hmsain.ahlamontada.com

نشكرك على التسجيل فى هدا المنتدى زرنا باستمرار و شاركنا رايك فاليد الواحدة لا تصفق ورايك يهمنا كما ان حضورك الدائم يحفزنا

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

hmsain.ahlamontada.com

نشكرك على التسجيل فى هدا المنتدى زرنا باستمرار و شاركنا رايك فاليد الواحدة لا تصفق ورايك يهمنا كما ان حضورك الدائم يحفزنا

hmsain.ahlamontada.com

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
hmsain.ahlamontada.com

منتدى يهتم بنشاطات حركة مجتمع السلم بلدية عين بوزيان


    الثورات العربية المنجزة والقادمة

    alhdhd45
    alhdhd45


    عدد المساهمات : 1337
    تاريخ التسجيل : 03/03/2011
    الموقع : hmsain.ahlamontada.com

     الثورات العربية المنجزة والقادمة Empty الثورات العربية المنجزة والقادمة

    مُساهمة  alhdhd45 الجمعة 3 يونيو 2011 - 20:44

    يحمل الحديث عن ثورات عربية شرعية مفهومية وواقعية بيئية، ذلك أن الواقع العربي -على مختلف مستوياته- ينطوي على قدر كبير من التوافق، إن كان على مستوى النخب التي غرقت في الفساد المبتذل والمستفز، أو على مستوى المجتمعات التي وصلت شرائح كبيرة منها إلى أفق مسدود.

    وإذا كانت الثورة التونسية بدأت تقطف ثمار تضحيات أبنائها، فإن نظيرتها المصرية الواصلة لتوها إلى ميدان حريتها، بعد أن أصرت على بلوغ الخواتيم السعيدة، بدأت في تفكيك حزمة العقد التي وضعت في طريقها على جبهات متعددة، في حين راحت ثورات عربية أخرى تتحضر للظهور، وإن كانت حالة التحضير هذه تمتد من استطلاع طريق الثورة واستكشاف شكل ومدى ردة فعل الأنظمة إلى ثورات بدأت في تجهيز شعاراتها وملصقاتها.

    "
    الثورة التونسية ألهبت المشاعر وولدت مزاجاً عربياً متفائلاً، كما أنها طرحت تحديات خطيرة على المجتمعات العربية ستؤدي تفاعلاتها إلى خلق واقع عربي مختلف تماماً عما قبل حدوث الثورة التونسية
    "
    لقد كان للثورة التونسية تأثيرات مهمة في البيئة العربية، فهي وإن بدت في الشكل ثورة عفوية، فإنها ألهبت المشاعر وولدت مزاجاً عربياً متفائلاً، كما أنها في المقابل طرحت تحديات خطيرة على المجتمعات العربية ستؤدي تفاعلاتها إلى خلق واقع عربي أياً تكن توصيفاته فإنه مختلف تماماً عما قبل حدوث الثورة التونسية.

    - التحدي الأول: إدراك أن أوضاع المجتمعات العربية لم تكن سليمة، بل يجب أن تشكل المرحلة السابقة حالة استثنائية، لابد من أن تنتهي، لينتهي معها ذلك الإحساس بالخديعة الذي مارسته النخب الحاكمة تحت شعارات زائفة ومضللة.

    - التحدي الثاني: إدراك المجتمعات العربية لمستوى هشاشة الأنظمة التي حكمتهم على مدار عقود، فبالرغم من هول ماكينة القمع التي وظفتها السلطات العربية في مواجهة مواطنيها، فإن سر نجاح تلك الماكينة اعتمد بالدرجة الأولى على تقنية استغلال الخوف بدرجة كبيرة، لذا فإن الظاهرة "البوعزيزية" قد أسهمت في تعطيل تلك الماكينة وتفكيك لغزها.

    - التحدي الثالث: تأكد المواطن العربي من أن وسائل الأنظمة العربية في التعاطي مع التحديات الكبيرة التي يفرضها الواقع العولمي، ليست مجدية وفاعلة في إيجاد حلول للمشاكل الكبيرة التي بات يغرق بها العالم العربي، الأمر الذي تولد عنه الإحساس بأن العبور إلى المستقبل بات مستحيلاً في ظل وجود هذه الأنظمة.

    لم تكن ثورة الشباب المصري بعيدة عن منطق مواجهة هذه التحديات، بل بدت معنية بها أكثر من أي ساحة عربية أخرى، وذلك بحكم درجة التطور التي توفرت للمجتمع السياسي المصري، إما نتيجة للخبرة التاريخية المديدة في الشأن السياسي، أو بالنظر لديناميكية النخب في مصر وفاعليتها، وكل ذلك في موازاة نظام اجتماعي اقتصادي انطوى على خلل كبير في توزيع الثروة بين فئات المجتمع وطبقاته، أدت إليه اللوحة الاقتصادية/الاجتماعية الجديدة التي تشكلت في عهدي أنور السادات وحسني مبارك (مرحلة الانفتاح)، والتي كان من نتيجتها إفراز طبقات وفئات اجتماعية ثرية جديدة من البرجوازية الجديدة ومرتبطة بشكل وثيق مع السلطة.

    وقد ساهم خلل النمو وطبيعة البرجوازية الجديدة ذات الطابع الخدماتي والوسيط في عدم قدرتها على استيعاب القادمين الجدد إلى سوق العمالة، وهو ما استفحل منذ الأزمة المالية والاقتصادية العالمية التي ألقت بظلالها القوية على غير بلد عربي، هنا اجتمع الاحتجاج الاقتصادي والاجتماعي ليتوجه ضد سلطة سياسية شكلت الخيمة والإطار لولادة هذا النمط الاقتصادي والاجتماعي، والذي أتت من خلاله أو في ظله ثروات الأغنياء البرجوازيين الجدد، مما أدى إلى أن يكون الانطلاق من الاقتصاد ليس محصوراً أو محدداً بمطالب اقتصادية واجتماعية محضة، وإنما يصل إلى النظام السياسي الذي كان الخيمة والقوة الدافعة للخريطة الاقتصادية والاجتماعية خلال العقود الماضية.

    "
    بدأت ملامح المشهد المصري الرافض للواقع في التشكل في بواكير هذا القرن، وقد شكلت "حركة 20 مارس من أجل التغيير" في بداية عام 2003 أول نذر الصدام بين السلطة والمجتمع المدني
    "
    حركياً، بدأت ملامح المشهد المصري الرافض لهذا الواقع في التشكل في بواكير هذا القرن، وقد شكلت "حركة 20 مارس من أجل التغيير" في بداية عام 2003 أول نذر الصدام بين السلطة والمجتمع المدني، وكان بيان تأسيس هذه الحركة قد حمل خطاب التغيير الجذري، حيث أكد أنه "أصبح من الصعب أن يستمر الوضع على ما هو عليه"، ودعا إلى بناء "حركة مفتوحة أمام الجميع تعبر عن أوسع تحالف يقوم على مبدأ التغيير مع الناس ومن أجل الناس".


