الثقة
بحث فى ركن الثقة فى فكر الأخوان المسلمين
1- تعريف الثقة
مصدر قولك وَثِقَ به يَثِقُ، بالكسر فيهما، وثاقةً وثِقَةً ائتمنه، وأنا واثِقٌ به وهو موثوق به، وهي مَوثوقٍ بها وهم موثوق بهم؛ فأَما قوله: إلى غير مَوْثوقٍ من الأرض تَذْهَب فإنه أَراد إلى غير مَوثوقٍ به، فحذف حرف الجرّ فارتفع الضمير فاستتر في اسم المفعول.
ورجل ثِقةٌ وكذلك الاثنان والجمع، وقد يجمع على ثِقاتٍ.
ويقال: فلان ثِقةٌ وهي ثِقةٌ وهم ثِقةٌ، ويجمع على ثِقاتٍ في جماعة الرجال والنساء.
ووَثَّقْت فلاناً إذا قلت إنه ثِقةٌ.
وأَرض وثِقةٌ: كثيرة العُشْب مَوْثوق بها، وفي مثل الوَثِيجة وهي دُوَيْنها، وكلأ موثِق: كثير مَوثوق به أن يكفي أَهله عامهم، وماء مُوثِق كذلك؛ قال الأخطل: أو قارِبٌ بالعَرا هاجَتْ مراتِعُه، وخانه مُوثِقُ الغُدْرانِ والثَّمَرُ والوَثاقة: مصدر الشيء الوَثِىق المُحْكَم، والفعل اللازم يَوْثُقُ وَثاقةً، والوَثاق اسم الإيثاق؛ تقول: أوثَقْتُه إيثاقاً ووَثاقاً، والحبل أو الشيء الذي يُوثَق به وِثاقٌ، والجمع الوُثُقُ بمنزلة الرِّباطِ والرُّبُطِ.
وأَوْثَقهُ في الوَثاقِ أي شده.
وقال تعالى: فشُدُّوا الوَثاق، والوِثاق، بكسر الواو، لغة فيه.
ووَثُقَ الشيء، بالضم، وَثاقةً فهو وَثِيقٌ أي صار وَثِيقاً والأُنثى وَثِيقة. التهذيب: والوَثِيقةُ في الأَمر إحْكامه والأَخذ بالثِّقَةِ، والجمع الوَثِائقُ.
وفي حديث الدعاء: واخلع وَثائِقَ أفئدتهم؛ جمع وَثاقٍ أو وَثِيقةٍ.
والوَثِيقُ: الشيء المُحْكم، والجمع وِثاقٌ.
ويقال: أَخذ بالوَثِيقة في أمره أي بالثِّقَة، وتوَثَّق في أَمره: مثله.
ووَثَّقْتُ الشيء تَوْثِيقاً، فهو مُوَثَّق.
والوَثِيقة: الإحكام في الأمر، والجمع وَثِيق؛ عن ابن الأَعرابي؛ وأَنشد: عَطاءً وصَفْقاً لا يُغِبّ، كأنما عليك بإتْلافِ التِّلادِ وَثِىقُ وعندي أَن الوَثِيقَ ههنا إنما هو العَهْد الوَثِيقُ، وقد أَوْثَقَه ووَثَّقَه وإنه لمُوَثَّقُ الخلق.
والمَوْثِقُ والمِيثاقُ: العهد، صارت الواو ياء لانكسار ما قبلها، والجمع المَواثِيقُ على الأصل، وفي المحكم: والجمع المَواثِقُ، وميَاثِق معاقبة، وأما ابن جني فقال: لزم البدل في ميَاثق كما لزم في عيدٍ وأَعْيادٍ؛ وأنشد الفراء لعياض بن دُرَّة الطائي: حِمىً لا يحُل الدَّهْرُ إلا بإذْنِنا، ولا نَسَلِ الأقْوامَ عَقْدَ المَياثِقِ والمَوْثِقُ: الميثاقُ.
وفي حديث ذي المشعار: لنا من ذلك ما سَلَّموا بالمِيثاقِ والأمانة أي أنهم مأْمونون على صدقات أَموالهم بما أُخذ عليهم من المِيثاق فلا يُبْعث عليهم مُصَدِّق ولا عاشر.
والمُواثقة: المعاهدة؛ ومنه قوله تعالى: وميثاقَه الذي واثَقكم به.
وفي حديث كعب بن مالك: ولقد شهدت مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ليلة العقبة حين تَواثَقْنا على الإسلام أي تحالفنا وتعاهدنا.
والتَّواثُق، تفاعُل منه.
والمِيثاقُ: العهد، مِفْعال من الوَثاقِ، وهو في الأَصل حبل أو قَيْد يُشدّ به الأسير والدابة.
وفي حديث مُعاذٍ وأبي موسى: فرأَى رجلاَ مُوثَقاً أي مأْسوراً مشدوداً في الوَثاق. التهذيب: المِيثاقُ من المُواثَقةِ والمعاهدة؛ ومنه المَوْثِقُ. تقول: واثَقْتُه بالله لأَفْعلنَّ كذا وكذا.
