تقديم
ليس أصعب من أن تحارب خصم خفي ، إلا أن تحارب صاحب حق.
خمسة أعوام تقريبا على ظهور المدونات العربية بشكلها المعروف حاليا ، اختصرت الكثير والكثير من صراخ المؤسسات الحقوقية ، وعناوين ومانشيتات صحف المعارضة ، وأخبار المقدمة في الفضائيات المستقلة.
وخمسة أعوام في عصرنا الحالي قد تضاهي بالتطور الذي تشهده ، خمسة قرون من الماضي ، لذلك وحينما نمد المنطق على استقامته ، فخمسة أعوام على ظهور المدونات ، تعني ظهور جيل جديد من المدونين ، يبدأ من حيث انتهي الجيل الأول ، ويستخدم المدونات والشبكات الاجتماعية على الانترنت بشكل يصعب مواكبته أو الحد من سلاطتة لوحة مفاتيحه.
حينما تتحدث مع أحد المدونين من الجيل الأول عن الحراك السياسي في عام 2005 ، ورغم أن عمر أغلبهم لا يتجاوز الثلاثين ، وعمر هذه الحركة لا يزيد عن خمسة سنوات ، فسوف ينظر إليك شاردا ، ويحاول أن يفتش في ذاكرته عن أحداث يراها البعض قريبة وماثلة في الذاكرة ، ويراها هذا الجيل ممن ساهم في تسليط الضوء عليها وكأنها حدثت في زمن بعيد أو كحدث أعقبته مئات الحوادث والفعاليات التي شارك في صنعها.
كنت كمدير للشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان ضمن المتابعين لهذه الوسيلة” المدونات” التي منحت “بوقا لمن لا بوق له” و”منبرا لمن لا منبر له”، أتابع مدونة منال وعلاء ، وحوليات صاحب الأشجار ، ومحمود اليوسف ، طق حنك ، وجار القمر، وغيرهم من الجيل الأول الذي رسخ أقدامه كجيل مدافع عن الديمقراطية وعن حقه في أن يكتب ما يراه ، بغض النظر عن الخطأ والصواب ، وبلغه لا يعنيه أن يعترض عليها البعض أو يثني عليها البعض الأخر.
وحين ظهر الجيل الثاني ، لم أشعر بالملل على الإطلاق ، بل بت ألهث وأنا أتابع بشغف الإنتاج الغزير لـ “جبهة التهييس الشعبية ، وأنا إخوان ، تحية نضالية ، والصعيدي ، وسعودي جينز” وغيرها من مدونات الجيل الثاني أو هكذا أظن.
ثم تعاقبت الأجيال ، وأصبت بحيرة ،واكتفيت بسؤال واحد “أين هي البداية؟ ” ، لأنني لا أظن أن هناك نهاية ، سواء للمدونين أو لتطور الانترنت وظهور أدواته.
قليلة هي السنوات التي مرت على ظهور المدونات ، غزيرة هي هذه السنوات القليلة في إنتاجها ونتائجها وعددها.
لذلك كان من الضروري أن يؤرخ لهذه الفترة ، ولم يكن أقدر على تأريخ هذه الحقبة التدوينية بكل ما حفلت به من نجاح وما شهدته من كبوات سوى جبرتي المدونات ، أحمد ناجي.
حين قرأت مسودة هذا الكتاب لأساعد في تصحيح بعض التواريخ أو المعلومات ، فوجئت أنني قرأته ثلاثة مرات في يوم واحد ، فهذا كتاب مختلف ، يؤرخ لك ، ويقص عليك ، ويحكي لك كقصة شيقة ، كيف حول هؤلاء الشباب مقولة وشعار “حرية التعبير” إلى حقيقة ، ليس فقط في طرح الأفكار ، أو الهموم أو الآراء ، بل أيضا كيف تجسدت حرية التعبير في لغة هذا التعبير.
يجلسون على حواسيبهم ، وينطلقون في الشوارع ، ويلتقون في المقاهي ، ويتظاهرون في الميادين، ويفضحون على الملأ ، ويدافعون بصلابة عن حقهم ، لذلك كرهتهم الحكومات ، وحاربتهم ، ولم تهزمهم.
فهم أصحاب حق ، وقوتهم في صدقهم.
لن أطيل عليك ، فها هي بين يديك قصة المدونات ، كما رآها وأرخ لها صاحب مدونة وسع خيالك، نقدمها لك ، لنحرضك على أن تنحاز لهؤلاء المدونين ،وتحلم معهم بمجتمع يسمع للمختلف قبل المتفق ، ويناقش قبل أن يحاكم ، ويهتم بالشباب ولا يهملهم..
المقدمة
أنَّ المُدوَّناتِ من بِدَعِ آخرِ الزمانِ ، يحصُلُ فيها الضَّلالُ ، ويحصُلُ فيها الهُدى ، وبينَهما منافعُ كثيرةٌ ، وعلى حَسَبِ وِجهةِ الطَّالبِ يجدُ المطلوبَ . ولا نقصد من وراءِ كتابِنا هذا تبيينَ النافعِ من المُضِلِّ أو الغَثِّ من السَّمينِ ، فهذا أمرٌ متروكٌ لكَ . وإنَّما أردنا من كتابنا هذا أن يكونَ بمثابة دليلٍ مُبَسّطٍ للسَّائلِ عن حَالِ المُدَوَّناتِ ومَشَاربِها . وطموحُنا أن يكونَ تأريخًا موجزًا لصيرورةِ المُدَوَّناتِ في السَّنواتِ الماضيةِ والأحداثِ والتغيُّراتِ التي ساهمت فيها ، سواءٌ كانَ ذلكَ بشكلٍ مُباشِرٍ أو غيرِ مُباشِرٍ ، مُرَكِّزينَ بالأساسِ على حالِ المُدَوَّناتِ المِصريَّةِ وما تشاركت فيها مع غيرها من المُدَوَّناتِ العربيَّـةِ .
سعيًا وراءَ هذا المُبتغى فقد نظَّمنا كتابـَنا على هيئةِ أبوابٍ مُتعاقبةٍ تبدأُ بتعريفِ المُدَوَّناتِ و إيجازِ تاريخِـها . والبابُ الثاني نُبَيـِّنُ فيهِ الدَّورَ المُباشِرَ الذي لعبته المدونات في عددٍ من القضايا ذاتِ الطابع السياسي. أما البابُ الثالثُ فنحاولُ فيه تتبُّعَ تأثيراتِ أثيرِ المُدَوَّناتِ على بعضِ المجالاتِ الثقافيةِ والاجتماعيةِ ، بينما نُخَصِّصُ البابَ الرابعَ لتتبُّعِ علاقاتِ المُدَوِّنينَ أنفسهمْ خارجَ الفضاءِ السَّيبريِّ ، وعلاقاتِهم المتشابكةِ بعددٍ من المؤسَّساتِ المحليـَّةِ والعالميـَّةٍ.
ويطيبُ لنا أن نشكرَ في خاتمة هذهِ “المقدمة” عديداً من المُدَوِّنينَ والباحثينَ الذينَ أمدُّوا الفقيرَ للهِ كاتبَ هذا الكتابِ بالكثيرِ من الدَّعمِ والمعلوماتِ ، آملينَ أن يكونَ هذا الكتابُ منارةً في بحارِ الإنترنت ، وأداةً تجلبُ – ولو قدرًا ضئيلاً من المتعةِ والمنجهةِ الذِّهنيَّةِ – نورمندي تو. سيري على بركةِ الله .
مَـفاتيحُ أساسِيَّـةٌ و فَذلَكَـةٌ تاريخـيَّةٌ
دَوَّنَ .. تَدوِين .. مُدَوَّنـَة
عُرِفَت الكلمةُ باللغةِ الإنجليزيةِ في البدايةِ باسمِ weblog وهي مُرَكَّبةٌ من كلمتينِ web بمعنى شبكة و log بمعنى سِجِلّ ، أي “سِجِلّ الشَّبكة” لتُختَصَرَ بعدَ ذلكَ إلى blog فقط . وقد عُرِفَت الكلمةُ باللغةِ العربيةِ تحتَ عددٍ من المُسَمَّياتِ ( بلوج ، بلوغ ، بلوك ، مُعَلَّقة ) حتَّى تمَّ الاستقرارُ على كلمةِ ” مُدَوَّنـَة ” المُشتَقَّةِ من الفعلِ دَوَّنَ
يُقصَدُ بالمُدَوَّنـَةِ1 تقنيةٌ للنَّشرِ عبرَ الإنترنت ، تعملُ من خلالِ نظامٍ بسيطٍ لإدارةِ المُحتوَى ، عبارة عن صفحةِ ويب على الإنترنت تظهرُ عليها تدويناتٌ (مُدخَلات) مؤرَّخةً ومُرتَّبةً ترتيبًا زمنيًا تصاعُدِيًّا ، يُنشَرُ منها عددٌ محددٌ يتحكَّمُ فيه مديرُ أو ناشرُ المُدَوَّنةِ ، كما يتضمَّنُ النِّظامُ آليةً لأرشفةِ المُدخَلاتِ/ الـتَّدويناتِ القديمةِ ، ويكونُ لِكُلِّ مُدخَلَةٍ منها مسارٌ دائمٌ لا يتغيَّرُ مُنذُ لحظةِ نَشرِها ، يُمَكِّنُ القارئَ من الرُّجُوعِ إلى تدوينةِ مُعيَّنةِ في وقتٍ لاحقٍ ، عندما لا تعودُ مُتاحةً في الصَّفحةِ الأولى للمُدَوَّنةِ ، كما يضمنُ ثباتَ الرَّوابِطِ ، و يَحولُ دونَ تحلُّلِها . كلُّ هذا يتمُّ من خلالِ آليَّةٍ تقنيَّةٍ تتميَّزُ بالسُّهولةِ ، إلى جانبِ عددٍ من التـِّقنياتِ المُسَاعِدَةِ مثلَ تِقنيةِ RSS التي تهدفُ إلى تسهيلِ مُتابعةِ التَّحديثاتِ التي تطرأُ على المُحتوَى المَنشورِ دونَ الحاجَةِ لزيارةِ المواقعِ بشكلٍ دورِيٍّ ، ودونَ الحاجةِ للاشتراكِ في قوائم بريديـَّةٍ ، وخدمات أخرى للرَّبطِ بينَ المُدَوَّناتِ ، إلى جانبِ الخَاصِّـيَّةِ الأهَمِّ وهي التـَّعليقات التي تُحَقِّقُ الـتَّفاعُلَ بينَ المُدَوِّنينَ والقُرَّاءِ .
تأخذُ المادةُ المنشورةُ على المُدَوَّناتِ شكلَ نُصوصٍ مكتوبةٍ على حَسَبِ اللغةِ التي يُفَضِّلُها الكاتب، لكنَّ هناكَ أنواعًا أخرى من المُدَوَّناتِ لا تعتمدُ على النَّصِّ المكتوبِ ، وتستخدمُ وسَائِطَ أخرى ، مثلَ الصُّورِ / photoblog، الرسوماتِ / sketchblog، الفيديو/ vlog، و الصوت/ podcasting.
و تـُقَدَّمُ خدمةُ المُدَوَّناتِ من خلالِ عددٍ من المواقعِ ، على رأسِها بلوجسبوب blogspot.com2، وُرد برِسّ 3 .wordpress.com، مكتوب4 maktoob.com، كاتب5 katib.org ، إلى جانبِ مواقعِ الاستضافةِ الخاصَّةِ ، حيثُ يقومُ بعضُهم بشراءِ مساحاتٍ على بعضِ الخوادمِ ، وأسماءِ نطاقاتٍ خاصَّةٍ مثل manalaa.net.
ولتبسيطِ هذهِ الجوانبِ التـِّقنِيَّةِ في عالمِ المُدَوَّناتِ ، قامَ العديدُ من المُدَوِّنينَ بكتابةِ كُتَـيِّباتٍ إلكترونية تشرحُ بالتفصيلِ كيفيةَ إنشاءِ المُدَوَّنةِ ، وتقديمِ الخطواتِ التقنيةِ التي يجبُ اتـِّباعُها لإنشاءِ المُدَوَّنةِ ، وأبرزُ هذهِ الأدلَّةِ كُتَـيِّبُ “ألفباء التدوين” الذي يمكنُ تحميلُه من : [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
العَصرُ الجليدِيُّ الأوَّلُ
“وضعت أمامي زجاجة البراندي نصف الممتلئة—نصف الفارغة كي لا أفقد المعنى—وسبعا وثلاثين قرص دواء زهري اللون. لا أعرف نوع الدواء حقا، ولكن لا بد أنه في عمر فتاة مراهقة الآن، فقد مر وقت طويل منذ أن بيعت عبوة المائة قرص لأي دواء بخمسة عشر قرشا.
هل هذا ما أريده فعلا؟ لا يتوقع الجميع من شخص على وشك أن ينهي حياته أن يفكر في حلول لمشاكل المحرومين في العالم.”
من مُدَوَّنةِ حوليَّاتِ صاحبِ الأشجارِ6
من الصَّعبِ تحديدُ لحظةِ البدايةِ مثلما يصعُبُ تحديدُ لحظةٍ للنهايةِ . والأصعبُ أن نشيرَ لمُدَوَّنةٍ ما بعينها ونقول إنها أولُ مُدَوَّنة ، لكن على حَسَبِ المروِيَّاتِ التاريخيةِ ، واعتمادًا على الوثائقِ المحفوظةِ على موقعِ “أرشيف الانترنت” 7 فعمرو غربية هو أولُ مُدَوِّنٍ مِصريٍّ عربيٍّ أنشأ مُدَوَّنةً ، وكانت في البدايةِ باللغةِ الإنجليزيةِ عام 2002 ، بينما يحتلُّ أخوه أحمد غربية المرتبةَ الأولى بمُدَوَّنته “طَيّ المتَّصَلِ”8 أول مُدَوَّنةٍ باللغةِ العربيةِ والتي بدأها في نوفمبر 2003. وبعيدًا عن المروِيـَّاتِ التاريخيَّةِ ، فهناكَ مُدَوَّنةُ “حواديت” لرحاب بسَّام ، والتي بدأتها كما هو مُسَجَّلٌ في أرشيفِ المُدَوَّنةِ عام 2000 باللغةِ الإنجليزيةِ ، وتَطلَّبَ الأمرُ منها أربعَ سنواتٍ حتَّى 2004 لتنتقلَ إلى الكتابةِ باللغةِ العربيَّةِ . لكنَّ الأهمَّ من تحديدِ البداياتِ ومنحِ ميدالياتِ المراكزِ الأولى ، هو التوقُّفُ عندَ أوَّلِ تجمُّعاتِ المدونينَ المصريينَ .