    وبموازاة الطابع الجذري الذي ميز خطاب هذه الحركة، فقد مثل ظهورها ولادة نمط جديد من العمل العام في مصر يختلف عن الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني في شكله وطابعه واتجاهاته، وهو نمط الاحتجاج المنظم على الأوضاع القائمة، والعمل من أجل التغيير الديمقراطي عبر البيانات والمؤتمرات، ثم المظاهرات والوقفات الاحتجاجية، وسيظهر هذا النمط بشكل أكثر تنظيماً مع ظهور حركة "كفاية" أواخر عام 2004، وكذلك حركة "الجمعية المصرية من أجل التغيير".


    غير أن الواقع الحركي المصري سيشهد قفزة نوعية مهمة مع ظهور حركة "6 أبريل" التي يعتبر الكثير من خبراء الشأن المصري أنها ساهمت في خلق الأجواء التي مهدت لحالة جديدة في مصر بعد أقل من خمسة أعوام، وظهر خلال هذه الفترة أيضاً العديد من الحركات ذات الطابع التغييري مثل "الحركة المصرية من أجل الديمقراطية– شركاء"، التي ركزت على التداعيات السلبية للتعديلات الدستورية عام 2007، وحركة "تضامن" التي اختارت طريق "التحرك الجماعي المنظم: ابدأ في شركتك، في مدرستك، في مصنعك... نظموا أنفسكم ووحدوا صفوفكم"، وقد اعتمدت هذه الحركات على شبكة الإنترنت وبراعة أعضائها في امتلاك تقنيات التواصل الإلكتروني.

    والواقع، أنه إذا كانت الثورة التونسية بحماسها وعفويتها قد ألهبت الوجدان العربي، فإنها تبدو من الناحية العملية صعبة التكرار، لأنها من نمط الثورات الخاصة جداً، في حين تبدو الثورة المصرية أكثر قابلية للاستنساخ في الواقع العربي، وذلك لمنهجيتها الحركية وتطبيقاتها العملية التي امتدت على مدار 18 يوماً، وفق برنامج ثوري ابتدأ من الاحتجاج إلى التظاهر، وصولاً إلى حالة العصيان المدني في يوميها الأخيرين.

    ولعل القاسم المشترك بين الحالة المصرية والعديد من البلدان العربية -التي أخذت تتهيأ للثورة- هو ظاهرة نهوض الطبقة الوسطى التي كانت قد انسحبت من التأثير السياسي على مدار عقود مضت، وإن كان نهوضها قد تمظهر بشكل عفوي عبر محاولتها تأهيل أبنائها بمتطلبات العصر تعليماً وتدريباً، وقد ساهم ذلك في رفع منسوب الوعي لدى هذه الطبقة التي غالباً ما تربط أوضاعها الاقتصادية بمتطلبات سياسية أكثر اتساعا وتأثيراً في الوقت نفسه، لارتباط متطلباتها بالمزاج المجتمعي العام.

    "
    أثبتت الثورتان التونسية والمصرية أن القدرة التي تمتعت بها الأجهزة الرسمية على امتداد العالم العربي بدأت في التداعي، ويشهد على ذلك خروج الآلاف من الشباب العربي مطالبين بالتغيير والحرية
    "
    إضافة لذلك، ثمة تشابه كبير قائم بين النظام المصري الراحل وبقية الأنظمة العربية، ويكاد هذا التشابه يصل إلى درجة التماثل والانطباق الذي يصل إلى حد تكرار النسخة بحد ذاتها، وهو ما يشجع على الاعتقاد بأن هذه الأنظمة مقبلة على مواجهة مصير واحد يبدو شبيهاً بمصير النظام المصري.

    لقد أثبتت الثورتان التونسية والمصرية، أن القدرة التي تمتعت بها الأجهزة الرسمية على امتداد العالم العربي بدأت في التداعي، ويشهد على ذلك خروج الآلاف من الشباب العربي مطالبين بالتغيير والحرية، كما أن الأنظمة ذاتها بدأت تشعر في قرارة نفسها بعدم قابليتها للاستدامة لقناعتها بأن مطالب الجماهير قد تجاوزتها، وكذلك لعدم قدرتها على القيام بالإصلاحات المطلوبة التي ستؤدي حتماً إلى تفكيك بنى الدولة السلطوية التي بنوا عليها أنظمة الخوف المديدة.

    لقد تجرأ الكثير من العرب على التفكير في ما لا يمكن تصوره وباتوا يشعرون بالقدرة، وقد تخلصوا من حالة اللامبالاة السياسية التي عاشوا في ظلها عقودا طويلة، وهاهم ينضمون إلى المجال السياسي بانتظار الفجر الديمقراطي




    الثورة إلى أين؟!
    أزمة الحداثة وأزمة الثورة

    نجحت ثورة يناير/فبراير 2011م في مصر وأطاحت بثلاثين عاماً من حكم حسني مبارك. وهذا حدث فريد في تاريخ البشريّة، ليس من حيث اجتراح الثّورة الشّعبيّة، فقد اجترحها الشعب التّونسي قبلهم بأسابيع، واجترحها الشّعب السّوداني قبلهما بعقود (ثلاث ثورات شعبيّة خلال مائة عام، 1885-1985، أسقطت أنظمة دكتاتورية).

    ولكن ما يميّز ثورة مصر هو كونها الأولى خلال آلاف السنين ظلّ فيها الشّعب المصري يعيش في استكانة تامّة لأنواع الحكم التي كانت جميعها قمعيّة وباطشة.

    فالشّعب المصري فريد في خصائصه وتجاربه، فأعظم ما قد يفتخر به "الأهرامات" التي تقف شاهداً على مؤسّسة السُّخرة التي لولاها لما تمكّن فراعنتُها من بنائها؛ كما تقف مصر حالة فريدة في كونها اشترت الرّقيق، فكان أن حكمها هؤلاء الرّقيق مئات السنين.

    كما حكمها محمّد علي باشا الألباني سلالته لما يربو على 100 عام، وتماهى في الثّقافة المصريّة لدرجة ألا يُنظر إليه بوصفه مستعمراً. فإذا قام هذا الشّعب أخيراً بإسقاط نظم الحكم غير العادلة عبر حركة الشّارع، فهذا يعني أنّنا بصدد مرحلة تاريخية جديدة تشهد غروب شمس أنظمة الحكم الشّموليّة بالمنطقة.