ويقال: اسْتَوْثَقْت من فلان وتَوَثَّقْتُ من الأمر إذا أَخذت فيه بالوَثاقةِ، وفي الصحاح: واسْتَوْثَقْت منه أي أَخذت منه الوَثِيقةَ.
وأَخذ الأمر بالأَوْثَقِ أي الأشد الأحكم.
والمُوثِقُ من الشجر: الذي يُعَوّل الناس عليه إذا انقطع الكلأ والشجر.
وناقة وثِيقةٌ وجمل وَثيقٌ وناقة مُوَثَّقة الخلق: مُحْكمة.(لسان العرب)
قالوا في القاموس أنها : ( الإحكام في الأمر )
، ولك أن تتأمل في أحد تكويناتها وهي كلمة ( الوثاق ) و هو القيد أو الحبل يُشد به الأسير والدابة !! ، وفي القاموس المحيط : وثق بمعنى ائتمن !!! والوثيق أي المحكم !!! .
ومن هنا تأتي خطورة المصطلح !! فالثقة اصطلاحاً : هي الاطمئنان والائتمان وما يتبع ذلك من تصديق وانقياد !!! ، و هذه الكلمات الخطيرة !! هي ما ينبغي أن يستحضره الأخ العابد العامل لدين الله عز و جل وقد ارتضي لنفسه السير في ركب الحركة الإسلامية !! قبل أن يعطي الله العهد والميثاق علي خوض غمار التحدي والسير في طريق الجنة بما ارتضاه لنفسه من فهم وعمل !!
2-الثقة من وحى القرأن
لم يكن القرأن المنزل وحيا من السماء على النبى الخاتم مجرد رسائل للتثبيت والتطمين فحسب بل منهاج متكامل شامل يتناول جميع شئون الجماعة المؤمنة ينظم لها حياتها ويحدد لها ملامح نهضتها بل ويضبط أخلاقها وسلوكها وأنفعالاتها
نزل القرأن كدستور سرمدى أبدى يحدد سمات الجماعة المؤمنة ومواصفات فلاحها ونجاحها ويشرع قوانين ونظم تسير شئون الحياة وفق رؤية ربانية تصون المجتمع وتحقق الغاية السامية من وراء خلق المخلوقات
أشتمل القرأن على مفاهيم ومفردات عدة تلتصق مباشرة بواقع حال المجتمع المسلم مثل الايجابية والسلبية والخوف والجبن والنفاق والكذب والتضحية والفداء والايثار والأثرة الخ.
كما تضمن كتاب الله المنزل مقومات ضرورية لاستنهاض أى كيان او تجمع دعوى هذه المقومات لاغنى عنها فى تشكيل الجماعة الدعوية بل لاقائمة لها بدونها
والثقة من أهم مقومات نجاح أى جماعة دعوية أو تنظيم حركى ناهض ذلك لأنها حائط الصد المنيع الذى يقف فى وجه شائعات المرجفين والمشككين فيردها خائبة ناكصة
وعندما نتأمل الأيات الكريمة التى تناولت هذا المعنى نشعر بقوة روحية عظيمة تتنزل فتبث فى الأنفس القدرة على مواجهة الخطوب والصعاب وتحمل المشاق بثبات و اقدام كما نلمح فى الافق المعية الألهية تراقب وتدافع عن الذين أمنوا بربهم ووثقوا به
( وأفوض أمرى الى الله ان الله بصير بالعباد) (الذين قال لهم الناس ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم قالوا حسبنا الله ونعم الوكيل) أل عمران 175
ركون تام والتجاء الى الله وثقة مطلقة فى حكمته وحسن تدبيره واستمداد لقوته ونصره فى مواجهة الظلم والطغيان
ومع مشهد أخر من مشاهد الثقة فى القرأن يتجسد فى المناظرة الضخمة بين الحق المتمثل فى كليم الله موسى عليه السلام والباطل متمثلا فى فرعون وحاشيته مناظرة علنية حشد لها الطاغية كل امكاناته وطاقاته وبدأ المشهد الرهيب بتهكم وسخرية واستعلاء(فمن ربكما ياموسى) قال موسى(ربنا الذى أعطى كل شىء خلقه ثم هدى)
