hmsain.ahlamontada.com

نشكرك على التسجيل فى هدا المنتدى زرنا باستمرار و شاركنا رايك فاليد الواحدة لا تصفق ورايك يهمنا كما ان حضورك الدائم يحفزنا

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

hmsain.ahlamontada.com

نشكرك على التسجيل فى هدا المنتدى زرنا باستمرار و شاركنا رايك فاليد الواحدة لا تصفق ورايك يهمنا كما ان حضورك الدائم يحفزنا

hmsain.ahlamontada.com

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
hmsain.ahlamontada.com

منتدى يهتم بنشاطات حركة مجتمع السلم بلدية عين بوزيان


    كيف تمسك بزمام المبادرة ينقله لكم الشيخ أبو جرة سلطاني

    alhdhd45
    alhdhd45


    عدد المساهمات : 1337
    تاريخ التسجيل : 03/03/2011
    الموقع : hmsain.ahlamontada.com

    كيف تمسك بزمام المبادرة ينقله لكم الشيخ أبو جرة سلطاني Empty كيف تمسك بزمام المبادرة ينقله لكم الشيخ أبو جرة سلطاني

    مُساهمة  alhdhd45 الثلاثاء 1 يناير 2013 - 11:41

    كيف تمسك بزمام المبادرة
    ينقله لكم الشيخ أبو جرة سلطاني
    من أيّ طينة أنت؟
    هذا عنوان كتاب كبير الحجم (740 صفحة) عظيم الفائدة (يضع بين يديك 48 قاعدة للتعامل السياسي) عنوانه : كيف تمسك بزمام القوة، أهداه لي أخ كريم اسمه أ. محمد بن يوسف، في شهر سبتمبر 2010، ورصعه بكلمات إهداء ثمينة، أسأل الله أن يتقبلها منه وينفعنا بها، وقد شُغلت عن قراءة هذا الكتاب لأسباب تعرفونها، حتى جاءني سفر طويل فكان فرصة لقراءته، وقد إستمتعت به أيما إستمتاع، فأردت أن أنقل"زبدته" إلى إخواني بعد تسجيل ملاحظتين على مضمونه.


    أ- تعري السياسة من الأخلاق : همُّ المؤلف الأساس، في هذا الكتاب، هو رسم قواعد السيطرة المطلقة في لعبة السلطة، ولا تهمة الوسيلة، فمنطلقاته ميكيا فيلية، ولذلك يستعرض قصص الصراع حول السلطة من زواية القدرة على المسك بزمام القوة العارية من الأخلاق تماما، لأن السياسة في نظره نفعية وبلا خُلق.

    وهذه نقطة نخالفه فيها جملة وتفصيلا، ذلك أن أعظم سياسي على وجه الأرض – وهو محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم- قد وصفه المولى عز وجل بقوله : "وإنك لعلى خلق عظيم"، والشاعر يؤكد هذا المعنى بقوله :

    إنما الأمم الأخلاق ما بقيت *** فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا.

    ب- إسقاط حسن الظن : ففي نظره لا يوجد في السياسة رجل طيب، وعليه فإن كل الحسابات السياسية يجب أن تقوم على أساس سوء الظن، فالعواطف لم تصنع – عبر التاريخ كله- حاكما واحدا نجح في إدارة شؤون الحكم لفترة طويلة.

    وهو ما نخالفه فيه، من حيث المبدأ، كون ديننا قائما على التراحم والتعاطف والحرص على مشاعر المحيطين بك، خاصة إذا كنت قائدا : "حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم".

    وفي ما عدا هذين العيبين، فإن ما جاء في هذا الكتاب يعدّ "ثروة عظيمة" لمن يريد أن يعرف كيف أدار الزعماء – عبر التاريخ كله- لعبة السياسة وفق 48 قاعدة سياسية تعلمك أن تعرف الفرق بين قيمة ما تحصل عليه والثمن الذي تدفعه للحصول على ما تريد (بحساب الوقت والجهد والمال..).

    أولا، الناس معادن : إن فهم نفسيات الناس مسألة جوهرية، لأن التعامل مع النفس البشرية يحتاج إلى أن يعرف الإنسان "معادنهم" وأحذر كل الحذر أن تضع المحيطين بك في سلة واحدة، لأن الله خلقهم مختلفين، و"كل ميسَّر لما خُلق له".

    وفي التقسيم العام نجد الناس أربعة (04) أقسام كبرى هي :

    - ترابيون : وهم الذين لا يؤمنون إلاّ بالملموس، ولا يرضيهم إلاّ ما تضعه في رصيدهم الخاص، ولا يربطون علاقاتهم بالناس إلاّ على أساس المصلحة، فإذا كنت قويا تزاحموا على بابك، فإذا ضعفت : "إنفضوا إليها وتركوك قائما".
    - العلاج : قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة، والله خير الرازقين، أي لا تهتم بهم كثيرا، لأنهم – كما قلناه دائما- هم الكرارون عند المغانم الفرارون يوم المغارم لأنهم ترابيون.
    - هوائيون : يتأثرون بالدعاية والإشاعة، فيرضون عنك في الصباح فيمدحونك وكأنك ملك كريم، ويسخطون عليك في المساء فيذمونك وكأنك شيطان رجيم، وهؤلاء هم الذين قال فيهم القرآن الكريم : "وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون وإن يكن لهم الحق (أي المصلحة) يأتوا إليه مذعنين. أفي قلوبهم مرض أم إرتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله..".
    - العلاج : قل لهم في أنفسهم قولا معروفا، وأفضل طريقة لمعالجة أمراضهم الهوائية هي توجيه الحديث إلى غيرهم بحضورهم – دون التوجه إلى مخاطبتهم مباشرة- فهم أكثر الناس تأثرًا بأسلوب "إياك أعني وأسمعي يا جارة".
    - مائيون : نفعهم كبير للمجتمع، وفضلهم عظيم على الأفراد والمؤسسات لأنهم يعطون بلا مقابل، ويضحون بلا منَّ، ويتكيفون مع كل الظروف بلا ميوعة وبلا مداهنة..إلخ، ولكن مشكلتهم الوحيدة هي أنهم يكرهون الصعود، ويحبون الإستقرار – ولو على الحد الأدنى- لأنهم يخافون الإنفتاح ويصيبهم الرعب إذا سمعوا أحاديث الإنتقال إلى طور جديد.
    - العلاج : هؤلاء يحتاجون إلى قدوة فعل لا موعظة قول (تنحر وتحلق) كما حصل يوم الحديبية، أما كلام النحر والحلق فيعتبرون أنفسهم غير معنيين به، لأن طبيعتهم المائية تعمل بمدإ الإيدروليك وليس، بمبدإ التيرموديناميك.
    - ناريون : متسرعون في كل شيء..لا يعملون إلاّ وسط الضجيج، ولا يتحركون إلاّ إذا إختلط الحابل بالنابل، ليس لهم صبر على المداومة، ولا طاقة لهم بمعاني "خير الأعمال أدومها وإن قل" فهم رجال مناسبات يحبون التصدر، وتجذ بهم البهارج، ويتحمسون لكل جديد، وليس لهم قدرة على "الإنضباط التنظيمي" لأنهم يرتاحون أكثر – وربما ينتجون أفضل وينفعون أكثر- إذا كلفوا بمهام خاصة وبرامج حرة خارج الإطار التنظيمي.
    - العلاج : تسريح الطريق أمامهم بنقل نظرية "الدخول من الباب الواحد" إلى منهج "الدخول من أبواب متفرقة" بتكثير الواجهات وفتح الفضاءات، وتنويع البرامج و"تكليفهم" بمهام خاصة.

    والعقدة في هذا التقسيم الرباعي المشتقة من التراب، والهواء، والماء، والنار، هي عقدة مرتبطة أساسا بطبيعة بشرية متأصلة في أصل الخلقة، فلا تستطيع أنت أن تغيرها بل جهدك أن تتكيف معها، وهذا بالضبط ما فعله رســــول الله (صلى الله عليه وسلم) الذي لم يطرد المنافقين من داخل الصف الإسلامي –وهو يعرفهم حق المعرفة- وأبقى على المسافة الإيمانية الفاصلة بين التمكين لدين الله وتأليف القلوب بالعطايا والهدايا والهبات والكلمة الطيبة..لإستيعاب حركة النفس البشرية في ثنائيات الخير والشر، والعطاء والمنع، والرضا والغضب، والحب والكرة، والإقبال والإدبار، والكرّ والفرّ، والحلو والمرّ..إلخ.

    ثانيا، قواعد لعبة السلطة : لا أعني بالسلطة النظام القائم، وإنما أعني العلاقة القائمة بين الراعي والرعية، أو بين القيادة والجندية، أو بين رب الأسرة ومن تحت رعايته ووصايته، فلجميع هؤلاء- في نظر روبرت قرين، صاحب الكتاب المذكور- قواعد مشتركة للتحكم حصرها في 48 قاعدة ضابطة للعلاقة بين الحاكم والمحكوم، هذه خلاصاتها :
    1- القاعدة الأولى، التواضع للقيادة : فالقاعدة الأولى تدعوك إلى أن تتواضع لمن فوقك حتى لو كنت أكثر علما منه وأقدر على الإنجاز في ميدانه، فالقائد يقبل النصح من جنوده، ولكنه يرفض "التدخل" في صلاحياته، لذلك ينصح صاحب الكتاب الموهوبين والعباقرة – من داخل الصف- بأن يتواضعوا، وأن يضعوا مواهبهم تحت تصرف القائد لا أن يستعرضوا عضلاتهم عليه، فهذه طريقة تكسر السُّلّم التصاعدي وتجعل أمثال المقداد بن الأسود (رضي الله عنه) أعلم بشؤون الحرب من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ولكنه تواضع – مع دقة علمه بخفايا الحرب- فقام يسأل قائده : هل هو منزل محدَّد بالوحي أم هو الرأي والحرب والمكيدة، ثم قدم رأيه لقائده بكثير من التواضع، ولم ينشر في الصف دعاية تشيع في الناس أنه أعلم من قائده بفنون الحرب، وأنه هو الذي أشار على القيادة بهذا الرأي البارع.. (راجع فقه غزوة بدر).

    إن تواضعك للقيادة يجعلك تكبر في عينها، أما تعاليك عليها –بالعلم أو المال أو الجاه أو السبق..إلخ- فكلها نواسف لوحدة الصف، وهي من إختراع إبليس (عليه لعائن الله) يوم ظن نفسه خيرا من آدم (عليه السلام) فرفض أمر الله بالسجود، فكانت النتيجة مرعبة (خروجا أبديا من رحمة الله) لأنه ذو طبيعة نارية.

    2- القاعدة الثانية، إستفد من خصومك : أفضل من يعرف عيوبك هم خصومك، وما ينفعنا به خصومنا أجدى مما تنفعنا به خدمات الأصدقاء، لأن من معك في الصف يدافع عادة عن خطك – لأنه خطه أيضا- ولو كان فيه بعض إعوجاج لأن "عين الرضا عن كل عيب كليلة" أما خصومك فلا يرون فيك إلاّ الشعرة السوداء في جنب الثور الأبيض - وهم محقون في ذلك- وعليك أنت أن تبادر بمعالجة ما بك من خطإ وتقويم ما طرأ عليك من إعوجاج، وتشكر هؤلاء الخصوم الذين أهدوا لك عيوبك بسبب سخطهم عليك، لأن عين السخط تبدي المساوئ.

    ولذلك إذا لم يكن للحركة خصوم وجب أن تبحث عنهم وأن توجدهم، لأن حركة بغير خصوم سوف تموت مرتين :
    - مرة بكثرة مديح الأصدقاء إلى درجة إعتقاد العصمة في الأشخاص والمؤسسات، وهذا فساد في العقيدة وخطأ في المنهج.
    - ومرة بضياع قضيتها، لأن حركة التاريخ قائمة على مبدإ التدافع بين الأضداد (الخير والشر، والحق والباطل، والإستقامة والإعوجاج، والإسلام والكفر، والعدل والظلم..إلخ) فإذا إختفى الشيطان من الأرض –ولم يعد للحركة أي عدوّ- تحول بعض الناس إلى شياطين "يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا".

    فائدة عظيمة : قبل أن أواصل معكم عرض بقية القواعد (46 الباقية) أرى من أوكد الواجبات التربوية أن أضع بين أيديكم مفتاح الولوج إلى عالم القلوب، وهو حسن الظن بالناس، وتقدير جهودهم وإحترام مشاعرهم.. ومعاملتهم على أساس أنهم يحبون لنا الخير، حتى هؤلاء الذين يسيئون بنا الظن ويرموننا بأقبح النعوت، فالذي يريد أن يمسك بزمام القوة – على خلاف ما يراه صاحب هذا الكتاب – هو الذي يتربع فوق عرش القلوب ويقاتلهم بالحب وبكثرة التسامح، فمن أساء إليك فسامحته وأحسنت إليه بالدفاع عن رأيه في غيابه يكون لك وليا حميما، هذا الكلام دقيق 100% لأنه لم يقله بشر، وإنما أنزله الذي خلق البشر، وأوصى المؤمنين منهم بالدفع بالتي هي أحسن (وليس بمجرد الحسنة، بل بأفضل ما تملك من حسنات) وكل ينفق مما عنده:
    - فإذا الذي بينك وبينه عداوة (وليس خصومة، ولا إختلاف في خط سياسي أو وجهة نظر..) بل عداوة لها جذورها الشيطانية.
    - كأنه وليّ حميم، والحميمية هنا معناها التحول الجذري من كره ناسف إلى حب عاطف..لأن القلب يَأسره الإحسان، كما قال الشاعر :

    أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهمُ *** فلطالما إستعبد الإنسان إحسانُ

    لكن إستخدام مفتاح القلوب مشروط بشرطين، هما من مغذيات الحب :

    - الصبر : على تجاوزات بعض الخصوم، وتجريح بعض الموتورين، وتهجم بعض "من يأكل التمر ويعصي الأمر" وهم كثر في زماننا .
    - الحظوة : التي تعني حساب الآخرة، أو حساب العاقبة، وهو خلق متأصل في نفوس أصحاب النظر البعيد ممن يدركون فقه "كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة" ويعرفون الحدود الفاصلة بين "فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم" وشتان بين أن تصل من وصلك وتقطع من قطعك على قاعدة "العين بالعين والسن بالسن.." وبين أن تصل من قطعك وتعفو عمن ظلمك على قاعدة : "والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس. والله يحب المحسنين".

    الحلقة الثانية :
    ينقله لكم الشيخ أبوجرة سلطاني
    عرفنا أن الإنسان تغلب عليه “طينته” فيتصرف وفق ما خُلق عليه، وما غلب على طبعه من تراب، أو هواء، أو ماء، أو نار، وأن علينا أن نراعي ما يغلب على تطبّعه من طبع، لأن الطبع يغلب التطبع، وعرضنا قانونين من أصل 48 قانونا هما : التواضع للقيادة، والإستفادة من نقد الخصوم، ووضعنا بين يديك فائدة عظيمة هي مفتاح الولوج إلى عالم القلوب بصبر جميل وحظ عظيم.

