العلوم القانونية
محاضرات في مقياس
مدخل في العلوم القانونية
فرع : قانون الأعمال
الإرسال الأول
المراجع
المرجع الأول : مدخل للعلوم القانونية .
الدكتور عمار بوضياف
المرجع الثاني : مدخل للعلوم القانونية
الدكتور محمد سعيد جعفور
المرجع الثالث : الدكتور عبد الرزاق بوبندير
المرجع الرابع : الدكتور بريكي لحبيب .
القسم الأول : النظرية العامة للقانون
المطلب I : تعريف القانون :
المطلب Π: تعريف و خصائص القاعدة القانونية
المبحث الأول : خصائص القاعدة القانونية .
المبحث الثاني : مميزات الجزاء في القاعدة القانونية
المبحث الثالث: أقسام القاعدة القانونية أو أنواعها :
المطلب Ш: عناصر القاعدة القانونية :
المطلب VΙ : تقسيم القانون :
المطلبV : الصياغة القانونية.
المطلب VΙ : تطبيق القانون .
تمهيد
ضرورة القانون :
الإنسان كائن اجتماعي , إذ لا غنى له عن الحياة في مجتمع , فهو عاجز بمفرده عن الوفاء بمختلف حاجاته و إشباع رغباته , ولذلك لا يعيش بمعزل عن أقرانه .
غير أن الحياة في جماعة تتطلب تنظيم سلوك أفرادها و علاقاتهم عن طريق وضع قواعد تبين ما لكل منهم من حق , ما عليه من واجب , لمنع أي تداخل بين المصالح و لتجنب الفوضى و اختلال التوازن , وذلك لما زود به الإنسان من أنانية وحب للذات .
فلو انعدم مثل هذا التنظيم لكانت الكلمة المسموعة هي الفوضى , ولسادت شريعة الغاب, وأصبحت بالتالي الغلبة للأقوى , و لصدقت كلمة الفيلسوف الفرنسي BOSSUET : ((حيث يملك الكل فعل ما يشاء ولا يملك أحد فعل ما يشاء ، و حيث لا سيد فالكل سيد، و حيث الكل سيد فالكل عبد)) (1 ).
لذا ظهرت الحاجة إلى القانون للحد من حريات الأفراد وإزالة ما فيها من تعارض،وللتوفيق بين مصالحهم، و ذلك بعد أن استشعر الأفراد الحاجة إلى قواعد تنظم تصارع المصالح بينهم، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي بالجماعة كلها . وهو ما لا يمكن تجنبه إلا عن طريق فرض سلوك معين يلتزم به الكافة، مما يحقق النظام و الاستقرار في المعاملات (2 ) .
1 - انظر في الإشارة إليه حسن كيرة : المدخل إلى القانون ،الطبعة الخامسة (د . ت . ط )،ص1 .
2 - راجع في هذا المعنى عبد المنعم فرج الصدة : أصول القانون ، طبعة،1979ص12 ، توفيق حسن فرج : المدخل للعلوم القانونية ، طبعة 1976،ص14-15 و لهذا قال الرومان عبارتهم الشهيرة : ٌٌحيث يوجد مجتمع يوجد قانون (ubi socieietas ibis jus) ″ .
و يطلق على القواعد التي تنظم سلوك الأفراد و تحكم علاقاتهم في المجتمع عبارة " قواعد السلوك " Règles de conduite و تهدف هذه القواعد أساسا إلى تنظيم حقوق الأفراد و حمايتها ، و ذلك عن طريق تحديد مجال خاص بكل فرد من شأنه أن يمنع تدخل الآخرين، و لكن هذا التحديد لا يتأتى إلا بتعيين ما لكل فرد من حقوق وما عليه من واجبات ، على نحو يضمن لكل فرد ، و في آن واحد الاستمتاع بهذه الحقوق- وهو في مأمن من تدخل الأفراد الآخرين- و الوفاء بواجباتهم إزاءهم .
فكل حق يقابله واجب، و من هنا يتبين أن الحق و الواجب وجهان لعملة واحدة، فلا يتصور وجود أحدهما منفصلا عن الآخر ، كما أن الحق لا يوجد بغير القانون، و القانون لم يوجد إلا لتقرير الحق و تنظيمه و رسم حدوده و حمايته(3 ) والمثال على ذلك القاعدة القانونية التي أوردتها المادة 124 من التقنين المدني الجزائري التي تضع واجبا على الفرد بعدم الإضرار بغيره ، والتي تقرر في مقابل هذا الواجب حقا للمضرور ، من جراء مخالفة هذا الواجب ، في الحصول على تعويض معين من مسبب الضرر( 4 ) .
3 - علي حسن نجيدة : المدخل لدراسة القانون ،طبعة 1985 ، ص6 ، سمير كامل : المدخل للعلوم القانونية ، الكتاب الأول ، نظرية القانون طبعة 1985 - 1986 ص6 إسحاق إبراهيم منصور: نظريتا القانون والحق وتطبيقاتهما في القوانين الجزائرية ، الطبعة الثانية 1990 ، ص27 .
4 - تقضي المادة 124 من التقنين المدني الجزائري بما يلي : ((كل عمل أيا كان يرتكبه المرء و يسبب ضررا للغير يلزم من كان سببا في حدوثه بالتعويض )) . و يلاحظ سقوط كلمة الخطأ من الصياغة العربية لهذا النص ، مع أن الصياغة الفرنسية له قد أوردتها ، إذ قضت بما هو آت :
((tout fait quelconque de l`homme qui cause à autrui un dommage, oblige celui par la faute duquel il est arrivé ,à le réparer ))
و في هذا المجال يلاحظ أن كلمة DROIT في اللغة الفرنسية تستعمل للدلالة على كل من كلمتي ٌالقانونٌ و ٌالحقٌ مما قد يؤدي إلى الخلط بينهما، و تفاديا لهذا الخلط يضيف الفقهاء الفرنسيون إلى كلمة DROIT لفظ Objectif عندما يريدون التعبير عن القانون ، و يضيفون كلمة Subjectif للتعبير عن الحق ) 5 ( و لا وجو د لما قد يثير هذا اللبس في اللغة العربية التي أفردت مصطلحين لكل من المعنيين المذكورين، و كذا الأمر بالنسبة إلى اللغة الإنجليزيةLAW وRIGHT. و نخلص إلى أن دراسة المدخل للعلوم القانونية تتطلب الوقوف على أمرين :
1 - نظرية القانون : وتعالج فيها موضوعات : تعريف القانون , بيان خصائص قواعده، أقسام القانون و فروع كل قسم و أنواع القواعد القانونية، مصادر القانون ، و تفسير القانون و تطبيقه .
2 - نظرية الحق : و تدرس فيها المسائل المتعلقة بتعريف الحق ، بيان أنواعه أركان الحق و مصادره ، و استعمال الحق و حمايته وإثباته و زواله .
و ستنصب دراستنا هنا على الموضوعات التي تنضوي تحت عنوان ٌنظرية القانون ٌ على أن نتبعها ، إن شاء الله ، بتلك التي ينطوي عليها عنوان ٌنظرية الحق ٌ .
5 - انظر حبيب إبراهيم الخليلي: المدخل للعلوم القانونية (النظرية العامة للقانون ) الطبعة الثانية ، 1983 ص13 , إسحاق إبراهيم منصور : المرجع السابق ،ص27 ، محمد حسام محمود لطفي : المدخل لدراسة القانون في ضوء أراء الفقه و أحكام القضاء ، الكتاب الأول , نظرية القانون ، طبعة 1993 -1994 ، ص9 - 10 .
القسم الأول : النظرية العامة للقانون
المطلب I: تعريف القانون :
الاستعمالات المختلفة لمصطلح القانون :
المعنى اللغوي : كلمة قانون تستعمل في اللغة اليونانية للدلالة عن القاعدة المبدأ , و تستعمل مجازا للتعبير عن الاستقامة في المبدأ أو في القاعدة , و لذلك يعرف القانون في اللغة اليونانية KANUN بالعصا المستقيمة , ويعرف القانون في اللغة العربية بالخط المستقيم الذي هو معيار كل انحراف .
المعنى الاصطلاحي : يستعمل مصطلح قانون في جميع مجالات العلوم , إلا أن معناه يختلف في مجال العلوم الطبيعية و غيرها من العلوم عن معناه في مجال العلوم القانونية , إذ يعرف القانون في مجال العلوم الطبيعية : بأنه كل قاعدة مضطردة و مستقرة يفيد اضطرارها و استقرارها نتائج معينة , ومن الأمثلة عن ذلك قانون الجاذبية التي يعبر عن العلاقة الحتمية بين ظاهرة إلقاء أي جسم في الفضاء و ظاهرة سقوطه على الأرض , وتوصف هذه الواقعة بأنها قاعدة تقريرية أي تقرر الواقع كما هو , أي نصف الظاهرة و من ثم فإن الظاهرة التي تحكمها هذه القاعدة حتمية الوقوع متى توافرت أسبابها و دون أن يرد عليها أي استثناء .