فجاء الرد المجحف من قلب جاحد لم يذق حلاوة الايمان (أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك ياموسى) لم يجد الطاغية امامه الا الكذب ولى الحقائق والصاق التهم ليحول بين الناس والحق (فلناتينك بسحر مثله أجعل لنا موعدا لا نخلفه نحن ولاأنت مكانا سوى) أمر فرعون زبانيته أن يجمعوا له سحرة المدائن وعندما التقى الجمعان ألقى السحرة عصيهم فاذا هى ثعابين تسعى كان المشهد مؤثرا ياخذ الألباب هنا القى موسى عصاه فاذا هى حية تأكل ما يأفكون تأكل كذبهم و أوهامهم هنا جن جنون الطاغية فدبر له الشيطان قتل موسى وصحبه حتى لايلتف من حوله الناس وبدأت المطاردة المثيرة لننتقل بالمشهد الى ساحل البحر موسى وصحبه ومن خلفهم فرعون وجنده ( انا لمدركون) هتف بها أحد اتباع موسى فالكرب شديد والموقف جلل والبحر من امامهم والجند من خلفهم لايملكون سفنا ولا سلاح (كلا ان معى ربى سيهدين) قالها موسى دون أن يعلم متى وكيف ستتحقق النجاة ولكنها الثقة المطلقة فى ان الله سيرعاه ويحميه ثقة تولدت عن ايمان عميق بقدرة الله عز وجل وحكمته فى تصريف الأمور ولم تكن هذه الثقة وليدة المحنة ولكنها ثمرة صلة روحية وثيقة جمعت موسى بخالقه (فأوحينا اليه أن أضرب بعصاك البحر فانفلق كل فرق كالطود العظيم) هكذا فى لمحة خاطفة سطعت شمس الحق لتبدد غيم الباطل فبهت الطاغية وأخذته المفاجأة فأصدر الأمر لجنوده باقتحام البحر فكانت النهاية (فأنجينا موسى ومن معه ثم اغرقنا الأخرين)
( إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ التوبة 40 )
مشهد أخر من مشاهد الثقة يصور لنا خروج النبى (ص) من مكة متخفيا مطاردا وقوى الكفر تطلق ورائه خيرة ابنائها وفلذات أكبادها والمخاطر تحدق به من كل جانب والدعوة بأسرها مهددة بالفناء والزوال ولا مكان للاختباء لم يجد النبى (ص) سوى غار مهجور العنكبوت ينسج خيطه على بابه ليتوارى فيه هو وصاحبه عن الأنظار وعندما وصلت أقدامهم الى باب الغار حبس أبابكر رضى الله عنه أنفاسه خوفا على النبوة والدعوة قائلا (يارسول الله لونظر أحدهم تحت قدميه لرأنا) فجاءه الرد الحاسم الواثق (ياأبا بكر ماظنك بأثنين الله ثالثهما) يقول سيد
3- مواقف الثقة فى السيرة النبوية
لم يكن مفهوم الثقة غائبا عن المنهج النبوى فى بناء وتربية الجماعة المؤمنة فقد غرس النبى (ص) هذا المفهوم فى نفوس أصحابه تربوا عليه وتحركوا به وأصبح ركنا اصيلا فى تكوين الشخصية المسلمة ثقة نتجت من انصهار الجميع فى بوتقة الايمان كما كانت محصلة طبيعية للممارسة العملية التربوية لما حمله القرأن والسنة المطهرة من تكاليف وواجبات جماعية
وانظر معى أخى الحبيب لهذا المشهد المؤثر النبى (ص) متكئا فى حجر الكعبة فيجيئه خباب بن الأرت وكانت حملة الايذاء والتعذيب للمستضعفين من أتباع محمد(ص) قد بلغت ذروتها فيأتى خبابا الى النبى (ص) طالبا منه النصرة (ألا تدعوا لنا ألا تستنصر لنا) وكان النبى متكئا فأعتدل وأحمرت وجنتيه ثم وجه كلامه الى خباب (ياخباب لقد كان يؤتى بالرجل من قبلكم فتحفر له حفرة ثم يوضع المنشار على مفرق رأسه فينشر الى نصفين لايرده ذلك عن دين الله والله ياخباب ليتمن الله هذا الدين حتى يسير الراكب من صنعء الى حضرموت لايخشى الا الله والذئب على غنمه ولكنكم قوم تستعجلون) يالها من ثقة فى نصر الله وياله من أسلوب تربوى نبوى فريد لغرس روح الثقة فى نفوس اصحابه فالطريق طويلة شاقة ملىء بالمحن والابتلاءات وان لم يتوفر لدى أفراد الصف القسط الكاف من الثقة فى المنهج والقيادة لفترت العزائم ووهنت النفوس وعندما انتقلت الدعوة من مكة الى يثرب كانت الثقة السمت الغالب للمجتمع المسلم الناشىء ولم تكن هذه الثقة وليدة اللحظة بل كانت ثمرة لمنهج تربوى تكوينى تواصل خلال مرحلة الاستضعاف فى مكة ثقلته المحن الشدائد واستمر بعدما انتقلت القيادة الى يثرب.