    3- إستعن بالكتمان : فالوضوح سلوك جيد في معاملة الناس، إذا قصدت أنت إلى بيان ما تريد، لكن الإبقاء على أسرارك محفوظة في صدرك علامة قوة لك، تجعل خصومك يتوقعون منك كل شيء غير متوقع، فيعيشون في حالة عدم توازن ويحسبون لك ألف حساب، ويترصدون أي كلمة تنطق بها ليقيسوا عليها مؤشرات توجهاتك، ويظلون حذرين من مهاجمتك لأنهم لا يعرفون ردود أفعالك، وكثيرا ما يتعبون أنفسهم بوضع مخططات خاطئة تشعرهم – عند إكتشاف بطلانها- بالتعاسة لأنهم “قطعوا مسافة طويلة للوصول إليك عبر الطريق الخاطئ” بسبب غموض مواقفك وكتمان مخططاتك..

    لذلك وجهنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلى ضرورة الإستعانة على قضاء حوائجنا بالسرّ والكتمان، وعلّل ذلك بأن كل ذي نعمة محسود، فالإنسان الذي يكتشف عجزه عن مواجهتك يصاب بخيبة أمل قد تصل به إلى حافة التعاسة إذا تسبب كتمانك لأسرارك عنه في كشف خططه وغبائه من الجهات الخمس :
    - أنه يعيش على ما تصرح به أنت من مقاصد
    - أن سلطته مرهونة بما تتنازل عليه أنت من مواقع.
    - أنه يتوسع على حساب المساحات الفارغة من حولك.
    - أنه يبني مجده فوق ما يستطيع هدمه من خططك.
    - أن زاده الوحيد هو ما تصرح به وما تكشف عنه من نوايا.

    فما أعظم تربية الرسول (صلى الله عليه وسلم) لنا بالتكتم، لأنه يدرك أن كثيرا من الناس لا يفكرون في زراعة الأرض البور، وإنما يزاحمونك على المساحات المزروعة، بابتزازك و”سرقة” جهدك..بأن يزرعوا بذورهم في الأرض التي إستصلحتها، ولا أحد منهم يفكر في أن يصنع لنفسه كرسيا يجلس عليه، بل كلهم يفكرون في إزاحتك عن كرسيك لأنه، في نظرهم، موقع جاهز وهم أحق بالجلوس على “العرش” منك حسب ما يعتقدون. (وفي قصة إخوة يوسف عليه السلام ما يغنيني عن طول الشرح والبيان).

    إن المشكلة لا تكمن في ما يفكر فيه الآخرون وفي ما يخططون له، فذلك حقهم لأنه أمر طبيعي بالنسبة لعاجز عن التوسع بعيدا عن مجالك، إنما المشكلة الحقيقية تكمن في عجزك أنت عن حماية “مكاسبك” بحيث تتسبب في إهدارها بكثرة الكلام، وتخسر بعضها بكثرة الخصام والثرثرة والجدل..أو بالتباهي بها أمام أصدقائك أو بحضرة خصومك.

    والحل المقترح هو أن تكون حكيما فتحتمي بالصمت إلاّ لضرورة..وتحارب خصومك بالغموض، فلا أحد يستطيع أن يعرف ما تريد، ولا أحد يملك أن يتوقع خطوتك الثانية والثالثة.. ما لم تفصح أنت عنها، وعليك أن تدرب نفسك على الصمت، فإذا كنت في مجلس جاد فكن واحدا من إثنين ولا تكن الثالث :

    - كن مستمعا لتزداد علما ومعرفة بمن حولك وما يدور في رؤوسهم.
    - أو كن سائلا لتعرف ما أنت بحاجة إليه لإستكمال معلوماتك.

    ولا تكن متحدثا ثرثارا تكشف عن خططك وتنشر أسرارك..فلا يبقى لك سرٌّ تخفيه في صدرك، كان يبحث عنه الناس، فـ”إستعينوا على قضاء حوائجهم بالسرّ والكتمان، فإن كل ذي نعمة محسود” ومن ذلك لا تكن مكثرا :
    - تجنب الكثرة في كل شيء (كثرة الظهور، وكثرة الكلام، وكثرة المزاح، وكثرة التدخل، وكثرة الأكل والشرب، وكثرة الضحك..إلخ) فإن الله تعالى ذم الكثرة إلاّ في الذكر..فقلل من كل شيء واذكر الله كثيرا.

    - إياك والخلط بين عملك (وظيفتك) والإرتباط العاطفي، فالمواقف العاطفية في القضايا الجادة، فوق كونها من المهلكات هي أيضا مطية للشيطان، ومائلة مع الهوى، وناسفة من نواسف المروءة، وسوس ينخر في أصل جذع شجرة القوة الإيمانية والشجاعة الخلقية، ويكفي أن يقال : “فلان رجل طيب ولكنه عاطفي” لتسقط الهيبة..وتُشوَّه القدوة.

    - إياك أن تصبح، لدى الرأي العام، كتابا مفتوحا يقرأ فيه الناس “أسرارك”، فللسان حصائد لا تقطع ولكنها تدمي، وكثير الكلام رجل عريان يعرف الناس تفاصيل عوراته، فلا يخشاه أحد ولا يحترمه أحد، والمحيطون به عادة صنفان إما أناس يبتزونه أو أقوام يتندرون به، لأنه كثير الكلام.. “ومن كثر لغطه كثر سقطه”.

    - دافع عن وجهة النظر المخالفة بمثل ما تدافع به عن وجهة نظرك حتى يتبين الحق من أحدهما، فلا تفترض في نفسك العصمة وتقطع بخطإ من يجادلك، فالحكمة ضالة المؤمن، والدفاع عن وجهة نظر الخصم يربكه أمامك.

    - إذا إضطررت إلى الحديث عن إنجازات مؤسساتك فاستبعد كلية (وبشكل مطلق) الحديث عن نفسك، فلا أحد يحترم من “يسوَّق” لبضاعة الأنانية، وتسويق إنجازات النفس فوق كونها غرورا يزري بصاحبه، فهي كذلك من خوادش المروءة ومن مبطلات الصدقات لأنها – مهما حاول صاحبها تزيينها- تبقى منّا، والله تعالى ينهانا عن المنّ : “يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى” وهل هناك ما هو أشنع من أن تؤذي جليسك بالحديث عن نفسك..وتصد رأسه بالحديث عن بطولاتك..؟؟

    - 4- عش بسيطا : على خلاف ما يعتقد الكثيرون، فإن حياة البساطة هي قمة الذكاء والسعادة والإستعلاء، لأن التعقيد يحسنه الجميع، والتصنّع تكلف يمقته الطبع القويم : “وما أنا من المتكلفين”، وكل من “يعقَّد” الحياة من حوله يخسر مرتين :
    - يخسر علاقته بالطيبين والبسطاء من الناس ممن يكرهون التكلف والتعقيد والتصنّع..وهو منهج يحتاج إلى دراسة وتحليل وفك رموز..فينفضّ البسطاء من حوله.
    - ويخسر نفسه لأنه يصبح إنسانا معقدا في نظر الناس.

    إن الأهداف الكبرى هي التي أنجزها أصحابها إنطلاقا من فكرة بسيطة تبدو للناس عادية ولا تلفت أيَّ إنتباه، فالذي يهدد ويتوعد ثم لا ينفذ تهديده ووعيده يصبح إنسانا تافها، بينما الذي يستدرج خصومه إلى مقاتلهم بالإبتسامة الساخرة يملك أن يملي شروطه في الوقت المناسب، فالطبل الأجوف يصدع الرأس كلما ضربته، فإذا توقفت عن ضربه سكت.

    تذكر أن الناس لا ينتبهون لما تعودوا عليه من أمور الحياة، وقليل منهم من يلاحظ ما سبقت ملاحظته، كما أن “الضربة القاضية” لا يسبقها صراخ ولا تحذير، لذلك تقول الحكمة البارعة : إحصل على النصر قبل أن تعلن الحرب، فلا تقل سأفعل بل إفعل وسوف يتحدث الناس عنك. ويتناقل الناس أخبارك..وإنجازاتك وفضلك على الناس.

    وقديما قيل : إهتدى ثعلب إلى حيلة ماكرة مكنته من إفتراس كل الدجاج من غير ضجيج ودون أن ينتبه أحد إلى “بساطة” الحيلة التي إعتمدها، فقد إرتدى جلد خروف ودخل الدار مع قطعان الغنم، وخلال الليل كان يدخل خمّ الدجاج بهدوء وثقة نفس ودون ضجيج فيفترس ما يشاء من الدجاج بهدوء ثم يخرج – دون صراخ-، لينضمّ إلى قطيع الغنم..وهكذا..

    هي فكرة بسيطة ولكنها بارعة، لأنها غير مألوفة، بحيث لم ينتبه إليها صاحب الدار، ولم تكشفها الأغنام، ولم يعرف “سرَّها” الدجاج..فالحرب لم تعلن ولكن النصر تحقق بصمت وهدوء وبفكرة بسيطة ولكنها بارعة..

    فكثرة الصراخ تنبه الدجاج وتلفت نظر صاحب البيت..وتوقع الثعلب في حرج..

    فائدة عظيمة : عندما ألّف ميكيا فيلي كتابه “الأمير” سنة 1513 كانت تدور في رأسه فكرة واحدة هي تحرير إيطاليا وتوحيدها، فلم يجد من طريقة لتجسيد هذا الطموح إلاّ الفلسفة الإنتهازية القائمة على مبدإ “الغاية تبرر الوسيلة”، وبهذه الفلسفة قدم لبلده خدمة تاريخية عظيمة (بطريقته الخاصة)، أما نحن فديننا يمنعنا من المرور على المزابل للوصول إلى المساجد، لذلك عندما نقرأ أو نكتب أو نفكر أو نحدث الناس..وجب علينا دينا وخلقا، أن نتعامل وفق قواعد الشرع وضوابط الخلق.. لكن من منطلقات بعيدة عن “غفلة الصالحين” التي إستبعدها الفاروق عمر (رضي الله عنه) بقوله : “لست خبًّا ولا الخبُّ يخدعني”، فأن تكون طيبا، هذا شيء جميل وخلق قويم، لكن أن تصل بك الطيبة إلى حد السذاجة بحيث يخدعك كل خبيث و”يضحك” عليك كل جليس..فهذه ليست طيبة إنما هي حمق لا دواء له، كما قال الشاعر :

    لكل داء دواء يستطبّ به * إلاّ الحماقة أعيت من يداويها
    والفرق شاسع بين المكر والدهاء كما بين الطيبة والحماقة “فالله طيب لا يقبل إلاّ طيبا” والمؤمن كيَّس فطن.
    - 5- سُمعتك رأسمال الدنيا : المحافظة على السمعة هي القاعدة الخامسة التي بها تصبح "سيد نفسك" فالإنسان لا يكون غنيا بكثرة ما عنده من مال ورياش..وإنما الغني الحقيقي هو غني النفس المتعففة عما في أيدي الناس، والفقر ليس خُلوّ اليد من الدينار والدرهم وإنما فراغ القلب من معاني العفاف والكفاف.

    ولك أن تتأمل معي هذه المتناقضات كأمثلة تقيس عليها كل ما حولك من نماذج بشرية – بدئًا بنفسك- وصولا إلى قارون الذي خرج على قومه في زينته :
    - صاحب ملايير مكدّسة ولكنه يعيش التعاسة ويشكو للناس تكالب أصدقائه عليه طمعا في ماله، وأولاده الذين ينتظرون نهايته للإنقضاض على ثروته..إلخ، يقابله رجل فقير يعيش لحظته راضيا بما قسم الله له، فلا يتحدث عن أمسه الذي مضى بحلوه ومرّه وخيره وشره، ولا يتطلع إلى غد هو غيب عند الله تعالى، وإنما هو واثق بخالقه الذي يرزق الطير تغدو خماصا وتعود بطانا.

    ونعود إلى موضوع السمعة التي هي رأس مال الإنسان الذي لا يمكن أن يقايضه فيها أحد بالقارات الخمس وما فيها من نفط وغاز وذهب وفضة..إلخ، فالسًّمعة هي "الروح" الذي يسري فيك، فإذا لفظت أنفاسك وغادرت هذه الحياة الدنيا بالموت، سارع أهلك وعشيرتك ومحبوك فكفنوك وعجلوا بدفنك :
    - فإكرام الميت هو التعجيل بدفنه.
    - وإكرام من باع سمعته للشيطان هو التعجيل بفراقه.
    - والإحتفاظ بجثة الميت إهانة لصاحبها.
    - والإحتفاظ بصحبه فاقد السمعة إهانة لك.

    يتحدث القرآن الكريم عن أقوام من الفقراء بلغوا القمة وفرضوا إحترامهم على كل من لا علم له بحالهم لسبب بسيط ولكنه جوهري في حياة الفرد وهو التعفف : "لا يسألون الناس إلحافا" ولأنهم لا يسألون أحدا لأنفسهم فإن الجاهلين بأحوالهم يعتقدون أنهم في قمة الغنى : "يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف".
    - فالرفعة مقرونة بالتعفف
    - والإحترام مرتبط بصون النفس عما يدنسها
    - والتقدير صنْوُ اليد المرفوعة
    - والسمعة نورها الإستغناء عما في أيدي الناس.

    فلا بأس أن تسعى في قضاء حوائج الناس – ولاسيما المحتاجون منهم- بل إن من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته..لكن طلب قضاء حوائج النفس من فوارم المروءة، وقد مضت شريعة الله تعالى بألاّ تعطي المسؤولية من يطلبها لأنها "أمانة، وأنها يوم القيامة خزي وندامة إلاّ من أخذها بحقّها وأدّى الذي عليه فيها"، أما ما أقدم عليه يوسف الصديق (عليه السلام) فمرتبط بالتطوع لحلّ أزمة وإنقاذ أمة تماما كما تطوع خالد بن الوليد (رضي الله عنه) يوم مؤته بأخذ زمام القيادة بعد سقوط القادة الثلاثة شهداء (زيد بن ثابت، وجعفر بن أبي طالب، وعبد الله بن رواحه).

    وشتان بين واضع سمعته موضع الإختبار لإنقاذ أمة والبحث عن شهادة، وبين من يجهل ضعفة على إدارة شؤون الناس والسهر على سلامة حياتهم وأقواتهم وأرزاقهم وشرفهم..فيلقى من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) جوابا تربويا يحميه من ضعفه : "إنك ضعيف يا أبا ذرّ..وإنها أمانة..إلخ) ضعيف في إدارة شؤون الناس مهما كان إيمانك قويا..فلا تعرض سمعتك للإختبار!؟

    وانظر كيف سقطت أوزان ثقيلة – في العالم كله- لمجرد أنها إبتذلت سمعتها بطلب شيء رخيص، فمدّ بعضهم يده فهان، ومدّ بعضهم عينه فخان، وقديما قيل : إذا أردت أن تقتل كلبا فأرمِه بالكلَب، أما إذا أردت أن تقتل رجلاً شريفًا فأرمِه بإشاعة وأترك الرأي العام يتداولها بشماته.

