي عدد عليهم في هذه السورة من حججه، وذكرهم فيها ما ذكرهم من آلائه {وجادلهم بالتي هي أحسن} يقول: وخاصمهم بالخصومة التي هي أحسن من غيرها أن تصفح عما نالوا به عرضك من الأذى، ولا تعصه في القيام بالواجب عليك من تبليغهم رسالة ربك".

    وقال الإمـام برهان الدين البقاعي في نظم الدرر: "{ادع} أي كل من يمكن دعوته.. {إلى سبيل ربك} أي المحسن إليك، بتسهيل السبيل الذي تدعو إليه واتساعه، وهو الإسلام الذي هو الملة الحنفية.. {بالحكمة} وهي المعرفة بمراتب الأفعال في الحسن، والقبح، والصلاح، والفساد، وقيل لها حكمة لأنها بمنزلة المانع من الفساد، وما لا ينبغي أن يختار، فالحكيم هو العالم بما يمنع من الفساد، قال الرماني، وهي في الحقيقة الحق الصريح، فمن كان أهلاً له دعا به {والموعظة} بضرب الأمثال والوعد، والوعيد مع خلط الرغبة بالرهبة والإنذار بالبشارة.. {الحسنة} أي التي يسهل على كل فهم ظاهرها، ويروق كل نحرير ما ضمنته سرائرها، مع اللين في مقصودها، وتأديتها هذا لمن لا يحتمل إلا ذلك.. {وجادلهم} أي الذين يحتملون ذلك منهم افْتِلهم عن مذاهبهم الباطلة إلى مذهبك الحق بطريق الحجاج.. {بالتي هي أحسن} من الطرق بالترفق واللين والوقار، والسكينة، ولا تعرض عنهم، ولا تجازهم بسيء مقالهم، وقبيح فعالهم صفحاً عنهم ورفقاً بهم، فهو بيان لأصناف الدعوة بحسب عقول المدعوين لأن الأنبياء عليهم السلام مأمورون بأن يخاطبوا الناس على قدر عقولهم" أ.هـ

    وقال الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله في تفسيره في بيان معنى الحكمة: "{بالحكمة} أي كل أحد على حسب حاله وفهمه، وقبوله وانقياده، ومن الحكمة، الدعوة بالعلم لا بالجهل، والبدأة بالأهم فالأهم، وبالأقرب إلى الأذهان والفهم، وبما يكون قبوله أتم، وبالرفق واللين، فإن انقاد بالحكمة، وإلا فينتقل معه إلى الدعوة بالموعظة الحسنة، وهو الأمر، والنهي المقرون بالترغيب والترهيب، إما تشتمل عليه الأوامر من المصالح وتعدادها، والنواهي من المضار وتعدادها، وإما بذكر إكرام من قام بدين الله، وإهانة من لم يقم به، وإما بذكر ما أعد الله للطائعين، من الثواب العاجل والآجل، وما أعد للعاصين من العقاب العاجل والآجل، فإن كان المدعو، يرى أن ما هو عليه حق، أو كان داعيه إلى الباطل، فيجادل بالتي هي أحسن، وهي الطرق التي تكون ادعى لاستجابته عقلاً ونقلاً، ومن ذلك الاحتجاج عليه بالأدلة التي كان يعتقدها، فإنه أقرب إلى حصول المقصود، وأن لا تؤدي المجادلة إلى خصام أو مشاتمة، تذهب بمقصودها ولا تحصل الفائدة منها، بل يكون القصد منها هداية الخلق إلى الحق لا المغالبة ونحوها". (تفسير السعدي 3/92-93).

    وقال سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز -حفظه الله-:

    "ومن الحكمة إيضاح المعنى وبيانه بالأساليب المؤثرة التي يفهمها المدعو وبلغته التي يفهمها حتى لا تبقى عنده شبهة، وحتى لا يخفى عليه الحق بسبب عدم البيان، أو بسبب عدم إقناعه بلغته، أو بسبب تعارض بعض الأدلة، وعـدم بيان المرجح، فإذا كان هناك ما يوجب الموعظة وعظ وذكر بالآيات الزواجر، والأحاديث التي فيها الترغيب والترهيب، حتى ينتبه المدعو، ويرق قلبه، وينقاد للحق، فالمقام قد يحتاج فيه المدعو إلى موعظة وترغيب وترهيب على حسب حاله، وقد يكون مستعداً لقبول الحق، فعند أقل تنبيه يقبل الحق، وتكفيه الحكمة، وقد يكون عنده بعض التمنع، وبعض الإعراض فيحتاج إلى وعظة وإلى توجيه وإلى ذكر آيات الزجر" (من أقوال الشيخ ابن باز في الدعوة ص/64).

    ومما سبق يتبين أن الحكمة تأتي لمعان كثيرة:

    1) ما تضمنه كتاب الله سبحانه وتعالى من الدعوة إلى
    alhdhd45
    alhdhd45


    عدد المساهمات : 1337
    تاريخ التسجيل : 03/03/2011
    الموقع : hmsain.ahlamontada.com

    دورة: كُن داعياً لله Empty رد: دورة: كُن داعياً لله

    مُساهمة  alhdhd45 الإثنين 4 يوليو 2011 - 19:39

    * أصول في دعوة المنافق:

    المنافق: هو الذي يظهر الإسلام ويبطن الكفر، وهذه بعض الأصول الشرعية في دعوته للإسلام:

    1) لا يحكم على شخص أنه منافق نفاقاً اعتقادياً إلا ببرهان لا يقبل النقض أنه يبطن الكفر، ويظهر الإسلام كذباً..

    2) المنافق يدعى إلى الإسلام، ويوعظ ،ويذكر بالله، ويجري عليه أحكام الإسلام الظاهرة، ويغلظ عليه عند مخالفة الأمر الشرعي. قال تعالى:{أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولاً بليغاً} (النساء:6) {جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم} (التوبة:73).

    قال ابن كثير: "قال تعالى {أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم} هذا الضرب من الناس هم المنافقون، والله يعلم ما في قلوبهم وسيجزيهم على ذلك فإنه لا تخفى عليه خافية فاكتف به يا محمد فيهم فإنه عالم بظواهرهم وبواطنهم، ولهذا قــال له {فأعرض عنهم} أي لا تعنفهم على ما في قلوبهم {وعظهم} أي واتهمهم عما في قلوبهم من النفاق وسرائر الشر {وقل لهم في أنفسهم قولاً بليغاً} أي وانصحهم فيما بينك وبينهم بكلام بليغ رادع لهم".

    ثانياً: الدعوة بين المسلمين:

    للدعوة إلى الله بين المسلمين ميدانان هما:

    أ) التربية والتعليم.

    ب) الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

    ولكل ميدان من هذين الميدانين أصوله وقواعده.

    أ) قواعد في التربية على الإسلام وتعليمه:

    التربية وهي التزكية والتعليم، هي مهمة النبي في المؤمنين قال تعالى: {هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته، ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين} (الجمعة:2)..

    والتربية هي تنشأة الإنسان وبناؤه.. قال رسول صلى الله عليه وسلم: [ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه] (متفق عليه).

    وهذه أهم قواعد التربية والتزكية:

    1) تصور النموذج المثالي للإنسان الكامل والعبد الصالح:

    يجب أولاً أن يتضح أمام المربي والمعلم النموذج والمثال الذي يجب أن يربى على غراره، وهذا النموذج قد جاء وصفه التفصيلي في آيات كثيرة من كتاب الله سبحانه وتعالى منها أول سـورة المؤمنون.. قال تعالى: {قد أفلح المؤمنون* الذين هم في صلاتهم خاشعون* والذين هم عن اللغو معرضون* والذين هم للزكاة فاعلون* والذين هم لفروجهم حافظون* إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين* فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون* والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون* والذين هم على صلواتهم يحافظون} (المؤمنون:1-9).

    وفي غيرها من سور القرآن كمطلع سورة البقرة، والآيات الأولى من سورة الأنفال، وسورة الحجرات بكمالها، والآيات من سورة الإسـراء من قوله تعالى: {لا تجعل مع الله إلهاً آخر فتقعد مذموماً مخذولاً} (الإسراء:22) إلى قوله: {ولا تجعل مع الله إلهاً آخر فتلقى في جهنم ملوماً مدحوراً} (الإسراء:39)..

    ولا شك أن القرآن كله قد فصل صفات النموذج الطيب للمؤمن الصالح الذي يحبه الله ويرضاه..

    وقد كان رسولنا صلى الله عليه وسلم هو الإنسان الكامل والنموذج والقدوة والأسوة الذي أمر المسلمون جميعاً بالتأسي به {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} (الأحزاب:21)..

    فهو النموذج الكامل للتأسي، وقد كان خلقه القرآن كما قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: [كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن] (رواه أبو داود والنسائي).

    وكذلك صور القرآن النماذج السيئة من المجرمين والكافرين والمنافقين. قال تعالى: {وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين} (الأنعام:55)..

    2) التعليم الدائم:

    يجب على الداعي إلى الله، ومعلم الخير أن يعتمد لنفسه ومن يعلمهم نظام التعليم الدائم من المهد إلى اللحد، والمسلم الحق هو من يزداد في دينه كل يوم علماً وعباده {وقل رب زدني علماً} (طه:114) وعلم الـدين لا يحاط به، والقرآن لا يشبع منه العلماء، وفضل العلم خير من فضل العبادة.

    3) أخذ العلم والعمل جميعاً:

    يجب أخذ العلـم والعمل جميعاً، وعدم إفراد العلم عن العمل لأن هذا مدعاة لأن يقول المسلم ما لا يفعـل، وأن يصبح العلم حجة على صاحبه لا حجة له، وقد كان منهج الصحابة في التعلم أخذ العلم والعمل جميعاً فقد كان منهم من حفظ سورة البقرة في عدة سنوات ليحفظ السورة وليعلمها، وليعمل بها كما قال الأعمش : (كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن) (تفسير ابن كثير) فتأخذ العلم والعمل جميعاً، وهذا لمن جاوز مرحلة الصغر وسنوات الحفظ الذهبية.

    4) اغتنام سني الحفظ الذهبية عند الصغير:

    تعليم الصغار يجب أن يكون بالحفظ أولاً اغتناماً لسنوات الحفظ الذهبية وهي من الثالثة إلى العشرين تقريباً.. وقد كان منهج التابعين وتابعيهم تحفيظ الصغير القرآن الكريم أولاً ثم السنة، ثم متون العلوم المختلفة (المتون هي كليات العلوم وقضاياها الأساسية وكثيراً ما تكون نظماً).. ثم في الكبر يعتني بعد ذلك بالفهم والتعلم والتفقه فيما يكون قد حفظه.

    5) تعلم الحق قبل الباطل، والتحصن بجواب الشبهة قبل ورودها:

    من قواعد التعليم تعلم الحق قبل تعليم الباطل، لأن السابق إلى الذهن يتمكن منه ويستقر فيه، وقد قال صلى الله عليه وسلم: [ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه] (متفق عليه) والفطرة هي التوحيد. قال تعالى: {فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله} (الروم:30).

    فيجب تعليم الصغار كلمة التوحيد، وتنشئتهم على الفضيلة، والخلق الطيب قبل إطلاعهم على أنواع الشرك والكفر، ومعرفة الرذيلة..

    ثم يجب تعلم جواب الشبهة قبل ورودها تحصناً منها، كما كان الله سبحانه وتعالى يعلم المسلمين ما يقولونه جواباً لشبهات الكفار قبل أن يلقيها الكفار. قال تعالى: {سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا} (الأنعام:148) فأخبرهم بقـول المشركين سبحانه، قبل أن يقولـوه ليعلمهم جوابه. وقال تعالى: {سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب..} (البقرة:142) وهذا كثير في القرآن.

    6) التربية بالأسوة:

    يجب أن تكون الدعوة إلى الله بالأسوة الصالحة، قبل أن تكون بالتعلم والقدوة الحسنة أبلغ في الدعوة .. فالعالم العامل المربي يدعو بسيرته وأخلاقه وأعماله أكثر مما يدعو بأقواله.. والرسول المربي صلى الله عليه وسلم قد أثر في سلوك أصحابه بأخلاقه وشمائله أعظم من تأثيره بأقواله ومواعظه..

