ميراث الزوجة
الخميس, 6 سبتمبر 2007 11:02 صباحاً
الكاتب: أ./ علي شهوان
ورد في القرآن العظيم قوله تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ} [النساء:12]
حاول أعداء الإسلام الدخول على القرآن من خلال آيات الميراث؛ زاعمين أن القرآن العظيم أعطى الأنثى عمومًا، والزوجة خصوصًا من التركة (الميراث) نصف ما أعطاه الذكر عمومًا، والزوج خصوصًا، فرأوا بذلك أن القرآن العظيم هضم المرأة حقها!
وحتى يحسن الرد على الشبهة؛ رأيت أن أسلك طريقين في الرد عليها:
الطريق الأول: الرد على الشبهة من خلال ميراث المرأة عمومًا:
أولاً: أثبت القرآن العظيم حق المرأة في الميراث، وأن لها نصيبًا كما أن للرجل نصيبًا، قال تعالى: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً} [النساء:7] فمهما كان الميراث قليلاً أو كثيرًا، وجب أن تُعطى المرأة نصيبها الذي فرضه الله تعالى لها دون إنقاصٍ منه.
هذا الحق الذي أثبته القرآن للمرأة منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا جعلها تفاخر به مَن قبلها ومَن في حاضرها ومَن بعدها، وأعظم ما في الأمر أن هذا التشريع ثابت ثبات الدين؛ فلا يملك أحد أن يضيف إليه أو أن ينقص منه.
بينما نجد من يهاجم نظام المواريث في الإسلام كأهل الكتاب والعلمانيين وغيرهم، يفتقدون لوجوه مثل هذا القانون الإلهي؛ حيث تخلو التوراة وكذلك الإنجيل من نصّ يحدد المواريث، ومن الذي له حق في الميراث، ومن الذي ليس له حق فيه، ولا يوجد في القوانين الوضعية قانون ـ في المواريث ـ مرّ عليه نصف قرن دون أن يطرأ عليه نقدٌ أو نقض أو تعديل، فهذه القوانين دائمة التغيير؛ كونها تصدر عن أنظمة مُتغيرة، وعقول بشرية قاصرة، فأقول لهم: كيف تهاجمون نظامًا ربانيًا ثابتًا تكفَّل الله بحفظه وعدله، مقابل لا شيء؟! فالأولى بكم أن تستحيوا من أنفسكم إذ كيف يهزأ ويطعن الأعمى بالبصير {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج: 46].
ثانيًا: كَذَبَ من زعم أن القرآن العظيم أعطى الأنثى (دائمًا) نصف نصيب الذَّكر، وأن هذا شأن القرآن في القسمة بين الذكور والإناث، لم يعط القرآن الأنثى ـ من التركة ـ نصف نصيب الذكر إلا في حالات مخصوصة، ولحكمة عظيمة معلومة، وإذا استقرأنا الحالات الكثيرة التي ترث فيها الأنثى انتهينا إلى ما يلي:
1ـ هناك أربع حالات فقط ترث فيها الأنثى نصف الذَّكَر.
2ـ هناك حالات ـ أضعاف هذه الحالات الأربع ـ ترث فيها الأنثى مثل الذَّكَر تمامًا.
3ـ هناك حالات ـ عشر أو تزيد ـ ترث فيها الأنثى أكثر من الذَّكَر.
4ـ هناك حالات ترث فيها الأنثى ولا يرث نظيرها من الذكور([1]).
أي أن هناك أكثر من ثلاثين حالة تأخذ فيها الأنثى مثل الذكر، أو أكثر منه، أو ترث هي ولا يرث نظيرها من الذكور، في مقابلة أربع حالات محددة ترث فيها الأنثى نصف ما يرثه الذكر([2]).
