بقلم فاروق أبو سراج الذهب
إن نجاح الثورات الشعبية في تونس ومصر كوسيلة للإصلاح والتغيير يثير جدلية الحديث عن المنهج الإسلامي في الإصلاح والتغيير، وهل الإسلام يحث على الثورة على الظلم أم لا؟
وكيف يمكن قراءة الانجازات التي حققتها الثورات العربية على المستوى السياسي وبسرعة كبيرة لم تتجاوز الشهر والشهرين دليل على إخفاق مناهج التغيير التي تعتمدها الحركات الإسلامية ؟أم أن هذه الثورات ما كان لها أن تحقق تلك الأهداف لولا النضالات السابقة لهذه الحركات وفق تلك المناهج التي رسخت فكرة البناء التراكمي والنضال السلمي لاسترداد الحقوق والحريات ،وجاءت الثورات كوسيلة حتمية لاستكمال تلك النضالات بعد أن بلغ اليأس الجماهيري مداه وسيل التزوير والتحايل والطغيان الزبى ، وأكدت الثورات صدقية المنهج السلمي و اعتمدته كطريق للتغيير وأضافت إليه سرعة جديدة تسمى سرعة الشعوب الهادرة ؟ هذا بالنسبة للبلدان التي حدثت فيها الثورات أما بالنسبة لباقي البلدان ، فهل ستكون النخب السياسية والتنظيمات التي رفضت وقاومت التحكم، وأصرت على المشاركة رغم المضايقات،والسقوف المحدودة ،في مستوى الانخراط القوي في تسريع عجلة الإصلاح ؟ وهل ستكون جاهزيتها وفعاليتها كقوة اقتراحية للإسهام الفعال في الإصلاح بنفس المستوى الذي عهدناه فيها في مقاومتها للإقصاء والتهميش والتزوير والتحايل؟ أم ستجرفها الشعارات الراديكالية والمطالب الجذرية التي تصاحب رياح الثورة؟ أم أن واجب الوقت يملي على تلك التنظيمات أن تراجع سياساتها بما يتيح فرص اكبر نحو الإصلاح والتغيير ويسرع وتيرة الانتقال الديمقراطي بما يحقق طموحات وتطلعات الشعوب ؟
ويجيب على هذا التساؤل ما طرحه الإمام الشهيد حسن البنا في ((كتاب عظات منبرية من كتب تراث البنا)) (01)، والذي يقول فيه: (إذا كانت الثورة الفرنسية قد أقرَّت حقوق الإنسان، وأعلنت الحرية والمساواة والإخاء، وإذا كانت الثورة الروسية قاربت بين الطبقات، وأعلنت العدالة الاجتماعية في النَّاس؛ فإنَّ الثورة الإسلامية الكبرى قد أقرَّت ذلك كلّه من قبل ألف وسبعمئة سنة، ولكنَّها سبقت سبقًا لن تلحق فيه، في أنَّها جملت ذلك وزينته بالصِّدق والعمل؛ فلم تقف عند حدود النظريات الفلسفية، ولكن أشاعت هذه المبادئ فى الحياة اليومية العملية، وأضافت إليه بعد ذلك السمو بالإنسان واستكمال فضائله ونزعاته الرُّوحية والنفسانية؛ لينعم في الحياتين، ويظفر بالسَّعادتين، وأقامت على ذلك كلّه حراسًا أشداء أقوياء من يقظة الضَّمير، ومعرفة الله وصرامة الجزاء وعدالة القانون.
وأشار الإمام البنا (02) إلى أنَّ من الناس من يذهب به الجهل بالإسلام، فيظن الإسلام عقبة فى طريق الإصلاح، وإضعافًا لروح المقاومة والكفاح، وصرفًا للجماهير عن تعرف حقوقها، ومحذّراً إيَّاهم عن المطالبة بها والجهاد فى سبيلها، وهو لذلك يحاربه أشد المحاربة، ويتجنّى عليه أعظم التجنّي، ويصف أهله والعاملين له والدَّاعين إليه بأنَّهم دعاة الرَّجعية والتأخر، وخصوم التقدم والتحرّر... ويقول: لقد نسي الجميع أنَّ الإسلام في غايته ووسيلته ثورة كبرى، تتضاءل دونها نظريًا وعمليًا وتاريخيًا آثار الثورة الفرنسية أو الثورة الروسية.
