hmsain.ahlamontada.com

نشكرك على التسجيل فى هدا المنتدى زرنا باستمرار و شاركنا رايك فاليد الواحدة لا تصفق ورايك يهمنا كما ان حضورك الدائم يحفزنا

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

hmsain.ahlamontada.com

نشكرك على التسجيل فى هدا المنتدى زرنا باستمرار و شاركنا رايك فاليد الواحدة لا تصفق ورايك يهمنا كما ان حضورك الدائم يحفزنا

hmsain.ahlamontada.com

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
hmsain.ahlamontada.com

منتدى يهتم بنشاطات حركة مجتمع السلم بلدية عين بوزيان


    بناء الفرد في المشروع الإسلامي

    Admin
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 2093
    تاريخ التسجيل : 01/03/2010
    الموقع : hmsain.ahlamontada.com

    بناء الفرد في المشروع الإسلامي Empty بناء الفرد في المشروع الإسلامي

    مُساهمة  Admin الأحد 22 مايو 2011 - 18:59

    بقلم: د. أمير بسام
    تحاول كل النظم والحكومات أن تزرع في أبنائها روح الولاء والانتماء، وتحاول بشتى الصور أن ترسخ فيهم احترام القوانين والالتزام بها والانصياع للقيادة واحترامها.
    وتتخذ النظم والحكومات وسائل شتى لبناء الفرد مثل مناهج التعليم والإعلام وخلافه، وقد يخرج عن النظام العام أفراد أو جماعات فتسن لذلك قوانين وتوضع التشريعات لتردع المخالف وتزجر المشاكس.
    ولكن هل القانون وحده يكفي لإصلاح المجتمع؟ وهل المناهج التعليمية والوسائل الإعلامية كافية لإيجاد الولاء وتحقيق الانتماء؟.
    مما لا شك فيه أن توافق المحكوم مع الحاكم والمجتمع مع الدولة يحقق النجاح، ويؤدي إلى النهضة، ولكن ما الوسيلة إلى ذلك وكيف السبيل؟
    إن بناء الأفراد بناء خاصًّا يتوافق مع المشروع الإسلامي وكذلك الأسرة والمجتمع هو من أهم مميزات وأركان المشروع الإسلامي، ومن أعظم أسباب النجاح، وأكبر مفتاح لحلِّ المشكلات المعاصرة، والتي استشرت في الدول المتقدمة والمتخلفة على حدٍّ سواء.
    ولكن ما هي الأسس التي بَنَى عليها الإسلام الأفراد والجماعات والمجتمع؛ لتحقيق النهضة والرخاء؟
    إن هذه المقومات تنقسم إلى:
    أولاً: مقومات لبناء الفرد وهي:
    * البناء الإيماني "العقيدة والجزاء الأخروي"
    * بناء الدوافع والمنطلقات.
    * البناء وفق مقاصد الشريعة وأهداف الإسلام.
    ثانيا: مقومات بناء الأسرة: وهي مقومات تحقق الاستقرار والمودة.
    ثالثا: مقومات تخصُّ بناء المجتمع، مثل: الترابط والأخلاق الاجتماعية وغيرها.