انها ثمرة رابطة الأخوة المتجردة لله وثمرة عقد البيعة عندما بايع هؤلاء النفر من الأنصار الرسول (ص) بيعة العقبة
انها بيعة على الحرب والجهاد واعلاء كلمة الله واقامة دولة الاسلام وقطع الحبال مع الحلفاء والجيران ولم يكن هؤلاء ليبياعوا لولا أن توفرت بداخلهم الثقة المطلقة فى القيادة النبوية والثقة المطلقة فى نصر الله
وعندما بدأت المكائد والمؤمرات تدبر بليل للقضاء على الدولة المسلمة الناشئة ظهر مبدأ الثقة كمرتكز رئيس فى رص الصف وتعبئة الهمم ومواجهة دسائس الأعداء فها نحن على أعتاب وقعة الفرقان وجيش قريش العرمرم يقترب من يثرب هنا جمع النبى (ص) أصحابه من المهاجرين والانصار
وقال أشيروا على ايها الناس ونظر الى الانصار فقام سعد بن معاذ كأنك تقصدنا يارسول الله والله لو خضت بنا البحر لخضناه معك
ومع أختبار جديد للثقة فى غزوة أحد لاسيما وحزب المنافقين قد بدأ ينقث سمومه داخل الصف المؤمن ولاقت كلماتهم هوى لدى أصحاب الانفس الضعيفة فعندما أراد النبى (ص) الخروج لملاقاة المشركين أشار عليه عبد الله بن ابى زعيم المنافقين أن أقم يارسول الله بالمدينة ولاتخرج منها فانا والله ماخرجنا منها الى عدو قط الا وأصاب منا ولا دخلها علينا الا أصبنا منه دعهم يارسول الله فان أقاموا اقاموا بشر محبس وان دخلوا علينا قاتلهم الرجال بوجههم ورماهم النساء والصبيان بالحجارة من فوقهم فلم يزل الناس ممن كان فى نفوسهم حب لقاء الاعداء يشيرون على النبى (ص) حتى دخل فلبس لأمته وخرج فى الف من أصحابه وعند الشوط انخذل بن سلول وثلث الجيش عائدا الى المدينة قائلا اطاعهم وعصانى ماندرى علام نقتل انفسنا ايها الناس(2) سيرة ابن اسحاق
ولك أن تتخيل مدى خطورة الأمر أن ينفصل ثلث الجيش بعتادهم وهو مقبل على حرب عنيفة ومدى تاثر الجبهة الداخلية لو لم تتربى على الثقة فى الله والمنهج والقيادة (3) المنهج الحركى252
ومما زاد الأمر خطورة أن النبى نظر فرأى كتيبة تتمايز حسنة التسليح فسأل عنها فقالوا هذه كتيبة يهود فسأل النبى (ص) أأسلموا ؟ فقالوا لا فقال (ص) مروهم فليرجعوا فانا لاننتصر بأهل الكفر على أهل الشرك (4) المنهج ا
وهذه قاصمة أخرى فالجو العام مهيأ لنشر الفوضى والبلبلة وزعزعة الثقة بين الجند والقيادة ثم حدث ما حدث فى أحد وكان بالامكان أن يوجد فى الصف المسلم من يعذر ابن سلول ويؤيد كلامه ويفتتن به ولكن جاء القرأن ليعزز الثقة فى نفوس العصبة المؤمنة ويقويها بكلمات حاسمة فاصلة (فما أصابكم يوم التقى الجمعان فمن عند الله وليعلم المؤمنين) ال عمران 154
الموقف الأخر من مواقف الثقة يتأصل فى حادثة الافك والتى نالت من عرض أم المؤمنين عائشة ويبدوا ان الصف المؤمن تأثر بالفعل بوقع الشائعة وتناقلت الخبر ألسنة بعض الصحابة وما يهمنا هنا هو الحوار الذى دار بين اباأيوب الانصارى وزوجته ام أيوب اذ قالت لزوجها اما تسمع ما يقول الناس فى عائشة؟ قال نعم وذلك الكذب أكنت فاعلة ذلك ياأم أيوب قالت لا والله ما كنت لأفعله فقال وعائشة والله خير منك ليتنزل قرأنا يتلى (لولا اذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا) ليوضح المعيار الدقيق فى التعامل مع الاشاعة وهو ثقة الأخ فى أخوانه ثقته فى نفسه وثقته فى كفاءتهم وحرصهم على دينهم
صلح الحديبية
كان صلح الحديبية وما واكبه من احداث اختبار كبير للثقة فى نفوس الصحابة رضوان الله عليهم ونفوس الجماعة المسلمة بأكملها فما احتواه الصلح من بنود مجحفة قبلتها القيادة ورجوعها عن دخول مكة هذا العام بدا لبعض الصحابة وكأنه اهانة للدولة الاسلامية الفتية ورضا بالظلم لا مبرر له
4-الثقة فى الله
الثقة فى الله قرينة الايمان العميق وثمرة لوشائج وثيقة تربط العبد بمعبوده فيتعرف عليه بدقة ويستشعر معيته
ووجوده وعظم النعمة التى أنعم بها عليه فتحيله هذه المعان الى التسليم المطلق لهذا الاله والركون التام لأرادته واستمداد عونه وقدرته والثقة فى تدبيره والرضا بنتائجه خيرا كانت أم شرا
وبالتالى يتضح لنا أن الوصول لمثل هذه الحالة يتطلب كل أعمال الخير من افعال وأقوال عبادات ومعاملات
أفكار و خواطر والتى من شأنها تقوية الصلات وتوثيق علاقة العبد بربه فتتربى النفوس على طاعة الله والانقياد لمشيئته والاستسلام لحكمه
5-الثقة فى المنهج
وهى الاقتناع التام بسلامة المنهج والتسليم المطلق برجاحة الفكرة والايمان الكامل بانه نهج الانبياء وأصحاب الدعوات وانه لاسبيل للنجاة والفلاح بدونه لما لا وهو المنهج الربانى المنزل من السماء والذى تعهد الله بحفظه وألا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه (انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون) وهذه الخصيصة الفريدة التى تميز بها منهاج الدعوة الاسلامية ضمانة هامة للمنهج من التشويه والتحريف واتباع الهوى وهانحن نرى كم من التجارب والمناهج الأرضية وقد فشلت وتوارت فى غياهب النسيان بسبب اتباع الهوى وشخصنة المنهج فأين سارتر و موسولوينى وهتلر وأين الناصرية والقومية وغيرها ان القلوب الملتاعة القلقة من أثار مثل هذه المشاريع الفاشلة والتى جنت من ورائها المرارة والالم تتوق بشدة اليوم الى المنهج الاسلامى الراشد تلجأ اليه وتحتمى بظلاله وتستنير بتعاليمه ان الثقة بالمنهج لاتعنى فقط الاقتناع والتسليم النظرى العقلى بل يجب أن تتجاوز ذلك الى ممارسةعملية شعورية وسلوكية ترسخ المبدأ فى النفوس وتحيط الدعوة بسياج منيع يصد بقوة أى محاولة لزعزعة الصف وتهييج المشاعر وبلبلة الافكار ويجب أن نؤكد هنا على أن الثقة بالمنهج تعنى بالتأكيد التحرك الميدانى بتعاليمه وتشريعاته وتبنى الرؤية الاسلامية فى شتى مناحى الحياة وقياس الاقوال والأفعال والمشاعر والأحاسيس وفق قواعد المنهج ومعيياره وتجنب كل العوائق التى تحول دون تحقيق ذلك .
