بقلم الاسير جلال رمانة سجن النقب ـ محكوم 15 عام
لايخفى على احد السرعة التي باتت تميز التغييرات في العالم العربي المطالبة بالديمقراطية وبالحكم الرشيد الذي ينبثق من اجراء الانتخابات النزيهة ويلتزم تداول السلطة وسيادة القانون ....الخ ،ولا يخفى كذلك على احد ان الحركة الاسلامية تمثل مركبا اساسيا في الطيف السياسي العربي والاسلامي ، فمنذ ان اعلن عن سقوط نظام زين العابدين بن علي سارع رموز الحركة الاسلامية " حركة النهضة " وعلى راسهم الشيخ راشد الغنوشي ـ بالعودة من منفاهم القصري ، شانهم في ذلك شان الكثير من رموز العمل السياسي المنتمين الى المشارب السياسية المختلفة ،ثم قدمت الحركة طلبا رسميا لتاسيس حزب سياسي ، وسارعت هذه الرموز الى التاكيد انها مع الحرية ، مع الديمقراطية ، مع الشعب .
وفي مصر ، اهم بلد عربي ، الذي يمثل قلب العالم العربي ، الاكثر سكانا والاقوى استراتيجية والاقدم حضارة والاقدر قيادة المنطقة باسرها نحو التغيير ونحو الانطلاق الحضاري ، وجدنا ان الحركة الاسلامية متمثلة بالاخوان المسلمين قد رفعت وبالتدريج ، مستوى مشاركتها في احداث ميدان التحرير والمناطق الاخرى ، لتعكس الحركة في الايام الاخيرة وزنا لايمكن القفز عنه في أي توافق سياسي بل ان الكثير من رموز الحركات السياسية الاخرى اعلنوا اكثر من مرة : فقط، "الاخوان المسلمون" هم التنظيم المهيا ، الان لخوض الانتخابات ، وباتوا يتنبؤون بالحجم الذي يمكن ان يحرزه الاخوان في البرلمان .... ولقد كانت مظاهرة ميدان التحرير التي جرت في 18 فبراير ، وقام الشيخ يوسف القرضاوي بالقاء خطبة الجمعة فيها ، حدثا هاما في ابراز دور الاخوان وحجمهم ـ حتى ان مراقبين اسرائيليين كثيرين استغلوا خطبة الشيخ لتحريض ادارة اوباما ضد عملية التغيير الحادثة في مصر ، واصفة اوباما بانه خان مبارك ، وان الشيخ القرضاوي يؤكد نظرية صراع الحضارات ـ، وهاهو المستشار طارق البشري وهو الاسلامي البارز ـ يراس لجنة تعديل الدستور ، بالاضافة لتعيين قيادي اخواني في اللجنة واثناء القاء خطابه امام جمهور المتظاهرين في ميدان التحرير اكد رئيس الوزراء المعين د. عصام شرف على مطالب الثورة قائلا: ادعو الله ان ارى مصر حرة ، حيث يتم ابداء الاراء بدون خوف من الزنازين فكان يقف على يمينه مباشرة القيادي الاخواني انس الكتتني ليهتف بالجماهير :" الشرعية من التحرير لا توريث ولا تزوير" ، ليكون هذا الظهور تاكيدا على تواجد الاخوان في أي مرحلة مقبلة .
وفي ليبيا ـ وحتى كتابة هذه السطور ـ من الواضح ان اسلاميين ليبيين يشكلون احد مركبات طيف الثورة ضد حكم القذافي .
والامر لايتوقف على هذه الدول التي يشملها التغيير الان ، فالحركة الاسلامية متواجدة في معظم الدول العربية والاسلامية ، فتركيا ، والتي يحكمها منذ سنة 2002 حزب العدالة والتنمية ذو الجذور والميول الاسلامية ، باتت تحقق اليوم تقدما كبيرا في الحكم الرشيد بما يشمله من تقدم اقتصادي واداء اداري وندية حضارية وهاهو الحزب يقود تركيا للتحرر من التبعية للعرب .
ومن التحالف مع اسرائيل ضد شعوب المنطقة ، ليحولها الى دولة داعمة لحقوق الشعب الفلسطيني وما احدث سفينة مرمرة عنا ببعيدة ـ ، تركيا اليوم تحقق تقاربا مع كل العالم العربي ، وتسعى كذلك لحل ازمة الاقلية الكردية ، لقد نجح حزب العدالة والتنمية مرتين في الانتخابات البرلمانية ومرتين في الانتخابات البلدية ، ونجح في الاستفتاء العام ، ان القاء نظرة بسيطة لجنازة الزعيم الاسلامي نجم الدين اربكان التي جرت في اسطنبول في 2/3/2011 لتؤكد ان الطرح الاسلامي لايمكن القفز عنه او تجاوزه فالجنازة اشترك بها اكثر من مليونين ، وشاركت وفود من العالم الاسلامي ، وخصوصا قيادات من الاخوان المسلمين وكذلك اشترك العديد من القادة السياسيين الاتراك وجنرلات الجيش ، وكان على راسهم تانسو تشيلر الخصم السياسي السابق .
وفي فلسطين ، شكل فوز حركة حماس في الانتخابات البرلمانية التي جرت سنة 2006 ، وقبلها في الانتخابات البلدية ، تحديا كبيرا ، امام كل من يتدخل باتخاذ القرار في المنطقة ، فكان القرار الظالم بمقاطعة الشعب الفلسطيني لخياره الديمقراطي ...
وايضا ، لاننسى التحدي الكبير الذي باتت تشكله حركة طالبان الافغانية ضد الاحتلال الامريكي ، فهي ترفض مجرد التحاور مع الامريكان ، الا بعد الاعتذار والاستعداد لدفع التعويضات ، والانسحاب بدون شرط، فكيف لو ان طالبان قد اقتنعت ، انه لابد من تغيير النهج والتوسط في الدين ...؟
ايران ، الدولة الاسلامية القوية ، تقلق مضاجع الغرب واسرائيل ، وهي تمثل احد رؤوس المثلث القطبي الشرق اوسطي ، حيث ستشكل مصر والعالم العربي احد الراسين الاخرين ، وتركيا ستشكل الراس الثالث المرتقب ، والذي سيقوي وبالتاكيد ، قوى التغيير وقوى الممانعة في الامة ، وعلى راسها حماس وحزب الله .
وفي لبنان ، يلعب حزب الله ، الدور السياسي الاول ، فهو يخوض حروبا ضد اسرائيل ، ويسقط حكومة ويقيم حكومة ، ضمن قواعد العملية السياسية مع الاخذ بعين الاعتبار ان حزب الله يجب ان يلعب دورا في السلم الاهلي اللبناني ، وبشكل اكبر ، في كشف "القوى الخفية" التي تهدف الى زعزعة الثبات ، فقد اغتيل رئيس وزراء ، واغتيل صحافيون مثل سمير قصير ، وتمت محاولة الاغتيال الصحافية مي شدياق.
من كل ماتم عرضه ـ وعلى سبيل المثال لا الحصر ـ تبين لنا ان الاسلاميين يشكلون مكونا اساسيا في المعادلة السياسية : فما مفهوم الحركة الاسلامية ـ بتشكيلاتها المختلفة ـ للديمقراطية ؟ ،ـ هل ستوافق على قواعد العملية السياسية ، وللابد ام ان الامر ، وكما يوصف كعود ثقاب ، أي لمرة واحد ؟، هل سيوافق الاسلاميون على اقامة حكومات مدنية بحيث تحافظ على حقوق الانسان ، وعلى راسها حقوق الاقليات ، حقوق المراة ؟،ـ ام سيسعون الى اقامة حكومات دينية "ثيوقراطية" ؟ .
ـ اسئلة كثيرة يتم طرحها الان ، وبقوة ، على الساحة السياسية ، من قبل كل المشارب السياسية ومن المراقبين على الحركة الاسلامية وعلى المشاركين في عملية التغيير ....
لاشك ان هذه التساؤلات تساؤلات مشروعة ، وتقديم اجابات عليها يجب ان يتعدى الاطار النظري الى التطبيق العملي ، فالحركة الاسلامية على المحك ، فالتحدي الحقيقي في التطبيق ، فالنجاح يتحقق عندما لايتم الفصل بين النظرية والتطبيق العملي ، فلا يوجد نظرية فعالة اذا لم تكن لها افاق عملية ولاتوجد ممارسة عملية جادة مالم تستند الى اساسي نظري ، لذلك من الصعب امتحان اداء الحركة الاسلامية الديمقراطية مالم يكن الاسلاميون جزء عمليا في العملية السياسية ، ان الداعين لاستئناف الحياة الاسلامية ، وعلى اختلاف اجتهاداتهم ، يسترشدون بالحديث الشريف الذي رواه حذيفة بن اليماني عن الرسول صلى الله عليه وسلم "تكون النبوة فيكم ماشاء الله ان تكون ثم يرفعها اذا شاء ان يرفعها ، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ، فتكون ماشاء الله ان تكون ثم يرفعها اذا شاء ان يرفعها ، ثم تكون ملكا عاضا، فتكون ماشاء الله ان تكون ، ثم يرفعها اذا شاء ان يرفعها ، ثم تكون ملكا جبرا ( أي دكتاتوريا ) ، فتكون ماشاء الله ان تكون ، ثم يرفعها اذا شاء ان يرفعها ، ثم تكون خدمة على منهاج النبوة ، ثم سكت" هنا يعني ب "ثم تكون خدمة على منهاج النبوة " أي خلافة راشدة ،فالحكم الراشد في الاسلام هو الذي يسعى لتحقيق العدالة ، ونشر الفضائل وتحقيق الرفاة ، وسيادة القانون ، والحكم الرئشيد في العلوم السياسية يعني : "ان الحياة الامنة لاتتوقف على المبادئ الاساسية التي تعتنقها الحكومة ، بل تعتبر كيفية ممارسة الحكم عاملا حاسما في تهيئة المناخ الاجتماعي في الدولة الى المستوى الذي تتوقعه هذه المبادئ ،لذلك فان المنظمات الدولية وخاصة للمنظمات العاملة في مجال التعددية السياسية و المالية ، تلعب دور الدفاع عن المصالح العامة ، فمنذ 1989 وضع البنك الدولي فقه الحكم الرشيد ( Good Governance) ووصفه بانه يشير الى سياسة متفتحة ومضمنة تتطلب مباشرة اجراءات تتصف بالشفافية والمحاسبة ( Acount ability) والحاجة الى مجتمع مدني قوي يشارك في الاعمال العامة وان يعمل المجتمع تحت حكم القانون .واكد اعلان الامم المتحدة بمناسبة الالفية الثالثة للحكم الرشيد الصادر سنة 2000 .
