يقود المجلس الأعلى للقوات المسلحة، برئاسة المشير محمد حسين طنطاوي، مصر منذ إطاحة الرئيس مبارك في 11 فبراير/ شباط الماضي. وقد وضع المجلس تصوره للانتقال بمصر إلى حكم مدني، ديمقراطي، تعددي في سلسلة من القرارات والتصريحات، إضافة إلى ما بات يعرف بخارطة الطريق التي استفتي عليها المصريون في التعديلات الدستورية، بالرغم من أن المجلس لم يكتف بهذه التعديلات وسارع، لاحتواء الجدل حول البنية الدستورية الانتقالية، إلى التخلي كلية عن دستور 1971 وإدراج التعديلات المقرة في الاستفتاء ضمن إعلان دستوري مؤقت.
كان من المفترض، طبقاً لخارطة طريق المرحلة الانتقالية، أن تشهد مصر انتخابات برلمانية في موعد أقصاه يوليو/ تموز، يليها مباشرة قيام مجلس الشعب الجديد بانتخاب مجلس تأسيسي من 100 عضو، يضع مسودة دستور دائم للبلاد خلال ستة أشهر. كما تقوم البلاد بانتخاب رئيس جمهورية جديد، بعد شهرين من انتخاب مجلس الشعب. وبانتخاب رئيس الجمهورية، يعود الجيش إلى ثكناته، وتنتهي مهمة المجلس الأعلى للقوات المسلحة؛ على أن يقوم رئيس الجمهورية بطرح مسودة الدستور على الاستفتاء الشعبي خلال شهرين من اكتمال عمل المجلس الدستوري التأسيسي.
بيد أن خارطة الطريق هذه أثارت جدلاً محتدماً في مصر، لم تحد منه الدعوات المتكررة للعودة إلى مناخ التوافق الوطني الذي ساد أسابيع الثورة المصرية. وبالرغم من أن هذا الجدل تجلى في صور مختلفة، سياسية ودستورية وحزبية، فليس ثمة شك أن جوهره يتعلق بالاستقطاب المتزايد بين التيار الإسلامي المصري، لاسيما قوته السياسية الأكبر: الإخوان المسلمون، والقوى والشخصيات الليبرالية والعلمانية وبعض القومية. يثير هذه الاستقطاب مخاوف متزايدة حول ما إن كانت المرحلة الانتقالية ستسير بالفعل كما خطط لها، وإن كانت ستؤدي إلى اكتمال تشكيل مؤسسات الدولة المدنية بالسرعة المفترضة.
تحاول هذه الورقة تسليط بعض الضوء على هذا الاستقطاب، على القوى السياسية المصرية الرئيسة التي تشكل عناصره، وعلى القضايا والمسائل محل الخلاف والجدل في الساحة السياسية المصرية. كما تحاول الورقة استشراف أفق الأشهر القليلة التالية، والتطورات المحتملة في سياق المرحلة الانتقالية.
المجلس العسكري والمرحلة الانتقالية
المعترضون على خارطة الطريق
خارطة حزبية بطيئة التشكل
خارطة مرشحي الرئاسة
المرحلة الانتقالية إلى أين؟
المجلس العسكري والمرحلة الانتقالية
منذ توليه شؤون البلاد عقب سقوط نظام الرئيس مبارك، شهدت العلاقة بين المصريين عموماً، والنشطين السياسيين منهم على وجه الخصوص، والمجلس الأعلى للقوات المسلحة، حلقات من التوتر والشك. والمشكلة لم تكن في جوهرها أن المصريين وجدوا أنفسهم في مرحلة ما بعد مبارك تحت قيادة مجلس عسكري. الحقيقة، أن قطاعاً واسعاً من المصريين لم يزل يشعر بالامتنان للدور الذي قام به الجيش في حسم الثورة لصالح الشعب. ولكن بعض البطء الذي اتسمت به قيادة المجلس، خصوصاً فيما يتعلق بالتخلص من بقايا النظام السابق، ولّد شعوراً بأن المجلس أحرص على الاستقرار بأي ثمن منه على أهداف الثورة والعمل على بناء نظام حكم جديد. وقد شكّل التخلص من حكومة أحمد شفيق، ومحاكمة عائلة الرئيس مبارك وكبار شخصيات نظامه ورجال الأعمال الذين التفوا حوله، بعضاً من أبرز الانتقادات التي وجهت لنهج المجلس العسكري وسياساته. شيئاً فشيئاً، وسواء لاقتناعه أو خضوعاً للضغط الشعبي، استجاب المجلس خلال الشهور القليلة الماضية لأغلب هذه المطالب الشعبية.
بيد أن المجلس العسكري لم يجد نفسه في مواجهة إجماع وطني ملموس عندما تعلق الأمر بالمسائل الدستورية الرئيسة، الخاصة بالدولة ونظام الحكم؛ وهو ما يحيط مسار المرحلة الانتقالية بقدر ملموس من الغموض. صوّت المصريون بأغلبية كبيرة في مارس/ آذار الماضي لصالح التعديلات الدستورية وخارطة الطريق التي تطرحها. على أن المجلس، ربما يتعرض لضغوط أميركية وأوروبية وأخرى داخلية حركتها القوى الليبرالية المصرية تطالبه بتأجيل الانتخابات البرلمانية، لكنه أكد في نهاية مايو/ أيار تمسكه بإجرائها في موعدها مطلع سبتمبر/ أيلول، دون أن يحدد بعد موعد انعقاد انتخابات رئيس الجمهورية، كما لم يطرح مسودة قانون انتخابات الرئاسة. وبذلك، لا يعتبر من أعلنوا عن ترشحهم لموقع الرئاسة حتى الآن مرشحين رسميين، أو إطلاق حملات انتخابية مكتملة الأركان. الحقيقة، أن كل ما يتعلق الآن بانتخابات رئاسة الجمهورية ليس أكثر من نشاطات غير رسمية.