فالمُدَوَّناتُ ، وعلى عكسِ وسائلِ النَّشرِ والتَّواصُلِ التي كانت موجودةً على الإنترنت قبلَها (غُرَف الشَّات ، المنتديات ، المجموعات البريديَّة ) ليست غُرفةً واسعةً يلتقي فيها الأشخاصُ معَ بعضِهم البعض ، لكنَّها مساحةٌ وحيِّزٌ خاصٌّ ، غرفةٌ تَخُصُّ المرءَ وحدَه . وتأثيرُ المُدَوَّناتِ وفعالياتِها ينبعُ من عملياتِ التَّشارُكِ التي تنتجُ بينَ المُدَوِّنِ والأحداثِ والتَّفاصيلِ التي يُدَوِّنُ عنها من جهةٍ ، وبينَ المُدَوِّنِ وقُرَّائه الذين قد يتركون تعليقاتِهم لديهِ ، والذينَ قد يكونوا مُدَوِّنينَ آخرين . وهكذا فقد ظهرت هذه الفاعليَّةُ للمرَّةِ الأولى من خلالِ ما يُعرَفُ بحلقةٍ المُدَوِّنين9 والتي أسَّسها “أحمد حلمي/ Hellme” المُدَوِّنُ المِصرِيُّ الذي كانَ يعيشُ في إنجلترا .
كان الهدفُ من الحلقةِ / الموقعِ أن يكونَ بمثابةِ دليلٍ للمُدَوَّناتِ المِصريةِ ، سواءٌ تلكَ المكتوبة باللغةِ العربيةِ / الإنجليزيةِ / الفرنسيةِ أَم بغير ذلك من اللغات . وبسرعةٍ تحوَّلَ الموقعُ إلى واحةٍ صغيرةٍ تضُمُّ بعضَ المُدَوَّناتِ القليلةِ التي ظهرت في 2004 و2005 ، وقد ساعدَهُ أحمدُ غربية في تصميمِ مجموعةٍ من الأزرارِ التي يمكنُ وضعها على المُدَوَّناتِ المِصريَّةِ كرابطٍ لموقعِ حلقةِ المُدَوِّنينَ ، وكختمِ دمغة على مِصريَّةِ المُدَوَّنةِ .
حالت مِصرِيَّةُ الرَّابِطةِ دونَ وجودِ مُدَوَّناتٍ أخرى عربيةٍ بدأت في الظهورِ ، وهكذا نشأ تجمُّعٌ آخرُ هو ” الشَّاملُ في المُدَوَّناتِ العربيةِ “10 بِمُبادرةٍ من إيهاث11 والدوك راء12. وعلى خلافِ حلقةِ المُدَوِّنينَ المِصرِيينَ فلم يكُن الشَّاملُ موقعًا مُتكامِلاً ، بل صفحة مُدَوَّنة على موقعِ بلوجر ، تُحَدَّثُ بانتظامٍ بجديد المُدَوَّناتِ . ولأنـَّها مُدَوَّنةٌ فقد كانت هناكَ إمكانيةُ أن يُشارِكَ في تحريرِها العديدُ مِنَ المُدَوِّنينَ الآخرينَ 13، الذين كانوا يُضيفونَ مُدَوَّناتٍ أخرى ، أو يكتبونَ تقاريرَ صغيرةً عن عالمِ المُدَوَّناتِ الذي بدأ في التشكُّل . لكن بدأت تظهر مشكلةٌ أخرى ، يمكنُ اعتبارُها أولَ مُواجَهَةِ للمُدَوَّناتِ معَ حُرِّيـَّةِ الرَّأي والتـَّعبيرِ على الإنترنت.
ففي أكتوبر 2005 ظهرت مُدَوَّنةُ “ابن نواس”14 و التي وضعَ صاحبُها له تعريفًا بسيطًا “الجنس هو الغريزة التي تتفق عليها سائر المخلوقات” ، كانت أغلبُ تدويناتِ ابن نواس ذاتَ طابعٍ جنسيٍّ . يقفُ على الهامشِ بينَ البورنوغرافيا ، والنقدِ الاجتماعيِّ .
دارت مجموعةٌ من المُناقشاتِ بينَ المُشرفينَ على مُدَوَّنةِ الشَّاملِ حولَ إضافةِ المُدَوَّنةِ في الدَّليلِ و عدمِ إضافتِها . انتهت المناقشاتُ بقرارِ المُشرِفينَ على دليلِ الشَّاملِ بعدمِ إضافةِ المُدَوَّنةِ 15.
في النِّهايةِ ، الشَّاملُ كانت مُدَوَّنةً جماعيَّةً ، مِلكِيَّـتُها تعودُ للأشخاصِ القائمينَ عليها ، واختيارُ ما يريدونَ وضعَه وما لا يريدونَ وضعَه ، لكنَّ هذهِ الأزمةَ العابرةَ وما تَبِعَها من نِقاشاتٍ في عددٍ من المُدَوَّناتِ في ذلك الوقت ، كانت بمثابةِ إشَارةٍ واضحةٍ إلى أنَّ الحاجزَ الذي ستسعى المُدَوَّناتُ لتوسيعِهِ باستمرارٍ ، وكَسرِه وتجاوزِه هو حاجزُ حُدودِ حُرِّيـَّةِ الرَّأي والتـَّعبيرِ .
العَصرُ الجليدِيُّ الثَّاني
“قبل ثلاثه16 أسابيع كنت أشعر بالإحباط نتيجة عدم وجود بلوجات بالعربي. فقد مرت سنه علي بداية كتابتي للبلوج بالإنجليزي وأنا من متابعي البلوجات العراقيه بشكل مستمر ولاكن كلها بالإنجليري. كنت أشعر بالأسف علي نفسي وعلي حال الأمه العربيه وعلي حال اللغه العربيه. لماذا لايوجد بلوجات بالعربي؟ لماذا كل العرب يختارون الكتابه بالإنجليزي؟ وبعدها قلت لنفسي” بدل ما تلعن الظلام ولع شمعه ولو خافته”. قررت أن أبتدئ الكتابه بالعربي وبعدها بأيام أكتشفت عده بلوجات عربيه أعجبتي. وخلال أيام تحول الإحباط إلي أمل. وأصبحت أحلم أحلام كبيره. لربما أصبحت إيهاث وغيرها من رواد ضاهرة البلوجر في العالم العربي.”
من مُدَوَّنةِ إيهاث17
القفزةُ في تجمُّعاتِ المُدَوِّنينَ كانت مع ظهورِ مُدَوَّنةِ علاء ومنال18 في عام 2004. فعلاء لم يلجأ في إنشاء مُدَوَّنته إلى استخدامِ المواقعِ المجَّانيةِ . بل استفادَ من خبرته ودرايته بالبرمجيَّاتِ المفتوحةِ ، وأنشأ مُدَوَّنةً على حسابٍ خاصٍّ ، وباستخدامِ تقنيةِ نشرٍ جديدةٍ مُغايرَةٍ ، وهي تِقنيةُ دروبال/ Durpal. استفادَ علاءُ من الإمكانيَّاتِ التي تُوَفِّرُها هذه التِّقنيةُ ، وعلى رأسِها تِقنيةُ rss التي تسمحُ بإضافةِ عددٍ من المُدَوَّناتِ أو المواقعِ المُهِمَّةِ ، ومُتابَعَةِ الجديدِ على هذهِ المواقعِ بشكلٍ دورِيٍّ . وبطبيعةِ الحالِ فقد كان الزوجانِ يضيفان المواقعَ التي يهتمَّانِ بها . وهو الأمرُ الذي حوَّلَ مُدَوَّنتهُما إلى مركزِ تجمُّعٍ أساسِيٍّ لِكُلِّ المُدَوِّنينَ ، أو المُهتَمِّينَ بِمُتابعةِ المُدَوَّناتِ .
فمِن خلالِ زيارةِ مُدَوَّنةِ منال وعلاء كان يمكنُ معرفةُ الـتَّدويناتِ الجديدةِ على كُلِّ المُدَوَّناتِ المِصرِيَّةِ . الأمر الذي رفعَ من نسبةِ زوَّار المُدَوَّنةِ ، و وثَّقَ العلاقاتِ بينَ المُدَوِّنينَ وبعضهم البعض. والتي انتقلَ بعضُها من علاقاتٍ في الواقعِ الافتراضيِّ إلى علاقاتِ صداقةٍ أو معرفةٍ في الحياةِ الواقعيَّةِ .
يجبُ أن نُوَضِّحَ هنا أنَّ المُدَوَّناتِ في تلكَ المرحلةِ لم تكن في بؤرةِ الضَّوءِ الإعلاميِّ بعدُ . وكُتَّابُها وقراؤها في الأغلبِ كانوا مجموعةً من خريجي الجامعاتِ الذينَ يُتقِنونَ التعاملَ مع الإنترنت ، ولديهم وجهاتُ نظرٍ ، ومواقفُ سياسيَّةٌ ، أو ثقافيَّةٌ ، يسعونَ لطرحِها من خلالِ المُدَوَّناتِ . هم بقدرٍ من المبالغةِ نُخبةٌ شَابـَّةٌ من الطَّبقةِ المتوسِّطةِ ، وبالرُّغم من أنَّ هذا الـتَّبسيطَ يبدو مُخِلاًّ ، وغيرَ مُوَثَّقٍ بشكلٍ عِلميٍّ ، لكنَّ هذهِ الرؤيةَ يمكنُ العثورُ على دلائلَ مؤكِّدة لها ، في الاستبيانِ الذي أجراه ميلاد يعقوب عن حركةِ التـَّدوينِ المِصرِيَّةِ .19 عام2005.
العَصرُ الدّيناصُورِىُّ
اشتركنا سوية في حب الفتاة ذاتها، و لكن ليس في الوقت ذاته، اقتربت منها بعد ان تركها محطمة لنبدأ قصة فاشلة اخرى للفتاة المسكينة، إلا أنني لسبب ما رغبت في مساعدته عندما كان يستفسر عن عمل، ورددت على تساؤلاته الغبية على غرار : ” عندما أصل أي بلد عربي للعمل فسأستخدم جواز سفري الأردني ليعرفوا أنني عربي و يحسنوا معاملة أخيهم في العروبة…”
ايه العبيط ده؟
مِن مُدَوَّنة طقّ حَنك20
في 2005 أعلنَ21 الرئيسُ محمدُ حُسني مُبارك عن تعديلِ الدُّستورِ ، بحيثُ يسمحُ بترشيحِ أكثر من مُرَشَّحٍ لمنصبِ الرَّئيسِ ، هذا الإعلانُ الذي كانَ من مُحافظةِ المنوفيةِ الجميلةِ النظيفةِ المتطوِّرةِ ، تَبِعَـهُ حِرَاكٌ سياسِـيٌّ كبيرٌ ، ترادَفَ معَ ظهورِ حركاتِ احتجاجٍ شعبيَّةٍ مختلفةٍ ، على رأسِها حركةُ “كِفاية” ، وكانَ من الطبيعيِّ أن يتفاعلَ المُدَوِّنونَ معَ هذا الحِراكِ الذي بدأ كَكُرَةِ ثلجٍ أخذت تكبرُ بتوالي الأيامِ والأحداثِ ، حيثُ تلى تعديلَ الدستورِ انتخاباتُ الرِّئاسةِ ثمَّ انتخاباتُ مجلسِ الشَّعب ، ثمَّ احتجاجاتُ القُضاةِ على تزويرِ الانتخاباتِ ، وقد تفاعلَ المُدَوِّنونَ معَ كُلِّ ذلك ، مِن خِلالِ ما يكتبونه وينشرونه على مُدَوَّناتهم ، في وقتٍ كانت ظاهرةُ الجرائدِ المُستقِلَّةِ في بدايتها ، وعَاصِفةُ برامجِ “التـُّوك شو” المصرية على القنواتِ الفضائيةِ لم تبدأ بعدُ ، وكُـلُّها عواملُ جعلت من المُدَوَّناتِ مساحةً إعلاميَّةً للتعبيرِ عن المسكوتِ عنهُ في وسائلِ الإعلامِ الأُخرى .
لذلكَ حفلتْ مُدَوَّناتُ تلكَ الفترةِ بالكثيرِ من التـَّعليقاتِ السِّـيَاسيَّةِ المُعَارِضَةِ للنِّظَامِ الحَاكِمِ ، وتدرَّجت في لهجَتِها ومُستوياتِ خطابها من النـَّقدِ الموضوعيِّ القائمِ على التحليلِ السياسيِّ ، كما في تدويناتِ طقّ حَنك ، وحتى النـَّقدِ المُعَارِضِ الذي لا يتورَّعُ عن استخدامِ ألفاظٍ قد يراها البعضُ خَارِجةً أو إباحيَّةً ، كما في تدويناتِ علاء على مُدَوَّنة علاء ومنال كمثالٍ ، وهو الأمرُ الذي جذبَ الكثيرَ من القُرَّاءِ إلى المُدَوَّناتِ ، القُرَّاء الذينَ تحوَّلوا بعدَ ذلكَ إلى مُدَوِّنينَ . مما وسَّعَ من قَاعِدَةِ التَّدوينِ المِصرِيِّ .