    1- مقومات بناء الفرد
    البناء الإيماني:
    لقد ربط الإسلام الدنيا بالآخرة، وما يفعله في الدنيا سيلقى جزاءه حتمًا في الآخرة، يقول تعالى: ﴿وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40)﴾ (النجم)، وقال: ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (Cool﴾ (الزلزلة)، وهذه التربية التي يترباها المسلم تجعله حريصًا من داخل نفسه على فعل الطاعة وتجنب المعصية أو قل المسارعة في الخير واجتناب الشر.
    إن المسيحية تطمئن معتنقيها أن إيمانه بالمسيح يخلصه من حساب الآخرة؛ فليفعل ما يشاء, واليهود هم شعب الله المختار فلا ملامة على أحد منهم، أما الشيوعيون فلا إيمان عندهم بالآخرة أصلاً.
    ولكنه الإسلام الذي تجتمع فيه الدنيا بالآخرة والعمل بالحساب، وسلطان الإيمان مع قوة السلطان، وسيف القوانين مع تذكرة المؤمنين.
    ولتوضيح الفكرة نضرب مثلاً بمحاولة أمريكا في العقد الثالث من القرن الفائت لمنع شُرب الخمور بعد أن رأت تفشي إدمانه في الشعب، وسنَّت لذلك القوانين وجيَّشت وسائل الإعلام، وحاولت جهد استطاعتها فلم تستطع الدولة الفتية أن تجبر شعبها الإقلاع عن إدمان الخمر رغم ضرره، وتراجعت الدولة عن القوانين التي سنتها من أجل ذلك.
    ولكن حينما خالطت بشاشة الإيمان قلوب المسلمين على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، ورغم أنهم كانوا مدمنين للخمر يعاقرونها صباحًا ومساءً، إلا أن آية واحدة سار بها المنادي في طرقات المدينة كانت كافيةً لإقلاع المسلمين عن الخمر، وهذا الفرق بين سلطان دولة وسلطان آية، وهذا هو الفرق بين قانون بلا إيمان وقانون مع الإيمان، الأول لا فائدة ترجى من تطبيقة والثاني يجعل للقانون أثرًا؛ لأن المرء سينصاع إلى القوانين طاعة لله أولاً، وخوفًا من الحساب في الآخرة، إن القانون بغير إيمان، يجعل الفرد يحاول التهرب منه والتحايل عليه، ولكن القانون الإسلامي مع الإيمان بالله يجعل الفرد يراقب الله تعالى حتى لو غابت رقابة القانون.
    وتبقى قلة في المجتمع لا يردعها وازع الإيمان، فيكون لها وازع السلطان، وهذه الفئة والتي غالبًا ما تكون قليلة هي التي قصدها الخليفة الثالث حين قال: "إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن".
    ولنضرب مثلاً بقضية الغش التجاري والذي وصل حدًّا حارت معه الدول، وطاش بسببه القانون، وغلظت العقوبات دون فائدة، إن الغش أصبح له فنونه ورجاله وطرقه وابتكاراته حتى وصل إلى الغذاء والدواء، فهل يُعقل أن يُصنع الجبن الأبيض من بودرة السيراميك فيصير الطعام سُمًّا زعافًا، وهل يتصور أن يكون الدواء المغشوش سببًا مباشرًا لوفاة الآلاف.
    وإليكم قصة توضح أثر البناء الإيماني للأفراد في منع الغش:
    ذات ليلة خرج عمر بن الخطاب- رضي اللَّه عنه- مع خادمه أسلم؛ ليتفقد أحوال المسلمين في جوف الليل، وفي أحد الطرق استراح من التجوال بجانب جدار، فإذا به يسمع امرأة تقول:
    قومي إلى ذلك اللبن فامذقيه (اخلطيه) بالماء.
    فقالت الابنة: يا أُمَّتَاه، وما علمتِ ما كان من عَزْمَة (أمر) أمير المؤمنين اليوم؟!
    قالت الأم: وما كان من عزمته (أمره)
    قالت: إنه أَمَرَ مناديًا فنادي: لا يُشَابُ (أي لا يُخلط) اللبن بالماء.
    فقالت الأم: يا بنتاه، قومي إلى اللبن فامْذقيه بالماء فإنك في موضع لا يراك عمر، ولا منادي عمر.
    فقالت الصبيّة: واللَّه ما كنت لأطيعه في الملأ وأعصيه في الخلاء، إن كان عمر لا يرانا، فَرَبُّ أمير المؤمنين يرانا.
    إن عين القانون غابت عن هذه الفتاة ولكن عين الله تراها، وكان إيمانها بالله كافيًا لمنعها من الغش، وهو ما تعاني منه الأمم الآن.
    وهكذا غابت رقابة السلطان وبقية رقابة الإيمان، فكانت النتيجة مجتمعًا نظيفًا بلا غش وخداع.
    ومن أكبر أمراض العصر هو انتشار الرشوة، والتي تعددت صورها وقُنن بعضها، وليس الباعث على الرشوة فقر الموظف بل طمعه في كثير من الأحيان، فما هو العلاج وأين الحل؟
    هل بسن قوانين جديده أم تشريعات مغلظة... لقد فشلت هذه الحلول، ولكن لنَعْرِفَ الحلَّ علينا أن نتأمل هذه القصة..
    مَـرّ ابن عمر براعي غنم فقال: يا راعي الغنم هل مِن جَزرة؟ قال الراعي: ليس ها هنا ربها، فقال ابن عمر: تقول أكلها الذئب! فرفع الراعي رأسه إلى السماء ثم قال: فأين الله؟ قال ابن عمر: فأنا والله أحق أن أقول فأين الله، فاشترى ابن عمر الراعي واشترى الغنم فأعتقه وأعطاه الغنم.
    لقد كان هذا الراعي موظفًا بالمصطلح الحديث وجاءه عمر يطلب منه شاة، وبَيَّن له كيف يداري الأمر عن صاحب الغنم أو بالمعنى الحديث كيف يختلس ويداري اختلاسه، ولكنه الإيمان الذي يمنع الموظف من الاختلاس رغم فقره؛
    مما سبق يتأكد لنا أن البناء الإيماني للأفراد هو حجر الزاوية في نجاح المشروع الإسلامي؛ لأنه يجعل الفرد ينتهي عن الغش والرشوة والجريمة وخلافه من منطلق خوفه من الله تعالى، وهذا البناء لا يوجد في غير النظام الإسلامي؛ لأن النظم الأخرى لا تعتمد على هذا الأمر بل لا تعيره اهتمامًا وأحيانًا تقاومه وتأتي بغيره.
    وفي الإسلام تشريعات تعمق قضية الإيمان بالله والخوف من الحساب والاعتقاد باليوم الآخر، فالصلاة والصوم والحج والأذكار وتلاوة القرآن وغيرها من الشعائر التعبدية كلها تعمق الإيمان بالله وتنميه.
    وبذلك يكون أول ركن من أركان بناء الفرد في المشروع الإسلامي هو البناء الإيماني الذي يَنْهَى صاحبه عن اقتراف المخالفات والتهرب من القوانين؛ لأنها قوانين مرتبطة بالشرع ونابعة منه، والفرد موقن بأنه سيحاسب عليها أمام الله.

    2. بناء الدوافع والمنطلقات
    إن الإسلام يبني أبناءه على الإيجابية ويَنْهَى أتباعه أن يكونوا ضعفاء أو كسالى، ولذلك نجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم يربط الإيمان بأعمال إيجابية يعود نفعها على المجتمع يقول صلى الله عليه وسلم: "الإيمان بضع وستون أو بضع وسبعون شعبة؛ أدناها إماطة الأذى عن الطريق" وقال صلى الله عليه وسلم: "مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت"...."فليكرم جاره..".
    وقد شرع الإسلام النية الصالحة ليتعبد المسلم بكلِّ عمل يبتغى به وجه الله، ويكون فيه إعمار الأرض وصلاح الحياة يقول تعالى: ﴿هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾ (هود: من الآية 61)، فالله جعل مهمة الإنسان في الحياة هو إعمارها ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم: "إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها".
    ولذلك كل عمل فيه نفع للمجتمع والناس، بل نفع لصاحبه يكون بالنية الصالحة، عمل صالح يثاب فاعله، وهذا يوجد التنافسَ المحمود بين أفراد المجتمع، ويوجد الدافع لأعمال كثيرة تكون سببًا في نجاح المنهج الإسلامي
    خذ مثلا مشكلة الإنتاج وجودة المنتج، إن الإسلام يجعل العمل من أجل لقمة العيش عبادة وتجويد العمل وإتقانه عبادة، يقول صلى الله عليه وسلم: "من أمسى كالاًّ من عمل يده أمسى مغفورًا له"، ويقول صلى الله عليه وسلم: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه".
    إن إيجاد الدافع لدى الفرد لعمل معين أول درجات النجاح بل هو أهمها، فكم من دول لديها ثروات طائلة ولكن المشكلة في شعبها الكسول والعكس صحيح في دول أخرى, ولهذا عالج الإسلام هذا الأمر بأن أوجد دوافع داخل الأفراد كلها تتجه نحو إعمار الحياة وإتقان أسبابها.
    فالبطالة حلها ليس فقط في إيجاد فرصة عمل بل أيضًا في إيجاد نفوس تحب العمل وتسعى إليه, والنبوغ في العلم والمهارة فيه من أهم أسبابه الدافع الداخلي لتحصيل العلم واستكماله، والتي أوجدها الإسلام بتكريم العلم والعلماء.
    والعمل التطوعي والذي يسد ثغرات عديدة، وينشأ منافع كثيرة يحدث بدوافع داخلية أوجدها الإسلام بتعظيم ثواب فعل الخير وبقاء الأثر الصالح.
    بل إن الزواج والذي هو نداء للفطرة وما يترتب عليه من تكوين للأسر وزيادة في الثروة البشرية جعل الإسلام له دافعًا داخل النفس خلاف الغريزة الجنسية، يقول صلى الله عليه وسلم: "من تزوج فد استكمل شطر دينه فليتق الله في الشطر الآخر" وقال صلى الله عليه وسلم: "إن في بضع أحدكم لأجر".
    وبهذا يبني الإسلام أبناءه على إيمان يمنعه عن الشر ويدفعه إلى الخير، وفي هذا صلاح الدنيا وإعمارها.