طبقاً للمسودة المعلنة لقانون انتخابات مجلس الشعب، فإن الانتخابات ستخضع لإشراف قضائي كامل؛ ونظراً لأن الجسم القضائي غير كافٍ لتغطية كافة الدوائر الانتخابية، فالأرجح أن تجري الانتخابات على مرحلتين أو أكثر. ونظراً لأن الانتخابات ستجري طبقاً لنظام مختلط، من القوائم والأفراد، ففي حال لم تحسم مقاعد ما، فستعقد جولة الحسم بعد عدة أسابيع من الانتخابات الأولية. ولذا، فإن انتخابات مجلس الشعب ستأخذ على الأقل شهراً، وربما أكثر، من الزمن. وإن وضعنا في الاعتبار أن المجلس العسكري يتداول الآن فكرة كتابة الدستور والاستفتاء عليه، قبل أن تعقد الانتخابات الرئاسية، فالأرجح أن رئيساً منتخباً لمصر لن يتسلم مقاليد الحكم قبل مارس/ آذار المقبل. مثل هذا الجدول الزمني يفتح المرحلة الانتقالية على احتمالات كثيرة.
من جهته، بات من الواضح أن المجلس العسكري شرع مؤخراً في محاولة استعادة وحدة المصريين عن طريق فتح قنوات حوار مباشر مع قطاعات النشطين الشباب، من جهة، وتكرار الحديث عن مؤامرة تستهدف وحدة الشعب والجيش أو حتى وحدة الوطن المصري، من جهة أخرى. قد تكون المؤامرات التي يشير إليها المجلس واقعية وحقيقة بالفعل؛ ولكن المؤكد أن القيادة العسكرية تستشعر قلقاً متزايداً حول بطء عودة الاستقرار للبلاد وإعادة عجلة الإنتاج والعمل والسياحة إلى وضعها المعتاد. وقد يكون هذا القلق وليس أية مخططات أخرى للحفاظ على دور ما للمؤسسة العسكرية في نظام الحكم، هو ما يفسر ميل المجلس العسكري إلى تجنب اتخاذ قرارات راديكالية أو سريعة خلال المرحلة الانتقالية.
المعترضون على خارطة الطريق
تعود المسؤولية في الغموض الذي بات يكتنف عموم المرحلة الانتقالية إلى الانقسام العميق الذي أخذت تشهده الساحة السياسية المصرية إلى ما قبل الاستفتاء على التعديلات الدستورية. استخدم المعترضون على خارطة الطريق التي طرحتها التعديلات كل الحجج السياسية والدستورية الممكنة للعمل على إطالة المرحلة الانتقالية، ابتداءً من مسألة عدم جاهزية القوى السياسية والأحزاب لخوض الانتخابات، مروراً بضرورة تشكيل مجلس رئاسي مختلط من مدنيين وعسكريين، وصولاً إلى المطالبة بأن يسبق وضع دستور دائم جديد كل خطوة أخرى. ولكن جوهر الاعتراضات كان في الحقيقة الخوف الذي يجتاح قوى سياسية مصرية من سيطرة الإخوان المسلمين على مجلس الشعب المقبل، سواء بأكثرية إخوانية مباشرة، أو بأكثرية تستند إلى كتلة إخوانية ومن يتحالف معها، وبالتالي سيطرة الإخوان على المجلس التأسيسي الذي سيتعهد وضع الدستور.
يضم المعترضون على خارطة الطريق الأولية طيفاً واسعاً، من أمثال المرشحين لرئاسة الجمهورية، محمد البرادعي وعمرو موسى، وشخصيات عامة أو أكاديمية، مثل ممدوح حمزة وحسن نافعة، وقوى حزبية من كل التوجهات السياسة، يسارية وناصرية وليبرالية. المشكلة في أطروحات المعترضين أن أياً من مقولاتهم لا يستند إلى أرضية سياسية ودستورية صلبة.
الداعون إلى انتخابات رئاسية أولاً يتجاهلون حقيقة أن من المتوقع أن يحد الدستور الجديد من صلاحيات الرئيس، وبالتالي فقد تنتهي البلاد إلى رئاسة تختلف صلاحياتها بين شهورها الأولى والشهور التي تعقب إقرار الدستور الجديد؛ هذا إن لم يفرض الدستور الجديد أصلاً انتخابات رئاسية جديدة. أما من يقولون بضرورة تشكيل مجلس رئاسي مدني – عسكري، فيتجاهلون حقيقة أن بلداً مثل مصر يصعب أن يقاد من قبل رئاسة جماعية، ناهيك عن صعوبة اختيار، أو انتخاب، الأعضاء المدنيين في المجلس الرئاسي. وسيكون الانتقال من المرحلة المؤقتة إلى الدائمة مملوءا بالتعقيدات ومخاطر الفشل، وتؤدي إطالة الأمد إلى الشعور بعدم الاستقرار وفقدان اليقين. ولعل أكثر المقولات هشاشة هي تلك المتعلقة بعدم جاهزية القوى السياسية المختلفة للانتخابات، بالرغم من أن أغلب هذه القوى تواجد في أحزاب منذ سنوات أو عقود، بينما كان الإخوان المسلمون تنظيماً سرياً معرضاً لهجمات أمنية مستمرة. فإن لم تستطع أحزاب متواجدة منذ السبعينات خوض معركة انتخابية متكافئة مع الإخوان خلال شهور، فمتى يمكنها أن تستطيع؟
النتيجة المحتملة لمثل هذه الأطروحات هي بالطبع تخفيف الضغوط على المجلس العسكري للالتزام بخارطة الطريق الأولية، وتشجيع المجلس على إدخال تعديلات إضافية على الجدول الزمني الذي سبق أن صوت الشعب لإقراره بأغلبية كبيرة. وفي حال طالت المرحلة الانتقالية وتصاعدت حدة الاستقطاب السياسي الداخلي، فلا يمكن لأحد التننبؤ بما يمكن أن يلجأ إليه العسكريون.
