المقدمة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، وسبحان القائل في كتابه الحكيم : " يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر " .
لقد قررت الشريعة الإسلامية المحافظة على الضروريات الخمس ( الدين ، النفس ، العقل ، العرض ، المال ) ، وشرعت عقوبات خاصة رادعة للمحافظة عليها ، ومن هذه العقوبات " الحدود" ، وهي عقوبات مقدرة أو التي يكون حق الله فيها غالب ولا تسقط بالعفو . والغاية من العقوبة ليس مجرد إيقاعها بقدر ما يراد منها منع الجريمة والحد من وقوعها أو العودة إليها ، فهي زواجر وموانع قبل أن تكون عقوبات .
وتتسم عقوبات الحدود بأنها من أقسى وأغلظ العقوبات ، وهي تناسب جرائمها ، لذا كان لابد من التثبت والإثبات للجريمة حتى تقع العقوبة . وفي حالة عدم التثبت من وقوع الجريمة ، تأتي القاعدة العظيمة " درء الحدود بالشبهات " ، فكلما كانت هناك شبهة في ثبوت إحدى الجرائم كان العمل بهذه القاعدة . فقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ادرؤا الحدود ما استطعتم " . والتضييق في أمر الحدود أمر محبب في الإسلام ، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم للذي حرض ماعزاً على الإقرار بزناه ، قال له : " لو سترته بثيابك لكان خيراً لك " .
وبناءً على ما سبق ، فقد اخترت البحث في قاعدة " درء الحدود بالشبهات" ، لأهميتها في تطبيق الحدود ، ولكون العمل بها في الشريعة الإسلامية رداً على من يثير الشبهات على الإسلام بقوله : إن الشريعة الإسلامية في تطبيقها للحدود قاسية وتتنافى مع الإنسانية في زهقها للأرواح وإهانتها لكرامة الإنسان ، فيكون العمل بهذه القاعدة تأصيلاً للقواعد الأخرى العظيمة ، مثل: الأصل براءة الذمة ، الشك يفسر لصالح المتهم ، واليقين لا يزول بالشك.
وقد قسمت البحث إلى مقدمة وثلاثة فصول كالتالي:
الفصل الأول : المبحث الأول : تعريف الحد
المبحث الثاني: أنواع الحدود
الفصل الثاني : المبحث الأول : المطلب الأول : تعريف الشبهة
المطلب الثاني : الأصل في اعتبار الشبهة
المبحث الثاني : أقسام الشبهة
الفصل الثالث : المبحث الأول : قاعدة نصية أم فقهية؟
المبحث الثاني : متى تدرأ الحدود ؟
المبحث الثالث : أثر درء الحدود بالشبهات
الخاتمة : وتحتوي على خلاصة البحث
آمل أن أكون قد وفقت في إعداد البحث ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .
- نقص الشهود عن النصاب الموجب للحد .
- إذا كان في الشهود من لا تصح شهادته ، بأن كان فيهم عبد أو كافر أو غير مكلف ونحوه .
- ظهور ما يعارض الشهادة ، كأن وجد المشهود عليه مجبوباً ، أو رتقاء ، أو بكراً على خلاف في هذا .
- إن الحد يسقط بتقادم الشهادة عند الحنفية خلافاً للجمهور .
- إن الحد يسقط عند الحنفية إذا أبى الشهود البدء بالرجم , وهذا خلاف للجمهور .
- إن الحد لا يثبت بالشهادة على الشهادة عند فقهاء الحنفية ، وفقهاء الحنابلة ، وهو أحد القولين في المذهب الشافعي إذا كان الحد لله خلافاً لفقهاء المالكية ، وفقهاء الشافعية ، فيما إذا كان الحد للآدمي ، وهو القول الآخر في مذهبهم إذا كان الحد لله .
- إذا اختلف الشهود في المزني بها هل كانت راضية ، أم مكرهة ، فلا حد عليها بالاتفاق ، أما الرجل ففي درء الحد عنه خلاف بين الفقهاء .
ومن أمثلة الشبهات في الإقرار ما يلي :
- رجوع المقر عن إقراره .
- ظهور ما يعارض إقرار المقر ، كأن أقر بالزنا ، فوجد مجبوباً .
- عدم تفصيله للإقرار تفصيلاً يوجب الحد ، وتزال معه الشبهة .
- إن الحد يدرأ عنه إذا لم يتعدد إقراره بعدد الشهود لكل حد على خلاف في هذا ، فالمالكية ، والشافعية لا يشترطون تعدد القرار ، والحنابلة يشترطونه في الزنا ، وفي السرقة فقط ، والحنفية يشترطونه ي الزنا ، وعند أبي يوسف في سائر الحدود ، عدا حد القذف.
إن الحد لا يثبت بالقرائن عند الجمهور ، فقهاء الحنفية ، والشافعية ، والحنابلة في المذهب عندهم . ويثبت بها عند المالكية وقول في مذهب الإمام أحمد.