    3- البناء النفسي والخلقي وفق مقاصد الشريعة
    إن الشريعة الغراء لها مقاصد وأهداف جمعها العلماء في خمس مقاصد، ورتبوها حسب أولوياتها إلى: "حفظ الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال" ودارت التشريعات تحليلاً وتحريمًا وفق هذه المقاصد.
    فمثلاً من أجل حفظ النفس حَرَّم القتل والاعتداء وشرع القصاص والحدود، وحثَّ الإسلام على تكريم الإنسان، ونهى عن إيذائه ماديًّا وأدبيًّا.
    ويتربى الفرد المسلم في الدولة الإسلامية على هذه المقاصد، ويفهم أهميتها ويعرف دوره نحوها، وبهذا يحدث الإنسجام بين رسالة فرد ورسالة الدولة، ويحدث التكامل بين دور الأنام ودور النظام فلا يحدث الخلل.

    المقصد الأول: حفظ الدين
    ففي حفظ الدين وهو أول مقصد من مقاصد الشرع، يتربى الفرد على أن له ولدولته رساله ألا وهي نشر الإسلام وما يقتضيه من عدل ورحمة، وعليه الدفاع عن الإسلام وعن الدين بالنفس والمال، ولا يدخر في ذلك وسعًا.
    والنتيجة من هذا دولة قوية لها شعب قوي، يفدي دولته وإمامه بنفسه؛ لأنهم يحملون رسالة هي الخير، النتيجة أمة مجاهدة تسعى إلى إقامة العدل ونشر الخير.
    يقول تعالى موضحًا رسالة الدولة: ﴿الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (41)﴾ (الحج)، كما يبين الغاية من الجهاد فيقول تعالى: ﴿وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا﴾ (النساء: من الآية 75)، فالقتال لنصرة المظلوم وإقامة العدل لا للتوسعات الجغرافية أو المكاسب المادية.
    وإذا انحرفت الدولة عن المقصد وخالفت رسالة الإسلام وصارت قوتها إعتداءً وعزها بطشًا فأول ما يخالفها في ذلك هم أفراد الشعب.
    على عهد عمر بن عبد العزيز فتح جيش المسلمين سمرقند ودخلها الجيش الإسلامي قبل أن ينذر أهلها بالدخول وتم الفتح وجاء النصر، ولكن الجيش المسلم شعر أن هناك مخالفةً شرعيةً حدثت من قيادته، وهي مهاجمة العدو قبل إنذاره، فأرسل الجيش إلى عمر بن عبد العزيز يشكو إليه فعل قادته، فجاء الرد يأمر انسحاب الجيش من المدينة ومعاودة إنذارها ثم فتحها!
    واستجاب الجيش كله؛ لأن لهم رسالة ويحكمهم دين لا يخالفونه.
    أين هذا من الشعوب التي صفَّقت لحكامها حين أعلنوا حروبًا ظالمة على دول مجاورة، وسفكوا فيها الدماء، واستباحوا الحرمات
    إن القوى العظمى كلها على مدار التاريخ تحولت إلى قوة بطش وعدوان، لماذا؟ لأن شعوبها لم تتربى على أن لها رسالةً لا بد ألا تخالفها الدولة، ولو صارت قوة عظمى.
    أين الشعوب الأوروبية والأمريكية من قتل الأبرياء وسفك الدماء في العراق على أيدي حكوماتهم, صحيح احتجاجات هنا وهناك ولكنها لقلة صاحبة عقل سليم، ولكن أين البقية؟.
    إن تربية الأفراد أن لهم رسالة وهي حفظ الدين، يجعلهم قوة لدولهم في الحق، وصمام أمان لهم يمنعهم– إذا قويت شوكتهم– من ظلم غيرهم، وبذلك يتجاوز العدل البلاد الإسلامية إلى غيرها من البلدان، ولهذا كان المسلمون واحة العدل التي يأوي إليها كل مظلوم، وكانت القوة التي تردع كل غشوم.