    الثورة إلى أين؟!
    "
    مجيء أي نظام ديمقراطي حر سوف يفتح الباب على مصراعيه لكوامن العنف والقهر المضاد في أن تعبّر عن نفسها. فالمرء لا يمكنه أن يرجّ زجاجة المشروب الغازي ثم يفتح العبوة دون أن يتوقع فورانها في وجهه وضياعها
    "
    ولكن، ماذا تحمل هذه الثورات في جعبتها لشعوب المنطقة؟ إن مجيء أي نظام ديمقراطي حرّ سوف يفتح الباب على مصراعيه لكوامن العنف والقهر المضاد في أن تعبّر عن نفسها. فالمرء لا يمكنه أن يرجّ زجاجة المشروب الغازي ثم يفتح العبوة دون أن يتوقع فورانها في وجهه وضياعها.

    وغالباً ما يتشكل هذا الفوران بثقافة البلد، وهي هنا إسلامية، سلفية. فما لا يمكن إنكاره هو دور الحركات السلفية في الانضمام سريعاً للمظاهرات بغية إسقاط النظام، الغريم التاريخي. وهكذا سوف يصعد نجم هذه الحركات -التي تنفعل بالدين انفعالاً رومانسيّاً وربّما غير واقعي، مثل الإخوان المسلمين بمختلف اتجاهاتهم وتنظيماتهم- عالياً في الشارع المصري، ثم لاحقاً في البرلمان بالضّرورة.

    والتناقض هنا هو أنّ صعود هؤلاء سوف يهدّد الديمقراطية من جهتين؛ الجهة الأولى هو عدم إيمانهم المبدئي بالديمقراطية من حيث إعطاء الآخرين حقّ أن يكونوا مختلفين عن غيرهم من النّاس، ثمّ من حيث طرائق الحكم التي تقوم على إعطاء الشّعب حقّ أن يفصل في شكل الحكم الذي يريده، فضلاً عن ترسانة من القوانين العقابيّة التي قد يختزلون جميع فكرهم في تطبيقها (انظر التّجربة السّودانيّة والطالبانية).

    فهم قد يسعون لتطبيق النّموذج الذي يؤمنون به في الحكم بزعم أنّ هذا هو خيار الشّعب الذي صوّت لهم. وهذا النّموذج غير متصالح مع ما يُعرف بمفهوم الدّولة المدنيّة تخفيفاً، والعلمانيّة بصريح العبارة.

    فهذه الحركات تصدر في فكرها من موقع الرّفض والعداء لما عليه حال المجتمع الرّاهن؛ فعندهم ينبغي إخراج نهر الثّقافة من مجراه الحالي وإعادة صبِّه في مجرى آخر لا يُعرف عنه شيء بخلاف خلوص النّيّة في أحسن الأحوال.

    أمّا الجانب الآخر، فهو تدخّل قوى أكثر حداثيّةً (مثل الجيش أو الثّورة المضادّة) لوقف هذه الرّدّة الديمقراطية والعودة إلى الوراء. ولكن مشكلة مثل هذا التّدخّل تكمن في أنّ الجيش لا يملك أكثر من الأوضاع التي كانت قائمة أصلاً، أي الحكم الشمولي.

    كما تكمن مشكلة أيّ ثورة مضادّة في قلّة حيلتها لمواجهة مكيافيليّة الإسلاميّين؛ فتغيير أوضاع المجتمع راديكالياً قد لا يستغرق أكثر من عام (انظر تجربة الإسلاميّين في السّودان وتسريح ما يربو على 300 ألف من الخدمة المدنيّة تحت زعم الصّالح العام في السّنة الأولى لحكمهم؛ ثم إعلان الجهاد في الجنوب مما حتم انفصاله لاحقاً).

    فإذا حدث أيّ إجراء أو تقنين راديكالي من شأنه منع مجيء معارضي الإسلاميين إلى الحكم، فلن يكون في مقدور هؤلاء أن يثوروا ضدّ الوضع بما قد يهدد الديمقراطية حرصاً عليها. فالإسلاميّون سوف يتّهمونهم بالكيل بمكيالين لعدم صبرهم لحين الانتخابات القادمة، بينما يعمل الإسلاميون على تكريس حكمهم وتقويض الديمقراطية.

    تنطوي هذه المسألة على الابتزاز ثم الفوضى، بما يجعل القطاعات الدّنيا تنفر من الديمقراطية للفوضى وانعدام هيبة الدّولة (العراق ولبنان الآن). قد يفضي هذا الاحتراب إلى حالة من الصّراع غير البنّاء من شأنه أن يضعف بنية الدّولة ويدفعها للسقوط (الحالة الصّومالية). هذا فضلاً عن عدم القدرة على الإيفاء بالالتزامات الدولية مثل معاهدة السلام، وبالتالي تحويل العالم الغربي إلى عدو بدلاً من صديق.


    أزمة الحداثة وأزمة الثورة
    كانت مصر رائدة مشروع الحداثة فيما يعرف بالعالم العربي الإسلامي لعقود خلت. ولهذا تمكن دراسة مؤشّرات الحداثة والتقليدية في هذا العالم من خلال حالة مصر.

    وقد انتكس هذا المشروع بدليل العجز عن تحقيق توافقيّة للحكم يتفيّأ الجميع ظلالها، حتّى كانت الثّورة الشعبية الممهورة بدماء الشّهداء. وفي رأينا أنّ انتكاسة مشروع النّهضة في مصر تعود إلى ثلاثة أسباب رئيسيّة، الأوّل منها هو تصدّي مصر لقيادة مشروع خاسر هو مشروع الوحدة العربيّة وفق مفهوم الدّولة الوطنيّة الواحدة.

    فما يُنظر إليهم على أنّهم عرب يجوز النظر إليهم على أنهم شعوب متباينة ثقافياً، لكنها تتكلم اللغة العربيّة الفصحى، أي أنهم عربفونيّون. هذا السّبب نجمت عنه هزيمة 1967م، فضلاً عن فشل حكومات الفكر القومي عن تلبية طموحات شعوبها لاحقاً. فالكلمة المفتاحية هنا هي "التكامل والتنسيق" لا "الوحدة السياسية".