    7) الحلم بالتحلم:

    هناك فارق كبير بين التعلم والتربية، فالتعليم يكون بنقل العلم بأي وسيلة من وسائل النقل، ولكن اكتساب الأخلاق لا يكون بمجرد معرفتها وتعلمها بل بوجوب التعود عليها والتخلق بها كما قال صلى الله عليه وسلم: [إنما العلم بالتعلم وإنما الحلم بالتحلم] (رواه الدارقطني في الإفراد وصححه الألباني في صحيح الجامع 2328).

    فلا بد للمربي أن يهيء من يربيهم على التعود على أخلاق الإسـلام ولا يكتفي بتلقينها وتعليمها لهم.

    Cool التدرج في التعليم (تعليم صغار العلم قبل كباره):

    من القواعد الهامة في التربية والتعليم أن يكون التعليم متدرجاً فيبدأ بصغار العلم قبل كباره، وبسهله قبل صعبه ومشكله، قال ابن عباس في تفسير قوله تعالى: {ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الناس وبما كنتم تدرسون} (آل عمران:79).

    قال: مربين تعلمون الناس بصغار العلم قبل كباره..



    9) التقويم المستمر:

    من قواعد التربية التعليم أن يكون التقويم مستمراً ولو كان في حال الكبر، فكل من وقع منه خطأ، أو ارتكب منكراً يجب تقويمه بالتقويم المناسب فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو سيد المعلمين والمربين لأبي ذر رضي الله عنه: [إنك امرؤ فيك جاهلية]!! لما رآه يعير رجـلاً بأمه قائلاً له: [يا ابن السوداء]!! فقال: يا رسول الله على كبر سني!! فقال: [نعم] (متفق عليه).

    ووعظ رسـول الله صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل مع حبه له، موعظة غضب فيها الرسول صلى الله عليه وسلم قائلاً له: [يا معاذ أفتان أنت!!] (متفق عليه).

    وكل هذا يدل على أن الكبير في الفضل أو السن يجب تنبيهه إذا خالف شيئاً من الحق، وكذلك غضب صلى الله عليه وسلم على عمر عندما خاصم الصديق وقال: [أما أنتم بتاركي لي صاحبي] (رواه البخاري).

    10) تعليم الناس ما ينفعهم ويحتاجون إليه:

    قال العلامة عبدالرحمن بن حسن رحمه الله: "وقد كان شيخنا المصنف رحمه الله -يعني الإمام محمد بن عبدالوهاب- لا يحب أن يقرأ على الناس إلا ما ينفعهم في أصل دينهم وعباداتهم، ومعاملاتهم مما لا غنى لهم عن معرفته" (فتح المجيد ص/414).

    وإذا سأل العامي عن أمور لا يحتاج إليها فإنه ينبغي للمعلم أن يفتح له باباً إلى ما يهمه. قال الإمام محمد بن عبدالوهاب: "وينبغي للعالم إذا سأله العامي عما يحتاج إليه، أو سأله عما غيره أهـم منه، أن يفتح له باباً إلى المهم، ولا يحقر عن التعليم من يظنه أبعد الناس عنه، ولا يستبعد فضل الله عليه" (مؤلفات الشيخ: القسم الرابع-التفسير. سورة يوسف ص/147-148).

    11) تعليم الناس على قدر أفهامهم:

    وينبغي للعالم أن يخاطب الناس كلاً على قدر فهمه..

    قال الإمام محمد بن عبدالوهاب: "فينبغي للمعلم أن يعلم أن الإنسان على قدر فهمه، وإن كان ممن يقرأ القرآن، أو عرف أنه ذكي فيعلم أصل الدين وأدلته والشرك وأدلته، ويقرأ عليه القرآن ويجتهد أن يفهم القرآن فهم قلب، وإن كان رجلاً متوسطاً ذكر له بعض هذا، وإن كان مثل غالب الناس، ضعيف الفهم، فيصرح له بحق الله على العبيد، مثل ما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم على المسلم، وحق الأرحام، وحق الوالدين، وأعظم من ذلك حق النبي صلى الله عليه وسلم" (الدرر السنية 1/98-99).



    12) عدم تضييع الزمان في إبطال الشبه الواضحة البطلان:

    قال الإمام محمد بن عبدالوهاب: "إن الشبهة إذا كانت واضحة البطلان لا عذر لصاحبها فإن - معه في إبطالها تضييع للزمان وإتعاب للحيوان مع أن ذلك لا يردعه عن بدعته.. وكان السلف لا يخوضون مع أهل الباطل في رد باطلهم عنهم" (مؤلفات الشيخ القسم الرابع-التفسير ص/92).

    أما إذا كانت الشبهة قد أشكلت على المتعلم أو الناس واحتاجوا إلى إبطالها وجب حينئذ على أهل العلم ردها وتفنيدها وإبطالها بالحجج الدامغة لئلا تستقر في صدورهم فتورث الشك والإضطراب أو الحيرة والارتياب.

    ب) الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

    الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو الميدان الثاني من ميادين الدعوة إلى الله وهو من فروض الكفايات على الأمة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يجب على كل أحد بعينه، بل هو على الكفاية كما دل عليه القرآن".

    ولكنه واجب عيني على أولى الأمر من المسلمين وهم الأمراء العلماء كما قال شيخ الإسلام أيضاً: "ويجب على كل أولي الأمر وهم علماء كل طائفة ومشايخها أن يقوموا على عامتهم، ويأمروهم بالمعروف وينهوهم عن المنكر" (رسالة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ص/40-41).

    والمعروف: هو كل ما يحبه الله ويرضاه ويأمر به.

    والمنكــر: يعم كل ما كرهه الله ونهى عنه.

    وهذه أهم قواعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

    1) لا تأمر بمعروف ولا تنه عن منكر إلا بعد العلم بما تأمر به وتنهى عنه:

    لا يجوز لمن يأمر بالمعروف أن يقدم على ذلك إلا إذا علم أن ما يأمر به هو من المعروف حقاً، ولا ينهى عن منكر إلا إذا علم أن ما ينهى عنه هو من المنكر.

    قال شيخ الإسـلام ابن تيمية رحمه الله: "والله سبحانه وتعالى قد أمرنا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: والأمر بالشيء مسبوق بمعرفته فمن لا يعلم المعروف لا يمكنه الأمر به.. والنهي عن المنكر مسبوق بمعرفته فمن لم يعلمه لا يمكنه النهي عنه" (التفسير الكبير 5/304).

    وقال النووي رحمه الله: "ثم أنه إنما يأمر وينهى من كان عالماً بما يأمر به وينهى عنه، وذلك يختلف باختلاف الشيء، فإن كان من الواجبات الظاهرة، والمحرمات المشهورة كالصلاة والصيام والزنا، الخمر ونحوها، فكل المسلمين علماء بها.

    وإن كان من دقائق الأفعال والأقوال، ومما يتعلق بالاجتهاد لم يكن للعوام مدخل فيه، ولا لهم إنكاره، بل ذلك للعلماء".

    ثم العلماء إنما ينكرون ما أجمع عليه أما المختلف فيه فلا إنكار فيه، لأن على أحد المذهبين: كل مجتهد مصيب، وهذا هو المختار عند كثيرين من المحققين أو أكثرهم.

    وعلى المذهب الآخر: المصيب واحد، والمخطئ غير متعين لنا والإثم مرفوع عنه، لكن إن ندبه -على جهة النصيحة- إلى الخروج من الخلاف، فهو حسن محبوب مندوب إلى فعله برفق فإن العلماء متفقون على الحث على الخروج من الخلاف، إذا لم يلزم منه إخلال بسنة، أو وقوع في خلاف آخر.

    وذكر القاضي أبو الحسن الماوردي البصري الشافعي في كتابه الأحكام السلطانية خلافاً بين العلماء في أن من قلده السلطان الحسبة هل له أن يحمل الناس على مذهبه فيما اختلف فيه الفقهاء إذا كان المحتسب من أهل الاجتهاد، أم لا يغير ما كان على مذهب غيره.. والأصح أنه لا يغير لما ذكرناه.

    ولم يزل الخلاف في الفـروع بين الصحابة والتابعين فمن بعدهم رضي الله عنهم أجمعين.. ولا ينكـر محتسب ولا غيره، وكذلك قالوا: ليس للمفتي ولا للقاضي أن يعترض على من خالفه إذا لم يخالف نصاً، أو إجماعاً أو قياساً جلياً. والله أعلم.

    2) اتخاذ إحدى مراتب الإنكار اتباعاً للحكمة والقدرة:

    وذلك لقوله صلى الله عليه وسـلم: [من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان].. (رواه مسلم).

    فالإنكار باليد أعلى درجات الإنكار وهو (لأولي الأيدي والأبصار) أهل القوة والتمكن والقدرة فمن لم يستطع لسبب أو آخر تحول إلى الإنكار باللسان، ذماً للمنكر وأهله، وبياناً لفساده، وتحذيراً منه، فإن لم يستطع تحول إلى الإنكار بقلبه بغضاً للمنكر وأهله، ومفارقة لمجالسهم كما قال تعالى: {وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين} (الأنعام:68).

    ولا يختص الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بأصحاب الولايات، بل هو ثابت لآحاد المسلمين وعليه إجماع المسلمين فإن غير الولاة في الصدر الأول والعصر الذي يليه كانوا يأمرون الولاة بالمعروف وينهونهم عن المنكر مع تقرير المسلمين إياهم، وهذا إجماع من الأمة على ذلك وأدلة القرآن والسنة شاهدة بذلك.." أ.هـ



    3) وجوب اتباع المصالح الشرعية في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

    ومما يجب على الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يعلم المصالح والمفاسـد الشرعية التي تترتب على أمره ونهيه.

    يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وجماع ذلك داخل في القاعدة العامة فيما إذا تعارضت المصالح والمفاسد والحسنات والسيئات أو تزاحمت فإنه يجب ترجيح الراجح منها فيما إذا ازدحمت المصالح والمفاسد وتعارضت المصالح والمفاسد.

    فإن الأمـر والنهي -وإن كان متضمناً لتحصيل مصلحة ودفع مفسدة- فينظر في المعارض له، فإن كان الذي يفوت من المصالح، أو يحصل من المفاسد أكثر، لم يكن مأموراً به، بل يكون حراماً إذا كانت مفسدته أكثر من مصلحته.

    لكن اعتبار مقادير المصالح والمفاسد هو بميزان الشريعة، فمتى قدر الإنسان على اتباع النصوص لم يعدل عنها، وإلا اجتهد رأيه لمعرفة الأشباه والنظائر، ولن تعوز النصوص من يكون خبيراً بدلالاتها على الأحكام.

    ومن هذا الباب ترك النبي صلى الله عليه وسلم لعبدالله بن أبي سلول وأمثاله من أئمة النفاق والفجور، لما لهم من أعوان فإزالة منكره بنوع من عقابه مستلزمة إزالة معروف أكثر من ذلك بغضب قومه وحميتهم، وبنفور الناس إذا سمعوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقتل أصحابه، ولهذا لما خطب الناس في قضية الإفك بما خطبهم به، واعتذر عنه، وقال له سعد بن معاذ قوله الذي أحسن فيه، حمي له سعد بن عبادة، مع حسن إيمانه وصدقه - وتعصب لكلٍ منهم قبيلته حتى كادت تكون فتنة" (قاعدة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ص/47-48).

    4) وجوب إخلاص النية والبعد عن الهوى:

    يجب على من يتصدى للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يكون عمله لله خالصاً، وأن يكون صواباً، وألا يتبع هواه، ويأمر أو ينهى لحظ نفسه، وذلك أن الضلال في الدين عظيم، ومن فقـد الإخلاص، ولم يتحر الصواب أوقعه الشيطان في الهوى، ومن كلام شيخ الإسلام ابن تيمية: "واتباع الأهواء في الديانات أعظم من اتباع الأهواء في الشهوات"

    فإن أهل الكتاب اتبعوا أهواءهم فضلوا. قال تعالى عنهم {فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين} (القصص:50).

    ولذلك نهى نبينا أن يتبع أهواء أهل الكتاب، قال تعالى: {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى، ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا نصير} (البقرة:120).

    فاتباع الهوى هو الذي أفسد الديانات السابقة، وأوجد الفرقة بين أهل الدين الواحد، وهو الذي خرج به من خرج عن موجب الكتاب والسنة وسماهم علماء الإسلام أهل الأهواء..

    فيجب على الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يكون باعثه إخلاص النية، وعمله على الكتاب والسنة وأن يجانب الهوى، وإتبـاع الهوى هو أن يحب ويبغض بدافع من هواه لا إتباعاً للأمر والنهي.