    المقصد الثاني: حفظ النفس
    لقد جعل الإسلام للنفس البشرية حرمة عظيمة مؤمنة كانت أو كافرة، يقول تعالى: ﴿مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ (المائدة: من الآية 32)، وهكذا نفس واحدة لها حق يعادل البشرية جميعًا، وذكرت" نفس" بالتنكير لتفيد العموم والشمول، وما يبذل لهذه النفس من خير له ثواب كبير ﴿وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾.
    وما يقصد نحوها من شر فله حساب عسير، يقول صلى الله عليه وسلم: "الإنسان بناء الله ملعون من هدمه"، ولقد كفل الإسلام حق وحرمة النفس البشرية لكلِّ نفس؛ فالذمي في الدولة المسلمة له حرمة يقول صلى الله عليه وسلم: "من آذى ذميًّا فقد آذني"، ومن له عهد من المشركين له حرمة يقول تعالى: ﴿إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ (التوبة: من الآية 4) ﴿فَمَا اسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَاسْتَقِيمُواْ لَهُمْ﴾ (التوبة: من الآية 4).
    وعلى المعاني السابقة يتربى المسلم وينصاع لقوانين الإسلام التي تحفظ حرمة النفس البشرية، ويستجيب لنداء الإسلام بإحياء واحترام والحفاظ على النفس البشرية.
    وفي مجال حرمة النفس البشرية ترتبط قوانين الإسلام في الحياة بالجزاء الأخروي في الآخرة، فالقصاص والحدود والعقوبات لمن اعتدى على حقوق الغير ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179)﴾ (البقرة)، وفي الآخرة يقول صلى الله عليه وسلم: "أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس من لا دينار له ولا درهم" قال صلى الله عليه وسلم: "بل المفلس مَن يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة وحج ويكون قد ضرب هذا، وشتم ذاك، وأخذ مال هذا، وسفك دم ذاك، فيأخذ هذا من حسناته وذاك من حسناته، حتى إذا نفدت حسناته أخذ من سيئاتهم فطرح في النار".
    وعلى هذه المعاني تربى المسلمون، فاختفت الجريمة من المجتمع المسلم أو كادت، ولم ينجح نظام على مرِّ التاريخ في إيجاد الأمان لأبنائه إلا النظام الإسلامي، ولم يفلح نظام حتى الآن في القضاء على الجريمة، ومعدلات الجريمة في الغرب والشرق وزيادة معدلاتها في المجتمعات العربية والمجتمع المصري في الوقت الراهن دليل على ذلك.
    لقد كان المجتمع المصري مجتمعًا آمنًا, ولكن لقيام الدولة بتنحية الدين وتجفيف منابعه زادت معدلات الجريمة بصورة راحت تهدد أمن وسلامة المجتمع، ففي تقرير صدر عن وزارة العدل المصرية أشارت فيه:
    "إلى أن جرائم القتل العمد زادت بنسبة 11.12%، وزادت جرائم الشروع في القتل بنسبة 54.7%، أما جرائم الضرب المفضي للموت فزادت بنسبة 87.3%، بينما زادت جرائم الضرب بنسبة 13.8%، ووصلت الزيادة في جرائم السرقات 23.8%، و64% فيما يخص جرائم الشروع في السرقة، وزادت نسبة قضايا الرشوة بمعدل بلغ 59.6%.
    إن الجريمة ليس سببها الفقر والحرمان، وإلا لماذا ترتفع معدلاتها في أمريكا بصورة مرعبة، وكم نسمع عن جرائم سببها الإرث أو الغضب أو حب السيطرة وفرض السطوة.
    لقد وعد الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه بالتمكين، وجعل من سمات هذا التمكين هو الأمان الذي يحدثه النظام الإسلامي؛ قال صلى الله عليه وسلم لخبيب حينما جاءه قائلاً: "ألا تدعوا الله لنا ألا تستنصر لنا" فقال صلى الله عليه وسلم: "والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب وفي رواية أخرى- الظعينة- من صنعاء إلى حضرموت لا يخشى إلا الله والذئب على غنمه" فشتان بين منهج جاهلي يعذب فيه الإنسان ومنهج إسلامي يأمن فيه الإنسان حتى أثناء السفر؛ حيث لا سلطان لدولة أو قانون ويكثر قطاع الطرق.
    إنها حرمة النفس والأموال والأعراض، والتي يتربى عليها المسلم حاكمًا ومحكومًا راعيًا ورعية فيكون الأمان، والعدل وإقامة الحق.
    وفي المقابل مطلوب من كلِّ مسلم أن يجتهد في تقديم العون لكلِّ نفس بشرية، ويبذل في ذلك وسعه؛ لأنه من ﴿أَحْيَاهَا﴾ بتقديم العون لها ونصرتها وحل مشاكلها ﴿فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ ولذلك حث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم على المسارعة بتقديم العون لكلِّ مكروب أو مظلوم أو صاحب حاجة، يقول صلى الله عليه وسلم: "مَن نفَّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفَّسَ الله عنه كربة من كرب يوم القيامة" ويقول: "اصنع المعروف في أهله وغير أهله" وعن نصرة المظلوم يقول: "لا يقفن أحدكم موقفا يظلم فيه أخوه المسلم ولا ينصره وهو يستطيع نصره فإن لعنات الله تتنزل عليه" بل إن أحب الأعمال إلى الله: "إدخال السرور على مسلم" "ومن أدخل السرور على بيت من المسلمين فتح له باب في الجنة" كما ورد في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم.
    وأضف إلى ذلك تكريم الإسلام لبنى أدم ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ (الإسراء: من الآية 70) وشرعت تشريعات عديدة تحفظ لبني أدم كرامته، وأول هذه التشريعات هي ما يحفظ حريته.
    وأسوق قصةً حدثت في مصر بعد أن فتحها عمرو بن العاص: يروى أن قبطيًّا من أقباط مصر جاء إلى عمر بن الخطاب، فقال له: يا أمير المؤمنين، عائذ بك من الظلم. قال: عذت معاذًا.
    قال: سابقت ابن عمرو بن العاص فسبقته، فجعل يضربني بالسوط، ويقول: أنا ابن الأكرمين.
    فكتب عمر إلى عمرو يأمره بالقدوم عليه هو وابنه، فقدما، فقال عمر: أين المصري؟ خذ السوط فاضرب. فجعل يضربه بالسوط، ويقول عمر: اضرب ابن الأكرمين. قال أنس: فضرب، فوالله لقد ضربه ونحن نحب ضربه، فما أقلع عنه حتى تمنينا أنه يرفع عنه. ثم قال عمر للمصري: ضع على صلعة عمرو. فقال: يا أمير المؤمنين، إنما ابنه الذي ضربني، وقد اشتفيت منه. فقال عمر لعمرو: مُذ كَمْ تعبدتم الناس، وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا؟! قال: يا أمير المؤمنين، لم أعلم ولم يأتني.
    إن هذه القصة توضح كيف أحيا الإسلام في نفوس المواطنين الكرامة والعزة، فصاحب الشكوى قبطى من أقباط مصر كان منذ عدة سنوات يعيش تحت حكم روماني يسومونهم سوء العذاب، وجاء الحكم الإسلامي ليزرع فيهم العزة والكرامة، لم يكن بُعد المسافة بين مصر والمدينة معوقًا له أن يطالب بحقه, ولم تكن كثرة انشغالات الخليفة مبررًا لعدم سماع شكواه، ولم يكن منصب المشكو في حقه مانعًا من القصاص، إنها صورة متكاملة تجمع بين عزة الرعية وعدل الراعي وعظمة النظام، إنه منهج الإسلام.