في الوقتِ نفسهِ أصبحَ التدوينُ محلَّ اهتمامٍ من قِبَلِ وسائلِ الإعلامِ الأخرى ، سواءٌ أكانت مَحلِّـيَّةً أو عالمـيَّةً ، فعلى المستوى العالميِّ جذبت مُدَوَّناتٌ عراقيَّةٌ ظهرت بعدَ الاحتلالِ الأمريكيِّ للعراقِ -كمُدَوَّنة خالد جرار22 وغيرها من المُدَوَّناتِ العراقيةِ – اهتمامَ الجرائدِ والصُّحُفِ العالميَّةِ والعربيةِ ، الأمر الذي جعلَ جهادَ الخازن في جريدةِ الحياةِ اللندنيةِ يخصِّص سلسلةً من المقالاتِ مُعرِّفًا بالمُدَوَّناتِ وما يُكتَبُ بها ، وفي مِصرَ كانت إشَارةُ محمدِ حسنين هيكل إلى مُدَوَّنةِ “بهيَّة”23 بمثابةِ بقعةِ ضوءٍ جعلت العديدَ من وسائلِ الإعلامِ تهتمّ بمتابعةِ المُدَوَّناتِ ، والتعاملِ معها كوسائلِ إعلامٍ مُنافِسَةٍ
الاتـِّساعُ في قاعدةِ المُدَوَّناتِ ، والضوءُ الإعلاميُّ الذي تسلَّطَ عليها في تلكَ الفترةِ ، سَاهما في ظهورِ ما يُعرَفُ بظاهرةِ المُدَوِّنِ النَّجم أو ما يُمكِنُنا تسميتُه – بشيءٍ من الْمُبَالغةِ السَاخِرةِ – بالمُدَوِّنِ الديناصور . فقد كانَ من الصَّعبِ على الإعلامِ أن يركِّزَ على خمسةِ آلافِ مُدَوَّنةٍ مِصرِيـَّةٍ ، ومثلها في العددِ عربيَّة التـَّوَجُّهِ ، لكن من بين هذا العددِ اختارَ الإعلامُ المُدَوِّنينَ الذينَ لا يجدونَ مشكلةً في كشفِ هُوِيَّتهم الشَّخصيَّةِ ، وتركِّز كتاباتهم على الشأنِ العامِّ ، ويفضَّلُ لو كانت لهم ممارساتٌ سياسيةٌ كأنْ يكونوا أعضاءَ في حركاتٍ سياسيةٍ معينةٍ ، أو ناشطينَ سياسيينَ يشاركونَ في المظاهراتِ والاعتصاماتِ .
ساهم في هذا رغبةُ عددٍ من المدونينَ في تحويلِ اهتمامِهم بالشأنِ العامِ من مجرَّدِ التعبيرِ عن أفكارِهم على صفحةِ المُدَوَّنةِ إلى النزولِ بهذهِ الأفكارِ إلى الشَّارعِ 24. وهكذا ظهرَ المُدَوِّنُ الديناصورُ/ النجم الذي يظهرُ في القنواتِ التلفزيونيةِ ويتعرضُ للمُضايقاتِ الأمنيةِ ، ويستحوذُ على اهتمامِ وسائلِ الإعلامِ . وهو الأمرُ الذي أضفَى على التَّدوينِ نوعًا من الوجاهةِ الاجتماعيةِ ، شجَّعت الكثيرينَ على ممارستِه ؛ بحثًاعن نوعٍ من تحقيقِ الذَّاتِ ، أو حتى كفرصةٍ للتعبيرِ عن آرائه في الشَّأنِ العامِّ، بمختلفِ تجلِّياتِه.
عَصرُ الفَيَـضَان
“ بعد ربع ساعة ، وعندما لاحظت أستاذتي أنني أنظر لها بتركيز شديد وبدون أن يطرف لي جفن، وأنها تتكلم وأنا لم أُخرج كراستي بعد أو أضع السماعات حتى، أوقفت التسجيل وسألت: “في إيه يا رحاب؟” ففتحت فمي فلم يخرج سوى: “أنا خايفة أوي”.
من مُدَوَّنةِ حواديت25
انتهى الحِراكُ السِّياسيُّ على النتيجةِ المُعتادةِ ، وهي “يبقى الوضعُ كما هو عليه” ، الأمر الذي ظهرَ تأثيرُه في عالمِ المُدَوَّناتِ ، متمثلاً في إحباطِ البعضِ والتوقُّفِ عن الكتابةِ ، كَحَالةِ “محمد” صاحبِ مُدَوَّنةِ طقّ حَـنَك26، أو تحوُّلِ عددٍ من المُدَوَّناتِ من الكتابةِ في الشَّأنِ السياسيِّ إلى الكتابةِ في الأدبِ أو القضايا الاجتماعيةِ والثقافيةِ ، لكنَّ ما سبقَ لم يقلِّل من تركيزِ المُدَوَّناتِ على الوضعِ العامِّ أو السياسةِ ، بل سمحَ بظهورِ أطيافٍ وصورٍ أخرى للتدوينِ ، خصوصًا وقد اتَّسعت قاعدةُ التَّدوينِ ، لا في مصرَ فقط بل في معظمِ الدولِ العربيةِ .
بإطلالةٍ سريعةٍ على مجرَّةِ التـَّدوينِ من عام 2006 حتَّى الآن ، يُمكِنُنا أن نلاحظَ كيفَ أصبحت المُدَوَّناتُ تركِّزُ في حملاتها وكتاباتها على قضايا نوعيَّةٍ واجتماعيَّةٍ ، أصبحت تحتلُّ صدارةَ الخِطَابِ التـَّدوِينيِّ ، كالتَّحرُّشِ الجِنسيِّ ، وأوضاعِ المرأةِ ، و العلمانيةِ ، وتحديثِ الخِطابِ الدِّينيِّ في المُدَوَّناتِ الخليجيةِ ، القضايا الحقوقية في المُدَوَّناتِ المغربيةِ ، وفي قلبِ هذا كلِّه نجحت المُدَوَّناتُ الأدبيةُ في جذبِ العديدِ من القُرَّاءِ ، واستحوذت على أكبرِ قدرٍ من الاهتمامِ ، خصوصًا بعدما تحمَّسَ عددٌ من دُورِ النَّشرِ لتحويلِها إلى كتبٍ مطبوعةٍ ، كما في حالةِ سلسلةِ مُدَوَّناتِ الشُّروقِ ، بل وصلَ الأمرُ إلى إنشاءِ دُورِ نشرٍ – خِصِّيصًا – لنشرِ المُدَوَّناتِ ورقيًّا كما في حالةِ دارِ دَوِّن .
أما أهمُّ ملامحِ العصرِ الفيضانيِّ ، فهي تزايُدُ استخدامِ المُدَوَّناتِ لوسائلِ النَّشرِ الأخرى ، كالصورِ والفيديو ، حيثُ ترافقَ هذا العصرُ معَ ظهورِ تقنياتٍ جديدةٍ في التلفيوناتِ المحمولةِ ، ودخولِ خدمةِ الجيلِ الثالثِ إلى شبكاتِ المحمولِ في مصرَ ، وعددٍ آخر من الدولِ العربيةِ ، وهكذا انفتحت أكثرُ القنواتِ الواصلةِ بينَ الإنترنت والموبيل ، الأمر الذي مهَّدَ الطريقَ بعدَ ذلكَ لظهورِ فيديوهاتِ التعذيبِ ، التي لعبت دورًا كبيرًا في تسليطِ الضوءِ الإعلاميِّ على قضايا التعذيبِ داخلَ أقسامِ الشُّرطةِ في مصرَ ، وكانَ هذا بمثابةِ خطوةٍ أولى أدَّت إلى مُحاكَمَةِ ضُـبَّاطِ الشُّرطةِ الذينَ شاركوا في ممارسات تعذيبٍ ضِدَّ مواطنينَ مصريينَ .
أما في العالمِ العربيِّ، فقد ظهرَ في المغربِ “القنَّاص”، والذي نجحَ من خلالِ مجموعةٍ من الفيديوهاتِ التي رفعها على الإنترنت في الكشفِ عن بعضِ مظاهرِ فسادِ السُّلطةِ المغربيةِ ، حيثُ أظهرت فيديوهاتُ القنَّاصِ بعضَ رجالِ الشُّرطةِ والمرورِ المغاربةِ ، وهم يتقاضونَ رشاوَى مالِـيَّةً من عددٍ من السائقينَ .
شَهِدَ العصرُ الفيضانيُّ أيضًا ظهورَ مجموعاتِ المُنشَقِّينَ من المنتدياتِ العاطفية ، فالمجرَّةُ التدوينيَّةُ الكبيرةُ انقسمت إلى مجموعاتٍ شمسيةٍ صغيرةٍ ، وبعضُ هذه المجموعاتِ كانَ مُنغلقًا على ذاتِه. ويحدثُ هذا في الغالبِ نتيجةَ قيامِ بعضِ أعضاءِ المنتدياتِ بافتتاحِ مُدَوَّناتٍ شخصيةٍ ، لكنَّهم يتعاملونَ مع المُدَوَّناتِ كما يتعاملونَ مع المنتدى ، فلا يزورونَ إلا مُدَوَّناتِ بعضهم البعض ، ولا تزيدُ طبيعةُ الموضوعاتِ التي يكتبونها عن البرقيَّاتِ الاجتماعيةِ ، أو ما يُعرفُ بـ “التـَّاج” حيثُ الزَّهرةُ البريَّةُ تسألُ الفارسَ الأسودَ عن لونِه المُفَضَّلِ ، والفارسُ الأسودُ يكتبُ تدوينةً يسألُ فيها “حزينة على طول” عن أصعبِ موقفٍ مرَّت به ، الذي نكتشفُ حينما نقرأ تدوينتها أنه كان يومَ أن أجرَت عمليةَ اللوز ! لكن حتى هذه المجراتِ الصغيرة من المُدَوَّناتِ التي كانت ترتبطُ بشبكةٍ من الصداقاتِ البريئةِ والعلاقاتِ الاجتماعيةِ ، أخذَ بعضُها منحنىً اجتماعيًّا خارجَ الفضاءِ السيبريِّ ، حيثُ ظهرت تجمُّعاتُ المدونينَ الذينَ يقومونَ بزيارةِ مرضى السرطانِ ، أو ملجأً للأطفالِ الأيتامِ وغيرها من الأنشطةِ الخيريةِ ، ثمَّ يقومونَ برفعِ صورِهم ، وهم يمارسونَ تلكَ الأنشطة على مُدَوَّناتهم .
العَـصرُ الفيسـبُكِّيّ
” سافر التدوين بجيلنا أعواما للأمام صنع زعامات شابة – بعضهم فقط يستحق ـ وهدم العديد من المسلمات، وجاء الـ «فيس بوك» خطوة إضافية في المضمار نفسه، جمع قطع «بازل» المدونات في شبكة واحدة، أصبح التواصل أسرع والأفكار أكثر حرية وانطلاقا.. وكان الإضراب: إضرابا حقيقيا تلاه آخر «كده وكده» اندهشت الداخلية وتخبطت ودارت كاميرات الفضائيات، ووجدت الأقلام ما تملأ به الصحف، ولكن أبدا لم يشعر أحد بالمرارة التي نحملها في حلوقنا، بقسوة الفشل الذي لازمنا، وبمرارة التسليم بالهزيمة قبل انتهاء المباراة.. إضرابان انتهيا وكتبا معهما كلمة النهاية لجيل فشل في معارك مصيرية ترتبط بالغد، فشل في معركة التعديلات الدستورية في المادة «٧٦» في أزمة القضاة في قانون الإرهاب، ومعارك أخري كثيرة معارك تستمد أهميتها من ارتباطها بمستقبل هش وبقبضة حديدية تزداد صلابتها مع كل خسارة.
نحن جيل خرج من ملعب الأحداث، ويستعد خلال الأيام المقبلة للجلوس علي مقاهي الفشل في وسط البلد، يقبض علي «لي» الشيشة بقوة ويشرب الشاي «أبونعناع» ويتحدث بكل «حكمة» عن شباب فشلوا لأنهم لم يصلوا إلي الـ «حكمة».. لم يصلوا إلي أنه ليس بالتدوين والـ «فيس بوك» وحدهما يصنع المستقبل”
من مُدَوَّنة المواطن رجب27
رغم إنَّ مواقعَ الشبكاتِ الاجتماعيةِ ظهرت على الإنترنت منذُ بدايةِ الألفيَّةِ ، ومنها موقعُ الفيسبوك إلاَّ أنَّ الأخيرَ زادت شَعبِيَّـتُه في مصرَ والدولِ العربيةِ معَ عامِ 2007.
لعبَ الفيسبوك دورًا مهمًّا في تكوينِ شبكاتٍ اجتماعيةٍ صغيرةٍ تجمعُ ذوي الاهتماماتِ المشتركةِ ، وعلى رأسِها الشبابُ الذينَ يهتمونَ بما هو سياسيٌّ ، وما له علاقةٌ بالشَّأنِ العامِّ . وأثبتَ الفيس بوك فاعليةً أكبرَ من بقية تطبيقات الانترنت في تنظيمِ الفعالياتِ السياسيةِ ، كالمظاهراتِ والإضراباتِ والاعتصاماتِ ، وظهرَ هذا بقوَّةٍ في مطبِّ الهواءِ الذي يُعرَفُ أحيانًا باعتصامِ 6 أبريل.
هذه الفاعليةُ والقوةُ التي ظهرت في الفيس بوك كانَ من الطبيعيِّ أن تستقطبَ مئاتِ وربما آلاف مستخدمي الإنترنت في مصرَ والبلدانِ العربيةِ ، خصوصًا وأنَّ استخدامَ الفيس بوك أسهلُ كثيرًا من إنشاءِ المدونةِ ، ولا يحتاجُ لكتابةٍ و ” لتّ وعَجن ” ، يكفي وضعُ مجموعةٍ من الصورِ والضغطُ على زر Join لإنشاءِ حملةٍ ما ، أو إثباتِ موقفٍ مُعارضٍ تجاهَ قضيةٍ ، قد تكونُ سياسيةً أو اجتماعيةً .