أما المعنى الاصطلاحي لكلمة قانون في مجال العلوم القانونية فهو : مجموعة القواعد التي تنظم سلوك الأفراد في المجتمع , و التي تحمله السلطة العامة فيه على احترامها و لو بالقوة عند الاقتضاء , و توصف القاعدة التي يتضمنها القانون في معناه في مجال العلوم القانونية بأنها قاعدة تقويمية , باعتبارها قاعدة سلوك فتبين ما يجب أن يكون عليه سلوك الإنسان , و الإنسان بماله من إرادة حرة يمكنه أن يعدل سلوكه وفق هذه القاعدة اختيارا و طواعية فإن لم يفعل أجبر على ذلك , مما يفيد أن الظاهرة التي تتضمنها القاعدة القانونية التي هي قاعدة سلوك قد يرد عليها استثناء خلافا للقاعدة التقريرية .
استعمال القانون :
بمعناه العام و بإضافة صفة إليه مجموعة القواعد التي تنظم سلوك الفرد في المجتمع و استعمال القانون استعمالا خاصا ليكون له معنى آخر .
v يستعمل القانون استعمالا خاصا للتعبير عن أحد مصادره , و هو أن يطلق على القانون لفظ التشريع .
v قد يستعمل القانون استعمالا للتعبير عن أحد فروعه كالقانون المدني , القانون التجاري .
و يلاحظ أن مصطلح القانون DROIT له معنيين هما .
المعـنى الأول : مجموعة القواعد الموضوعية التي تكون القانون .
المعـنى الثاني: الحق , وهو مجموعة المزايا التي ترتبها القواعد الموضوعية ,
تجنبا للخلط بين هذين المعنيين أضاف الفقه الفرنسي على كلمة DROIT صفة موضوعي objectif بصفة المفرد لتصير العبارة droit objectif ليعتبر و يدل عن القانون , و أضاف صفة الشخصيsubjectifs بصفة الجمع ليدل عن الحق و تصير العبارة subjectifsdroit و في الإنجليزية يستعملون كلمة Law ليدلون عن القانون و كلمة right ليدلون عن الحق .
المطلب Π
تعريف و خصائص القاعدة القانونية
المبحث الأول :
خصائص القاعدة القانونية .
1) – مجموعة قواعد اجتماعية .
2) – مجموعة قواعد سلوك .
3) – مجموعة قواعد مجردة و عامة .
4) – مجموعة قواعد ملزمة .
1) – القانون مجموعة قواعد اجتماعية :
القاعدة القانونية هي قاعدة سلوك اجتماعية مقترنة بجزاء يوقع جبرا على من يخالف حكمها .
والقانون يهدف من خلال تنظيم علاقات الأفراد في المجتمع على إقامة النظام فيه , و منع الفوضى في هذا المجتمع .
ذلك أن القانون إنما يضع قواعد سلوك وفق مبادئ عليا يستهدفها و يتوجه بها إلى الأفراد في المجتمع حاكمين أو محكومين ليبين لهم ما يجب أن يكون عليه السلوك في هذا المجتمع .
و حتى يمكن للقانون أن يحقق هدفه , فإنه يفترض توافر أمرين :
§ وجود الإنسان لأن هذا الأخير وحده الذي يمكن أن يكلف بالتكاليف القانونية.
§ وجود بيئة اجتماعية لأن القانون لا يهتم بالإنسان إلا بمناسبة عيشه داخل الجماعة , وإذا كانت الدولة تشكل في الوقت الحاضر شكل أو صورة المجتمعات الإنسانية فذلك لا يعني أن القانون قد وجد بوجودها بل إن القانون قد عرفته المجتمعات السابقة ابتداء من الأسرة إلى العشيرة إلى القبيلة إلى غير ذلك من صور المجتمعات البشرية , و إذا كان القانون قد عرفته المجتمعات البشرية السابقة فذلك دليل على أن تطور القانون بتطور المجتمعات , و الذي يتطور هو الآخر بتطور احتياجات الأفراد داخل الجماعة , وإذا كان القانون يهدف إلى إقامة النظام في المجتمع و منع الفوضى فيه عن طريق تنظيم علاقات الأفراد داخل هذا المجتمع , كذلك لا يعني أن القانون لا ينظم جميع هذه العلاقات بل ينظم جزءا فقط منها , وهو الجزء الذي يعتبر ضروريا ولازما لإقامة هذا النظام و الحفاظ عليه . أما غيرها من العلاقات فيترك أمر تنظيمها لقواعد اجتماعية أخرى مثل : قواعد المجاملات و العادات و التقاليد و قواعد الأخلاق و قواعد الدين .
2) – القانون مجموعة قواعد سلوك :
إذا كان القانون ينظم علاقات الإنسان بغيره من الأفراد في المجتمع , فإنه لا ينظم في الإنسان إلا ما ظهر من سلوكه فلا دخل للقانون في نوايا الإنسان أو مشاعره أو خلجات ضميره و هذا كقاعدة عامة , و القانون مجموعة قواعد سلوكية أي قواعد تقويمية أي ما يجب أن يكون عليه سلوك الإنسان بمعنى أن المشرع يصوغ القواعد القانونية وفق مثل و قيم يستهدفها عن طريق تكليف بأمر أو نهي عنه , و يتوجه به إلى الأفراد الذين يتعين عليهم طاعته بإخضاع سلوكهم إليه , ويلاحظ أن القانون لا ينظم من الإنسان إلا سلوكه الخارجي , فلا شأن له بنوايا الإنسان و لا مشاعره النفسية و لا خلجات ضميره .
ولذلك فإن القانون لا يعاقب على مجرد التفكير في ارتكاب الجريمة , إلا إذا اصطحب هذا التفكير بفعل خارجي كشراء الأسلحة اللازمة لتنفيذها , في هذه الحالة فقط يتدخل القانون بمنع هذه الجريمة أو توقيع العقاب على مرتكبيها , و لكن ما يجب ملاحظته أن القاعدة عدم اعتداد القانون بالنوايا غير مطلقة , إذ توجد قواعد تستوجب لتطبيقها منها الاعتداد ببعض النوايا .
§ القاعدة التي تضمنتها المادة رقم 41 من القانون المدني التي تلزم من يتعسف في استعمال حقه من تعويض الغير عن الضرر الذي أصابه من جراء ذلك ( أي نية الإضرار بالغير )
§ القاعدة التي تقول : القاتل يعدم - هذه القاعدة لا تطبق إلا إذا كان القاتل قد تعمد القتل , أي توافرت لديه نية القتل , و لا تطبق هذه القاعدة إذا كان القتل غير متعمد كالقتل الخطأ .
3) – القانون مجموعة قواعد مجددة و عامة :
إن القانون باعتباره قواعد سلوك اجتماعية , أي تكليف بأمر أو نهي عنه سابق في وجوده بما يواجهه من فروض يخضعها بحكمه و ذلك لأنه من غير المستطاع التوقع لما سيجد من هذه الفروض مستقبلا ووضع حكم لكل فرض , يضاف إلى ذلك أن ضمان الاستقرار في المجتمع يستوجب تحقيق المساواة بين أفراده , و لا يمكن أن تتحقق هذه المساواة إلا في التكليف في القاعدة القانونية يقوم على أساس موضوعي لا ذاتي بأن يكون الخطاب في التكليف قائما على عنصر التجريد بتعميم الصفة و ليس بتخصيص الذات .
و على هذا الأساس يمكن تعريف خاصية التجريد في القاعدة القانونية بأن الحكم في القاعدة القانونية يطبق على الغرض الذي تتضمنه هذه القاعدة في كل زمن , و بالنسبة لجميع الأشخاص والوقائع , بمعنى أن الحكم الذي يعتبر الأثر الذي يرتبه القانون على تحقق الظاهرة الأصلية , و هي الفرض - إنما يطبق على كل شخص توافرت فيه الصفات التي يحددها هذا الفرض كما يطبق على كل واقعة أو تصرف قانوني توافرت فيه الشروط التي يحددها هذا الفرض , وبذلك تتحقق للقاعدة القانونية الخاصية التالية :
و هي خاصية العمومية , أي عمومية التطبيق , الأمر الذي جعل بعض علماء الفقه يقول : بأن القاعدة القانونية تبدأ مجردة لتنتهي عند التطبيق عامة .
ولنوضح خاصية التجريد و التعميم في القاعدة القانونية بالنسبة للأفراد و بالنسبة للوقائع أو التصرفات القانونية .
أ – بالنسبة للأفراد : أي كان آتي فعلا أصاب الغير بضرر يلزم من
تسبب في الفعل بالتعويض .
ب- بالنسبة للوقائع : إذا كان البيع بالعينة فيجب أن يكون المبيع مطابقا له, ويشترط باعتبار القاعدة القانونية مجردة و عامة أن تكون شاملة التطبيق أي بأن تطبق على جميع الأفراد في المجتمع أو على جميع الوقائع أو التصرفات القانونية.