خارطة حزبية بطيئة التشكل
لم ينعكس الجدل في المنتديات وفي وسائل الإعلام، الذي يكتنف المرحلة الانتقالي، بعد على الخارطة الحزبية، التي يفترض أن ترسم ملامح مجلس الشعب القادم وما ينجم عنه من مجلس تأسيسي ودستور دائم. الأحزاب المتواجدة قبل الثورة، والتي يتفق معظم المصريين على ضعف أدائها وضيق قاعدتها الشعبية لم تزل تعمل، وأبرزها حزب الوفد الليبرالي التوجه، وحزب التجمع اليساري الذي يعاني أزمة قيادة وانشقاقات، وحزب الجبهة الديمقراطية الليبرالي الذي يسعى إلى الائتلاف مع عدة مجموعات ليبرالية أخرى، والحزب الناصري. أما الحزب الوطني الذي حكم البلاد منفرداً منذ السبعينات، فقد حل بأمر قضائي، ويعتقد أن من تبقى من قياداته التي لم تتهم بالفساد سيتوزع على عدة أحزاب أخرى أو ينشط كعناصر مستقلة. وقد نجح حزب الوسط، الذي يمثل ما يعرف بالتوجه الإسلامي الليبرالي، في الحصول على حكم قضائي بالترخيص بعد سنوات طويلة من الرفض، وكذلك حزب الإصلاح والتنمية بقيادة عصمت السادات. ويعتقد أن حزب الكرامة، ناصري التوجه، الذي يقوده حمدين صباحي، سيحصل هو الآخر على حكم قضائي بالترخيص، لتشابه وضعه مع حزبي الوسط والإصلاح والتنمية.
بيد أن عدداً كبيراً من المشاريع المعلنة لأحزاب جديدة، مثل التحالف الشعبي بقيادة عبد الغفار شكر (يسار)، مصر الحرة بقيادة عمرو حمزاوي (ليبرالي)، الديمقراطي الاجتماعي بقيادة محمد أبو الغار (يسار وسط)، النهضة بقيادة إبراهيم الزعفراني (إسلامي منشق عن الإخوان)، حزب العدل بقيادة مصطفى النجار (ليبرالي)، المصريون الأحرار بقيادة رجل الأعمال الشهير نجيب ساويرس (ليبرالي)، والتوحيد العربي بقيادة محفوظ عزام (قومي – عربي)، لم يستطع أيا منها بعد توفير شرط الخمسة آلاف توقيع من عشرة محافظات، الضروري للتقدم بطلب ترخيص.
الحزبان الوحيدان اللذان استطاعا توفير شرط الخمسة آلاف توقيع، بل أكثر من ذلك بكثير، هما حزب الحرية والعدل الذي سيصبح ذراع الإخوان المسلمين السياسي – الحزبي، وحزب النور، الذي يمثل إحدى المجموعات السلفية من وسط الدلتا. ويتوقع أن يرخص للحزبين خلال هذا الشهر يونيو/ حزيران. بمعنى أن الإسلاميين فقط وسط هذه الساحة السياسية متعددة الأصوات والتوجهات من استطاع حتى الآن توفير شرط الخمسة آلاف توقيع المتواضع (مقارنة بتعداد سكان مصر)، لإطلاق حزب سياسي. كل الأحزاب السياسية الأخرى تواجدت بالفعل قبل الثورة المصرية، أو رخص لها بحكم قضائي في طلبات ترخيص سابقة على اندلاع الثورة. ولهذا الوضع دلالات لا يمكن تجاهلها.
الأول، أن من الصعب تجاهل وجهة نظر التيار الإسلامي الداعمة لخارطة الطريق المعلنة للمرحلة الانتقالية، وإن كان لدى هذا التيار استعداد لتعديلات طفيفة في هذه الخارطة. الثاني، أنه وبالرغم من أخطاء الإسلاميين الملحوظة في الشهور القليلة الماضية، لاسيما في عملية الانتقال من العمل السياسي غير الشرعي إلى حالة العمل الشرعي والمفتوح، فمن المتوقع أن يشكل الإسلاميون الكتلة الأكبر في مجلس الشعب المقبل. الثالث، أن من الصعب تصور قيام مؤسسات حكم مصرية مستقرة، من برلمان وحكومة ورئاسة جمهورية، لا تأخذ الثقل الإسلامي المصري في الاعتبار؛ وهذا ربما ما بات يدركه المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحاكم.