    "
    انتكاسة مشروع النهضة في مصر تعود إلى ثلاثة أسباب رئيسيّة، الأوّل هو تصدّي مصر لقيادة مشروع الوحدة العربيّة الخاسر, والثّاني هو التعثر المنهجي والتطبيقي لمشروع الحداثة, والثالث هو العجز عن تحقيق أيّ قدر من الاستقلاليّة عن مؤسسات الحكم الدّكتاتوري
    "

    أمّا السبب الثّاني فيتعلّق بالتعثر المنهجي والتطبيقي لمشروع الحداثة من حيث هو تطوّر من التراث الإسلامي في مجتمع مسلم. فبالرّغم من انبعاث تيّارات الحداثة أوّل أمرها من داخل مؤسّسة الأزهر الدّينيّة التقليديّة (محمد عبده، علي عبد الرازق، طه حسين... إلخ)، فإنّ تيّار الحداثة انكفأ في مجمله على الدّحض النّظري للأسس الفقهيّة الدّينيّة التي تؤسّس لسيطرة الفهم التقليدي على مناحي الحياة بطريقة تجافي روح العصر.

    من ذلك مثلاً تفنيد علي عبد الرّازق لمفهوم الدّولة الدّينيّة استشرافاً لتوطين مفهوم الدّولة المدنيّة إسلاميّاً؛ وكذلك مفهوم طه حسين لمستقبل مصر من حيث هويّتها. إذ سرعان ما ضاعت هذه الدعوة في خضمّ التيار المحافظ أولاً ثم تيار القومية الناهض لاحقاً. أمّا في مجال السّلوك الفردي فلم يقدّم مشروع النهضة المصريّة أيّ فهم فقهي حداثي (مثلاً من قبيل مراجعة ترسانة المحرّمات الفقهيّة التي تشكّل سلوك الفرد داخل منظومة المجتمع).

    أي أنّ مشروع الحداثة قام على نفس الأسس الفقهيّة السّلوكيّة مع تمسّح علماني سعى لتحييد الدّين في مجال السّياسة بتجاهله. وبهذا أصبح في مقدور المؤسّسة الدّينيّة التّقليديّة، ممثّلةً في الأزهر من جانب، وفي الحركات الأصوليّة من جانب آخر، أن تواصل عملها، مستندةً على ذات البنية الفقهيّة التي قام عليها مشروع الحداثة، ولكن في سبيل بلوغ غايات مناقضة استناداً إلى قراءة نصّيّة أصولية متزمّتة.

    أمّا السّبب الثّالث فهو العجز عن تحقيق أيّ قدر من الاستقلاليّة عن مؤسسات الحكم الدّكتاتوريّة الموروثة. فقد قامت الحداثة السّياسيّة على تغليف أنظمتها الشمولية القائمة وفق قانون الغلبة، بأوراق الديمقراطية المهترئة.

    وقد بلغوا الغاية في حكمهم العضوض بأخرة عندما عمدوا إلى توريث الجمهوريّات للأبناء في ظلّ خضوع المجتمع. وساعد في هذا استمرار أنظمة الحكم الملكيّة حولهم، إذ قدمت النموذج لجدوى سياسة التوريث.

    كان قصارى ما بلغته هذه الدّول وشعوبها معايشة حالات من التناقض غير الجدليّ. فمع ما هي عليه من دكتاتوريّة وتسلّط غاشم، وقدرة على القمع لا تعرف حدوداً تقف عندها، شرعت في تجميل نفسها بمساحيق الديمقراطية على غرار ما رفدت به التجربة الغربيّة، مختزلةً ذلك كلّه في آليّات الترشّح والانتخاب، ثمّ المجالس التمثيليّة، ثم التنافس على رئاسة الجمهوريّة.

    ويكمن التناقض في أنّ هذا الانفتاح الديمقراطي ليس حقيقيّاً بل صوريّاً، وينبغي للاعبين في ميدانه أن يتصفوا بالذكاء اللازم ليدركوا هذا. فهو أشبه بتطويل حبل الحمار، ثمّ يبقى على الأخير أن يعرف حدود دائرة حرّيّته في التنقل.

    نجم عن هذه التناقضات وضع شاذ. فقد أصبحت الحداثة مظهراً خارجيّاً مرتبطاً بالملبس والمأكل والمسكن، ومباشرة منتجات تكنولوجيا الغرب مباشرة لا تعرف الحدود، بينما تقبع الذات في حالة من التقليديّة الرّاسخة، غير المتصالحة مع روح الحداثة، الأمر الذي جعل تهمة التخلّف موجهة لهم باستمرار. خذ في ذلك لبنان الذي يبدو شكلاً كدولة أوروبّيّة مزروعة في خاصرة المنطقة، بينما لا تزال جرائم الشّرف تحتلّ أعلى المعدّلات فيه.

    من جانب آخر، يدفع القمع المنظّم هذه الشّعوب إلى الانكفاء إلى الدين وفق خطابه التقليدي الأصولي الذي لا يعرف التصالح مع الحداثيّة الغربيّة التي تمّ تدشينها بالمنطقة، إثر مغادرة المستعمر لها، والتي أصبحت الأسر والطّبقات الحاكمة تتمثلها ظاهريّاً.

    برزت من أثر هذا ظاهرة التّديّن الرّومانسي الحالم الذي يسعى لاسترجاع عصور الإسلام الأولى. ولهذا ينتهي بهم الأمر إلى أن يصبحوا بدورهم صوريّين في فكرهم دون تعمّق، إذ يطالبون بتطبيق الشّريعة التي بها سيكون انصلاح المجتمع حسب اعتقادهم، بينما لا تعدو في فكرهم أكثر من معاقبة جرائم السّرقة اليدويّة وشرب الخمر والزّنا... إلخ، حسبما هو معروف في عقوبات الحدود تقليديّاً.

    وبهذا قد يصبح جلد شاربي الخمر أهمّ من إطعام القطاعات الفقيرة التي تصنع وتبيع هذه الخمور لتعتاش منها؛ ويصبح قطع يد السّارق أهمّ من محاربة نهب المال العام... إلخ (انظر تجربة الإسلاميّين في السّودان).

    "
    هل ستتمكن مصر من استعادة دورها الريادي في المنطقة، وذلك بأن تقدم لنا تجربة ديمقراطية معافاة وبناءة، تجمع ما بين الأصالة والمعاصرة، بما يمكن أن يصبح نموذجاً لمشروع الحداثة بالمنطقة؟
    "
    ما إن تشرع هذه الدّول في تطبيق الدّيمقراطيّة الصّوريّة حتى تجد هذه الحركات الأصوليّة المقموعة فرصتها للتعبير عن نفسها وعن أحلامها المكبوتة (انظر حالة الكويت)، ومن ثمّ الاستفادة المكيافيليّة من جوّ الحرّيّات لتكبير كتلتها الجماهيريّة التي عادةً ما تكون مستعدّة لمثل هذه الدّعوات، إذ هي نفسها القطاعات الاجتماعيّة العريضة التي تعيش تحت الحرمان والقمع.