    5) الرفق سبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

    يجب أن يكون الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر رفيقاً كما قال صلى الله عليه وسلم: [ما كان الرفق في شيء إلا زانه، ولا كان العنف في شيء إلا شانه] (رواه مسلم).

    وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم: [إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله، ويعطي عليه ما لا يعطي على العنف].

    ولهذا قيل: [ليكن أمرك بالمعروف معروفاً ونهيك عن المنكر غير منكر] (رواه أحمد، والبخاري في الأدب المفرد).

    هـذا وينظر كذلك إلى الفصل الخاص بالصفات التي يجب أن يتحلى بها الداعي في دعوته إلى الله..



    وسائل الدعوة

    إلى الله سبحانه وتعالى

    1) معنى الوسيلة:

    الوسيلة في أصل اللغة هي المنزلة عند الملك، والدرجة والقربة، وقال الجوهري: الوسيلة ما يتقرب به إلى الغير،والجمع الوسل، والوسائل. (لسان العرب).

    وتطلق في العرف والاستعمال الشائع على كل ما يتخذ وصولاً إلى غاية..

    والمقصود بالوسيلة هنا: كل أمر وطريقة مشروعة وأسلوب وآلة يمكن اتخاذه وصولاً إلى نشر الدين، وتبليغه، وتعليمه، والدعوة إلى الإسلام.



    2) حكم الوسيلة في الدعوة إلى الله:

    كل وسيلة أمر بها الله سبحانه وتعالى، ورسوله صلى الله عليه وسلم أو وفق الله إليها المسلمون في أي عصـر من عصورهم.. فهي وسيلة مشروعة ما لم يأت في الشرع ما يحرمها، فالأصل في هذه الوسائل الإباحة، وقد تجب الوسيلة إذا كانت مما لا يقوم الواجب إلا به كما هو مقرر في أصول الفقه (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب)..

    فإذا وجب قتال الكفار ودفعهم، ولم يمكن ذلك إلا بسلاح يمكن المسلمين من دفعهم وجب تحصيل هذا السلاح واستعماله..

    وهكذا الأمر في رد الشبهات، وإنكار المنكرات و إبلاغ دين الله إلى العالمين، فكل وسيلة لم يأت الشرع بتحريمها بعينها، فهي مشروعة من أجل القيام بهذه الواجبات..

    قال شيخنا عبدالعزيز بن باز حفظه الله: "ونظراً إلى انتشار الدعوة إلى المبادئ الهدامة وإلى الإلحاد، وإنكار رب العباد، وإنكار الرسالات، وإنكار الآخرة، وانتشار الدعوة النصرانية في الكثير من البلدان، وغير ذلك من الدعوات المضللة، نظراً إلى هذا فإن الدعوة إلى الله عز وجل اليوم أصبحت فرضاً عاماً وواجباً على جميع العلماء، وعلى جميع الحكام الذين يدينون بالإسـلام، فرض عليهم أن يبلغوا دين الله حسب الطاقة والإمكان بالكتابة، والخطابة، والإذاعـة، وبكل وسيلة استطاعوا، وأن لا يتقاعسوا عن ذلك أو يتكلوا على زيد أو عمرو، فإن الحاجة بل الضرورة ماسة اليوم إلى التعاون والاشتراك والتكاتف في هذا الأمر العظيم أكثر مما كان قبل ذلك لأن أعداء الله قد تكاتفوا وتعاونوا بكل وسيلة للصد عن سبيل الله عز وجل، فوجب على أهل الإسلام أن يقابلوا هذا النشاط المضل، وهذا النشاط الملحد بنشاط إسلامي وبدعوة إسلامية على شتى المستويات، وبجميع الوسائل وبجميع الطرق الممكنة، وهذا من باب أداء ما أوجب الله على عباده من الدعوة إلى سبيله" (الدعوة إلى الله وأخلاق الدعاة ص/18).

    ويقول شيخنا محمد الصالح العثيمين : "ليس للوسائل حد شرعي فكل ما أدى إلى المقصود فهو مقصـود، ما لم يكن منهياً عنه بعينه، فإن كان منهياً عنه بعينه فلا نقر به، فلو قال: أنا أريد أن أدعو شخصاً بالغناء والموسيقا لأنه يطرب لها ويستأنس بها وربما يكون هذا جذباً له فادعوه بالموسيقا والغناء هل نبيح له ذلك؟ لا لا يجوز أبداً، لكن إذا كانت وسيلة لم ينه عنها ولها أثر فهذه لا بأس بها، فالوسائل غير المقاصد وليس من اللازم أن ينص الشرع على كل وسيلة بعينها، يقول هذه جائزة وهذه غير جائزة، لأن الوسائل لا حصر لها، ولا حد لها، فكل ما كان وسيلة لخير فهو خير" (لقاء الباب المفتوح 15/49).



    3) حكم الوسائل التي تختلط فيها المصالح والمفاسد:

    الوسائل التي تختلط فيها المصالح والمفاسد. كتولي الولايات في ظل الحكومات المعاصرة، والدخول إلى المجالس التشريعية في ظل الأنظمة المسماة بالديمقراطية، والدخول إلى الاتحادات والنقابات العمالية والمهنية، ونحو ذلك..

    ينظر دائماً فيها إلى المصالح والمفاسد فإذا رجحت المصالح على المفاسد كان اتخاذ هذه الوسيلة مشروعاً وإذا ترجحت المفاسد تركت هذه الوسيلة، ولا شك أن تقدير المصالح والمفاسد إنما هو بميزان الشرع لا بميزان الهوى والمصالح الدنيوية.. ويختلف الحكم من بلد إلى بلد ومن وقت إلى آخر.

    ولا يجوز تحريم وسيلة من هذه الوسائل بدعوى أن وسائل الدعوة لا بد وأن يكون قد جرى عليها عمل السلف الصالح.. فإن في كل عصر تتطور وسائل الناس ووسائل الاتصال بينهم كما تتطور أسلحة الحرب والدمار، ويجب أن يجابه العدو بالوسيلة التي تكافئ وسائله، وتدفع عدوانه عن المسلمين بما يندفع به، والحرب الإعلامية شأنها كالحرب العسكرية..

    4) حكم الوسائل المحرمة:

    وكل ما حرمه الله سبحانه وتعالى فلا يجوز استخدامه في الدعوة إلى الله، ولو أدى إلى نفع المسلمين، وذلك كالقصص المكذوب، والحكايات الملفقة والأحاديث الموضوعة للمبالغة في الترغيب والترهيب، فإن هذه الأساليب وإن كان تفيد أحياناً في توبة بعض العصاة، وهداية بعض الناس إلا أن هذا من الكذب الذي حرم الله أصله.

    5) أعظم الوسائل في الدعوة إلى الله:

    (1) تعلم القرآن وتعليمه ونشره:

    أعظم وسيلة للدعوة إلى الله هي تعلم القرآن وتعليمه، ونشره، فهو الكتاب المعجز الذي لا يمحوه الماء وهو الذي قال فيه رسـول الله صلى الله عليه وسلم: [ما من الأنبياء نبي إلا أعطي ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيت وحياً أوحاه الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة]!! (متفق عليه).

    فكثرة اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم إنما مرده إلى هذا القرآن الذي يقطع العذر، ويدمغ الباطل، ينفذ إلى القلوب ويدمع العين ويحيي موات القلوب، وينير البصائر. قال تعالى: {وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا.. وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله..} (الشورى:52).

    فالعناية بكتاب الله حفظاً وفقهاً وتعليماً، ونشراً وترجمة لمعانيه من أكبر أسباب الهداية ونشر الإسلام في العالمين..

    وقد أمرنا الله أن نجاهد به الكفار فقال تعالى: {ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيراً* فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهاداً كبيراً} (الفرقان:51-52)..

    (2) إعلاء منزلة الرسول صلى الله عليه وسلم في الأمة، ونشر كتب السنة:

    الوسيلة الثانية من الوسائل العظمى في الدعوة إلى الله هي إعلاء منزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأمة، ونشر كتب السنة، ورفعه ليكون هو الأسوة والقدوة لكل مسلم.

    فلا يجوز أن يخلو بيت مسلم من أصل من الأصول الصحيحة لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وخاصة صحيحي البخاري ومسلم اللذين هما أصح كتابين بعد كتاب الله سبحانه وتعالى..

    فالعناية بنشر صحيح السنة وتعليمها، والتفقه فيها، وتدريس سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجعله ماثلاً في العيان أمام كل مسلم ليأتسي به في حركاته وسكناته في إيمانه ويقينه وصبره، وجهاده، وعبادته، بل في سمته، وهديه، ومخرجه ومدخله..

    هذه العناية بالسنة علماً ونشراً هي من أبلغ وسائل الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى..

    (3) الإمام المسلم الداعي إلى الله:

    قيام الإمام المسلم بما أوصى به الله سبحانه وتعالى عليه، والدعوة.. والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر من أعظم الوسائل التي ينتشر بها الدين، ويتحقق بها أهداف الرسالة، كما قال عثمان بن عفان رضي الله عنه : (إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن)..

    ومن أجل ذلك جعل الله الخلافة في الأرض لمن يقوم بهذه المهمة فقال جل وعلا: {الذين إن مكناهـم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور} (الحج:41).

    (4) تجنيد الأمة كلها في الدعوة إلى الله:

    الوسيلة العظمى الثانية بعد كتاب الله هي تجنيد الأمة كلها لتقوم بما فرض الله عليها في حمل رسالة الإسلام وتبليغها كما قال تعالى: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون} (آل عمران:104).

    وقال: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله} (آل عمران:110).. وقال تعالى:{يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون* وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيداً عليكم وتكونـوا شهـداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير} (الحج:77-78).

    وقال صلى الله عليه وسلم: [بلغوا عني ولو آية] (رواه البخاري).. وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً : [نضر الله امرءاً سمع منا شيئاً فبلغه كما سمعه فرب مبلغ أوعى من سامع] (رواه أحمد والترمذي وابن حبان وصححه الألباني في الجامع 6764).

    فيجب أن تهب الأمة بكاملها لنشر الدين، وإبلاغ رسالة الله للعالمين، وإخراج الناس من الظلمات إلى النور.

    (5) العلماء العاملون المربون:

    الوسيلة الرابعة العظيمة في الدعوة إلى الله هي وجود العلماء العاملين المربين إذ هم حياة الأمة، ونورها وقادتها وأولو الأمر فيها، فالعناية بوجود هؤلاء العلماء من أعظم ما ينفع أمة الإسلام.

    والطريق إلى وجودهم يبدأ بتعليم النابهين والأذكياء من أطفال المسلمين بدءً بحفظ القرآن الكريم، ومتون علوم الإسلام ثم تهيئة الجو المناسب، لتفقههم، وزكاة نفوسهم، وتفرغهم لعمل الدعوة والتعليم، والتوجيه، وقد عز سلفنا الصالح رضوان الله عليهم عندما كان للعلماء فيهم مكانتهم فقد كانت الشعوب والعامة تسير في ركابهم، وتأتمر بأمرهم..

    وترى أن سلطانهم أعز من سلطان الملوك، وهذا عبدالله بن المبارك -رحمه الله- يدخل بغداد فينجفل الناس إليه وتقول امرأة لهارون الرشيد وقد رأت خروج بغداد كلها لاستقباله : "هذا والله الملك لا ملك هارون" (البداية والنهاية 10/178).

    (6) إحياء مهمة المسجد:

    ومن الوسائل الناجحة في الدعوة إلى الله إحياء مهمة المسجد، وذلك بالحث على الجمع والجماعات، والجلوس لقراءة القرآن ومدارسته، وتعلم العلم وذكـر الله سبحانه، كما كان الشأن في مسجد رسـول الله صلى الله عليه وسلم ثم في المساجد التي أشرق فيها نور الإسلام، وأخرجت أجيالاً من العلماء والدعاة في العصور الزاهرة، كمساجد بغداد أيام العباسيين التي قيل فيها: "من أراد أن يرى عز الإسلام فليصل الجمعة ببغداد"!!

    وقـد حزر من يصلون الجمعة فيها أيام المنصور فكانوا نحواً من خمسة آلاف ألف. أي خمسة ملايين..

    إن مثل هذا المشهد وحده يملأ قلب المسلم عزاً بالإسلام، ويكسر قلوب أعداء الله كما قال الله في شأن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم: {ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار} (الفتح:21)..