الإخوان، الذين يعتبرون الأكثر تنظيماً واستعداداً لخوض الانتخابات، أعلنوا عزوفهم عن التقدم بمرشح للتنافس على رئاسة الجمهورية، بل وعزمهم على عدم دعم من يترشح للرئاسة من أعضاء الجماعة (والمقصود على الأرجح عبد المنعم أبو الفتوح، القيادي الإخواني البارز الذي أعلن بالفعل عزمه على الترشح للانتخابات الرئاسية)، إلا أنهم سيتنافسون على مقاعد مجلس الشعب، مهما كان النظام الذي سيحكم انتخابات المجلس؛ وبالرغم من أنهم أكدوا على أنهم لن ينافسوا على أكثر من 49 بالمائة من مقاعد المجلس، فمن المعتقد أنهم سيعقدون تحالفات مع المرشحين في 20 – 30 بالمائة من المقاعد الأخرى. ولأن مصر لم تعرف انتخابات برلمانية نزيهة منذ عقود طويلة، فمن الصعب على أية حال توقع ما يمكن للإسلاميين، سواء في حزب الحرية والعدالة الإخواني، أو الأحزاب والمجموعات السلفية، أو الوسط، أو الإسلاميين المستقلين، تحقيقه؛ المؤكد أن الكتلة الإسلامية ستكون البرلمانية الأكبر.
خارطة مرشحي الرئاسة
ثمة عدد كبير نسبياً ممن أعلنوا عن طموحهم للتنافس على رئاسة الجمهورية، بالرغم من أن لا موعد الانتخابات الرئاسية ولا قانون هذه الانتخابات قد أعلن بعد. بين هؤلاء كل من أمين عام جامعة الدول العربية السابق ووزير الخارجية المصرية الأسبق عمرو موسى، ومحمد البرادعي المعارض المعروف لنظام مبارك ورئيس وكالة الطاقة النووية السابق، والقاضي البارز هشام البسطاويسي، والسياسي الناصري والبرلماني السابق حمدين صباحي، والسياسي المعارض لمبارك ومنافسه السابق في الرئاسة أيمن نور، والقيادي الإخواني البارز عبد المنعم أبو الفتوح. ولكن ثمة مؤشرات متزايدة على أن المرشحين الأكثر جدية وحظاً هم موسى والبرادعي وأبو الفتوح.
بيد أن الخارطة لم تكتمل بعد. فبالإضافة إلى أبو الفتوح، الذي يعتبر مرشح التيار الإسلامي العام، تردد مؤخراً احتمال أن يعلن المفكر والشخصية العامة الإسلامية د. محمد سليم العوا عن ترشحه هو أيضاً. كما أن هناك عدداً من بين الملتفين حول رئيس الوزراء عصام شرف من يعتقد أن عليه الترشح للموقع. والمرجح تراجع حظوظ أي من هؤلاء المرشحين الثلاثة في حال ترشح اثنان أو أكثر منهم، نظراً لأنهم يتنافسون على قاعدة انتخابية واحدة تقريباً ويتكلمون لغة واحدة. ولكن اتفاقهم على دعم مرشح واحد منهم، سيجعل رئاسة الجمهورية في مرمى التيار الإسلامي، الذي يوصف عادة بالمعتدل، للمرة الأولى منذ تأسيس الجمهورية المصرية.
وما يبدو مؤكداً على أية حال أن المزاج السياسي المصري في مرحلة ما بعد الثورة بات أقرب إلى تقليص صلاحيات رئاسة الجمهورية في الدستور الدائم الجديد، بعد أن كان الرئيس يتمتع بصلاحيات شبه مطلقة طوال أكثر من نصف قرن من تاريخ الجمهورية. ولكن من الصعب التكهن الآن بما إن كان الدستور سيؤسس لنظام حكم برلماني أو رئاسي – برلماني مختلط.
المرحلة الانتقالية إلى أين؟
إن رجحت كفة الداعين إلى إعادة النظر في خارطة طريق المرحلة الانتقالية ومن ثم إطالة أمد هذه المرحلة، إلى جانب تصاعد حدة الاستقطاب السياسي في البلاد، فليس من المستبعد أن تبرز لدى الضباط الشبان في المجلس العسكري رغبة في أن يعود الجيش للسيطرة على الحكم في صيغة جديدة. ولكن توازنات القوى السياسية الراهنة لا تشير إلى مثل هذا السيناريو؛ ليس فقط لأن التيار الداعي لانتقال سريع إلى الحكم المدني هو التيار الأغلب في الشارع المصري، بل أيضاً لأن من الصعب تصور محاولة المؤسسة العسكرية العودة إلى حكم البلاد، أو السيطرة على رئاسة الجمهورية على الأقل، في ظل الحيوية السياسية الهائلة التي لا تزال تسم الحياة السياسية المصرية بسماتها. ولكن هذا السيناريو لا يمكن استبعاده كلية إلى أن تكتمل عملية الانتقال إلى الحكم المدني ويكتمل بناء مؤسسات نظام الحكم الجديد.
المؤكد على أية حال أن المصريين باتوا في حاجة ملحة لحسم موقع ودور المؤسسة العسكرية في شؤون الدولة والحياة العامة، سواء من خلال نص دستوري أو قانوني تأسيسي، ليس فقط للحفاظ على مدنية الدولة ونظام الحكم الجديدين، ولكن أيضاً للحفاظ على المؤسسة العسكرية من تدخل القيادات السياسية ومحاولتها توظيف الجيش لخدمة مصالحها الخاصة.