4) – القانون مجموعة قواعد ملزمة :
إذا كان القانون يهدف إلى إقامة النظام في المجتمع و الحفاظ عليه عن طريق وضع قواعد سلوك اجتماعية يتوجه بها إلى الأفراد الذين يمكنهم بما لهم من إرادة حرة طاعة هذه القواعد أو مخالفتها . و إذا كان ضمان استقرار النظام بالمجتمع يستوجب أن يحترم كل فرد في المجتمع القانون و يعمل به , ذلك أن القاعدة القانونية ليست مجرد نصيحة إن شاء الأفراد انتصحوا بها و إن شاؤوا طرحوها , بل هي تكليف في أمر أو نهي عنه يجب طاعته , و لذلك كان من الواجب أن تقترن القاعدة القانونية بجزاء يوقع على من يخالف أحكام القانون , وإن الغرض من هذا الجزاء هو حمل الأفراد على احترام القانون كرها إن لم يقدموا على احترامه طواعية و على هذا الأساس يصف الفقه الجزاء في القاعدة القانونية : بأنه شتر معلق على شرط مخالفة القانون بغية حمل الأفراد كرها على احترام القانون .
المبحث الثاني : مميزات الجزاء في القاعدة القانونية :
الجزاء يوقع جبرا بواسطة السلطة العامة وفق تنظيم معلوم مسبقا .
1 – يوقع جبرا , فهو يكشف عن صفة هذا الجزاء كونه جزاء ماديا ( محسوس، ملموس، خارجي، ظاهر) يوقع في الحياة الدنيا .
2 – بواسطة السلطة العامة المختصة ( السلطة التنفيذية ) باسم المجتمع , وذلك يكشف عن طبيعة الجزاء أنه إجبار عام ( يوقع باسم المجتمع ) .
و ذلك يعني أنه لا مجال للاقتصاص الفردي , بمعنى أنه لا يجوز للأفراد أن يستقلوا بتوقيع الجزاء للقاعدة القانونية بأنفسهم إلا في حالة تنازل السلطة العامة عن الإجبار العام , من الأفراد و ذلك في الحالات التي ينص عليها القانون صراحة , ومن بين هذه الحالات حالة الدفاع الشرعي , حالة الحبس في المسائل المدنية ( أي يجوز للدائن أن يخلص أموال مدينه التي تحت يده إلى غاية الوفاء بالدين ) .
3 – وفق تنظيم معلوم مسبقا , إن السلطة العامة ( التنفيذية ) لا يمكنها أن توقع الجزاء إلا بعد التثبت من وقوع مخالفة القانون بواسطة سلطة عامة أخرى مختصة و هي السلطة القضائية مما يكشف عن طبيعة الجزاء في القاعدة القانونية أنه جزاء أو إجبار منظم .
و يلاحظ أن الجزاء في القاعدة القانونية ليس على نوع واحد , بل يختلف باختلاف القواعد القانونية،
بدليل :
1. إن مخالفة قواعد القانون الجنائي كالقيام بجريمة سرقة أو قتل تستوجب جزاء جنائيا , و يسمى هذا الجزاء بالعقوبة , وهذا الجزاء قد يمس الشخص في جسمه كالإعدام , وقد يمس الشخص في حريته ( كالحبس ) , و قد يمس الشخص في ماله ( كالغرامة ) .
2. إن مخالفة قواعد القانون الإداري كعدم قيام الموظف بوظيفته تستوجب جزاء إداريا , هذا الجزاء كأن يكون الحرمان من الترقية أو الخصم من الراتب .
3. إن مخالفة قواعد القانون المدني تستوجب جزاء مدنيا . و الجزاء المدني متعدد و متنوع لا يمكن حصره , ومن الأمثلة عليه : بطلان العقد , التعويض عن الضرر .
المبحث الثالث : أقسام القاعدة القانونية أو أنواعها :
القواعد القانونية تقسم من حيث مدى التزام الأفراد بأحكامها ,على نوعين من القواعد .
النوع الأول : القواعد الآمرة .
النوع الثاني : القواعد المكملة ( المقررة )
1. القواعد الآمرة : القاعدة الآمرة هي القاعدة التي لا يجوز للأفراد أن يتفقوا على ما يخالف حكمها , وعلى هذا الأساس تتميز القاعدة القانونية الآمرة بالتالي :
1- قاعدة حاجية الاتباع في جميع الحالات و في جميع الفروض .
2- قاعدة مطلقة التطبيق , أي ينعدم فيها إرادة الأفراد في أن يتفقوا على حكم يخالف حكمها .
3- أن كل اتفاق يخالف حكم القاعدة القانونية الآمر يقع باطلا و عديم الأثر , فيعتبر الاتفاق المخالف لحكمها و كأنه لم يوجد أصلا .
و مثال القاعدة الآمرة : القاعدة التي تجرم القتل و تضع عقابا للقاتل .
و يلاحظ أن العلة من جعل القاعدة الآمرة قاعدة واجبة الاتباع إطلاقا تكمن في أن هذه القاعدة إنما تنظم مسالة تعتبر أساسية لإقامة النظام في المجتمع وذلك بالنظر إلى أن هذه المسألة تمس كيان المجتمع .
2 – القواعد المكملة : هي القواعد التي يجوز للأفراد أن يتفقوا على ما يخالف حكمها وهي تتميز بما يلي :
1- قاعدة واجبة الاتباع في جميع الحالات و الفروض , بشرط عدم وجود اتفاق على ما يخالف حكمها .
2- قاعدة غير مطلقة التطبيق , و لا تنعدم فيها إرادة الأفراد في أن يتفقوا على حكم يخالف حكمها .
3- كل اتفاق يخالف حكم القاعدة القانونية المكملة يعتبر صالحا و صحيحا . فإن وجد الاتفاق فيطبق الاتفاق و لا يطبق الحكم الوارد في القاعدة القانونية المكملة .
و مثال القاعدة المكملة , القاعدة التي تنص على أن تكاليف تسليم المبيع على عاتق المشتري .
معايير التمييز بين القاعدة الآمرة و القاعدة المكملة أو المقررة .
يمكن التمييز بين القاعدة الآمرة و القاعدة المكملة أو المفسرة بالاعتماد على المعيارين التاليين .
المعيار الأول :
المعيار الشكلي أو المعيار اللفظي :
هو المعيار الذي ينظر فيه إلى الألفاظ التي صيغت فيها القاعدة القانونية .
المعيار الثاني :
المعيار الموضوعي :
هو المعيار الذي ينظر فيه مضمون القاعدة القانونية أو محتواها أو معناها .
إذا كانت القاعدة القانونية مكتوبة ( وهو الوضع الغالب ) فقد تفيد العبارات التي صيغت بها في تحديد صفة القاعدة أنها آمرة أو مكملة .
فإذا كانت الألفاظ التي صيغت بها القاعدة القانونية توحي بعدم جواز الاتفاق على ما يخالف حكمها أو بطلان هذا الاتفاق , فإن هذه القاعدة هي قاعدة آمرة .
مثال 1 : إن وقع الاتفاق على أن أحد الشركاء في شركة لا يساهم في أرباحها و لا يتحمل خسائرها فإن الاتفاق يعد باطلا .
مثال 2 : و قد تكون القاعدة آمرة حتى في حالة عدم وجود عبارة بطلان الاتفاق كالحالة التي توحي فيها القاعدة بعدم جواز هذا الاتفاق .
مثال 3 : و مثال ذلك القاعدة القانونية التي تنص على أنه يجوز للنائب أن يشتري لنفسه ما أوكل بيعه , فإذا كانت الألفاظ التي صيغت بها القاعدة القانونية توحي بجواز الاتفاق على ما يخالف حكمها فإن القاعدة مكملة .
مثال 4 : إن دفع الثمن يكون في وقت تسليم المبيع , ما لم يوجد اتفاق أو عرف يقضي بخلاف ذلك .
وقد يتعدى تحديد وصف القاعدة القانونية أنها آمرة مكملة اعتمادا على معيارالشكل , ومن ثم وجب البحث في مضمون هذه القاعدة أو فحواها أو معناها , ذلك أن العبارات التي قد تصاغ فيها القاعدة القانونية قد لا توحي بجواز أو بعدم جواز الاتفاق على ما يخالف حكم القاعدة .
مثال 1 : القاعدة القانونية التي تنص على أن المستأجر مسؤول عن حريق العين المؤجرة ما لم يثبت أن الحريق كان بسبب أجنبي لا يد له فيه .
فإذا كان موضوع القاعدة القانونية ينظم مسألة تهم أفراد المجتمع بأسرهم, كانت قاعدة آمرة و إذا كان موضوع القاعدة القانونية ينظم مسالة خاصة بأطراف العلاقة القانونية و هي مسألة تهم هؤلاء الأطراف فقط , كانت القاعدة مكملة .
وبعبارة أخرى , إذا كانت القاعدة القانونية تتعلق بالنظام العام أو الآداب العامة , فهي قاعدة آمرة , و إذا كانت القاعدة القانونية لا تتعلق بالنظام العام للآداب العامة , فهي قاعدة مكملة .
و استنادا إلى المعيار الموضوعي يقول بعض الفقه ما يلي :
§ إذا كانت القاعدة القانونية تنظم موضوعا يهم المجتمع بأسره كانت هذه القاعدة قاعدة آمرة .