ومعَ نهايةِ عامِ 2008 ظهرت مجموعةٌ من الآراءِ على المُدَوَّناتِ نفسِها حولَ موتِ التَّدوينِ أو التعاملِ معَه بصفتِه موضةً وانتهت28، وهو ما أثبتت الأيامُ أنه ليسَ بصحيحٍ ، فمازالت المُدَوَّناتُ موجودةً ، وكل يوم تظهرُ مُدَوَّنةٌ جديدةٌ أحدث مما قبلها ، كما أثبتت المُدَوَّناتُ القدرةَ على الاستفادةِ من الألعابِ وتطبيقاتِ الإنترنت الأخرى ، بدايةً من الفيس بوك الذي يستفيدُ منه البعضُ للدعايةِ لمدونتهِ ، وحتَّى موقع تويتر الذي يتعامل معه بعضُ المدونينَ كوسيلةٍ لكتابةِ ونشرِ تدويناتٍ قصيرةٍ وسريعةٍ . ويظهر التنسيق بين المُدَوَّناتِ وغيرها من تطبيقاتِ الإنترنت في الحملاتِ السياسيةِ والاجتماعيةِ ، وآخرُها حملةُ “إعادة هبة نجيب إلى مصر”29 والتي بدأت كحملةٍ على عددٍ من المُدَوَّناتِ ، منها مُدَوَّنة “ما بدا لي” لعمرو عزت ، ثم انتقلت إلى غيرِها من المُدَوَّناتِ ، ثم مجموعة على موقعِ الفيس بوك ، ثم وضع بانر للحملةِ على مجمعِ العمرانيةِ ، وأسطر متناثرة عن الحملةِ على موقعِ تويتر ، ورسائل بريدية بينَ عددٍ كبيرٍ من مُستخدمي الإنترنت . الأمر الذي حوَّل الحملةَ إلى وسيلةِ ضغطٍ شعبيةٍ فرضَت قضيةَ “هبة نجيب” على الإعلامِ والصَّحافةِ ، وكانت النتيجة حصول هبة على حقِّ العودةِ ، ووصولها إلى القاهرةِ . مما يُثبتُ أنَّ كثرةَ وسائلِ النشرِ والتعبيرِ وغيرِها من تطبيقاتِ الإنترنت لا تحاربُ بعضَها البعض ، بقدرِ ما تخدِمُ بعضَها البعض.
حاليـًا وصلَ عددُ المُدَوَّنات إلى 600 ألف ، وذلكَ حسبَ الدِّراسةِ التي أجرتها الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان ونشرت في ديسمبر 2009،30 وحسبَ الدراسةِ ، فمصرُ تحتلُّ المركزَ الأولَ في عددِ المُدَوَّناتِ العربيةِ ، تليها المملكةُ العربيةُ السعوديةُ ، ثم الكويتُ ، ثم المُدَوَّناتُ العربيةُ التي تستخدمُ اللغةَ الإنجليزيةَ ، وتتنوع ما بينَ مُدَوَّناتٍ عراقيةٍ ، أو من جنسياتٍ عربيةٍ أخرى ، تليها المُدَوَّناتُ المغربيةُ التي تستخدمُ في الغالبِ اللغةَ الفرنسيةَ . وذلكَ كما يتَّضِحُ في الشكل التالي اللذي يقدم خريطةَ توزيعِ مجرَّةِ التدوينِ العربيةِ .
في دائِـرَةِ الضَّوءِ من تحتِ الأرضِ إلى فوقِ الأرضِ .. والعكس
“كان نايمان على نفسه أوي، مع انه كان نشيط وبيحب يتحرك كتير، ولكن ممكن السن أثّر عليه. المفروض يتقابلا، محاولة لاعادة الأيام الجميلة
رأها، تَحَمس جداً، وبدأ يدب فيه النشاط، ولكن…هى لن تسطيع أن تمضي وقت طويل معه، يجب أن تذهب مبكراً، يعمل ايه، بعد ما دَب فيه النشاط والحيوية رجع تاني للخمول، طيب خلاص مش عارف أعملك ايه”31
مُدَوَّنة السِّت نعامة
بعدَ التغييرِ الوزاريِّ المصريِّ في يوليو 2004، صاغَ ثلاثمائة من المثقفينَ المصريينَ والشخصيَّاتِ العامَّةِ التي تمثِّلُ الطَّيفَ السياسيَّ المصريَّ بأكملِه وثيقةً تأسيسيَّةً ، تطالبُ بتغييرٍ سياسيٍّ حقيقيٍّ في مصرَ ، و إنهاءِ الظُّلمِ الاقتصاديِّ والفسادِ في السِّـيَاسةِ الخارجيةِ والداخليةِ . كان هذا البيانُ هو النواة الأولى للحركةِ المصريَّةِ من أجلِ التغييرِ “كِـفاية” .
لم تطرح “كِـفاية” رؤيةً متكاملةً للتغييرِ أو إصلاحِ الأوضاعِ ، كما أنها لم تركِّز نضالَها على قضايا جزئيةٍ لتحقيقِ انتصاراتٍ صغيرةٍ . بل كانت أشبهَ بصيحةِ اعتراضٍ مفتوحةٍ ، أو صرخةٍ بكلمةٍ واحدةٍ هى “كِـفاية” ، والبيانُ التأسيسيُّ الذي وقَّع عليه عددٌ كبيرٌ من الـنُّشطاءِ والُمثقَّفينَ والفنانينَ يكشِفُ بسهولةٍ أنَّ “كِـفاية” اختارت الإعلامَ كوسيلةٍ لتسليطِ الضَّوءِ على فعالياتِها وقضيَّـتِها … التي يعلمُ الله وحده هي كانت إيه !
فلم يوضِّح البيانُ طبيعةَ الحركةِ أو هيكلَها التنظيميَّ ، أو على الأقلِّ طريقةً واضحةً لتحقيقِ أهدافِها ، فقط كانَ هناكَ البيانُ الذي تصدَّرَ عناوينَ المحطَّاتِ الإخباريةِ والصُّحُفِ العربيةِ ، تَـبِعَهُ بعدَ فترةٍ طويلةٍ عددٌ من المظاهراتِ الصغيرةِ التي كانت مُحاصَرَةً بحشودٍ من الأمنِ ، وكاميراتِ القنواتِ الفضائيةِ .
لكنَّ الجانبَ الإيجابيَّ في ظهورِ “كِـفاية” كان رفعَ سقفِ الحريةِ ، من خلالِ طرحِ رؤىً تُطالِبُ للمرَّةِ الأولى بتغييرِ الرئيسِ ، وتطالِبُ بمحاسبةِ مسئولينَ ومُقَرَّبينَ من رأسِ السُّلطةِ ، لم تكن أسماؤهم حتى تـُذكَر بالنقدِ في أيِّ وسيلةٍ من وسائلِ الإعلامِ .
على المُستوى التنظيميِّ ، أدَّى عدمُ وجودِ وثيقةٍ تنظيميةٍ إلى اعتمادِ “كِـفاية” على النِّظامِ الشبكيِّ المَرِنِ القائمِ على المبادرةِ الفرديةِ ، والعملِ في مجموعاتِ عملٍ صغيرةٍ . وقد أدَّى انتشارُ “كِـفاية” إلى ظهورِ حركاتٍ نوعيةٍ أخرى مثل ” شباب من أجل التغيير ” ، ” عُمَّال من أجل التغيير ” ، صحفيون من أجل التغيير ” ، ” طلاب من أجل التغيير” وغيرها من الحركاتِ النوعيةِ التي تزايدَ وجودُها في عام 2005 و 2006. كانَ من الطبيعيِّ أن تجتذبَ هذه الحركاتُ ، وعلى رأسِها “كِـفاية” الكثيرَ من المُدَوِّنينَ . على أساسِ أنَّ الصورةَ الأوسعَ للمُدَوِّنينَ هُم الشبابُ أصحابُ الاهتمامِ بالشَّأنِ العامِّ .
انعكسَ خِطابُ “كِـفاية” الصاخبُ المُعارِضُ لمبارك في العديدِ من التَّدويناتِ التي ظهرت في 2005 و 2006 و يمكنُنا ملاحظة ذلكَ بوضوحٍ في بعضِ تدويناتِ علاء على مُدَوَّنةِ منال وعلاء. من ناحيةٍ أخرى دخولُ المدونينَ في تلكَ الحركاتِ السياسيةِ أظهرَ دورًا آخرَ للمُدَوَّناتِ ، وهو تنظيمُ المظاهراتِ والإعلاناتِ عن الفعالياتِ السياسيةِ المختلفةِ .
تطوَّرَ دَورُ المدونينَ من الإعلانِ عن الفعالياتِ السياسيةِ المُعارِضةِ والكتابةِ ضِدَّ النِّظَامِ الحَاكِمِ إلى تنظيمِ المُظاهراتِ والاعتصاماتِ بأنفسهم ، كما أدخل بعض المدونين – أبرزهم عمرو غربية- عددًا من الأنشطةِ ، وطرقِ التظاهُرِ التي لم تكن مُستخدَمةً قبلَ ذلكَ ( إطلاق البلالين/ الضرب على الطبول/ استخدام بعض الآلات الموسيقية)، ساهمَ هذا في إحداثِ نوعٍ من التغييرِ النوعيِّ في طبيعةِ العملِ السياسيِّ والتظاهُرِ في مصرَ -وإن كانَ هذا لم يصاحبهُ للأسفِ تغييرٌ في الكم- يبدو هذا التغييرُ النوعيُّ واضحًا في المظاهرةِ التي أعقبت قيامَ رجالِ الأمنِ بالتحرُّشِ بالصحفيَّاتِ والسيداتِ ، أثناءَ مظاهرتهنَّ ضِدَّ الاستفتاءِ . حيثُ دعت الحملةُ الشعبيةُ من أجلِ التغييرِ، ورابطةُ الأمهاتِ المصرياتِ ، وعددٌ من المُدَوِّنينَ منهم علاء ومنال، نورا يونس، عمرو غربية، وحزبُ الغد32 إلى مظاهرةٍ أمامَ مسجدِ السيدةِ زينب تحتَ شعارِ “لنكنس عليهم السيدة”33 وقد انتشرت الدعوةُ من خلالِ العديدِ من المدوناتِ التي روَّجت لها ، وكانت النتيجة خروج المظاهرةِ بشكلٍ مختلفٍ ، حيثُ ظهر الصندوقُ المربعُ الذي يحملُ رسالةً على كلِّ وجهٍ من أوجهه الأربعة . وحيثُ ظهرت على استيحاءٍ الآلاتُ الموسيقيةُ كأداةٍ للمشاركةِ في المظاهرةِ ، يمكنُ اجتذابُ الجمهورِ من خلالها.
شهدت تلكَ الفترة أيضًا استخدامَ الإنترنت بشكلٍ مُوَسَّعٍ في تغطيةِ المظاهراتِ والفعالياتِ السياسيةِ المعارضةِ التي لم تكن هناكَ تغطيةٌ إعلاميةٌ كافيةٌ لها –هذا إن وُجِدَت أساسًا- في وسائلِ الإعلامِ التقليديةِ ، ولعبَ وائلُ عباس – وقد كانَ في بدايةِ نجوميتهِ – دورًا كبيرًا بكاميرته التي كانت بمثابةِ العينِ الراصدةِ لكلِّ المظاهراتِ والفعالياتِ السياسيةِ المختلفةِ 34، حتى إنه – وبعدَ فترةٍ – شعرَت فيها وسائلُ الإعلامِ ، وعلى رأسِها الصُّحفُ والجرائدُ المستقلةُ بالحـرَجِ من تجاهُلِ هذهِ المظاهراتِ ، حيث وجدت نفسَها مُضطرَّةً لنشرِ أخبارٍ كثيرةٍ عنها ، وفي حالةِ الاحتياجِ إلى صورةٍ فوتوغرافيةٍ ، كان يتم السَّطو على صورِ وائل عباس دونَ حتى الإشارةِ إلى اسمهِ أو احترامٍ لأيِّ حقِّ من حقوقِ الملكيةِ الفكريةِ .
ويمكنُ رصدُ مساهماتِ المدوَّناتِ والمدوِّنينَ في الفيضانِ السياسيِّ في 2005 و 2006 من خلالِ رصدِ نقاطٍ عدة :
1-الكتابة ونقد النظامِ الحاكمِ والمطالبة بتغييرها وطرحِ بدائل وتصوُّرات لما يمكنُ أن يكونَ عليه المستقبلُ في مصرَ .35
2-تنظيم الاحتجاجاتِ السياسيةِ والمظاهراتِ المعارضةِ ، واستغلال المدوَّناتِ في الدعايةِ لتلكَ الفعالياتِ السياسيةِ المختلفةِ ، الأمر الذي ساهمَ بقدرٍ في توسيعِ قاعدتها بينَ الشبابِ وفي اجتذابِ العديدِ من النشطاءِ إلى تلكَ الكياناتِ المُعارِضَةِ .
3- توثيق تلكَ الفعالياتِ السياسيةِ بالصوتِ والصورةِ والكلمةِ ، وتسليط الضوءِ الإعلاميِّ عليها ، الأمر الذي ساهمَ في خروجِ العملِ السياسيِّ المُعارِضِ من دائرةِ العملِ السرِّيِّ ، كاجتماعاتٍ مغلقةٍ في غرفٍ تمتلئ بدخانِ السجائرِ ، إلى نشاطٍ أكثرَ براجماتيةً ، مُعلَنٍ ، أوراقُه مكشوفةٌ للجميعِ ، وقادر على التواصُلِ معَ جميعِ المهتمينَ بالعملِ العامِّ .
4-نقد حركاتِ المُعارَضَةِ في حالِ الاختلافِ عنها ، وعدم التعاملِ معها بصفتِها فوقَ المُساءَلةِ ، ويظهرُ هذا حينما كتبَ علاءُ تدوينتَه الشهيرة “رسالة مفتوحة إلى حركة كفاية” يتساءَلُ عن معنى مُطالبةِ حركةٍ نضالِـيَّةٍ مِصريةٍ بطردِ السفيرِ الدنماركيِّ ؛ ردًّا على ما اعتُبِرَ وقتَها رسومات مُسيئة للرسول – صلَّى الله عليه وسلَّم -.36 بالإضافةِ إلى ما كتبه د. يحيى القزاز بعنوان “نهاية حركة كِفاية في جبل المقطم” ونشره عبد المنعم محمود على مدوَّنته “أنا إخوان”37.