    ثالثا: مقصد حفظ العقل
    للعقل قيمته في الإسلام، ولذلك جعلته الشريعة مناط التكليف بعد البلوغ، يقول صلى الله عليه وسلم: "رفع القلم عن ثلاث: عن الصبي حتى يحتلم، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق" وخاطب القرآن عقل الإنسان فقال: "أفلا يعقلون، يا أولى الألباب" وحرم الإسلام ما يضر العقل فحرم المسكرات والمفترات ﴿إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90)﴾ (المائدة).
    ودعا الإسلام إلى تكريم العقل بتعظيم العلم؛ لأن العلم مكانة العقل، فقال صلى الله عليه وسلم: "فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم" وجعل التماس العلم سببًا لدخول الجنة، فقال صلى الله عليه وسلم: "من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له به طريقًا للجنة" نكِّرَت كلمة "علما" لتدل على أنه أي علم نافع في شئون الدنيا والدين بشرط أن ينتهي بصاحبه لزيادة الإيمان، يقول تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء﴾، وهذا جزء من أية ذكرها الله تعالى بعد عرض آلائه في الكون، فقال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (27) وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28)﴾.
    ولهذا تسابق المسلمون لتحصيل العلم بنوعيه الشرعي والمدني، وكرم الحكام العلماء بنوعيهم، علماء الدين وعلماء الدنيا.
    ولذلك كثر في عصر الإسلام النابغون والعلماء، ونشطت حركة العلم، واتسعت رقعة العلوم والاختراعات، ويعود الفضل الأول لما فيه العالم الآن من مدنية إلى الحضارة الإسلامية التي أسست علومًا في كلِّ مناحي المعرفة؛ العلوم التجريبية كالفيزياء والكيمياء؛ والعلوم الإنسانية كالتاريخ والتربية؛ والعلوم الطبية كالتشريح وعلم الأمراض وأنواع الطب المختلفة؛ والعلوم التطبيقية كالميكانيكا والحساب والجبر، وغيرها.
    إن منهج الإسلام يجعل أتباعه يتسارعون نحو العلم وتحصيله، ويجعل حكامه يكرمون العلماء، ويجعل شعوبه يحترمون العلماء، وهو منهج جدير بالنجاح.
    والحقيقة أن النظم الغربية أخذت من الإسلام هذا الأمر وارتقت به ولاتزال محتفظة بهذه الميزة، والتي تراجع فيها المسلمون كنظم ودول، ولكن ليس كشعوب وأفراد.
    تشير الإحصاءات المأخوذة من الدراسات التي قامت بها جامعة الدول العربية ومنظمة العمل العربية ومنظمة اليونسكو وبعض المنظمات الدولية والإقليمية المهتمة بهذه الظاهرة إلى الحقائق التالية:
    - يساهم الوطن العربي في ثلث هجرة الكفاءات من البلدان النامية.
    - إن 50% من الأطباء و23% من المهندسين و15% من العلماء من مجموع الكفاءات العربية المتخرجة يهاجرون متوجهين إلى أوروبا والولايات المتحدة وكندا بوجه خاص.
    - إن 54% من الطلاب العرب الذين يدرسون في الخارج لا يعودون إلى بلدانهم.
    - يشكل الأطباء العرب العاملون في بريطانيا حوالي 34% من مجموع الأطباء العاملين فيها.
    - إن ثلاث دول غربية غنية هي الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا تصطاد 75% من المهاجرين العرب.
    - بلغت الخسائر التي منيت بها البلدان العربية من جراء هجرة الأدمغة العربية 11 مليار دولار في عقد السبعينات.
    وعن مصر هناك العديد من الدراسات والأبحاث تشير إلى وجود أكثر من 844 ألف شاب منهم 450 ألف كفاءة وعبقرية علمية في كل المجالات البحثية العلمية، وهجرتهم تتسبب في خسارة مصر لأكثر من 54 مليار دولار سنويًّا؛ حيث أكدت دراسة صدرت مؤخرًا عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء بالتعاون مع أكاديمية البحث العلمي أن هناك 54 ألف عالم وخبير مصري في الخارج يعملون في مختلف التخصصات العلمية.
    وتبين الإحصاءات أن أمريكا تحظى بالنصيب الأكبر من الكفاءات والعقول المصرية المهاجرة بنسبة 39% تليها كندا بنسبة 13.3% وإسبانيا في المؤخرة بنسبة 1.5%.
    وتؤكد الإحصائيات ذاتها أن عدد العلماء المصريين بالخارج من ذوي التخصصات النادرة يقدرون بنحو 618 عالمًا منهم 94 عالمًا في الهندسة النووية، و26 في الفيزياء الذرية، و48 في الكيمياء، و25 في الفلك والفضاء، و48 في البيولوجي والميكروبيولوجي، و46 في استخدامات الأشعة السريمية، و22 في الجيولوجيا وطبيعة الزلازل، و67 في المؤثرات الميكانيكية، و66 في الكباري والسدود، و93 في الإليكترونيات، و72 في استخدامات الليزر، و31 في تكنولوجيا النسيج.
    إن معشار هذا العدد يصنع نهضة لعدة دول وليس دولة واحدة، ولكنها النظم المستبدة.
    إنه الإسلام الذي يحفظ لأفراده حبهم للعلم تقربًا إلى الله ونصرة إلى الإسلام، وهي النظم الموجودة في الدول الإسلامية، والتي لا تعير العلماء اهتمامًا، أما النظم الغربية فقد أخذت من الإسلام اهتمامه بالعلماء، فطبقت ذلك فارتقت بعد أن كانت تعيش في تخلف وجهل، واقرأ هذه الوثيقة لتبين الأمر:
    إلى صاحب العظمة- خليفة المسلمين- هشام الثالث جليل المقام:
    من جورج الثاني ملك إنكلترا والسويد والنرويج إلى الخليفة ملك المسلمين في مملكة الأندلس صاحب العظمة هشام الجليل المقام.
    بعد التعظيم والتوقير، فقد سمعنا عن الرقيّ العظيم الذي تتمتع بفيضه الصافي معاهد العلم والصناعات في بلادكم العامرة، فأردنا لأبنائنا اقتباس نماذج هذه الفضائل لتكون بداية حسنة في اقتفاء أثركم لنشر أنوار العلم في بلادنا التي يحيط بها الجهل من أركانها الأربعة، وقد وضعنا ابنة شقيقنا الأميرة دوبانت على رأس البعثة من بنات أشراف الإنكليز، لتتشرف بلثم أهداب العرش والتماس العطف، وتكون مع زميلاتها موضع عناية عظمتكم وفي حماية الحاشية الكريمة، والحدب من قبل اللواتي سوف يقمن على تعليمهن، وقد أرفقت الأميرة الصغيرة بهدية متواضعة لمقامكم الجليل، أرجو التكرم بقبولها، مع التعظيم والحب الخالص.
    من خادمكم المطيع..
    جورج.م.أ
    جواب الخليفة الأندلسي هشام الثالث...
    بسم الله الحمن الرحيم
    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبيه سيد المرسلين.. وبعد:
    إلى ملك إنجلترا وإيكوسيا وإسكندنافيا الأجلّ..
    إطَّلعت على التماسكم، فوافقت على طلبكم بعد استشارة من يعنيهم الأمر من أرباب الشأن، وعليه نعلمكم أنه سوف ينفق على هذه البعثة من بيت مال المسلمين، دلالة على مودتنا لشخصكم الملكي، أمّا هديتكم فقد تلقيتها بسرور زائد، وبالمقابل أبعث إليكم بغالي الطنافس الأندلسية، وهو من صنع أبنائنا، هدية لحضرتكم، وفيها المغزى الكافي للتدليل على التفاتتنا ومحبتنا، والسلام.