    فالسمعة مثل السلاح النووي، قوته في التلويح للتخويف مع عدم إستخدامه (السلاح النووي تهدد به الدول العظمى بعضها بعضا ولكنها لا تستخدمه، فإذا إستخدمته صار جريمة ضد الإنسانية كما حصل في نهاية الحرب العالمية الثانية من طرف أمريكا ضد اليابان في ناغازاكي وهيروشيما).

    فالشائعات سلاح مدمَّر إذا إستهدفت كرامة الإنسان وسمعته تحولت إلى دمار يزعزع ثقة الناس في صاحب سمعة كان لهم قدوة، لذلك، لما فشلت مخططات المشركين واليهود والمنافقين في النيل من رسالة الإسلام "فبركوا" حادثة الإفك لتشويه سمعة قدوة المسلمين وإسوتهم محمد (صلى الله عليه وسلم) وعطلوا المسيرة 30 يوما حتى نزلت سورة النور "لتبدد" ظلمات المرجفين في المدينة.
    وما أكثر مخططات الإرجاف في حياتنا اليوم.
    فما هو العلاج؟ أقترح عليك وصفة من تسعة أدوية، وهي :
    - حافظ على سمعتك أكثر مما تحافظ على سلامة بصرك.
    - إبتعد عن الشبهات "فمن وقع في الشبهات فقد وقع في الحرام".
    - لا تمدّ يدك بطلب لمخلوق "فاليد العليا خير من اليد السفلى".
    - لا تسأل أحدًا شيئًا لخاصة نفسك..وإذا سألت فأسأل الله.. فالمعطي والمانع والخافض والرافع..هو الله.
    - أقنع بما قسم الله لك تكن أغنى الناس.
    - أزهد عما في أيدي الناس يكبر رصيدك في صدورهم.
    - كن كريما بما عندك، ولو كان قليلا، تؤسس لمدرسة الإيثار.
    - سمعتك هي رأسمالك وما سواها أرباح. فاحرص على حماية رأسمالك.
    - وإياك أن تخالط من سمعته في الحضيض أو في "المزاد العلني" فإن من باع سمعته بسؤال الناس يبيع "صاحبه" إذا طلب منه الناس ذلك!؟ .

    فإن عدوى "القابلية" للسقوط تقع أكثر ما تقع على أصحاب السمعات المشهورة لأن أثوابهم شديدة البياض تؤثر فيها النكتة السوداء. ومن كان مشهورا صار شخصية عمومية، وأصحاب الضمائر الميتة يعشقون التسلق على أكتاف ذوي المروءات.

    وما أعظم الكلمات التي علمها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لنا من خلال توجيه كلامه لغلام صغير (إبن عباس) كان رديفه، فقال له : "يا غلام إني أعلمك كلمات : إحفظ الله يحفظك..إحفظ الله تجده تجاهك..فإذا سألت فأسأل الله، وإذا إستعنث فاستعن بالله..وأعلم :
    - أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء كتبه الله لك. (يا سبحان الله ما أعظم هذا الكلام).
    - ولو اجتمعت على أن يضروك بشيء لن يضروك إلاّ بشيء كتبه الله عليك. (فالنفع والضرّ من الله جلّ جلاله، فلماذا تمدّ يدك لبشر!؟)
    - رفعت الأقلام. (فكل شيء مكتوب في لوح محفوظ).
    - وجفت الصحف". (لا جديد إلاّ أمورا يبديها ولا يبتديها..ولو أنك هربت من رزقك لطارك حتى يدخل عليك الباب، ولو فررت من أجلك لوجدته بانتظارك..).

    فائدة عظيمة : تقول الحكمة، أنت سيد نفسك ما لم تطلب شيئًا لنفسك من مخلوق، فإذا طلبت شيئًا لنفسك صرت له عبدا، فإذا أعطاك ما طلبت رهنت جزءا من سمعتك (كرامتك) له يفعل بها ما يشاء، فإذا منعك ذهب منك الحياء وخسرت علاقتك به مرتين :
    - الأولى، أنك طلبت ما لا تحتاج ممن لا يملك، والدليل أنه عندما حرمك حاجتك لم تمت، وهو ما يعني أنه لو أعطاكها ما أحياك بها، فهي "زائدة" من الزوائد، ولو تركتها كان ذلك أفضل لك وأحفظ لكرامتك.
    - والثانية، أنه بمنعك حاجتك بيَّن لك أنك ناقص، بل إنّ عقيدة التوكل على الله عندك فيها ما يقال خاصة إذا تجاوزت فقه الأخذ بالأسباب إلى منهيات الحرص..فالحرص مرض يعرض جزءا من كرامتك للخدش، ولو صبرت على الحرمان مما هو من "نوافل" الحياة لوجدت إطمئنانا قلبيا يعوضك حالة الحرمان والمنع إذا كنت ممن يؤمنون بقوله تعالى : "قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعزّ من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير". فهل بقيّ للناس شيء يعطوه أو يمنعوا منه السائلين؟؟

    لا تطلب شيئًا لنفسك من أحد تعش "سلطان" نفسك، وخذ بالأسباب التي تأخذ بها الطيور "تغذو..وتروح" لكنها لا تملك حقلا ولا تطلب شيئًا "تغذو خماصا..وتروح بطانا" لا تسأل ولا تبذل سمعتها بالطلب.. لأن الطالب مجازف بسمعته إذا أعطاه الناس ملكوه، وإذا منعوه أهانوه، وفي كلتيهما خدش للسمعة وزراية بالشرف، ومن مدّ يده هان، ومن مدّ عينه خان.


    لاتـرد علـى من يهاجمــك
    ينقله لكم الشيخ أبو جرة سلطاني
    تناولنا في الحلقة الثالثة قاعدة واحدة من القواعد 48 لكيفيات المسك بزمام القوة هي سمعة الإنسان، وأكدنا على ضرورة صيانتها بالبعد عن الشبهات والتعفف عن طلب شيء من أحد، ‘”فإذا سألت فاسأل اللّه ، وإذا استعنت فاستعن باللّه ..” ووجهنا اهتمامك إلى ضرورة المحافظة على “سيادتك” على نفسك بألاّ تشكو حاجتك لأحد، ولا تمد يدك فتهون ولا عينك فتخون.

    6. الشهرة :
    ونعني بها بلوغ الإنسان درجة إجتماعية يصبح فيها شخصية عمومية معرضة للنقد، فالشهرة لها ثمن، ولا يوجد في هذه الدنيا شيئ مجاني، فلكلّ شيء ثمنه مهما حاول أصحابه تغليفه بألفاظ مؤدّبة كالهدية، والإكراميات، والمساعدة و” الوساطة”..إلخ، وقد يخرج عن هذه القاعدة أمران فقط:
    - محض العمل لوجه اللّه” بنية صادقة لا يتبعها منٌّ ولا أذى.
    - وخدمة الوالدين لعظم مكانتهما في النفس البشرية.
    أمّا خارج هذين النّشاطين (العمل لوجه الله وطاعة الوالدين) فإنّ النّفس البشرية تحدث صاحبها بشهوة قبض مقابل أو ثمن ما على أي خدمة يقوم بها، ولو كان ثمنا معنويا (كمدح، وشكر، وذكر حسن بين الناس..الخ)، بدليل أنّك تصادف في طريقك من يقول لك مثلا :
    - كنت أحسن لفلان ثم قطعت عنه مساعداتي لأنّه ناكر للجميل. (فالإعتراف بالجميل ثمن).
    - وفعلت الخير في فلان ولم يقل لي حتى كلمة شكر. (فالشكر ثمن).
    - وحضرت زفاف إبن فلان ولكنّه لم يحضر زفاف ولدي.
    - وأفشيت السّلام على فلان فلم يرد على سلامي، فلن يسمعها منّي مرّة أخرى.(فرد السلام ثمن).
    - ووصلت رحمي مع أقاربي فعقني الجميع إلخ. (فوصل من وصلك ثمن..).
    وهكذا تتحول الدنيا كلها إلى مقايضات حتى لو إتخذت أشكالا من “التضحية” الظاهرة..فكل هذه المفردات مؤدّاها واحد هو أنّ أصحابها يشعرون بحاجة إلى مقايضة من نوع ما هي بمثابة ثمن مقبوض لسلعة يتطوعون هم بتقديمها هدية لك، ولكن بعض الناس يعتبرون الهدية مقدمة لقبض ثمن (أي أنهم يقومون بفعل فيه جمال الهدية ولكنّهم يشوّهون جماله بنية فاسدة، أو بطلب ثمن بخس ولو كان معنويا) فالحياة في نظرهم مقايضات إلاّ ما رحم ربّي.
    وهذه طبيعة بشرية تكاد تكون عامة في كلّ شؤون الحياة، فما بالك إذا تعلّق الأمر بالشّهرة، فأصبح صاحب الشهرة شخصية عمومية يغشى المحافل ويتصدّر المجالس، ويبحث له الناس – من أصدقائه ومقربيه- عن حظوة له تكون مقدمة أو وسيلة لحظوتهم من خلاله، ولذلك يدفعون به إلى تبوء المواقع الأمامية والمزاحمة على الظهور..لأن “مقامه” صار قرين الشهرة..
    هنا وجب التّفريق بوضوح بين صنفين من المشاهير:
    مشاهير مطبوعون: وهم العاملون في حقل الدعوة والقائمون على قضاء حوائج الناس، وهم صنف محظوظ صنعتهم الظروف، أو صنعوا أنفسهم، أو ربما صنعهم الله على عينه ليكونوا مفاتيح خير مغاليق شر..فمنّ الله عليهم بخدمة عباده المحتاجين.. ورفعتهم قدراتهم وقدمهم نضالهم واشتهروا بين النّاس بالقدوة الحسنة وصناعة الحياة.. هؤلاء عادة لهم تاريخ مثقل بالإنجازات، وبمقدار ما يحققون من إنتصارات يكثر أعداؤهم ويتكاثر خصومهم وتتنوع وسائل التهجّم عليهم والتّشهير بهم.. لأنّهم صاروا يتحركون في الواجهة ولا يمكن لأحد تجاهلهم فيكبر القصف عليهم ومن حولهم (قصف المقربين منهم) ولكن هؤلاء المشاهير – عادة- لا يبالون بما يُقال فيهم ولا بما يتهجم به الناس عليهم وعلى المقربين منهم..ولا بما يحدث من حولهم من ضجيج، ولا يردون على المرجفين في المدينة، فطريقهم إلى الجنة محفوف بالمكاره.
    ومشاهير مصنوعون : وهم صنف من النّاس لا يملكون من مؤهلات التصدر والقيادة شيئًا، ولكنهم يحوزون على كثير من المكر والدّهاء، فيعمدون إلى الظّهور على مسرح الأحداث بافتعال “ضجّة” صادمة للمشاعر ليلتفت الناس إليهم، فإذا إكتشفوا حقيقتهم كان ذلك نهاية مأساوية لحياتهم. وكم تحدث التاريخ عن سير هؤلاء التافهين!؟
    فالتّاريخ يتحدّث مثلا عن تافه لم يجد طريقا للشّهرة إلاّ أن يفكر في
     التبوّل (أكرمكم اللّه ) في بئر زمزم، فعاد الحجيج ولا حديث لهم إلاّ عن مارق إسمه “زفت” فعل فعلته في أقدس مكان، فانتهى نهاية مأساوية، لأنّه أراد أن يدخل التّاريخ من أحد أبواب نواقض المروءة، ومن ذهبت مروءته ذهب حياؤه.
    والشاعر يقول :
    إذا قلّ ماء الوجه قل حياؤه *** ولا خير في وجه إذا قل ماؤه
    وفي قصص الحيوان خرافة تقول : دخل زنبور (حشرة تشبه النحلة ولكنها لا تنتج عسلا ولا
    خلاًّ..)