ثالثًا: لم يَفْهَمِ القرآنَ من ظنّ أن أنصبة الوارثين والوارثات جاءت معللة بسبب الذكورة والأنوثة فقط؛ لأن القرآن العظيم قسَّم الأنصبة بين الوارثين على ثلاثة معايير:
1ـ "درجة القرابة بين الوارثين ـ ذكرًا أو أنثى ـ وبين المورِّث (المتوفى)، فكلما اقتربت الصلة زاد النصيب في الميراث، دونما اعتبار لجنس الوارثين.
2ـ موقع الجيل الوارث من التتابع الزمني للأجيال؛ فالأجيال التي تستقبل الحياة، وتستعد لتحمل أعبائها، عادة يكون نصيبها في الميراث أكثر من نصيب الأجيال التي تستدبر الحياة، وتتخفف من أعبائها، بل وتصبح أعباؤها ـ عادة ـ مفروضة على غيرها، وذلك بصرف النظر عن الذكورة والأنوثة للوارثين والوارثات، فبنت المتوفى ترث أكثر من أمه ـ وكلتاهما أنثى ـ بل ترث البنت أكثر من الأب حتى لو كانت رضيعة لا تدرك شكل أبيها، وحتى لو كان الأب هو مصدر الثروة التي للابن، والتي تنفرد البنت بنصفها، وكذلك يرث الابن أكثر من الأب ـ وكلاهما من الذكور ـ!
3ـ العبء المالي الذي يوجب الشرع الإسلامي على الوارث تحمله والقيام به حيال الآخرين، وهذا هو المعيار الوحيد الذي يثمر تفاوتًا بين الذكر والأنثى، لكنه تفاوت لا يفضي إلى أيّ ظلم للأنثى أو إنصافها، بل ربما كان العكس هو الصحيح. ففي حالة ما إذا اتفق وتساوى الوارثون في درجة القرابة، واتفقوا وتساووا في موقع الجيل الوارث من تتابع الأجيال ـ مثل أولاد المتوفى ذكورًا وإناثًا ـ يكون تفاوت العبء المالي هو السبب في التفاوت في أنصبة الميراث؛ ولذلك لم يُعَمِّم القرآن الكريم هذا التفاوت بين الذكر والأنثى في عموم الوارثين، وإنما حصره في هذه الحالة بالذات"([3]).
وبما أن الأنثى مسؤولة من أبيها أو أخيها أو عَمِّها؛ فهي ليست ملزمة أن تنفق شيئًا من مالها على نفسها ولو كانت غنية؛ لأنها محميَّة بمن هي تحت ولايته.
رابعًا: جعل القرآن العظيم المرأة هي المقياس والأصل؛ فقال تعالى: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11]، ولم يقل الله جل جلاله (للأنثى نصف حظ الذكر)، وهذا يدل على أن الإسلام "نظر اقتصاديًا إلى هذه المسألة في أضعف قواعدها وهي المرأة، ثم جعل نصيب الضعيف هو القاعدة! وبعد ذلك جاء للأقوى فحمل قضية الأقوى على قضية الأضعف؛ فكأن حظ الأنثى هو المعتبر أساسًا في القياس، وهو المعتبر قاعدة للمكيال"([4]).
الطريق الثاني: الرد على الشبهة من خلال ميراث الزوجة خصوصًا:
اتضح مما سبق أن القرآن العظيم أنصف المرأة في حقها من الميراث، سواء كانت بنتًا، أم أختًا، أم أمًا، أم زوجة.
صحيح أن المرأة ترث عن زوجها نصف ما يرثه عنها؛ لكنها تمتاز بمجموع ما تحصل عليه إضافة إلى نصيبها من زوجها كزوجة أكثر من كونها تأخذ نصف ما يأخذه الذكر، كابنة أو أخت أو أم، وتوضيح ذلك من خلال ما يلي:
1ـ يعطي الزوج زوجته المهر، وهو فرض عليه. وإذا مات الزوج ولزوجته منه شيء لم تأخذه بَعْدُ؛ أخذته قبل أن تقسم التركة حتى لو استوفى التركة كلها؛ فالشرع يتعامل مع مهر المرأة ـ غير المقبوض ـ على أنه جزءٌ من الدَّيْن الذي لا تبرأ منه ذمة الميت (زوجها) إلا بعد قضائه أو تخلِّيها عنه، بينما نجد أن الزوجة لا يفرض عليها أن تُقَدِّم للزوج أي شيء قَلَّ أو كثُر.