    لهذا قد لا يعني التحوّل الدّيمقراطي الحقيقي -من حيث حرّيّة التعبير والترشّح والانتخاب والتصويت- أكثر من فرصة سانحة لقتل ذات الدّيمقراطيّة. عندها لا تجد القطاعات المتنفّذة في المجتمع (كالجيش في الجزائر مثلاً، ثم تركيا) غير أن تستولي على السّلطة.

    فإذا كان لا بدّ من الدّكتاتوريّة، فلتكن دكتاتوريّة غير دينيّة وغير رجعيّة، بدلاً عن تلك التي لا تعرف شيئاً عن شروط بناء الدّولة الحديثة (حسبما يرون). فإذا أضفنا عامل العولمة وتحوّل العالم إلى قرية صغيرة، أمكننا هذا من تصوّر الورطة التي تعيش فيها الشّعوب العربفونيّة (العربيّة)، جرّاء عجزها عن اجتراح حداثة نابعة من مخزونها القيمي دونما اتباع أعمى أو مرضي للتقاليد، ودونما انفعال رومانسي بالدّين الحنيف.

    السؤال المطروح هو: هل ستتمكن مصر من استعادة دورها الريادي في المنطقة، وذلك بأن تقدم لنا تجربة ديمقراطية معافاة وبناءة تجمع ما بين الأصالة والمعاصرة، بما يمكن أن يصبح نموذجاً لمشروع الحداثة في المنطقة؟، هذا ما ستكشف عنه الأيام القادمات.





    أيام الغضب التي تحولت إلى ثورة
    مقدمات وأسباب التهاوي
    مشاهد الثورة الرئيسية
    مكاسب الثورة والشعب المصري
    مخاوف المرحلة القادمة

    "عيش .. حرية .. عدالة اجتماعية"، شعار بليغ من أربع كلمات لا أكثر، لكنه يجمل كامل حقوق الفرد في أي منحى بالأرض، استطاع نظام مبارك السابق استنطاقه بكل اقتدار، وبفساده المستشري وأدائه السيئ عبر ثلاثة عقود كاملة، من أفواه ملايين المصريين من الشباب وفئات الشعب الأخرى، ممن خرجوا يوم 25 يناير2011 وأيام الغضب اللاحقة في ثورة بيضاء نقية مطالبين بإسقاط رموز الفساد القائم، وإسقاط كل معالم التدني الذي عاصروه خلال ثلاثين سنة من الحكم غير الرشيد.

    هكذا بدأ هتاف الثائرين، وهكذا بدا أن هذا هو المطلب الأساسي لمحركي الثورة، لكن القسوة المفرطة والإدارة الخاطئة للأزمة والغباء السياسي وصلف أركان النظام مع صمود جموع الشعب المحتشدة وتلاحم فئاته المختلفة، قد ساهم في إعطاء الثورة زخما إضافيا، وفي رفع سقف المطالب إلى حدود عليا، لم يكن يعتقد أن الشعب المصري قادرا على البوح والجهر بها، كما ساهم في سقوط النظام القائم وتهاويه في لحظة واحدة فارقة، سيظل يذكرها التاريخ للأبد، وستسطر قصتها بأحرف من نور في صفحات نضال الشعوب ضد الطغاة والحكام الاستبداديين.

    لكن ثورة 25 يناير لم تنبع من فراغ ولم تندلع فجأة، كما قد يبدو للكثيرين، بل سبقتها أيام غضب كثيرة ومقدمات طويلة وأسباب عديدة تراكمية، تعود إلى حوالي ثلاثين عاما خلت، هذا وإن بدا أن مطلق شرارتها الأولى هم شباب المصريين من مستخدمي فيسبوك ومجموعة "كلنا خالد سعيد" الإلكترونية وحركة 6 أبريل وبقية الجماعات الاحتجاجية المشابهة الأخرى.

    مقدمات وأسباب التهاوي
    من أهم هذه الأسباب، افتقاد مبارك القائد للكاريزما الشخصية والوعود المتتالية الكاذبة التي أطلقها مبارك نفسه ومعاونوه والقائمون على الحكم عبر السنين الماضية، ومن أبرز هذه الوعود تحقيق الرخاء وتحسين دخول المواطنين وإرساء نظام ديمقراطي سليم، وإجراء انتخابات نيابية ورئاسية نظيفة، وإنهاء العمل بقانون الطوارئ وغيرها من الوعود التي طالما طنطن بها النظام على أسماع المواطنين، دون أن يستطيع تحقيقها أو الإيفاء بها.

    من أسباب تهاوي نظام مبارك استشراء الفساد والرشوة والمحسوبية في كافة الأوصال والأعمال الحكومية وبين كبار العاملين بها، وتزاوج السلطة مع المال، وسيطرة حفنة من رجال الأعمال على الحياة في مصر
    "
    من أسباب تهاوي نظام مبارك أيضا، استشراء الفساد والرشوة والمحسوبية في كافة الأوصال والأعمال الحكومية وبين كبار العاملين بها، وتزاوج السلطة مع المال، وسيطرة حفنة من رجال الأعمال على الحياة السياسية والاقتصادية في مصر، واقتصار مسؤولية إدارة الدولة وكثير من الوزارات الحكومية على فئة محدودة من المنتفعين وبطانة النظام دون النخبة وشرفاء الوطن الحقيقيين.

    ومن الأسباب الفاعلة كذلك زيادة موجة الغلاء وارتفاع الأسعار باطراد وتزايد معدلات الفقر وسوء الخدمات الحكومية المقدمة وفشل الدولة في توفير حياة كريمة للمواطنين وفي الاضطلاع بمسؤولياتها الأساسية مع كثرة الأزمات وحوادث إهدار المال العام وإهدار آدمية المواطنين في طوابير الخبز اليومية وأنابيب الغاز وبقية المواد التموينية.

    لا يمكن أيضا إغفال الأثر النفسي التراكمي لحالات القمع المنهجي والتضييق الأمني وكبت الحريات وحوادث التعذيب المتتالية وإهانة المواطنين في أقسام الشرطة وبقية القطاعات الحكومية، مع امتهان أحكام القضاء، وغياب الأمن الجنائي والاجتماعي وانتشار الجريمة بشكل لافت خلال الفترة الأخيرة.