    دخل هذا الزنبور التاريخ بلسعة وجّهها لولي العهد (وهو لا يزال رضيعا في مهده)،
    فتحرّكت القوّات البريّة والبحرية والجوّية وأجهزة الأمن والمخابرات…وغلّقت كلّ المنافذ وألقي عليه القبض وأعدم وهو يقول: “حياة بلا شهرة كنار بلا شعلة “.
    هذه الشهرة الزنبورية ساقطة من حساب الشرفاء، ومن باب أولى فهي ساقطة من حساب أهل الفضل والإيمان، لأن صاحبها يريدها لذاته، “ومن طلب الشهرة شهَّر الله به”. لذلك سوف أتجاوزها، وأسقطها من حسابي وحسابكم.. لأحدّثكم عن الشّهرة المطبوعة التي تلفت أنظار النّاس إليها بإنجازاتها الخارقة، وتفرض على الجميع الإحترام والتقدير وتصبح هي نفسها الشّرعية التي يميل النّاس معها حيث مالت، لأنّ صاحبها يصبح “مغناطيسيا” يجذب إليه الاهتمام فيتجمهر حوله النّاس بالآلاف ثمّ بالملايين، وتصبح فكرته هي الشرعية، وعمله هو المنهج، وأخلاقه هي الطريق المستقيم.. ويصبح صاحب كاريزما آسرة (نموذج سلطان العلماء العزّ بن عبد السّلام مثلا).
    هذا الموقع المستشرف – ليس شهرة ولكنه قدوة- لا يصله أيّ أحد بضربة حظ، وإنّما بنضال طويل وجهاد مرير وصبر جميل وتميّز فريد من نوعه، يستحيل أن يتجاهله النّاس، ومع ما يحوز عليه هذا الرّمز من تقدير وتبجيل نابع عن تضحياته في سبيل خدمة الناس، يبقى أقوام كثيرون من التافهين حاقدين وحاسدين .. يتحرّكون على مسرح الأحداث بالدعايات والأراجيف للنّيل منه والسّعي في تشويه سمعته، معتقدين أنّهم أفضل منه، وأنهم هم الأعزة.. تماما كما قالها كبير المنافقين في حقّ رسول اللّه ـ صلّى اللّه عليه وسلّم ـ وسجّلها القرآن الكريم للتّاريخ: “لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ “.
    فضجّ بعض الصحابة عليهم الرضوان، ولكن الرسول فهمها فهما تربويا، لأنّ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وسلّم ) كان كبيرا (لأنه قدوة) ولذلك لم يرد عليه، لأنّ أصحاب الرّسالات لا يتاثّرون بالهجمات على أشخاصهم ولا يجدون أيّة حاجة للدّفاع عن أنفسهم لإدراكهم أنّ هجمات التّافهين على أشخاصهم تقوّيهم، وأنّ تعرّضهم للنّقد والتّجريح والإساءة والإفتراء.. هو جزء من ضريبة تصدّر الصفوف (راجع مقالاتنا: ضريبة الصّف الأوّل ). وكل قدوة يعلم يقينا أن شخصه الناجح مزعج للفاشلين، ومعرض للهجمات من طرف أصحاب الشهرة المصنوعة لأنه كبير :
    - فلا يوجد في التّاريخ كلّه “كبير” لم يهاجمه الصّغار.
    - ولا يمكن أن تسلّم الأشجار المثمرة من رشق الأطفال لها بالحجارة.
    - وكل من يقف أمام البحر تحدّثه نفسه أن يرميه بحجر.
    - وما من شهير إلاّ و “فبرك” له النّاس الإشاعات.
    - ولا يوجد إمام لم يقل فيه المصلّون كلاما غير لائق.
    - وما من مسؤول إلاّ ونال نصيبه من الجرح دون أن يشفع له التّعديل.
    وقد قصّ علينا القرآن الكريم فصولا طويلة من “معاناة” الأنبياء والمرسلين (عليهم السّلام) مع أقوامهم، فما سلم منهم أحد، وكذلك حال (العلماء مع العامة، والدّعاة مع الجماهير، والقادة مع شعوبهم…)فالناس يعشقون التسلق على أكتاف المشاهير..وأصحاب الألسنة الطويلة يحترفون الجرح بلا تعديل في حق القامات العالية. و”الطفل” لا يستطيع أن يرى ما يجري إلاّ إذا رفعه أبوه فوق كتفيه، فإذا إرتفع نسي فضل الوالد وصار يحدثه عن قامته الفارهة!؟
    إنّ المشكلة لا تكمن فيمن يفتري على الكبار، فهذه سنَّة من سنن اللّه في خلقه، إنّما تكمن فيمن يريد أن يكون كبيرا – فيدفع ضريبة تصدر الصف الأول- ثمّ يتنازل عن هذا المقام ليناوش الصّغار، أو يرد على إشاعة مسّت شخصه أو شوهت سمعة أحد من أقاربه بحقًّ أو بباطل (أبناؤه، أزواجه، إخوانه، أصدقاؤه، ذوو أرحامه… إلخ) فنزول (أو تنازل) الكبير إلى الصّغار إنتصار لهم، ومطاردة العقلاء للشبهات يشبه صيد الثعالب (وهل رأيت أسدا يطارد الثعالب؟ ! ).
    لقد وجّه المنافقون طعنة مسمومة للرّسول (عليه الصّلاة والسّلام) عندما إتهموه في فراشه الطّاهر (بما صار يُعرف بحادثة الإفك)، فهل سخّر وسائل الإعلام للردّ على المرجفين؟ وهل ـ بعد نزول سورة النّور التي كشفت المستور ـ ضبط رسول الله قائمة “الذين جاؤوا بالإفك ” وصفّى حسابهم؟ لا شيء من هذا حدث، إنّما العكس هو الذي أمر به التّوجيه القرآني الكريم في أكثر من 31 موضعا، أهمّها:
    - ضرورة تحرير الولاء لله ولرسوله والمؤمنين
    - إذا تمت خلخلة الصف فإن العيب فيكم فرصّوا صفوفكم وسدّوا الفرج.
    - إذا نجح خصومك في زعزعة صفكم فإن منسُوب الثقة ضعيف بين القيادة وقواعدها فقوُّوه.
    - إذا دبَّ الخلاف فإن الأخلاق الإجتماعية فيها ثغور مفتوحة فسارعوا بسدّها.
    - التبرّج آفة فلتحتجب نساؤكم إلاّ عن المحارم.
    - لا تنتقموا ممّن كان سببا في هذه الأراجيف، وليستمر الخير والعطاء فيكم :
    “ألا تحبّون أن يغفر اللّه لكم”..إلخ.
    إذا كنت كبيرا، أو تريد أن تكون كبيرا، فلا تردّ على الصغار، ولا تحمل الحقد على أحد، فإنه لا يحمل الحقد من تعلو به الرتب..وتجاهل ما يقال فيك، فالنّاس قد يُخدَعون لبعض الوقت ولكنّهم ــ إذا كثرت الإشاعات وتنوّعت الدّعايات والأراجيف ــ فإنهم سوف يكتشفون حقيقتين هما أبلغ ما سوف يخدمك به خصومك مجانا ويكسبك أعداؤك بغبائهم وحقدهم عليك المزيد من الإحترام والتّقدير وحبّ النّاس لك و” ندامة ” من كان مكلّفا بمهمّة مهاجمتك وتشويه سمعتك، وهما :
    - أنّ تجاهلك لخصومك بعدم الردّ عليهم يقتلهم معنويا.
    - أنّ إنصرافك إلى تنفيذ برنامجك هو أفضل ردّ في الميدان.
    ونصيحة الحكماء لي ولك قيدها أحد الشعراء في بيت حكيم، فاحفظه وأعمل به تسلم وتغنم، يقول الشاعر :
    إذا نطق السفيه فلا تجبه *** فإن خير إجابته السكوت
    فالشّهرة المطبوعة – مثل القدوة الموروثة تماما – لها ثمن باهض، ولها تكلفة مرتفعة جدا..ولذلك لا ينبغي أن تهتمّ ــ إذا كنت تسير في صدارة الصّف ــ بكثرة الإلتفات إلى الصّائحين والنّائحين والصّافرين والمصفّقين، فضجيج هؤلاء يشبه هتافات المعجبين والمشجّعين إذا فقه “القائد” قاعدة ذهبية تقول: “كلّما علا الضّجيج دلّ على الفراغ”، فكلّ فارغ له صوت مخيف بينما الملآن يقدّم لك الحساب أفعالا لا أقوالا.
    فاحذر من الوقوع في ثلاث هنّ رأسمال كلّ قدوة وعصمته كلّ سقوط :
    - إحذر أن ترد على تافه فتكون كمن ينثر الدرر على رؤوس الخنازير.
    - واحذر أن تكثر من الإلتفات، فالظبي أسرع ولكن تثنيه كثرة الإلتفات.
    - واحذر أن تدخل في جدل (أو مراء) مع “مأجور” فالكلب الذي يصطاد لصاحبه يخونه إذا إختلى بالطريدة، فلا تكن أنت الطريدة..
    وكم نفعني الله – بعد القرآن والسنّة وسيّر الصالحين- ببيتين من درر شعر الحكمة جعلتهما مبدأ لمعاملات السفهاء الذين يحبون أن يبنوا مجدهم على أكتاف الرجال، فكنت أعاملهم – فعلا لا كلاما- بقول الشاعر :
    يخاطبني السفيه بكل قبح *** فأكره أن أكون له مجيبـا
    يزيد سفاهة فأزيد حلمــا *** كعود زاده الإحراق طيبا
    وإذا كنت من الذين أبتلاهم الله بالإشاعات والأراجيف وكثرت حولهم الزنابير (الباحثين عن الشهرة بلدغ من طاولهم قامة) فلذ بالصّمت واضرب حول نفسك ستارا من الغموض “فالنّاس يأسرهم الغموض ” وأغلق منافذ الابتذال في وجوه التافهين “فالأمة المجاهدة لا تعرف الضحك “، واجعل دائما هامشا لعدم الشّعور بالأمن، فلا تبقى طول الوقت مسترخيا، ولا ظاهرا، ولا مطيلا للمكوث مع من تعوّدوا تزجية أوقات فراغهم بصحبتك، وتوارى عن الأنظار لبعض الوقت لتتفرّغ لحاجة نفسك وإنجاز المهم من الأشياء، ولا تكثر التردد على بيوت الناس..وباعد بين الزيارات “زرْ غبّاَ تزدد حبّا”، ولا بأس من التبسّط مع إخوانك في المناسبات إذا كان المزاح “فاصلا ترويحيا” بين نشاطين، واحذر من الإكثار في كل شيء.. فالكثرة قاتلة إلاّ في الذكر والدعاء..
    - فائدة عظيمة : الهيبة يقتلها الإلف، وقد رأيت أطفالاً من ذراري المسلمين يتنذّرون بالشيخ الفلاني لأنّه مازحهم، وينكتون عن الداعية الفلاني لأنّه أجلسهم إلى مائدة الطعام بجواره تواضعا منه، فخرج هؤلاء الأطفال يتحدّثون أمام النّاس عن “عادة” الشيخ في الأكل، وعن طاقم أسنانه الذي خلعه للتنظيف، فسقطت هيبته، لأنّه لم يراع مقامه. (فالأسود لا تلاعب الثعالب).
    إنّ علماء البلاغة عندنا يقولون “لكلّ مقام مقال ” وللنّاس مقامات يجب أن تُحفظ ليس كبْرا ولا تكلّفا (فالله يمقت الكبْر ويكره التكلّف).. وإنّما ”
    إنزال النّاس منازلهم ” وتذكر التوجيه النبوي القويم في حقّ الأطفال ــ إذا تجاوزوا العشر سنوات – بأن “نفرق بينهم في المضاجع” لأن للناس إذا ناموا عورات، والعالم القدوة قد يغفل وقد يتبسط وقد يتحدّث إلى “خاصته” من الكبار – في حضرة الصغار- فتكون له عورات يجب حمايتها وسترها لاسيما عند ثلاث: الطعام، والكلام، والمنام.
    وأخيرا، تذكر شيئا مهمّا في حياتك، إذا كنت تريد أن تصبح كبيرا فلا تجعل أعداءك صغارا فالعداوات كالصداقات إنما تقوم بين النظراء في السلم “المرء على دين خليله” وفي الحرب : “أخرجوا لنا نظراءنا”، فقوة أعدائك من قوتك، وكثرة خصومك دليل على علوّ همّتك، فصاحب الطّموح الكبير له أعداء كبار من الأوزان الثقيلة.
    وإلى القاعدة السابعة
    حبُّ الظهور مطيَّة للقبور
    ينقله لكم الشيخ أبو جرة سلطاني
    تناولنا في الحلقة الرابعة مسألة عدم الرد على المهاجمين، والسكوت عن السفهاء، وعدم التنازل لمن يتخذون المشاهير سُلّما يصعدون عليه إلى قمة موهومة، وبيننا أن السكوت عنهم يقتلهم، وأن عدم الإلتفات إليهم يردهم إلى حجمهم الحقيقي، وعدم ذكرهم بخير أو بشر في أي مجلس يقوض أحلامهم، وأن على “الشخصية العمومية” أن تترفع عن الرد على الشتيمة بالشتيمة لأن “لعبة الكبار” لا يقبل أصحابها تضييع الوقت في الرد على نهازي الفرص، أو تبديد الجهد مع الصغار، وكل ذلك شرحناه في القاعدة السادسة.

    7- حبّ الظهور
    وهي القاعدة السابعة من قانون التحكم والسيطرة على زمام القوة، وهي – كما سوف تلاحظ- من أخطر المزالق التي يتردى فيها كثير من الناس، خاصة المسؤولون وذوو الطموح المتضخم، لخمسة أسباب تتكرر في حياة الناس ولا يستوعب إلا القليلون دروسها المدمرة، وهي :
    - إعتقاد البعض أن وجودهم ضروري للحياة كالماء والهواء.
    - مرض الأنانية المتضخمة التي تريد أن يخدمها الناس جميعا.
    - المزاحمة على الصف الأول بلا مؤهلات، وحب الوقوف تحت الأضواء.
    - النظر إلى كل منافس على أنه عدّو لابد من “تصفيته” بأية وسيلة.
    - الإعتداد بالرأي ورفض كل رأي مخالف ولو كان فيه خير العباد والبلاد.
    ويجب أن نعترف – منذ بداية الحديث عن قاعدة حب الظهور بأن أصحاب هذا النزوع المنحرف يعانون من عقدتين خطيرتين إحداهما يعرفها الناس من ممارسات وسلوكيات صاحبها والأخرى لا يمكن الكشف عنها إلاّ عندما تسقط هيبة الباحث عن الشهرة ويكتشف الناس حقيقته، وهاتان العقدتان هما :
    - عقدة الإستعلاء، التي تجعل صاحبها يعتقد أنه فوق الزمان وفوق المكان والإنسان وأن الناس جميعا خُلقوا لخدمته، فإذا نطق وجب عليهم أن يسكتوا وينصتوا، وإذا دخل وجب عليهم أن
    يقوموا له إحتراما وتقديرا وتبجيلا.
    .فهو “
    محور” الجماعة وقطبها الأوحد..بل هو محور الكون!
    - وعقدة الدونية، التي يحسّ صاحبها بأنه دون مستوى الناس ذكاء وخبرة وفطنة وحظاّ..وأن عليه أن يمثل دور الإنسان الكامل، ويتصنّع هذا الدور.. حتى يستر نقصه ويحجب عن الناس هزالة..فتراه يزاحم الكبار بلا زاد.
    في الحالات العادية للإنسان السّوي يعيش المصاب بواحدة من هاتين العقدتين “واقعة” ويتكيف مع ظروفه، أما لدى صاحب نزعة حب الظهور فالتناقض الحاصل في بنية هذه الشخصية يستثير الإعجاب من جهة والغرابة من جهة أخرى بسبب ما يصدر عن صاحب هذه العقدة من تصرفات مريبة :
    - فظاهره يوحي بالقوة والتمكن والقدرة لكن باطنه عارٍ من كل هذه المظاهر الخداعة، فهو ضعيف وجبان وفازع ورعديد وقليل الحيلة والقدرة والكفاءة..
    - تصرفاته الظاهرة توحي بأنه واثق من نفسه وقادر على القيادة والإنجاز لكنه إذا إصطدم بحاجز إنكشفت عوراته وافتضحت سوءاته.
    - خطابه يتصنع فيه القوة ويرفعه فوق ما يجب ويغطيه “بمحفوظاته” فإذا جلست تناقشه في التفاصيل والأعماق وجدته أفرغ من جوف أم موسى ولكنه، مع كل هذه العيوب، يصر على التمسك “بحقه” في التصّدر والظهور واحتكار الحقيقة وجلجلة الخطاب وفرض الرأي..وتجده حريصا على مرافقة “الكبار” والتحدث باسمهم وانتحال شخصيتهم..لأنه يعيش طول حياته على الجثث والجيف ويعتاش بصيد الآخرين، ويحب أن يحمد بما لم يفعل، وأغرب ما فيه أنه يدعي العلم بكل شيء، والسبق إلى كل شيء..وأنه صاحب الفضل على الجميع، وأنه أحرص الناس على المصلحة وأولى الناس بتصدر المحافل..
    هذه النماذج من الناس نحتاج أن نفهم نفسيتهم فهما مستبطناً قبل أن نخالطهم، لأن خلطتهم تكتسي خطرين مدمرين هما :
    - التسلقية، التي تجعل أكتاف الرجال في خدمة الأغراض الشخصية لهم، وليست في خدمة المبادئ والثوابت والقيم التي يتطلع إلى إنجازها الكبار.
    - والتدميرية، التي يجتهد صاحبها في زرع الأحقاد بين المتنافسين، لأن المصاب بإزدواجية العقد (عقدة الإستعلاء المفتعل وعقده الدونية الحقيقية) لا يملك مقومات المنافسة الشريفة فيلجأ إلى الدسيسة والخديعة والوقيعة بين الناس، وشراء الذمم..وإيغار الصدور..ليضرب هذا بهذا، ويشيع داخل الصف ثقافة “أنا خير منه” ويدفع الناس للحديث عن إنجازاته الوهمية ومآثره ويده البيضاء على المجتمع..حتى إذا تناقلت أخباره وسائل الإعلام دخل في مفهوم “الأحاديث الموضوعة” ونُسجت حوله الأحاجي والأساطير الشعبية..تماما كما حدث مع الشخصيات الخرافية التي ينسب إليها الخيال الشعبي كل المكبوتات التي تحدثت عنها الملاحم الوهمية في سيرة بني هلال، وسيف بن ذي يزن، وألف ليلة وليلة..إلخ.
    كيف نعالج هذه الظاهرة؟
    إن التحليل النفسي لسيكولوجية هذه الشخصيات – وما أكثرها في كل الصفوف- تقودنا إلى مصطلح النرجسية أو البطولات الوهمية للأنا” المتضخم التي ينسجها خيال بعض الذين يحبون أن يُحمدوا بما لم يفعلوا، فهم
    alhdhd45
    alhdhd45