2ـ من حق المرأة على زوجها أن ينفق عليها؛ فإذا قيل: إن من واجب الابن أو الأخ أو الأب أيضًا أن ينفق على أمه أو أخته أو ابنته! قلت: إن وجوب إنفاق الزوج على زوجته آكد وأقوى من وجوب إنفاق هؤلاء جميعًا؛ لأنه إذا لم يستطع الزوج الإنفاق على زوجته جاز لها أن تُطلق منه لعدم تمكنه من الإنفاق عليها؛ وبذلك تتزوج من آخر. أما في الحالات الأخرى فلا تستطيع أن تقول: لا أريد ولاية أخي أو أبي عليَّ بسبب عدم تمكنهم من الإنفاق عليَّ!
3ـ إذا ماتت المرأة قبل زوجها وجب عليه أن ينفق على أولادهما من بعدها، بينما لا تُلزَم هي بالإنفاق على أولادهما من مالها في حال وفاة الزوج قبلها.
4ـ في حال ما إذا ماتت المرأة قبل زوجها وأراد أن يبني بزوجة جديدة؛ فإنه سيحتاج إلى دفع مهر جديد لهذه التي سيبني بها، بينما إذا مات الرجل قبل زوجته وتيسّر لها الزواج من بعده؛ فإنها ستأخذ مهرًا جديدًا من زوجها الجديد، إضافة إلى ما أخذته من قبل.
5 ـ غالبًا ما يكون مال الزوجة الذي تتركه بعد موتها من عطايا زوجها التي أهداها إليها؛ فإذا ماتت كان نصيبه بمثابة استرجاع بعض أو جميع ما قدَّمه لها، بينما ترث المرأة من زوجها ما تعب أو ربما مات بسبب الحصول عليه.
من خلال ما سبق نلحظ أن القرآن العظيم أنصف المرأة زوجةً كما أنصفها أُمًا وبنتًا وأختًا؛ فحين أعطاها نصف نصيب زوجها، أراد أن يكون هذا النصف بمثابة المال المدَّخر الذي لا تحتاجه إلا في حال عدم وجود من يُنفق عليها، وهذا ينطبق على المرأة عمومًا.
وأختم الكلام في الرد على الشبهة بما قاله الشعراوي رحمه الله: "الإسلام لم يظلم المرأة وإنما أنصفها؛ لأن الإسلام أراد أن يعصمها من أن تستغل سلاح الأنوثة في حياتها فأعطاها هذا النصف، حتى إذا ما ظلت بلا معيل فإن النصف يمكن أن يكفيها، وإذا ما جاء لها معيل يكون هذا الجزء وفرًا لها. أما الرجل فعلى العكس من ذلك، سلاحه رجولته وكفاحه في الحياة".
----------------------------------------
([1]) لا يتسع المقام لتفصيل الحالات الأربع، ويمكن الرجوع إليها في كتب المواريث للاستزادة. ينظر: أحكام الميراث في الشريعة الإسلامية، جمعة محمد محمد براج.
([2]) ينظر: ميراث المرأة وقضية المساواة، صلاح الدين سلمان ص10ـ 16.
([3]) التحرير الإسلامي للمرأة، محمد عمارة ص67.
([4]) دروس في بناء الأسرة المسلمة، الشعراوي ص106.
=============
دعوى [ أن الإسلام يظلم المرأة في الميراث ]
الثلاثاء, 13 يونيو 2006 09:52 صباحاً
الكاتب: د ./ منقذ السقار
الشبهة
يرى المشككون : أن الإسلام يغبن المرأة حين يجعل لها من الميراث نصف ما للرجل ، كما يجعل شهادتها نصف شهادة الرجل.