§ إذا كانت القاعدة القانونية لا تنظم موضوعا يهم المجتمع بأسره , وإنما تنظم موضوعا خاصا يهم أطراف العلاقة القانونية , كانت هذه القاعدة قاعدة مكملة.
ويعبر عن هذه الفكرة بمصطلح آخر مفاده : << إذا كانت القاعدة القانونية متعلقة بالنظام العام أو الآداب العامة كانت القاعدة آمرة >> .
وإذا كانت القاعدة القانونية لا تتعلق بالنظام العام أو الآداب العامة فهذه القاعدة تكون قاعدة مكملة.
ويقصد بالنظام العام مجموعة الأسس أو المصالح الحيوية السياسية و الاقتصادية والاجتماعية التي يقوم عليها مجتمع معين في زمن محدد . وإذا كانت هذه الأسس أو المصالح متعلقة بالأخلاق سميت بالآداب العامة أو حسن الآداب .
ويطرح تعريف النظام العام و الآداب العامة إشكالا حول معرفة المقصود بالأسس أو المصالح الحيوية , والسبب في ذلك أن فكرة النظام العام أو الآداب العامة هي فكرة نسبية من حيث المكان و من حيث الزمان .
ونظرا لصعوبة تحديد مفهوم النظام العام أو الآداب العامة أو تقرير ما إذا كانت القاعدة القانونية متعلقة بهما أو لا , فقد ترك أمر تقرير ذلك إلى القاضي الموضوع الذي يجب عليه ألا يستفيد بتقيد في تقرير ذلك بمعتقداته أو مبادئه بل على مبادئ و معتقدات المجتمع .
المطلب Ш
عناصر القاعدة القانونية :
تتكون القاعدة القانونية من عنصرين :
العنصر الأول : الفرض .
العنصر الثاني : الحكم أو الحل .
و يعتبر كل من الفرض و الحكم ظاهرة أو واقعة، و يعتبر الفرض الواقعة أو الظاهرة التي إذا تحققت وجب أن يترتب على ذلك أثر معين، ويسمى الفرض تمييزا له عن الحكم بـ الظاهرة الأصلية أو الواقعة الأصلية . و يعتبر الحكم الواقعة أو الظاهرة التي يجب إهمالها في حالة تحقق الظاهرة الأصلية
( الفرض ) أو هو ( الحكم ) الأثر الذي يرتبه القانون على تحقق الظاهرة الأصلية ( الفرض) .
مثال : المادة 353 من القانون المدني التي تنص على ما يلي :
إذا كان البيع بالعينة يجب أن يكون المبيع مطابقا لها .
عنصر الفرض في هذه القاعدة هو : البيع بالعينة .
عنصر الحكم فيها هو الوجوب كون المبيع مطابقا للعينة .
مثال : المادة 261 من قانون العقوبات تنص على ما يلي :
كل من قتل نفسا متعمدا يعدم .
عنصر الفرض في هذه القاعدة هو القتل العمد .
عنصر الحكم فيها هو قتل القاتل بالإعدام .
ملاحظات : يلاحظ أن :
· الحكم في القاعدة القانونية على نوعين :
- النوع الأول : يشمل الحكم المقصود لذاته .
- النوع الثاني هو الحكم الغير مقصود لذاته .
· الحكم المقصود لذاته هو الحكم الذي لا يحتاج لتطبيقه أي إجراء آخر
( إجراء قانوني ) .
· الحكم غير المقصود لذاته هو الحكم الذي يكون الغرض من وجوده هو تيسير تطبيق أحكامه لقواعد قانونية أخرى .
مثال : المادة 40 من القانون المدني تنص على ما يلي :
- كل من بلغ 19 سنة و لم يحجر عليه يعتبر رشيدا .
- كل من بلغ سن 19 سنة ,وكان متمتعا بجميع قواه العقلية ( رشيدا ) .
عنصر الفرض : بلوغ 19 سنة .
عنصر الحكم : الرشاد ( حكم غير مفصود لذاته ) .
و يلاحظ ثانيا أنه لا تلازم بين مادة القانون أو نصه و بين ما يتضمنه من قواعد قانونية بفرض واحد و حكم واحد , كما هو الحال في الأمثلة السابقة .
بل يمكن أن تتضمن مادة القانون أو نصه أكثر من قاعدة قانونية واحدة , مثال
ذلك ما تنص عليه المادة 125 من القانون المدني , على أنه :
<< يكون ناقص الأهلية , مسؤولا عن أعماله الضارة من صدرت منه و هو مميز,
غير أنه إذا وقع الضرر من شخص غير مميزو لم يكن هناك منهو مسؤول
عنه أو تعذر الحصول على تعويض من المسؤول جاز للقاضي أن يحكم على
من وقع منه الضرر بتعويض عادل مراعيا في ذلك مركز الخصوم . >>
تتضمن هذه المادة قاعدتين قانونيتين , أما الأولى ( القاعدة ) تحدد مسؤولية
القاصر المميز , وأما القاعدة الثانية فتحدد مسؤولية الصبي غير المميز .
المطلب ΙV:
تقسيم القانون :
أ 1 / تعريف القانون العام و الخاص :
الفقه قديما يعرف القانون العام على أنه القانون الذي يحكم العلاقات القانونية التي تكون الدولة طرفا فيها .
و يعرف القانون الخاص بأنه القانون الذي يحكم العلاقات القانونية التي لا تكون الدولة طرفا فيها .
و يلاحظ أن العلاقة القانونية بما تنشئه من حقوق و ما تفرضه من التزامات يجب أن تنسب إلى أصحابها أي أطراف هذه العلاقة , وقد جرى الاصطلاح القانوني على تسمية صاحب الحق أو من يلتزم بالالتزام بالشخص فكل صاحب حق في العلاقة نسميه بالشخص , ويعرف الشخص في القانون من يتمتع بالشخصية القانونية أي من تكون له صلاحية تلقى الحقوق و تحمل بالالتزامات .
والشخص بنظر القانون قد يكون من بني البشر أي إنسان و يسمى في هذه الحال << بالشخص الطبيعي >>, الشخصية القانونية ليست حكرا على بني آدم , بل قد تثبت على مجموعة من الأموال أو مجموعة من الأشخاص.
و تعتبر الأشخاص في هذه الحال من غير الكائنات الحية و من غير بني آدم , ويسمى الشخص في هذه الحال بالشخص الاعتباري أو الشخص المعنوي , كالجمعيات و الشركات و الدولة من فروعها كوزارات و مؤسسات عمومية و الشخص المعنوي نوعان :
شخص معنوي خاص : كالجمعيات و الشركات .
شخص معنوي عام : كالدولة و فروعها من وزارات و مؤسسات عمومية , يمنحه القانون حقوقا و امتيازات السلطة العامة لا يمنحها القانون لا للشخص الطبيعي و لا للشخص المعنوي الخاص .
مثال : إقدام الدولة على نزع ملكية خاصة من أجل منفعة عامة , و يلاحظ
أن الشخص المعنوي عندما يدخل في العلاقة القانونية قد يتصرف
بصفته سلطة عامة .
مثال : قيام الدولة بنزع ملكية خاصة من أجل منفعة عامة , وقد تتصرف
كفرد عادي , مجردة السيادة أي مجرد من صفة السلطة العامة .
كأن تقوم وزارة بشراء قطعة أرض من شخص معنوي خاص , وبناء على ذلك يتصور أن العلاقات القانونية التي تقوم في المجتمع لا تخرج عن أربعة أنواع :
1 – علاقة قانونية : تقوم بين أشخاص جميعهم أشخاص طبيعيون , أو بينهم و بين أشخاص اعتباري خاص .
2 - علاقة قانونية : تقوم بين أشخاص جميعهم أشخاص طبيعيون أو بينهم و بين أشخاص معنوية خاصة أو بينهم و بين أشخاص معنوية عامة تصرفت مجردة من صفة السلطة العامة.
3 – علاقة قانونية: بين شخص طبيعي أو بين شخص اعتباري خاص و شخص اعتباري عام تصرف باعتباره صاحب سيادة .
4 – علاقة قانونية : بين أشخاص اعتبارية عامة تصرفت بصفتها صاحبة سيادة .
ونظرا لكون الشخص الاعتباري العام يمكن أن يتصرف باعتباره سلطة عامة , و قد يتصرف مجردا من هذه السلطة لينزل منزلة الأفراد , و من ثم من العدل أن يخضع في هذه الحال للقانون الذي يحكم الأفراد و هو القانون الخاص .
وعلى هذا الأساس , يعرف الفقه الحديث أن القانون العام هو القانون الذي يحكم العلاقة القانونية التي تكون الدولة أو إحدى فروعها أو هيئاتها العامة بصفتها سلطة عامة .
والقانون الخاص هو الذي يحكم العلاقات القانونية التي لا تكون في الدولة طرفا و كذا العلاقات القانونية التي تدخل فيها الدولة أو إحدى هيئاتها مجردة من السلطة العامة أي مجردة من السيادة .