فهل يستطيع الاسلاميون المشاركة في حكم رشيد ضمن الرؤية الراشدة الاسلامية؟ ـ ان من بديهيات علم السياسة ، ان الديمقراطية باتت هي الاسلوب الامثل في الحكم ، ومايجب ان يتوافق عليه الجميع ان الديمقراطية هي اسلوب حياة ومنهج تفكير عند الافراد وعند الجماعات ، لتشمل اصغر خلية في المجتمع ، بدء من البيت الى المدرسة والمصنع والنادي الرياضي ... انتهاء باختيار الحكام وحتى تؤدي الديمقراطية الدور المنوط بها ، وجب ان يتوافق الطيف السياسي على مركباتها الخمسة مجتمعة ، وهي اجراء انتخابات وتداول السلطة والفصل بين السلطات والحفاظ على حقوق الانسان والثقافة "التربية" "الديمقراطية" فالحركة الاسلامية ان ارادت ان تكون شريكا عمليا في العملية السياسية فعليها ان تكون جزء من التوافق مع الاخرين وبحسن نية كاملة من قبل كل الاطراف .
هناك فوائد تتبعها الدولة التي تطبق اجراء الانتخابات في نظامها السياسي ، ومن اهم هذه الفوائد الانتخابات "صك الشرعية" التي تتمتع بها الحكومة المنتخبة ، شرعية الحكومة وتحريرها ممارستها وسياستها تستند كلها على قاعدتها الانتخابية ونؤكد هنا على اهمية اجراء الانتخابات العامة وايضا نؤكد على اهمية اجراء انتخابات تمهيدية "برايمرز" لكل الاحزاب الاحزاب المشاركة وذلك لتجنب ترهل او فساد او تسلط الجسم التنظيمي وهنا مطلوب من الحركة الاسلامية ، كما من كل الاحزاب السياسية الاخرى ، ان تمارس اجراء الانتخابات الداخلية ضمن لوائحها التنظيمية ، فهكذا يتم ضمان ضخ دماء جديدة وذلك عن طريق تحديد مرات الترشح ، ونؤكد هنا على اهمية المشاركة النسائية في العملية السياسية ، فالحديث ليس عن فئة صغيرة مهمشة ، قومية او وثنية ، انما الحديث عن نصف المجتمع ، والمشاركة النسائية ، عامليا مازالت ضعيفة ، رغم مايطرح من مساواة بين الرجل والمراة ، واليوم تمثل احداث الشرق الاوسط دليلا واضحا على اهمية مشاركة المراة ، فهي شاركت باحداث الثورة في تونس ومصر ، وعدد منهن سقطن من خلال قمع النظام للمتظاهرين .
وهنا نؤكد على اهمية "الكوتا النسائية " ، من باب التمييز الايجابي لصالح المراة ، لتشجيع دخول النساء الى الحلبة السياسية ـ كما حدث في انتخابات فلسطين عام 2006 ـ تقول الدكتورة معصومة المبارك ـ عضو البرلمان الكويتي ـ حالياـ " انه من المهم ان نؤكد انه بكل الدول التي بدا فيها تحسن بنسبة تمثيل النساء في السياسة ، مثلما حدث في الدول الاسكندنافية ولحقت بها كل من فرنسا وانجلترا ، انما حدث هذا بسبب الكوتا .
لذلك مطلوب من الاسلاميين ان يضمنوا لتشريعات التي تنص على "الكوتا" النسائية ، وليشكل ذلك اجابة على اهم التحديات ، يقول د. جابر طه علواني ـ رئيس معهد الفكر الاسلامي العالمي :" تمثل قضية المراة سؤالا كبيرا يطرحه النموذج المعرفي الغربي على امم الارض كافة وعلى الاسسات الثقافية الموجودة في العالم اليوم وفي مقدمتها النسق المعرفي الاسلامي في محاولة من النموذج الغربي لاحراج الانساق الثقافية الاخرى ودفعها للاحساس بالدوينة تجاهه ، والاستعداد للتنازل عن خصوصيتها لصالح خصوصيات وتعليمات النموذج الغربي ...
هنا يتحقق الشعار الخالد الذي رفعته رئيسة ليبيريا جونسون سيرليف Can) ان السلطة المطلقة هي مفسدة مطلقة ، لذلك يتم تقييد اجراءات السلطة عن طريق نشر الحريات العامة ، حرية التغيير ، حرية التنقل ، العمل ...الخ . الانتخابات هي ظاهرة دورية تقام كل عدة سنوات ويتم بموجبها اما تبديل الاشخاص الموجودين في السلطة ، او تجديد التفويض لهم لفترة جديدة ، بذلك يكتسب التمثيل في الدولة الديمقراطية صفتين متميزتين احداهما صفة رسمية تتعلق بالانتخابات ، والاخرى غير ربحية تتعلق بالتاثير على الرسميين المنتخبين في فترة مابين الانتخابات اثناء وجودهم في المنصب الرسمي .
ان تداول السلطة يلزمه تعددية سياسية ، ولوحظ كيف ان الانظمة العربية ـ ومن باب ذر الرماد في العيون ـ سعت الى ايجاد تعددية سياسية مقيدة او سطحية ، الى ذلك تشير ايمان محمد حسن: "قبول النظام السياسي مبدا التعددية السياسية في شكل احزاب سياسية او لكن في اطر قيود وضوابط معينة تجد من امكانية تداول السلطة وممارسة هذه الاحزاب لوظائفها المتعارف عليها في النظم الديمقراطية التعددية ".
ان اجراء الانتخابات وتداول السلطة مركبات يرتبطان ارتباطا عضويا بالتعددية السياسية فالتعددية السياسية تشكل قضية سياسية عالمية هامة ، فالناس يملكون الحق الكامل في اقامة احزاب للوصول الى السلطة عن طريق اقناع الناس بالبرامج المعروضة . ولعل من مبشرات الخير بان لجنة تعديل الدستور المصري قد حددت الانتخابات بفترة اربع سنوات ، ولفترتين ، فقط ، وتم تعديل شروط الترشيح للرئاسة ، وفتح المجال لاقامة احزاب سياسية .
ان نظرية الفصل بين السلطات ، تبلورت على يد المفكر الفرنسي مونتسكيو ، تهدف الى تحقيق مزايا التخصص ومنع اساءة استعمال السلطات اذا اجتمعت وظائفها الثلاث في هيئة واحدة : تقوم بوضع القوانين وتنفيذها ومعاقبة من يخالفها ، أي انه لما كانت السلطة مدعاة للفساد فان فصلها الى مؤسسات متميزة لممارسة اعمالها المختلفة يصبح امرا ضروريا لصيانتها من التسلط ، فلقد اثبتت التجارب التاريخية ، ان الذي يقف على راس السلطة التنفيذية سوف يتمادى في استخدامها ان لم يجد من يكبحه ويضع له حدودا توقفه ، فالسلطة التشريعية تستطيع اسقاط الحكومة ، والقضاء يستطيع محاسبة المنحرف ، حتى لو كان راس النظام .
واليوم ، مطلوب من الطيف السياسي كله بما فيه الحركة الاسلامية التاكيد على هذا المعنى ، اما الفصل بين السلطات احد مركبات العمل الثوري "الديمقراطي" الناجح والنظرية السياسية الاسلامية بحاجة الى تاكيد مفهوم " الزامية الثوري" والفصل بين السلطات لايجب ان يكون مطلقا كافي نظرية مونتسكيوا التقليدية ـ، انما يطبق مفهوم "التدقيق والموازنة " ، حيث يحدد الدستور مساحة التدقيق والموازنة ، لتعرف كل سلطة مساحة صلاحياتها ، ومساحة صلاحيات السلطتين الاخريتين ولعل ما تم الاعلان عنه في تعديل الدستور المصري ، من وجوب الاشراف القضائي على الانتخابات ، وبكامل من احلها لهو ضمن ماطرح اعلاه في "التدقيق والموازنة ".
ان مركب حقوق الانسان هو المركب الاساس او اهم مركبات الديمقراطية ، فيه المحافظة على حقوق الانسان تتم المحافظة على حرية الانتخابات او على الحريات الفردية والجماعية ، والحكم الاسلامي بمقدار حفاظه على هذه الحريات فهو يطبق روح وقيم الاسلام ، فالاسلام هو الذي يحافظ على المساواة بين المواطنين : متى استبعدتم الناي وقد ولدتهم امهاتهم احرارا ، مسلمين وغير مسلمين ، ضمن مبدا المواطنة ... فلم يعد هناك داع لاستخدام مصطلح "اهل الذمة" وكذلك ان الاسلام يرعى كافة الحقوق لكافة مواطني الدولة بغض النظر عن افكارهم ومعتقداتهم ، بل يعطي اهمية بالغة في اجواء مناسبة لممارسة طقوسهم والا افضلية للذكورة على الانوثة فهي ليست معيارا للفهم والقول القائل : ان المراة لاتخرج من بيتها الا مرتين : مرة الى بيت زوجها ومرة الى قبرها ، هو طرح متخلف ، لايمثل الاسلام ، والاسلام اذ يطرح نظاما للعقوبات انما يهدف الى خلق بيئة محترمة نظيفة متكاملة تحمل كل المفردات ذات العلاقة بحل اشكاليات الفقر وحفظ الانسان ومراعاة المشاعر والخصوصيات والحريات ضمن منظومة قيمية سامية تحافظ على المقاصد الخمسة العقل والمال والدين والعرض ، فالزنا جناية على العرض والخمر جناية على العقل والقتل جناية على النفس والسرقة جناية على المال .