    وقد خرَّج الحرم المكي والمسجد النبوي، والأزهر، والزيتونة على الدوام آلاف الآلاف من حملة العلم الشرعي الذين كانوا نور الأمة وعزها، ومجدها.

    (7) إخراج الزكاة والصدقات، والاهتمام بأعمال البر والخير:

    إخراج الزكاة، والصدقات، والاهتمام بأعمال البر، وعمل الخير إلى جانب كونها في ذاتها قربة عظيمة إلى الله، وأداءً للحق الواجب في مال الله فهي من أعظم أسباب نشر الإسلام، والدعوة إلى الله وتثبيت المسلمين، وتأليف القلوب على الإسلام..

    (Cool شهر رمضان شهر الدعوة إلى الله والهداية:

    شهر رمضان شهر مبارك، وإذا كان الله سبحانه قد أوجب فيه الصوم، فإن هذا الشهر وما يكتنفه من أسباب الخير هو من أعظم شهور السنة بركة في الدعوة إلى الله وهداية العصاة، ففيه تصفد مردة الشياطين، وتفتح أبواب الجنة، وتغلق أبواب النار، ويقرأ القرآن آناء الليل وأطراف النهار، ويجود فيه المسلمون الصالحون بصدقاتهم، ويشغل الصالحون نهارهم بالصوم وليلهم بالعبادة.. وكل ذلك يدفع في النهاية إلى توبة كثير من العصاة، وهذا الشهر فرصة عظيمة، يجب أن يغتنمها الدعاة في الدعوة إلى الله، وقد يكسبون من المهتدين مالا يحصلون على مثله طيلة العام..

    (9) الحج والدعوة إلى الله:

    الحج من الوسائل العظمى في الدعوة إلى الله، فهو جمع لجمهور عظيم من المسلمين من كل فج عميق إلى مكان واحد يؤدون عبادة واحدة، ويذكرون الله بأذكار هي كليات الإسلام وأصوله: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك..

    وهـذه التلبية تضمنت غاية الدين وهدفه وعقيدته العظمى، ولا شك أن من فهم هذه التلبية وعلم معناها واعتقدها، وعمل بمقتضاها فهم أصل الإسلام الأصيل: [من قال لا إله إلا الله مخلصاً دخل الجنة] (رواه أحمد، وابن حبان في صحيحه، وأبو نعيم في الحلية وصححه الألباني في الجامع 6433).

    وقد كان الحج وما زال من أعظم الوسائل في التعريف بالإسلام وتوحيد الأمة، وجمع الكلمة، ونشر الدين كما قال تعالى: {وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم} (الحج:27-28).

    وتعلم الإسلام، والتفقه في الدين، وجمع كلمة المسلمين من أعظم منافع الحج.

    (10) الجماعات الدعوية:

    جماعـة الدعوة وسيلة عظيمة للدعوة إلى الله فهي من باب التعاون على البر والتقوى، ولا شك أن الدعوة إلى الله ونشر دينه، وإعلاء كلمته سبحانه وتعالى هو أعظم البر والتقوى فإذا قامت هـذه الجماعة الدعوية على الكتاب والسنة، والنصح لكل مسلم، وأن تقول الحق لا تخاف في الله لومة لائم، ونظمت صفوفها، ووحدت كلمتها، وجعلت جهادها نصراً للدين، وإعلاءً لكلمة الله في الأرض، وأعـزها الله ونصرها كما قال تعالى :{ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز} (الحج:40).

    ولا شك أن جهود جماعة مؤتلفة في الدعوة إلى الله خير من جهود أعدادهم متفرقين..

    (11) المؤسسات التعليمية:

    المؤسسات التعليمية وسيلة عظيمة في الدعوة إلى الله (فالكتّاب الصغير، ومركز تحفيظ القرآن، والمدرسة، والجامعة، والمعهد) هذه المؤسسات التعليمية إذا تيسر فيها المنهج الدراسي الجيد لدراسة الإسلام، والمعلمون المخلصون العالمون المربون، والنظام الجيد، فإن هذا يخرج أجيالاً من حملة الدين وعلماء الملة، وقادة الأمة.

    (12) الآلات الإعلامية:

    مكن الله بالعلم الحديث الإنسان من استخدام آلات ووسائل بالغة التأثير يمكن للإنسان بواسطتها أن يسمع الألوف المؤلفة في وقت واحد، وأن يقرأ الملايين من الناس مقالة رجل واحـد في وقت واحد.. فجهاز التلفاز الذي يستطيع أن يراه أكثر من مائة مليون في وقت واحد بل عدة مئات من الملايين، والصحف السيارة التي تطبع في أماكن عديدة من العالم في وقت واحد، وجهاز المذياع الذي تسمع منه الرسالة الواحدة في كل أرجاء الدنيا في وقت واحد!!

    إن هذه الآلات الضخمة أصبحت بالغة التأثير.. ولا مجال لمقارنتها مع الوسائل القديمة حيث كان يعتمد الخطيب أو المتكلم على صوته أو مكبر للصوت يسمع بضعة مئات أو آلاف من الناس.

    أما اليوم فيستطيع نصف سكان الأرض وأكثر من ذلك أن يسمعوا رجلاً واحداً يخطبهم أو يعظهم أو يذكرهم، أو ينشر الشر والفساد بينهم.

    وهذه الآلات الخطيرة أصبحت في الحرب الإعلامية تفعل فعل الأسلحة الخطيرة، وقد شبه التلفزيون بالقنبلة الذرية.. فإن خطـره في كل بيت، بل ويدخل إلى الغرف المغلقة، ويهجم على العوائق وذوات الخدور، فالرسالة الإعلامية الفاسدة تدمر الرجال والنساء والأطفال..

    ولا سبيل إلى مقاومة هذا الشر العظيم إلا بما يماثل ذلك من استخدام هذه الآلات.. فكما لا يمكن مقاومـة عدو يستعمل سلاحاً فتاكاً إلا بمثل سلاحه.. فكذلك في الحرب العقائدية لا بد من وسائل تكافئ وسائل الخصوم، وإلا كانت الهزيمة والضياع.

    (13) الوسائل في الدعوة إلى الله كثيرة جداً:

    ولا شك أن الوسائل التي يمكن أن يبلغ بها دين الله، وينشر بواسطتها الخير كثيرة جداً..

    فالاتصال الفردي وسيلة عظيمة، وقد كـان أول وسيلة دعا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودخل خيار أصحابه في الإسلام عن طريقها فقد آمن أبو بكر رضي الله عنه، وعلي رضي الله عنه، والسيدة خديجة رضي الله عنها، وزيد بن حارثـة رضي الله عنه، لما عرض النبي عليهم الإسـلام، قبل أن يسمعوا خطبة أو يحضروا درساً، وآمن بدعوة أبي بكر (الفردية) عدد كبير جداً من الصحابة. (وهذا في الاتصال الفردي).

    ومن الوسائل الدعوة إلى الطعام، واستخدام الولاء القبلي كما فعله سعد بن عبادة، وأسيد بن خضير، فقد دعا كل منهما قبيلته -وهو شيخها- فدخلوا جميعاً في الإسلام في ليلة واحدة.

    ومن الوسائل النافعة حمل الدعوة مع التجارة فقد دخل بدعوة التجار المسلمين أمم وشعوب كثيرة، وكذلك السياحة، والمراسلات، والمناظرات، واستغلال المناسبات الاجتماعية كحفلات الزواج، والجنائز.. هذا عدا عن الدروس العلمية، والخطابة، وإنشاء الشعر والأدب..

    والخلاصة: أنه يمكن لكل أحد أن يدعو إلى الله وأن يبلغ الحق وينشر الخير حتى ولو كان ممن لا يستطيع أن يحفظ العلم ويؤديه كما سمعه، فإنه يستطيع أن ينشر الكتاب، والشريط ويدل على الخير، وأن يكثر سواد الدعاة إلى الله بمصاحبتهم فضلاً عما ينفعه الله به من صحبتهم..

    * خاتمة:

    هذا بحمد الله ما تيسر لي جمعه في أصول وقواعد الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى سائلاً جل وعلا أن يوفق المسلمين إلى القيام بهذا الواجب العظيم الذي جعلهم الله به خير أمة أخرجت للناس قال تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله}.

    ونسأله تعالى أن يسلكنا في عداد الداعين إليه والمجاهدين في سبيله وأن يجعل عملنا كله له خالصاً.
    alhdhd45
    alhdhd45


    عدد المساهمات : 1337
    تاريخ التسجيل : 03/03/2011
    الموقع : hmsain.ahlamontada.com

    دورة: كُن داعياً لله Empty رد: دورة: كُن داعياً لله

    مُساهمة  alhdhd45 الإثنين 4 يوليو 2011 - 19:40

    ملخص الدرس الأول:
    بعد التأكيد على أهمية مجالس الذكر وحلق العلم واستحضار النية بالإخلاص لله، ذكرتُ في الدرس الأول أن لكلٍ دوره ووظيفته في نشر هذه الدعوة المباركة، واستشهدتُ على ذلك بقصة الفيل وقبلها بكلام سيد الثقلين: "مثل القائم في حدود اللَّه والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فصار بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم؛ فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا. فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً" - رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ..
    وقلت أن أحدهم قد يعترض بأن الدعوة وظيفة العلماء، فما شأن تلميذ المدرسة أو أستاذ الجامعة أو الموظف؟! ما دور هؤلاء؟! ولماذا التركيز والتأكيد على دور الشباب وواجباتهم في الدعوة؟!
    لماذا الشباب؟

    ---
    الدرس الثاني:
    لماذا الشباب؟!
    أولاً وقبل كل شيء لا بد من الاعتراف بأن مرحلة الشباب هي أجمل ما تملك في حياتك، فالطفولة صحة لا عقل فيها والكهولة حكمة لا قوة فيها ... أما الشباب فهي صحة وقوة ونضج وفهم
    ولتوضيح أهمية هذه المرحلة من حياتك ... قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تزولا قدما عبدٍ حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل به".
    4 أسئلة بالرغم من أنها تبدو بسيطة إلا أنها تمثل كل لحظة عشتها من حياتك ... وانتبه إلى هذا التفصيل: "عن عمره فيما أفناه ... وعن شبابه فيما أبلاه"
    بالله عليكم قولوا لي أليس الشباب مرحلة من عمر الإنسان؟!
    فلما إذاً يُسأل المرء عن عمره ثم بعد ذلك تخصيص مرحلة الشباب بالسؤال أيضاً؟!
    ما هذا والله إلا تأكيد وتنبيه إلى أن هذه المرحلة من حياتك لها خصوصية وستسأل عنها، وسيسأل كل شاب وفتاة عن الطاقات العقلية والجسدية التي تمتع بها في هذه المرحلة كيف استثمرها أو أهدرها؟! وعن الوقت والمال الذي يضيع في المكالمات الهاتفية أو الجدال العقيم أو السهر واللهو والعبث وغيرها.
    إذاً، لا يدخل المرء جنةً ولا نارًا حتى يُسأل عن عمره أي وقته الذي أُعطي له في الدنيا ماذا عمل فيه؟!
    لذلك كان الحسن البصري رحمه الله كثيراً ما يردد:
    "كل يوم تشرق فيه شمس ينادي هذا اليوم: أنا يوم جديد وعلى عملك شهيد فاغتنمني فإني لا أعود إلى يوم القيامة".
    "يا ابن آدم إنما أنت أنفاس وأيام فإذا ذهب نفسك ويومك فقد ذهب بعضك، ويوشك إذا ذهب البعض أن يذهب الكل".
    فاحرصوا حفظكم الله أن تخرج أنفاسكم في الدنيا في الدعوة إلى الله كما قال ابن القيم رحمه الله:
    "كل نفس وكل عرق سيخرج في الدنيا في غير طاعة الله أو فائدة في الحياة سيخرج يوم القيامة حسرة وندامة".
    ولذلك فإن من غضب الله ومقته على الانسان أن يكون مضيعًا لوقته، ومن علامة محبة الله للمرء أن يجعل شواغله أكثر من وقته.

    صور ونماذج لكيفية استغلال الوقت:
    * المحاسبي:
    "والله لو كان الوقت يشترى بالمال لأنفقت كل أموالي غير خاسرٍ أشتري بها أوقاتاً لخدمة الإسلام والمسلمين" فقالوا له: فممن تشتري هذه الأوقات؟ فقال: "من الفارغين".