الرد على الشبهة
بداية فلئن كان القرآن يجعل للمرأة من الميراث نصف ما للرجل فإن التوراة تحرم المرأة من الميراث كلية حال وجود أشقاء لها " فكلم الرب موسى قائلاً…أيما رجل مات و ليس له ابن تنقلون ملكه إلى ابنته " (العدد 27/6- ، و يفهم من السياق أن وجود الابن يمنع توريث الابنة.
أما في شريعة الإسلام فإن الذكر و الأنثى قد يتساويان في الميراث كما في مسألة الكلالة { و إن كان رجل يورث كلالة أو امرأة و له أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث } و قضى عمر بالتساوي بين الأخوة لأم ، قال الزهري: "و لا أرى عمر قضى بذلك حتى علم ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم ".
و مرة أخرى ساوت الشريعة بين الوالدين في إرثهما من ولدهما { و لأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد }
و قضى الشارع الحكيم بتوريث الذكر ضعف الأنثى كما في التوارث بين الزوجين و توراث أولاد المتوفى ، لكن ذلك يتناسب مع المسئولية المالية الملقاة على عاتق الزوج أو الأخ ، إذ كل منهما ملزم بالإنفاق على زوجته أو أخته، و هذا غرم يستحق غنماً .
كما أن شرائع الإسلام تلزم الرجل نفقات لاتلزم المرأة كالمهر والدية التي يتحملها العصبة من الرجال دون النساء .
وهكذا حين جعل الله للذكر مثل حظ انثيين من الميراث لم يقض بهوان النساء ، إنما قسم المال تقسيماً مادياً بحتاً يتناسب والمسئوليات المنوطة بكل منهما .
المصدر
موقع ابن مريم ( http://www.ebnmaryam.com/shobhat/1.htm )
الخميس, 6 سبتمبر 2007 11:02 صباحاً
الكاتب: أ./ علي شهوان
ورد في القرآن العظيم قوله تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ} [النساء:12]
حاول أعداء الإسلام الدخول على القرآن من خلال آيات الميراث؛ زاعمين أن القرآن العظيم أعطى الأنثى عمومًا، والزوجة خصوصًا من التركة (الميراث) نصف ما أعطاه الذكر عمومًا، والزوج خصوصًا، فرأوا بذلك أن القرآن العظيم هضم المرأة حقها!
وحتى يحسن الرد على الشبهة؛ رأيت أن أسلك طريقين في الرد عليها:
الطريق الأول: الرد على الشبهة من خلال ميراث المرأة عمومًا:
أولاً: أثبت القرآن العظيم حق المرأة في الميراث، وأن لها نصيبًا كما أن للرجل نصيبًا، قال تعالى: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً} [النساء:7] فمهما كان الميراث قليلاً أو كثيرًا، وجب أن تُعطى المرأة نصيبها الذي فرضه الله تعالى لها دون إنقاصٍ منه.
هذا الحق الذي أثبته القرآن للمرأة منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا جعلها تفاخر به مَن قبلها ومَن في حاضرها ومَن بعدها، وأعظم ما في الأمر أن هذا التشريع ثابت ثبات الدين؛ فلا يملك أحد أن يضيف إليه أو أن ينقص منه.
بينما نجد من يهاجم نظام المواريث في الإسلام كأهل الكتاب والعلمانيين وغيرهم، يفتقدون لوجوه مثل هذا القانون الإلهي؛ حيث تخلو التوراة وكذلك الإنجيل من نصّ يحدد المواريث، ومن الذي له حق في الميراث، ومن الذي ليس له حق فيه، ولا يوجد في القوانين الوضعية قانون ـ في المواريث ـ مرّ عليه نصف قرن دون أن يطرأ عليه نقدٌ أو نقض أو تعديل، فهذه القوانين دائمة التغيير؛ كونها تصدر عن أنظمة مُتغيرة، وعقول بشرية قاصرة، فأقول لهم: كيف تهاجمون نظامًا ربانيًا ثابتًا تكفَّل الله بحفظه وعدله، مقابل لا شيء؟! فالأولى بكم أن تستحيوا من أنفسكم إذ كيف يهزأ ويطعن الأعمى بالبصير {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج: 46].