رؤيتنا الشرعية والسياسية لعميلة التغيير والإصلاح .
التغيير :لقد اعتبر منهج المعرفة الإسلامي (03) أن التغير هو سنة إلهية كليه تضبط حركة الوجود الشامل للطبيعة المسخرة والإنسان المستخلف، قال تعالى :
( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ)..
(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مكين ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ).
(إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) [الرعد: 11].
(ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) [الأنفال: 53].
غير ان التغير كقانون نوعى يضبط حركه نوع معين من أنواع الوجود ، هو الذي يحدد لنا شرط فعالية التغير كقانون كلي فيه، فهو يأخذ شكل تحول بدون إضافة فى الطبيعة المسخره ( تغير) كما فى الآيتين الأولى والثانية. كما يأخذ شكل تحول من خلال الإضافة عند الإنسان المستخلف( تغيير ) كما فى الآيتين الأخيرتين.
ويأخذ التغيير فى منهج المعرفة الاسلامى(04) :
شكل تكوينى يتمثل فى حل الإنسان لمشاكله المتجددة من خلال ثلاثة خطوات هى المشكلة ، الحل ، العمل.
وشكل تكليفى يحدد الشكل التكوينى السابق فيكمله ولكن لا يلغيه ، فيكون بمثابة ضمان موضوعي مطلق لاستمرار فاعليته ، حيث يحدد نوع المشاكل التي يواجهها الإنسان، وطرق العلم بها ونمط الفكر الذي يصوغ حلولها ،وأسلوب العمل اللازم لحلها.
أنماط التغيير: والتغيير كسنه إلهية قائم على السببية، اى تحقق المسبب (الأثر) بتحقق السبب(العلة)، وتخلفه بتخلف السبب (العلة) . وبناءا على هذا فان سنه التغيير الالهية يمكن تعويق فاعليتها (بعدم الالتزام بأسبابها وعللها) ، ولكن لا يمكن إلغاء حتميتها( اى لا يمكن الغاء علاقة التلازم بين عللها و آثارها )(05).
وبناءا على هذا فان للتغيير نمطين ،
النمط الأول هو الإصلاح ، وهو نمط التغيير الأساسي (الأصل) فى منهج التغيير الإسلامي، لانه تعبير عن اضطراد التغيير كسنه إلهية ، كما انه تعبير عن المشاركة كسنة إلهية تضبط العلاقة بين الناس مضمونها تبادل العلم بمشكلة مشتركة ثم تبادل المعرفة بحلولها المحتملة ثم تعين القرار الذي يرى كل مشارك انه الحل الصحيح للمشكلة ، وقد عبر القران عنها بمصطلحات ايجابيه كالتأليف (واذكرو نعمه الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا )(13: آل عمران) والتعاون ( وتعاونوا على البر والتقوى )(2: المائده) و الموالاة (المؤمنين والمؤمنات بعضهم أولياء بعض)(7: التوبة) .
والنمط الثانى هو الثورة ، وهو نمط التغيير الثانوى (الفرع) (06) فى منهج التغيير الاسلامي، لانه يأت كمحصله لمحاوله تعويق فاعليه سنه التغيير الهية. ولانه تعبير عن الصراع الذي يوجد عند تعطل فاعليه المشاركة كسنه الهيه ، فهو عقبه أمام التطورالاجتماعى من خلال حل المشاكل المتجدده وغايته إلغائه ، وقد عبر عنه القران فى كثير من المواضع بمصطلحات سالبه منها البغضاء( إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء)(91: المائدة) والعدوان(ولا تعاونوا على الاثم والعدوان) (2: المائده).