محاضرات في مقياس
مدخل في العلوم القانونية
فرع : قانون الأعمال
الإرسال الأول
المراجع
المرجع الأول : مدخل للعلوم القانونية .
الدكتور عمار بوضياف
المرجع الثاني : مدخل للعلوم القانونية
الدكتور محمد سعيد جعفور
المرجع الثالث : الدكتور عبد الرزاق بوبندير
المرجع الرابع : الدكتور بريكي لحبيب .
القسم الأول : النظرية العامة للقانون
المطلب I : تعريف القانون :
المطلب Π: تعريف و خصائص القاعدة القانونية
المبحث الأول : خصائص القاعدة القانونية .
المبحث الثاني : مميزات الجزاء في القاعدة القانونية
المبحث الثالث: أقسام القاعدة القانونية أو أنواعها :
المطلب Ш: عناصر القاعدة القانونية :
المطلب VΙ : تقسيم القانون :
المطلبV : الصياغة القانونية.
المطلب VΙ : تطبيق القانون .
تمهيد
ضرورة القانون :
الإنسان كائن اجتماعي , إذ لا غنى له عن الحياة في مجتمع , فهو عاجز بمفرده عن الوفاء بمختلف حاجاته و إشباع رغباته , ولذلك لا يعيش بمعزل عن أقرانه .
غير أن الحياة في جماعة تتطلب تنظيم سلوك أفرادها و علاقاتهم عن طريق وضع قواعد تبين ما لكل منهم من حق , ما عليه من واجب , لمنع أي تداخل بين المصالح و لتجنب الفوضى و اختلال التوازن , وذلك لما زود به الإنسان من أنانية وحب للذات .
فلو انعدم مثل هذا التنظيم لكانت الكلمة المسموعة هي الفوضى , ولسادت شريعة الغاب, وأصبحت بالتالي الغلبة للأقوى , و لصدقت كلمة الفيلسوف الفرنسي BOSSUET : ((حيث يملك الكل فعل ما يشاء ولا يملك أحد فعل ما يشاء ، و حيث لا سيد فالكل سيد، و حيث الكل سيد فالكل عبد)) (1 ).
لذا ظهرت الحاجة إلى القانون للحد من حريات الأفراد وإزالة ما فيها من تعارض،وللتوفيق بين مصالحهم، و ذلك بعد أن استشعر الأفراد الحاجة إلى قواعد تنظم تصارع المصالح بينهم، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي بالجماعة كلها . وهو ما لا يمكن تجنبه إلا عن طريق فرض سلوك معين يلتزم به الكافة، مما يحقق النظام و الاستقرار في المعاملات (2 ) .
1 - انظر في الإشارة إليه حسن كيرة : المدخل إلى القانون ،الطبعة الخامسة (د . ت . ط )،ص1 .
2 - راجع في هذا المعنى عبد المنعم فرج الصدة : أصول القانون ، طبعة،1979ص12 ، توفيق حسن فرج : المدخل للعلوم القانونية ، طبعة 1976،ص14-15 و لهذا قال الرومان عبارتهم الشهيرة : ٌٌحيث يوجد مجتمع يوجد قانون (ubi socieietas ibis jus) ″ .
و يطلق على القواعد التي تنظم سلوك الأفراد و تحكم علاقاتهم في المجتمع عبارة " قواعد السلوك " Règles de conduite و تهدف هذه القواعد أساسا إلى تنظيم حقوق الأفراد و حمايتها ، و ذلك عن طريق تحديد مجال خاص بكل فرد من شأنه أن يمنع تدخل الآخرين، و لكن هذا التحديد لا يتأتى إلا بتعيين ما لكل فرد من حقوق وما عليه من واجبات ، على نحو يضمن لكل فرد ، و في آن واحد الاستمتاع بهذه الحقوق- وهو في مأمن من تدخل الأفراد الآخرين- و الوفاء بواجباتهم إزاءهم .
فكل حق يقابله واجب، و من هنا يتبين أن الحق و الواجب وجهان لعملة واحدة، فلا يتصور وجود أحدهما منفصلا عن الآخر ، كما أن الحق لا يوجد بغير القانون، و القانون لم يوجد إلا لتقرير الحق و تنظيمه و رسم حدوده و حمايته(3 ) والمثال على ذلك القاعدة القانونية التي أوردتها المادة 124 من التقنين المدني الجزائري التي تضع واجبا على الفرد بعدم الإضرار بغيره ، والتي تقرر في مقابل هذا الواجب حقا للمضرور ، من جراء مخالفة هذا الواجب ، في الحصول على تعويض معين من مسبب الضرر( 4 ) .
3 - علي حسن نجيدة : المدخل لدراسة القانون ،طبعة 1985 ، ص6 ، سمير كامل : المدخل للعلوم القانونية ، الكتاب الأول ، نظرية القانون طبعة 1985 - 1986 ص6 إسحاق إبراهيم منصور: نظريتا القانون والحق وتطبيقاتهما في القوانين الجزائرية ، الطبعة الثانية 1990 ، ص27 .
4 - تقضي المادة 124 من التقنين المدني الجزائري بما يلي : ((كل عمل أيا كان يرتكبه المرء و يسبب ضررا للغير يلزم من كان سببا في حدوثه بالتعويض )) . و يلاحظ سقوط كلمة الخطأ من الصياغة العربية لهذا النص ، مع أن الصياغة الفرنسية له قد أوردتها ، إذ قضت بما هو آت :
((tout fait quelconque de l`homme qui cause à autrui un dommage, oblige celui par la faute duquel il est arrivé ,à le réparer ))
و في هذا المجال يلاحظ أن كلمة DROIT في اللغة الفرنسية تستعمل للدلالة على كل من كلمتي ٌالقانونٌ و ٌالحقٌ مما قد يؤدي إلى الخلط بينهما، و تفاديا لهذا الخلط يضيف الفقهاء الفرنسيون إلى كلمة DROIT لفظ Objectif عندما يريدون التعبير عن القانون ، و يضيفون كلمة Subjectif للتعبير عن الحق ) 5 ( و لا وجو د لما قد يثير هذا اللبس في اللغة العربية التي أفردت مصطلحين لكل من المعنيين المذكورين، و كذا الأمر بالنسبة إلى اللغة الإنجليزيةLAW وRIGHT. و نخلص إلى أن دراسة المدخل للعلوم القانونية تتطلب الوقوف على أمرين :
1 - نظرية القانون : وتعالج فيها موضوعات : تعريف القانون , بيان خصائص قواعده، أقسام القانون و فروع كل قسم و أنواع القواعد القانونية، مصادر القانون ، و تفسير القانون و تطبيقه .
2 - نظرية الحق : و تدرس فيها المسائل المتعلقة بتعريف الحق ، بيان أنواعه أركان الحق و مصادره ، و استعمال الحق و حمايته وإثباته و زواله .
و ستنصب دراستنا هنا على الموضوعات التي تنضوي تحت عنوان ٌنظرية القانون ٌ على أن نتبعها ، إن شاء الله ، بتلك التي ينطوي عليها عنوان ٌنظرية الحق ٌ .
5 - انظر حبيب إبراهيم الخليلي: المدخل للعلوم القانونية (النظرية العامة للقانون ) الطبعة الثانية ، 1983 ص13 , إسحاق إبراهيم منصور : المرجع السابق ،ص27 ، محمد حسام محمود لطفي : المدخل لدراسة القانون في ضوء أراء الفقه و أحكام القضاء ، الكتاب الأول , نظرية القانون ، طبعة 1993 -1994 ، ص9 - 10 .
القسم الأول : النظرية العامة للقانون
المطلب I: تعريف القانون :
الاستعمالات المختلفة لمصطلح القانون :
المعنى اللغوي : كلمة قانون تستعمل في اللغة اليونانية للدلالة عن القاعدة المبدأ , و تستعمل مجازا للتعبير عن الاستقامة في المبدأ أو في القاعدة , و لذلك يعرف القانون في اللغة اليونانية KANUN بالعصا المستقيمة , ويعرف القانون في اللغة العربية بالخط المستقيم الذي هو معيار كل انحراف .
المعنى الاصطلاحي : يستعمل مصطلح قانون في جميع مجالات العلوم , إلا أن معناه يختلف في مجال العلوم الطبيعية و غيرها من العلوم عن معناه في مجال العلوم القانونية , إذ يعرف القانون في مجال العلوم الطبيعية : بأنه كل قاعدة مضطردة و مستقرة يفيد اضطرارها و استقرارها نتائج معينة , ومن الأمثلة عن ذلك قانون الجاذبية التي يعبر عن العلاقة الحتمية بين ظاهرة إلقاء أي جسم في الفضاء و ظاهرة سقوطه على الأرض , وتوصف هذه الواقعة بأنها قاعدة تقريرية أي تقرر الواقع كما هو , أي نصف الظاهرة و من ثم فإن الظاهرة التي تحكمها هذه القاعدة حتمية الوقوع متى توافرت أسبابها و دون أن يرد عليها أي استثناء .