    * ابن عقيل:
    "أنا الآن ابن 80, والله أجد همة وعزمًا واستفادة من الوقت كما كنتُ وأنا ابن 20؛ إني لا آكل الطعام كما تأكلون" فقالوا له: فكيف تأكل؟ قال: "إني لأضع الماء على الكعك حتى يصير عجينًا فآكله سريعًا حتى لا أضيع وقتي".
    لذلك استمرت هذه الأمة 1300 سنة لقيمة الوقت في حياتهم ...

    * النووي:
    الإمام أبو زكريا النووي رحمه الله صاحب كتاب رياض الصالحين، ألّف 500 كتاب ومات في 40 من عمره قبل أن يتزوج, وكانت أمه تُطعِمُهُ الطعام وهو يكتب دون أن يشعر لكثرة مشاغله.

    * ابن رجب:
    قال ابن رجب رحمه الله: لقد كتبت بإصبعي هذا أكثر من 2000 مجلد.
    قالوا: فلما قضى، أُخذت كتب ابن رجب وقُسمت على عمره فكان نصيب اليوم منها 9 كتب.
    هؤلاء كانوا يبنون أمة فنجحوا وأشرقت هذه الأمة.


    ولقد أدرك علماء الإجتماع في العالم قيمة الشباب فعكفوا على دراسات عجيبة جداً لتحديد العمر الإفتراضي للأمة أو للبلد حتى تسقط أو تنهض. هذه الدراسات تتلخص في أن المرلقب يدرس اهتمام شباب الأمة فيدخل إلى مدارسهم وجامعاتهم ويراقب سلوكياتهم وأخلاقهم ... ثم يبدأ بالتحليل.
    وتخلص هذه الدراسات والإحصائيات بأن هذه الأمة لو كان شبابها ضائعاً مبهوراً بحضارات أخرى منشغلاً بالخسيس من الأفكار فستبقى أمة ضعيفة مكسورة تبعاً لغيرها ما بين 30 إلى 100 سنة لأن هؤلاء الشباب هم رجال المستقبل وعليهم مسؤولية تربية الجيل ... فإن سائت أحوالهم فطبعاً ستكون النتيجة جيل ضائع لا يُعتد به في ميزان العالم.

    ولدينا وقائع من التاريخ تشهد على ذلك ... فالأندلس حكمها المسلمون 800 سنة ملأوا خلالها الأرض حضارة وعلماً وديناً ولم يكن البرتغاليون ليرضوا عن وجود الإسلام في أوروبا بل سعوا إلى طردهم إلى المغرب العربي لكن دون جدوى.
    بدأ البرتغاليون في دراسة اهتمامات الشباب المسلم في الاندلس وبدأوا بارسال جواسيسهم داخل الاندلس لهذا الغرض, وذات يوم دخل بعض هؤلاء الجواسيس على جمع من الشباب فوجدوا مناظرة بينهم, فطمعوا أن تكون بذور الفتنة وذهبوا ليتحققوا من الأمر, فوجدوا اختلافهم حول ترتيب حديث صحيح البخاري وأيهم أكثر حفظاً وضبطاً, فرجعوا وقالوا: لن تسقط هذه الامة الآن، لايزال الوقت مبكراً لسقوط هذه الأمة. وبعد فترة من الزمن، عاد الجواسيس مرة أخرى فوجدوا الشباب يتنافس على العبادة وركوب الخيل والشعر, فعادوا خائبين مرة أخرى وقالوا لقادتهم: لو دخلتكم الآن فإن هزيمتكم لا شك محققة.
    عاد الجواسيس مرة أخرى فوجدوا الشباب ما زال يتكلم في قضايا العلم والفروسية ... وهكذا حتى صادفوا في إحدى جولاتهم شاباً يبكي فسألوه ماذا يبكيك؟! قال: حبيبتي هجرتني وأبكي لفراقها. فعاد الجواسيس وقالوا: الآن فقط يمكنكم أن تنتصروا على المسلمين ... آن الأوان لاسترجاع الأندلس.
    وبالفعل سقطت الأندلس على يد شباب أضاع الطريق وفقد الهدف ونسي أن هذا العمر وهذه القوة إنما هي أمانة استودعها الله لديه.

    ولماذا أستشهد بعلم الإجتماع وعندي من القرآن وسيرة رسول الله وصحبه خير دليل.
    تأمل في كتاب الله عندما يتحدث عن نبي الله يحيى: "يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا" – سورة مريم، الآية: 12.
    فهو شاب في ريعان الشباب لكن لاحظ لفظ القرآن في مخاطبته "بقوة" وهكذا يفترض أن يكون الشاب قوياً جاداً في أهدافه التي يسعى فيها في غير تخاذل ولا تهاون ولاضعف...

    ثم هذا خليل الرَّحمن إبراهيم ... شاب نفذ الأعمال البطولية الفدائية التي عجز عنها غيره؛ فهدم الأصنام ليس بتصرف انفعالي عاطفي ولكن بحكمة تتجلى في هذه القصة الرائعة التي سطرها القرآن الكريم:
    "فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ * مَا لَكُمْ لَا تَنطِقُونَ * فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ * فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ * قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ * وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ" – سورة الصافات، الآية: 91 – 96.
    هذا الفتى علّق الفأس برأس كبيرهم تبكيتاً لهم:
    "قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ * قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ * قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ * قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ * فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ * ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُؤُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاء يَنطِقُونَ * قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ * أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ * قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ" – سورة الأنبياء، الآية: 60 – 68.

    وفي سورة الكهف قضى الله لنواميس الكون أن تتبدل من أجل مجموعة من الشباب المؤمن: "إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى" – سورة الكهف، الآية: 13؛ وفتية تعني أنهم كانوا من الشباب، ذكرهم الله في القرآن ليضرب لنا مثلاً عن الشباب المؤمن لو كان هذا على حساب لذة الحياة. ولعل كتب التفسير تذكر أن هؤلاء الفتية كانوا من أبناء الامراء والجلساء الملك، أي أنهم اعتادوا طيب العيش ورغد الحياة لكنهم باعوا هذا كله بالجنة الغالية ورضى الله ...

    لقد أولى رسول الله صلى الله عليه وسلم الشباب أهمية خاصةً، ذلك لأنهم أمل الأمة وسر نهضتها والعمود الفقري فيها. وقد حمل الشباب في المجتمع المسلم الأول همّ الدعوة ورسالة المسجد وانطلقوا بها في كل مكان، من جزيرة العرب إلى بلاد الشام والعراق وبلاد فارس ومجاهيل أفريقيا وأوروبا...

    ثم هذا هو جيل الصحابة كان الشيخ فيهم أبو بكر رضي الله عنه؛ وكان عمره 38 سنة ... كلهم كانوا شباباً لذلك فإنك تقرأ أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فتحوا الدنيا ونشروا الإسلام بعد وفاته صلى الله عليه وسلم ...
    الصحابة كانوا شباباً لكنهم ليسوا كشباب اليوم:
    - دخل الإسلام إلى المدينة المنورة بهمِّة 6 شباب صادفهم النبي صلى الله عليه وسلم في منى في موسم الحج.
    - مصعب بن عمير علّم أهل المدينة المنورة فكان أول سفير في الإسلام.
    - معاذ بن جبل كان رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن وعمره 25 سنة.
    - أسامة بن زيد قاد جيشًا من الصحابة وعمره 16 سنة، وقال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه: وإنه لخليق بالإمارة [أي يقدر عليها].
    ثم هذا السلطان محمد الفاتح، فتح القسطنطينية التي استعصت على المسلمين عدة قرون وعمره 23 سنة.

    ولقد استمر عطاء الشباب المسلم في نشر الدعوة، مما أغاظ أعداء الإسلام، فوجهوا سهامهم نحو الشباب لفصلهم عن دينهم وتغيير هويتهم، وخلق صراع نكد بين الشباب والعلم من جهة والإسلام والمسجد من جهة أخرى...
    لذلك اتسعت الهوَّة ما بين الشباب والدعاة الشيوخ لأسباب على رأسها فرق السن مع ما يستتبع ذلك من اختلاف في الرؤيا والأساليب... وكان واضحاً أنه لن يسد هذه الهوَّة إلا شاب يمضي على هدى من القرآن والسنة، يتفهم هموم الشباب، ويعيش قضاياهم، ويستطيع النفاذ إلى قلوبهم، والإجابة على تساؤلاتهم وشكوكهم، محصناً بالعلم الشرعي وعلوم الدنيا. من هنا برز دور الشباب وأهمية جهدهم في إعادة إحياء الدعوة في النفوس والتذكير بجوهر الإسلام، فـ"من يُحسن دعوة الشباب أكثر من الشباب أنفسهم"؟!

    قلبي يتحرّق على شاب همُّهُ الأول والأخير الوصول إلى قلب فتاة وملاحقتها ومعاكستها أو متابعة صيحات الأزياء أو التسكع حتى آخر الليل أو مطاردة أخبار نجوم الرياضة والغناء والتمثيل. وفتاة تسهر الليالي ليس لقيام الليل وإحياءه بالصلاة والقرآن ولكن لتتحدث بالهاتف مع ذئب من بني البشر استولى على قلبها بحلو لسانه لكنه لو فطنت السم الزعاف.

    بعد هذه التوطئة... أودُّ أن أخلص إلى أن الناس ولدوا على الفطرة... أصلهم طيب... بذرة الخير فيهم لكنها مطمورة بفعل رياح الفساد وهي بحاجة إلى من ينميها ويشذِّبها: فليكن أنت! فـ"من يُحسن دعوة الشباب أكثر من الشباب أنفسهم"؟!
    الداعية الشاب يعطي أترابه مثالاً حياً واقعياً عن الشاب المؤمن بالله... وهذا بالضبط ما أرشد إليه القرآن الكريم، حيث ضرب الله المثل للشباب في أنبيائه إبراهيم الفتى المؤمن الذي ثار في وجه الوثنية، واسماعيل الطفل المُسلم لحكم الله ولو كان الذبح، ويوسف الشاب العفيف الذي صمد في محنة الإغراء وفتنة السجن، وموسى الشاب القوي الذي وقف في وجه الظلم مطمئناً لوعد الله له، وغيرهم الكثير ممن ذكرهم الله في القرآن الكريم...
    لا بد أن يخرج الدعاة من وسط الشباب، لأنهم من يعرف ما يواجه شباب اليوم من الخواء الروحي والفكري، الفراغ، الضياع والتخطب، وقبل هذا كله انعدام القدوة وعدم وضوح الهدف... فلا بد أن يقبلوا إليهم ليعالجون هذه المشاكل، ويعيدوا ثقة الشباب بأنفسهم، ويرسموا لهم القدوة، ويحددوا لهم الهدف... خاطبوا عقول الشباب وقلوبهم فما كانت الدعوة يوماً حكراً على الشيوخ والعجائز...

    وبصراحة، فإن كل ما يقدم للناس بمعظمه تافه ماجن بذيء: في الأغاني والبرامج والأفلام؛ كلام بذيء يجسد "قيم" الخيانة والغدر والانحطاط الفكري. ثم بعد كل هذا المجون والصخب يأتي الشاب إلى خطبة الجمعة إمّا متأخراً أو عند الصلاة يَجُرُّ نفسه بخطوات متثاقلة، فيسند رأسه إلى الحائط ليخلد إلى نوم عميق لا يصحو منه إلا والإمام ينادي بالصلاة: "استقيموا إلى الصلاة" فيخرج – إيمانياً – كما دخل. وهذا والله ما يؤخر نصر الأمة – لأن شرط النصر: بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ...
    إذاً هيا بنا نعمل لنهضة هذه الأمة حتى ترتقي إلى مرتبة العبودية لله وعندها فقط تحكم الدنيا وتنهض من سبهاتها.