    يضاف إلى هذا تراجع دور مصر الدولي والإقليمي واتباع الدولة لسياسات اقتصادية فاشلة تعتمد على بيع القطاع العام وفرض ضرائب جديدة وغير عادلة على الدخول والممتلكات الشخصية، والتباهي بمعدلات نمو مرتفعة، من دون تحقيق تنمية حقيقية، ودون انعكاس هذا على المواطن البسيط وطبقات الشعب الكادحة.


    وقد شكلت هذه الأسباب مجتمعة مخزونا حقيقيا للغضب وحنقا متناميا بين عدد كبير ومتزايد من أفراد الشعب المصري، وبدرجة ساهمت كثيرا في تدني الأخلاقيات والمعاملات الاجتماعية، وسوء العلاقة بين الفرد والمجتمع وبين المجتمع والدولة، مع عدم شعور الفرد بذاته أو بمعنى الوطن، وبدرجة أصبح معها أيضا الشعب المصري مهيئا للثورة وقاب قوسين أو أدنى من الانفجار، وهو ما تحقق فعلا في 25 يناير الماضي بضغطة زر واحدة من الناشط الالكتروني وائل غنيم محرر مجموعة "كلنا خالد سعيد" على فيسبوك.

    لكن ثورة 25 يناير كان لها إرهاصات كثيرة وسبقها أكثر من بادرة تنم عن تطلع الشعب المصري للتغيير واستعداده للثورة. ومن هذه الإرهاصات، مظاهرات عمال المحلة في 6 أبريل 2008، والتى لم يقدر لها الانتشار والتوسع في باقي ربوع مصر، بسبب العنف المفرط ونجاح أجهزة الشرطة والنظام الحاكم حينها في تحجيم وقمع المتظاهرين.

    ومنها أيضا الوقفات الاحتجاجية التي جرى تنظيمها غير ذات مرة في الإسكندرية في عام 2010 أثناء محاكة المتهمين بقتل وتعذيب المواطن خالد سعيد، وهم من المخبرين السريين وجهاز الشرطة المصري، والتي قوبلت أيضا بعنف مفرط وسحق لجموع المحتجين. لا يجب أيضا أن ننسى دور حركة كفاية والجمعية الوطنية للتغيير وكتابات النشطاء والصحفيين المعارضين والمستقلين في تهيئة المجتمع المصري للتغيير وفي كشف أخطاء وخطايا النظام الحاكم للقراء والمتابعين.

    لم يكن إذن على وائل غنيم أو غيره من الناشطين، إلا مجرد إطلاق الشرارة الأولى وإشعال فتيل الثورة، ولم يكن بوسع الشباب المصري الحالم بمستقبل أفضل وفئات الشعب الأخرى المهيئة أساسا للانفجار والمتطلعة لتكرار تجربة دولة تونس الشقيقة، سوى التفاعل مع هذا والانطلاق في مسيرات سلمية مطالبة بتحقيق أسس العيشة الكريمة والعدالة وبتغيير النظام بأكمله.

    مشاهد الثورة الرئيسية
    "
    كان من سوء حظ أركان حكم مبارك، أن تضافر أكثر من مشهد مؤثر وعامل فاعل في تأجيج مشاعر الثائرين وحشد مزيد من المتظاهرين وحصول الثورة على زخم هائل ومتنام، لم يكن ممكنا اكتسابه في الظروف العادية
    "
    ولقد كان من سوء حظ أركان حكم هذا النظام، أن تضافر أكثر من مشهد مؤثر وعامل فاعل في تأجيج مشاعر الثائرين وحشد مزيد من المتظاهرين وحصول الثورة ذاتها على زخم هائل ومتنام، لم يكن ممكنا اكتسابه في الظروف العادية، مما ساهم حقيقة في توجيه هذه الثورة لمساراتها الصحيحة، وفي إيصال المتظاهرين إلى نقطة اللاعودة.

    المشهد الأول تمثل في استخدام العنف المفرط مع المتظاهرين وسقوط عدد من القتلى والجرحي منذ اليوم الأول للمظاهرات في كل من القاهرة والسويس، تلي هذا استفزاز واستنفار جميع الأجهزة الأمنية لقمع مزيد من المتظاهرين عن طريق تعطيل الإنترنت وقطع وسائل الاتصال وشبكات الموبايل، في إجراء استفزازي ورجعي مشين، لم يسبق لأي دولة مدنية وذات سيادة وتدعي الديمقراطية وحرية الرأي تطبيقه أو الإقدام عليه.

    وقد كان هذا بمثابة غباء سياسي وأمني منقطع النظير، لأنه ساهم ببساطة في لفت أنظار بقية فئات المجتمع المصري غير العابئة بالمظاهرات، إلى حجم وثقل الحشود الشعبية المتظاهرة، وإلى تخوف أجهزة النظام الحاكم منها ومن الشعارات المنادية بها.

    المشهد الثاني تراءى يوم جمعة الغضب 28 يناير/كانون الثاني بشكل صاخب، حينما اجتمعت كل وسائل العنف الشرطي والقمع الأمني في مصر المحروسة على إجهاض محاولات التظاهر وتفريق الجموع المحتشدة بكثافة، حتى لو كان هذا عن طريق دعس هذه الجموع بسيارات الشرطة، وإطلاق الرصاص الحي، وإغراق المتظاهرين بالقنابل المسيلة الدموع والمدافع المائية، وقنص العشرات منهم وقتلهم بدم بارد وبغير رحمة.

    غير أن أسوأ ما في هذا المشهد هو انسحاب قوات الشرطة بشكل مفاجئ وغير مبرر، وهذا بالتزامن مع حرق عدد كبير من أقسام الشرطة وإطلاق البلطجية والمساجين من محابسهم وإشاعة الفوضى وحالات السلب والنهب في بر مصر بشكل غير مسبوق، وبدرجة أستدعي معها نزول الجيش للشوارع المدنية لأول مرة منذ انتفاضة يناير1977.

    ولقد كان من نتائج تداعي صور الانسحاب الجماعي للشرطة وحوادث القتل العمد والسلب والنهب المتكاثرة على شاشة الفضائيات في ذلك اليوم وما تلاه، أن تزايد السخط العام داخليا وخارجيا على النظام الحاكم، وبقدر انعكس إيجابيا على أعداد المتظاهرين وعلى مقدار الغضب الكامن في صدور الثائرين وفئات الشعب المصري الأخرى المتابعة للموقف.

