بجرأة غير معهودة فتح أبو جرة سلطاني، رئيس حركة مجتمع السلم ملف الإخوان المسلمين في الجزائر، وعلى غير عادته خاض سلطاني في تفاصيل العلاقة ومساعي الصلح لجماعة الإخوان في القاهرة، ولمح إلى رفضه الاعتراف بقرار الإخوان الأخير الذي عيّن بموجبه مكتب الإرشاد مصطفى بلمهدي في منصب المراقب العام للإخوان:« قائلا لم يطرأ أي جديد على الموضوع”، وأطلق أبو جرة إشارات واضحة بخصوص مستقبل العلاقة مع التنظيم الدولي للإخوان عن طلاق بائن بين حمس والتنظيم الدولي الذي تحوّل حسبه إلى شركة قابضة بعدما كانت مدرسة فكرية في مجال العمل الإسلامي لتصبح اليوم مجرد إدارة تتعامل مع الفروع بمنطق التعيين والعزل.
هل بلغكم قرار تعيين أو تكليف مصطفى بلمهدي من طرف الإخوان في القاهرة بإعادة تنظيم صفوف الإخوان في الجزائر؟
لم يبلغنا شيء جديد، لا من الأخ مصطفى بلمهدي ولا من غيره من الناس. وأنا خالي الذهن تماما مما جدّ في هذا الموضوع لأنني لم أبلّغ به ولم أجلس إلى أي طرف لتناول المستجدات، وإذا كان هناك جديد فالأخ مصطفى بلمهدي لم يطلعنِ عليه بشخصه ولا بمن أوفده من الناس.
الأستاذ جمعة أمين المكلف بموضوع حمس على مستوى التنظيم الدولي للإخوان يتّهمكم صراحة بأنكم مسؤولون عن تعطيل الحل ورأب الصدع مع الجناح الآخر، ما قولكم؟
رئيس حركة حمس لا يتصرّف من تلقاء نفسه وليست له قرارات فردية أو مواقف شخصية، نحن نشتغل ضمن مؤسسات وأعلى مؤسسة عندنا هي مجلس الشورى الوطني، لذلك حينما تذرّع بعض إخواننا المنشقين بأنهم لا يقبلون أن يكون رئيس الحركة وزيرا وعلّلوا ذلك بأن استقلالية القرار قد تكون ناقصة أو مضغوطا عليها، كون رئيس الحركة عندما يكون وزيرا قد لا يتفرّغ نهائيا للحركة، عرضنا هذا النقاش على مجلس الشورى الوطني، الذي رفض في البداية ما يتذرّع به البعض فالتمست شخصيا من إخواني إعفائي من الوزارة، وقلت لهم مادام بعض المنشقين يبرّرون انشقاقهم بسبب استوزاري فأنا أنزع هذه الورقة من أيديهم فأستقيل من وزارة الدولة، وأتفرّغ للحركة، وبالفعل قدّمت استقالتي للسيد رئيس الجمهورية، وتقبّل ذلك مشكورا وأنا لست وزيرا منذ ثلاثة سنوات.
الحركة قرّرت منع الإخوان من حضور المؤتمر الرابع وليس أبو جرة، مما يلومكم عليه الإخوان أنكم أغلقتم باب المؤتمر الرابع في وجه ممثلي مكتب الإرشاد على غير عادتكم في الحركة، حيث جرى التقليد أن يحضر هؤلاء أشغال المؤتمر؟
هذا ليس صحيحا، بل هو كلام مغرض وغير دقيق، فأشغال المؤتمر، باستثناء الجلسة الافتتاحية تتم بشكل مغلق ولا يحضرها إلا المعنيون بالصفات وهم المندوبون، وحتى هذا القرار لم يكن قرار رئيس حركة مجتمع السلم، فقد عرضنا المسألة على المكتب التنفيذي الوطني، قبل أن تُحال على لجنة المؤتمر ثم على مكتب المؤتمر، وكان القرار أن المؤتمر مؤتمر حركة مجتمع السلم وبالتالي نفّذت القرارات التي كانت قد صدرت بأغلبية أصوات أعضاء المكتب التنفيذي.