    عدد المساهمات : 1337
    تاريخ التسجيل : 03/03/2011
    الموقع : hmsain.ahlamontada.com

    كيف تمسك بزمام المبادرة ينقله لكم الشيخ أبو جرة سلطاني Empty رد: كيف تمسك بزمام المبادرة ينقله لكم الشيخ أبو جرة سلطاني

    مُساهمة  alhdhd45 الثلاثاء 1 يناير 2013 - 11:43


    ضع عواطفك في الميزان

    في الحلقة الخامسة شرحنا عواقب حب الظهور، وحاولنا أن نحلل الشخصية النرجسية التي لا تعمل شيئًا وتحب أن تُحمد على كل إنجاز يقوم به الآخرون، وبيّنا أن شعار : “الله غايتنا” لا ينسجم إطلاقا مع الباحثين عن الشهرة من الذين يزاحمون الناس على تصدر الصفوف عند المغانم، فإذا تنادت الظروف بتسديد فاتورة المغارم تواروا في الزحام واختفوا عن الأنظار..
    في هذه الحلقة نتناول ما سماه المؤسس “لجْم نزوات العواطف بنظرات العقول”، وهو القانون الثامن من قواعد المسك بزمام القوة.
    8- شكرا على عواطفك
    الأمة المجاهدة لا تكثر الضحك، والصف المتماسك لا يشده إسمنت العواطف وحدها بل لابد له من “خرسانة” مسلحة بحديد العقل وحصى الفهم ورمال سعة النظر، فالجماعة إنما تجمعها المبادئ وتفرقها المصالح، والحق إنما تحميه القوة ويضيعه التواكل، والعواطف عواصف والعواصف نواسف، وطريق الإنتصارات الكبرى إنما يعبده أحد رجلين :
    - رجل نذر نفسه لله، فهو يُعطى ولا يأخذ.
    - ورجل آمن بفكرة فهو يخدمها بماله ونفسه.
    والبقية أوركيسترا تعزف أي نغم و”تصفق لأي رئيس وترقص مع كل عريس ولا تفرق بين العنزة والتيس!؟” ومربط الفرس في كل هذا الخوض هو سلطان العواطف بمختلف أنواعها، والتي يمكن أن نعد منها عشرة أنواع بارزة، وقد يمكن الذهاب إلى أزيد من مائة نوع لو أردنا التحري والإستقصاء، ومن ذلك على سبيل المثال :
    • عاطفة العقيدة والدين، وهي أسمى العواطف وأنبلها وأوكدها..
    • وعاطفة الدم والأرحام، وهي أضخم العواطف وأعقدها وأحنّها..
    • وعاطفة الحب، وهي أنواع كثيرة بحسب موضوعه وأهدافه..
    • وعاطفة الشفقة، وهي لصيقة بموضوعها وظروف صاحبها..
    • وعاطفة الحقد والحسد..والإنتقام وهي جزء من تركيب الشخصيات التدميرية..
    • وعاطفة حب الذات ورفض الأخر، وهي نرجسية ممقوتة..
    • وعاطفة الإنتماء للجماعة والوطن واللغة والدين، وهي غريزة متأصلة..
    • وعاطفة إسترجاع الذكريات والعيش على الأمل، وهي جزء من رجْع الموت.
    • وعاطفة الضعف والسقوط وفقدان المقاومة أمام المغريات، وهي فرع من الغريزة.
    • وعاطفة الهوى والشهوة، وهي أسفلها وأخطرها على النفس والناس..
    وأصحاب المبادئ الكبرى، وحملة المشاريع الضخمة، والمؤهلون لقيادة البشرية إلى معالي الأمور يملكون نصيبا من هذه العواطف كلها لأنها كالنفس البشرية التي سواها ربنا عز وجل فينا وألهمها فجورها وتقواها وترك لنا حرية توجيهها إلى إحدى النهايتين :
    - الفلاح : قد أفلح من زكاها بحملها على مكارم الأخلاق وعظائم الأمور..
    - الهلاك : وقد خاب من دساها بإطلاق عنان الشهوات لها والغرق في سفاسف الأمور ومراتع الفجور..
    والفرق واضح بين من تقوده عواطفه إلى المهاوي وبين من يسيّر عواطفه ويقودها إلى “حرارة” الفعل و”فورة” الموقف والتحكم في النزوات الهابطة بالنظرات المتعالية، ومن هنا تتضح معالم ثلاثة أنواع من الناس أمام عواطفهم :
    - نوع عاطفي هوائي (سائب) إذا الريح مالت مال حيث تميل
    - ونوع عاطفي ترابي (جامد)، كأنه بلا عواطف، قد نزع الله الرحمة من قلبه.
    - ونوع عاطفي مائي (متجاوب) :عواطفه شغالة ولكن تحت رقابة العقل وكوابح الخلق، وضوابط الشرع.
    وهي نفسها الأصناف الثلاثة التي ورد ذكرها في سورة البقرة في قوله تعالى حكاية عن بني إسرائيل : “ثم قست قلوبهم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة” لكن هذه الحجارة القاسية في ظاهرها تخفي تحت سطوحها مياها عاطفية كامنة ذات ثلاثة أنواع :
    - حجارة متفجرة : وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار، ففي أحشائها ماء غزير. بل أنهار من العواطف المتدفقة حبستها قسوة القلوب.
    - وحجارة متشققة : وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء، إذا تشققت بالمواعظ خرج منها ماء نمير. فإذا لم يتعهدها صاحبها إنحرفت عن فطرتها..
    - وحجارة متصدعة : وإن منها لما يهبط من خشية الله، تواضعا للحق وتصدعا للشرع وخشوعا للتنزيل..

    فحدد نوعية عواطفك –قبل أن يقسو قلبك- ثم تعلم من هذا الدرس المهم خمس
    (05) فوائد تربوية
    قد تعينك على تجديد معالم شخصيتك، وتنبهك إلى ضرورة “
    إحياء قلبك” إذا نجحت في ضبط ميزان عواطفك على محك الشرع..كما قد تقوي عزيمتك على تجاوز حالات الإحباط، وتساعدك كذلك على الخروج من حالة التردد إلى ساحات الجهد والجهاد، فإن أكثر ما يردي الإنسان عواطفه (السائبة) إذا دسَّاها، وأخطر ما يتلاعب بالإنسان عواطفه الهوائية المائية المتفجرة إذا تركها فالتة ولم يلجمها بنظرت العقول، ففي غياب العقل المنظَّم لحركة العواطف يقع الإنسان في مهاوي الرذيلة التي تفتح على صاحبها أبواب السقوط الخمسة (05) بحيل كثيرة من أخطرها
    أ‌- حيلة الإفطار على جرادة : تتحدث أمثالنا الشعبية عن رجل صام الدهر عن جميع الملذات، ثم أفطر على جرادة فأبطل صومه – أو قطعه بعد طول إيمان وإحتساب- بأن أهان نفسه بالإفطار على جرادة، والمعنى المقصود هو سوء الخاتمة العاطفية التي تجعل “كبيرا” يعيش طول حياته متحكما في عواطفه موجها لها صوب المعالي..ثم في لحظة ضعف فارقة “يسقط” سقوطا حرا، لأن نفسه إشتهت جرادة فتضخمت عواطفه تجاهها، فكانت نهايته سوءا.. ويا خسارة النهاية؟؟
    ب‌- حيلة صيد الفئران : خرج أحدهم إلى نزهة صيد وقضى نهاره كله يبحث عن طريدة في مستواه..فما ساق له الحظ شيئًا، فراح يسلي نفسه عاطفيا بصيد الفئران، فلما عاد وجد الأخبار قد سبقته (فلان صار صائدًا للفئران) فغلب عليه إسم : “صياد الفئران”، فما إستطاع محوه بكل ما بذله من جهد إلى أن مات وهو يحمل هذا الشرف الوضيع؟؟ لأن عواطفه غلبته..
    ج- حيلة نشل الجيب : يضع بعض المحتالين إعلانات في الأماكن المزدحمة مكتوب عليها : “إحذر النشالين” فلما يقرأها أصحاب العواطف المرهفة تجاه المال يتحسسون على الفور الأماكن التي أخفوا فيها أموالهم (جيب، محفظة، كيس..الخ) فيدلون النشالين بهذه الحركة العاطفية الخائفة على أماكن وجود المال فيتعرضون للنهب والسلب..وهكذا الحياة..فما أكثر ما تستدرج العواطف صاحبها فيفقد كرامته أو شرفه أو عرضه أو رجولته أو عقله..بحيلة “يهندسها” النشالون عندما يضعون للعاطفة السائبة طعْما مغريا فيصطادونها من أضعف ريش.
    فما أكثر ما تكشف لحظة ضعف عما يدور في رأسك، وكم من الناس سقطوا فجأة وعروا أنفسهم للنشالين بسبب فقدانهم زمام السيطرة على عواطفهم فكشفوا عن تفاصيل مخططاتهم..فوقعوا في الفخ. فسلبهم النشالون أعزَّ ما يملكون!؟ وقد كادت أم موسى (عليه السلام) أن تكشف عن خطة تهريب فلذة كبدها لولا أن ربط الله على قلبها فأبرد عواطفها بردَّه إليها..فقد كادت عاطفة الأمومة أن تغلب على وعد الله لها بإرجاعه إلى حضن أمه : “إنّا رادوه إليك..” ومع هذا الوعد الرباني الذي لا يتخلف “إنْ كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين”.
    فسلطان العواطف غلاّب.
    د- دعوة إلى الصعود : في الأصل التربوي –وكذلك في قواعد الأصول- أن الجالس في مكان مستشرف يدعو الناس إلى الصعود إليه لتشريفهم بموقع أفضل مما كانوا فيه، أما حينما ينزل هو إليهم – تقديرا لعواطفهم- فقد خسر موقعه ونافسهم على مواقعهم بغير وجه حق، وليس معنى الدعوة إلى الصعود هنا التكبر على الناس بل هي دعوة إلى تدريبهم على الإرتقاء والتمرد على عواطف الإسترخاء في القديم، فالناس يخافون من كل جديد.
    فتعلم كيف تتحكم في عواطفك وكيف تدعو الناس إلى إستعلاء إيماني تحكمه قواعد الهمة العالية.. فتدعو الناس إلى المعالي بدل تلبية رغبات البعض بالنزول إلى حضيضهم بسبب نزوة عاطفية عابرة..فإحذر أن تلبي دعوات الذين يدعونك إلى النزول باسم التواضع، فالتواضع الحقيقي هو أن تذهب أنت إليهم باختيارك الحرّ، وبعاطفة ملجمة بنظرات العقل..أما إذا تعودت على إرضاء عواطفك..وتلبية الدعوات الهابطة فسوف تجد نفسك في الحضيض ولن تنفعك عواطف تقدير المشاعر “فمن يهن يسهل الهوان عليه”.
    هـ- صبر ساعة : يتحدث القرآن الكريم عن الفرق بين أنواع الألم..بين ألمنا وألم من يحارب الدين ويريد الفساد في الأرض، فيكشف عن جوهرة نفيسة لنوعيات هذا الألم : “إن تكونوا تأملون فإنهم يأملون كما تأملون وترجون من الله ما لا يرجون”. فالألم واحد ولكن الجزاء مختلف..
    ويالروعة التصوير
    كلنا يتألم، نحن نتألم وهم يتألمون حتى وهم يعذبوننا برفض منهج الحق، وبالإعوجاج والحصار والتضييق ورفض شريعة الله..يعذبوننا ويتألمون..نعم يتألمون في داخلهم ربما بأبشع ما نتألم به نحن وزيادة، لأنهم يروننا صامدين معتزين بديننا متمسكين بعقيدتنا مدافعين عن ثوابتنا ومبادئنا..
    وهم كذلك يتألمون إلى أن يقضي الله بيننا وبينهم بالموت، وبعد الموت يبدأ ألم آخر بلا نهاية، فنحن ألمنا مؤقت وظرفي لأن ما بعده سعادة ونعيم وملك مقيم “وترجون من الله ما لا يرجون” وهذه الجملة وحدها كافية لإعادة ترتيب العواطف، فلا نتأثر باللحظات الظرفية العابرة. فالطاعة صبر ساعة..والنفس طماعة إذا لم نعلمها القناعة..
    فائدة عظيمة : باستثناء عاطفتي العقيدة والأرحام المتأصلتين في حياة المؤمن بالنص المنزّل، يحتاج أصحاب الرسالات وحملة المشاريع.. إلى برنامج تربوي صارم لتهذيب العواطف الأخرى وإعادة ترتيبها وفق سلّم جديد يطهرها من نزوات الهوى وجذبات التراب – حتى ما تعلق منها بالعقيدة والأرحام- فقد تعلمنا درسا بليغا قاله الله تعالى لنبيه نوح (عليه السلام) لما تعاطف مع إبنه الرافض للركوب في سفينة النجاة مع المؤمنين بعاطفة الأبوة الحانية : “إن إبني من أهلي” فقوّم الله تعالى هذه العاطفة المتدفقة بما نتعلم منه اليوم حقيقة لجم نزوات العواطف بنظرات العقول : “إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح..”، وتدارك نوح (عليه السلام) هذه الحقيقة واعتذر لربّه عز وجل : “قال ربّ إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم..”، ووقفنا –ونحن نقرأ كتاب الله- على مشاهد مربيّة لعواطف تأججت في لحظة ضعف بشري فقوَّم الله مسارها وروى أخبارها..وخرجنا بخلاصة واحدة مفادها ما جاء في أواخر سورة المجادلة من أن العواطف يحكمها الشرع لا الهوى : “لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حادّ الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيديهم بروح منه..” وأوضح من هذا البيان ما جاء في الآيتين 23 و 24 من سورة التوبة من قوله تعالى : “يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان..” إلى قوله تعالى : “فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين” فعواطف المؤمن عواطف مؤمنة يؤججها الإيمان ويبردها الكفر ويوجهها الحق ويلجمها العقل الناظر في المآلات.