لقد اصبح السائد ان هناك حركة لحماية حقوق الانسان ، تهدف الى تطويرها وحمايتها لذلك ظل الصراع قائما بين القوى الاستعمارية وبين الشعوب المقهورة على الالتزام التام بها وتخليص المظلومين من الافراد والامم من المجازر والابادة والتمييز العنصري والاضطهاد وكبت الحريات والقضاء على الحروب الى ان صدرت وثيقة حقوق الانسان من قبل بعثة حقوق الانسان عام 1998 ويعلق الشيخ محمد الغزالي على ذلك بقوله :" ولااجد أي حرج في اقتباس ماستحدثه البشر من انظمة ووسائل حماية الفرد من طغيان الاستبداد او راس المال ... والواقع ان العصور الحديثة لها اجتهاد مثمر ناجح في تنظيم الفرد الشورى وفي ادارة الاعمال وفي حماية الفقراء الكادحين وان نقل هذه الوسائل الى بلاد المسلمين .
ليس بدعة ضلالة كما يزعم المتدينون الجهال بل تكاد تكون واجبا حتما بعد عهود التخلف والضياع ... لقد اقر الاسلام ـبالاخوة الانسانية ، وبالتنوع الحضاري ، لذلك ركز الاسلام على المساحة المشتركة للانسانية جميعا ، ولذلك فان نظم الاسلام تمثل مصلحة انسانية مشتركة ولايقر الاسلام مكانا للعصبيات العنصرية او النظرة الاستعلائية لاي كان ، ان ومع تاكيد حقيقة اقرار الاسلام بحقوق الانسان ، فانه لن يعطي شرعية للشذوذ الجنسي او للحرية الجنسية المطلقة او للحرية الاقتصادية الراسمالية التي تتحول الى راسمالية متوحشة انانية .
لايمكن السير بنجاح على طريق التطور الديمقراطي بدون النجاح في تحقيق ثورة ثقافية ترسخ في المجتمع القيم التي تخدم التطور الديمقراطي ، وبصفة خاصة : قيم التسامح والحوار والتعاون ، واحترام الاخر والتنافس السلمي والصراع السلمي ، ان الفرد الذي يكسب الثقافة السياسية ويتعلم تجارب الشعوب ، وبالتالي قيم الديمقراطية هو فرد فعال ، محترم جداامام نفسه وامام الاخرين ، وعكس ذلك هو "البلطجي " الذي لايتفاهم مع الاخر ، فالثقافة السياسية النابعة من التربية الشاملة تهدف الى الاستعداد للمشاركة الاجتماعية والمساواة ضمن مبدا المواطنة ، وضمن الاقرار بالاختلاف والتنوع .
وهنا لابد من تدريب ابناء الحركة الاسلامية عمليا على الممارسة الديمقراطية ، والعمل على اكسابهم الخبرة وذلك من خلال النشاط اليومي الذي يقومون به في مختلف مجالات الحياة ، مؤسسات المجتمع المدني تعتبر الاطار الامثل للقيام بهذه المهام ، لانها تقوم ايضا على القيم الديمقراطي ، ولانها تجذب الى عضويتها دائمة واسعة من المواطنين الذين يسعون الى الاستفادة من خدماتها او ممارسة نشاط جماعي للدفاع عن مصالحهم بممارسة انشطة انسانية متنوعة ، ولذلك يجب الاهتمام بدمج ابناء الحركة الاسلامية بهذه المؤسسات ، خصوصا النساء .
ان ابناء الحركة الاسلامية ، ومن خلال مشاركتهم ضمن شباب الثورة ، والتزامهم بالهتافات العامة لا الحزبية ، ورفعهم لعلم البلاد وعدم رفع الراية الحزبية ، لهو خطوة مباركة نحو اكتساب التربية الديمقراطية ، انه وبعد تثبيت الاداء الديمقراطي في الدول التي شملها التغيير ، وجب اندماج ابناء الحركة الاسلامية بالحركات الشبابية التطوعية العالمية ولاشك ان الشابة الامريكية راشيل كوري التي استشهدت في فلسطين تحت جنازير الجرافة العسكرية لهو مثال حي للاخوة الانسانية ومثال للاندماج الحضاري .
وجدير الاشارة ، ونحن نتكلم عن الديمقراطية ، الى ان لكل عصر ادواته التي تتبع ومصطلحاته للتجدده كذلك قدمت كل ايدلوجيا منظومة مصطلحات تحاول " عولمتها " البرجوازية ، الكادحين البروليتاريا والرجعية ، والثورية ... او الشركات متعددة الجنسيات ، حرية السوق ، العولمة ، الخصخصة ،....الخ .
وقد انتشرت مصطلحات حضارية جديدة ، وبات استخدامها شائعا على السنة ، فتلك المشارب
الفكرية مثل الديمقراطية ، المجتمع المدني ، الدولة المدنية ، مبدا المواطنة ، سيادة القانون ، الشفافية ...الخ .
ومن الملاحظ ان المفكرين الاسلاميين قد تجاوزوا مرحلة التركيز على المصطلح ، وبدا التركيز على المضمون فقد تستخدم دول ما مصطلح الشورى وبفعل محتواه دكتاتوريا مستبدا وقد تستخدم دولة اخرى مصطلح الديمقراطية فتطبق روح الاسلام باقراره بالتعددية :" ولو شاء ربك لجعل الناس امة واحدة ولايزالون مختلفين " ، وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا " فمصطلح الديمقراطية والذي كان يلاحظ بعض الحرج في استخدامه في مراحل معينة :"نظام كفر " ، اصبح اليوم يلقى اجماعا " فكل رموز العمل السياسي الاسلامي يستخدمونه ، يقول الشيخ يوسف القرضاوي :" الواجب على الحركة الاسلامية في المرحلة القادمة ان تقف ابدا في وجه الحكم الفردي الدكتاتوري ، والاستعداد السياسي والطغيان على حقوق الشعوب ، وان تكون دائما في صف الحرية السياسية الممثلة في الديمقراطية غير الزائفة " ، ان "المرحلو القادمة " : جاءت الان حيث ان الشباب الاسلامي يشارك في الوقوف امام الاستبداد ، فهل يسعى الاسلاميون لاقامة دولة دينية ، ثيوقراطية؟ ـ الثيوقراطية ، كما ورد في القاموس السياسي ، هي عبارة عن كلمتين في اليونانية : ثيو : معناها ديني و" كرايتس" ومعناها "حكم" وهو الحكم القائم على التفويض الالهي ، أي الحاكم يختاره الله ، فيحكم باسمه ويستمد منه سلطته ، ويحيط به جمع من الكهنة يسيطرون على الناس ويستغلونهم ، فمنصب الرئيس في الدولة ذي الدستور الاسلامي ـ الذي اتخذ الاسلام احد مصادر التشريع ـ هو منصب مدني ، وهو ليس نائبا عن الله ، فلا يمتلك تفويضا الهيا ، فهو يخطئ ويصيب ، ويمكن ان ينحرف ، وبالتالي يجوز الاعتراض عليه ، وخلعه ان لزم الامر اذا انحرف عن اهداف الامة ، الان من يمتلك حق التولية يملك حق العزل والتشريع الاسلامي هو تشريع مدني ذو مرجعية اسلامية ، والتربية في الاسلام تربية مدنية تدمج بين البعد الروحي والبعد المادي وتقر بكافة حقوق الانسان قبل ان ترد في المواثيق الدولية لحقوق الانسان .
لقد كانت الدولة الاسلامية منذ نشاتها الاولى مؤلفة من شعوب واجناس ومعتقدات متباينة ولكن هذا الاختلاف لم يمنع على المسلمين من السريان والاقباط والفرس وغيرهم ، من الاندماج في المجتمع الاسلامي العديد والمشاركة النشيطة في العمل الفكري والثقافي بالترجمة والتاليف ومزاولة الطب والفلك والفلسفة والموسيقى ، وكذلك المشاركة في المناصب السياسية .
الاسلام شكل حضارة ، هذه الحضارة انتجت امبراطوريات على مدى (14) قرنا ولعل نجاح هذه الحضارة انها استطاعت ان تنتج قومية مفتوحة استوعبت بها كل الاعراف واستوعبت من اختلف معها في العقيدة فالحضارة الاسلامية تتلخص في صياغة الفرد صياغة حضارية واعداد شخصيته اعدادا شاملا ومتكاملا من حيث العقيده والذوق والفكر والمادة فيصبح المسلم صاحب رسالة حضارية ، يقول الدكتور محمد مورو "ولاشك ان حقوق الانسان غير عنصرية والتسامح وثقافة الاسلام حقيقي غير ظالم وانتصار للضعفاء والمظلومين سواء كان امراة او طفلا او اقلية لها اصلها النظري والتطبيقي في حضارات اخرى غير الحضارة الغربية ، و الحضارة الاسلامية على راسها بالطبع فهي التي قدمت تجربة التعايش والتسامح وظل بها اقليات دينية مسيحية ويهودية وغيرها دون ان تتعرض للابادة او الاكراه على الدخول في الاسلام وشارك في بناء الحضارة الاسلامية مختلف الالوان والجنسيات ،... "
ولاشك ان احداث القرن العشرين وعلى راسها استقرار الولايات المتحدة خلال العقد الاخير منه قد رسغت عند البعض نظرية "نهاية التاريخ" لفرانسيس فوكايانا " ونظرية "صراع الحضارات " لصموئيل هنتنغتون" وكذلك ادى الى ظهور "القاعدة" وخصوصا بعد احداث "11" سبتمبر الى اعطاء مصداقية مالهذا التوجه ولاتنسى خطاب اوباما في جامعة القاهرة عندما قرر بان سياسة سلفه هي التي سببت حالة العداء مع المسلمين ، ثم نتكلم وبشكل صريح ، عن خطا نظرية صراع الحضارات واليوم نرى ان هناك نوعا من التوازي الحضاري بدا يضفي نفسه على العالم على حساب الاحتكار الامريكي لدعواه الليبرالية ودعمه غير الشروط للانظمة الشمولية والمشروع الصهيوني ، فالصين وامريكا اللاتينية في الاتحاد الاوروبي ودول شرق اسيا ، وقريبا ستشهد الاتحاد الشرق اوسطي ، وهنا مطلوب من الحركة الاسلامية ان تقدم نموذج المفقود للحضارة الانسانية المتوازنة ، فليس بالضرورة ان تكون العلاقة مع الاخرين علاقة صراع ، بل يمكن ان تكون علاقة حوار :" لتعارفوا" ، ضمن اعتراف الحضارات بعضها ببعض ضمن التكامل والتتابع" ، ان الحضارة الشرق اوسطية لن يكون لها أي مشكلة مع الحضارة الغربية سوى "وجود اسرائيل" ، حيث ان وجودها اوجد ازمات ليس في فلسطين فحسب ولكن للدول العربية الاخرى باندلاع الحروب وايجاد ماساة اللاجئين ، لذا يجب رفع الصوت عاليا ، ان ثمن تكفير امريكا عن خطاياها هو اقرارها بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ولعلنا هنا نشير الى نقطة في غاية الاهمية ، وهو ان معظم الدول العربية والاسلامية تعلن في دساتيرها بان دين الدولة الاسلامية ، حيث ان الغالبية من السكان تدين بالاسلام ، فمثلا تقول المادة الثانية للدستور المصري ينص ان "الاسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية ومبادئ الشريعة الاسلامية المصدر الرئيسي للتشريع " ، ان هناك مطالبين بالغاء الماة الثانية ، حيث ان الدستور وجب ان يكون محايدا ، يقوم على مبدا المواطنة ويحقق الحرية والعدالة والمساواة لكل المصريين من مختلف الاديان والطوائف ، وهن يطرح السؤال : هل اعلان ان دين الدولة الاسلام في بلد مثل مصر حيث يشكل المسلمون فيه 85% من السكان بينما يشكل المواطنون الاقباط (10%) هل يشكل ذلك انتهاكا لحقوق الاقلية ؟ هل ستقوم هذه الدولة باكراه احد على اعتناق الدين الاسلامي ؟
هل ستعرض عليهم احكام الاسلام؟ هل سيمارسون حق المشاركة السياسية؟ واسئلة كثيره مشروعة " تطرح في هذا الميدان.