ثانيًا: كَذَبَ من زعم أن القرآن العظيم أعطى الأنثى (دائمًا) نصف نصيب الذَّكر، وأن هذا شأن القرآن في القسمة بين الذكور والإناث، لم يعط القرآن الأنثى ـ من التركة ـ نصف نصيب الذكر إلا في حالات مخصوصة، ولحكمة عظيمة معلومة، وإذا استقرأنا الحالات الكثيرة التي ترث فيها الأنثى انتهينا إلى ما يلي:
1ـ هناك أربع حالات فقط ترث فيها الأنثى نصف الذَّكَر.
2ـ هناك حالات ـ أضعاف هذه الحالات الأربع ـ ترث فيها الأنثى مثل الذَّكَر تمامًا.
3ـ هناك حالات ـ عشر أو تزيد ـ ترث فيها الأنثى أكثر من الذَّكَر.
4ـ هناك حالات ترث فيها الأنثى ولا يرث نظيرها من الذكور([1]).
أي أن هناك أكثر من ثلاثين حالة تأخذ فيها الأنثى مثل الذكر، أو أكثر منه، أو ترث هي ولا يرث نظيرها من الذكور، في مقابلة أربع حالات محددة ترث فيها الأنثى نصف ما يرثه الذكر([2]).
ثالثًا: لم يَفْهَمِ القرآنَ من ظنّ أن أنصبة الوارثين والوارثات جاءت معللة بسبب الذكورة والأنوثة فقط؛ لأن القرآن العظيم قسَّم الأنصبة بين الوارثين على ثلاثة معايير:
1ـ "درجة القرابة بين الوارثين ـ ذكرًا أو أنثى ـ وبين المورِّث (المتوفى)، فكلما اقتربت الصلة زاد النصيب في الميراث، دونما اعتبار لجنس الوارثين.
2ـ موقع الجيل الوارث من التتابع الزمني للأجيال؛ فالأجيال التي تستقبل الحياة، وتستعد لتحمل أعبائها، عادة يكون نصيبها في الميراث أكثر من نصيب الأجيال التي تستدبر الحياة، وتتخفف من أعبائها، بل وتصبح أعباؤها ـ عادة ـ مفروضة على غيرها، وذلك بصرف النظر عن الذكورة والأنوثة للوارثين والوارثات، فبنت المتوفى ترث أكثر من أمه ـ وكلتاهما أنثى ـ بل ترث البنت أكثر من الأب حتى لو كانت رضيعة لا تدرك شكل أبيها، وحتى لو كان الأب هو مصدر الثروة التي للابن، والتي تنفرد البنت بنصفها، وكذلك يرث الابن أكثر من الأب ـ وكلاهما من الذكور ـ!
3ـ العبء المالي الذي يوجب الشرع الإسلامي على الوارث تحمله والقيام به حيال الآخرين، وهذا هو المعيار الوحيد الذي يثمر تفاوتًا بين الذكر والأنثى، لكنه تفاوت لا يفضي إلى أيّ ظلم للأنثى أو إنصافها، بل ربما كان العكس هو الصحيح. ففي حالة ما إذا اتفق وتساوى الوارثون في درجة القرابة، واتفقوا وتساووا في موقع الجيل الوارث من تتابع الأجيال ـ مثل أولاد المتوفى ذكورًا وإناثًا ـ يكون تفاوت العبء المالي هو السبب في التفاوت في أنصبة الميراث؛ ولذلك لم يُعَمِّم القرآن الكريم هذا التفاوت بين الذكر والأنثى في عموم الوارثين، وإنما حصره في هذه الحالة بالذات"([3]).