ومن الواضح أن الاستقطاب الحاد في الخطاب السياسي العام سيستمر إلى حين، ولن يخفت أو يتراجع إلا بعدما ينتهي المصريون من انتخاب مجلس الشعب، ويقروا دستورهم الجديد، وينتخبوا رئيسهم المقبل، ويتضح نجاح مؤسسات الحكم، مهما كانت الهوية السابقة لقادتها، في التوكيد على توجهها نحو استيعاب التعددية المصرية وقدرتها على ذلك. المهم الآن أن لا تتصاعد
حدة الاستقطاب لتجعل من المرحلة الانتقالية أكثر تعقيداً مما هي عليه.
المصدر: مركز الجزيرة للدراسات
كان من المفترض، طبقاً لخارطة طريق المرحلة الانتقالية، أن تشهد مصر انتخابات برلمانية في موعد أقصاه يوليو/ تموز، يليها مباشرة قيام مجلس الشعب الجديد بانتخاب مجلس تأسيسي من 100 عضو، يضع مسودة دستور دائم للبلاد خلال ستة أشهر. كما تقوم البلاد بانتخاب رئيس جمهورية جديد، بعد شهرين من انتخاب مجلس الشعب. وبانتخاب رئيس الجمهورية، يعود الجيش إلى ثكناته، وتنتهي مهمة المجلس الأعلى للقوات المسلحة؛ على أن يقوم رئيس الجمهورية بطرح مسودة الدستور على الاستفتاء الشعبي خلال شهرين من اكتمال عمل المجلس الدستوري التأسيسي.
بيد أن خارطة الطريق هذه أثارت جدلاً محتدماً في مصر، لم تحد منه الدعوات المتكررة للعودة إلى مناخ التوافق الوطني الذي ساد أسابيع الثورة المصرية. وبالرغم من أن هذا الجدل تجلى في صور مختلفة، سياسية ودستورية وحزبية، فليس ثمة شك أن جوهره يتعلق بالاستقطاب المتزايد بين التيار الإسلامي المصري، لاسيما قوته السياسية الأكبر: الإخوان المسلمون، والقوى والشخصيات الليبرالية والعلمانية وبعض القومية. يثير هذه الاستقطاب مخاوف متزايدة حول ما إن كانت المرحلة الانتقالية ستسير بالفعل كما خطط لها، وإن كانت ستؤدي إلى اكتمال تشكيل مؤسسات الدولة المدنية بالسرعة المفترضة.
تحاول هذه الورقة تسليط بعض الضوء على هذا الاستقطاب، على القوى السياسية المصرية الرئيسة التي تشكل عناصره، وعلى القضايا والمسائل محل الخلاف والجدل في الساحة السياسية المصرية. كما تحاول الورقة استشراف أفق الأشهر القليلة التالية، والتطورات المحتملة في سياق المرحلة الانتقالية.
المجلس العسكري والمرحلة الانتقالية
المعترضون على خارطة الطريق
خارطة حزبية بطيئة التشكل
خارطة مرشحي الرئاسة
المرحلة الانتقالية إلى أين؟
المجلس العسكري والمرحلة الانتقالية
منذ توليه شؤون البلاد عقب سقوط نظام الرئيس مبارك، شهدت العلاقة بين المصريين عموماً، والنشطين السياسيين منهم على وجه الخصوص، والمجلس الأعلى للقوات المسلحة، حلقات من التوتر والشك. والمشكلة لم تكن في جوهرها أن المصريين وجدوا أنفسهم في مرحلة ما بعد مبارك تحت قيادة مجلس عسكري. الحقيقة، أن قطاعاً واسعاً من المصريين لم يزل يشعر بالامتنان للدور الذي قام به الجيش في حسم الثورة لصالح الشعب. ولكن بعض البطء الذي اتسمت به قيادة المجلس، خصوصاً فيما يتعلق بالتخلص من بقايا النظام السابق، ولّد شعوراً بأن المجلس أحرص على الاستقرار بأي ثمن منه على أهداف الثورة والعمل على بناء نظام حكم جديد. وقد شكّل التخلص من حكومة أحمد شفيق، ومحاكمة عائلة الرئيس مبارك وكبار شخصيات نظامه ورجال الأعمال الذين التفوا حوله، بعضاً من أبرز الانتقادات التي وجهت لنهج المجلس العسكري وسياساته. شيئاً فشيئاً، وسواء لاقتناعه أو خضوعاً للضغط الشعبي، استجاب المجلس خلال الشهور القليلة الماضية لأغلب هذه المطالب الشعبية.
بيد أن المجلس العسكري لم يجد نفسه في مواجهة إجماع وطني ملموس عندما تعلق الأمر بالمسائل الدستورية الرئيسة، الخاصة بالدولة ونظام الحكم؛ وهو ما يحيط مسار المرحلة الانتقالية بقدر ملموس من الغموض. صوّت المصريون بأغلبية كبيرة في مارس/ آذار الماضي لصالح التعديلات الدستورية وخارطة الطريق التي تطرحها. على أن المجلس، ربما يتعرض لضغوط أميركية وأوروبية وأخرى داخلية حركتها القوى الليبرالية المصرية تطالبه بتأجيل الانتخابات البرلمانية، لكنه أكد في نهاية مايو/ أيار تمسكه بإجرائها في موعدها مطلع سبتمبر/ أيلول، دون أن يحدد بعد موعد انعقاد انتخابات رئيس الجمهورية، كما لم يطرح مسودة قانون انتخابات الرئاسة. وبذلك، لا يعتبر من أعلنوا عن ترشحهم لموقع الرئاسة حتى الآن مرشحين رسميين، أو إطلاق حملات انتخابية مكتملة الأركان. الحقيقة، أن كل ما يتعلق الآن بانتخابات رئاسة الجمهورية ليس أكثر من نشاطات غير رسمية.