أما المعنى الاصطلاحي لكلمة قانون في مجال العلوم القانونية فهو : مجموعة القواعد التي تنظم سلوك الأفراد في المجتمع , و التي تحمله السلطة العامة فيه على احترامها و لو بالقوة عند الاقتضاء , و توصف القاعدة التي يتضمنها القانون في معناه في مجال العلوم القانونية بأنها قاعدة تقويمية , باعتبارها قاعدة سلوك فتبين ما يجب أن يكون عليه سلوك الإنسان , و الإنسان بماله من إرادة حرة يمكنه أن يعدل سلوكه وفق هذه القاعدة اختيارا و طواعية فإن لم يفعل أجبر على ذلك , مما يفيد أن الظاهرة التي تتضمنها القاعدة القانونية التي هي قاعدة سلوك قد يرد عليها استثناء خلافا للقاعدة التقريرية .
استعمال القانون :
بمعناه العام و بإضافة صفة إليه مجموعة القواعد التي تنظم سلوك الفرد في المجتمع و استعمال القانون استعمالا خاصا ليكون له معنى آخر .
v يستعمل القانون استعمالا خاصا للتعبير عن أحد مصادره , و هو أن يطلق على القانون لفظ التشريع .
v قد يستعمل القانون استعمالا للتعبير عن أحد فروعه كالقانون المدني , القانون التجاري .
و يلاحظ أن مصطلح القانون DROIT له معنيين هما .
المعـنى الأول : مجموعة القواعد الموضوعية التي تكون القانون .
المعـنى الثاني: الحق , وهو مجموعة المزايا التي ترتبها القواعد الموضوعية ,
تجنبا للخلط بين هذين المعنيين أضاف الفقه الفرنسي على كلمة DROIT صفة موضوعي objectif بصفة المفرد لتصير العبارة droit objectif ليعتبر و يدل عن القانون , و أضاف صفة الشخصيsubjectifs بصفة الجمع ليدل عن الحق و تصير العبارة subjectifsdroit و في الإنجليزية يستعملون كلمة Law ليدلون عن القانون و كلمة right ليدلون عن الحق .
المطلب Π
تعريف و خصائص القاعدة القانونية
المبحث الأول :
خصائص القاعدة القانونية .
1) – مجموعة قواعد اجتماعية .
2) – مجموعة قواعد سلوك .
3) – مجموعة قواعد مجردة و عامة .
4) – مجموعة قواعد ملزمة .
1) – القانون مجموعة قواعد اجتماعية :
القاعدة القانونية هي قاعدة سلوك اجتماعية مقترنة بجزاء يوقع جبرا على من يخالف حكمها .
والقانون يهدف من خلال تنظيم علاقات الأفراد في المجتمع على إقامة النظام فيه , و منع الفوضى في هذا المجتمع .
ذلك أن القانون إنما يضع قواعد سلوك وفق مبادئ عليا يستهدفها و يتوجه بها إلى الأفراد في المجتمع حاكمين أو محكومين ليبين لهم ما يجب أن يكون عليه السلوك في هذا المجتمع .
و حتى يمكن للقانون أن يحقق هدفه , فإنه يفترض توافر أمرين :
§ وجود الإنسان لأن هذا الأخير وحده الذي يمكن أن يكلف بالتكاليف القانونية.
§ وجود بيئة اجتماعية لأن القانون لا يهتم بالإنسان إلا بمناسبة عيشه داخل الجماعة , وإذا كانت الدولة تشكل في الوقت الحاضر شكل أو صورة المجتمعات الإنسانية فذلك لا يعني أن القانون قد وجد بوجودها بل إن القانون قد عرفته المجتمعات السابقة ابتداء من الأسرة إلى العشيرة إلى القبيلة إلى غير ذلك من صور المجتمعات البشرية , و إذا كان القانون قد عرفته المجتمعات البشرية السابقة فذلك دليل على أن تطور القانون بتطور المجتمعات , و الذي يتطور هو الآخر بتطور احتياجات الأفراد داخل الجماعة , وإذا كان القانون يهدف إلى إقامة النظام في المجتمع و منع الفوضى فيه عن طريق تنظيم علاقات الأفراد داخل هذا المجتمع , كذلك لا يعني أن القانون لا ينظم جميع هذه العلاقات بل ينظم جزءا فقط منها , وهو الجزء الذي يعتبر ضروريا ولازما لإقامة هذا النظام و الحفاظ عليه . أما غيرها من العلاقات فيترك أمر تنظيمها لقواعد اجتماعية أخرى مثل : قواعد المجاملات و العادات و التقاليد و قواعد الأخلاق و قواعد الدين .
2) – القانون مجموعة قواعد سلوك :
إذا كان القانون ينظم علاقات الإنسان بغيره من الأفراد في المجتمع , فإنه لا ينظم في الإنسان إلا ما ظهر من سلوكه فلا دخل للقانون في نوايا الإنسان أو مشاعره أو خلجات ضميره و هذا كقاعدة عامة , و القانون مجموعة قواعد سلوكية أي قواعد تقويمية أي ما يجب أن يكون عليه سلوك الإنسان بمعنى أن المشرع يصوغ القواعد القانونية وفق مثل و قيم يستهدفها عن طريق تكليف بأمر أو نهي عنه , و يتوجه به إلى الأفراد الذين يتعين عليهم طاعته بإخضاع سلوكهم إليه , ويلاحظ أن القانون لا ينظم من الإنسان إلا سلوكه الخارجي , فلا شأن له بنوايا الإنسان و لا مشاعره النفسية و لا خلجات ضميره .
ولذلك فإن القانون لا يعاقب على مجرد التفكير في ارتكاب الجريمة , إلا إذا اصطحب هذا التفكير بفعل خارجي كشراء الأسلحة اللازمة لتنفيذها , في هذه الحالة فقط يتدخل القانون بمنع هذه الجريمة أو توقيع العقاب على مرتكبيها , و لكن ما يجب ملاحظته أن القاعدة عدم اعتداد القانون بالنوايا غير مطلقة , إذ توجد قواعد تستوجب لتطبيقها منها الاعتداد ببعض النوايا .
§ القاعدة التي تضمنتها المادة رقم 41 من القانون المدني التي تلزم من يتعسف في استعمال حقه من تعويض الغير عن الضرر الذي أصابه من جراء ذلك ( أي نية الإضرار بالغير )
§ القاعدة التي تقول : القاتل يعدم - هذه القاعدة لا تطبق إلا إذا كان القاتل قد تعمد القتل , أي توافرت لديه نية القتل , و لا تطبق هذه القاعدة إذا كان القتل غير متعمد كالقتل الخطأ .
3) – القانون مجموعة قواعد مجددة و عامة :
إن القانون باعتباره قواعد سلوك اجتماعية , أي تكليف بأمر أو نهي عنه سابق في وجوده بما يواجهه من فروض يخضعها بحكمه و ذلك لأنه من غير المستطاع التوقع لما سيجد من هذه الفروض مستقبلا ووضع حكم لكل فرض , يضاف إلى ذلك أن ضمان الاستقرار في المجتمع يستوجب تحقيق المساواة بين أفراده , و لا يمكن أن تتحقق هذه المساواة إلا في التكليف في القاعدة القانونية يقوم على أساس موضوعي لا ذاتي بأن يكون الخطاب في التكليف قائما على عنصر التجريد بتعميم الصفة و ليس بتخصيص الذات .
و على هذا الأساس يمكن تعريف خاصية التجريد في القاعدة القانونية بأن الحكم في القاعدة القانونية يطبق على الغرض الذي تتضمنه هذه القاعدة في كل زمن , و بالنسبة لجميع الأشخاص والوقائع , بمعنى أن الحكم الذي يعتبر الأثر الذي يرتبه القانون على تحقق الظاهرة الأصلية , و هي الفرض - إنما يطبق على كل شخص توافرت فيه الصفات التي يحددها هذا الفرض كما يطبق على كل واقعة أو تصرف قانوني توافرت فيه الشروط التي يحددها هذا الفرض , وبذلك تتحقق للقاعدة القانونية الخاصية التالية :
و هي خاصية العمومية , أي عمومية التطبيق , الأمر الذي جعل بعض علماء الفقه يقول : بأن القاعدة القانونية تبدأ مجردة لتنتهي عند التطبيق عامة .
ولنوضح خاصية التجريد و التعميم في القاعدة القانونية بالنسبة للأفراد و بالنسبة للوقائع أو التصرفات القانونية .
أ – بالنسبة للأفراد : أي كان آتي فعلا أصاب الغير بضرر يلزم من
تسبب في الفعل بالتعويض .
ب- بالنسبة للوقائع : إذا كان البيع بالعينة فيجب أن يكون المبيع مطابقا له, ويشترط باعتبار القاعدة القانونية مجردة و عامة أن تكون شاملة التطبيق أي بأن تطبق على جميع الأفراد في المجتمع أو على جميع الوقائع أو التصرفات القانونية.