ان منطق الديمقراطية ان يتم تقديم حق الاكثرية على حق الاقلية مع اشتراط الحفاظ على حريات الاقلية فلا يمكن ان يرضى الناس بنسبة (100%) فالناس متفاوتون بطبعهم ولتستمع هنا الى ماقاله البابا شنوده بابا الاقباط في صحيفة الاهرام مارس سنة 1985 :"ان الاقباط في ظل حكم الشريعة يكونون اسعد حالا واكثر امنا ، ولقد كانوا كذلك في الماضي ، حينما كان حكم الشريعة هو السائد ، نحن نتوق الى ان نعيش في ظل " لهم مالنا وعليهم ماعلينا " ان مصرتحضر القوانين من الخارج حتى الان وتطبقها علينا ، ونحن ليس عندنا مافي الاسلام من قوانين مفصلة فكيف نرضى بالقوانين المجلوبة ولانرضى بقوانين الاسلام ".
وكان عضو مجلس الشعب المصري الراحل مكرم عبيد "قبطي" مما نقلته صحيفة الوفد الصادرة بتاريخ 21/1/1993 ـ وقد صرح " نحن مسلمون وطنا ونصارى دينا اللهم اجعلنا نحن المسلمين لك وللوطن انصارا اللهم اجعلنا نصارى لك وللوطن مسلمين ".
ان الديمقراطية ورغم بعض نواقصها ، وصعوبة تثبيت مركباتها مجتمعة تبقى الاسلوب الامثل ليس فقط في العمل السياسي بل تعداه الى العمل الاجتماعي والاقتصادي فان التقدم ومحاربة الفساد والمحافظة على حقوق الانسان لن تجد خافيا لها مثل الديمقراطية بمركباتها المختلفة ( حقوق الانسان ، الانتخابات ، تداول السلطة الفصل بين السلطات التربية الديمقراطية ) ـ والتي تم الاستفاضة بها خلال المقال ـ حينها نضمن الحكم الرشيد الذي يتسم بالشفافية في ادارة الحكم ، لذلك فان الديمقراطية تربط ارتباطا وثيقا بدولة القانون فالنظام الديمقراطي لايمكن ان يعمل الا في اطار دولة القانون التي تحافظ على السيادة ، وللاسف ان بعض المراقبين باتوا متشككين في قدرة العرب على انتاج ديمقراطية كاملة ومميزة بسبب فشل عدة تجارب في السابق ومن ذلك مايقوله السيد عصام الاطرش :" اعتقد ان للشعوب العربية خصوصية تميزها عن كافة المجتمعات البشرية العالمية وهي حب السلطة وعليه اعتقد ان الديمقراطية غير ملائمة للشعوب العربية ، فالديمقراطية بمفهومها الشمولي تشمل الحرية والمعارضة السلمية والتداول السلمي للسلطة ولكن هل الشعوب تستطيع ان تطبق مفهوم الديمقراطية بكافة مفاهيمها وبما تحتويه من مثل وقيم والامثلة العربية كثيره فماذا جلبت الديمقراطية للعراق ولبنان والسودان وفلسطين لقد جلبت الفرقة والانقسام والاختلافات مابين الشعب الواحد.
ان هذه الرؤية نابعة من قلة الثقة ومن عدم التعمق في التاريخ فحتى الديمقراطيات الكبرى في العالم عاشت مرحلة دمقرطة Democratization حيث تخللها اعمال عنف ، بل وحربه اهلية الى ان وصلت الى مرحلة الثبات .
والحركة الاسلامية اليوم تقدم نموذجا جديرا بالدراسة والبحث فان كانت العلمانية اصبحت مطلبا في الغرب فان العلمانية او بمعنى ادق ابعاد الدين الاسلامي عن شؤون السياسة قد ثبت فشلها في العالم الاسلامي فليس الانظمة الشمولية في عالمنا قد فشلت فالعلمانية كذلك فشلت ولا ادل على ذلك من النموذج التركي ، فتمت ظلال حكم العلمانية خنقت الحريات العامة وانتشر الفساد وتحولت تركيا من امبراطورية كبرى ـ الدولة العثمانية ـ حامية لمصالح الامة الى دولة تسير خلف الذيل الغربي بل وتحالفت مع اسرائيل التي احتلت بلاد الامة وطردت الشعب الفلسطيني من ارضه .
واذ صعد حزب العدالة والتنمية الى الحكم ديمقراطيا فاثبت نفسه في ادارة البلاد ورفع شانها في كل المجالات وخصوصا في رفع شان التعددية السياسية ومنح الحريات .
انه مطلوب من الحركة الاسلامية ان تزيل الشكوك بان العالم العربي غير مهيا للديمقراطية التداولية الكاملة لان العرب بطبعهم يحبون السلطة فما بالكم ان غلف الادعاء بظاهر النص.
ولعل الاب بيتر مدروس قد عبر عن هذا المعنى المطلوب بقوله " مازالت شعوب المنطقة تدفع ضريبة الحرية والكرامة الانسانية مطالبة بالدم والعرق والدمع ان تحترم هويتها وقيمتها وحقوقها امام الله الذي خلق الانسان ناطقا كريما بصورة العقل والضميروالمحبة ــ " "في احسن تقويم" .
ويؤكد هذ المعنى ايضا ، بقوله "ان ثورتين حولتا بالفعل وجه المنطقة العربية كانتا رسلا لما يسمى به الشرق الاوسط الجديد ولن يرغبون في انتاج نظام يكون مناسبا لمجتمعات الاعمال والسوق على حساب قيم المساواة وتقرير المصير خاصة للفلسطينيين الان نظام حديد بدا يتكشف فالثورات في مصر وتونس كانت لحظات من السيادة "ماغنا كارتا" مربية كتبها العرب بالدم والدموع والمقاومة الباسلة ضد الطغيان الان حان وقت المواطنة العربية لاطلاق طاقات جديدة للديمقراطية وتقرير المصير خلال ثورات قصيرة تنقل المعرفة الديمقراطية بنسختها المحلية بعيدا عن الوصاية الحارجية " .
ان المنظرين للفكر الاسلامي يرفعون شعارات مثل " الاسلام هو الحل" والاسلام صالح لكل زكان ومكان" وحتى تبدو هذه المقولات صحيحة لابد من تناول المعضلات الفكرية المختلفة خاصة تلك التي تسود في زمان ومكان معينين وتشكل بالنسبة للناس اهتماما اساسيا فلذلك كانت الحاجة الى "فقه الواقع" لا الى "فقه اوراق" يجب رفع الغطاء الشرعي عن اولئك الذين يعادون الديمقراطية بذريعة ظاهر النص فانتجوا للامة : تفجيرات المحيا وتفجيرات عمان والدار البيضاء واحداث فتح الاسلام في طرابلس واحداث عبد اللطيف موسى في رفح واحداث بالي في اندونيسيا واحداث العراق .... "الله يستر" من نقل المعركة ضد من يؤمنون بالديمقراطية بما فيهم الاسلاميون بحجة انهم مدلسون والمدلسون اشد خطرا ...!!! ؟
ان الحركة الاسلامية وهي تسعى لاعادة الحكم الراشد ـ على منهاج النبوة ـ للامة فهي الان تشارك فعليا في المساهمة لتاسيس اسس الحكم الرشيد مادامت مستبعدة للحفاظ على مايتفق عليه فهي لاتستاثر بالسلطة فان فازت وتتنازل عن الحكم ان ــــــــــ في المرة التالية تلجا للمحكمة الدستورية ان وجدت قانونا قد شرع تحالف الدستور مثلها مثل كل الاحزاب ثم ان الحركة الاسلامية وبمشاركة الاخرين تستجمع طاقات ابناء الامة لتقديم كل مافيه خير ليس فقط لابناء الامة بل لابناء البشرية جميعا فبمقدار نجاحها بمشاركة الاخرين بتحرير ثروات الامة من الاستغلال الاجنبي وتحقيق التكامل للاقتصاديات العربية والاسلامية المستقلة وباحداث تنمية اقتصادية اسلامية شاملة وتحاور كل الحضارات فتاخذ منها وتعطيها فانه بذلك فقط يمكن القول ان لدينا "ما غنا كارتا " خاصة بنا ونجحنا في ان نقيم حكما رشيدا وراشدا .