طبقاً للمسودة المعلنة لقانون انتخابات مجلس الشعب، فإن الانتخابات ستخضع لإشراف قضائي كامل؛ ونظراً لأن الجسم القضائي غير كافٍ لتغطية كافة الدوائر الانتخابية، فالأرجح أن تجري الانتخابات على مرحلتين أو أكثر. ونظراً لأن الانتخابات ستجري طبقاً لنظام مختلط، من القوائم والأفراد، ففي حال لم تحسم مقاعد ما، فستعقد جولة الحسم بعد عدة أسابيع من الانتخابات الأولية. ولذا، فإن انتخابات مجلس الشعب ستأخذ على الأقل شهراً، وربما أكثر، من الزمن. وإن وضعنا في الاعتبار أن المجلس العسكري يتداول الآن فكرة كتابة الدستور والاستفتاء عليه، قبل أن تعقد الانتخابات الرئاسية، فالأرجح أن رئيساً منتخباً لمصر لن يتسلم مقاليد الحكم قبل مارس/ آذار المقبل. مثل هذا الجدول الزمني يفتح المرحلة الانتقالية على احتمالات كثيرة.
من جهته، بات من الواضح أن المجلس العسكري شرع مؤخراً في محاولة استعادة وحدة المصريين عن طريق فتح قنوات حوار مباشر مع قطاعات النشطين الشباب، من جهة، وتكرار الحديث عن مؤامرة تستهدف وحدة الشعب والجيش أو حتى وحدة الوطن المصري، من جهة أخرى. قد تكون المؤامرات التي يشير إليها المجلس واقعية وحقيقة بالفعل؛ ولكن المؤكد أن القيادة العسكرية تستشعر قلقاً متزايداً حول بطء عودة الاستقرار للبلاد وإعادة عجلة الإنتاج والعمل والسياحة إلى وضعها المعتاد. وقد يكون هذا القلق وليس أية مخططات أخرى للحفاظ على دور ما للمؤسسة العسكرية في نظام الحكم، هو ما يفسر ميل المجلس العسكري إلى تجنب اتخاذ قرارات راديكالية أو سريعة خلال المرحلة الانتقالية.
المعترضون على خارطة الطريق
تعود المسؤولية في الغموض الذي بات يكتنف عموم المرحلة الانتقالية إلى الانقسام العميق الذي أخذت تشهده الساحة السياسية المصرية إلى ما قبل الاستفتاء على التعديلات الدستورية. استخدم المعترضون على خارطة الطريق التي طرحتها التعديلات كل الحجج السياسية والدستورية الممكنة للعمل على إطالة المرحلة الانتقالية، ابتداءً من مسألة عدم جاهزية القوى السياسية والأحزاب لخوض الانتخابات، مروراً بضرورة تشكيل مجلس رئاسي مختلط من مدنيين وعسكريين، وصولاً إلى المطالبة بأن يسبق وضع دستور دائم جديد كل خطوة أخرى. ولكن جوهر الاعتراضات كان في الحقيقة الخوف الذي يجتاح قوى سياسية مصرية من سيطرة الإخوان المسلمين على مجلس الشعب المقبل، سواء بأكثرية إخوانية مباشرة، أو بأكثرية تستند إلى كتلة إخوانية ومن يتحالف معها، وبالتالي سيطرة الإخوان على المجلس التأسيسي الذي سيتعهد وضع الدستور.
يضم المعترضون على خارطة الطريق الأولية طيفاً واسعاً، من أمثال المرشحين لرئاسة الجمهورية، محمد البرادعي وعمرو موسى، وشخصيات عامة أو أكاديمية، مثل ممدوح حمزة وحسن نافعة، وقوى حزبية من كل التوجهات السياسة، يسارية وناصرية وليبرالية. المشكلة في أطروحات المعترضين أن أياً من مقولاتهم لا يستند إلى أرضية سياسية ودستورية صلبة.
الداعون إلى انتخابات رئاسية أولاً يتجاهلون حقيقة أن من المتوقع أن يحد الدستور الجديد من صلاحيات الرئيس، وبالتالي فقد تنتهي البلاد إلى رئاسة تختلف صلاحياتها بين شهورها الأولى والشهور التي تعقب إقرار الدستور الجديد؛ هذا إن لم يفرض الدستور الجديد أصلاً انتخابات رئاسية جديدة. أما من يقولون بضرورة تشكيل مجلس رئاسي مدني – عسكري، فيتجاهلون حقيقة أن بلداً مثل مصر يصعب أن يقاد من قبل رئاسة جماعية، ناهيك عن صعوبة اختيار، أو انتخاب، الأعضاء المدنيين في المجلس الرئاسي. وسيكون الانتقال من المرحلة المؤقتة إلى الدائمة مملوءا بالتعقيدات ومخاطر الفشل، وتؤدي إطالة الأمد إلى الشعور بعدم الاستقرار وفقدان اليقين. ولعل أكثر المقولات هشاشة هي تلك المتعلقة بعدم جاهزية القوى السياسية المختلفة للانتخابات، بالرغم من أن أغلب هذه القوى تواجد في أحزاب منذ سنوات أو عقود، بينما كان الإخوان المسلمون تنظيماً سرياً معرضاً لهجمات أمنية مستمرة. فإن لم تستطع أحزاب متواجدة منذ السبعينات خوض معركة انتخابية متكافئة مع الإخوان خلال شهور، فمتى يمكنها أن تستطيع؟
النتيجة المحتملة لمثل هذه الأطروحات هي بالطبع تخفيف الضغوط على المجلس العسكري للالتزام بخارطة الطريق الأولية، وتشجيع المجلس على إدخال تعديلات إضافية على الجدول الزمني الذي سبق أن صوت الشعب لإقراره بأغلبية كبيرة. وفي حال طالت المرحلة الانتقالية وتصاعدت حدة الاستقطاب السياسي الداخلي، فلا يمكن لأحد التننبؤ بما يمكن أن يلجأ إليه العسكريون.