    خليفة رسول الله في ديار الأندلس

    هشام الثالث..
    أظن أن هذه الوثيقة كافية لتوضيح أمور عديدة!!

    رابعًا: مقصد حفظ النسل
    إن من قواعد الإسلام الحفاظ على الثروة البشرية واعتبارها رزقًا يشكر الله عليه وثروة يستفاد منها، قال تعالى: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا (12)﴾ (نوح) فبين القرآن أهمية الموارد الطبيعية "الأمطار"، والموارد المالية "الأموال"، والموارد البشرية "البنين"، وإنها عناصر تحقيق الرفاهية ﴿وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا﴾.
    ونجد الأمم الأكثر سكانًا- ولكنها استفادت من ثروتها السكانية- حققت تقدمًا ملحوظًا، وخذ مثلاً في عصرنا الحالي الصين والهند واليابان".
    ويعتبر العنصر البشري هو العنصر الوحيد تقريبًا في نهضة اليابان؛ حيث ليس لديها ثروات طبيعية تُذكر، والهند تفوقت في العصر الحالي في البرمجة، وأصبحت من أولى المصدرات للبرامج الإلكترونية، وهذا يعتمد أساسًا على العنصر البشري المدرب.
    وكوريا حققت نهضتها بإقامة مدارس "كوريا المستقبل"؛ حيث اهتمت بالنابغين من أبنائها، وعلمتهم في مدارس خاصة, ولما سئل مهاتير محمد عن أسلوبه في تحقيق نهضة ماليزيا قال: "التدريب والتعليم" وكلاهما للعنصر البشري... ونحن في مصر لا نزال نردد أن الزيادة السكانية هي السبب في مشكلاتنا، رغم أننا لا نعيش إلا في 4% من مساحة مصر.
    ومن أجل حفظ النسل نجد أن النظام الإسلامي شرع الزواج ورغَّب فيه، وحرم الزنا والشذوذ وكل مقدمات الزنا من الإباحية والاختلاط المحرم، وإشاعة الفاحشة بصورها، وكل ما يجعل الناس ينصرفون عن الحلال- الزواج- إلى الحرام من الشذوذ والزنا.
    وفي الترغيب في الزواج يقول صلى الله عليه وسلم: "تناكحوا تناسلوا تكثروا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة" ورغب في الزواج أيضًا قائلاً: "مَن تزوج فقد استكمل شطر دينه فليتق الله في الشطر الآخر".
    ويأمر الإسلام ولي المرأة بتزويجها مَن هو كفء لها صاحب الدين، فقال صلى الله عليه وسلم: "مَن أتاكم مَن ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير" وينهى صلى الله عليه وسلم من تعسير الزواج والمغالاة في المهور فيقول صلى الله عليه وسلم: "من عسَّر زواجًا فقد يسَّر زنا"، وقال صلى الله عليه وسلم: "أيسرهن مؤنة أكثرهن بركة".
    وعلى هذا سارع الرجال والنساء في الإسلام بالزواج وإنشاء أسر مستقرة ترزق بالبنين والبنات.
    وينهى الإسلام- الرجال والنساء- على السواء عن الفاحشة والشذوذ ومقدمات الزنا وغيرها، يقول تعالى: ﴿وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً (32)﴾ ومعنى لا تقربوا أي: عدم الوقوع في الزنا أو مقدماته.
    ولنضرب مثلاً بما أدت إليه التقاليد لغربية من إباحة للزنا وتشجيع الشذوذ وإطلاق العنان للشهوات...ماذا حدث؟
    لقد انصرف الشباب والبنات عن الزواج- لأنهم يجدون المتعة في غيره- ولا يريدون تحمل مسئولية الأبناء، ومع الوقت قل معدل الإنجاب، وقل في نفس الوقت معدل الوفيات، ومع الزمن أصبحت أغلبية السكان في سنِّ الشيوخ وقلت نسبة الشباب الذين هم عماد كل أمة، وحدثت فجوة سكانية دفعت هذه الدول إلى تشجيع الهجرة إليها بل انقلب الميزان السكاني في هذه الدول فأصبح تزايد المهاجرين أكثر من تزايد سكان البلاد الأصليين، وأدى ذلك إلى نشأة حركات عنصرية تدعو إلى طرد المهاجرين وفي نفس الوقت لا تستطيع دولهم الاستغناء عن هؤلاء المهاجرين؛ لأنهم أساسيون في سوق العمل... وتعقدت المشكلة!!
    لقد انخفضت نسبة الكفاءات العلمية في الدول الغربية؛ بسبب انخفاض نسبة الولادة وانخفاض عدد المتخصصين في الفروع العلمية والتقنية؛ مما يجعلها تبحث عن عقول وكفاءات أجنبية لملء الشواغر، وقد طورت أمريكا هذا العام قانون الهجرة لتسمح لأعداد أكبر من المواطنين غير الأمريكيين والمتخصصين في العلوم والهندسة للعمل والعيش في الولايات المتحدة (عن دراسة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام)
    وفي دراسة عن أثر العزوف عن الزواج وتحديد النسل جاء فيها "بدأت مشاكل الحد من النسل تطفو على السطح في الآونة الأخيرة في بعض الدول التي طبقت نظام تقنين عدد أفراد الأسرة؛ حيث بدأ عدد السكان يتناقص، وأصبح عدد المسنين أكثر من عدد القادرين، وعدد المتوفين في كلِّ عام أكثر من عدد المواليد؛ مما سيجعل تلك الدول تشيخ وتهرم خلال العقود القليلة القادمة، وخير مثال على ذلك الصين واليابان التي أثبتت آخر دراسة فيها أن نسبة المسنين مقارنة بالشباب هناك قد وصلت إلى" 1:3"، وهذا يعني أنه خلال العشرين سنة القادمة سوف يصبح كل اثنين من القادرين يعولان واحدًا من المسنين.
    وهم لا يستطيعون العلاج ولن يستطيعوا فكيف يجبرون الشباب والبنات على الزواج وقد أورثوا فيهم العزوف عنه بأدبياتهم وثقافتهم؟ وكيف يزرعون فيهم الرغبة في إقامة أسرة وهم أول مَن هدموها؟.
    وزد على ذلك انتشار الإيدز والأمراض الجنسية؛ بسبب انتشار الزنا، يقول صلى الله عليه وسلم: "ما فشت الفاحشة في قوم إلا فشت فيهم الأوجاع والأسقام التي لم تكن في أسلافهم".
    وأضف إلى ذلك الانهيار الأسرى وما يتبع ذلك من انتشار إدمان الخمر والمخدرات والعنف وغير ذلك.
    إن بقاء النسل يؤدي إلى توازن سكاني بين الشباب والشيوخ، وتستمر عملية الحياة بمعدلها الطبيعي؛ فكل فئة عمرية لها دورها في إعمار الحياة واستمراريتها، وإن النظر إلى النسل أنه ثروة بشرية يجعل النظم تستفيد منها وتوجهها إلى الخير.
    لقد حاول العدو الصهيوني جاهدًا أن يقضي على الفلسطينيين ويبيدهم بمذابح جماعية، فكيف واجه الفلسطنيون هذا الإجرام.
    لقد تحدثت المرأة الفلسطينية عن دورها في الحرب الدائرة بين اليهود بكامل عدتهم وبين الفلسطينيين مجردين من أسلحتهم فقالت: "إن دورها محدد في بطنها" تعني زيادة معدلات النسل، فماذا كانت النتيجة؟ إن التكاثر السكاني الآن لصالح الفلسطينيين، وتعاني إسرائيل من تزايد "عرب 48" داخل إسرائيل، فقد حددت بعض الإحصائيات أن عدد الفلسطينيين تضاعف سبع مرات منذ عام 1948م حتى الآن مقابل زيادة طفيفة لليهود؛ ما يعني فناء اليهود إن شاء الله.
    وهم لا يستطيعون زيادة نسلهم؛ لأن أفرادهم لا يريدون ذلك؛ لأنهم لم يتربوا على ذلك، بينما يتعبد الفلسطينيون ويجاهدون بزيادة نسلهم، فضلاً عن وسائلهم الأخرى للمقاومة.
    ومن هنا نفهم كيف أن "حفظ النسل" كمقصد من مقاصد الشريعة يُبنى عليه الأفراد وتحفظه النظم والقوانين الإسلامية تحفظ للأمة قوتها وعافيتها، ويبقى لها هويتها، ويكون أحد عناصر نهضتها وتقدمها.