(أبو الدرداء .... الناسك الواثق)
جاء أحدهم الى أبى الدرداء مهرولا (يا أبا الدرداء لقد احترقت دارك) ليرد أبا الدرداء بكل ثقة (ما أحترقت ماكان الله ليفعل لكلمات سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم أنت ربى لا اله الا أنت عليك توكلت وانت رب العرش العظيم ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن لا حول ولاقوة الا بالله العلى العظيم أعلم أن الله على كل شىء قدير وأن الله قد أحاط بكل شىء علما اللهم انى أعوذ بك من شر نفسى ومن شر كل دابة انت اخذ بناصيتها ان ربى على صراط مستقيم من قالها حين يصبح لم تصبه مصيبة حتى يمسى ومن قالها حين يمسى لم تصبه مصيبة حتى يصبح) ويذهب الرجل ليستطلع الأمر فاذا بالدور قد حرقت ماعدا دار أبو الدرداء انها والله كلمات تحمل بين ثناياها يقين وثقة فى القائد و فى المنهج الذى يحمله ثقة لاتهتز أمام البلاء ولا ترتعش أمام الأبتلاء
6-الثقة فى القيادة
لا بد أن تتوفر لأى كيان دعوى أو تنظيم حركى قيادة تفكر وتخطط وتوجه وترشد فالتمكين للدعوة امر شاق والمكائد والمؤامرات المحيقة بالدعوة خطيرة ومعقدة تحتاج لوجود كيان دعوى منظم ينظم شئوون الدعوة ويضع الخطط والتصورات الازمة لتحقيق أهدافها يحدد الهوية الدعوية ويحافظ عليها يوظف الطاقات ويستنفر الهمم كما يرتب الاولويات وينظم الوسائل والأليات.
ان التفاف الجنود حول القيادة يدعم من دورها ويسهل من مهمتها ويعزز من قوتها وفى اوقات المحن والابتلاءات وحين تشتد حملات المرجفين تبرز الحاجة لوجود مثل هذه القيادة لتسرى عن القواعد وتبصرهم بمعالم الطريق وعندما تحاك المكائد بين القيادة والصف فان الثقة المتبادلة بينهما تحبط مثل هذه المكائد
ومواقف التقة فى السيرة النبوية التى ذكرناها انفا لم يكن لها ان تتحقق لولا توفر هذه الثقة التى دفعت بدسائس المنافقين بعيدا عن الصف المسلم وتواصل هذا النهج بعد رحيل القيادة النبوية فكانت الثقة المتبادلة بين القيادة والقواعد سمة مميزة للجماعة المؤمنة ونلمح هذا المعنى يتحقق فى موقفين هامين
الأول:أختلاف عمر وابا بكر فى شأن التعامل مع مانعى الزكاة فقد كان عمر يرى عدم قتالهم بينما رأى أبو بكر قتالهم وانحاز جل الصحابة لرأى عمر وعندما رأى عمر ابابكر مصرا على قتالهم حتى قال قولته المشهورة(فوالله ماهو الا ان رأيت الله قد شرح صدر أبا بكر للقتال فعرفت انه الحق)
الموقف الثانى: عندما بدا لعمرعزل خالد بن الوليد وهو فى اوج انتصاره خوفا من أن يفتتن المسلمون به فخالد لم يذق الهزيمة قط فى الجاهلية او الاسلام وكان قرار العزل شديد الوطأة على نفس خالد ولكنه امتثل للأمر وتظهر جنديته المدهشة حتى عندما قيل له فى هذا الموقف العصيب (صبرا أيها الامير انها الفتنة) فيرد بعبارة حاسمة (أما وابن الخطاب حى فلا) ان من اخطر الوسائل التى من الممكن ان يلجا اليها العدو الماكر ان يضرب الدعوة من الداخل و خير ما يعينه على ذلك فقدان الثقة بين الجن والقائد فاذا فقدت الثقة أهتزت فى نفوسهم معنى الطاعة واذا فقدت لم تعد هناك قيادة ولا جماعة .