وبما أن الأنثى مسؤولة من أبيها أو أخيها أو عَمِّها؛ فهي ليست ملزمة أن تنفق شيئًا من مالها على نفسها ولو كانت غنية؛ لأنها محميَّة بمن هي تحت ولايته.
رابعًا: جعل القرآن العظيم المرأة هي المقياس والأصل؛ فقال تعالى: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11]، ولم يقل الله جل جلاله (للأنثى نصف حظ الذكر)، وهذا يدل على أن الإسلام "نظر اقتصاديًا إلى هذه المسألة في أضعف قواعدها وهي المرأة، ثم جعل نصيب الضعيف هو القاعدة! وبعد ذلك جاء للأقوى فحمل قضية الأقوى على قضية الأضعف؛ فكأن حظ الأنثى هو المعتبر أساسًا في القياس، وهو المعتبر قاعدة للمكيال"([4]).
الطريق الثاني: الرد على الشبهة من خلال ميراث الزوجة خصوصًا:
اتضح مما سبق أن القرآن العظيم أنصف المرأة في حقها من الميراث، سواء كانت بنتًا، أم أختًا، أم أمًا، أم زوجة.
صحيح أن المرأة ترث عن زوجها نصف ما يرثه عنها؛ لكنها تمتاز بمجموع ما تحصل عليه إضافة إلى نصيبها من زوجها كزوجة أكثر من كونها تأخذ نصف ما يأخذه الذكر، كابنة أو أخت أو أم، وتوضيح ذلك من خلال ما يلي:
1ـ يعطي الزوج زوجته المهر، وهو فرض عليه. وإذا مات الزوج ولزوجته منه شيء لم تأخذه بَعْدُ؛ أخذته قبل أن تقسم التركة حتى لو استوفى التركة كلها؛ فالشرع يتعامل مع مهر المرأة ـ غير المقبوض ـ على أنه جزءٌ من الدَّيْن الذي لا تبرأ منه ذمة الميت (زوجها) إلا بعد قضائه أو تخلِّيها عنه، بينما نجد أن الزوجة لا يفرض عليها أن تُقَدِّم للزوج أي شيء قَلَّ أو كثُر.
2ـ من حق المرأة على زوجها أن ينفق عليها؛ فإذا قيل: إن من واجب الابن أو الأخ أو الأب أيضًا أن ينفق على أمه أو أخته أو ابنته! قلت: إن وجوب إنفاق الزوج على زوجته آكد وأقوى من وجوب إنفاق هؤلاء جميعًا؛ لأنه إذا لم يستطع الزوج الإنفاق على زوجته جاز لها أن تُطلق منه لعدم تمكنه من الإنفاق عليها؛ وبذلك تتزوج من آخر. أما في الحالات الأخرى فلا تستطيع أن تقول: لا أريد ولاية أخي أو أبي عليَّ بسبب عدم تمكنهم من الإنفاق عليَّ!
3ـ إذا ماتت المرأة قبل زوجها وجب عليه أن ينفق على أولادهما من بعدها، بينما لا تُلزَم هي بالإنفاق على أولادهما من مالها في حال وفاة الزوج قبلها.
4ـ في حال ما إذا ماتت المرأة قبل زوجها وأراد أن يبني بزوجة جديدة؛ فإنه سيحتاج إلى دفع مهر جديد لهذه التي سيبني بها، بينما إذا مات الرجل قبل زوجته وتيسّر لها الزواج من بعده؛ فإنها ستأخذ مهرًا جديدًا من زوجها الجديد، إضافة إلى ما أخذته من قبل.