لايخفى على احد السرعة التي باتت تميز التغييرات في العالم العربي المطالبة بالديمقراطية وبالحكم الرشيد الذي ينبثق من اجراء الانتخابات النزيهة ويلتزم تداول السلطة وسيادة القانون ....الخ ،ولا يخفى كذلك على احد ان الحركة الاسلامية تمثل مركبا اساسيا في الطيف السياسي العربي والاسلامي ، فمنذ ان اعلن عن سقوط نظام زين العابدين بن علي سارع رموز الحركة الاسلامية " حركة النهضة " وعلى راسهم الشيخ راشد الغنوشي ـ بالعودة من منفاهم القصري ، شانهم في ذلك شان الكثير من رموز العمل السياسي المنتمين الى المشارب السياسية المختلفة ،ثم قدمت الحركة طلبا رسميا لتاسيس حزب سياسي ، وسارعت هذه الرموز الى التاكيد انها مع الحرية ، مع الديمقراطية ، مع الشعب .
وفي مصر ، اهم بلد عربي ، الذي يمثل قلب العالم العربي ، الاكثر سكانا والاقوى استراتيجية والاقدم حضارة والاقدر قيادة المنطقة باسرها نحو التغيير ونحو الانطلاق الحضاري ، وجدنا ان الحركة الاسلامية متمثلة بالاخوان المسلمين قد رفعت وبالتدريج ، مستوى مشاركتها في احداث ميدان التحرير والمناطق الاخرى ، لتعكس الحركة في الايام الاخيرة وزنا لايمكن القفز عنه في أي توافق سياسي بل ان الكثير من رموز الحركات السياسية الاخرى اعلنوا اكثر من مرة : فقط، "الاخوان المسلمون" هم التنظيم المهيا ، الان لخوض الانتخابات ، وباتوا يتنبؤون بالحجم الذي يمكن ان يحرزه الاخوان في البرلمان .... ولقد كانت مظاهرة ميدان التحرير التي جرت في 18 فبراير ، وقام الشيخ يوسف القرضاوي بالقاء خطبة الجمعة فيها ، حدثا هاما في ابراز دور الاخوان وحجمهم ـ حتى ان مراقبين اسرائيليين كثيرين استغلوا خطبة الشيخ لتحريض ادارة اوباما ضد عملية التغيير الحادثة في مصر ، واصفة اوباما بانه خان مبارك ، وان الشيخ القرضاوي يؤكد نظرية صراع الحضارات ـ، وهاهو المستشار طارق البشري وهو الاسلامي البارز ـ يراس لجنة تعديل الدستور ، بالاضافة لتعيين قيادي اخواني في اللجنة واثناء القاء خطابه امام جمهور المتظاهرين في ميدان التحرير اكد رئيس الوزراء المعين د. عصام شرف على مطالب الثورة قائلا: ادعو الله ان ارى مصر حرة ، حيث يتم ابداء الاراء بدون خوف من الزنازين فكان يقف على يمينه مباشرة القيادي الاخواني انس الكتتني ليهتف بالجماهير :" الشرعية من التحرير لا توريث ولا تزوير" ، ليكون هذا الظهور تاكيدا على تواجد الاخوان في أي مرحلة مقبلة .
وفي ليبيا ـ وحتى كتابة هذه السطور ـ من الواضح ان اسلاميين ليبيين يشكلون احد مركبات طيف الثورة ضد حكم القذافي .
والامر لايتوقف على هذه الدول التي يشملها التغيير الان ، فالحركة الاسلامية متواجدة في معظم الدول العربية والاسلامية ، فتركيا ، والتي يحكمها منذ سنة 2002 حزب العدالة والتنمية ذو الجذور والميول الاسلامية ، باتت تحقق اليوم تقدما كبيرا في الحكم الرشيد بما يشمله من تقدم اقتصادي واداء اداري وندية حضارية وهاهو الحزب يقود تركيا للتحرر من التبعية للعرب .
ومن التحالف مع اسرائيل ضد شعوب المنطقة ، ليحولها الى دولة داعمة لحقوق الشعب الفلسطيني وما احدث سفينة مرمرة عنا ببعيدة ـ ، تركيا اليوم تحقق تقاربا مع كل العالم العربي ، وتسعى كذلك لحل ازمة الاقلية الكردية ، لقد نجح حزب العدالة والتنمية مرتين في الانتخابات البرلمانية ومرتين في الانتخابات البلدية ، ونجح في الاستفتاء العام ، ان القاء نظرة بسيطة لجنازة الزعيم الاسلامي نجم الدين اربكان التي جرت في اسطنبول في 2/3/2011 لتؤكد ان الطرح الاسلامي لايمكن القفز عنه او تجاوزه فالجنازة اشترك بها اكثر من مليونين ، وشاركت وفود من العالم الاسلامي ، وخصوصا قيادات من الاخوان المسلمين وكذلك اشترك العديد من القادة السياسيين الاتراك وجنرلات الجيش ، وكان على راسهم تانسو تشيلر الخصم السياسي السابق .
وفي فلسطين ، شكل فوز حركة حماس في الانتخابات البرلمانية التي جرت سنة 2006 ، وقبلها في الانتخابات البلدية ، تحديا كبيرا ، امام كل من يتدخل باتخاذ القرار في المنطقة ، فكان القرار الظالم بمقاطعة الشعب الفلسطيني لخياره الديمقراطي ...
وايضا ، لاننسى التحدي الكبير الذي باتت تشكله حركة طالبان الافغانية ضد الاحتلال الامريكي ، فهي ترفض مجرد التحاور مع الامريكان ، الا بعد الاعتذار والاستعداد لدفع التعويضات ، والانسحاب بدون شرط، فكيف لو ان طالبان قد اقتنعت ، انه لابد من تغيير النهج والتوسط في الدين ...؟
ايران ، الدولة الاسلامية القوية ، تقلق مضاجع الغرب واسرائيل ، وهي تمثل احد رؤوس المثلث القطبي الشرق اوسطي ، حيث ستشكل مصر والعالم العربي احد الراسين الاخرين ، وتركيا ستشكل الراس الثالث المرتقب ، والذي سيقوي وبالتاكيد ، قوى التغيير وقوى الممانعة في الامة ، وعلى راسها حماس وحزب الله .
وفي لبنان ، يلعب حزب الله ، الدور السياسي الاول ، فهو يخوض حروبا ضد اسرائيل ، ويسقط حكومة ويقيم حكومة ، ضمن قواعد العملية السياسية مع الاخذ بعين الاعتبار ان حزب الله يجب ان يلعب دورا في السلم الاهلي اللبناني ، وبشكل اكبر ، في كشف "القوى الخفية" التي تهدف الى زعزعة الثبات ، فقد اغتيل رئيس وزراء ، واغتيل صحافيون مثل سمير قصير ، وتمت محاولة الاغتيال الصحافية مي شدياق.
من كل ماتم عرضه ـ وعلى سبيل المثال لا الحصر ـ تبين لنا ان الاسلاميين يشكلون مكونا اساسيا في المعادلة السياسية : فما مفهوم الحركة الاسلامية ـ بتشكيلاتها المختلفة ـ للديمقراطية ؟ ،ـ هل ستوافق على قواعد العملية السياسية ، وللابد ام ان الامر ، وكما يوصف كعود ثقاب ، أي لمرة واحد ؟، هل سيوافق الاسلاميون على اقامة حكومات مدنية بحيث تحافظ على حقوق الانسان ، وعلى راسها حقوق الاقليات ، حقوق المراة ؟،ـ ام سيسعون الى اقامة حكومات دينية "ثيوقراطية" ؟ .
ـ اسئلة كثيرة يتم طرحها الان ، وبقوة ، على الساحة السياسية ، من قبل كل المشارب السياسية ومن المراقبين على الحركة الاسلامية وعلى المشاركين في عملية التغيير ....
لاشك ان هذه التساؤلات تساؤلات مشروعة ، وتقديم اجابات عليها يجب ان يتعدى الاطار النظري الى التطبيق العملي ، فالحركة الاسلامية على المحك ، فالتحدي الحقيقي في التطبيق ، فالنجاح يتحقق عندما لايتم الفصل بين النظرية والتطبيق العملي ، فلا يوجد نظرية فعالة اذا لم تكن لها افاق عملية ولاتوجد ممارسة عملية جادة مالم تستند الى اساسي نظري ، لذلك من الصعب امتحان اداء الحركة الاسلامية الديمقراطية مالم يكن الاسلاميون جزء عمليا في العملية السياسية ، ان الداعين لاستئناف الحياة الاسلامية ، وعلى اختلاف اجتهاداتهم ، يسترشدون بالحديث الشريف الذي رواه حذيفة بن اليماني عن الرسول صلى الله عليه وسلم "تكون النبوة فيكم ماشاء الله ان تكون ثم يرفعها اذا شاء ان يرفعها ، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ، فتكون ماشاء الله ان تكون ثم يرفعها اذا شاء ان يرفعها ، ثم تكون ملكا عاضا، فتكون ماشاء الله ان تكون ، ثم يرفعها اذا شاء ان يرفعها ، ثم تكون ملكا جبرا ( أي دكتاتوريا ) ، فتكون ماشاء الله ان تكون ، ثم يرفعها اذا شاء ان يرفعها ، ثم تكون خدمة على منهاج النبوة ، ثم سكت" هنا يعني ب "ثم تكون خدمة على منهاج النبوة " أي خلافة راشدة ،فالحكم الراشد في الاسلام هو الذي يسعى لتحقيق العدالة ، ونشر الفضائل وتحقيق الرفاة ، وسيادة القانون ، والحكم الرئشيد في العلوم السياسية يعني : "ان الحياة الامنة لاتتوقف على المبادئ الاساسية التي تعتنقها الحكومة ، بل تعتبر كيفية ممارسة الحكم عاملا حاسما في تهيئة المناخ الاجتماعي في الدولة الى المستوى الذي تتوقعه هذه المبادئ ،لذلك فان المنظمات الدولية وخاصة للمنظمات العاملة في مجال التعددية السياسية و المالية ، تلعب دور الدفاع عن المصالح العامة ، فمنذ 1989 وضع البنك الدولي فقه الحكم الرشيد ( Good Governance) ووصفه بانه يشير الى سياسة متفتحة ومضمنة تتطلب مباشرة اجراءات تتصف بالشفافية والمحاسبة ( Acount ability) والحاجة الى مجتمع مدني قوي يشارك في الاعمال العامة وان يعمل المجتمع تحت حكم القانون .واكد اعلان الامم المتحدة بمناسبة الالفية الثالثة للحكم الرشيد الصادر سنة 2000 .