    المقصد الخامس: حفظ المال
    من الأدبيات الخاطئة والمفاهيم المغلوطة عن الإسلام أنه يشجع الفقر ويمدح الفقراء, وهو فهم معكوس لما عليه الإسلام، ففي الإسلام اليد العليا خير من اليد السفلى، وغني شاكر خير من فقير صابر، "وذهب أهل الدثور بالأجور" كما جاء في الأحاديث الشريفة.
    ولكن حينما يمدح الإسلام الفقراء فهو يقصد معيشة الكفاية، وليست معيشة الكفاف، وهو ترغيب للغني في بذل المال، وإنفاقه في أوجه الخير، وعدم السرف والترف.
    وقد شرع الإسلام تشريعات تحفظ للمال دورته الطبيعية في إعمار الحياة ونفع الناس, لا أن يتحول المال إلى وسيلة شقاء وتكريس للطبقية, فتشريعات الإسلام تحول دون أن يكون المال سببًا في تحول المجتمع إلى طبقتين واحدة غنية مترفة وأخرى فقيرة معدمة؛ يقول الله تعالى موضحًا مقاصد التشريعات المالية: ﴿كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ﴾ (الحشر: من الآية 7)، ولذلك حرَّم الإسلام الاحتكار، وبَيَّن صلى الله عليه وسلم قاعدة شرعية "لاضرر ولا ضرار"، وجعل من مهام النظام الإسلامي منع الأغنياء من ظُلْمِ الفقراء، فقال صلى الله عليه وسلم "إنما يشقى الفقراء بصنيع الأغنياء".
    ويُبْنَى الفرد في الإسلام على نظرية خاصة للمال وهي أن المال مال الله، وأنه مستخلف فيه يقول تعالى: ﴿وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ﴾ (الحديد: من الآية 7)، ﴿وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ﴾ (النور: من الآية 33) وشتان بين بناء الإنسان على أنه مستودع هذا المال ينفق فيه بشرع الله, وبناء آخر يُبنى الإنسان على نظرية قارون ﴿إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي﴾ (القصص: من الآية 78)، وهذا ما يحدث الآن، فأصحاب رءوس الأموال يرون المال مالهم حصلوه بجهدهم وفقط، وتتجه التشريعات كلها نحو إنصافهم وتسهيل أمرهم دون النظر لأي عواقب تؤدي إلى احتكار يظلم الفقراء، وإلى تشريعات تجعل المال دولة بين الأغنياء وليس لغيرهم.
    إلى ماذا وصلت النظرية الرأسمالية في إدارة المال؟، وصلت إلى شركات متعددة الجنسيات تتحكم في سياسة دول وتحتكر ولا تسمح لصغير بنمو على أية حال، أدت الرأسمالية المطلقة إلى سيطرة رجال الأعمال على الحكم في كثير من الدول حتى يجعلوا القرار السياسي لصالح القرار الاقتصادي أي لصالحهم هم.
    إن الإسلام جعل المال تحت منظومة تشريعية تخضع لقواعد عديدة منها ﴿وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ﴾ (النساء: من الآية 5) ومنها ﴿كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ﴾ (الحشر: من الآية 7) وربَّى الإسلام الأفراد على أن المال مال الله وهو مستخلف فيه كما وضحت الآيات.
    ولكي أوضح أثر هذا البناء الفردي للإنسان والتشريعي للنظام أضرب مثلا بأثر الإسلام في الإفادة من فائض المال لدى الأفراد.
    لقد فرض الإسلام الزكاة على أصل المال، وسنَّ الصدقة في فضل المال، وحثَّ على صور من الإنفاق؛ منها الصدقة الجارية, والوقف وخلافه؛ فأدى ذلك إلى أن فائض المال لدى الأغنياء يعود نفعًا على المجتمع؛ لأن الغنى تربى على أن المال مال الله وأنه مستخلف فيه، فلا يصح أن ينفق فضل المال في سفه مذموم، ولا يمنع هذا أن الغنى يستمتع بالطيبات من الرزق يقول تعالى: " قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ (الأعراف: من الآية 32)، ويقول صلى الله عليه وسلم: "إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده"، ولكن إذا أخرج الغنى زكاته وتصدق ثم استمتع بالطيبات وفاض المال أيضًا ماذا يفعل، إن الفائض من المال- رغبة في ثواب الله- سيعود على المجتمع في صور عديدة؛ أولها نظام الوقف الذي أوجده الإسلام وهو الصدقة الجارية التي حثَّ عليها رسول الله عليه وسلم، يقول صلى الله عليه وسلم: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث.... صدقة جارية".
    ولهذا انتشر الوقف في المجتمع الإسلامي وكانت كلها أوقاف لصالح المسلمين، فهناك أوقاف أوقفت للإنفاق على المرضى، وأخرى على طلبة العلم، وثالثة على المساجد، ورابعة لتزويج الشباب، وغير ذلك.
    أو قد يفيض المال ولا يقوم أصحابه بالتصدق بأي صورة، وفي هذه الحال سيستثمره في مشاريع مختلفة بما يفتح فرص عمل جديدة ويمنع ظهور البطالة.