الإصلاح: وردت الاشاره الى مصطلح الاصلاح فى القران الكريم كما فى قوله تعالى (ان اريد الا الاصلاح ما استطعت)(هود:88). والمفهوم الاسلامى للاصلاح (07) هو التغيير من خلال نظام قانونى تتوافر فيه امكانيه التغيير ، فهو تغيير تدريجى جزئى سلمى يتم من خلال نظام قانونى تتوافر له الشرعيه التكليفيه (نظام قانونى اسلامى)والتكوينيه( السلطه فيه جاءت من خلال بيعه صحيحه باعتبارها عقد اختيار لم يدخله اجبار، وهى نائب ووكيل عن الجماعه لها حق تعيينها ومراقبتها وعزلها)، فهوشكل من اشكال مراقبه السلطه.
ومن أدله الإصلاح اى التغيير التدريجى السلمى وأولويته كنمط التغيير قوله صلى الله عليه وسلم ( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده إن استطاع، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان، ليس بعد ذلك من الإيمان شيء) (صحيح مسلم رقم 78).
ويأخذ الإصلاح كنمط للتغيير أشكال عده أهمها (08) :
1. التقويم الذى عبر عنه ابوبكر الصديق (رضى الله عنه) بقوله (إني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني). والتقويم يعبر عن موقف يتجاوز كل من موقفى الرفض المطلق والقبول المطلق الى موقف نقدى قائم على اخذ وقبول الصواب، ورد ورفض الخطا، فهو نقد للسلطه لتقويمها اى بهدف الكشف عن أوجه قصورها عن أداء دورها .
2. ومن اشكال الاصلاح النصح لقوله (صلى الله عليه وسلم)(لدين النصيحة ، قيل : لمن يا رسول الله !؟ قال : لله ولكتابه ولرسوله ، ولأئمة المسلمين وعامتهم ) يقول الباقلاني بعدما ذكر فسق الإمام و ظلمه ... بل يجب و عظه و تخويفه ، و ترك طاعته في شيء ممّا يدعو إليه من معاصي الله)(التمهيد 186).
يتبع
إن نجاح الثورات الشعبية في تونس ومصر كوسيلة للإصلاح والتغيير يثير جدلية الحديث عن المنهج الإسلامي في الإصلاح والتغيير، وهل الإسلام يحث على الثورة على الظلم أم لا؟
وكيف يمكن قراءة الانجازات التي حققتها الثورات العربية على المستوى السياسي وبسرعة كبيرة لم تتجاوز الشهر والشهرين دليل على إخفاق مناهج التغيير التي تعتمدها الحركات الإسلامية ؟أم أن هذه الثورات ما كان لها أن تحقق تلك الأهداف لولا النضالات السابقة لهذه الحركات وفق تلك المناهج التي رسخت فكرة البناء التراكمي والنضال السلمي لاسترداد الحقوق والحريات ،وجاءت الثورات كوسيلة حتمية لاستكمال تلك النضالات بعد أن بلغ اليأس الجماهيري مداه وسيل التزوير والتحايل والطغيان الزبى ، وأكدت الثورات صدقية المنهج السلمي و اعتمدته كطريق للتغيير وأضافت إليه سرعة جديدة تسمى سرعة الشعوب الهادرة ؟ هذا بالنسبة للبلدان التي حدثت فيها الثورات أما بالنسبة لباقي البلدان ، فهل ستكون النخب السياسية والتنظيمات التي رفضت وقاومت التحكم، وأصرت على المشاركة رغم المضايقات،والسقوف المحدودة ،في مستوى الانخراط القوي في تسريع عجلة الإصلاح ؟ وهل ستكون جاهزيتها وفعاليتها كقوة اقتراحية للإسهام الفعال في الإصلاح بنفس المستوى الذي عهدناه فيها في مقاومتها للإقصاء والتهميش والتزوير والتحايل؟ أم ستجرفها الشعارات الراديكالية والمطالب الجذرية التي تصاحب رياح الثورة؟ أم أن واجب الوقت يملي على تلك التنظيمات أن تراجع سياساتها بما يتيح فرص اكبر نحو الإصلاح والتغيير ويسرع وتيرة الانتقال الديمقراطي بما يحقق طموحات وتطلعات الشعوب ؟