خارطة حزبية بطيئة التشكل
لم ينعكس الجدل في المنتديات وفي وسائل الإعلام، الذي يكتنف المرحلة الانتقالي، بعد على الخارطة الحزبية، التي يفترض أن ترسم ملامح مجلس الشعب القادم وما ينجم عنه من مجلس تأسيسي ودستور دائم. الأحزاب المتواجدة قبل الثورة، والتي يتفق معظم المصريين على ضعف أدائها وضيق قاعدتها الشعبية لم تزل تعمل، وأبرزها حزب الوفد الليبرالي التوجه، وحزب التجمع اليساري الذي يعاني أزمة قيادة وانشقاقات، وحزب الجبهة الديمقراطية الليبرالي الذي يسعى إلى الائتلاف مع عدة مجموعات ليبرالية أخرى، والحزب الناصري. أما الحزب الوطني الذي حكم البلاد منفرداً منذ السبعينات، فقد حل بأمر قضائي، ويعتقد أن من تبقى من قياداته التي لم تتهم بالفساد سيتوزع على عدة أحزاب أخرى أو ينشط كعناصر مستقلة. وقد نجح حزب الوسط، الذي يمثل ما يعرف بالتوجه الإسلامي الليبرالي، في الحصول على حكم قضائي بالترخيص بعد سنوات طويلة من الرفض، وكذلك حزب الإصلاح والتنمية بقيادة عصمت السادات. ويعتقد أن حزب الكرامة، ناصري التوجه، الذي يقوده حمدين صباحي، سيحصل هو الآخر على حكم قضائي بالترخيص، لتشابه وضعه مع حزبي الوسط والإصلاح والتنمية.
بيد أن عدداً كبيراً من المشاريع المعلنة لأحزاب جديدة، مثل التحالف الشعبي بقيادة عبد الغفار شكر (يسار)، مصر الحرة بقيادة عمرو حمزاوي (ليبرالي)، الديمقراطي الاجتماعي بقيادة محمد أبو الغار (يسار وسط)، النهضة بقيادة إبراهيم الزعفراني (إسلامي منشق عن الإخوان)، حزب العدل بقيادة مصطفى النجار (ليبرالي)، المصريون الأحرار بقيادة رجل الأعمال الشهير نجيب ساويرس (ليبرالي)، والتوحيد العربي بقيادة محفوظ عزام (قومي – عربي)، لم يستطع أيا منها بعد توفير شرط الخمسة آلاف توقيع من عشرة محافظات، الضروري للتقدم بطلب ترخيص.
الحزبان الوحيدان اللذان استطاعا توفير شرط الخمسة آلاف توقيع، بل أكثر من ذلك بكثير، هما حزب الحرية والعدل الذي سيصبح ذراع الإخوان المسلمين السياسي – الحزبي، وحزب النور، الذي يمثل إحدى المجموعات السلفية من وسط الدلتا. ويتوقع أن يرخص للحزبين خلال هذا الشهر يونيو/ حزيران. بمعنى أن الإسلاميين فقط وسط هذه الساحة السياسية متعددة الأصوات والتوجهات من استطاع حتى الآن توفير شرط الخمسة آلاف توقيع المتواضع (مقارنة بتعداد سكان مصر)، لإطلاق حزب سياسي. كل الأحزاب السياسية الأخرى تواجدت بالفعل قبل الثورة المصرية، أو رخص لها بحكم قضائي في طلبات ترخيص سابقة على اندلاع الثورة. ولهذا الوضع دلالات لا يمكن تجاهلها.
الأول، أن من الصعب تجاهل وجهة نظر التيار الإسلامي الداعمة لخارطة الطريق المعلنة للمرحلة الانتقالية، وإن كان لدى هذا التيار استعداد لتعديلات طفيفة في هذه الخارطة. الثاني، أنه وبالرغم من أخطاء الإسلاميين الملحوظة في الشهور القليلة الماضية، لاسيما في عملية الانتقال من العمل السياسي غير الشرعي إلى حالة العمل الشرعي والمفتوح، فمن المتوقع أن يشكل الإسلاميون الكتلة الأكبر في مجلس الشعب المقبل. الثالث، أن من الصعب تصور قيام مؤسسات حكم مصرية مستقرة، من برلمان وحكومة ورئاسة جمهورية، لا تأخذ الثقل الإسلامي المصري في الاعتبار؛ وهذا ربما ما بات يدركه المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحاكم.
الإخوان، الذين يعتبرون الأكثر تنظيماً واستعداداً لخوض الانتخابات، أعلنوا عزوفهم عن التقدم بمرشح للتنافس على رئاسة الجمهورية، بل وعزمهم على عدم دعم من يترشح للرئاسة من أعضاء الجماعة (والمقصود على الأرجح عبد المنعم أبو الفتوح، القيادي الإخواني البارز الذي أعلن بالفعل عزمه على الترشح للانتخابات الرئاسية)، إلا أنهم سيتنافسون على مقاعد مجلس الشعب، مهما كان النظام الذي سيحكم انتخابات المجلس؛ وبالرغم من أنهم أكدوا على أنهم لن ينافسوا على أكثر من 49 بالمائة من مقاعد المجلس، فمن المعتقد أنهم سيعقدون تحالفات مع المرشحين في 20 – 30 بالمائة من المقاعد الأخرى. ولأن مصر لم تعرف انتخابات برلمانية نزيهة منذ عقود طويلة، فمن الصعب على أية حال توقع ما يمكن للإسلاميين، سواء في حزب الحرية والعدالة الإخواني، أو الأحزاب والمجموعات السلفية، أو الوسط، أو الإسلاميين المستقلين، تحقيقه؛ المؤكد أن الكتلة الإسلامية ستكون البرلمانية الأكبر.