ومن افتك الامراض التى من الممكن أن تضرب هذا المبدأ فى مقتل اصطياد الاخطاء وتضخيمها ونشر النقد العلنى ضد القيادة من باب التشهير والتشنيع وتجاوز الأطر التنظيمية السليمة وتجاهل نصائح المسئولين
أما التناصح الاخوى بين أفراد الكيان الدعوى العامل وفق الأداب والتقاليد الاسلامية ومن خلال قنوات تنظيمية محددة لا يتعارض أبدا مع مبدأ الثقة ومن الاهمية بمكان أن نقول انه يجب على القيادة الراشدة ان تتمثل القدوة فى الافعال والأقوال امام قواعدها وان تنفتح على القواعد من خلال نوافذ توضح الصورة وتسمح بتداول الأراء فى جو من الأخوة والأحترام المتبادل وواجب على كل اخ اذا بلغه شىء او حاك فى صدره شىء ان يتبين الامر ولا يبقيه فى نفسه حتى يبقى صدره سليما وثقته كاملة وفى ذلك استجابة لأمر الله تعالى(يأيها الذين امنوا ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ان تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على مافعلتم نادمين )(نظرات فى رسالة التعاليم 266)
وتأنيب الله لصنف من الناس أرخوا مسامعهم للشائعات والظنون (واذا جاءهم امر من الامن او الخوف اذاعوا به ولوا ردوه الى الرسول وأولى الامر لعلمه الذين يستنبطونه منهم)(النساء83) وقد تنسب بعض وسائل الاعلام حديثا محرفا بقصد التشكيك وهز الثقة واحداث بلبلة فلا يجوز للاخ المسلم ترديد مثل هذا الكلام ولا حتى تصديقه(نظرات فى رسالة التعاليم 267)
ان عملية رص الصف الداخلى وتوحيد النفوس نحو هدف واحد وربط القواعد بقيادتها فى ثقة قوية هى من أصعب الامور على المرء فالنفوس المختلفة والأهواء المتباعدة والصراعات والتناحرات قد تسيطر احيانا فتبتلى القيادة فيها وتنتقل هذه الخلافات الى صفوف القواعد فيتحزبون لفلان او فلان وبذلك تكبر الهوة ويتسع الخرق على الراقع والأمير الاول للجماعة له دور رئيسى فى ضبط الصف والتأليف بين القلوب المتناحرة فى اتجاهات شتى وهو مسئول كذلك عن تالف هذا الصف وترابطه وتوفيق الله عز وجل وتسديده هو الذى يساعد فى هذه الوحدة اما البشر فهم أعجز من ذلك ويكفينا قوله تعلى (والف بين قلوبهم لو أنفقت ما فى الأرض جميعا ما الفت بين قلوبهم ولكن الله الف بينهم انه عزيز حكيم)(المنهج الحركى )
كما يستحيل أن يكون هناك سير بدون هذا الركن ولذلك فان من أول واجبات الجماعة أن توجد الهيكل التنظيمى الذى يوحى بالثقة وتملأه رجالا يوحون بالثقة وان توجد القواعد التى تضبط السير التنظيمى بما يوحى بالثقة وان تعتمد الطرق السليمة لاعتماد القرارات بما يفيض بالثقة على قلوب الاخوان (فى أفاق التعاليم سعيد حوى137)
7- الثقة فى فكر الأمام البنا
(( وأريد بالثقة: اطمئنان الجندي إلى القائد في كفاءته وإخلاصه اطمئنانًا عميقًا ينتج الحب والتقدير والاحترام والطاعة،﴿فَلاوَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لايَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ (النساء:65)
والقائد جزء من الدعوة، ولا دعوةَ بغير قيادة، وعلى قدرالثقة المتبادلة بين القائد والجنود تكون قوة نظام الجماعة، وإحكام خططها، ونجاحهافي الوصول إلى غايتها، وتغلبها على ما يعترضها من عقبات﴿ فَأَوْلَى لَهُمْ طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ﴾) محمد:20-21(
وللقيادة في دعوة الإخوان حق الوالد بالرابطة القلبية،والأستاذ بالإفادة العلمية، والشيخ بالتربية الروحية، والقائد بحكم السياسة العامة للدعوة، ودعوتنا تجمع هذه المعاني جميعًا، والثقة بالقيادة هي كل شيء في نجاح الدعوات.