ليس أصعب من أن تحارب خصم خفي ، إلا أن تحارب صاحب حق.
خمسة أعوام تقريبا على ظهور المدونات العربية بشكلها المعروف حاليا ، اختصرت الكثير والكثير من صراخ المؤسسات الحقوقية ، وعناوين ومانشيتات صحف المعارضة ، وأخبار المقدمة في الفضائيات المستقلة.
وخمسة أعوام في عصرنا الحالي قد تضاهي بالتطور الذي تشهده ، خمسة قرون من الماضي ، لذلك وحينما نمد المنطق على استقامته ، فخمسة أعوام على ظهور المدونات ، تعني ظهور جيل جديد من المدونين ، يبدأ من حيث انتهي الجيل الأول ، ويستخدم المدونات والشبكات الاجتماعية على الانترنت بشكل يصعب مواكبته أو الحد من سلاطتة لوحة مفاتيحه.
حينما تتحدث مع أحد المدونين من الجيل الأول عن الحراك السياسي في عام 2005 ، ورغم أن عمر أغلبهم لا يتجاوز الثلاثين ، وعمر هذه الحركة لا يزيد عن خمسة سنوات ، فسوف ينظر إليك شاردا ، ويحاول أن يفتش في ذاكرته عن أحداث يراها البعض قريبة وماثلة في الذاكرة ، ويراها هذا الجيل ممن ساهم في تسليط الضوء عليها وكأنها حدثت في زمن بعيد أو كحدث أعقبته مئات الحوادث والفعاليات التي شارك في صنعها.
كنت كمدير للشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان ضمن المتابعين لهذه الوسيلة” المدونات” التي منحت “بوقا لمن لا بوق له” و”منبرا لمن لا منبر له”، أتابع مدونة منال وعلاء ، وحوليات صاحب الأشجار ، ومحمود اليوسف ، طق حنك ، وجار القمر، وغيرهم من الجيل الأول الذي رسخ أقدامه كجيل مدافع عن الديمقراطية وعن حقه في أن يكتب ما يراه ، بغض النظر عن الخطأ والصواب ، وبلغه لا يعنيه أن يعترض عليها البعض أو يثني عليها البعض الأخر.
وحين ظهر الجيل الثاني ، لم أشعر بالملل على الإطلاق ، بل بت ألهث وأنا أتابع بشغف الإنتاج الغزير لـ “جبهة التهييس الشعبية ، وأنا إخوان ، تحية نضالية ، والصعيدي ، وسعودي جينز” وغيرها من مدونات الجيل الثاني أو هكذا أظن.
ثم تعاقبت الأجيال ، وأصبت بحيرة ،واكتفيت بسؤال واحد “أين هي البداية؟ ” ، لأنني لا أظن أن هناك نهاية ، سواء للمدونين أو لتطور الانترنت وظهور أدواته.
قليلة هي السنوات التي مرت على ظهور المدونات ، غزيرة هي هذه السنوات القليلة في إنتاجها ونتائجها وعددها.
لذلك كان من الضروري أن يؤرخ لهذه الفترة ، ولم يكن أقدر على تأريخ هذه الحقبة التدوينية بكل ما حفلت به من نجاح وما شهدته من كبوات سوى جبرتي المدونات ، أحمد ناجي.
حين قرأت مسودة هذا الكتاب لأساعد في تصحيح بعض التواريخ أو المعلومات ، فوجئت أنني قرأته ثلاثة مرات في يوم واحد ، فهذا كتاب مختلف ، يؤرخ لك ، ويقص عليك ، ويحكي لك كقصة شيقة ، كيف حول هؤلاء الشباب مقولة وشعار “حرية التعبير” إلى حقيقة ، ليس فقط في طرح الأفكار ، أو الهموم أو الآراء ، بل أيضا كيف تجسدت حرية التعبير في لغة هذا التعبير.
يجلسون على حواسيبهم ، وينطلقون في الشوارع ، ويلتقون في المقاهي ، ويتظاهرون في الميادين، ويفضحون على الملأ ، ويدافعون بصلابة عن حقهم ، لذلك كرهتهم الحكومات ، وحاربتهم ، ولم تهزمهم.
فهم أصحاب حق ، وقوتهم في صدقهم.
لن أطيل عليك ، فها هي بين يديك قصة المدونات ، كما رآها وأرخ لها صاحب مدونة وسع خيالك، نقدمها لك ، لنحرضك على أن تنحاز لهؤلاء المدونين ،وتحلم معهم بمجتمع يسمع للمختلف قبل المتفق ، ويناقش قبل أن يحاكم ، ويهتم بالشباب ولا يهملهم..
المقدمة
أنَّ المُدوَّناتِ من بِدَعِ آخرِ الزمانِ ، يحصُلُ فيها الضَّلالُ ، ويحصُلُ فيها الهُدى ، وبينَهما منافعُ كثيرةٌ ، وعلى حَسَبِ وِجهةِ الطَّالبِ يجدُ المطلوبَ . ولا نقصد من وراءِ كتابِنا هذا تبيينَ النافعِ من المُضِلِّ أو الغَثِّ من السَّمينِ ، فهذا أمرٌ متروكٌ لكَ . وإنَّما أردنا من كتابنا هذا أن يكونَ بمثابة دليلٍ مُبَسّطٍ للسَّائلِ عن حَالِ المُدَوَّناتِ ومَشَاربِها . وطموحُنا أن يكونَ تأريخًا موجزًا لصيرورةِ المُدَوَّناتِ في السَّنواتِ الماضيةِ والأحداثِ والتغيُّراتِ التي ساهمت فيها ، سواءٌ كانَ ذلكَ بشكلٍ مُباشِرٍ أو غيرِ مُباشِرٍ ، مُرَكِّزينَ بالأساسِ على حالِ المُدَوَّناتِ المِصريَّةِ وما تشاركت فيها مع غيرها من المُدَوَّناتِ العربيَّـةِ .
سعيًا وراءَ هذا المُبتغى فقد نظَّمنا كتابـَنا على هيئةِ أبوابٍ مُتعاقبةٍ تبدأُ بتعريفِ المُدَوَّناتِ و إيجازِ تاريخِـها . والبابُ الثاني نُبَيـِّنُ فيهِ الدَّورَ المُباشِرَ الذي لعبته المدونات في عددٍ من القضايا ذاتِ الطابع السياسي. أما البابُ الثالثُ فنحاولُ فيه تتبُّعَ تأثيراتِ أثيرِ المُدَوَّناتِ على بعضِ المجالاتِ الثقافيةِ والاجتماعيةِ ، بينما نُخَصِّصُ البابَ الرابعَ لتتبُّعِ علاقاتِ المُدَوِّنينَ أنفسهمْ خارجَ الفضاءِ السَّيبريِّ ، وعلاقاتِهم المتشابكةِ بعددٍ من المؤسَّساتِ المحليـَّةِ والعالميـَّةٍ.
ويطيبُ لنا أن نشكرَ في خاتمة هذهِ “المقدمة” عديداً من المُدَوِّنينَ والباحثينَ الذينَ أمدُّوا الفقيرَ للهِ كاتبَ هذا الكتابِ بالكثيرِ من الدَّعمِ والمعلوماتِ ، آملينَ أن يكونَ هذا الكتابُ منارةً في بحارِ الإنترنت ، وأداةً تجلبُ – ولو قدرًا ضئيلاً من المتعةِ والمنجهةِ الذِّهنيَّةِ – نورمندي تو. سيري على بركةِ الله .
مَـفاتيحُ أساسِيَّـةٌ و فَذلَكَـةٌ تاريخـيَّةٌ
دَوَّنَ .. تَدوِين .. مُدَوَّنـَة
عُرِفَت الكلمةُ باللغةِ الإنجليزيةِ في البدايةِ باسمِ weblog وهي مُرَكَّبةٌ من كلمتينِ web بمعنى شبكة و log بمعنى سِجِلّ ، أي “سِجِلّ الشَّبكة” لتُختَصَرَ بعدَ ذلكَ إلى blog فقط . وقد عُرِفَت الكلمةُ باللغةِ العربيةِ تحتَ عددٍ من المُسَمَّياتِ ( بلوج ، بلوغ ، بلوك ، مُعَلَّقة ) حتَّى تمَّ الاستقرارُ على كلمةِ ” مُدَوَّنـَة ” المُشتَقَّةِ من الفعلِ دَوَّنَ
يُقصَدُ بالمُدَوَّنـَةِ1 تقنيةٌ للنَّشرِ عبرَ الإنترنت ، تعملُ من خلالِ نظامٍ بسيطٍ لإدارةِ المُحتوَى ، عبارة عن صفحةِ ويب على الإنترنت تظهرُ عليها تدويناتٌ (مُدخَلات) مؤرَّخةً ومُرتَّبةً ترتيبًا زمنيًا تصاعُدِيًّا ، يُنشَرُ منها عددٌ محددٌ يتحكَّمُ فيه مديرُ أو ناشرُ المُدَوَّنةِ ، كما يتضمَّنُ النِّظامُ آليةً لأرشفةِ المُدخَلاتِ/ الـتَّدويناتِ القديمةِ ، ويكونُ لِكُلِّ مُدخَلَةٍ منها مسارٌ دائمٌ لا يتغيَّرُ مُنذُ لحظةِ نَشرِها ، يُمَكِّنُ القارئَ من الرُّجُوعِ إلى تدوينةِ مُعيَّنةِ في وقتٍ لاحقٍ ، عندما لا تعودُ مُتاحةً في الصَّفحةِ الأولى للمُدَوَّنةِ ، كما يضمنُ ثباتَ الرَّوابِطِ ، و يَحولُ دونَ تحلُّلِها . كلُّ هذا يتمُّ من خلالِ آليَّةٍ تقنيَّةٍ تتميَّزُ بالسُّهولةِ ، إلى جانبِ عددٍ من التـِّقنياتِ المُسَاعِدَةِ مثلَ تِقنيةِ RSS التي تهدفُ إلى تسهيلِ مُتابعةِ التَّحديثاتِ التي تطرأُ على المُحتوَى المَنشورِ دونَ الحاجَةِ لزيارةِ المواقعِ بشكلٍ دورِيٍّ ، ودونَ الحاجةِ للاشتراكِ في قوائم بريديـَّةٍ ، وخدمات أخرى للرَّبطِ بينَ المُدَوَّناتِ ، إلى جانبِ الخَاصِّـيَّةِ الأهَمِّ وهي التـَّعليقات التي تُحَقِّقُ الـتَّفاعُلَ بينَ المُدَوِّنينَ والقُرَّاءِ .
تأخذُ المادةُ المنشورةُ على المُدَوَّناتِ شكلَ نُصوصٍ مكتوبةٍ على حَسَبِ اللغةِ التي يُفَضِّلُها الكاتب، لكنَّ هناكَ أنواعًا أخرى من المُدَوَّناتِ لا تعتمدُ على النَّصِّ المكتوبِ ، وتستخدمُ وسَائِطَ أخرى ، مثلَ الصُّورِ / photoblog، الرسوماتِ / sketchblog، الفيديو/ vlog، و الصوت/ podcasting.
و تـُقَدَّمُ خدمةُ المُدَوَّناتِ من خلالِ عددٍ من المواقعِ ، على رأسِها بلوجسبوب blogspot.com2، وُرد برِسّ 3 .wordpress.com، مكتوب4 maktoob.com، كاتب5 katib.org ، إلى جانبِ مواقعِ الاستضافةِ الخاصَّةِ ، حيثُ يقومُ بعضُهم بشراءِ مساحاتٍ على بعضِ الخوادمِ ، وأسماءِ نطاقاتٍ خاصَّةٍ مثل manalaa.net.
ولتبسيطِ هذهِ الجوانبِ التـِّقنِيَّةِ في عالمِ المُدَوَّناتِ ، قامَ العديدُ من المُدَوِّنينَ بكتابةِ كُتَـيِّباتٍ إلكترونية تشرحُ بالتفصيلِ كيفيةَ إنشاءِ المُدَوَّنةِ ، وتقديمِ الخطواتِ التقنيةِ التي يجبُ اتـِّباعُها لإنشاءِ المُدَوَّنةِ ، وأبرزُ هذهِ الأدلَّةِ كُتَـيِّبُ “ألفباء التدوين” الذي يمكنُ تحميلُه من : [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
العَصرُ الجليدِيُّ الأوَّلُ
“وضعت أمامي زجاجة البراندي نصف الممتلئة—نصف الفارغة كي لا أفقد المعنى—وسبعا وثلاثين قرص دواء زهري اللون. لا أعرف نوع الدواء حقا، ولكن لا بد أنه في عمر فتاة مراهقة الآن، فقد مر وقت طويل منذ أن بيعت عبوة المائة قرص لأي دواء بخمسة عشر قرشا.
هل هذا ما أريده فعلا؟ لا يتوقع الجميع من شخص على وشك أن ينهي حياته أن يفكر في حلول لمشاكل المحرومين في العالم.”
من مُدَوَّنةِ حوليَّاتِ صاحبِ الأشجارِ6
من الصَّعبِ تحديدُ لحظةِ البدايةِ مثلما يصعُبُ تحديدُ لحظةٍ للنهايةِ . والأصعبُ أن نشيرَ لمُدَوَّنةٍ ما بعينها ونقول إنها أولُ مُدَوَّنة ، لكن على حَسَبِ المروِيَّاتِ التاريخيةِ ، واعتمادًا على الوثائقِ المحفوظةِ على موقعِ “أرشيف الانترنت” 7 فعمرو غربية هو أولُ مُدَوِّنٍ مِصريٍّ عربيٍّ أنشأ مُدَوَّنةً ، وكانت في البدايةِ باللغةِ الإنجليزيةِ عام 2002 ، بينما يحتلُّ أخوه أحمد غربية المرتبةَ الأولى بمُدَوَّنته “طَيّ المتَّصَلِ”8 أول مُدَوَّنةٍ باللغةِ العربيةِ والتي بدأها في نوفمبر 2003. وبعيدًا عن المروِيـَّاتِ التاريخيَّةِ ، فهناكَ مُدَوَّنةُ “حواديت” لرحاب بسَّام ، والتي بدأتها كما هو مُسَجَّلٌ في أرشيفِ المُدَوَّنةِ عام 2000 باللغةِ الإنجليزيةِ ، وتَطلَّبَ الأمرُ منها أربعَ سنواتٍ حتَّى 2004 لتنتقلَ إلى الكتابةِ باللغةِ العربيَّةِ . لكنَّ الأهمَّ من تحديدِ البداياتِ ومنحِ ميدالياتِ المراكزِ الأولى ، هو التوقُّفُ عندَ أوَّلِ تجمُّعاتِ المدونينَ المصريينَ .