ويجيب على هذا التساؤل ما طرحه الإمام الشهيد حسن البنا في ((كتاب عظات منبرية من كتب تراث البنا)) (01)، والذي يقول فيه: (إذا كانت الثورة الفرنسية قد أقرَّت حقوق الإنسان، وأعلنت الحرية والمساواة والإخاء، وإذا كانت الثورة الروسية قاربت بين الطبقات، وأعلنت العدالة الاجتماعية في النَّاس؛ فإنَّ الثورة الإسلامية الكبرى قد أقرَّت ذلك كلّه من قبل ألف وسبعمئة سنة، ولكنَّها سبقت سبقًا لن تلحق فيه، في أنَّها جملت ذلك وزينته بالصِّدق والعمل؛ فلم تقف عند حدود النظريات الفلسفية، ولكن أشاعت هذه المبادئ فى الحياة اليومية العملية، وأضافت إليه بعد ذلك السمو بالإنسان واستكمال فضائله ونزعاته الرُّوحية والنفسانية؛ لينعم في الحياتين، ويظفر بالسَّعادتين، وأقامت على ذلك كلّه حراسًا أشداء أقوياء من يقظة الضَّمير، ومعرفة الله وصرامة الجزاء وعدالة القانون.
وأشار الإمام البنا (02) إلى أنَّ من الناس من يذهب به الجهل بالإسلام، فيظن الإسلام عقبة فى طريق الإصلاح، وإضعافًا لروح المقاومة والكفاح، وصرفًا للجماهير عن تعرف حقوقها، ومحذّراً إيَّاهم عن المطالبة بها والجهاد فى سبيلها، وهو لذلك يحاربه أشد المحاربة، ويتجنّى عليه أعظم التجنّي، ويصف أهله والعاملين له والدَّاعين إليه بأنَّهم دعاة الرَّجعية والتأخر، وخصوم التقدم والتحرّر... ويقول: لقد نسي الجميع أنَّ الإسلام في غايته ووسيلته ثورة كبرى، تتضاءل دونها نظريًا وعمليًا وتاريخيًا آثار الثورة الفرنسية أو الثورة الروسية.
رؤيتنا الشرعية والسياسية لعميلة التغيير والإصلاح .
التغيير :لقد اعتبر منهج المعرفة الإسلامي (03) أن التغير هو سنة إلهية كليه تضبط حركة الوجود الشامل للطبيعة المسخرة والإنسان المستخلف، قال تعالى :
( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ)..
(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مكين ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ).
(إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) [الرعد: 11].
(ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) [الأنفال: 53].
غير ان التغير كقانون نوعى يضبط حركه نوع معين من أنواع الوجود ، هو الذي يحدد لنا شرط فعالية التغير كقانون كلي فيه، فهو يأخذ شكل تحول بدون إضافة فى الطبيعة المسخره ( تغير) كما فى الآيتين الأولى والثانية. كما يأخذ شكل تحول من خلال الإضافة عند الإنسان المستخلف( تغيير ) كما فى الآيتين الأخيرتين.
ويأخذ التغيير فى منهج المعرفة الاسلامى(04) :
شكل تكوينى يتمثل فى حل الإنسان لمشاكله المتجددة من خلال ثلاثة خطوات هى المشكلة ، الحل ، العمل.
وشكل تكليفى يحدد الشكل التكوينى السابق فيكمله ولكن لا يلغيه ، فيكون بمثابة ضمان موضوعي مطلق لاستمرار فاعليته ، حيث يحدد نوع المشاكل التي يواجهها الإنسان، وطرق العلم بها ونمط الفكر الذي يصوغ حلولها ،وأسلوب العمل اللازم لحلها.