ولهذا يجب أن يسأل الأخ الصادق نفسه هذه الأسئلة ليتعرف على مدى ثقته بقيادته:
1 - هل تعرف إلى قائده من قبل ودرس ظروف حياته؟
2 - هل اطمأن إلى كفايته وإخلاصه؟
3 - هل هو مستعد لاعتبار الأوامر التي تصدر إليه من القيادة في غير معصية طبعًا قاطعًة لا مجال فيها للجدل ولا للتردد ولا للانتقاص ولا للتحوير مع إبداء النصيحة والتنبيه إلى الصواب ؟
4 - هل هو مستعد لأن يفترض في نفسه الخطأ وفي القيادة الصواب،إذا تعارض أمر ما به مع ما تعلم في المسائل الاجتهادية التي لم يرد فيها نص شرعي ؟
5 -هل هو مستعد لوضع ظروفه الحيوية تحت تصرف الدعوة ؟ وهل تملك القيادة في نظره حق الترجيح بين مصلحته الخاصة ومصلحة الدعوة العامة.
بالإجابة على هذه الأمثلة وأشباهها يستطيع الأخ الصادق أن يطمئن على مدى صلته بالقائد، وثقته به، والقلوب بيد الله يصرفها كيف يشاء﴿وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ ( الأنفال:63). ) ))
فى هذا المتن يجلى الأمام البنا بوضوح مفهوم الثقة ومدى أهميته فى البناء الايدولوجى والحركى لجماعة الأخوان المسلمين فبعد أن حدد الأمام البنا تصوره الدقيق لركن الثقة و تصويره تصوير ا واضحا لايقبل اللبس أو الغموض يعرج الأمام البنا ليحدد لبنات هذا البناء ويوضح مكوناته وكيفية الحفاظ عليه
فيحيطه من كل جوانبه ولايدع منفذا للشك ليدلف من خلاله
كما يبين الأمام البنا الخطوات العملية لترسيخ الثقة بين النفوس بأن يتعرف الجندى الى قائده معرفة عميقة تنتج حب وأحترام وود وثقة كما عليه أن يطمئن الى كفاءته وأخلاصه وأن يتبنى رؤية الجماعة وان تعارضت مع رؤيته وأن يقدم رأى الجماعة فى غير معصية على رأيه وأن يؤثر مصلحة الجماعة على مصلحته الخاصة وان يتقدم لينفذ ما اوكل اليه من القيادة دون تردد أو تحوير أو تنطع مع حق أبداء النصح وفق الأداب والضوابط الحركية
والثقة من وجهة نظر البنا تنطلق من ثوابت عقدية (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا فى أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) (النساء 65)
كما هي ركن ركين من أركان البيعة الدعوية الحركية وتواصل تاريخي لما أراده الله من عباده قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على" بصيرة أنا ومن اتبعني !!! وهي حصاد التجارب والخبرات والفقه والوعي والثقافة والسير في الأرض ؛ ومن ثم فلا اهتزاز ولا زلازل تؤثر فيمن وعي الأمر وأمسك بتلابيبه !!
وهنا نقف متأملين حال هذا الركن العجيب !! ونتأمل ترتيبه المتصاعد بين جملة الأركان إذ هو حصادها جميعا ونتاج النجاح فيها جميعا .. وبه تتأكد نظرية ( الترتيب المقصود !! ) للأركان وهو أحد عبقريات الإمام البنا !!
والحركة الإسلامية كلما مرت بمرحلة يستهدفها فيها الظالمون ويتربصون بها نجد أنفسنا في حاجة للتأكيد علي الأركان عامة وركن الثقة علي وجه الخصوص !!
ربما لأنه مطمع الظالمين فينا !! فخلخلة الصف وإفقاد القيادة هيبتها وإشاعة الأراجيف عنها هو مطمعهم
8- خلاصة
مما لاشك فيه ان بناء أى تنظيم حركى ناهض يستلزم توفر الثقة بين أفراد الصف بعضهم البعض وبين القيادة والقواعد والثقة فى عرف الحركة الاسلامية تنبع عن ايمان عميق بصدق المنهج وثقة كاملة فى كفاءة وأمانة القيادة مرجعها الحب المتجرد والأخوة المخلصة
والثقة فى القيادة أساس نجاح الدعوات وللقيادة فى الأخوان حق الوالد بالرابطة القلبية والاستاذ بالأفادة العلمية والشيخ بالتربية الروحية والقائد بحكم السياسة العامة للدعوة ودعوتنا تجمع هذه المعان جميعا وان خلخلة هذا الركن فى النفوس هدف و مطمع يسعى الي تحقيقه أعداء الأمة بكل قوة
9- مراجع
1- فى ظلال القران سيد قطب
2- فى رحاب التعاليم سعيد حوى
3- المنهج الحركى للسيرة النبوية الغضبان
4- سيرة ابن اسحاق
بحث فى ركن الثقة فى فكر الأخوان المسلمين
1- تعريف الثقة
مصدر قولك وَثِقَ به يَثِقُ، بالكسر فيهما، وثاقةً وثِقَةً ائتمنه، وأنا واثِقٌ به وهو موثوق به، وهي مَوثوقٍ بها وهم موثوق بهم؛ فأَما قوله: إلى غير مَوْثوقٍ من الأرض تَذْهَب فإنه أَراد إلى غير مَوثوقٍ به، فحذف حرف الجرّ فارتفع الضمير فاستتر في اسم المفعول.
ورجل ثِقةٌ وكذلك الاثنان والجمع، وقد يجمع على ثِقاتٍ.