فهل يستطيع الاسلاميون المشاركة في حكم رشيد ضمن الرؤية الراشدة الاسلامية؟ ـ ان من بديهيات علم السياسة ، ان الديمقراطية باتت هي الاسلوب الامثل في الحكم ، ومايجب ان يتوافق عليه الجميع ان الديمقراطية هي اسلوب حياة ومنهج تفكير عند الافراد وعند الجماعات ، لتشمل اصغر خلية في المجتمع ، بدء من البيت الى المدرسة والمصنع والنادي الرياضي ... انتهاء باختيار الحكام وحتى تؤدي الديمقراطية الدور المنوط بها ، وجب ان يتوافق الطيف السياسي على مركباتها الخمسة مجتمعة ، وهي اجراء انتخابات وتداول السلطة والفصل بين السلطات والحفاظ على حقوق الانسان والثقافة "التربية" "الديمقراطية" فالحركة الاسلامية ان ارادت ان تكون شريكا عمليا في العملية السياسية فعليها ان تكون جزء من التوافق مع الاخرين وبحسن نية كاملة من قبل كل الاطراف .
هناك فوائد تتبعها الدولة التي تطبق اجراء الانتخابات في نظامها السياسي ، ومن اهم هذه الفوائد الانتخابات "صك الشرعية" التي تتمتع بها الحكومة المنتخبة ، شرعية الحكومة وتحريرها ممارستها وسياستها تستند كلها على قاعدتها الانتخابية ونؤكد هنا على اهمية اجراء الانتخابات العامة وايضا نؤكد على اهمية اجراء انتخابات تمهيدية "برايمرز" لكل الاحزاب الاحزاب المشاركة وذلك لتجنب ترهل او فساد او تسلط الجسم التنظيمي وهنا مطلوب من الحركة الاسلامية ، كما من كل الاحزاب السياسية الاخرى ، ان تمارس اجراء الانتخابات الداخلية ضمن لوائحها التنظيمية ، فهكذا يتم ضمان ضخ دماء جديدة وذلك عن طريق تحديد مرات الترشح ، ونؤكد هنا على اهمية المشاركة النسائية في العملية السياسية ، فالحديث ليس عن فئة صغيرة مهمشة ، قومية او وثنية ، انما الحديث عن نصف المجتمع ، والمشاركة النسائية ، عامليا مازالت ضعيفة ، رغم مايطرح من مساواة بين الرجل والمراة ، واليوم تمثل احداث الشرق الاوسط دليلا واضحا على اهمية مشاركة المراة ، فهي شاركت باحداث الثورة في تونس ومصر ، وعدد منهن سقطن من خلال قمع النظام للمتظاهرين .
وهنا نؤكد على اهمية "الكوتا النسائية " ، من باب التمييز الايجابي لصالح المراة ، لتشجيع دخول النساء الى الحلبة السياسية ـ كما حدث في انتخابات فلسطين عام 2006 ـ تقول الدكتورة معصومة المبارك ـ عضو البرلمان الكويتي ـ حالياـ " انه من المهم ان نؤكد انه بكل الدول التي بدا فيها تحسن بنسبة تمثيل النساء في السياسة ، مثلما حدث في الدول الاسكندنافية ولحقت بها كل من فرنسا وانجلترا ، انما حدث هذا بسبب الكوتا .
لذلك مطلوب من الاسلاميين ان يضمنوا لتشريعات التي تنص على "الكوتا" النسائية ، وليشكل ذلك اجابة على اهم التحديات ، يقول د. جابر طه علواني ـ رئيس معهد الفكر الاسلامي العالمي :" تمثل قضية المراة سؤالا كبيرا يطرحه النموذج المعرفي الغربي على امم الارض كافة وعلى الاسسات الثقافية الموجودة في العالم اليوم وفي مقدمتها النسق المعرفي الاسلامي في محاولة من النموذج الغربي لاحراج الانساق الثقافية الاخرى ودفعها للاحساس بالدوينة تجاهه ، والاستعداد للتنازل عن خصوصيتها لصالح خصوصيات وتعليمات النموذج الغربي ...
هنا يتحقق الشعار الخالد الذي رفعته رئيسة ليبيريا جونسون سيرليف Can) ان السلطة المطلقة هي مفسدة مطلقة ، لذلك يتم تقييد اجراءات السلطة عن طريق نشر الحريات العامة ، حرية التغيير ، حرية التنقل ، العمل ...الخ . الانتخابات هي ظاهرة دورية تقام كل عدة سنوات ويتم بموجبها اما تبديل الاشخاص الموجودين في السلطة ، او تجديد التفويض لهم لفترة جديدة ، بذلك يكتسب التمثيل في الدولة الديمقراطية صفتين متميزتين احداهما صفة رسمية تتعلق بالانتخابات ، والاخرى غير ربحية تتعلق بالتاثير على الرسميين المنتخبين في فترة مابين الانتخابات اثناء وجودهم في المنصب الرسمي .
ان تداول السلطة يلزمه تعددية سياسية ، ولوحظ كيف ان الانظمة العربية ـ ومن باب ذر الرماد في العيون ـ سعت الى ايجاد تعددية سياسية مقيدة او سطحية ، الى ذلك تشير ايمان محمد حسن: "قبول النظام السياسي مبدا التعددية السياسية في شكل احزاب سياسية او لكن في اطر قيود وضوابط معينة تجد من امكانية تداول السلطة وممارسة هذه الاحزاب لوظائفها المتعارف عليها في النظم الديمقراطية التعددية ".
ان اجراء الانتخابات وتداول السلطة مركبات يرتبطان ارتباطا عضويا بالتعددية السياسية فالتعددية السياسية تشكل قضية سياسية عالمية هامة ، فالناس يملكون الحق الكامل في اقامة احزاب للوصول الى السلطة عن طريق اقناع الناس بالبرامج المعروضة . ولعل من مبشرات الخير بان لجنة تعديل الدستور المصري قد حددت الانتخابات بفترة اربع سنوات ، ولفترتين ، فقط ، وتم تعديل شروط الترشيح للرئاسة ، وفتح المجال لاقامة احزاب سياسية .
ان نظرية الفصل بين السلطات ، تبلورت على يد المفكر الفرنسي مونتسكيو ، تهدف الى تحقيق مزايا التخصص ومنع اساءة استعمال السلطات اذا اجتمعت وظائفها الثلاث في هيئة واحدة : تقوم بوضع القوانين وتنفيذها ومعاقبة من يخالفها ، أي انه لما كانت السلطة مدعاة للفساد فان فصلها الى مؤسسات متميزة لممارسة اعمالها المختلفة يصبح امرا ضروريا لصيانتها من التسلط ، فلقد اثبتت التجارب التاريخية ، ان الذي يقف على راس السلطة التنفيذية سوف يتمادى في استخدامها ان لم يجد من يكبحه ويضع له حدودا توقفه ، فالسلطة التشريعية تستطيع اسقاط الحكومة ، والقضاء يستطيع محاسبة المنحرف ، حتى لو كان راس النظام .
واليوم ، مطلوب من الطيف السياسي كله بما فيه الحركة الاسلامية التاكيد على هذا المعنى ، اما الفصل بين السلطات احد مركبات العمل الثوري "الديمقراطي" الناجح والنظرية السياسية الاسلامية بحاجة الى تاكيد مفهوم " الزامية الثوري" والفصل بين السلطات لايجب ان يكون مطلقا كافي نظرية مونتسكيوا التقليدية ـ، انما يطبق مفهوم "التدقيق والموازنة " ، حيث يحدد الدستور مساحة التدقيق والموازنة ، لتعرف كل سلطة مساحة صلاحياتها ، ومساحة صلاحيات السلطتين الاخريتين ولعل ما تم الاعلان عنه في تعديل الدستور المصري ، من وجوب الاشراف القضائي على الانتخابات ، وبكامل من احلها لهو ضمن ماطرح اعلاه في "التدقيق والموازنة ".
ان مركب حقوق الانسان هو المركب الاساس او اهم مركبات الديمقراطية ، فيه المحافظة على حقوق الانسان تتم المحافظة على حرية الانتخابات او على الحريات الفردية والجماعية ، والحكم الاسلامي بمقدار حفاظه على هذه الحريات فهو يطبق روح وقيم الاسلام ، فالاسلام هو الذي يحافظ على المساواة بين المواطنين : متى استبعدتم الناي وقد ولدتهم امهاتهم احرارا ، مسلمين وغير مسلمين ، ضمن مبدا المواطنة ... فلم يعد هناك داع لاستخدام مصطلح "اهل الذمة" وكذلك ان الاسلام يرعى كافة الحقوق لكافة مواطني الدولة بغض النظر عن افكارهم ومعتقداتهم ، بل يعطي اهمية بالغة في اجواء مناسبة لممارسة طقوسهم والا افضلية للذكورة على الانوثة فهي ليست معيارا للفهم والقول القائل : ان المراة لاتخرج من بيتها الا مرتين : مرة الى بيت زوجها ومرة الى قبرها ، هو طرح متخلف ، لايمثل الاسلام ، والاسلام اذ يطرح نظاما للعقوبات انما يهدف الى خلق بيئة محترمة نظيفة متكاملة تحمل كل المفردات ذات العلاقة بحل اشكاليات الفقر وحفظ الانسان ومراعاة المشاعر والخصوصيات والحريات ضمن منظومة قيمية سامية تحافظ على المقاصد الخمسة العقل والمال والدين والعرض ، فالزنا جناية على العرض والخمر جناية على العقل والقتل جناية على النفس والسرقة جناية على المال .