4) – القانون مجموعة قواعد ملزمة :
إذا كان القانون يهدف إلى إقامة النظام في المجتمع و الحفاظ عليه عن طريق وضع قواعد سلوك اجتماعية يتوجه بها إلى الأفراد الذين يمكنهم بما لهم من إرادة حرة طاعة هذه القواعد أو مخالفتها . و إذا كان ضمان استقرار النظام بالمجتمع يستوجب أن يحترم كل فرد في المجتمع القانون و يعمل به , ذلك أن القاعدة القانونية ليست مجرد نصيحة إن شاء الأفراد انتصحوا بها و إن شاؤوا طرحوها , بل هي تكليف في أمر أو نهي عنه يجب طاعته , و لذلك كان من الواجب أن تقترن القاعدة القانونية بجزاء يوقع على من يخالف أحكام القانون , وإن الغرض من هذا الجزاء هو حمل الأفراد على احترام القانون كرها إن لم يقدموا على احترامه طواعية و على هذا الأساس يصف الفقه الجزاء في القاعدة القانونية : بأنه شتر معلق على شرط مخالفة القانون بغية حمل الأفراد كرها على احترام القانون .
المبحث الثاني : مميزات الجزاء في القاعدة القانونية :
الجزاء يوقع جبرا بواسطة السلطة العامة وفق تنظيم معلوم مسبقا .
1 – يوقع جبرا , فهو يكشف عن صفة هذا الجزاء كونه جزاء ماديا ( محسوس، ملموس، خارجي، ظاهر) يوقع في الحياة الدنيا .
2 – بواسطة السلطة العامة المختصة ( السلطة التنفيذية ) باسم المجتمع , وذلك يكشف عن طبيعة الجزاء أنه إجبار عام ( يوقع باسم المجتمع ) .
و ذلك يعني أنه لا مجال للاقتصاص الفردي , بمعنى أنه لا يجوز للأفراد أن يستقلوا بتوقيع الجزاء للقاعدة القانونية بأنفسهم إلا في حالة تنازل السلطة العامة عن الإجبار العام , من الأفراد و ذلك في الحالات التي ينص عليها القانون صراحة , ومن بين هذه الحالات حالة الدفاع الشرعي , حالة الحبس في المسائل المدنية ( أي يجوز للدائن أن يخلص أموال مدينه التي تحت يده إلى غاية الوفاء بالدين ) .
3 – وفق تنظيم معلوم مسبقا , إن السلطة العامة ( التنفيذية ) لا يمكنها أن توقع الجزاء إلا بعد التثبت من وقوع مخالفة القانون بواسطة سلطة عامة أخرى مختصة و هي السلطة القضائية مما يكشف عن طبيعة الجزاء في القاعدة القانونية أنه جزاء أو إجبار منظم .
و يلاحظ أن الجزاء في القاعدة القانونية ليس على نوع واحد , بل يختلف باختلاف القواعد القانونية،
بدليل :
1. إن مخالفة قواعد القانون الجنائي كالقيام بجريمة سرقة أو قتل تستوجب جزاء جنائيا , و يسمى هذا الجزاء بالعقوبة , وهذا الجزاء قد يمس الشخص في جسمه كالإعدام , وقد يمس الشخص في حريته ( كالحبس ) , و قد يمس الشخص في ماله ( كالغرامة ) .
2. إن مخالفة قواعد القانون الإداري كعدم قيام الموظف بوظيفته تستوجب جزاء إداريا , هذا الجزاء كأن يكون الحرمان من الترقية أو الخصم من الراتب .
3. إن مخالفة قواعد القانون المدني تستوجب جزاء مدنيا . و الجزاء المدني متعدد و متنوع لا يمكن حصره , ومن الأمثلة عليه : بطلان العقد , التعويض عن الضرر .
المبحث الثالث : أقسام القاعدة القانونية أو أنواعها :
القواعد القانونية تقسم من حيث مدى التزام الأفراد بأحكامها ,على نوعين من القواعد .
النوع الأول : القواعد الآمرة .
النوع الثاني : القواعد المكملة ( المقررة )
1. القواعد الآمرة : القاعدة الآمرة هي القاعدة التي لا يجوز للأفراد أن يتفقوا على ما يخالف حكمها , وعلى هذا الأساس تتميز القاعدة القانونية الآمرة بالتالي :
1- قاعدة حاجية الاتباع في جميع الحالات و في جميع الفروض .
2- قاعدة مطلقة التطبيق , أي ينعدم فيها إرادة الأفراد في أن يتفقوا على حكم يخالف حكمها .
3- أن كل اتفاق يخالف حكم القاعدة القانونية الآمر يقع باطلا و عديم الأثر , فيعتبر الاتفاق المخالف لحكمها و كأنه لم يوجد أصلا .
و مثال القاعدة الآمرة : القاعدة التي تجرم القتل و تضع عقابا للقاتل .
و يلاحظ أن العلة من جعل القاعدة الآمرة قاعدة واجبة الاتباع إطلاقا تكمن في أن هذه القاعدة إنما تنظم مسالة تعتبر أساسية لإقامة النظام في المجتمع وذلك بالنظر إلى أن هذه المسألة تمس كيان المجتمع .
2 – القواعد المكملة : هي القواعد التي يجوز للأفراد أن يتفقوا على ما يخالف حكمها وهي تتميز بما يلي :
1- قاعدة واجبة الاتباع في جميع الحالات و الفروض , بشرط عدم وجود اتفاق على ما يخالف حكمها .
2- قاعدة غير مطلقة التطبيق , و لا تنعدم فيها إرادة الأفراد في أن يتفقوا على حكم يخالف حكمها .
3- كل اتفاق يخالف حكم القاعدة القانونية المكملة يعتبر صالحا و صحيحا . فإن وجد الاتفاق فيطبق الاتفاق و لا يطبق الحكم الوارد في القاعدة القانونية المكملة .
و مثال القاعدة المكملة , القاعدة التي تنص على أن تكاليف تسليم المبيع على عاتق المشتري .
معايير التمييز بين القاعدة الآمرة و القاعدة المكملة أو المقررة .
يمكن التمييز بين القاعدة الآمرة و القاعدة المكملة أو المفسرة بالاعتماد على المعيارين التاليين .
المعيار الأول :
المعيار الشكلي أو المعيار اللفظي :
هو المعيار الذي ينظر فيه إلى الألفاظ التي صيغت فيها القاعدة القانونية .
المعيار الثاني :
المعيار الموضوعي :
هو المعيار الذي ينظر فيه مضمون القاعدة القانونية أو محتواها أو معناها .
إذا كانت القاعدة القانونية مكتوبة ( وهو الوضع الغالب ) فقد تفيد العبارات التي صيغت بها في تحديد صفة القاعدة أنها آمرة أو مكملة .
فإذا كانت الألفاظ التي صيغت بها القاعدة القانونية توحي بعدم جواز الاتفاق على ما يخالف حكمها أو بطلان هذا الاتفاق , فإن هذه القاعدة هي قاعدة آمرة .
مثال 1 : إن وقع الاتفاق على أن أحد الشركاء في شركة لا يساهم في أرباحها و لا يتحمل خسائرها فإن الاتفاق يعد باطلا .
مثال 2 : و قد تكون القاعدة آمرة حتى في حالة عدم وجود عبارة بطلان الاتفاق كالحالة التي توحي فيها القاعدة بعدم جواز هذا الاتفاق .
مثال 3 : و مثال ذلك القاعدة القانونية التي تنص على أنه يجوز للنائب أن يشتري لنفسه ما أوكل بيعه , فإذا كانت الألفاظ التي صيغت بها القاعدة القانونية توحي بجواز الاتفاق على ما يخالف حكمها فإن القاعدة مكملة .
مثال 4 : إن دفع الثمن يكون في وقت تسليم المبيع , ما لم يوجد اتفاق أو عرف يقضي بخلاف ذلك .
وقد يتعدى تحديد وصف القاعدة القانونية أنها آمرة مكملة اعتمادا على معيارالشكل , ومن ثم وجب البحث في مضمون هذه القاعدة أو فحواها أو معناها , ذلك أن العبارات التي قد تصاغ فيها القاعدة القانونية قد لا توحي بجواز أو بعدم جواز الاتفاق على ما يخالف حكم القاعدة .
مثال 1 : القاعدة القانونية التي تنص على أن المستأجر مسؤول عن حريق العين المؤجرة ما لم يثبت أن الحريق كان بسبب أجنبي لا يد له فيه .
فإذا كان موضوع القاعدة القانونية ينظم مسألة تهم أفراد المجتمع بأسرهم, كانت قاعدة آمرة و إذا كان موضوع القاعدة القانونية ينظم مسالة خاصة بأطراف العلاقة القانونية و هي مسألة تهم هؤلاء الأطراف فقط , كانت القاعدة مكملة .
وبعبارة أخرى , إذا كانت القاعدة القانونية تتعلق بالنظام العام أو الآداب العامة , فهي قاعدة آمرة , و إذا كانت القاعدة القانونية لا تتعلق بالنظام العام للآداب العامة , فهي قاعدة مكملة .
و استنادا إلى المعيار الموضوعي يقول بعض الفقه ما يلي :
§ إذا كانت القاعدة القانونية تنظم موضوعا يهم المجتمع بأسره كانت هذه القاعدة قاعدة آمرة .