فالمُدَوَّناتُ ، وعلى عكسِ وسائلِ النَّشرِ والتَّواصُلِ التي كانت موجودةً على الإنترنت قبلَها (غُرَف الشَّات ، المنتديات ، المجموعات البريديَّة ) ليست غُرفةً واسعةً يلتقي فيها الأشخاصُ معَ بعضِهم البعض ، لكنَّها مساحةٌ وحيِّزٌ خاصٌّ ، غرفةٌ تَخُصُّ المرءَ وحدَه . وتأثيرُ المُدَوَّناتِ وفعالياتِها ينبعُ من عملياتِ التَّشارُكِ التي تنتجُ بينَ المُدَوِّنِ والأحداثِ والتَّفاصيلِ التي يُدَوِّنُ عنها من جهةٍ ، وبينَ المُدَوِّنِ وقُرَّائه الذين قد يتركون تعليقاتِهم لديهِ ، والذينَ قد يكونوا مُدَوِّنينَ آخرين . وهكذا فقد ظهرت هذه الفاعليَّةُ للمرَّةِ الأولى من خلالِ ما يُعرَفُ بحلقةٍ المُدَوِّنين9 والتي أسَّسها “أحمد حلمي/ Hellme” المُدَوِّنُ المِصرِيُّ الذي كانَ يعيشُ في إنجلترا .
كان الهدفُ من الحلقةِ / الموقعِ أن يكونَ بمثابةِ دليلٍ للمُدَوَّناتِ المِصريةِ ، سواءٌ تلكَ المكتوبة باللغةِ العربيةِ / الإنجليزيةِ / الفرنسيةِ أَم بغير ذلك من اللغات . وبسرعةٍ تحوَّلَ الموقعُ إلى واحةٍ صغيرةٍ تضُمُّ بعضَ المُدَوَّناتِ القليلةِ التي ظهرت في 2004 و2005 ، وقد ساعدَهُ أحمدُ غربية في تصميمِ مجموعةٍ من الأزرارِ التي يمكنُ وضعها على المُدَوَّناتِ المِصريَّةِ كرابطٍ لموقعِ حلقةِ المُدَوِّنينَ ، وكختمِ دمغة على مِصريَّةِ المُدَوَّنةِ .
حالت مِصرِيَّةُ الرَّابِطةِ دونَ وجودِ مُدَوَّناتٍ أخرى عربيةٍ بدأت في الظهورِ ، وهكذا نشأ تجمُّعٌ آخرُ هو ” الشَّاملُ في المُدَوَّناتِ العربيةِ “10 بِمُبادرةٍ من إيهاث11 والدوك راء12. وعلى خلافِ حلقةِ المُدَوِّنينَ المِصرِيينَ فلم يكُن الشَّاملُ موقعًا مُتكامِلاً ، بل صفحة مُدَوَّنة على موقعِ بلوجر ، تُحَدَّثُ بانتظامٍ بجديد المُدَوَّناتِ . ولأنـَّها مُدَوَّنةٌ فقد كانت هناكَ إمكانيةُ أن يُشارِكَ في تحريرِها العديدُ مِنَ المُدَوِّنينَ الآخرينَ 13، الذين كانوا يُضيفونَ مُدَوَّناتٍ أخرى ، أو يكتبونَ تقاريرَ صغيرةً عن عالمِ المُدَوَّناتِ الذي بدأ في التشكُّل . لكن بدأت تظهر مشكلةٌ أخرى ، يمكنُ اعتبارُها أولَ مُواجَهَةِ للمُدَوَّناتِ معَ حُرِّيـَّةِ الرَّأي والتـَّعبيرِ على الإنترنت.
ففي أكتوبر 2005 ظهرت مُدَوَّنةُ “ابن نواس”14 و التي وضعَ صاحبُها له تعريفًا بسيطًا “الجنس هو الغريزة التي تتفق عليها سائر المخلوقات” ، كانت أغلبُ تدويناتِ ابن نواس ذاتَ طابعٍ جنسيٍّ . يقفُ على الهامشِ بينَ البورنوغرافيا ، والنقدِ الاجتماعيِّ .
دارت مجموعةٌ من المُناقشاتِ بينَ المُشرفينَ على مُدَوَّنةِ الشَّاملِ حولَ إضافةِ المُدَوَّنةِ في الدَّليلِ و عدمِ إضافتِها . انتهت المناقشاتُ بقرارِ المُشرِفينَ على دليلِ الشَّاملِ بعدمِ إضافةِ المُدَوَّنةِ 15.
في النِّهايةِ ، الشَّاملُ كانت مُدَوَّنةً جماعيَّةً ، مِلكِيَّـتُها تعودُ للأشخاصِ القائمينَ عليها ، واختيارُ ما يريدونَ وضعَه وما لا يريدونَ وضعَه ، لكنَّ هذهِ الأزمةَ العابرةَ وما تَبِعَها من نِقاشاتٍ في عددٍ من المُدَوَّناتِ في ذلك الوقت ، كانت بمثابةِ إشَارةٍ واضحةٍ إلى أنَّ الحاجزَ الذي ستسعى المُدَوَّناتُ لتوسيعِهِ باستمرارٍ ، وكَسرِه وتجاوزِه هو حاجزُ حُدودِ حُرِّيـَّةِ الرَّأي والتـَّعبيرِ .
العَصرُ الجليدِيُّ الثَّاني
“قبل ثلاثه16 أسابيع كنت أشعر بالإحباط نتيجة عدم وجود بلوجات بالعربي. فقد مرت سنه علي بداية كتابتي للبلوج بالإنجليزي وأنا من متابعي البلوجات العراقيه بشكل مستمر ولاكن كلها بالإنجليري. كنت أشعر بالأسف علي نفسي وعلي حال الأمه العربيه وعلي حال اللغه العربيه. لماذا لايوجد بلوجات بالعربي؟ لماذا كل العرب يختارون الكتابه بالإنجليزي؟ وبعدها قلت لنفسي” بدل ما تلعن الظلام ولع شمعه ولو خافته”. قررت أن أبتدئ الكتابه بالعربي وبعدها بأيام أكتشفت عده بلوجات عربيه أعجبتي. وخلال أيام تحول الإحباط إلي أمل. وأصبحت أحلم أحلام كبيره. لربما أصبحت إيهاث وغيرها من رواد ضاهرة البلوجر في العالم العربي.”
من مُدَوَّنةِ إيهاث17
القفزةُ في تجمُّعاتِ المُدَوِّنينَ كانت مع ظهورِ مُدَوَّنةِ علاء ومنال18 في عام 2004. فعلاء لم يلجأ في إنشاء مُدَوَّنته إلى استخدامِ المواقعِ المجَّانيةِ . بل استفادَ من خبرته ودرايته بالبرمجيَّاتِ المفتوحةِ ، وأنشأ مُدَوَّنةً على حسابٍ خاصٍّ ، وباستخدامِ تقنيةِ نشرٍ جديدةٍ مُغايرَةٍ ، وهي تِقنيةُ دروبال/ Durpal. استفادَ علاءُ من الإمكانيَّاتِ التي تُوَفِّرُها هذه التِّقنيةُ ، وعلى رأسِها تِقنيةُ rss التي تسمحُ بإضافةِ عددٍ من المُدَوَّناتِ أو المواقعِ المُهِمَّةِ ، ومُتابَعَةِ الجديدِ على هذهِ المواقعِ بشكلٍ دورِيٍّ . وبطبيعةِ الحالِ فقد كان الزوجانِ يضيفان المواقعَ التي يهتمَّانِ بها . وهو الأمرُ الذي حوَّلَ مُدَوَّنتهُما إلى مركزِ تجمُّعٍ أساسِيٍّ لِكُلِّ المُدَوِّنينَ ، أو المُهتَمِّينَ بِمُتابعةِ المُدَوَّناتِ .
فمِن خلالِ زيارةِ مُدَوَّنةِ منال وعلاء كان يمكنُ معرفةُ الـتَّدويناتِ الجديدةِ على كُلِّ المُدَوَّناتِ المِصرِيَّةِ . الأمر الذي رفعَ من نسبةِ زوَّار المُدَوَّنةِ ، و وثَّقَ العلاقاتِ بينَ المُدَوِّنينَ وبعضهم البعض. والتي انتقلَ بعضُها من علاقاتٍ في الواقعِ الافتراضيِّ إلى علاقاتِ صداقةٍ أو معرفةٍ في الحياةِ الواقعيَّةِ .
يجبُ أن نُوَضِّحَ هنا أنَّ المُدَوَّناتِ في تلكَ المرحلةِ لم تكن في بؤرةِ الضَّوءِ الإعلاميِّ بعدُ . وكُتَّابُها وقراؤها في الأغلبِ كانوا مجموعةً من خريجي الجامعاتِ الذينَ يُتقِنونَ التعاملَ مع الإنترنت ، ولديهم وجهاتُ نظرٍ ، ومواقفُ سياسيَّةٌ ، أو ثقافيَّةٌ ، يسعونَ لطرحِها من خلالِ المُدَوَّناتِ . هم بقدرٍ من المبالغةِ نُخبةٌ شَابـَّةٌ من الطَّبقةِ المتوسِّطةِ ، وبالرُّغم من أنَّ هذا الـتَّبسيطَ يبدو مُخِلاًّ ، وغيرَ مُوَثَّقٍ بشكلٍ عِلميٍّ ، لكنَّ هذهِ الرؤيةَ يمكنُ العثورُ على دلائلَ مؤكِّدة لها ، في الاستبيانِ الذي أجراه ميلاد يعقوب عن حركةِ التـَّدوينِ المِصرِيَّةِ .19 عام2005.
العَصرُ الدّيناصُورِىُّ
اشتركنا سوية في حب الفتاة ذاتها، و لكن ليس في الوقت ذاته، اقتربت منها بعد ان تركها محطمة لنبدأ قصة فاشلة اخرى للفتاة المسكينة، إلا أنني لسبب ما رغبت في مساعدته عندما كان يستفسر عن عمل، ورددت على تساؤلاته الغبية على غرار : ” عندما أصل أي بلد عربي للعمل فسأستخدم جواز سفري الأردني ليعرفوا أنني عربي و يحسنوا معاملة أخيهم في العروبة…”
ايه العبيط ده؟
مِن مُدَوَّنة طقّ حَنك20
في 2005 أعلنَ21 الرئيسُ محمدُ حُسني مُبارك عن تعديلِ الدُّستورِ ، بحيثُ يسمحُ بترشيحِ أكثر من مُرَشَّحٍ لمنصبِ الرَّئيسِ ، هذا الإعلانُ الذي كانَ من مُحافظةِ المنوفيةِ الجميلةِ النظيفةِ المتطوِّرةِ ، تَبِعَـهُ حِرَاكٌ سياسِـيٌّ كبيرٌ ، ترادَفَ معَ ظهورِ حركاتِ احتجاجٍ شعبيَّةٍ مختلفةٍ ، على رأسِها حركةُ “كِفاية” ، وكانَ من الطبيعيِّ أن يتفاعلَ المُدَوِّنونَ معَ هذا الحِراكِ الذي بدأ كَكُرَةِ ثلجٍ أخذت تكبرُ بتوالي الأيامِ والأحداثِ ، حيثُ تلى تعديلَ الدستورِ انتخاباتُ الرِّئاسةِ ثمَّ انتخاباتُ مجلسِ الشَّعب ، ثمَّ احتجاجاتُ القُضاةِ على تزويرِ الانتخاباتِ ، وقد تفاعلَ المُدَوِّنونَ معَ كُلِّ ذلك ، مِن خِلالِ ما يكتبونه وينشرونه على مُدَوَّناتهم ، في وقتٍ كانت ظاهرةُ الجرائدِ المُستقِلَّةِ في بدايتها ، وعَاصِفةُ برامجِ “التـُّوك شو” المصرية على القنواتِ الفضائيةِ لم تبدأ بعدُ ، وكُـلُّها عواملُ جعلت من المُدَوَّناتِ مساحةً إعلاميَّةً للتعبيرِ عن المسكوتِ عنهُ في وسائلِ الإعلامِ الأُخرى .
لذلكَ حفلتْ مُدَوَّناتُ تلكَ الفترةِ بالكثيرِ من التـَّعليقاتِ السِّـيَاسيَّةِ المُعَارِضَةِ للنِّظَامِ الحَاكِمِ ، وتدرَّجت في لهجَتِها ومُستوياتِ خطابها من النـَّقدِ الموضوعيِّ القائمِ على التحليلِ السياسيِّ ، كما في تدويناتِ طقّ حَنك ، وحتى النـَّقدِ المُعَارِضِ الذي لا يتورَّعُ عن استخدامِ ألفاظٍ قد يراها البعضُ خَارِجةً أو إباحيَّةً ، كما في تدويناتِ علاء على مُدَوَّنة علاء ومنال كمثالٍ ، وهو الأمرُ الذي جذبَ الكثيرَ من القُرَّاءِ إلى المُدَوَّناتِ ، القُرَّاء الذينَ تحوَّلوا بعدَ ذلكَ إلى مُدَوِّنينَ . مما وسَّعَ من قَاعِدَةِ التَّدوينِ المِصرِيِّ .