لقد اصبح السائد ان هناك حركة لحماية حقوق الانسان ، تهدف الى تطويرها وحمايتها لذلك ظل الصراع قائما بين القوى الاستعمارية وبين الشعوب المقهورة على الالتزام التام بها وتخليص المظلومين من الافراد والامم من المجازر والابادة والتمييز العنصري والاضطهاد وكبت الحريات والقضاء على الحروب الى ان صدرت وثيقة حقوق الانسان من قبل بعثة حقوق الانسان عام 1998 ويعلق الشيخ محمد الغزالي على ذلك بقوله :" ولااجد أي حرج في اقتباس ماستحدثه البشر من انظمة ووسائل حماية الفرد من طغيان الاستبداد او راس المال ... والواقع ان العصور الحديثة لها اجتهاد مثمر ناجح في تنظيم الفرد الشورى وفي ادارة الاعمال وفي حماية الفقراء الكادحين وان نقل هذه الوسائل الى بلاد المسلمين .
ليس بدعة ضلالة كما يزعم المتدينون الجهال بل تكاد تكون واجبا حتما بعد عهود التخلف والضياع ... لقد اقر الاسلام ـبالاخوة الانسانية ، وبالتنوع الحضاري ، لذلك ركز الاسلام على المساحة المشتركة للانسانية جميعا ، ولذلك فان نظم الاسلام تمثل مصلحة انسانية مشتركة ولايقر الاسلام مكانا للعصبيات العنصرية او النظرة الاستعلائية لاي كان ، ان ومع تاكيد حقيقة اقرار الاسلام بحقوق الانسان ، فانه لن يعطي شرعية للشذوذ الجنسي او للحرية الجنسية المطلقة او للحرية الاقتصادية الراسمالية التي تتحول الى راسمالية متوحشة انانية .
لايمكن السير بنجاح على طريق التطور الديمقراطي بدون النجاح في تحقيق ثورة ثقافية ترسخ في المجتمع القيم التي تخدم التطور الديمقراطي ، وبصفة خاصة : قيم التسامح والحوار والتعاون ، واحترام الاخر والتنافس السلمي والصراع السلمي ، ان الفرد الذي يكسب الثقافة السياسية ويتعلم تجارب الشعوب ، وبالتالي قيم الديمقراطية هو فرد فعال ، محترم جداامام نفسه وامام الاخرين ، وعكس ذلك هو "البلطجي " الذي لايتفاهم مع الاخر ، فالثقافة السياسية النابعة من التربية الشاملة تهدف الى الاستعداد للمشاركة الاجتماعية والمساواة ضمن مبدا المواطنة ، وضمن الاقرار بالاختلاف والتنوع .
وهنا لابد من تدريب ابناء الحركة الاسلامية عمليا على الممارسة الديمقراطية ، والعمل على اكسابهم الخبرة وذلك من خلال النشاط اليومي الذي يقومون به في مختلف مجالات الحياة ، مؤسسات المجتمع المدني تعتبر الاطار الامثل للقيام بهذه المهام ، لانها تقوم ايضا على القيم الديمقراطي ، ولانها تجذب الى عضويتها دائمة واسعة من المواطنين الذين يسعون الى الاستفادة من خدماتها او ممارسة نشاط جماعي للدفاع عن مصالحهم بممارسة انشطة انسانية متنوعة ، ولذلك يجب الاهتمام بدمج ابناء الحركة الاسلامية بهذه المؤسسات ، خصوصا النساء .
ان ابناء الحركة الاسلامية ، ومن خلال مشاركتهم ضمن شباب الثورة ، والتزامهم بالهتافات العامة لا الحزبية ، ورفعهم لعلم البلاد وعدم رفع الراية الحزبية ، لهو خطوة مباركة نحو اكتساب التربية الديمقراطية ، انه وبعد تثبيت الاداء الديمقراطي في الدول التي شملها التغيير ، وجب اندماج ابناء الحركة الاسلامية بالحركات الشبابية التطوعية العالمية ولاشك ان الشابة الامريكية راشيل كوري التي استشهدت في فلسطين تحت جنازير الجرافة العسكرية لهو مثال حي للاخوة الانسانية ومثال للاندماج الحضاري .
وجدير الاشارة ، ونحن نتكلم عن الديمقراطية ، الى ان لكل عصر ادواته التي تتبع ومصطلحاته للتجدده كذلك قدمت كل ايدلوجيا منظومة مصطلحات تحاول " عولمتها " البرجوازية ، الكادحين البروليتاريا والرجعية ، والثورية ... او الشركات متعددة الجنسيات ، حرية السوق ، العولمة ، الخصخصة ،....الخ .
وقد انتشرت مصطلحات حضارية جديدة ، وبات استخدامها شائعا على السنة ، فتلك المشارب
الفكرية مثل الديمقراطية ، المجتمع المدني ، الدولة المدنية ، مبدا المواطنة ، سيادة القانون ، الشفافية ...الخ .
ومن الملاحظ ان المفكرين الاسلاميين قد تجاوزوا مرحلة التركيز على المصطلح ، وبدا التركيز على المضمون فقد تستخدم دول ما مصطلح الشورى وبفعل محتواه دكتاتوريا مستبدا وقد تستخدم دولة اخرى مصطلح الديمقراطية فتطبق روح الاسلام باقراره بالتعددية :" ولو شاء ربك لجعل الناس امة واحدة ولايزالون مختلفين " ، وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا " فمصطلح الديمقراطية والذي كان يلاحظ بعض الحرج في استخدامه في مراحل معينة :"نظام كفر " ، اصبح اليوم يلقى اجماعا " فكل رموز العمل السياسي الاسلامي يستخدمونه ، يقول الشيخ يوسف القرضاوي :" الواجب على الحركة الاسلامية في المرحلة القادمة ان تقف ابدا في وجه الحكم الفردي الدكتاتوري ، والاستعداد السياسي والطغيان على حقوق الشعوب ، وان تكون دائما في صف الحرية السياسية الممثلة في الديمقراطية غير الزائفة " ، ان "المرحلو القادمة " : جاءت الان حيث ان الشباب الاسلامي يشارك في الوقوف امام الاستبداد ، فهل يسعى الاسلاميون لاقامة دولة دينية ، ثيوقراطية؟ ـ الثيوقراطية ، كما ورد في القاموس السياسي ، هي عبارة عن كلمتين في اليونانية : ثيو : معناها ديني و" كرايتس" ومعناها "حكم" وهو الحكم القائم على التفويض الالهي ، أي الحاكم يختاره الله ، فيحكم باسمه ويستمد منه سلطته ، ويحيط به جمع من الكهنة يسيطرون على الناس ويستغلونهم ، فمنصب الرئيس في الدولة ذي الدستور الاسلامي ـ الذي اتخذ الاسلام احد مصادر التشريع ـ هو منصب مدني ، وهو ليس نائبا عن الله ، فلا يمتلك تفويضا الهيا ، فهو يخطئ ويصيب ، ويمكن ان ينحرف ، وبالتالي يجوز الاعتراض عليه ، وخلعه ان لزم الامر اذا انحرف عن اهداف الامة ، الان من يمتلك حق التولية يملك حق العزل والتشريع الاسلامي هو تشريع مدني ذو مرجعية اسلامية ، والتربية في الاسلام تربية مدنية تدمج بين البعد الروحي والبعد المادي وتقر بكافة حقوق الانسان قبل ان ترد في المواثيق الدولية لحقوق الانسان .
لقد كانت الدولة الاسلامية منذ نشاتها الاولى مؤلفة من شعوب واجناس ومعتقدات متباينة ولكن هذا الاختلاف لم يمنع على المسلمين من السريان والاقباط والفرس وغيرهم ، من الاندماج في المجتمع الاسلامي العديد والمشاركة النشيطة في العمل الفكري والثقافي بالترجمة والتاليف ومزاولة الطب والفلك والفلسفة والموسيقى ، وكذلك المشاركة في المناصب السياسية .
الاسلام شكل حضارة ، هذه الحضارة انتجت امبراطوريات على مدى (14) قرنا ولعل نجاح هذه الحضارة انها استطاعت ان تنتج قومية مفتوحة استوعبت بها كل الاعراف واستوعبت من اختلف معها في العقيدة فالحضارة الاسلامية تتلخص في صياغة الفرد صياغة حضارية واعداد شخصيته اعدادا شاملا ومتكاملا من حيث العقيده والذوق والفكر والمادة فيصبح المسلم صاحب رسالة حضارية ، يقول الدكتور محمد مورو "ولاشك ان حقوق الانسان غير عنصرية والتسامح وثقافة الاسلام حقيقي غير ظالم وانتصار للضعفاء والمظلومين سواء كان امراة او طفلا او اقلية لها اصلها النظري والتطبيقي في حضارات اخرى غير الحضارة الغربية ، و الحضارة الاسلامية على راسها بالطبع فهي التي قدمت تجربة التعايش والتسامح وظل بها اقليات دينية مسيحية ويهودية وغيرها دون ان تتعرض للابادة او الاكراه على الدخول في الاسلام وشارك في بناء الحضارة الاسلامية مختلف الالوان والجنسيات ،... "
ولاشك ان احداث القرن العشرين وعلى راسها استقرار الولايات المتحدة خلال العقد الاخير منه قد رسغت عند البعض نظرية "نهاية التاريخ" لفرانسيس فوكايانا " ونظرية "صراع الحضارات " لصموئيل هنتنغتون" وكذلك ادى الى ظهور "القاعدة" وخصوصا بعد احداث "11" سبتمبر الى اعطاء مصداقية مالهذا التوجه ولاتنسى خطاب اوباما في جامعة القاهرة عندما قرر بان سياسة سلفه هي التي سببت حالة العداء مع المسلمين ، ثم نتكلم وبشكل صريح ، عن خطا نظرية صراع الحضارات واليوم نرى ان هناك نوعا من التوازي الحضاري بدا يضفي نفسه على العالم على حساب الاحتكار الامريكي لدعواه الليبرالية ودعمه غير الشروط للانظمة الشمولية والمشروع الصهيوني ، فالصين وامريكا اللاتينية في الاتحاد الاوروبي ودول شرق اسيا ، وقريبا ستشهد الاتحاد الشرق اوسطي ، وهنا مطلوب من الحركة الاسلامية ان تقدم نموذج المفقود للحضارة الانسانية المتوازنة ، فليس بالضرورة ان تكون العلاقة مع الاخرين علاقة صراع ، بل يمكن ان تكون علاقة حوار :" لتعارفوا" ، ضمن اعتراف الحضارات بعضها ببعض ضمن التكامل والتتابع" ، ان الحضارة الشرق اوسطية لن يكون لها أي مشكلة مع الحضارة الغربية سوى "وجود اسرائيل" ، حيث ان وجودها اوجد ازمات ليس في فلسطين فحسب ولكن للدول العربية الاخرى باندلاع الحروب وايجاد ماساة اللاجئين ، لذا يجب رفع الصوت عاليا ، ان ثمن تكفير امريكا عن خطاياها هو اقرارها بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ولعلنا هنا نشير الى نقطة في غاية الاهمية ، وهو ان معظم الدول العربية والاسلامية تعلن في دساتيرها بان دين الدولة الاسلامية ، حيث ان الغالبية من السكان تدين بالاسلام ، فمثلا تقول المادة الثانية للدستور المصري ينص ان "الاسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية ومبادئ الشريعة الاسلامية المصدر الرئيسي للتشريع " ، ان هناك مطالبين بالغاء الماة الثانية ، حيث ان الدستور وجب ان يكون محايدا ، يقوم على مبدا المواطنة ويحقق الحرية والعدالة والمساواة لكل المصريين من مختلف الاديان والطوائف ، وهن يطرح السؤال : هل اعلان ان دين الدولة الاسلام في بلد مثل مصر حيث يشكل المسلمون فيه 85% من السكان بينما يشكل المواطنون الاقباط (10%) هل يشكل ذلك انتهاكا لحقوق الاقلية ؟ هل ستقوم هذه الدولة باكراه احد على اعتناق الدين الاسلامي ؟
هل ستعرض عليهم احكام الاسلام؟ هل سيمارسون حق المشاركة السياسية؟ واسئلة كثيره مشروعة " تطرح في هذا الميدان.