§ إذا كانت القاعدة القانونية لا تنظم موضوعا يهم المجتمع بأسره , وإنما تنظم موضوعا خاصا يهم أطراف العلاقة القانونية , كانت هذه القاعدة قاعدة مكملة.
ويعبر عن هذه الفكرة بمصطلح آخر مفاده : << إذا كانت القاعدة القانونية متعلقة بالنظام العام أو الآداب العامة كانت القاعدة آمرة >> .
وإذا كانت القاعدة القانونية لا تتعلق بالنظام العام أو الآداب العامة فهذه القاعدة تكون قاعدة مكملة.
ويقصد بالنظام العام مجموعة الأسس أو المصالح الحيوية السياسية و الاقتصادية والاجتماعية التي يقوم عليها مجتمع معين في زمن محدد . وإذا كانت هذه الأسس أو المصالح متعلقة بالأخلاق سميت بالآداب العامة أو حسن الآداب .
ويطرح تعريف النظام العام و الآداب العامة إشكالا حول معرفة المقصود بالأسس أو المصالح الحيوية , والسبب في ذلك أن فكرة النظام العام أو الآداب العامة هي فكرة نسبية من حيث المكان و من حيث الزمان .
ونظرا لصعوبة تحديد مفهوم النظام العام أو الآداب العامة أو تقرير ما إذا كانت القاعدة القانونية متعلقة بهما أو لا , فقد ترك أمر تقرير ذلك إلى القاضي الموضوع الذي يجب عليه ألا يستفيد بتقيد في تقرير ذلك بمعتقداته أو مبادئه بل على مبادئ و معتقدات المجتمع .
المطلب Ш
عناصر القاعدة القانونية :
تتكون القاعدة القانونية من عنصرين :
العنصر الأول : الفرض .
العنصر الثاني : الحكم أو الحل .
و يعتبر كل من الفرض و الحكم ظاهرة أو واقعة، و يعتبر الفرض الواقعة أو الظاهرة التي إذا تحققت وجب أن يترتب على ذلك أثر معين، ويسمى الفرض تمييزا له عن الحكم بـ الظاهرة الأصلية أو الواقعة الأصلية . و يعتبر الحكم الواقعة أو الظاهرة التي يجب إهمالها في حالة تحقق الظاهرة الأصلية
( الفرض ) أو هو ( الحكم ) الأثر الذي يرتبه القانون على تحقق الظاهرة الأصلية ( الفرض) .
مثال : المادة 353 من القانون المدني التي تنص على ما يلي :
إذا كان البيع بالعينة يجب أن يكون المبيع مطابقا لها .
عنصر الفرض في هذه القاعدة هو : البيع بالعينة .
عنصر الحكم فيها هو الوجوب كون المبيع مطابقا للعينة .
مثال : المادة 261 من قانون العقوبات تنص على ما يلي :
كل من قتل نفسا متعمدا يعدم .
عنصر الفرض في هذه القاعدة هو القتل العمد .
عنصر الحكم فيها هو قتل القاتل بالإعدام .
ملاحظات : يلاحظ أن :
· الحكم في القاعدة القانونية على نوعين :
- النوع الأول : يشمل الحكم المقصود لذاته .
- النوع الثاني هو الحكم الغير مقصود لذاته .
· الحكم المقصود لذاته هو الحكم الذي لا يحتاج لتطبيقه أي إجراء آخر
( إجراء قانوني ) .
· الحكم غير المقصود لذاته هو الحكم الذي يكون الغرض من وجوده هو تيسير تطبيق أحكامه لقواعد قانونية أخرى .
مثال : المادة 40 من القانون المدني تنص على ما يلي :
- كل من بلغ 19 سنة و لم يحجر عليه يعتبر رشيدا .
- كل من بلغ سن 19 سنة ,وكان متمتعا بجميع قواه العقلية ( رشيدا ) .
عنصر الفرض : بلوغ 19 سنة .
عنصر الحكم : الرشاد ( حكم غير مفصود لذاته ) .
و يلاحظ ثانيا أنه لا تلازم بين مادة القانون أو نصه و بين ما يتضمنه من قواعد قانونية بفرض واحد و حكم واحد , كما هو الحال في الأمثلة السابقة .
بل يمكن أن تتضمن مادة القانون أو نصه أكثر من قاعدة قانونية واحدة , مثال
ذلك ما تنص عليه المادة 125 من القانون المدني , على أنه :
<< يكون ناقص الأهلية , مسؤولا عن أعماله الضارة من صدرت منه و هو مميز,
غير أنه إذا وقع الضرر من شخص غير مميزو لم يكن هناك منهو مسؤول
عنه أو تعذر الحصول على تعويض من المسؤول جاز للقاضي أن يحكم على
من وقع منه الضرر بتعويض عادل مراعيا في ذلك مركز الخصوم . >>
تتضمن هذه المادة قاعدتين قانونيتين , أما الأولى ( القاعدة ) تحدد مسؤولية
القاصر المميز , وأما القاعدة الثانية فتحدد مسؤولية الصبي غير المميز .
المطلب ΙV:
تقسيم القانون :
أ 1 / تعريف القانون العام و الخاص :
الفقه قديما يعرف القانون العام على أنه القانون الذي يحكم العلاقات القانونية التي تكون الدولة طرفا فيها .
و يعرف القانون الخاص بأنه القانون الذي يحكم العلاقات القانونية التي لا تكون الدولة طرفا فيها .
و يلاحظ أن العلاقة القانونية بما تنشئه من حقوق و ما تفرضه من التزامات يجب أن تنسب إلى أصحابها أي أطراف هذه العلاقة , وقد جرى الاصطلاح القانوني على تسمية صاحب الحق أو من يلتزم بالالتزام بالشخص فكل صاحب حق في العلاقة نسميه بالشخص , ويعرف الشخص في القانون من يتمتع بالشخصية القانونية أي من تكون له صلاحية تلقى الحقوق و تحمل بالالتزامات .
والشخص بنظر القانون قد يكون من بني البشر أي إنسان و يسمى في هذه الحال << بالشخص الطبيعي >>, الشخصية القانونية ليست حكرا على بني آدم , بل قد تثبت على مجموعة من الأموال أو مجموعة من الأشخاص.
و تعتبر الأشخاص في هذه الحال من غير الكائنات الحية و من غير بني آدم , ويسمى الشخص في هذه الحال بالشخص الاعتباري أو الشخص المعنوي , كالجمعيات و الشركات و الدولة من فروعها كوزارات و مؤسسات عمومية و الشخص المعنوي نوعان :
شخص معنوي خاص : كالجمعيات و الشركات .
شخص معنوي عام : كالدولة و فروعها من وزارات و مؤسسات عمومية , يمنحه القانون حقوقا و امتيازات السلطة العامة لا يمنحها القانون لا للشخص الطبيعي و لا للشخص المعنوي الخاص .
مثال : إقدام الدولة على نزع ملكية خاصة من أجل منفعة عامة , و يلاحظ
أن الشخص المعنوي عندما يدخل في العلاقة القانونية قد يتصرف
بصفته سلطة عامة .
مثال : قيام الدولة بنزع ملكية خاصة من أجل منفعة عامة , وقد تتصرف
كفرد عادي , مجردة السيادة أي مجرد من صفة السلطة العامة .
كأن تقوم وزارة بشراء قطعة أرض من شخص معنوي خاص , وبناء على ذلك يتصور أن العلاقات القانونية التي تقوم في المجتمع لا تخرج عن أربعة أنواع :
1 – علاقة قانونية : تقوم بين أشخاص جميعهم أشخاص طبيعيون , أو بينهم و بين أشخاص اعتباري خاص .
2 - علاقة قانونية : تقوم بين أشخاص جميعهم أشخاص طبيعيون أو بينهم و بين أشخاص معنوية خاصة أو بينهم و بين أشخاص معنوية عامة تصرفت مجردة من صفة السلطة العامة.
3 – علاقة قانونية: بين شخص طبيعي أو بين شخص اعتباري خاص و شخص اعتباري عام تصرف باعتباره صاحب سيادة .
4 – علاقة قانونية : بين أشخاص اعتبارية عامة تصرفت بصفتها صاحبة سيادة .
ونظرا لكون الشخص الاعتباري العام يمكن أن يتصرف باعتباره سلطة عامة , و قد يتصرف مجردا من هذه السلطة لينزل منزلة الأفراد , و من ثم من العدل أن يخضع في هذه الحال للقانون الذي يحكم الأفراد و هو القانون الخاص .
وعلى هذا الأساس , يعرف الفقه الحديث أن القانون العام هو القانون الذي يحكم العلاقة القانونية التي تكون الدولة أو إحدى فروعها أو هيئاتها العامة بصفتها سلطة عامة .
والقانون الخاص هو الذي يحكم العلاقات القانونية التي لا تكون في الدولة طرفا و كذا العلاقات القانونية التي تدخل فيها الدولة أو إحدى هيئاتها مجردة من السلطة العامة أي مجردة من السيادة .