    أساتذة في الكلامولوجي

    تناولنا موضوع العواطف، وأشرنا إلى عشرة (10) أنواع منها، وبيّنا الفرق بين الهوائي والترابي والمائي والمتفجر والمتشقق والمتصدع،..إلخ، وشددنا الإنتباه إلى خمسة (05) دروس تربوية سميناها “حيل العواطف” وضربنا لها أمثلة هي : الإفطار على الجراد، وصيد الفئران، ونشل الجيوب، وحيل الصعود والهبوط، ومرابطة الصبر ساعة، وخلصنا إلى ما قرره علماء السلوك بأن العواطف عواصف والعواصف نواسف إذا لم يحكمها صاحبها بالشرع ويلجمها بالعقل الناظر في المآلات.
    قوم عمليون - 9
    إذا صرت “شخصية عمومية” فإن الناس لا يكفون عن تتبع عوراتك حتى لو صرت من
    “أولياء الله” الصالحين، لذلك لا ترد على الإشاعات و”ترجمها” إلى إنجازات، فإنجاز واحد في المستوى المطلوب كفيل بأن يخرس كل الأفواه التي لا تكف عن الثرثرة دون أن يقدم أصحابها أدنى عمل نافع، ولذلك حذرنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، من “القيل والقال وكثرة السؤال”..فما أكثر ما نسمع اليوم من “جعجعة” ولا نرى أي أثر للطحين، فالجميع يتحدثون..والجميع يخطبون وينظَّرون..ويعطون الأوامر، ولكن لا أحد منهم مستعد للتنفيذ، لأن الجميع صاروا، في نظر أنفسهم “جنرالات” وقادة كبارا يصدرون الأوامر ويكلفون “
    الجنود” بالتنفيذ..ويعطون تفسيرا لكل شيء، وتبريرا لكل فشل.. ولهم سهم في كل لقاء..إلخ، فإذا جاء التنفيذ حزموا أمتعتهم ودخلوا بيوتهم وتواروا عن الأنظار.. وتواصلوا معك بالهاتف و
    sms.
    هذا مرض آخر من أمراض جنون الزعامة وحبّ الظهور، وهو مرض بحاجة إلى علاج تربوي صارم لتخليص أصحابه من ثلاث سلبيات قاتلة للطموحات ودافعة باتجاه التواكل وناقلة عدواها إلى محيط المخلصين العاملين الذين يعملون بلا مقابل ويخلصون نياتهم لله ويضحون بلا حدود من أجل الجماعة.. ولا يريدون من أحد جزءا ولا شكورًا، وهؤلاء هم صمامات أمان المؤسسات، وهم حراس المبادئ وحماة العقائد والمدافعون بإخلاص واحتساب عن الثوابت والقيم..فلا بد من العمل لحمايتهم من عدوى الذين “يحضرون عند الطمع ويختفون يوم الفزع” من المصابين بثلاث عاهات معديّة لابد من علاجها –مهما كلف ذلك من ثمن- والمتمثلة في السلبيات الثلاث التالية :
    عاهة المناسباتية : بالغياب أيام العمل والإكتفاء بالظهور في المناسبات لتسجيل الحضور وتذكير الناس بأنهم موجودون.
    وعاهة التصديرية : بتصدر الصفوف وبالمزاحمة على الصف الأول، والإعتقاد بأنهم الأكبر سنّا والأقدم وجودا، ومن حقهم أن يتصدروا الصفوف.
    وعاهة المقايضية : على مبدإ “كل شيء للبيع” ومقايضة النضال بالمناصب أو التهديد بهدّ المعبد فوق رؤوس الجميع.
    ولتصويب هذه النظرة تربويا نذكّر بثلاث بديهيات نساها الناس وهي : أن الشيء الأكبر ليس دائما، الأفضل، والأسبق ليس دائما هو الأصدق، وأن المغانم بالمغارم، إذليس من المروءة التهرب من تحمل المغارم فإذا لاحت المغانم تزاحم عليها الذين لا يعرفون الله إلاّ إذا دمدمت الرعود وحاصرهم الموج من كل مكان..فإذا ذهب الخوف “سلقوكم بألسنة حداد أشحَّة على الخير”..وتسابقوا فسجلوا أنفسهم في قوائم “ذوي الحقوق” ويشهد الله أنهم ما قدموا لدعوتهم حقا ولا لوطنهم واجبا ولا لأمتهم إنجازا واحدا يستحقون عليه مجرد إفشاء السلام، ومع ذلك تجدهم يملأون الدنيا صياحا وصراخا وضجيجا وعجيجا..وكأنهم شهدوا بدرا فأطلع الله على قلوبهم وقيل لهم : “إفعلوا ما شئتم فقد غُفر لكم”.
    هذه النماذج من البشر هم الذين يتسببون في الإنحراف بالمخلصين عن أهدافهم النبيلة “وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا” ولا يعلم نياتهم أو يكشفها إلاّ من قال في أمثالهم : “منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة”.
    فإذا تعلق القلب بالدنيا سخّر صاحبه كل الوسائل لخدمة دنياه،
    أما إذا تعلق بالآخرة كانت الصلاة والأنساك والحياة والموت كلها لله رب العالمين لا شريك له..وشتان بين مستثمر في المصالح ومستثمر في القيم، وبين
    “عبد” يتحدث عن الحرية متمنيا وحالما و”سيد” يقاوم الإستبداد حاملا روحه بين كفيه؟؟.
    يقول صاحب كتاب : كيف تمسك بزمام القوة في القاعدة التاسعة (09) تحت عنوان : أكسب من خلال أعمالك وليس من خلال النقاش أبدا، يقول : “أعطِ المثل العملي وليس التفسير الكلامي” وعندما تجد – في مؤسستك- من يعمل بجدًّ واجتهاد وهو صامت محتسب فلا “تشوش” عليه بكثرة الكلام الناقد والخطاب الناصح والمواعظ التي تأتي في غير محلها..فمن الأفضل لك أن تحتفظ بنصائحك وتبتلع لسانك وتسكت لأربعة أسباب يعرفها العام والخاص، ولكن التذكير التربوي بها مفيد إذا كنا حقا “قوما عمليين”، وهي :
    ليس من حق العاطل أن ينصح العامل، فهذا إختلال في المفاهيم.
    ومن لا ينتفع بتجاربه لا يليق به نقد تجارب الآخرين
    ومن لا يحب تعريض صدره للرصاص يسعه بيته، ويدعو للمجاهدين بالنصر..فالدعاء للعاملين عبادة.
    ومن لم يحضّر نفسه للخروج لا يعطل الصف بلغو الكلام فأعذار : “بيوتنا عورة”، وتبريرات : “لا تنفروا في الحر” كشف الله أستار أصحابها.
    إن كثرة الجدل تمحق العمل، لاسيما إذا صدرت الأوامر –بعد تشاور وعزم- من القيادة الميدانية التي تقول وتعمل، عندئذ لا يليق بـ “الجندية” أن تغرق الصف في معارك التلهية، ولا يجوز لأي عنصر في الجماعة أن يدخل في مجادلة عقيمة مع قائده معتقدا أنه أفقه منه بخفايا الحرب والخديعة، متعللا بأن المقداد بن الأسود (رضي الله عنه) قد أشار على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يوم بدر بغير ما رآه القائد، فهذا قياس فاسد من أكثر من جهة..فشتان بين أن تشير بالرأي على القيادة وبين أن تفرض رأيك ليصبح قرارا أو تنسحب من الصف غاصبا بحجة أن القيادة لم تأخذ برأيك وأحالته على المؤسسات فأسقطته الشورى، فتعتقد أن ذلك قدح في شخصك فتناصب الجميع العداء بحجة أنك نصحتهم فلم ينتصحوا، فالكلمات مع رجال الميدان – أثناء العمل- ليست محايدة فأحذر من خطرين يقع فيهما كثير من الناس ممن لا يعملون ولا تراهم في الميدان يتحركون فإذا وُضعت الكراسي “إحتلوا” مقدمة الصفوف لأنهم يعتبرون أنفسهم “زينة المجالس” فأحذر من هذين الخطرين :
    النصيحة أمام الناس : بأن تجادل رؤساءك أمام الناس فتطعن في قدراتهم وكفاءاتهم وسلطتهم المعنوية..وقد تُجرَّئ السفهاء عليهم فتسقط هيبة المؤسسات التي يمثلونها، فرئيسك، الذي هو أعلى منك مرتبة تنظيمية، له “صفة”
    معنوية تمثل جزءا من هيبة المؤسسة..إذا جادلتها على الملإ سقطت هيبتها إلاّ أن يكون عندك من سبإ نبأ يقين..وهيهات؟؟
    وصدق الإمام السافعي (رضي الله عنه) عندما قال :
    تعهّدني بنصحك في إنفرادي * وجنّبني النصيحة في الجماعهْ
    فإن النصح بين الناس نوع * من التوبيخ لا أرضى سماعــهْ
    وإن خالفتني وعصيت قولي * فلا تجزع إذا لم تُعطَ طاعــهْ
    الإعجاب بالرأي : بالإعتقاد أنك “معصوم” لا تخطيء..أو أنك حق لا يأتيك الباطل من بين يديك ولا من خلفك، والإعتقاد بأن وجهة نظرك هي الحق المطلق وأن من لا يقتنع بها هو عدوّ لك، وإذا لم تستطع أن تحولها – بالجدل وقلة العمل- إلى قرار أصابك ما يشبه الصدمة من خيبة الأمل التي أوقعك فيها سوء ظنك بإخوانك، فالرأي – مهما كان صائبا- يبقى رأيا محترما حتى تجيزه المؤسسة أو تتجاوزه إلى غيره من “واجبات الوقت”.
    فلا تعطل قافلة العاملين بالجدل حول الأولويات والأسبقيات، لأنه في غياب العمل الميداني تكثر مساحات الفراغ وتتسع مجالس القيل والقال..ويصبح الجميع أساتذة في الخطابة وفي “ميدان الآراء والمحاكمات العقلية” فإذا لاحت ساعة الجد وتنادى الأحرار بالنزول إلى الميدان رأيت “أساتذة علم الكلام” أو “الكلامولوجيا” يتسللون لواذا حتى لتكاد تجد نفسك قائما وحدك تواجه الميدان بلا مساعد..وقد كانوا – في ساحات الكلام- آلافا مؤلفة ينصحونك ويحذرونك ويقدمون أنفسهم على أنهم “حراس المعبد” وسدنة الكهنوت..فإذا دعوتهم إلى الميدان تفرقوا!؟
    فأين هؤلاء الثرثارون إذا دقت ساعة الجد؟ وما قيمة كلامهم في الميدان؟
    إن المسافة بين القول والعمل تقطعها الإنجازات وإلا فهي لغو أُمرْنا شرعا أن نُعرض عنه ونقول لأصحابه “سلاما”.
    فائدة عظيمة
    القائد الحقيقي هو الذي يقود الناس بالعمل لا بالجدل، وهو الذي يفهمه جنوده بالإشارة لا بالعبارة، دون حاجة إلى كثير شرح وتفصيل، فإذا أراد أن يحرك فيهم عاطفة الأخوَّة الراقدة في لا شعورهم لا يحدثهم عن فضائلها وكيف كانت وكيف أصبحت..بل يضحي من أجلهم فيسهر ليناموا ويتعب ليستريحوا ويؤثرهم بما عنده ولو كان به خصاصة..وقتها “تتفجر” ينابيع العواطف الأخوية من أعماقهم فيهبون إليه ويلتفون حوله، فإذا زرع شجرة زرعوا ألفا، وإذا تبرع بدينار تبرعوا بمليون دينار وإذا قطع – نحو الهدف- شبرا قطعوا ذراعا، فإذا سقط على طريق الكرامة (شهيدا) رفعوا على صدره النياشين ورصَّعوا هامته بأكاليل الغار، وكتبوا على قبره : هنا يرقد من كانت أقواله إنجازات.
    إن الذي يقتل همم الناس هو قول المثبطين الذين قالوا : ” إذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون”، فما أتعس أن ترى حولك الآلاف يتحدثون وينصحون، فإذا حانت ساعة العمل وجدت نفسك وحدك – أو بمعية زمرة قليلة من المخلصين – ووجدت الصف كله واقفا بعيدا عنك ينتظر نتائج المعركة التي كانوا معك متحمسين لخوضها، بل داعين لها..فلما كُتب عليهم القتال تفرقوا وإلتمسوا لأنفسهم الأعذار، وقالوا مثلما قال الأولون : “لا تنفروا في الحرّ” أو قالوا “بيوتنا عورة”!؟.