أنماط التغيير: والتغيير كسنه إلهية قائم على السببية، اى تحقق المسبب (الأثر) بتحقق السبب(العلة)، وتخلفه بتخلف السبب (العلة) . وبناءا على هذا فان سنه التغيير الالهية يمكن تعويق فاعليتها (بعدم الالتزام بأسبابها وعللها) ، ولكن لا يمكن إلغاء حتميتها( اى لا يمكن الغاء علاقة التلازم بين عللها و آثارها )(05).
وبناءا على هذا فان للتغيير نمطين ،
النمط الأول هو الإصلاح ، وهو نمط التغيير الأساسي (الأصل) فى منهج التغيير الإسلامي، لانه تعبير عن اضطراد التغيير كسنه إلهية ، كما انه تعبير عن المشاركة كسنة إلهية تضبط العلاقة بين الناس مضمونها تبادل العلم بمشكلة مشتركة ثم تبادل المعرفة بحلولها المحتملة ثم تعين القرار الذي يرى كل مشارك انه الحل الصحيح للمشكلة ، وقد عبر القران عنها بمصطلحات ايجابيه كالتأليف (واذكرو نعمه الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا )(13: آل عمران) والتعاون ( وتعاونوا على البر والتقوى )(2: المائده) و الموالاة (المؤمنين والمؤمنات بعضهم أولياء بعض)(7: التوبة) .
والنمط الثانى هو الثورة ، وهو نمط التغيير الثانوى (الفرع) (06) فى منهج التغيير الاسلامي، لانه يأت كمحصله لمحاوله تعويق فاعليه سنه التغيير الهية. ولانه تعبير عن الصراع الذي يوجد عند تعطل فاعليه المشاركة كسنه الهيه ، فهو عقبه أمام التطورالاجتماعى من خلال حل المشاكل المتجدده وغايته إلغائه ، وقد عبر عنه القران فى كثير من المواضع بمصطلحات سالبه منها البغضاء( إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء)(91: المائدة) والعدوان(ولا تعاونوا على الاثم والعدوان) (2: المائده).
الإصلاح: وردت الاشاره الى مصطلح الاصلاح فى القران الكريم كما فى قوله تعالى (ان اريد الا الاصلاح ما استطعت)(هود:88). والمفهوم الاسلامى للاصلاح (07) هو التغيير من خلال نظام قانونى تتوافر فيه امكانيه التغيير ، فهو تغيير تدريجى جزئى سلمى يتم من خلال نظام قانونى تتوافر له الشرعيه التكليفيه (نظام قانونى اسلامى)والتكوينيه( السلطه فيه جاءت من خلال بيعه صحيحه باعتبارها عقد اختيار لم يدخله اجبار، وهى نائب ووكيل عن الجماعه لها حق تعيينها ومراقبتها وعزلها)، فهوشكل من اشكال مراقبه السلطه.
ومن أدله الإصلاح اى التغيير التدريجى السلمى وأولويته كنمط التغيير قوله صلى الله عليه وسلم ( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده إن استطاع، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان، ليس بعد ذلك من الإيمان شيء) (صحيح مسلم رقم 78).
ويأخذ الإصلاح كنمط للتغيير أشكال عده أهمها (08) :
1. التقويم الذى عبر عنه ابوبكر الصديق (رضى الله عنه) بقوله (إني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني). والتقويم يعبر عن موقف يتجاوز كل من موقفى الرفض المطلق والقبول المطلق الى موقف نقدى قائم على اخذ وقبول الصواب، ورد ورفض الخطا، فهو نقد للسلطه لتقويمها اى بهدف الكشف عن أوجه قصورها عن أداء دورها .
2. ومن اشكال الاصلاح النصح لقوله (صلى الله عليه وسلم)(لدين النصيحة ، قيل : لمن يا رسول الله !؟ قال : لله ولكتابه ولرسوله ، ولأئمة المسلمين وعامتهم ) يقول الباقلاني بعدما ذكر فسق الإمام و ظلمه ... بل يجب و عظه و تخويفه ، و ترك طاعته في شيء ممّا يدعو إليه من معاصي الله)(التمهيد 186).
يتبع