من الشبهات في جريمة الزنا ما يلي :
1- شبهات في النكاح فإذا وطىء الشخص في نكاح مجمع على بطلانه وكانت الموطوءة من ذوات المحارم فلا حد عليه عند أبي حنيفة ، وزفر وعليه الحد عند الجمهور فقهاء المالكية ، والشافعية ، والحنابلة ، وأبو يوسف ، ومحمد من فقهاء الحنفية .
أما إذا كان النكاح مجمع على بطلانه ولم تكن الموطوءة من ذوات المحارم فلا حد عليه عند أبي حنيفة وزفر أما الصاحبان ففي معرفة مذهبهما خلاف حول هذا الموضوع فبعض كتبهم ذكرت أن مذهبهم في هذا لا يختلف عن مذهبهم في النكاح من ذوات المحارم أما البعض منها فذكرت أنهم يدرءون الحد إذا كانت الحرمة غير أبدية أما الجمهور فيوجبون الحد في النكاح المجمع على بطلانه سواء كانت الحرمة أبدية أم مؤقتة أما إذا كان النكاح مختلفاً في صحته كالنكاح بلا ولي ، أو بلا شهود ، فلا حد باتفاق فقهاء المذاهب الأربعة .
2- إذا زنى البالغ بصبية ، أو مجنونة ، فلا حد على الصبية ، ولا المجنونة ، ولو مكنت البالغة العالة صبيا ، أو مجنوناً من وطئها ، فلا حد على الصبي ، والمجنون بالاتفاق ، أما العاقل ، ففي درء الحد عنه خلاف بين الفقهاء رجلاً كان ، أو امرأة.
3- إذا أُكرهت المرأة على الزنا ، فلا حد عليها بالاتفاق ، أما الرجل إذا أكره عليه ففي درء الحد عنه خلاف بين الفقهاء.
من الشبهات في جريمة القذف ما يلي :
1ـ إذا كان القاذف غير مكلف ، فلا حد عليه .
2ـ إذا كان القاذف زوجاً ، فلا حد عليه ، ولكن يلاعن .
3ـ إذا كان القاذف أباً ، أو جداً ، أو أماً للمقذوف ، فلا حد عليه .
4ـ إذا كان المقذوف صغيراً ، فلا حد على قاذفه .
5ـ إذا كان المقذوف مجنوناً ، فلا حد على قاذفه .
6ـ إذا كان المقذوف رقيقاً ، فلا حد على قاذفه .
7ـ إذا لم يكن المقذوف عفيفاً ، فلا حد على قاذفه .
8ـ إذا كان المقذوف كافراً ، فلا حد على قاذفه .
9ـ إذا كان المقذوف مجهولاً ، أو جماعة لا يتصور زناهم ، فلا حد على القاذف .
10ـ إذا لم تتم المطالبة بحد القاذف ، فلا حد لأن الدعوى شرط في إقامة حد القذف .
في جريمة السرقة :
1ـ إذا لم يبلغ المسروق نصاباً ، فلا قطع على سارقه ، والنصاب عند الحنفية ، ربع دينار من الذهب ، أو عشرة دراهم من الفضة أو ما قيمته أحدهما من العروض .
أما الجمهور ، فمقدار النصاب عندهم ربع دينار من الذهب ، أو ثلاثة دراهم من الفضة على خلاف بينهم ، فيما تقوم به العروض ، هل تقوم بالذهب ، أو بالفضة .
2ـ إذا لم يكن المسروق محرزاً ، فلا قطع على سارقه باتفاق فقهاء المذاهب الأربعة ، ومثله لو كان في الحرز قصور .
3ـ إذا لم تكن يد المسروق منه المال صحيحة على المسروق ، فلا حد على سارقه .
4ـ إذا سرق الشخص من مال فيه شرك ، فلا حد عليه .
5ـ إذا كان المسروق مما يتسارع إليه الفساد ، فلا حد على السارق عند الحنفية .
6ـ إذا كان السارق غير مكلف بأن كان صغيراً ، أو مجنوناً ، فلا حد عليه .
7ـ إذا كان السارق مضطراً للسرقة ، فلا حد عليه .
8ـ إذا وقعت السرقة بين الأصول ، والفروع ، فلا حد عند الحنفية ، فقهاء الحنفية ، والشافعية والحنابلة ، ولا حد عند المالكية إذا سرق الأب من مال الولد ، أما الجد إذا سرق من مال ولد الولد ، ففي درء الحد عنه خلاف ، فبعضهم قال : يحد أما سائر الأقارب ، فيحدون عندهم .
9ـ إذا سرق أحد الزوجين من مال صاحبه ، فلا قطع عليه عند الحنفية سواء كان المال محرزاً عنه ، أو غير محرز عنه ، وعند المالكية إذا لم يكن المال المسروق محرزاً ، فلا قطع عندهم ، وعند الشافعية إذا لم يكن المال محرزاً ، فلا قطع ، فإن كان محرزاً ، ففي مذهبهم ثلاث روايات .
إحداها عدم قطع لكل منهما بالسرقة من مال صاحبه حتى ولو كان المال محرزاً ؛ لأن للزوجة النفقة على الزوج ، وللزوج حق الحجر على الزوجة .
وفي رواية أخرى لا تحد الزوجة ؛ لأن لها حق النفقة ، ويحد الزوج .