في الوقتِ نفسهِ أصبحَ التدوينُ محلَّ اهتمامٍ من قِبَلِ وسائلِ الإعلامِ الأخرى ، سواءٌ أكانت مَحلِّـيَّةً أو عالمـيَّةً ، فعلى المستوى العالميِّ جذبت مُدَوَّناتٌ عراقيَّةٌ ظهرت بعدَ الاحتلالِ الأمريكيِّ للعراقِ -كمُدَوَّنة خالد جرار22 وغيرها من المُدَوَّناتِ العراقيةِ – اهتمامَ الجرائدِ والصُّحُفِ العالميَّةِ والعربيةِ ، الأمر الذي جعلَ جهادَ الخازن في جريدةِ الحياةِ اللندنيةِ يخصِّص سلسلةً من المقالاتِ مُعرِّفًا بالمُدَوَّناتِ وما يُكتَبُ بها ، وفي مِصرَ كانت إشَارةُ محمدِ حسنين هيكل إلى مُدَوَّنةِ “بهيَّة”23 بمثابةِ بقعةِ ضوءٍ جعلت العديدَ من وسائلِ الإعلامِ تهتمّ بمتابعةِ المُدَوَّناتِ ، والتعاملِ معها كوسائلِ إعلامٍ مُنافِسَةٍ
الاتـِّساعُ في قاعدةِ المُدَوَّناتِ ، والضوءُ الإعلاميُّ الذي تسلَّطَ عليها في تلكَ الفترةِ ، سَاهما في ظهورِ ما يُعرَفُ بظاهرةِ المُدَوِّنِ النَّجم أو ما يُمكِنُنا تسميتُه – بشيءٍ من الْمُبَالغةِ السَاخِرةِ – بالمُدَوِّنِ الديناصور . فقد كانَ من الصَّعبِ على الإعلامِ أن يركِّزَ على خمسةِ آلافِ مُدَوَّنةٍ مِصرِيـَّةٍ ، ومثلها في العددِ عربيَّة التـَّوَجُّهِ ، لكن من بين هذا العددِ اختارَ الإعلامُ المُدَوِّنينَ الذينَ لا يجدونَ مشكلةً في كشفِ هُوِيَّتهم الشَّخصيَّةِ ، وتركِّز كتاباتهم على الشأنِ العامِّ ، ويفضَّلُ لو كانت لهم ممارساتٌ سياسيةٌ كأنْ يكونوا أعضاءَ في حركاتٍ سياسيةٍ معينةٍ ، أو ناشطينَ سياسيينَ يشاركونَ في المظاهراتِ والاعتصاماتِ .
ساهم في هذا رغبةُ عددٍ من المدونينَ في تحويلِ اهتمامِهم بالشأنِ العامِ من مجرَّدِ التعبيرِ عن أفكارِهم على صفحةِ المُدَوَّنةِ إلى النزولِ بهذهِ الأفكارِ إلى الشَّارعِ 24. وهكذا ظهرَ المُدَوِّنُ الديناصورُ/ النجم الذي يظهرُ في القنواتِ التلفزيونيةِ ويتعرضُ للمُضايقاتِ الأمنيةِ ، ويستحوذُ على اهتمامِ وسائلِ الإعلامِ . وهو الأمرُ الذي أضفَى على التَّدوينِ نوعًا من الوجاهةِ الاجتماعيةِ ، شجَّعت الكثيرينَ على ممارستِه ؛ بحثًاعن نوعٍ من تحقيقِ الذَّاتِ ، أو حتى كفرصةٍ للتعبيرِ عن آرائه في الشَّأنِ العامِّ، بمختلفِ تجلِّياتِه.
عَصرُ الفَيَـضَان
“ بعد ربع ساعة ، وعندما لاحظت أستاذتي أنني أنظر لها بتركيز شديد وبدون أن يطرف لي جفن، وأنها تتكلم وأنا لم أُخرج كراستي بعد أو أضع السماعات حتى، أوقفت التسجيل وسألت: “في إيه يا رحاب؟” ففتحت فمي فلم يخرج سوى: “أنا خايفة أوي”.
من مُدَوَّنةِ حواديت25
انتهى الحِراكُ السِّياسيُّ على النتيجةِ المُعتادةِ ، وهي “يبقى الوضعُ كما هو عليه” ، الأمر الذي ظهرَ تأثيرُه في عالمِ المُدَوَّناتِ ، متمثلاً في إحباطِ البعضِ والتوقُّفِ عن الكتابةِ ، كَحَالةِ “محمد” صاحبِ مُدَوَّنةِ طقّ حَـنَك26، أو تحوُّلِ عددٍ من المُدَوَّناتِ من الكتابةِ في الشَّأنِ السياسيِّ إلى الكتابةِ في الأدبِ أو القضايا الاجتماعيةِ والثقافيةِ ، لكنَّ ما سبقَ لم يقلِّل من تركيزِ المُدَوَّناتِ على الوضعِ العامِّ أو السياسةِ ، بل سمحَ بظهورِ أطيافٍ وصورٍ أخرى للتدوينِ ، خصوصًا وقد اتَّسعت قاعدةُ التَّدوينِ ، لا في مصرَ فقط بل في معظمِ الدولِ العربيةِ .
بإطلالةٍ سريعةٍ على مجرَّةِ التـَّدوينِ من عام 2006 حتَّى الآن ، يُمكِنُنا أن نلاحظَ كيفَ أصبحت المُدَوَّناتُ تركِّزُ في حملاتها وكتاباتها على قضايا نوعيَّةٍ واجتماعيَّةٍ ، أصبحت تحتلُّ صدارةَ الخِطَابِ التـَّدوِينيِّ ، كالتَّحرُّشِ الجِنسيِّ ، وأوضاعِ المرأةِ ، و العلمانيةِ ، وتحديثِ الخِطابِ الدِّينيِّ في المُدَوَّناتِ الخليجيةِ ، القضايا الحقوقية في المُدَوَّناتِ المغربيةِ ، وفي قلبِ هذا كلِّه نجحت المُدَوَّناتُ الأدبيةُ في جذبِ العديدِ من القُرَّاءِ ، واستحوذت على أكبرِ قدرٍ من الاهتمامِ ، خصوصًا بعدما تحمَّسَ عددٌ من دُورِ النَّشرِ لتحويلِها إلى كتبٍ مطبوعةٍ ، كما في حالةِ سلسلةِ مُدَوَّناتِ الشُّروقِ ، بل وصلَ الأمرُ إلى إنشاءِ دُورِ نشرٍ – خِصِّيصًا – لنشرِ المُدَوَّناتِ ورقيًّا كما في حالةِ دارِ دَوِّن .
أما أهمُّ ملامحِ العصرِ الفيضانيِّ ، فهي تزايُدُ استخدامِ المُدَوَّناتِ لوسائلِ النَّشرِ الأخرى ، كالصورِ والفيديو ، حيثُ ترافقَ هذا العصرُ معَ ظهورِ تقنياتٍ جديدةٍ في التلفيوناتِ المحمولةِ ، ودخولِ خدمةِ الجيلِ الثالثِ إلى شبكاتِ المحمولِ في مصرَ ، وعددٍ آخر من الدولِ العربيةِ ، وهكذا انفتحت أكثرُ القنواتِ الواصلةِ بينَ الإنترنت والموبيل ، الأمر الذي مهَّدَ الطريقَ بعدَ ذلكَ لظهورِ فيديوهاتِ التعذيبِ ، التي لعبت دورًا كبيرًا في تسليطِ الضوءِ الإعلاميِّ على قضايا التعذيبِ داخلَ أقسامِ الشُّرطةِ في مصرَ ، وكانَ هذا بمثابةِ خطوةٍ أولى أدَّت إلى مُحاكَمَةِ ضُـبَّاطِ الشُّرطةِ الذينَ شاركوا في ممارسات تعذيبٍ ضِدَّ مواطنينَ مصريينَ .
أما في العالمِ العربيِّ، فقد ظهرَ في المغربِ “القنَّاص”، والذي نجحَ من خلالِ مجموعةٍ من الفيديوهاتِ التي رفعها على الإنترنت في الكشفِ عن بعضِ مظاهرِ فسادِ السُّلطةِ المغربيةِ ، حيثُ أظهرت فيديوهاتُ القنَّاصِ بعضَ رجالِ الشُّرطةِ والمرورِ المغاربةِ ، وهم يتقاضونَ رشاوَى مالِـيَّةً من عددٍ من السائقينَ .
شَهِدَ العصرُ الفيضانيُّ أيضًا ظهورَ مجموعاتِ المُنشَقِّينَ من المنتدياتِ العاطفية ، فالمجرَّةُ التدوينيَّةُ الكبيرةُ انقسمت إلى مجموعاتٍ شمسيةٍ صغيرةٍ ، وبعضُ هذه المجموعاتِ كانَ مُنغلقًا على ذاتِه. ويحدثُ هذا في الغالبِ نتيجةَ قيامِ بعضِ أعضاءِ المنتدياتِ بافتتاحِ مُدَوَّناتٍ شخصيةٍ ، لكنَّهم يتعاملونَ مع المُدَوَّناتِ كما يتعاملونَ مع المنتدى ، فلا يزورونَ إلا مُدَوَّناتِ بعضهم البعض ، ولا تزيدُ طبيعةُ الموضوعاتِ التي يكتبونها عن البرقيَّاتِ الاجتماعيةِ ، أو ما يُعرفُ بـ “التـَّاج” حيثُ الزَّهرةُ البريَّةُ تسألُ الفارسَ الأسودَ عن لونِه المُفَضَّلِ ، والفارسُ الأسودُ يكتبُ تدوينةً يسألُ فيها “حزينة على طول” عن أصعبِ موقفٍ مرَّت به ، الذي نكتشفُ حينما نقرأ تدوينتها أنه كان يومَ أن أجرَت عمليةَ اللوز ! لكن حتى هذه المجراتِ الصغيرة من المُدَوَّناتِ التي كانت ترتبطُ بشبكةٍ من الصداقاتِ البريئةِ والعلاقاتِ الاجتماعيةِ ، أخذَ بعضُها منحنىً اجتماعيًّا خارجَ الفضاءِ السيبريِّ ، حيثُ ظهرت تجمُّعاتُ المدونينَ الذينَ يقومونَ بزيارةِ مرضى السرطانِ ، أو ملجأً للأطفالِ الأيتامِ وغيرها من الأنشطةِ الخيريةِ ، ثمَّ يقومونَ برفعِ صورِهم ، وهم يمارسونَ تلكَ الأنشطة على مُدَوَّناتهم .
العَـصرُ الفيسـبُكِّيّ
” سافر التدوين بجيلنا أعواما للأمام صنع زعامات شابة – بعضهم فقط يستحق ـ وهدم العديد من المسلمات، وجاء الـ «فيس بوك» خطوة إضافية في المضمار نفسه، جمع قطع «بازل» المدونات في شبكة واحدة، أصبح التواصل أسرع والأفكار أكثر حرية وانطلاقا.. وكان الإضراب: إضرابا حقيقيا تلاه آخر «كده وكده» اندهشت الداخلية وتخبطت ودارت كاميرات الفضائيات، ووجدت الأقلام ما تملأ به الصحف، ولكن أبدا لم يشعر أحد بالمرارة التي نحملها في حلوقنا، بقسوة الفشل الذي لازمنا، وبمرارة التسليم بالهزيمة قبل انتهاء المباراة.. إضرابان انتهيا وكتبا معهما كلمة النهاية لجيل فشل في معارك مصيرية ترتبط بالغد، فشل في معركة التعديلات الدستورية في المادة «٧٦» في أزمة القضاة في قانون الإرهاب، ومعارك أخري كثيرة معارك تستمد أهميتها من ارتباطها بمستقبل هش وبقبضة حديدية تزداد صلابتها مع كل خسارة.
نحن جيل خرج من ملعب الأحداث، ويستعد خلال الأيام المقبلة للجلوس علي مقاهي الفشل في وسط البلد، يقبض علي «لي» الشيشة بقوة ويشرب الشاي «أبونعناع» ويتحدث بكل «حكمة» عن شباب فشلوا لأنهم لم يصلوا إلي الـ «حكمة».. لم يصلوا إلي أنه ليس بالتدوين والـ «فيس بوك» وحدهما يصنع المستقبل”
من مُدَوَّنة المواطن رجب27
رغم إنَّ مواقعَ الشبكاتِ الاجتماعيةِ ظهرت على الإنترنت منذُ بدايةِ الألفيَّةِ ، ومنها موقعُ الفيسبوك إلاَّ أنَّ الأخيرَ زادت شَعبِيَّـتُه في مصرَ والدولِ العربيةِ معَ عامِ 2007.
لعبَ الفيسبوك دورًا مهمًّا في تكوينِ شبكاتٍ اجتماعيةٍ صغيرةٍ تجمعُ ذوي الاهتماماتِ المشتركةِ ، وعلى رأسِها الشبابُ الذينَ يهتمونَ بما هو سياسيٌّ ، وما له علاقةٌ بالشَّأنِ العامِّ . وأثبتَ الفيس بوك فاعليةً أكبرَ من بقية تطبيقات الانترنت في تنظيمِ الفعالياتِ السياسيةِ ، كالمظاهراتِ والإضراباتِ والاعتصاماتِ ، وظهرَ هذا بقوَّةٍ في مطبِّ الهواءِ الذي يُعرَفُ أحيانًا باعتصامِ 6 أبريل.
هذه الفاعليةُ والقوةُ التي ظهرت في الفيس بوك كانَ من الطبيعيِّ أن تستقطبَ مئاتِ وربما آلاف مستخدمي الإنترنت في مصرَ والبلدانِ العربيةِ ، خصوصًا وأنَّ استخدامَ الفيس بوك أسهلُ كثيرًا من إنشاءِ المدونةِ ، ولا يحتاجُ لكتابةٍ و ” لتّ وعَجن ” ، يكفي وضعُ مجموعةٍ من الصورِ والضغطُ على زر Join لإنشاءِ حملةٍ ما ، أو إثباتِ موقفٍ مُعارضٍ تجاهَ قضيةٍ ، قد تكونُ سياسيةً أو اجتماعيةً .