    ما هي الدعوة؟
    الدعوة في اللغة النداء، قال محمد بن أبي بكر الرازي في مختار الصحاح: "الدعوة للطعام أي قدّم له النداء للوليمة أو نحو ذلك". أما في الاصطلاح فهي نداء الله للخلق بالإسلام. وقد وصف يحيى بن معاذ رحمه الله الدعوة فقال: "أحسن شيء-في الدعوة- كلام رقيق، يُستخرَج من بحرٍ عميق، على لسان رجلٍ رفيق".
    فالدعوة تقوم على جلاء محاسن الإسلام في النفوس، وتحبيب الإيمان للقلوب، وتعريف وتبصير، وتذكير وتبشير. فهي كلمة طيبة في قول رشيد، ورأي سديد، وتوجيه بليغ، وعلم من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ وكل ذلك يدخل في "إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ" [سورة فاطر، الآية 10].
    وأحب شخصياً أن أعرف باختصار على أنها النجاح في ترويج ما أمر الله به ونهى عنه...
    أخي أنت عندك كنوز منسية:
    - قال محمد بن واسع –خرسان: قدمت مكة فلقيت بها سالم بن عبدالله بن عمر فحدثني عن أبيه عن جده عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من دخل السوق فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير كَتَبَ الله له ألفَ ألفَ حسنة ورفع له ألفَ ألفَ درجة ، وبَنى له بيتا في الجنة. قال محمد بن واسع: فقدمت خراسان، فأتيت قتيبة بن مسلم فقلت: أتيتك بهدية، فحدثته الحديث. قال: فكان قتيبة يركب في موكبه حتى يأتـي السوق، فيقولَها، ثم ينصرف.
    - عن ابن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قال، قال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: "لقيت إبراهيم صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم ليلة أسري بي فقال: يا محمد أقرئ أمتك مني السلام، وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة، عذبة الماء، وأنها قيعان، وأن غراسها: سبحان اللَّه والحمد لله ولا إله إلا اللَّه والله أكبر." - رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ.
    لكن أهل الباطل سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاؤوا بسحر عظيم فأخرجوا الناس عن الصراط المستقيم...
    وكل هذا بفعل تقصير منا...
    الناس ترى صورة المسلم المرسومة في الإعلام المتزمت المقطب الجبين النكد النتن العبوس الذي لا ينطق إلا بالتكفير والتنفير...
    ولذلك أقبلت الناس على عمرو خالد لأنهم رأوا فيه صورة مغايرة لما رُسم في عقولهم.
    الناس ربما ينقصها أن تسمع منك كلمة فقط أو حتى تصرف دون كلام ... والأمثلة في ذلك كثيرة وعديدة منها: الحجاب دعوة لا حروف فيها... غضّ البصر

    حكم الدعوة:
    الدعوة إلى الله فرض كفاية على الأمة، فإن قام بها من يكفي سقط الأثم عن سائر الأمة، "وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ" [سورة آل عمران، الآية 104]. فالدعوة إذن فرض على الأمة الإسلامية جميعها ولكن هذا يثقل على إنسان ويخف على آخر، بقدر ما يكون عند الإنسان من العلم، "إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ" [سورة البقرة، الآية 159-160].
    وعن أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ فَكَتَمَهُ أَلْجَمَهُ اللَّهُ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ." -رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وصححه الألباني.
    غير أنّها فرض عين على فئة من الناس، قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: "أما بالنسبة لولاة الأمور، ومن لهم القدرة الواسعة فعليهم من الواجب أكثر، وعليهم أن يبلغوا الدعوة إلى ما استطاعوا من الأقطار". فيتعين الوجوب على أئمة الأمة، "الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ" [سورة الحج، الآية 41]، ثم أولى العلم، ثم من دونهم، حتى يعم ذلك الأمة بأسرها. عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "مَا مِنْ نَبِيَ بَعَثَهُ الله فِي أُمّةٍ قَبْلِي، إِلاّ كَانَ لَهُ مِنْ أُمّتِهِ حَوَارِيّونَ وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ. ثُمّ إِنّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمِ خُلُوفٌ، يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ، وَيَفْعَلُونَ مَا لاَ يُؤْمَرُونَ. فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ. وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الإِيمَانِ حَبّةُ خَرْدَلٍ." -رواه مسلم.

    الدعوة في القرآن الكريم:
    • "لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُّسْتَقِيمٍ" [سورة الحج، الآية 67].
    • "وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ" [سورة القصص، الآية 87]. وفي هذا يدخل كل مسلم؛ لأن في خطاب الله لرسوله صلى الله عليه وسلم خطابٌ لأمته إلا ما خصّ به الله رسوله صلى الله عليه وسلم. وليس من هذا المستثنى أمر الله له بالدعوة إليه. وقد شرّف الله الأمة الإسلامية فأشركها مع رسوله في وظيفة الدعوة إليه.
    • "وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" [سورة التوبة، الآية 71]. قال القرطبي:"فجعل الله الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرقًا بين المؤمن والمنافق".
    • "فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ" [سورة الشورى، الآية 15].
    • "لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ * يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ" [سورة آل عمران، الآية 113-114]. قال الغزالي رحمه الله: "فلم يشهد لهم بالصلاح بِمجرد الإيمان بالله واليوم الآخر حتى أضاف عليه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر".
    • "لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ" [سورة المائدة، الآية 78-79].
    • "وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَر وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ِ" [سورة آل عمران، الآية 104].
    • "كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَر" [سورة آل عمران، الآية 110].
    • "لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُون" [سورة المائدة، الآية 63[.
    • "قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ" [سورة يوسف، الآية 108].
    • "قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا * إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا" [سورة الجن، الآية 22-23].
    • "ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ" [سورة النحل، الآية 125].

    الدعوة في الحديث الشريف:
    • عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا حَرَجَ وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ." -رواه البخاري.
    • عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنْ الْمُنْكَرِ وَلَتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدَيْ الظَّالِمِ وَلَتَأْطُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا أَوْ لَيَضْرِبَنَّ اللَّهُ بِقُلُوبِ بَعْضِكُمْ عَلَى بَعْضٍ وَ يَلْعَنَنَكُمْ كَمَا لَعَنَهُمْ" - رواه الطبراني.
    • قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يُعَذِّبُ الْعَامَّةَ بِعَمَلِ الْخَاصَّةِ حَتَّى يَرَوْا الْمُنْكَرَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ وَهُمْ قَادِرُونَ عَلَى أَنْ يُنْكِرُوهُ فَلَا يُنْكِرُوهُ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَذَّبَ اللَّهُ الْخَاصَّةَ وَالْعَامَّةَ" -رواه الإمام أحمد.
    • َقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ"- رواه مسلم والترمذي وأبو داود وابن ماجه والنسائي وأحمد.
    • عن النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنْ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ فَقَالُوا لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا. " -رواه البخاري.
    • عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنْ الْمُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ." -رواه الترمذي.
    • وفي الأثر، أن ملكاً أُمر أن يخسف قرية، فقال: يا ربُ، إن فيها فلان العابد، لم يعصِك طرفة عين، - بكّاء في الأسحار، صوّام في النهار، فأوحى الله إليه أن به فابدأ، فإنه لم يتمعر وجهه في ساعة قط، أي لم يكن يأمر بالمعروف أوينهى عن المنكر. "لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ" [سورة المائدة، الآية 78-79].

    أهداف الدعوة:
    • إرشاد الناس إلى صراط الله، وإخراجهم من ظلمات الجهل إلى نور الإيمان.
    • تربية النشأ المسلم، الإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله: "الفرد المسلم في البيت المسلم في الشعب المسلم في الدولة المسلمة."
    • الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والفساد في الأرض.

    فضل الدعوة:
    إن فضائل الدعوة إلى الله لا تعدُّ ولا تحصى، لكن يكفي أن نغترف من هذا النبع العذب ما نروي به ظمئ القلوب وعطش النفوس:
    • كسب الأجر والثواب من الله، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ يَتَّبِعُهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ يَتَّبِعُهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا." -رواه مسلم. وعن سَهْلٌ بن سعد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ: "لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلًا يُفْتَحُ عَلَى يَدَيْهِ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ"، فَبَاتَ النَّاسُ لَيْلَتَهُمْ أَيُّهُمْ يُعْطَى فَغَدَوْا كُلُّهُمْ يَرْجُوهُ فَقَالَ: "أَيْنَ عَلِيٌّ؟" فَقِيلَ يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ، فَبَصَقَ فِي عَيْنَيْهِ، وَدَعَا لَهُ فَبَرَأَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ وَجَعٌ، فَأَعْطَاهُ، فَقَالَ أُقَاتِلُهُمْ حَتَّى يَكُونُوا مِثْلَنَا، فَقَالَ: "انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ فَوَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ." -رواه البخاري ومسلم.
    • إبراء الذمة والمعذرة لله، "وَإِذَ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ * فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ" [سورة الأعراف، الآية 164- 165]. وفي ذلك تحقيق للعهد والميثاق مع الله بالتبليغ ونجاة من وعد الله ووعيده " وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ" [سورة آل عمران، الآية 187].
    • تثبيت الداعية، قد تكون الدعوة سبباً من أسباب نجاة الداعية ومن معه عند اشتداد الفتن، "وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ"[سورة العصر].
    • قيام المجتمع المسلم، أيها الداعية، إن من يهديه الله على يديك إنما هو كَلَبِنَة فُكَّت من بناء الجاهلية، وهو خسارة للشيطان وأعوانه، وكسب للرحمن وأنصاره، وفي كل مرة يهتدي فيها من يهتدي فإنما يسقط ركن من أركان الجاهلية. وهكذا كان أمر الجاهلية في مكة، وكأن بناء الكفر يتصدع ويفقد من بنائه ما يفتح ثغرة بعد ثغرة فيه أمام مد جند الرَّحمن.

    وقفة:
    الدعوة روح حياة الداعية وجوهرها، فلا ينبغي له أن لا يخالط الناس إلا لدعوته، بل عليه أن يستفيد من كل حدثٍ وطارئ نصرةً لقضيته.
    أخي الداعية، عليك أن توطد نفسك على استغلال كل مناسبة أو فرصة؛ لتبيان آراء الدعوة وموقفها من الأحداث، ولك في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة:
    فقد دعا صلى الله عليه وسلم بني عبد الأشهل لما وفودوا من يثرب لطلب حلف قريش على قومهم من الخزرج.
    ودعا صلى الله عليه وسلم في الحج، فقد لقي عند العقبة من منى ستة نفر كلهم من الخزرج عند حلق رؤوسهم، فجلس إليهم، وقرأ عليهم القرآن الكريم؛ فآمنوا.
    وذهب صلى الله عليه وسلم إلى الطائف لتصميمه على دعوته، وعدم يأسه من رفض الناس لها، فبحث عن ميدان آخر للدعوة، ونقّب عن ركائز ترفع الراية، وتملأ الفراغ، وتجمع المؤمنين. وذلك فيه تأكيدٌ لصدق الداعية الأول صلى الله عليه وسلم في دعوته، وتصميمٌ على الاستمرار فيها، لا يهمه إلا رضا الله.
    وفي عرض الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه على القبائل في موسم الحج دليلٌ على أن على الداعية أن يحمل ما يدعو به إلى حيث يجتمع الناس. ولذا فالداعية ذا همة وثَّابة، وروحٍ مجاهدة...
    لا للانعزالية عن أهل الفسوق، وهذا خطأ بعض الدعاة ... فالتبشير بالدعوة عندهم لا يتجاوز حدود مجتمعهم فقط... فمن للعصاة إذاَ؟!
    ربما يكون من البديهي أن يبتدئ الداعية جهده في مجتمعه الضيق، ولكن عليه أيضًا ألا يهمل أهل الفسوق والمعاصي، فكثير منهم صرعتهم الدنيا وزينتها، وشهوة اللهو وفتنتها، حتى أنها لم تصادف واعظًا مرشدًا، ولكن معادنهم مؤمنة بالله، لم تتوطد عندهم "قيم" الشر والفساد والانحلال، وإنما صرعتهم الفتن في غفلة من أنفسهم...
    أخي الداعية، اقتحم بالدعوة المجلس، تَحَيّن لها كل فرصةٍ، وتخير لأحاديثها ما يَلقى الناس من كوارث الطاغوت وآثاره في القلب والجسد، بل بُثَّ في ثنايا خطابك شكواهم عن شذوذ الأوضاع، وفساد الأخلاق، ولا تكف عن ذلك حتى تُنعِشَ بذرة الإيمان في صدورهم فيشتغلوا بها في حضورك وغيابك.
    أخي الداعية، دعوة الإسلام تنمو بالداعية المجتهد، "وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَاقَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِين" [سورة يس، الآية 20] فأتى قومه مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يدعوهم إلى الله وينهاهم عن الكفر به، دون أن يُثنيه بُعدُ الطريق... على الله الهداية لكن لك الأجر! – على الديك أن يصيح وليس عليه أن يُطلع الصباح.