الحنابلة إذا لم يكن المال محرزاً ، فلا حد فإن كان المال محرزاً ، فالراجح عندهم عدم القطع .
10ـ إذا سرق السيد من مال عبده ، فلا حد عليه مطلقاً سواء كان العبد قناً أو مكاتباً . ومثله العبد لو سرق من مال سيده ، فلا حد بالاتفاق .
11ـ إذا سرق الشخص من بيت مال المسلمين ، فلا حد عليه عند فقهاء الحنفية ، والشافعية ، والحنابلة ، وبعض فقهاء الملكية لشبهة الملكية ، وجمهور المالكية يوجبون عليه الحد لضعف الشبهة .
12ـ إذا سرق المسلم من الغنيمة ، فلا حد عليه عند الحنفية مطلقاً ، ولا حد عند الشافعية إذا كان له فيها سهم ، ولا حد عليه عند الحنابلة إذا أخذ منها قبل القسمة سواء كان له فيها سهم ، أو لم يكن ، أما المالكية ، فيدرءون عنه الحد إذا سرق منها قبل حوزها ، ففي درء الحد عنه خلاف عندهم .
في جريمة الحرابة ، وفيها :
1ـ إذا وقعت الحرابة داخل المصر ، فلا حد عند أبي حنيفة ، ومحمد من أصحابه ، وعند الخرقي من الحنابلة .
2ـ إذا كان في الحراب صغير ، أو مجنون ، فلا حد عليه ، وفي درء الحد عن الباقين المكلفين خلاف بين الفقهاء ،
3ـ إذا كان في القطاع امرأة ، فالمشهور من مذهب الحنفية عدم قطعها ن وفي درء الحد عن المشاركين معها خلاف بين فقهائهم .
4ـ إذا تاب المحارب قبل القدرة عليه سقط عنه تحتم القتل ، وسقط عنه الصلب والقطع ، والنفي .
في جريمة الشرب :
1ـ إذا شرب شخص مسكراً غير الخمر ، ولم يسكر منه ، فلا حد عليه عند الحنفية ، وعند الجمهور يحد في قليل ما أسكر كثيره .
2ـ إذا كان الشارب للسكر مكرهاً على شربه ، فلا حد عليه .
3ـ إذا كان الشارب للسكر مضطراً ، فلا حد عليه .
4ـ إذا لم يكن الشارب للسكر مكلفاً ، فلا حد عليه .
5ـ إذا وقع الشرب في بلاد الحرب ، أو في دار البغي ، فلا حد عليه عند الحنفية .
6- إذا شوهد الشخص يتقيأ الخمر ، أو وجدت به رائحة الخمر ، فلا حد عليه عند الحنفية والشافعية وعند جمهور الحنابلة ، وهذا خلافاً للمالكية الذين يوجبون عليه الحد بوجود الرائحة بعد شهادة عدلين بأنها رائحة خمر ، وهو قول في مذهب الإمام أحمد .
عاشراً : في جريمة الردة
1 – إذا تاب المرتد قبلت توبته ما لم يكن زنديقاً ، ففي قبول توبته خلاف بين الفقهاء .
2 - إذا ارتدت المرأة لم تقتل عند الحنفية ، ولكن تحبس حتى تتوب أو تموت . الخاتمة
1ـ تناول البحث تعريف الحد ،والشبهة وهو : العقوبات الثابتة بنص قرآني أو حديث نبوي في جرائم كان الاعتداء فيها على حق الله تعالى.
أما تعريف الشبهة " فهي : وجود المبيح صوره مع انعدام حكمه أو حقيقته " .
2ـ اختلف الفقهاء في أنواع الحدود ، فمنهم من يعتبر أنها سبعة: الزنى ، القذف ، السرقة ، الشرب ، قطع الطرق { الحرابة } ، الردة ، البغي ، ويعتبر البعض الآخر أنها أقل من سبعة .
3ـ تنقسم الشبهة عند الحنفية على ثلاث أقسام :
أ ـ الشبهة في الممل أو شبهة الملك أو الشبهة الحكمية .
ب ـ شبهة الفعل أو شبهة الاشتباه .
ج ـ شبهة العقد وهي محل اختلاف بين الحنفية ، فقال بها أبو حنيفة و زفر ، و خالف فيها الصاحبان .
4ـ تنقسم الشبهة عند الشافعية إلى ثلاثة أقسام :
أ ـ الشبهة في المحل .
ب ـ الشبهة في الفاعل .
ج ـ الشبهة في الطريق أو الجهة.
5- تضافر الأحاديث التي وردت عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، والتي فيها مقال ، وشد بعضها بعضاً يؤيد القول بأن قاعدة "درء الحدود بالشبهات" نصية وليست فقهية.
6- أن الشبهة القوية تمحو وصف الجريمة وتحكم ببراءة الفاعل ، بخلاف الشبهة الضعيفة فإنها تسقط الحد ولا تمحو وصف الجريمة ، لذلك تجب عقوبة تعزيرية ، وينتقل العقاب من عقوبة مقدرة إلى عقوبة مقدرة.