مازلت على نهج الشيخ نحناح، المنشقون وجّهوا لكم اتهام كونكم رجل إقصاء، وأنكم همّشتم الكفاءات وانحرفتم عن نهج الشيخ المؤسس محفوظ نحناح رحمه الله؟
إخوة يوسف عليه السلام اتهموه بالسرقة وهو نبي، فالتهم ليست جديدة، أما عن التهميش، فإن الأخ مناصرة كان نائب رئيس الحركة بين 2003-2008، وكان مشرفا على المجلس السياسي وله مطلق الحرية في فعل ما يشاء ولما جاء المؤتمر الرابع لم نهمش أحدا واحتكمنا إلى الشورى والديمقراطية وقلنا نجرب العمل بمنطق الانسجام القيادي، هذا فقط ما طلبناه وهو تقليد ساري به العمل منذ الخلافة الراشدة إلى يومنا هذا، فهل هذا السلوك القيادي يُعد تهميشا مع أن الشيخ نحناح رحمه الله كان يغيّر المكتب الوطني كلما رأى ذلك ضروريا لتفعيل العمل وضمان المزيد من الانسجام، بل إن بعض نوابه ومستشاريه وأعضاء مكتبه استقالوا لنفس التهمة التي يروّجون لها اليوم، وأنا ما زلت على خط الشيخ ونهجه تربويا ودعويا وسياسيا، ونفس الكلام يقال عن الأخ عمار غول الذي كان عضو مكتب وطني ورشّحناه لرئاسة البرلمان أو الحكومة حال فوزنا بالأغلبية البرلمانية، فأين هذا التهميش الذي يتحدّثون عنه؟
إذا تعتقدون أن الخلاف لم يكن خلاف مبادئ وإنما هو خلاف مصالح، ما هي أبرز أسباب هذا الخلاف؟
لا أستطيع الجزم بأن الخلاف كان لمصلحة، كما أن المبادئ لم تختلف حولها وإنما دار الخلاف حول قضايا تنظيمية لأن بعض الإخوة لم يكونوا يعتقدون أن المؤتمر الرابع سنة 2008 سوف يجدّد الثقة في قيادة المؤتمر الثالث سنة 2003، وفوجئوا بما لم يكونوا يتوقعونه عندما وجدوا أنفسهم – باسم الشورى والديمقراطية- خارج صف القيادة، فضغطوا في البداية لافتكاك نصف المكتب الوطني و«كوطا” في مجلس الشورى الوطني وبعد سلسلة من الجولات قرّرت مؤسسات الحركة الاحتكام للوائح معتقدة أن الاستجابة لمثل هكذا ضغط سوف يؤسّس لسابقة خطيرة في العمل الإسلامي مفادها أن مسمى “الشورى الملزمة” لم تعد ملزمة وهذا أمر خطير، وأن آليات الديمقراطية لا وزن لها وإنما السيادة للتعيين البعدي على حساب إرادة المندوبين للمؤتمر الذين قارب عددهم 1400 مندوبا.
الإخوان مدرسة وحركة مجتمع السلم على فكر الإخوان المسلمين، ماذا حصل بعد ذلك؟
بحثنا عن صيغ مرنة تحترم إلزامية الشورى وسيادة القرار الديمقراطي وفي الوقت نفسه تستجيب لرغبة الشيوخ الذين تدخّلوا لإصلاح ذات البين، وحكمنا المؤسسات في إدارة هذا الموضوع، وقد توصّلنا إلى صيغة مرنة تنازل فيها بعض أعضاء المكتب والمجلس عن مواقعهم القيادية لفائدة إخوانهم، بشرط ضمان عودتهم جميعا إلى العمل ضمن صفوف الحركة، لكننا فوجئنا برفض هؤلاء قائلين لنا إن الوقت قد فات وأنهم لم يعودوا راغبين في مشاركتنا في تسيير الحركة وكانوا يفكرون في كيان دعوي تربوي جديد سموه “حركة الدعوة والتغيير” ثم تحوّل إلى حزب سياسي باسم “حركة التغيير” بغير دعوة.
هل قرار تجميد حركة مجتمع السلم من عضوية التنظيم الدولي للإخوان المسلمين ساري المفعول إلى اليوم، ومن يمثّل الإخوان في الجزائر؟
الإخوان مدرسة تربوية ومنهج فكري ورؤية سياسية للحياة وليسوا إدارة تعيّن هذا وتُنهي مهام ذلك، وحركة مجتمع السلم فكرها إخواني وتوجّهها راسخ في منهج الوسطية ولا أحد في هذا الكون يستطيع نزع جذورها التربوية من عمق هذا المنهج الذي تربى عليه الآلاف لعشرات السنين، فمن يستطيع أن يقول لي أنا مثلا إنك لست من الإخوان، لأني لما أردت الانتساب إلى هذه المدرسة لم أطلب الإذن من أحد، والشيخ نحناح رحمه الله عندما نشر فكر الوسطية لم يربطنا بالأشخاص – الذين يموتون ويفنون- وإنما ربطنا بمنهج خالد عنوانه الكبير “الله غايتنا”.
وما نسمعه اليوم من تمثيل زيد أو عمرو لمنهج الإخوان في الجزائر حديث لا يمت إلى ثقافة هذه المدرسة بصلة، وإذا كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول :«أيها الناس إن العربية ليست لأحد منكم بأب ولا بأم فمن تكلّم العربية فهو عربي”، فقياس على ذلك أقول :«أيها الناس إن الإخوان ليسوا لأحد منكم بأب ولا بأم فمن تربى على أيدي الإخوان فهو إخواني ومن دخل مدرسة الإخوان فهو إخواني“.