    عدوى الإسترخاء في ظل الكسل

    تحدثنا عما أسميناه “الكلامولوجيا”، وبينا أن الثرثرة لا تحل أية مشكلة، وأن من كثر لغطه كثر سقطه، وأن أبطال التنظير هم من يجمعهم الطمع ويفرقهم الفزع..ودعونا العاملين إلى عدم تضييع أوقاتهم في المهاترات، وعدم الرد على من يبحث عن تزجية أوقات الفراغ بكثير من اللغو الفارغ، وقلنا إن القدوة هي أفضل رد على أساتذة الكلامولوجيا، وأن إنتصارا واحدا ساحقا لكفيل بأن يخرس مليون فم متشدق بالفراغ.
    تأصيل الشرع والواقع : يقول المصطفى
    (عليه الصلاة والسلام): “المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل،”
    ومعناه : أن من يرافق الناجحين ينجح ومن يصحب المنحرفين ينحرف.
    يقول علماؤنا : “الخير يعدي والشرّ يعدي”، فعدوى النشاط تنتقل إلى الخاملين إذا إستفزهم العاملون المخلصون بكثرة الحركة دون أن يحدثوهم عن فوائد العمل وعواقب الكسل، فالمسترخي في الظل (مريض) يحبّ الركون ويكره من يحدثه عن النهوض من هذه الوضعية القارة – التي آلفها- ليخرج إلى الشمس ويكدح مع الكادحين، فإذا قام – في الصف- من يذكره بواجباته، في الدعوة والحركة، قدم له سبعين (70) فائدة للإسترخاء وبسط بين يديه محاضرة طويلة وعريضة في سلبيات النشاط ومخاطر “الإجهاد الذهني” والتعب العضلي، ولعل من أخطرها سبع (07) شبهات كثيرا ما يروج لها الكسالى حتى تحولت إلى “عكاكيز”
    منخورة يتوكأ عليها المهزومون حركيا والمفلسون دعويا.. ليبرروا بها فشلهم الذريع أمام حركة الحياة بعد أن بلغوا مقامات إجتماعية مرموقة على أكتاف إخوانهم، فبعد صعودهم يوجهون لإخوانهم سبع (07) تهم يحاولون بها التأثير في معنويات العاملين والمجتهدين، وهي :
    إتهام العاملين بالغفلة : بقولهم، أنتم مغفلون لأن أسيادكم يستغلونكم في قضاء مصالحهم الشخصية.
    عينهم على الريوع : بقولهم، كنا نعمل بجدّ واجتهاد مثلكم ولكننا إكتشفنا حقيقة مرة، وهي أن “الثورة يفجرها الأحرار ويرثها السفله” فقررنا أن
    “نرقد في الخط”؟؟
    إنتظار شكر الناس : بقولهم، عرقكم ضائع سدى ولا أحد سوف يعترف لكم بأتعابكم أو يشكركم على فضلكم.
    تحريض رخيس : بقولهم، إن الغنائم تقسم في “الخلوات” وأنتم تكدحون في “الجلوات”؟؟
    تبرير مشبوه : بقولهم، أن غيركم يعمل فلماذا تتعبون أنتم أنفسكم بكثرة العمل.
    تحريض سمج : بقولهم للعاملين المخلصين، لو كان مسؤولوكم يحترمونكم لاستشاروكم ولزاروكم وشكروكم وقدروا إنجازاتكم وذكروكم في محافلهم بخير..وأنتم تتعبون نفسكم بلا جدوى.
    كفر بالأسباب : بقولهم لرجال الميدان، سواء عملتم أم إسترخيتم مثلنا فالنتيجة واحدة، فلماذا تتعبون أنفسكم فيما ليس وراءه طائل.
    مثل هذه “الوسوسوات الشيطانية” – الصادرة عن المسترخين في ظل الكسل- قد تثبّط عزيمة العاملين المخلصين إذا إنتشر لغوها وتعددت مصارد لغطها، وطال بها الأمد فتحولت إلى عدوى خطيرة ينتقل بها كثير من النشطين إلى مجموعات المسترخين في ظل الكسل. فيصبح 10% يعملون مقابل 90% يتفرجون وينتظرون النتائج
    .
    عدوى الإسترخاء في ظل الكسل : - 10
    القاعدة العاشرة من قواعد الإمساك برمام القوة هي “البعد عن المثبطين” وذلك أنه من أغرب ما يتناوله صاحب كتاب “كيف تمسك بزمام القوة”، في القاعدة العاشرة هو موضوع العدوى التي يعرف جميع الناس أنها لصيقة بثلاث (03) ظواهر لا تعدوها، وهي :
    الأمراض المعدية..التي تنتقل من شخص إلى شخص آخر بالعدوى.
    والرفقة السّيئة..التي تكتسب بالخلطة.
    والتعوّد على الفساد والإنحراف الذي يبلّد الطبع ويعدي المحيط بكثرة الطمع.
    لكن الصّنف الرابع من العدوى – وهو ما يهمنا في هذه الحلقة- هو عدوى المخاللة (الصحبة) التي تمسّ “صف العاملين” وتفتُّ في عَضد النشطين وتقعد بالسماعين “وفيكم سماعون لهم” إذا أصاب أذن العاملين داء خبيب يسمونه
    “التلوث السمعي” الذي له سببان (02) رئيسيان وله أربع (04) علامات فارقة.
    أما سبباه الرئيسيان (02) فهما :
    رصيد الإفلاس : فالذي لا يعمل ويتفرج على العاملين عاصي لله تعالة الذي يأمر الناس بالعمل : “وقل إعملوا” فمن لا يعمل يصاب بمرض الركون إلى حزب القيل والقال والإستثمار في بنوك الإفلاس بالغيبة والنميمة..
    مواعيد عرقوب : فالجالسون في بيوتهم، أو في الأماكن العمومية (النوادي، والمقاهي، والبيوتات..الخ) يرون كل عمل أعوج، ولا يستقيم عندهم إلا النوم والإخلاد إلى الراحة والتأثر بمجالس النسْوان : “وقال نسوة في المدينة إمرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبا..” يوسف ، ليس طعنا في النساء وإنما هو تذكير قرآني بأن ترويج أخبار المخادع والتلذد بسماع حكايات غرف النوم إنما هي بضاعة “الفارغين” من الرجال و”الفارغات” من النساء، فإذا تناولها رجال الصف الأول تحولت إلى “حادثة إفك” وصارت بحاجة إلى معالجات تربوية في العمق.
    وأما العلامات الفارقة الأربع (04) فهي
    السَّاقط واللاقط، فما يسقط من الفم تلتقه الأذن، ولكل ساقطة لاقطة، وذلك بتصيد الأخطاء الصغيرة وإحصائها بمنهج البحث عن الشعرة السوداء في جنب الثور الأبيض.
    العاطل الناقد، وهي قاعدة سلبية في الأفراد، إذا توسعت إلى المؤسسات تجعل الرصيد صفرا، لاسيما إذا كثر الإسترخاء في الكسل وشاع في الصف تتبع عورات العاملين ونقد أدائهم.
    كفران العشير : بحجب الخير ونشر أخبار السوء وتضخيم المثالب والتكتم عن المحاسن، ولو كانت بحجم الجبال.
    أنانية إبليس: بالإعتقاد أن الذي لا يسجد لله ويرفض تنفيذ أوامره خير من الساجدين والعاملين، فينصبون أنفسهم زعماء، ويدعون الناس إلى الإنفضاض عن الجماعة بحجة الهروب من “الفتن”والعضّ على أصل شجرة، مع أن الزمن ليس زمن فتن، ولا هو عصر هرج ومرج، وإنما هو زمن عمل وجهاد سلمي مدني، لكن هؤلاء الرهوط ينزعجون من العمل مع الجماعة، فهمُّهم الوحيد هو الإعتزال وتخريب المؤسسات.. والبحث عن مجالس النجوى..والخوض مع الخائضين.
    إن أخطر ما تنقله عدوى الإسترخاء في ظل الكسل هو إصابة أغلب من في الصف بالكساح الفكري والشلل التنظيمي، فيتعطل النشاط الميدني الذي “يقيد” صاحبه عن الحركة ويفقده شهية العمل فيصبح أثقل شيء على نفسه هو أن يشارك في أي نشاط تدعوه إليه المؤسسات العاملة، ولو بمجرد الحضور الشخصي لتكثير السواد أو بالوقوف الغاضب وقفة إحتجاج صامتة أمام مبنى حكومي للتعبير عن الغضب إذا مسّ الأمة سوء أو أُستُهدفت في كرامتها وخُدشت مشاعرها.
    هذا الرهط من البشر لا تطربه أفراح الحركة ولا تحزنه أطراحها، لأنه ببساطة موجود “تنظيميا” خارج نطاق التغطية و”رصيده الإيماني” لا يكفي للتواصل مع إخوانه، ومن العسير عليه جدا أن يكلف نفسه مشقة “تعبئة الرصيد الحركي” بالركوع مع الراكعين، أو إراحة الناس بغلق الخط التنظيمي وشطب إسم المشارك من بطاقية المنتظمين.. وعدم الإتصال.. أو الخروج نهائيا من الشبكة.
    إن وجود هؤلاء الناس بهذه الصفة المسترخية – في أي مؤسسة- يشكل خطرا مزدوجًا على حاضر المؤسسة ومستقبلها
    الخطر القائم : ويتمثل في إنتقال عدواهم (عدوى الخمول الناقد) للعاملين، فتتكاثر “جيوش القاعدين” والمقْعدين والمتقاعدين والمتعاقدين..والنتيجة المرتقبة هي الهزائم المتكررة التي سوف تصل إلى إنهاك رصيد الحركة الذي يريده البعض أن يكون : صفرا على الشمال!؟ وتلك قرة عين المفلسين.
    والخطر الداهم : ويتمثل في بقاء أقل من 10%يعملون في الميدان ويتعبون ويكدحون (بإخلاص وتجرد وأخوة وثبات..إلخ) ويتحملون المسؤولية وحدهم، مقابل
    من الرصيد الميت من الذين يتفرجون وينقدون وينتظرون النتائج، % 90
    • فإن جاءت إيجابية عضُّوا عليكم الأنامل من الغيظ
    • وإذا جاءت سلبية فرحوا بها؟؟
    هؤلاء الكسالى (العاطلون الناقدون) لم يولدوا كسالى، بل إكتسبوا هذا الكم الهائل من الكسل (ومن قلة العمل) لأنهم يعتقدون أن مجرد كونهم ينتمون إلى تيار إسلامي كفيل بأن يحقق لهم النصر، وعندما يقعون في هذه المغالطة يتحول إعتقادهم إلى منهج عمل ينسفون به قاعدة “وأعدّوا” التي إجتمعنا عليها.
    فتقسو قلوبهم وتقل أعمالهم وتكثر أخطاؤهم..فتتشابه أقوالهم.
    ويتعودون على الإسترخاء في الكسل، فإذا إقتربت منهم أصابتك العدوى.
    ويصبح تفكيرهم ومزاجهم ونظرتهم إلى الحياة قائمة على ثقافة “الخوالف”
    فإذا دعوا إلى الخروج إلى الميدان إعتذروا : “وقالوا ذرنا نكن مع القاعدين رضوا بأن يكونوا مع الخوالف” التوبة : 86، 87، مع أن هذه الآية نزلت في المنافقين إلاّ أن النفاق – كما تعلمون ثلاثة أنواع
    نفاق عقيدة، وهو أقرب إلى الكفر..فإذا بالغ أصحابه أُلحقوا بالكفار.
    ونفاق عمل، وهو سلوك ناجم عن حالة عدم إستقرار وعدم توافق بين ما في القلب من إعتقاد وما يروّج له اللسان من أقوال.. وما تجترحه الجوارح بالليل والنهار.
    ونفاق مصلحة، صاحبه “المؤمن كسول” يتصيد الفرص، وينتظر ميلان كفة النصر إلى جهة ضد أخرى ليحدد موقفه مع المعسكر الفائز ولا يهمه ولاء ولا براء ولا
    “بيعة” ولا عهد..المهم أن ينال حصته من الغنيمة، وهذا الصنف من الكسالى القاعدين العاطلين الناقدين هم الذين عناهم النص القرآني بعموم اللفظ في قوله تعالى : “الذين يتربصون بكم فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم وإن كان للكافرين نصيب قالوا ألم نستوحذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين..”النساء : 141.
    إذا فتح الله عليكم الخيرات والبركات..وجدتموه في مقدمة المهنئين.
    وإذا حاقت بكم الهزيمة سارعوا بتقديم التهاني لمن كان سببا في هزيمتكم بحق أو بباطل.
    فما هو العلاج؟ وهل عدوى الإسترخاء في ظل الكسل مرض خبيث أم هي
    “أنفلوانزا سياسية” ناجمة عن عطالة تربوية يمكن الوقاية منها بالتدابير التربوية والإجراءات التنظيمية، وهل إذا أصيب بها بعض الأفراد أمكن وضعهم في غرف “الحجْر الصحي” ومعالجتهم بالدورات التدريبية المكثفة حتى يشفوا تماما من عللهم ويتخلصوا من هذه العدوى المتنقلة عبر مجالسة “حزب المفلسين” من عشاق القيل والقال.
    إن أفضل علاج للكسل هو الوقاية منه بالإبتعاد عن “حزب الكسالى” فالكسل له عدوى أخطر –في فتكها وتدميرها للمشاريع- من طاعون الإيدز؟؟
    وجرّب هذه الحكمة إذا أردت أن تتخلص من كسلك، فلا تقرأ كتابا في فضائل النشاط، ولا تتناول حبوبا منشطة، وإنما خالط العاملين المخلصين، وسوف ترى النتائج الباهرة في أقل من شهرين.
    إن الذي يعيش مع المتفائلين أربعين (40) يوما يصبح إنسانا متفائلا مثلهم، والذي يخالط المتشائمين أربعين (40) ليلة لا ينام إلاّ على الهزائم المتلاحقة، التي يحمَّل غيره تبعاتها فيمتلئ قلبه بالإحن و الأحقاد، ولا يرى في نومه إلاّ الكوابيس المرعبة، لذلك إحذر من صحبة خمسة (05) أصناف من الناس (لا تقترب منهم ولا تجالسهم ولا تخالطهم في دين ولا في سياسة ولا في تجارة..الخ))، وهم :
    - الذين يسقطون قبل أن يتلقوا الضربة ثم لا ينهضون بعدها.
    والذين يقولون لك، مع بداية كل جولة، لا أمل في الصراع، فالمعركة محسومة والنتائج معروفة.
    والذين يبحثون عن حل لمشكلاتهم وعن “تكفل” بانشغالاتهم، فيحولون المؤسسات إلى “ديار للعجزّة” ورياض لللأطفال..
    والذين إذا كانوا في القيادة تحدثوا عن الحركة وعن مؤسساتها بما جاء في الصحيحين، (فكل ما فيها متفق عليه..ورواه الشيخان)فإذا خرجوا، أو أخرجوا، منها قرأوا عليها وعلى العاملين فيها كتاب “تلبيس إبليس”؟؟ ووصموا كل حديث يخرج منها وكل تصريح يصدر عنها بأنه “لآليء مصنوعة في الأحاديث الموضوعة”.
    فأسقط هذه الأصناف الخمسة من حساباتك..ثم توكل على الله.
    فائدة عظيمة : يقول المصطفى عليه الصلاة والسلام : “المرء على دين خليلة فلينظر أحدكم من يخالل” وهذه قاعدة عظيمة لإكتساب القوة، لأن الصحبة من الدين، فمن جالس “حامل المسك” تعطّر بريحه ومن ركن إلى “نافخ الكير” أصابه شرره وسواده..وهكذا فمن يصاحب الناجحين ينتهي به حاله إلى النجاح، ومن يخالل الفاشلين يؤول أمره إلى الفشل، فإذا إكتشفت في نفسك عادة سيئة فلا تحاول نقلها إلى غيرك (لأنها فيك) وهي مصيبة والمصيبة إذا عمت خفّت..بل جاهد نفسك لإزالتها، والتخلص منها..وإلاّ فصاحِبْ من تتوفر فيه عادة نقيضة لعادتك، فتقتلها لأن “الحسنات يذهبن السيآت” هود: 114، ومثال ذلك : إذا كنت لا تستقيظ لصلاة الفجر مثلا لأن نومك ثقيل وقلبك عليل وحظك في كثرة الحظى إلى المساجد قليل.. فلا تعلل نفسك بأن القلم مرفوع عن ثلاثة (منهم النائم حتى يستيقظ) بل صاحب محافظا على صلواته الخمس (05) في المساجد أربعين (40) يوما، فإنك سوف تتخلص من حالة الإسترخاء وقت “الصلاة خير من النوم”!؟
    فابتعد عن الذين “يشاطرونك عيوبك” ويجاملونك على حساب الحق واجعل بينك وبينهم “إفشاء السلام” وما هو من حق المسلم على المسلم..وابتعد نهائيا عن الذين يحاولون نقل عداوة تشاؤمهم إليك، فكثرة التشاؤم إحتجاج على الله، والمبالغة في الشكوى والتذمر فيه تسخُّط على مشيئة الله وكفران بقضائه وقدره..”فارضَ بما قسم الله لك تكن أغنى الناس”، وأعلم أن فقراء كثيرين عاشوا كل حياتهم سعداء وناجحين، لأنهم عاشوا من أجل هدف نبيل، فعملوا له وماتوا من أجله، وبالمقابل عاش كثير من الأثرياء الكبار في حضيض التعاسة والمذلة والهوان.. لأنهم كانوا تعساء الحظ، فعاشوا طول حياتهم لهدف خسيس هو: نقل عدوى تعاستهم إلى من يحيط بهم. وأكثِرْ من دعاء عظيم، دعا به سليمان (عليه السلام) يُُذهب الله به عنك الكربات : “ربَّ أوزعني أن أشكر نعمتك عليّ وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأخلني برحمتك في عبادك الصالحين”..آمين، والحمد لله رب العالمين.