    المشهد الثالث: تلى أول تظاهرة مليونية بميدان التحرير يوم الثلاثاء 1 فبراير/شباط، وفيه تواصل الغباء السياسي والأمني من قبل مؤيدي مبارك ورجالات الحزب الوطني الحاكم، بإطلاق هؤلاء لفئة مأجورة من البلطجية والخارجين عن القانون على الجموع المحتشدة بالميدان في محاولة خائبة وبائسة لتفريقهم وتشريدهم، مستخدمين في هذا وسائل همجية وهجمات بربرية مشينة، وهذا فيما عرف دارجا بموقعة الجمل، وهو ما تسبب في خسارة مبارك لبعض التعاطف الشعبي الحادث بعد خطابه الثاني، وإحياء بواعث الثورة من جديد.

    المشهد الرابع: كان -على بساطته وعفويته- بالغ التأثير والفاعلية، وتمثل في بكاء الناشط وائل غنيم تأثرا بصور شهداء الثورة، وذلك أثناء لقاء تلفزيوني مباشر، تابعه ملايين المصريين يوم 7 فبراير/شباط بعد إطلاق سراحه مباشرة من المعتقل، واستطاع وائل من خلال حديثه الطاغي والمفعم بكم هائل من الصدق والمباشرة والإحساس بالوطنية، كسب تعاطف غالبية الملتفين حول الشاشة وغيرهم من جموع الشعب غير العابئ بما يحدث حوله.

    في نفس إطار هذا المشهد، ساهمت النماذج الإيجابية الكثيرة والجيدة التي عرضتها الفضائيات العربية والقنوات التلفزيونية غير الحكومية في مصر لنماذج المعتصمين في ميدان التحرير، ومنهم نخبة كبيرة من الكتاب والممثلين والشخصيات المصرية العامة من المعروف عنهم انتماءهم الوطني وإخلاصهم ومصداقيتهم الشديدة، في كسب مزيد من المؤيدين للثورة، وفي إجلاء الصورة القبيحة التي كان الإعلام المصري الحكومي يحاول بكل الطرق والوسائل إلصاقها بكل من في الميدان.

    تتابع المشاهد السابقة مع وجود خلفية كبيرة لمشاكل كثيرة سبق الإشارة إليها آنفا، فضلا عن تباطؤ النظام الحاكم في اتخاذ القرارات الصحيحة وسرعته الشديدة في اتخاذ القرارات الخاطئة، ومحاولاته المستمرة في الالتفاف حول مطالب الشباب الثائر، قد أفضى إلى تنامي زخم الثورة وتزايد المؤيدين لها وللمعتصمين بميدان التحرير باطراد، وبدرجة أصبح معها الميدان قبلة لكل الثائرين ورمزا للثورة الجديدة.

    ساهم الأسلوب الخطابي الخاطئ والاستفزازي لمعظم أحاديث الرئيس مبارك ومعاونيه في تزايد سخط الجماهير وتزايد عنادها وإصرارها على البقاء بالميدان حتى يتحقق مطلب الرحيل ويتم إسقاط النظام
    "
    كذلك ساهم الأسلوب الخطابي الخاطئ والاستفزازي لمعظم أحاديث الرئيس مبارك ومعاونيه على ما اعترى هذا الأسلوب من صلف وعناد متتال وتعال وحديث متعاظم للأنا، دون إقرار بالخطأ أو اعتراف بمشروعية طلبات الجماهير الثائرة، في تزايد سخط هذه الجماهير وتزايد عنادها وإصرارها على البقاء بالميدان حتى يتحقق مطلب الرحيل ويتم إسقاط النظام.

    لا يمكن كذلك إغفال الدور الملهم والفاعل الذي لعبته الفضائيات والقنوات التلفزيونية الموجهة للمنطقة العربية بخاصة الجزيرة والعربية والبي بي سي والحرة ودريم وغيرها، في إضافة حراك إضافي وزخم متصاعد للثورة والثائرين في ميدان التحرير وخارجه، وذلك ببثها المباشر والمتوالي للأحداث وتسجيلات حوادث القتل والانتهاكات المنهجية المتكررة، ولقاءاتها المباشرة مع شباب الثورة وداعميها، ولقاءاتها كذلك بالضحايا والأمهات الثكلى.

    مكاسب الثورة والشعب المصري
    ولقد كان من الطبيعي أن تتجمع كل المشاهد السابقة في النهاية في كادر واحد بالغ الإضاءة وتاريخي بكل المقاييس، تمثل في تهاوي أركان النظام القائم وقبول مبارك التنحي، عبر كلمة مقتضبة وواجمة بلسان نائبه المعين، مساء يوم مشهود ولن ينساه المصريون عبر التاريخ (11 فبراير/شباط 2011). غير أن نجاحات الثورة لم تقتصر على تحقيق هذا المطلب فقط، بل كان لها جملة أخرى من الإيجابيات والنجاحات الأزلية، التي لا ينبغي التقليل من شأنها، لما في ذلك من آثار ونتائج ممتدة وبعيدة المدى على شؤون الحياة والاقتصاد ومستقبل الديمقراطية والحكم في بر مصر.

    وبعيدا عن مستقبل الحكم والديمقراطية في مصر الذي لا شك أنهما سيكونان أفضل خلال الفترة القادمة، فإن من أبرز هذه الإيجابيات، اكتشاف العالم والمصريين أنفسهم لدرر مكنونة وطاقات بشرية هائلة وبالغة الحيوية ضمن فئات الشعب المصري، لطالما تم تهميشها واتهامها بضحالة الفكر وغياب الرؤية، ونقصد بهذه الفئات العمرية الصغيرة وشباب فيسبوك ومستخدمي الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي.

    لقد ذهل العالم والنظام القائم من حسن تنظيم الشباب الثائر، ومن ارتفاع مستوى ثقافتهم ووعيهم بما يدور حولهم، كما ذهل من سيولة تحركات هذه الفئة في ظل عدم وجود قيادة موحدة أو محددة لهم، وفي ظل عدم تبنيهم لأي أجندات سياسية مسبقة.

    من أبرز الإيجابيات أيضا كسر حاجز الخوف بلا رجعة، وتأصل فكرة حرية التعبير بين المصريين، من خلال قدرة المواطنين وفئات الشعب المختلفة -من دون النخبة والكتاب المعارضين- على التعبير عن رأيهم بحرية، بمنتهى الجرأة ودون وجود سقف أعلى للنقد أو الخوف من عصى رجال الأمن.