    وانظر إلى ما يحدث الآن في ظلِّ غياب تربية إيمانية للأفراد، وعدم وجود تشريعات تمنع السفه والترف المذموم.
    لقد أصبح فائض المال نقمة؛ لأنه ظهرت بسببه طبقة المترفين والتي ذمَّها الإسلام.
    إن ظهور الترف في أمة سبب هلاكها: يقول تعالى (وَإِذَا أَرَدْنَا أن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيْهَا فَفَسَقُوا فِيْهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا القَوْلُ فَدَمَّرْنَاها تَدْمِيْرًا).
    وسأضرب مثلاً واحدًا من مضار هذا "الترف المذموم": إن ما يفكر فيه المترف هو زيادة ترفه ويفكر في جهة أخرى بعض أصحاب المشاريع في المكسب وتحقيق الأرباح وفقط؛ فما هي الفئة التي "فلوسها جاهزة" وأموالها حاضرة، إنها فئة المترفين.
    ولذلك- خذ مثلاً- المشروعات العقارية، لقد اتجهت معظمها إلى بناء شاليهات فاخرة على الشواطئ وقد جعلت كلها لهذه الفئة، وفي الوقت نفسه لا يتم بناء إسكان متوسط التكلفة للشباب المقبل على الزواج أو لمحدودي الدخل فماذا كانت النتيجة؟ أصبح المعروض أكثر من الطلب بعد أن اكتفت فئة المترفين بالشاليهات على السواحل والتي يطلب فيها أضعاف قيمتها ولذلك استهلكت مليارات من الجنيهات في هذه الشاليهات التي لا تسكن إلا نادرًا، في الوقت نفسه الذي يعيش فيه ملايين من البشر في القبور والعشوائيات، هذا في مجال واحد فقط وهو الاستثمار العقاري والذي يتوجه لفئة محدودة؛ لأن "مكسبها مضمون"، وقس على ذلك العديد من المشروعات الغذائية والاستهلاكية الحديثة والتي تتجه كلها لخدمة هذه الفئة دون غيرها، وليمت الفقراء جوعًا طالما أن هناك من يشتري المنتج أو الخدمة بأضعاف ثمنها.
    لقد وصل الأمر إلى أن المرض أصبح يتاجَر به، وأصبحت هناك مستشفيات استثمارية تغالي في الفندقة- الخدمات غير الطبية- من أجل أموال هذه الفئة وليمت محدودو الدخل مرضًا وكمدًا؛ لأنه ضائع بين دولة لا تهتم به ورأس مال لا يعالجه لأنه ليس معه شيء.
    إن من نتائج البعد عن قيم الإسلام أن هناك من يستخرج لهم بطاقات V.I.P أي اختصار شخص مهم جدًّا بالإنجليزية فهؤلاء تقدم لهم كل الخدمات حتى الخدمات الصحية التي من المفروض ألا يفرق فيها بين الناس دون أي إجراءات إدارية وبدون سقف مالي، وأما الآخرون فيظل أحدهم يعاني من المرض عدة أيام بل شهور حتى تنتهي أوراقه، وهذا في أمر من المفروض أن يحصل عليه الجميع بصورة متساوية.
    هذه قضية واحدة في أمر واحد، وهي كيف يستفاد من فائض المال وشتان بين بناء للإنسان على أن المال مال الله سيحاسب على كل قرش فيه، يقول صلى الله عليه وسلم: "لن تزولا قدما عبد حتى يسأل عن أربع.." ومنها "وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟" وبين بناء للإنسان على أن المال ماله ينفقه دون رقيب أو حسيب فيكون الهلاك للجميع.
    ومما سبق يتضح أن البناء الفردي في الإسلام يتسق مع توجهات التشريعات المالية الإسلامية وهذا يؤدي إلى نجاح المنظومة الاقتصادية في التوزيع العادل للثروة والذي به يزول الفقر ويحدث الغنى ولا يكون الترف المذموم بل التكافل المحمود.
    إن ما سبق هو بناء الفرد في الإسلام وكيف يستقيم هذا البناء مع النظام، وكيف يتكامل أثر القانون مع نتاج التربية وكيف تتوافق منطلقات الدولة مع نوازع الفرد وكلها تصبُّ في اتجاه واحد تؤدي إلى رفاهية الفرد وسعادة المجتمع وقوة الدولة.
    فبناء الإيمان وتعميق رقابة الله والجزاء في الآخرة يجعل للقانون الإسلامي نفاذًا وقوةً تنبع من داخل الفرد أكثر من أن تفرض عليه من خارجه.
    وإيجاد دوافع داخل الفرد تتجه كلها نحو عمارة الأرض وإعمار الحياة؛ ما يؤدي إلى توافق بين الفرد والدولة في مشاريع التنمية ونماء الثروة.
    وتربية الإنسان على مقاصد الشريعة تجعل للفرد وللدولة أدوارًا متكاملة متناسقة لا يحدث فيها شذوذ واختلاف، فيصب ذلك كله في نجاح المشروع الإسلامي ويمنع ظهور المشكلات ويحل كثيرًا من المعضلات.
    وبعد بناء الفرد- من ذكر وأنثى- يأتي بناء الأسرة، والتي هي الحلقة الوسطى بين الفرد والمجتمع، والتي هي حجر الزاوية في بناء فرد صالح في الحياة ومجتمع متماسك يفي بنهضة الأمة ورفعتها.

    ----------
    * الأستاذ بجامعة الأزهر.

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس 2 مايو 2024 - 8:33