    فهم خاطئ:
    قد يفهم الأخ القارئ خطأً أن مهمته في نشر دعوة الله تفرض عليه دراسة علوم القرآن وتفسيره، وعلوم الحديث ومصطلحه، وعلوم الشريعة وأصولها وفروعها، مما لا يمكن أن يتوفر إلا للقليل من الناس، الأمر أيسر مما يتوهمه هؤلاء، فلم يكن أبو بكر الصديق رضي الله عنه خطيبًا مفوهًا، ومع هذا كان من أئمة الدعاة إلى الله بلا شك. إنك لن تعدم الوسيلة إذا تأملت بعين الشوق والرغبة ولكن له أن يبلغ مما يحفظ، فلسان الحال أبلغ وأجزل من لسان المقال، "بلغوا عني ولو آية". المهم أن تبدأ!
    alhdhd45
    alhdhd45


    عدد المساهمات : 1337
    تاريخ التسجيل : 03/03/2011
    الموقع : hmsain.ahlamontada.com

    دورة: كُن داعياً لله Empty رد: دورة: كُن داعياً لله

    مُساهمة  alhdhd45 الإثنين 4 يوليو 2011 - 19:43

    صفات الداعية المسلم:
    • الإيمان بالله: الإيمان بالله أساس قبول العمل، "وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ" [سورة آل عمران، الآية 85]، "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ * خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ" [سورة لقمان، الآية 8-9]، "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ" [سورة فصلت، الآية 8]، وهذا ما يؤكد عليه الله: "قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا * ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا * خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا" [سورة الكهف، الآية 103-108].
    • الإخلاص لله: عَنْ عمر بن الخطاب رَضيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى. فمَنْ كانت هجرته إِلَى اللَّه ورسوله فهجرته إِلَى اللَّه ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إِلَى ما هاجر إليه" - متفق عَلَيه. فبالإخلاص يُقبل العمل وينمو، فهو السهم إلى قلب المدعو يحمل إليه نور الأيمان وعزيمة المؤمن. وما خرج من القلب، وصل إلى القلب. وللإخلاص أثره في رعاية الله للداعية وتثبيته له، فالقلوب بين أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء. سُأل حمدون بن أحمد رضي الله عنه: "ما بال كلام السلف أنفع من كلامنا؟"، فقال: "لأنهم تكلموا لعز الإسلام، ونجاة النفوس، ورضا الرحمن، ونحن نتكلم لعز النفوس، وطلب الدنيا، ورضا الخلق". "وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ" [سورة الشعراء، الآية 109]، وعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: عَلَّمْتُ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ الْكِتَابَ وَالْقُرْآنَ فَأَهْدَى إِلَيَّ رَجُلٌ مِنْهُمْ قَوْسًا فَقُلْتُ لَيْسَتْ بِمَالٍ وَأَرْمِي عَنْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَآتِيَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَأَسْأَلَنَّهُ فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ رَجُلٌ أَهْدَى إِلَيَّ قَوْسًا مِمَّنْ كُنْتُ أُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْقُرْآنَ وَلَيْسَتْ بِمَالٍ وَأَرْمِي عَنْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ: "إِنْ كُنْتَ تُحِبُّ أَنْ تُطَوَّقَ طَوْقًا مِنْ نَارٍ فَاقْبَلْهَا." -رواه أبو داود وأحمد. وعَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ قَال : اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا مِنْ الْأَزْدِ عَلَى صَدَقَاتِ بَنِي سُلَيْمٍ يُدْعَى ابْنَ الْأُتْبِيَّةِ فَلَمَّا جَاءَ حَاسَبَهُ قَالَ: هَذَا مَالُكُمْ وَهَذَا هَدِيَّةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فَهَلَّا جَلَسْتَ فِي بَيْتِ أَبِيكَ وَأُمِّكَ حَتَّى تَأْتِيَكَ هَدِيَّتُكَ إِنْ كُنْتَ صَادِقًا ثُمَّ خَطَبَنَا فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أَسْتَعْمِلُ الرَّجُلَ مِنْكُمْ عَلَى الْعَمَلِ مِمَّا وَلَّانِي اللَّهُ فَيَأْتِي فَيَقُولُ هَذَا مَالُكُمْ وَهَذَا هَدِيَّةٌ أُهْدِيَتْ لِي أَفَلَا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ حَتَّى تَأْتِيَهُ هَدِيَّتُهُ إِنْ كَانَ صَادِقًا" - رواه البخاري ومسلم وأبو داود وأحمد.
    • العلم بما يدعو إليه: إن الإسلام فيه من الخير مما لا يحيط به إلا الأفذاذ من الرجال، ولا يجمعه إلا الفحول من العلماء، ولا يفقهه حق الفقه إلا الراسخون في العلم... لذا كان لا بد للداعية إلى الله أن لا يدعو إلا بعد العلم أن ما يدعو إليه هو ما أمر به الله ورسوله، ولا ينهى عن شيء إلا بعد العلم أن ما ينهى عنه هو مما نهى الله ورسوله عنه. فالدعوة على جهل أخطر على الدعوة من كل البلايا.
    • العمل بما يدعو إليه- الأسوة: على الداعية أن يبدأ بنفسه قبل غيره، فإذا دعا غيره إلى خير كان أسبق الناس إليه، وإذا نهاهم عن شر كان أبعد الناس منه، "أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ" [سورة البقرة، الآية 44]، "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ" [سورة الصف، الآية 2-3]، "قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىَ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ" [سورة هود، الآية 88 ]، وعن أسامة عن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: "يُجَاءُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُهُ فِي النَّارِ فَيَدُورُ كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِرَحَاهُ فَيَجْتَمِعُ أَهْلُ النَّارِ عَلَيْهِ فَيَقُولُونَ أَيْ فُلَانُ مَا شَأْنُكَ أَلَيْسَ كُنْتَ تَأْمُرُنَا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَانَا عَنْ الْمُنْكَرِ قَالَ كُنْتُ آمُرُكُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا آتِيهِ وَأَنْهَاكُمْ عَنْ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ" –متفق عليه. قال الشهيد سيِّد قطب رحمه الله: "إنَّ الكلمة لتُبعث ميتةً وتصل هامدةً مهما كانت طنَّانةً متحمِّسةً إذا هي لم تنبع من قلبٍ يؤمن بها، ولن يؤمن إنسان بما يقوله حقًّا إلا أن يتحوَّل هو ترجمةً حيَّةً لما يقول، وتجسيداً واقعيًّا لما ينطق به...".
    • المعاهدة والمراقبة والمحاسبة والمجاهدة والمعاتبة: إن النفس والقلب يحتاج إلى تعاهد بين الفينة والأخرى، بل إلى تعاهد بين الآن والآن، وما لم يتعاهد الإنسان نفسه يجدها قد شردت كثيراً، كما يجد القلب قد قسا وغفل، ومن هنا اعتمد أهل العلم المعاهدة والمراقبة والمحاسبة والمجاهدة والمعاتبة.
    • الصبر على الأذى: "وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ" [سورة النحل، الآية 127]، وروى أحمد والترمذيُّ وابن ماجه عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: "إِنَّ المسلِمَ إِذَا كَانَ يُخَالِطُ النّاسَ وَيَصبِرُ عَلَى أَذَاهُم، خَيرٌ مِنَ المُسلِمِ الذي لا يُخَالِطُ النّاسَ وَلا يَصبِرُ عَلَى أَذَاهُم"، وروى البخاري في بدء الوحي عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أن وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بُعث: "يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ" فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ؟" قَالَ: "نَعَمْ، لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ، وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا."، "وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا" [سورة الفرقان، الآية 31]، " لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ" [سورة آل عمران، الآية 186]، وقد روى ابن حبّان في صحيحه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل". لذا كان من وصية لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ "يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ" [سورة لقمان، الآية 17]، فالداعي إلى الله لا بد وأن يؤذى ويبتلى. فإن كان من أهل الصبر ثبت في دعوته، وإن كان من أهل الجزع والضعف والخور هجر الدعوة إلى الله، وإن كان من أهل الحمق والجهل انتصر لنفسه، فأفسد دعوته وأبطل جهاده في سبيل الله. عن صهيب رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ" – رواه مسلم.
    • الحرص على هداية من يدعو: فإن كان من يدعو كافراً، كان حريصاً على إيمانه ساعياً إلى ذلك بكل سبيل، وقد كان سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم ليحزن أشد الحزن حتى يكاد يقتله الغم أسفاً على نفور الناس من دعوته، "فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا" [سورة الكهف، الآية 6]، وقد وصفه ربه بالحرص على هداية الناس: " لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ * فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ اللّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ" [سورة التوبة، الآية 128-129]، "إِن تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي مَن يُضِلُّ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ" [سورة النحل، الآية 37]، والداعية بحرصه على هداية من يدعو يسعى إلى ذلك بكل سبيل، فلا يدخر وسعاً في إيصال الحق له. وإن كان من يدعو مسلماً، كان حريصاً على أن يهتدي للالتزام بما آمن به.
    • حسن الخلق: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ" -رواه أحمد. لقد انتشر الإسلام في جنوب أفريقيا وشرق آسيا وغيرها على يد كوكبة من تجار الأمة الإسلامية ممن تربى على مائدة حسن الخلق، فكان الناس يتسآلون عن سر هذا، فيقول لهم: "الإسلام"، فما يلبثوا أن يَدْخُلُوا فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا.
    • الحكمة وَالْمَوْعِظَة الْحَسَنَة: "يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ" [سورة البقرة، الآية 269]. رأس الحكمة مخافة الله، لذا فلا سبيل للداعية سوى الإعتصام بالقرآن الكريم، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وهدي سف الأمة رضي الله عنهم. قال الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله: "ومن الحكمة إيضاح المعنى وبيانه بالأساليب المؤثرة التي يفهمها المدعو وبلغته التي يفهمها حتى لا تبقى عنده شبهة، وحتى لا يخفى عليه الحق... فإذا كان هناك ما يوجب الموعظة وعظ وذكر بالآيات الزواجر، والأحاديث التي فيها الترغيب والترهيب، حتى ينتبه المدعو، ويرق قلبه..." فالحكمة وصف جامع للعلم النافع الذي يمكن صاحبه من وضع كل أمر في نصابه، مما ييسر له الوصول إلى أفضل النتائج بأيسر السبل. كَتَبَ مُعَاوِيَةُ رضي الله عنه إِلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنْ اكْتُبِي إِلَيَّ كِتَابًا تُوصِينِي فِيهِ وَلَا تُكْثِرِي عَلَيَّ فَكَتَبَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا إِلَى مُعَاوِيَةَ: سَلَامٌ عَلَيْكَ، أَمَّا بَعْدُ؛ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ الْتَمَسَ رِضَا اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ اللَّهُ مُؤْنَةَ النَّاسِ، وَمَنْ الْتَمَسَ رِضَا النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَى النَّاسِ." وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ. "وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى"[سورة طه، الآية 124].
    • فهم الواقع: على الداعية أن يكون عالماً بحال ونفسية من يدعو أو يتصدى له، فيختار الأسلوب الأمثل لدعوته؛ فيعطي كل داء ما يحتاج من دواء، ويلبس كل حالة لبوسها الخاص بها، وإلى هذه أشار صلى الله عليه وسلم في قوله للصحابي الجليل معاذ بن جبل رضي الله عنه: "إِنَّكَ سَتَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ".
    • حسن المظهر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "...فأصلحوا رحالكم، وأصلحوا لباسكم حتى تكونوا كأنكم شامة في الناس" - رواه أبو داود بإسناد حسن.