    وهذا مما ينبغي اعتباره واعتبار نتائجه جيدا في المستقبل، لأن ممارسة حرية التعبير بشفافية والتوسع في ممارستها على مستوى القاعدة الجماهيرية، ستساعد من دون شك في ترسيخ حقوق المواطن وتشكيل وعي الجماهير بحقيقة الأمور الجارية، وقدرة الهيئات والمنظمات المجتمعية على محاسبة الوزراء والمسؤولين المحليين، وهو لم يكن متاحا أو ممكنا بشكل حقيقي خلال فترة حكم مبارك.

    من إيجابيات الثورة أيضا تلاحم قوى وفئات الشعب المختلفة وعودة القيم المجتمعية بين المواطنين بعد أن قضى عليها نظام مبارك من خلال انتشار المحسوبية والاكتواء بنار الغلاء والانشغال بمحاولة الحصول على مداخيل إضافية
    "
    ومن إيجابيات الثورة أيضا تلاحم قوى وفئات الشعب المختلفة وعودة القيم المجتمعية بين المواطنين بعد أن قضى عليها نظام مبارك من خلال انتشار المحسوبية والاكتواء بنار الغلاء والانشغال بمحاولة الحصول على مداخيل إضافية، وغير ذلك مما ساهم في انفصال المواطن المصري عن محيطه الإنساني وعن بيئته الاجتماعية.

    وقد ظهرت هذه الإيجابيات بشكل جلي في ميدان التحرير بين جموع المتظاهرين، وظهرت كذلك خارجه في أزقة المدن وشوارعها الممتدة، من خلال تفعيل المواطنين لفكرة اللجان الشعبية وتعاونهم في تنظيم وأداء الخدمات الحكومية المتوقفة من حفاظ على الأمن وتسيير المرور وتنظيف الشوارع، وغير ذلك.

    يدخل في نفس الإطار أيضا مشهد ذوبان الفوارق الطائفية ما بين المسلمين والمسيحيين، وابتعاد مظاهر الشحن الطائفي عن واقع الحياة المصرية لأول مرة منذ فترة طويلة، وهو ما قد يسهم في التخفيف من حدة النعرات الطائفية ومن المشاكل المنبنية على هذه النعرات مستقبلا.

    كما يدخل فيه مشهد احتواء الجيش لمطالب الشعب في النهاية وبعد فترة طويلة من الحياد، ثم تعاظم مشاعر الاعتزاز بدور الجيش الوطني بعد أن كان غائبا عن الصورة الذهنية للمواطن العادي وعن المشهد المدني طوال العقود السابقة، حيث لم تدخل مصر أي حروب خلال عهد مبارك، وهو ما يحسب له.

    من الإيجابيات المشهودة أيضا تعميق الشعور بالانتماء والروح الوطنية والكشف عن رموز الفساد وقوائم الأموال المنهوبة وإقصاء عدد من الوجوه الممقوتة وقيادات الحزب الوطني من الحياة السياسية والاقتصادية الحاكمة، بعد أن فقد الجميع الأمل في إمكانية إزاحتها أو تغييرها إلا عن طريق الوفاة أو الرحمة الإلهية.

    مخاوف المرحلة القادمة
    إيجابيات ثورة 25 يناير ومكتسبات الشعب المصري منها كثيرة جدا في الواقع ويصعب حقيقة حصرها بشمولية أو بدقة حاليا، لكن هذا على أي حال لا يعني أنها بدون مخاوف ودون سلبيات، ومن أبرز هذه المخاوف بالطبع احتمال تحول حلم الديمقراطية إلى فوضى منهجية، ومحاولة البعض السطو على نجاحات الثورة أو اقتناص ثمارها، وعدم شفاء جسد مصر السقيم من علات المرض، بسبب استمرارية وجود ذيول النظام السابق في الحكم حتى اللحظة.

    وهذا لا يعني أيضا خلو مشاهد الثورة من بعض الظلال القاتمة والسلبيات ومنها تحول فكرة الحساب عند البعض إلى رغبة جامحة في الانتقام، وإصدار قوائم للعار تصنف النخبة والمشاهير في بر مصر إلى قسمين مع أو ضد الثورة، وتزايد وتيرة الحركات الاحتجاجية والمطالب الفئوية بطريقة تعيق الإنتاج ونهضة اقتصاد الدولة، وتخوف البعض من تحول مصر إلى إيران ثانية، وغير ذلك مما يستحق الانتباه إليه وإعطاءه أهمية.

    غير أن أكثر ما يقلقني إضافة إلى ما سبق ذكره آنفا، هو إقصاء شباب مصر -مفجر الثورة الحقيقي- ثانية من المشهد بعد فترة، واحتمال إهمال الطاقات والكفاءات الشبابية البازغة من آليات الحكم الإداري في البلاد، واقتصارها ثانية على الفئات العمرية الكبيرة ممن هم في العقد السادس أو السابع.
    "
    لا تخلو مشاهد الثورة من بعض الظلال القاتمة والسلبيات ومنها تحول فكرة الحساب عند البعض إلى رغبة جامحة في الانتقام، وإصدار قوائم للعار، وتزايد وتيرة الحركات الاحتجاجية والمطالب الفئوية بطريقة تعيق الإنتاج
    كما يقلقني أن يتحول ائتلاف شباب 25 يناير إلى حزب سياسي، فالعفوية وعدم وجود أجندات أو توجهات سياسية للغالبية الساحقة منهم كانت هي سر نجاحهم المذهل، كما كان فكرهم الثوري -لا الحزبي- هو الداعي لتفجير هذه الثورة وانطلاقها من مخزون الغضب الشعبي الكامن بالشارع المصري، وهذا في نفس الوقت الذي لم يتمكن فيه أي حزب سياسي في تحقيق قاعدة شعبية حقيقية أو ينجح في إحداث أي حراك بين أوساط جماهير الشعب المتحفزة للغضب والثورة.
    على أي حال فإن الثورة قد أنجزت جل مهامها، ولا يتبقى بعد ذلك إلا استمرار العمل لإنجاز استحقاقات المرحلة الصعبة القادمة، وترقب الأحداث لرؤية ما ستسفر عنه الأيام والشهور القادمة، وحينها سيمكن للمؤرخين وجميع المتابعين تقييم منجزات الثورة بالكامل ورصد جميع نتائجها وآثارها برؤية أوسع وقدر أكبر من الموضوعية والشمولية.

    لكن الثابت الآن -ومهما كانت هذه النتائج- أن الشعب المصري قد استطاع بثورته الشريفة والنقية تلك كسب احترام وتقدير العالم أجمع، كما استطاع أن يحجز لنضاله صفحة مشرفة للغاية وباهرة الإضاءة في تاريخ الثورات الشعبية المجيدة

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة 15 نوفمبر 2024 - 9:50