ان منطق الديمقراطية ان يتم تقديم حق الاكثرية على حق الاقلية مع اشتراط الحفاظ على حريات الاقلية فلا يمكن ان يرضى الناس بنسبة (100%) فالناس متفاوتون بطبعهم ولتستمع هنا الى ماقاله البابا شنوده بابا الاقباط في صحيفة الاهرام مارس سنة 1985 :"ان الاقباط في ظل حكم الشريعة يكونون اسعد حالا واكثر امنا ، ولقد كانوا كذلك في الماضي ، حينما كان حكم الشريعة هو السائد ، نحن نتوق الى ان نعيش في ظل " لهم مالنا وعليهم ماعلينا " ان مصرتحضر القوانين من الخارج حتى الان وتطبقها علينا ، ونحن ليس عندنا مافي الاسلام من قوانين مفصلة فكيف نرضى بالقوانين المجلوبة ولانرضى بقوانين الاسلام ".
وكان عضو مجلس الشعب المصري الراحل مكرم عبيد "قبطي" مما نقلته صحيفة الوفد الصادرة بتاريخ 21/1/1993 ـ وقد صرح " نحن مسلمون وطنا ونصارى دينا اللهم اجعلنا نحن المسلمين لك وللوطن انصارا اللهم اجعلنا نصارى لك وللوطن مسلمين ".
ان الديمقراطية ورغم بعض نواقصها ، وصعوبة تثبيت مركباتها مجتمعة تبقى الاسلوب الامثل ليس فقط في العمل السياسي بل تعداه الى العمل الاجتماعي والاقتصادي فان التقدم ومحاربة الفساد والمحافظة على حقوق الانسان لن تجد خافيا لها مثل الديمقراطية بمركباتها المختلفة ( حقوق الانسان ، الانتخابات ، تداول السلطة الفصل بين السلطات التربية الديمقراطية ) ـ والتي تم الاستفاضة بها خلال المقال ـ حينها نضمن الحكم الرشيد الذي يتسم بالشفافية في ادارة الحكم ، لذلك فان الديمقراطية تربط ارتباطا وثيقا بدولة القانون فالنظام الديمقراطي لايمكن ان يعمل الا في اطار دولة القانون التي تحافظ على السيادة ، وللاسف ان بعض المراقبين باتوا متشككين في قدرة العرب على انتاج ديمقراطية كاملة ومميزة بسبب فشل عدة تجارب في السابق ومن ذلك مايقوله السيد عصام الاطرش :" اعتقد ان للشعوب العربية خصوصية تميزها عن كافة المجتمعات البشرية العالمية وهي حب السلطة وعليه اعتقد ان الديمقراطية غير ملائمة للشعوب العربية ، فالديمقراطية بمفهومها الشمولي تشمل الحرية والمعارضة السلمية والتداول السلمي للسلطة ولكن هل الشعوب تستطيع ان تطبق مفهوم الديمقراطية بكافة مفاهيمها وبما تحتويه من مثل وقيم والامثلة العربية كثيره فماذا جلبت الديمقراطية للعراق ولبنان والسودان وفلسطين لقد جلبت الفرقة والانقسام والاختلافات مابين الشعب الواحد.
ان هذه الرؤية نابعة من قلة الثقة ومن عدم التعمق في التاريخ فحتى الديمقراطيات الكبرى في العالم عاشت مرحلة دمقرطة Democratization حيث تخللها اعمال عنف ، بل وحربه اهلية الى ان وصلت الى مرحلة الثبات .
والحركة الاسلامية اليوم تقدم نموذجا جديرا بالدراسة والبحث فان كانت العلمانية اصبحت مطلبا في الغرب فان العلمانية او بمعنى ادق ابعاد الدين الاسلامي عن شؤون السياسة قد ثبت فشلها في العالم الاسلامي فليس الانظمة الشمولية في عالمنا قد فشلت فالعلمانية كذلك فشلت ولا ادل على ذلك من النموذج التركي ، فتمت ظلال حكم العلمانية خنقت الحريات العامة وانتشر الفساد وتحولت تركيا من امبراطورية كبرى ـ الدولة العثمانية ـ حامية لمصالح الامة الى دولة تسير خلف الذيل الغربي بل وتحالفت مع اسرائيل التي احتلت بلاد الامة وطردت الشعب الفلسطيني من ارضه .
واذ صعد حزب العدالة والتنمية الى الحكم ديمقراطيا فاثبت نفسه في ادارة البلاد ورفع شانها في كل المجالات وخصوصا في رفع شان التعددية السياسية ومنح الحريات .
انه مطلوب من الحركة الاسلامية ان تزيل الشكوك بان العالم العربي غير مهيا للديمقراطية التداولية الكاملة لان العرب بطبعهم يحبون السلطة فما بالكم ان غلف الادعاء بظاهر النص.
ولعل الاب بيتر مدروس قد عبر عن هذا المعنى المطلوب بقوله " مازالت شعوب المنطقة تدفع ضريبة الحرية والكرامة الانسانية مطالبة بالدم والعرق والدمع ان تحترم هويتها وقيمتها وحقوقها امام الله الذي خلق الانسان ناطقا كريما بصورة العقل والضميروالمحبة ــ " "في احسن تقويم" .
ويؤكد هذ المعنى ايضا ، بقوله "ان ثورتين حولتا بالفعل وجه المنطقة العربية كانتا رسلا لما يسمى به الشرق الاوسط الجديد ولن يرغبون في انتاج نظام يكون مناسبا لمجتمعات الاعمال والسوق على حساب قيم المساواة وتقرير المصير خاصة للفلسطينيين الان نظام حديد بدا يتكشف فالثورات في مصر وتونس كانت لحظات من السيادة "ماغنا كارتا" مربية كتبها العرب بالدم والدموع والمقاومة الباسلة ضد الطغيان الان حان وقت المواطنة العربية لاطلاق طاقات جديدة للديمقراطية وتقرير المصير خلال ثورات قصيرة تنقل المعرفة الديمقراطية بنسختها المحلية بعيدا عن الوصاية الحارجية " .
ان المنظرين للفكر الاسلامي يرفعون شعارات مثل " الاسلام هو الحل" والاسلام صالح لكل زكان ومكان" وحتى تبدو هذه المقولات صحيحة لابد من تناول المعضلات الفكرية المختلفة خاصة تلك التي تسود في زمان ومكان معينين وتشكل بالنسبة للناس اهتماما اساسيا فلذلك كانت الحاجة الى "فقه الواقع" لا الى "فقه اوراق" يجب رفع الغطاء الشرعي عن اولئك الذين يعادون الديمقراطية بذريعة ظاهر النص فانتجوا للامة : تفجيرات المحيا وتفجيرات عمان والدار البيضاء واحداث فتح الاسلام في طرابلس واحداث عبد اللطيف موسى في رفح واحداث بالي في اندونيسيا واحداث العراق .... "الله يستر" من نقل المعركة ضد من يؤمنون بالديمقراطية بما فيهم الاسلاميون بحجة انهم مدلسون والمدلسون اشد خطرا ...!!! ؟
ان الحركة الاسلامية وهي تسعى لاعادة الحكم الراشد ـ على منهاج النبوة ـ للامة فهي الان تشارك فعليا في المساهمة لتاسيس اسس الحكم الرشيد مادامت مستبعدة للحفاظ على مايتفق عليه فهي لاتستاثر بالسلطة فان فازت وتتنازل عن الحكم ان ــــــــــ في المرة التالية تلجا للمحكمة الدستورية ان وجدت قانونا قد شرع تحالف الدستور مثلها مثل كل الاحزاب ثم ان الحركة الاسلامية وبمشاركة الاخرين تستجمع طاقات ابناء الامة لتقديم كل مافيه خير ليس فقط لابناء الامة بل لابناء البشرية جميعا فبمقدار نجاحها بمشاركة الاخرين بتحرير ثروات الامة من الاستغلال الاجنبي وتحقيق التكامل للاقتصاديات العربية والاسلامية المستقلة وباحداث تنمية اقتصادية اسلامية شاملة وتحاور كل الحضارات فتاخذ منها وتعطيها فانه بذلك فقط يمكن القول ان لدينا "ما غنا كارتا " خاصة بنا ونجحنا في ان نقيم حكما رشيدا وراشدا .