منصب المراقب ليس بالتعيين وإنما بالشورى، حذاري أن يتحوّل الإخوان من التربية والدعوة إلى مجرد إدارة.
لكن سمعنا أن مكتب الإرشاد زكى شخصية جديدة خلفا لكم على منصب المراقب العام قبل تكذيب الخبر؟
عجيب ما تسمعونه، وأعجب منه أن يعتقد الناس أن كل ما يشاع صواب، والرسول الكريم عليه الصلاة والسلام يقول: “كفى المرء إثما أن يحدث بكل ما سمع” فإذا كان منصب ما تسميه المراقب العام يتم بالتعيين وليس بمبدأ الشورى وآلية الديمقراطية فقد تحوّلت هذه المدرسة العالمية العظمى في التربية والدعوة من منهج إلى إدارة، وأنا أنزّهها عن هذا، وأضيف لك أن حزب العدالة والحرية في مصر لا يتم تعيينه وتسميه قيادته من مكتب الإرشاد بل بمداولات من داخل مؤسسات الحزب وهو الذراع السياسي للجماعة، فكيف يتم تعيين رئيس حزب في الجزائر من طرف مكتب الإرشاد و«أهل مكة أدرى بشعبها”.
صرّحتم منذ أيام بأن جهود صلح تتحرّك في اتجاهات كثيرة هل توقفت أم مازالت تسعى لإصلاح ذات البين؟
فاعل الخير لا يتوقف ولا ييأس لأن أجره ليس مرتبطا بالنتائج بل هو مأجور على النية في الإصلاح والسعي لإصلاح ذات البين وتقريب وجهات النظر بين المتنازعين، لذلك شجّعنا كل مسعى واستمعنا لكل من طلب منا الجلوس للحوار وتنازلنا عن 80 بالمائة من مطالب الطرف الآخر، وإذا طلبوا منا اليوم التنازل 100بالمائة فسوف نفعل، لاعتقادنا أن وحدة الصف فريضة وأن التنازع يؤدي إلى الفشل وذهاب الريح وقد رأينا ذلك بأعيننا خلال انتخابات 10 ماي 2012 البرلمانية مع إقرارنا أنها مزورة.
ماذا تقصدون باستعدادكم للتنازل 100بالمائة
شخصيا صرت مقتنعا ومستعدا أن أترك لهم القيادة والرئاسة والحركة والوزارة، ولا أحتفظ بأي منصب أو مرتبة في الحركة، وإذا كان وجودي في الجزائر يزعج البعض فأنا مستعد أن أشد الرحال إلى أرض الله الواسعة، إذا كان خروجي من الجزائر يخدم وحدة التيار الإسلامي ويساعد على ظهورهم وحدة واحدة كالبنيان المرصوص.
البعض يتهمونكم بإفشال مساعي الصلح وإبعاد الحركة عن التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، فمن هو المسؤول هل هو شخصكم أم القائمون على مكتب التنظيم الدولي؟
مازالت أؤكد لكم أن قرارات حركة مجتمع السلم لا تصدر عن رئيسها وإنما عن مؤسساتها، لذلك إذا لم نحسن إدارة هــذا الملــف فالمســؤولية يتحمّلها الجميع وتتحمّلـــها رسميا مؤسسات الحركة لاســـيما مجلس الشورى والمكتب التنفـــيذي، وأنا أتحمّل القسط الأوفر من المسؤولية المعنوية، وإذا حقّقنا نجاحا فبفضل الله، ثم ببركات الشورى وحكمة الديمقراطية، فمنذ نشب الخلاف في ماي 2008 لم أصدر أي تعليمة أو قرار أو توجيه من تلقاء نفسي وإنما تعاملت مع الموضوع على قاعدة: “يد الله مع الجماعة ومن نسذّ شذ في النار”.
الاخوان ليسو شركة قابضة أو لافتة ترفع، الآن ما هي علاقتكم بالإخوان المسلمين؟
علاقة أخوّة ومحبة واحترام متبادل، ونصح في ما يصلح الأمة ويحقّق مقاصد الدين الحنيف، لم نبدل ولم نغير وقد “أصبح الملك لله، وأمسى الملك لله”، ومازال الله يعلم أن هذه القلوب قد اجتمعت على محبته والتقت على طاعته وتوحّدت على نصرة شريعته.. لقد أكّدت لكم قبل قليل بأن الإخوان ليسوا إدارة ولا شركة قابضة، وإنما هم مدرسة تربوية ومنهج دعوي، ومن الظلم اختزال هذه المدرسة العالمية في “معلم” بأحد أقسامها انشق عنها أو خاصم بعض أساتذتها، ولا شك أن كل من استوعب “ركن الفهم” يعرف أن الانتساب للإخوان ليس لافتة ترفع وإنما هو منهج يطبّق وسلوك يتجسّد ودعوة تتحرّك في النفوس لتغيّر الواقع وتحرّر البشرية من كل سلطان أجنبي.
حاوره : مراد أوعباس