ومعَ نهايةِ عامِ 2008 ظهرت مجموعةٌ من الآراءِ على المُدَوَّناتِ نفسِها حولَ موتِ التَّدوينِ أو التعاملِ معَه بصفتِه موضةً وانتهت28، وهو ما أثبتت الأيامُ أنه ليسَ بصحيحٍ ، فمازالت المُدَوَّناتُ موجودةً ، وكل يوم تظهرُ مُدَوَّنةٌ جديدةٌ أحدث مما قبلها ، كما أثبتت المُدَوَّناتُ القدرةَ على الاستفادةِ من الألعابِ وتطبيقاتِ الإنترنت الأخرى ، بدايةً من الفيس بوك الذي يستفيدُ منه البعضُ للدعايةِ لمدونتهِ ، وحتَّى موقع تويتر الذي يتعامل معه بعضُ المدونينَ كوسيلةٍ لكتابةِ ونشرِ تدويناتٍ قصيرةٍ وسريعةٍ . ويظهر التنسيق بين المُدَوَّناتِ وغيرها من تطبيقاتِ الإنترنت في الحملاتِ السياسيةِ والاجتماعيةِ ، وآخرُها حملةُ “إعادة هبة نجيب إلى مصر”29 والتي بدأت كحملةٍ على عددٍ من المُدَوَّناتِ ، منها مُدَوَّنة “ما بدا لي” لعمرو عزت ، ثم انتقلت إلى غيرِها من المُدَوَّناتِ ، ثم مجموعة على موقعِ الفيس بوك ، ثم وضع بانر للحملةِ على مجمعِ العمرانيةِ ، وأسطر متناثرة عن الحملةِ على موقعِ تويتر ، ورسائل بريدية بينَ عددٍ كبيرٍ من مُستخدمي الإنترنت . الأمر الذي حوَّل الحملةَ إلى وسيلةِ ضغطٍ شعبيةٍ فرضَت قضيةَ “هبة نجيب” على الإعلامِ والصَّحافةِ ، وكانت النتيجة حصول هبة على حقِّ العودةِ ، ووصولها إلى القاهرةِ . مما يُثبتُ أنَّ كثرةَ وسائلِ النشرِ والتعبيرِ وغيرِها من تطبيقاتِ الإنترنت لا تحاربُ بعضَها البعض ، بقدرِ ما تخدِمُ بعضَها البعض.
حاليـًا وصلَ عددُ المُدَوَّنات إلى 600 ألف ، وذلكَ حسبَ الدِّراسةِ التي أجرتها الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان ونشرت في ديسمبر 2009،30 وحسبَ الدراسةِ ، فمصرُ تحتلُّ المركزَ الأولَ في عددِ المُدَوَّناتِ العربيةِ ، تليها المملكةُ العربيةُ السعوديةُ ، ثم الكويتُ ، ثم المُدَوَّناتُ العربيةُ التي تستخدمُ اللغةَ الإنجليزيةَ ، وتتنوع ما بينَ مُدَوَّناتٍ عراقيةٍ ، أو من جنسياتٍ عربيةٍ أخرى ، تليها المُدَوَّناتُ المغربيةُ التي تستخدمُ في الغالبِ اللغةَ الفرنسيةَ . وذلكَ كما يتَّضِحُ في الشكل التالي اللذي يقدم خريطةَ توزيعِ مجرَّةِ التدوينِ العربيةِ .
في دائِـرَةِ الضَّوءِ من تحتِ الأرضِ إلى فوقِ الأرضِ .. والعكس
“كان نايمان على نفسه أوي، مع انه كان نشيط وبيحب يتحرك كتير، ولكن ممكن السن أثّر عليه. المفروض يتقابلا، محاولة لاعادة الأيام الجميلة
رأها، تَحَمس جداً، وبدأ يدب فيه النشاط، ولكن…هى لن تسطيع أن تمضي وقت طويل معه، يجب أن تذهب مبكراً، يعمل ايه، بعد ما دَب فيه النشاط والحيوية رجع تاني للخمول، طيب خلاص مش عارف أعملك ايه”31
مُدَوَّنة السِّت نعامة
بعدَ التغييرِ الوزاريِّ المصريِّ في يوليو 2004، صاغَ ثلاثمائة من المثقفينَ المصريينَ والشخصيَّاتِ العامَّةِ التي تمثِّلُ الطَّيفَ السياسيَّ المصريَّ بأكملِه وثيقةً تأسيسيَّةً ، تطالبُ بتغييرٍ سياسيٍّ حقيقيٍّ في مصرَ ، و إنهاءِ الظُّلمِ الاقتصاديِّ والفسادِ في السِّـيَاسةِ الخارجيةِ والداخليةِ . كان هذا البيانُ هو النواة الأولى للحركةِ المصريَّةِ من أجلِ التغييرِ “كِـفاية” .
لم تطرح “كِـفاية” رؤيةً متكاملةً للتغييرِ أو إصلاحِ الأوضاعِ ، كما أنها لم تركِّز نضالَها على قضايا جزئيةٍ لتحقيقِ انتصاراتٍ صغيرةٍ . بل كانت أشبهَ بصيحةِ اعتراضٍ مفتوحةٍ ، أو صرخةٍ بكلمةٍ واحدةٍ هى “كِـفاية” ، والبيانُ التأسيسيُّ الذي وقَّع عليه عددٌ كبيرٌ من الـنُّشطاءِ والُمثقَّفينَ والفنانينَ يكشِفُ بسهولةٍ أنَّ “كِـفاية” اختارت الإعلامَ كوسيلةٍ لتسليطِ الضَّوءِ على فعالياتِها وقضيَّـتِها … التي يعلمُ الله وحده هي كانت إيه !
فلم يوضِّح البيانُ طبيعةَ الحركةِ أو هيكلَها التنظيميَّ ، أو على الأقلِّ طريقةً واضحةً لتحقيقِ أهدافِها ، فقط كانَ هناكَ البيانُ الذي تصدَّرَ عناوينَ المحطَّاتِ الإخباريةِ والصُّحُفِ العربيةِ ، تَـبِعَهُ بعدَ فترةٍ طويلةٍ عددٌ من المظاهراتِ الصغيرةِ التي كانت مُحاصَرَةً بحشودٍ من الأمنِ ، وكاميراتِ القنواتِ الفضائيةِ .
لكنَّ الجانبَ الإيجابيَّ في ظهورِ “كِـفاية” كان رفعَ سقفِ الحريةِ ، من خلالِ طرحِ رؤىً تُطالِبُ للمرَّةِ الأولى بتغييرِ الرئيسِ ، وتطالِبُ بمحاسبةِ مسئولينَ ومُقَرَّبينَ من رأسِ السُّلطةِ ، لم تكن أسماؤهم حتى تـُذكَر بالنقدِ في أيِّ وسيلةٍ من وسائلِ الإعلامِ .
على المُستوى التنظيميِّ ، أدَّى عدمُ وجودِ وثيقةٍ تنظيميةٍ إلى اعتمادِ “كِـفاية” على النِّظامِ الشبكيِّ المَرِنِ القائمِ على المبادرةِ الفرديةِ ، والعملِ في مجموعاتِ عملٍ صغيرةٍ . وقد أدَّى انتشارُ “كِـفاية” إلى ظهورِ حركاتٍ نوعيةٍ أخرى مثل ” شباب من أجل التغيير ” ، ” عُمَّال من أجل التغيير ” ، صحفيون من أجل التغيير ” ، ” طلاب من أجل التغيير” وغيرها من الحركاتِ النوعيةِ التي تزايدَ وجودُها في عام 2005 و 2006. كانَ من الطبيعيِّ أن تجتذبَ هذه الحركاتُ ، وعلى رأسِها “كِـفاية” الكثيرَ من المُدَوِّنينَ . على أساسِ أنَّ الصورةَ الأوسعَ للمُدَوِّنينَ هُم الشبابُ أصحابُ الاهتمامِ بالشَّأنِ العامِّ .
انعكسَ خِطابُ “كِـفاية” الصاخبُ المُعارِضُ لمبارك في العديدِ من التَّدويناتِ التي ظهرت في 2005 و 2006 و يمكنُنا ملاحظة ذلكَ بوضوحٍ في بعضِ تدويناتِ علاء على مُدَوَّنةِ منال وعلاء. من ناحيةٍ أخرى دخولُ المدونينَ في تلكَ الحركاتِ السياسيةِ أظهرَ دورًا آخرَ للمُدَوَّناتِ ، وهو تنظيمُ المظاهراتِ والإعلاناتِ عن الفعالياتِ السياسيةِ المختلفةِ .
تطوَّرَ دَورُ المدونينَ من الإعلانِ عن الفعالياتِ السياسيةِ المُعارِضةِ والكتابةِ ضِدَّ النِّظَامِ الحَاكِمِ إلى تنظيمِ المُظاهراتِ والاعتصاماتِ بأنفسهم ، كما أدخل بعض المدونين – أبرزهم عمرو غربية- عددًا من الأنشطةِ ، وطرقِ التظاهُرِ التي لم تكن مُستخدَمةً قبلَ ذلكَ ( إطلاق البلالين/ الضرب على الطبول/ استخدام بعض الآلات الموسيقية)، ساهمَ هذا في إحداثِ نوعٍ من التغييرِ النوعيِّ في طبيعةِ العملِ السياسيِّ والتظاهُرِ في مصرَ -وإن كانَ هذا لم يصاحبهُ للأسفِ تغييرٌ في الكم- يبدو هذا التغييرُ النوعيُّ واضحًا في المظاهرةِ التي أعقبت قيامَ رجالِ الأمنِ بالتحرُّشِ بالصحفيَّاتِ والسيداتِ ، أثناءَ مظاهرتهنَّ ضِدَّ الاستفتاءِ . حيثُ دعت الحملةُ الشعبيةُ من أجلِ التغييرِ، ورابطةُ الأمهاتِ المصرياتِ ، وعددٌ من المُدَوِّنينَ منهم علاء ومنال، نورا يونس، عمرو غربية، وحزبُ الغد32 إلى مظاهرةٍ أمامَ مسجدِ السيدةِ زينب تحتَ شعارِ “لنكنس عليهم السيدة”33 وقد انتشرت الدعوةُ من خلالِ العديدِ من المدوناتِ التي روَّجت لها ، وكانت النتيجة خروج المظاهرةِ بشكلٍ مختلفٍ ، حيثُ ظهر الصندوقُ المربعُ الذي يحملُ رسالةً على كلِّ وجهٍ من أوجهه الأربعة . وحيثُ ظهرت على استيحاءٍ الآلاتُ الموسيقيةُ كأداةٍ للمشاركةِ في المظاهرةِ ، يمكنُ اجتذابُ الجمهورِ من خلالها.
شهدت تلكَ الفترة أيضًا استخدامَ الإنترنت بشكلٍ مُوَسَّعٍ في تغطيةِ المظاهراتِ والفعالياتِ السياسيةِ المعارضةِ التي لم تكن هناكَ تغطيةٌ إعلاميةٌ كافيةٌ لها –هذا إن وُجِدَت أساسًا- في وسائلِ الإعلامِ التقليديةِ ، ولعبَ وائلُ عباس – وقد كانَ في بدايةِ نجوميتهِ – دورًا كبيرًا بكاميرته التي كانت بمثابةِ العينِ الراصدةِ لكلِّ المظاهراتِ والفعالياتِ السياسيةِ المختلفةِ 34، حتى إنه – وبعدَ فترةٍ – شعرَت فيها وسائلُ الإعلامِ ، وعلى رأسِها الصُّحفُ والجرائدُ المستقلةُ بالحـرَجِ من تجاهُلِ هذهِ المظاهراتِ ، حيث وجدت نفسَها مُضطرَّةً لنشرِ أخبارٍ كثيرةٍ عنها ، وفي حالةِ الاحتياجِ إلى صورةٍ فوتوغرافيةٍ ، كان يتم السَّطو على صورِ وائل عباس دونَ حتى الإشارةِ إلى اسمهِ أو احترامٍ لأيِّ حقِّ من حقوقِ الملكيةِ الفكريةِ .
ويمكنُ رصدُ مساهماتِ المدوَّناتِ والمدوِّنينَ في الفيضانِ السياسيِّ في 2005 و 2006 من خلالِ رصدِ نقاطٍ عدة :
1-الكتابة ونقد النظامِ الحاكمِ والمطالبة بتغييرها وطرحِ بدائل وتصوُّرات لما يمكنُ أن يكونَ عليه المستقبلُ في مصرَ .35
2-تنظيم الاحتجاجاتِ السياسيةِ والمظاهراتِ المعارضةِ ، واستغلال المدوَّناتِ في الدعايةِ لتلكَ الفعالياتِ السياسيةِ المختلفةِ ، الأمر الذي ساهمَ بقدرٍ في توسيعِ قاعدتها بينَ الشبابِ وفي اجتذابِ العديدِ من النشطاءِ إلى تلكَ الكياناتِ المُعارِضَةِ .
3- توثيق تلكَ الفعالياتِ السياسيةِ بالصوتِ والصورةِ والكلمةِ ، وتسليط الضوءِ الإعلاميِّ عليها ، الأمر الذي ساهمَ في خروجِ العملِ السياسيِّ المُعارِضِ من دائرةِ العملِ السرِّيِّ ، كاجتماعاتٍ مغلقةٍ في غرفٍ تمتلئ بدخانِ السجائرِ ، إلى نشاطٍ أكثرَ براجماتيةً ، مُعلَنٍ ، أوراقُه مكشوفةٌ للجميعِ ، وقادر على التواصُلِ معَ جميعِ المهتمينَ بالعملِ العامِّ .
4-نقد حركاتِ المُعارَضَةِ في حالِ الاختلافِ عنها ، وعدم التعاملِ معها بصفتِها فوقَ المُساءَلةِ ، ويظهرُ هذا حينما كتبَ علاءُ تدوينتَه الشهيرة “رسالة مفتوحة إلى حركة كفاية” يتساءَلُ عن معنى مُطالبةِ حركةٍ نضالِـيَّةٍ مِصريةٍ بطردِ السفيرِ الدنماركيِّ ؛ ردًّا على ما اعتُبِرَ وقتَها رسومات مُسيئة للرسول – صلَّى الله عليه وسلَّم -.36 بالإضافةِ إلى ما كتبه د. يحيى القزاز بعنوان “نهاية حركة كِفاية في جبل المقطم” ونشره عبد المنعم محمود على مدوَّنته “أنا إخوان”37.