    وسائل الدعوة إلى الله:
    يخطئُ الداعية إذا ما اعتقد أنه من أهل الجنة ورضوان الله، وأن من دونه من أهل النار وسخط الله، قال ابنُ مَسعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: "... فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها" - مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وقد روى البخاري ‏عَنْ ‏ ‏أَبِي هُرَيْرَةَ ‏ ‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ‏‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏قَالَ: "‏بَيْنمَا رَجُلٌ يَمْشِي فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ فَنَزَلَ بِئْرًا فَشَرِبَ مِنْهَا ثُمَّ خَرَجَ فَإِذَا هُوَ بِكَلْبٍ يَلْهَثُ يَأْكُلُ ‏ ‏الثَّرَى ‏ ‏مِنْ الْعَطَشِ فَقَالَ: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا مِثْلُ الَّذِي بَلَغَ بِي، فَمَلَأَ خُفَّهُ ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ ثُمَّ رَقِيَ فَسَقَى الْكَلْبَ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ أَجْرًا قَالَ: فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ". كما روى‏ أحمد عَنْ ‏ ‏أَبِي هُرَيْرَةَ ‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "‏أَنّ امرَأَةً دَخَلَتِ النَّارَ في هِرَّةٍ رَبَطَتهَا فَلَم تَدعْهَا تُصِيبُ مِن خَشَاشِ ‏الأَرضِ وَلَم تُطعِمهَا وَلَم تَسقِهَا حتى مَاتَت".
    • لغة القلوب: لذا فالدعوة حبٌ للمدعو وغيرة عليه، ولا بأس في أن يذكر الداعية ذلك له. عن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن رجلاً كان عند النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فمرّ رجل فقال: يا رَسُول اللَّهِ إِنّي لأُحِبُ هذا. فقال له صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: "أأعلمته؟" قال: لا. قال: "أَعْلِمهُ" فلَحِقَهُ فَقَالَ: إِنّي أُحِبُكَ في اللَّه. فقال: أَحَبَكَ الذي أَحبَبتَنِي لهُ. - رواه أبو داود بإسناد صحيح. وزرع الحبِّ لا يكون إلا بالهديَّة، والزيارة، وإفشاء السلام، ونحو ذلك ممَّا علَّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. إن عاطفة الشابِّ قويَّة، فإذا ما أحبَّ داعيةً تأثَّر به واتبعه سريعًا، "قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ" [سورة آل عمران، الآية 31]، فالحبُّ عاطفةٌ وطاقةٌ تدفع للاتباع والعمل، ولمَّا أحبَّ الصحابة رضي الله عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم اتبعوا هديه وتمسَّكوا بنهجه وبايعوا على نصرة الإسلام وأهله. إذاَ هي دعوة للقلوب، تجلو عنها صدأ المعصية وران الذنوب... هي دعوة للقلب لا للجسد. لذا، فاحرص أخي الداعية على أن تؤمن بفكرتك أولاً، ثمّ رسخها في قلبك، ثم اجعل قلبك رسولاً يخاطب قلوب النّاس.
    • المزاح واللهو البريء: لا بد من بناء جسرٍ من المودة والحب في الله، وخيطٍ ليس من ورائه غرضٌ حتى ولو كان هذا الغرض هو الدعوة إلى الله. فلا مانع من استخدام الدعابة المهذبة الجميلة لأسر القلوب لكن دون إفراط يُذهب وقار العلم أو تفريط يُنفر قلب المدعو، ولعل من ثمار هذا الأسلوب أولاً: تطييب خاطر المدعو وإدخال السرور على قلبه، فقد روى الترمذي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وَتَبَسُمُكَ فِي وَجهِ أَخِيكَ صَدَقَةً"، وروى أحمد عن عبد الله بن الحارث رضي الله عنه قال: "ما رأيت أحداً أكثر تبسماً من رسول الله صلى الله عليه وسلم"، ثانياً: تأليف للقلوب ومظهر الوفاء، ثالثاً: التخلص من الخوف والغضب والقلق وغيره؛ فإن الداعية إذا مزح أدخل على نفس المدعو شيئاً من السرور والتسلية، وأزال ما يخاف منه في نفسه.
    • لطف السؤال: "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ" [سورة آل عمران، الآية 159]، وفي هذا من سيرة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ما لا يُحصى عدداً... عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ أَعْرَابِيًّا بَالَ فِي الْمَسْجِدِ فَقَامُوا إِلَيْهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تُزْرِمُوهُ ثُمَّ دَعَا بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ فَصُبَّ عَلَيْهِ" - رواه البخاري ومسلم. وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا وَكَانَ لِي أَخٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو عُمَيْرٍ، قَالَ: أَحْسِبُهُ قَالَ كَانَ فَطِيمًا، قَال:َ فَكَانَ إِذَا جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَآهُ، قَالَ: "أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ؟" قَالَ فَكَانَ يَلْعَبُ بِه. - متفق عليه. وإيّاك أن تُشعِر المدعو أنك عبءٌ عليه، أو ضيفٌ ثقيل الظل، أو رقيبٌ عتيد، يحصي عليه أنفاسه، فتقتل بذلك بذرة الإيمان الناشئة في قلبه وربما إلى الأبد. وأحذر أن تُنَصِّب نفسك وصياً عليه، تحاسبه في كل كبيرة وصغيرة. وفي الأثر أن أحد الوعّاظ جاء ينصح أحد العصاة وقد شدد عليه، فقال له الأخير: رويداً يا ابن أخي، فإن الله قد ابتعث من هو خير منك إلى من هو شر مني وقال له: "فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى" [سورة طه، الآية 44].
    • مخاطبة الناس على قدر عقولهم: َقَالَ عَلِيّ بن أبي طالب رضي الله عنه: "حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ". أخي الداعية، خاطب الناس بما في عقولهم لا بما في رأسك، وسأضرب مثلاً لهذا أوضح به ما أقصد. عندما أريد أن أصطاد السمك، فلا بد من مراعاة ما يحبه السمك؛ فلا أطمعه الأرز لأنّي أحبه، ولكن عليّ أن أطعمه الديدان، فهو يعشقها رغم أنّي لا أذوقها. فإننّي إن وضعتُ للسمك الأرز الذي أُحبُّه فلن أصطاد سمكة، ولكن إن وضعتُ لهم الديدان التي لا آكلها، فسيأتِي إليّ السمك من كل حدب وصوب. ومن هنا ينبغي على الداعية أن يخاطب النّاس على قدر عقولهم، بما في عقولهم لا بما في رأسه لكن دون الخروج عن قواعد الإسلام ومبادئه. وهذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع "أبا عمير"، تأليفاً له وإشعاراً له بأنه صلى الله عليه وسلم مهتمٌ بما يهتم به هذا الفتى الصغير مهما بدا ذلك صغيراً أو تافهاً.
    • مراعاة الأولويات: على الداعية أن يراعي الأولويات في دعوته، فليس من العقل أن يبدأ الداعية في تشيد الدور الأخير من بناء الإسلام الحصين وتزينه بالنوافل دون تمكين أركانه، وإلا انهار المبنى، وخسر الداعية جهده، والمدعو عمره. إن الداعية في ظل انشغاله بالدعوة كثيراً ما ننسى هذا رغم بساطته وبداهيته. لذا، فإن على الداعية تحديد أولوياته في الدعوة. فما هي الأمور الأساسية التي لا بد منها، ولا يمكن التنازل عنها، ثم يبدأ في العمل خطوةً خطوة؛ غير المسلم مثلاً أبدأ معه بالإيمان بالله قبل الفرائض، والمسلم الجاهل بالفرائض قبل النوافل والفضائل...
    • التدرج في إنكارالمنكر: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ: "إِنَّكَ سَتَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ فَإِذَا جِئْتَهُمْ فَادْعُهُمْ إِلَى أَنْ يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ." – رواه البخاري‏.
    • قصصٌ وعبرٌ: "لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ" [سورة يوسف، الآية 111]، إن للقصة أثر مهم في النفس، تهفو له النفوس، وتطمئن له القلوب، وتسمو به الأرواح، لا سيما قصص رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وصحبه ففيها الذخائر والكنوز واللآلئ والدرر، ولابد من استخراج جواهرها وتقديمها إلى الناس على مائدة القرآن الكريم.
    • مدُّ يد المساعدة: عن ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: "المُسلِمُ أَخُو المُسلِمُ: لا يَظلِمُهُ وَلا يُسلِمُهُ، من كانَ في حَاجَةِ أَخِيهِ كانَ اللَّهُ في حَاجَتِهِ، وَمَن فَرّجَ عَن مُسلِمٍ كُربَةً فَرَّجَ اللَّه عَنهُ بِها كُربَةً مِن كُربِ يَومِ القِيَامة، وَمن سَتَرَ مُسلِماً سَتَرَهُ اللَّه يَومَ القِيامةِ" - مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. و‏في إعانة المسلم, وتفريج الكرب عنه, وستر عيوبه أثرٌ في النفوس.
    • الرفق في الدعوة: عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنها أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم قال: "إِنّ الرِّفقَ لا يكونُ في شيءٍ إِلا زَانَه، وَلا يُنْزَعُ من شيءٍ إلا شَانَه" - رَوَاهُ مُسلِم.ٌ وعنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله رفيقٌ يحبُ الرّفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على ما سواه." -رواه البخاري. وعَنْ جَرِيرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ يُحْرَمْ الرِّفْقَ يُحْرَمْ الْخَيْرَ" - رواه مسلم. وعنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: دَخَلَ رَهْطٌ مِنْ الْيَهُودِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكُمْ قَالَتْ عَائِشَةُ: فَفَهِمْتُهَا، فَقُلْتُ: وَعَلَيْكُمْ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ. قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَهْلًا يَا عَائِشَةُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الْأَمْرِ كُلِّهِ." فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قَدْ قُلْتُ وَعَلَيْكُمْ." -رواه البخاري. عن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ فَأَوْغِلُوا فِيهِ بِرِفْقٍ." - رواه أحمد.
    • تطوير أساليب الدعوة: لعل من أكثر ما يعيق عمل الداعية تَمَسُّكه بأسلوبه التقليدي للعمل، حيث لا يجد المدعو، في حال إقباله، بريقاً جاذباً؛ أو في حال إعراضه عرضاً مغرياً. وليحذر من فخ تكرار الذات، فهو مقتل الدعوة في مهدها. ولابد من الإشارة إلى ضرورة فهم الداعية لما في عصره من وسائل وآليات، فيحسن تطويعها في خدمة الدعوة إلى الله.
    • ملاحظة الفرق بين الداعية والمفتي: قد لا يفرّق العامة كثيراً بين الداعية والمفتي، في ظل شيوع الجهل، وقلة العلماء الفقهاء، فتبدو المسألة في غاية الصعوبة. ولهذا ينبغي أن يدرك الداعية قدر نفسه ولا يتجاوزها إلى الفتيا على غير علم، عن عبد الله بن جعفر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار" – كنز العمال.
    • تشجيع المدعو وشد أزره: من أسباب علو الهمة شد الأزر وتقوية العزم، حتى لا يتسلل الفتور إلى النفوس.
    • الإيجاز حتى لا تُنسى: ولك في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة: "لا تغضب" – " حسن الخلق".
    • الوضوح في الهدف واللغة: عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلاً يفهمه كلَّ من سمعه." - رواه أبو داود بسندٍ حسن.
    • أسلوب السؤال والجواب: فإنَّ في مشاركة المستمع مزيدًا من التثبيت للمعلومات، كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: "أرأيتم لو أنَّ نهرًا بباب أحدكم يغتسل منه كلَّ يومٍ خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء؟!" قالوا: لا يبقى من درنه شيء، قال: "فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهنَّ الخطايا."- رواه البخاري.
    • استخدام وسائل الإيضاح: عن جابرٍ رضي الله عنه قال: كنَّا عند النبي صلى الله عليه وسلم فخطَّ خطًّا وخطَّ خطَّين عن يمينه، وخطَّ خطَّين عن يساره، ثمَّ وضع يده في الخطِّ الأوسط فقال: "هذا سبيل الله"، ثمَّ تلا هذه الآية: "وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ [سورة الأنعام، الآية 153]. " - رواه ابن ماجه بسندٍ صحيح. وعن عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قال: قدم على رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم بسبي فإذا امرأة من السبي تسعى إذا وجدت صبياً في السبي أخذته فألزقته ببطنها فأرضعته. فقال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: "أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار؟" قلنا: لا والله. فقال: "لله أرحم بعباده من هذه بولدها." - مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
    • اختلاف نبرة الصوت: التوقُّف أحيانًا أو رفع الصوت أحيانًا أو خفض الصوت أحياناً أخرى، للتنبيه على ما سيأتي من كلام، وتكرار المهمّ منه.
    • لفت النظر لما هو أهمّ: عن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رجل: يا رسول الله متى الساعة؟ قال: "وما أعددت لها؟"، قال: حبُّ الله ورسوله، قال: "أنت مع من أحببتَ." - رواه مسلم.
    • الانتهاء بواجبٍ عمليّ: ليعلموا أنَّ ما يُسمع نظريًّا إنِّما هو للتطبيق العملي وليس للتسلية.
    • الدعاء: ولا أنسى أن أُذَكِّر الداعية بالسلاح السريّ، الدعاء في جوف الليل، عسى الله يفتح مغاليق القلوب...



      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة 19 أبريل 2024 - 11:32