    إحذر الهدايا المسمومة

    تناولنا موضوع الإسترخاء في ظل الكسل، وحذرنا من الركون إلى هؤلاء الذين لا يعملون شيئًا، ثم هم يحاولون بثّ روح التواكل في نفسيات العاملين، وأشرنا إلى أن القدوة – بالعمل الميداني- هي التي تطوي كل ملفات الإسترخاء، وأنه بدلا من الدوران حول القيل والقال وكثرة السؤال..فان على العاملين أن لا يلتفتوا للمثبطين وأن لا يلقوا بالا للمترددين، وأن يجعلوا نصب أعينهم الهدف الذي قرروا أن يدركوه، ويعدوا ما استطاعوا من قوة، وما ضاع حق وراءه طالب.
    إحذر المكافآت القاتلة - 11
    المكافئآت القاتلة كالهدايا المسمومة تدخل عليك السرور – عند إستلامها- وتزرع في مفاصلك السموم عند تناولها، ومع مرور الزمن تتسبب في موتك ببطء لا يمكن ملاحظته، ولا يستطيع أحد أن يوجه إصبع الاتهام لأية جهة، فالقاتل مجهول، وجرائم “الهدايا المسمومة” لا يعاقب عليها القانون؟؟ لأنها هدايا..ولكنها قتلت كثيرا من الضحايا ومازالت سارية المفعول.
    إن المكافآت القاتلة (مثل الهدايا المسمومة) يتلقاها ثلاثة أصناف من الناس هم:
    الحمقى الذين يعتقدون أن تقريب الكبراء لهم حبا فيهم.
    وذوو الطموح المتضخم الذين يريدون الوصول إلى القمة بسرعة ودون جهد.
    والذين يتطوعون بتقديم “الخدمات المجانية” لذوي السلطان والنفوذ على حساب مبادئهم وثوابتهم..ولو أدى بهم الأمر إلى الركوب على ظهور إخوانهم ليبنوا مجدا زائفا لأنفسهم على أكتاف الرجال.
    هؤلاء جميعا مغرورون.. فهم كالعبيد،تنتهي حياتهم بانتهاء “خدماتهم
    ”، لأنهم لا يمثلون لدى “أسيادهم” إلاّ كما تمثل”أوراق الكلينيكس” التي يمسح بها السادة أيديهم بعد الأكل، أو يتمخطون فيها إذا أصيبوا بأنفلوانزا عابرة، وقد سألت مرة أحد هؤلاء “المناديل” كيف يقبل بأن يتحول من رجل محترم إلى مجرد “خرقة” تُمسح بها الطاولات، أو تُلَمّع بها أحذية السادة فقال لي
    أنا سعيد بأن أكون منديلا بين يدي “مولاي” ينظف بي وجهه أو يديه أو رجليه!؟ وسألته ثانية : هل هو مرتاح إلى لعب هذا الدور، فأجابني : إن طموحي يتحقق بتأدية هذا الدور طالما أن “الكبار” قادرون على أن يحققوا “للصغار
    ” أساسيات الحياة الخمسة، وهي :
    الأمن الذي به تستتب الأوضاع.
    والعمل الذي به يتخلص الناس من الفقر.
    والضروريات التي يجد فيها كل مواطن حقوقه.
    والإستقرار الذي يقطع الطريق أمام دعاة الفوضى.
    والعلاقات الخارجية التي تعطي للدولة هيبتها.
    ولما سألته، هل هذه الأساسيات الخمسة متوفرة في بلدك؟ وأين يضع هؤلاء
    “السادة” مسألة الحرية والكرامة والشرف..إلخ، في كل هذا الترف الذي الذي يتحدثون عنه من الأمن، والعمل، إلى الضروريات، والإستقرار، وهيبة الدولة في الداخل والخارج، قال لي بشيء من التفاخر: عندما يحتاج “السادة” إليك فأنهم يوفرون لك ما تحتاج إليه، فإذا إنتهت “صلاحية إستعمالك” يرمونك كما تُرمى أعقاب السجائر؟؟
    وانتهى النقاش عند هذا الحدّ!؟
    إن المشكلة بين السادة و”العبيد” تكمن في إختلاف تفسير المصطلحات المفصلية في العلاقة التي تربط بينهما، لاسيما إذا تعلق الأمر بالحرية والشرف والكرامة والأمن والإستقرار..، فما معنى إنسان شريف، وما هو مضمون كلمة “إنسان حر”؟، وما هو تفسير كلمة “وضع مستقر؟” وما معنى “إستتباب الأمن؟
    ” إن معناها فيما إتفق عليه السادة والعبيد:
    أن تُسلَّم بأنك مجرد “قطعة غيار” في ماكينة.
    وأن تتحرك في الحيَّز الذي يرسمونه لك داخل هذا الجهاز.
    وأن تظل الأوضاع مستقرة كما هي، لأن كل تغيير له كلفة قد تكون باهضة.
    وأن الإستقرار مع التخلف والظلم أفضل من التوتر مع التقدم والعدل.
    وأن كل دعوة إلى “تغيير الواقع” هي دعوة إلى الفوضى.
    وأن الإستقرار معناه السكوت عن “الحريات” العامة والخاصة..والتسليم بأنه ليس في الإمكان أبدع مما كان، وأن كل قادم جديد مشكوك في ولائه للشعب وللوطن..الخ.
    ورجعت إلى موضوع الهدية المسمومة، فوجدت أن أخطر ما وقع فيه دعاة الإصلاح وحملة مشاريع التغيير أربع (04) أخطاء قاتلة، في تعاملهم مع الواقع، وكلها اخطاء قائمة على المخاتلة بين “سادة” يتحدثون عن نظام مستقر وعن إستقرار منظم، و”عبيد” يبحثون عن “الخبز” ويكتفون بحريّة تتحرك “بالريموت كونترول”، هي بإختصار”حرية العبيد” التي يقبل أصحابها مقايضتها بالهدايا المسمومة، أو بالمكافآت القاتلة، ولذلك فهم مقتنعون بتفسير المصطلحات الرسمية بما لا يزعزع إستقرار السادة.
    هذه الأخطاء الأربع، التي تحولت مع مرور الزمن إلى خطايا، هي :
    خطأ الحريات البراغماتية : التي تقوم على حسابات الربح والخسارة وكأنها صفقة تجارية بين سادة وعبيد، كل طرف يحسب كلفة الخسارة وهامش الربح، ثم ينتهي الأمر إلى “تسويات مصلحية” على حساب الدين واللغة والشرف والتاريخ والوطن..ومستقبل الأجيال.
    وخطأ الإنفصال بين الخطاب والممارسة : ففي لعبة السادة والعبيد يتحول الخطاب الديني والثقافي والنقابي والمهني والجمعوي والسياسي..إلى خطاب إستهلاكي بلا روح ولا معنى ولا مضمون جاد، ولأنه “خطاب ميت” فلا تجد أحدًا يستمع إليه ولا أحدًا يصدقه، لأنه خطاب منفصل عن الواقع وبعيد عن إهتمامات الناس.
    وخطأ الإستغناء عن الآخر : فالسادة ينظرون إلى العبيد كما ينظر التاجر إلى “السلعة” والعبيد ينظرون إلى السادة كما ينظر السجين إلى سجَّانه، وكلاهما يتصيَّد فرصة الانقضاض على الآخر. في الوقت المناسب.
    وخطأ التعوّد : على نحو تصبح فيه العلاقات بين الناس مبنية على “
    المصلحة” وحدها، فإذا إنتهت المصالح أدار الناس ظهور بعضهم لبعض، “فالبئر التي تروي منها ظمأك تدير لها ظهرك إذا رويت”، كما تقول الحكمة القديمة، لكن البئر التي آلفت الشرب منها تشعر بالظمأ كلما مررت بها..، وإذا تحولت العلاقات بين السادة والعبيد إلى مجرد بئر ماء أو “بئر نفط” يرتوي منهما الظمآن ثم يدير ظهره لهما..ماتت المبادئ وهيمنت المصالح..وهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد..بتعطيل سنّة التدافع.
    إن الذي لا يعتمد عليك لتعينه على حراسة الحق ومقارعة الظلم ونشر الفضيلة وترسيخ المبادئ والتغني بالمثل العليا وإصلاح ما بالواقع من فساد..الخ، لا تحتاج أن يحبك ويقدم لك الهدايا أو التهاني بمناسبة الذكريات السارة، أو يعزيك في النكبات والمصائب..وفي هذه الحالة، إذا شعرت أن دورك قد إنتهى فمن باب حفظ الكرامة أن تخرج من الباب الواسع في الوقت المناسب قبل أن تضطرك الظروف إلى الخروج من الدهاليز!؟
    إن الذي انتهى دوره في خدمة “السادة” ولم يصبح – بعد طول الخدمة- سيدا لا يستحق أن يفاخر بأنه أصبح عبدًا حرًاّ، لأن الحرية والعبودية ضدان لا يلتقيان، وعليه أن “يعزل” نفسه نهائيا عن الناس، ويخرج بشرف من هذا الصراع الوهمي الذي سوف ينهي حياته بمأساة يوم يَستلم هدية مسمومة من يدي سيد ملّ خدمته، كما قد يسقط “السيد” المستبد إذا تلقَّى مكافأة قاتلة من يدي منتفض قرر أن يكون حرا و”سيدا”، لأنه تعلم من “أسياده” كيف ينسج المؤامرات، فقرر أن يحتل مكانهم ليقدم لأسياده خدمات أفضل، فالزحام على باب العبيد أشد من الزحام على باب السادة..، وما أبلغ ما لخص به صاحب كتاب : كيف تمسك بزمام القوة هذه الفكرة الفلسفية عندما قال : “إن الإستقلال – عن الآخر- لا يأتي بلا ثمن، فإذا وجدت نفسك مرغما على الإعتزال فأعزل نفسك..لأنه كثيرا ما تستدير الإحتكارات إلى الداخل فتدمر نفسها بفعل الضغط الداخلي، كما أنها تثير غضبا قويا فتجعل أعداءها يتجمعون معا لمحاربتها..ذلك أن الدافع نحو السيطرة الكاملة غالبا ما يكون مدمرا (لنفسه) أو غير مثمر” فالإعتماد المتبادل – بين السادة والعبيد- يبقى هو القانون الضامن لتوازن الحياة؟؟
    إن المتأمل في هذه الفقرة يشعر وكأن صاحبها قد كتبها بعد أن خبَر أغوار السادة والعبيد، فشخص الداء في سطر واحد وقدم الدواء في سطر آخر.
    الداء هو، سياسة الإحتكارات المدمرة لذاتها التي لا يعرف “السادة” خطورتها عليهم إلاّ بعد فوات الأوان.
    والدواء هو، الإعتماد المتبادل بين السادة والعبيد لإحداث التوازن المطلوب بين سادة لم يخلقوا “سادة” وعبيد لم يخلقهم الله “عبيدا”، لكن منطق المكافآت المسمومة فرض أن يعيش الناس فوق هذه الأرض سادة وعبيدا، حتى يكتشف كل طرف حقيقته فيبدأ العدّ التنازلي لبداية النهاية.
    فائدة عظيمة : تروي الأساطير القديمة أن “شمشوم” الجبار كانت له نقطة ضعف قاتلة في شعْره المسترسل، (ولكل جبار نقطة ضعف قاتلة هي سرّ جبروته)وكان لا يعلم بهذا السرّ القاتل إلاّ هو وزوجته “دليلة” فلما أفشت سرّ قوته، بتقديم هذا (السر) هدية للسلطان، تم إستدراجه (مثل العبيد) إلى بلاط الملك، وقُدّمت له هدية مسمومة، وتحت تأثير الهدية المسمومة تم حلق شعر رأسه وسمْل عينيه وتقييده إلى سارية ليموت ذليلا، ولكن غفلة “السادة” أنستهم أن الشعر المحلوق سوف ينمو من جديد، ولما نما شَعره..إسترجع شمشوم قوته ووجد نفسه قد فقد بصره، فربط عرصات القصر بالسلاسل التي قيدوه بها، وهدّه على من فيه، وهو يردد قولته الشهيرة : “عليّ وعلى أعدائي يا رب”.
    هل فقهت معنى المكافآت القاتلة؟؟ إذا فقهت : فتجنب الهدايا المسمومة!؟

    : الرأي قبل شجاعة الشجعان

    حذرنا من الهدايا المسمومة التي قد تدخل عليك السرور، ولكنها – مع مرور الزمن- تفضحك وتقتلك وتنسف كل المشاريع الجميلة وتقيدها ضد مجهول، وأشرنا إلى الأصناف الثلاثة الذين يقعون فريسة لمثل هذه الهدايا لنبين علاقة السادة بالعبيد.
    وقد حذرنا من المزالق الأربعة، وكيف تنتهي مهمة العبد عندما تصبح
    “الخدمة” المجانية هدما للفضيلة، ودعونا إلى ضرورة الإستقلال عن الآخر الذي يستغلك لخدمة أهداف هابطة لتحرر نفسك حتى لو دعا الأمر اللجوء القهري إلى ما أنهى به شمشوم الجبار هذه العلاقة القائمة على تسميم حياة الناس في نظريه “عليّ وعلى أعدائي يا رب”.
    الرأي والشجاعة
    ذكر الله لفظة الرجولة الدالة على الشجاعة والشهامة والإقدام..أكثر من ستين (60) مرة في كتابه الكريم، وفي مقابلها ذكر لفظة العقل والتعقل والنظر في المآلات وحساب العواقب..أزيد من سبعين (70) مرة ليؤكد لنا حقيقة نعرفها جيدا ونحفظها جميعا، ولكنها كثيرا ما تغيب عن واقع حال الأمة في مواجهة الطمس المبرمج لكل معاني الفضيلة والتضحية، ولكل ما يمت للقيم بصلة، عنيت بها مسألة الرأي والشجاعة. هل يتكاملان أم يتعارضان أم يتصادمان؟ وكيف نرتب الرأي والشجاعة؟
    فهل حقا الرأي دائما قبل شجاعة الشجعان؟
    كل صاحب رأي لا يكون مستعدا للدفاع عن رأيه وتحمل التبعات المترتبة عن
    “شجاعة الرأي” عليه أن يحتفظ برأيه حتى يربي نفسه على شجاعة المواجهة، فالرأي الجبان هو مجرد مزايدات ظرفية لا قيمة لها لثلاثة أسباب جوهرية هي :
    أن الرأي الذي لا تحميه شجاعة هو أحلام فلاسفة وقصائد شعر.
    وأن الشجاعة التي لا يوجهها رأي هي ضرب من أضرب التهور.
    وأن صاحب الرأي السديد إذا لم يكن له من الشجاعة رصيد الرجال إحتاج إلى صاحب شجاعة يضع الرأي ف

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة 15 نوفمبر 2024 - 11:48