5 ـ غالبًا ما يكون مال الزوجة الذي تتركه بعد موتها من عطايا زوجها التي أهداها إليها؛ فإذا ماتت كان نصيبه بمثابة استرجاع بعض أو جميع ما قدَّمه لها، بينما ترث المرأة من زوجها ما تعب أو ربما مات بسبب الحصول عليه.
من خلال ما سبق نلحظ أن القرآن العظيم أنصف المرأة زوجةً كما أنصفها أُمًا وبنتًا وأختًا؛ فحين أعطاها نصف نصيب زوجها، أراد أن يكون هذا النصف بمثابة المال المدَّخر الذي لا تحتاجه إلا في حال عدم وجود من يُنفق عليها، وهذا ينطبق على المرأة عمومًا.
وأختم الكلام في الرد على الشبهة بما قاله الشعراوي رحمه الله: "الإسلام لم يظلم المرأة وإنما أنصفها؛ لأن الإسلام أراد أن يعصمها من أن تستغل سلاح الأنوثة في حياتها فأعطاها هذا النصف، حتى إذا ما ظلت بلا معيل فإن النصف يمكن أن يكفيها، وإذا ما جاء لها معيل يكون هذا الجزء وفرًا لها. أما الرجل فعلى العكس من ذلك، سلاحه رجولته وكفاحه في الحياة".
----------------------------------------
([1]) لا يتسع المقام لتفصيل الحالات الأربع، ويمكن الرجوع إليها في كتب المواريث للاستزادة. ينظر: أحكام الميراث في الشريعة الإسلامية، جمعة محمد محمد براج.
([2]) ينظر: ميراث المرأة وقضية المساواة، صلاح الدين سلمان ص10ـ 16.
([3]) التحرير الإسلامي للمرأة، محمد عمارة ص67.
([4]) دروس في بناء الأسرة المسلمة، الشعراوي ص106.
=============
دعوى [ أن الإسلام يظلم المرأة في الميراث ]
الثلاثاء, 13 يونيو 2006 09:52 صباحاً
الكاتب: د ./ منقذ السقار
الشبهة
يرى المشككون : أن الإسلام يغبن المرأة حين يجعل لها من الميراث نصف ما للرجل ، كما يجعل شهادتها نصف شهادة الرجل.
الرد على الشبهة
بداية فلئن كان القرآن يجعل للمرأة من الميراث نصف ما للرجل فإن التوراة تحرم المرأة من الميراث كلية حال وجود أشقاء لها " فكلم الرب موسى قائلاً…أيما رجل مات و ليس له ابن تنقلون ملكه إلى ابنته " (العدد 27/6- ، و يفهم من السياق أن وجود الابن يمنع توريث الابنة.
أما في شريعة الإسلام فإن الذكر و الأنثى قد يتساويان في الميراث كما في مسألة الكلالة { و إن كان رجل يورث كلالة أو امرأة و له أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث } و قضى عمر بالتساوي بين الأخوة لأم ، قال الزهري: "و لا أرى عمر قضى بذلك حتى علم ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم ".
و مرة أخرى ساوت الشريعة بين الوالدين في إرثهما من ولدهما { و لأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد }
و قضى الشارع الحكيم بتوريث الذكر ضعف الأنثى كما في التوارث بين الزوجين و توراث أولاد المتوفى ، لكن ذلك يتناسب مع المسئولية المالية الملقاة على عاتق الزوج أو الأخ ، إذ كل منهما ملزم بالإنفاق على زوجته أو أخته، و هذا غرم يستحق غنماً .
كما أن شرائع الإسلام تلزم الرجل نفقات لاتلزم المرأة كالمهر والدية التي يتحملها العصبة من الرجال دون النساء .
وهكذا حين جعل الله للذكر مثل حظ انثيين من الميراث لم يقض بهوان النساء ، إنما قسم المال تقسيماً مادياً بحتاً يتناسب والمسئوليات المنوطة بكل منهما .
المصدر
موقع ابن مريم ( http://www.ebnmaryam.com/shobhat/1.htm )