خارطة مرشحي الرئاسة
ثمة عدد كبير نسبياً ممن أعلنوا عن طموحهم للتنافس على رئاسة الجمهورية، بالرغم من أن لا موعد الانتخابات الرئاسية ولا قانون هذه الانتخابات قد أعلن بعد. بين هؤلاء كل من أمين عام جامعة الدول العربية السابق ووزير الخارجية المصرية الأسبق عمرو موسى، ومحمد البرادعي المعارض المعروف لنظام مبارك ورئيس وكالة الطاقة النووية السابق، والقاضي البارز هشام البسطاويسي، والسياسي الناصري والبرلماني السابق حمدين صباحي، والسياسي المعارض لمبارك ومنافسه السابق في الرئاسة أيمن نور، والقيادي الإخواني البارز عبد المنعم أبو الفتوح. ولكن ثمة مؤشرات متزايدة على أن المرشحين الأكثر جدية وحظاً هم موسى والبرادعي وأبو الفتوح.
بيد أن الخارطة لم تكتمل بعد. فبالإضافة إلى أبو الفتوح، الذي يعتبر مرشح التيار الإسلامي العام، تردد مؤخراً احتمال أن يعلن المفكر والشخصية العامة الإسلامية د. محمد سليم العوا عن ترشحه هو أيضاً. كما أن هناك عدداً من بين الملتفين حول رئيس الوزراء عصام شرف من يعتقد أن عليه الترشح للموقع. والمرجح تراجع حظوظ أي من هؤلاء المرشحين الثلاثة في حال ترشح اثنان أو أكثر منهم، نظراً لأنهم يتنافسون على قاعدة انتخابية واحدة تقريباً ويتكلمون لغة واحدة. ولكن اتفاقهم على دعم مرشح واحد منهم، سيجعل رئاسة الجمهورية في مرمى التيار الإسلامي، الذي يوصف عادة بالمعتدل، للمرة الأولى منذ تأسيس الجمهورية المصرية.
وما يبدو مؤكداً على أية حال أن المزاج السياسي المصري في مرحلة ما بعد الثورة بات أقرب إلى تقليص صلاحيات رئاسة الجمهورية في الدستور الدائم الجديد، بعد أن كان الرئيس يتمتع بصلاحيات شبه مطلقة طوال أكثر من نصف قرن من تاريخ الجمهورية. ولكن من الصعب التكهن الآن بما إن كان الدستور سيؤسس لنظام حكم برلماني أو رئاسي – برلماني مختلط.
المرحلة الانتقالية إلى أين؟
إن رجحت كفة الداعين إلى إعادة النظر في خارطة طريق المرحلة الانتقالية ومن ثم إطالة أمد هذه المرحلة، إلى جانب تصاعد حدة الاستقطاب السياسي في البلاد، فليس من المستبعد أن تبرز لدى الضباط الشبان في المجلس العسكري رغبة في أن يعود الجيش للسيطرة على الحكم في صيغة جديدة. ولكن توازنات القوى السياسية الراهنة لا تشير إلى مثل هذا السيناريو؛ ليس فقط لأن التيار الداعي لانتقال سريع إلى الحكم المدني هو التيار الأغلب في الشارع المصري، بل أيضاً لأن من الصعب تصور محاولة المؤسسة العسكرية العودة إلى حكم البلاد، أو السيطرة على رئاسة الجمهورية على الأقل، في ظل الحيوية السياسية الهائلة التي لا تزال تسم الحياة السياسية المصرية بسماتها. ولكن هذا السيناريو لا يمكن استبعاده كلية إلى أن تكتمل عملية الانتقال إلى الحكم المدني ويكتمل بناء مؤسسات نظام الحكم الجديد.
المؤكد على أية حال أن المصريين باتوا في حاجة ملحة لحسم موقع ودور المؤسسة العسكرية في شؤون الدولة والحياة العامة، سواء من خلال نص دستوري أو قانوني تأسيسي، ليس فقط للحفاظ على مدنية الدولة ونظام الحكم الجديدين، ولكن أيضاً للحفاظ على المؤسسة العسكرية من تدخل القيادات السياسية ومحاولتها توظيف الجيش لخدمة مصالحها الخاصة.
ومن الواضح أن الاستقطاب الحاد في الخطاب السياسي العام سيستمر إلى حين، ولن يخفت أو يتراجع إلا بعدما ينتهي المصريون من انتخاب مجلس الشعب، ويقروا دستورهم الجديد، وينتخبوا رئيسهم المقبل، ويتضح نجاح مؤسسات الحكم، مهما كانت الهوية السابقة لقادتها، في التوكيد على توجهها نحو استيعاب التعددية المصرية وقدرتها على ذلك. المهم الآن أن لا تتصاعد
حدة الاستقطاب لتجعل من المرحلة الانتقالية أكثر تعقيداً مما هي عليه.
المصدر: مركز الجزيرة للدراسات