ويقال: فلان ثِقةٌ وهي ثِقةٌ وهم ثِقةٌ، ويجمع على ثِقاتٍ في جماعة الرجال والنساء.
ووَثَّقْت فلاناً إذا قلت إنه ثِقةٌ.
وأَرض وثِقةٌ: كثيرة العُشْب مَوْثوق بها، وفي مثل الوَثِيجة وهي دُوَيْنها، وكلأ موثِق: كثير مَوثوق به أن يكفي أَهله عامهم، وماء مُوثِق كذلك؛ قال الأخطل: أو قارِبٌ بالعَرا هاجَتْ مراتِعُه، وخانه مُوثِقُ الغُدْرانِ والثَّمَرُ والوَثاقة: مصدر الشيء الوَثِىق المُحْكَم، والفعل اللازم يَوْثُقُ وَثاقةً، والوَثاق اسم الإيثاق؛ تقول: أوثَقْتُه إيثاقاً ووَثاقاً، والحبل أو الشيء الذي يُوثَق به وِثاقٌ، والجمع الوُثُقُ بمنزلة الرِّباطِ والرُّبُطِ.
وأَوْثَقهُ في الوَثاقِ أي شده.
وقال تعالى: فشُدُّوا الوَثاق، والوِثاق، بكسر الواو، لغة فيه.
ووَثُقَ الشيء، بالضم، وَثاقةً فهو وَثِيقٌ أي صار وَثِيقاً والأُنثى وَثِيقة. التهذيب: والوَثِيقةُ في الأَمر إحْكامه والأَخذ بالثِّقَةِ، والجمع الوَثِائقُ.
وفي حديث الدعاء: واخلع وَثائِقَ أفئدتهم؛ جمع وَثاقٍ أو وَثِيقةٍ.
والوَثِيقُ: الشيء المُحْكم، والجمع وِثاقٌ.
ويقال: أَخذ بالوَثِيقة في أمره أي بالثِّقَة، وتوَثَّق في أَمره: مثله.
ووَثَّقْتُ الشيء تَوْثِيقاً، فهو مُوَثَّق.
والوَثِيقة: الإحكام في الأمر، والجمع وَثِيق؛ عن ابن الأَعرابي؛ وأَنشد: عَطاءً وصَفْقاً لا يُغِبّ، كأنما عليك بإتْلافِ التِّلادِ وَثِىقُ وعندي أَن الوَثِيقَ ههنا إنما هو العَهْد الوَثِيقُ، وقد أَوْثَقَه ووَثَّقَه وإنه لمُوَثَّقُ الخلق.
والمَوْثِقُ والمِيثاقُ: العهد، صارت الواو ياء لانكسار ما قبلها، والجمع المَواثِيقُ على الأصل، وفي المحكم: والجمع المَواثِقُ، وميَاثِق معاقبة، وأما ابن جني فقال: لزم البدل في ميَاثق كما لزم في عيدٍ وأَعْيادٍ؛ وأنشد الفراء لعياض بن دُرَّة الطائي: حِمىً لا يحُل الدَّهْرُ إلا بإذْنِنا، ولا نَسَلِ الأقْوامَ عَقْدَ المَياثِقِ والمَوْثِقُ: الميثاقُ.
وفي حديث ذي المشعار: لنا من ذلك ما سَلَّموا بالمِيثاقِ والأمانة أي أنهم مأْمونون على صدقات أَموالهم بما أُخذ عليهم من المِيثاق فلا يُبْعث عليهم مُصَدِّق ولا عاشر.
والمُواثقة: المعاهدة؛ ومنه قوله تعالى: وميثاقَه الذي واثَقكم به.
وفي حديث كعب بن مالك: ولقد شهدت مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ليلة العقبة حين تَواثَقْنا على الإسلام أي تحالفنا وتعاهدنا.
والتَّواثُق، تفاعُل منه.
والمِيثاقُ: العهد، مِفْعال من الوَثاقِ، وهو في الأَصل حبل أو قَيْد يُشدّ به الأسير والدابة.
وفي حديث مُعاذٍ وأبي موسى: فرأَى رجلاَ مُوثَقاً أي مأْسوراً مشدوداً في الوَثاق. التهذيب: المِيثاقُ من المُواثَقةِ والمعاهدة؛ ومنه المَوْثِقُ. تقول: واثَقْتُه بالله لأَفْعلنَّ كذا وكذا.
ويقال: اسْتَوْثَقْت من فلان وتَوَثَّقْتُ من الأمر إذا أَخذت فيه بالوَثاقةِ، وفي الصحاح: واسْتَوْثَقْت منه أي أَخذت منه الوَثِيقةَ.
وأَخذ الأمر بالأَوْثَقِ أي الأشد الأحكم.
والمُوثِقُ من الشجر: الذي يُعَوّل الناس عليه إذا انقطع الكلأ والشجر.
وناقة وثِيقةٌ وجمل وَثيقٌ وناقة مُوَثَّقة الخلق: مُحْكمة.(لسان العرب)
قالوا في القاموس أنها : ( الإحكام في الأمر )
، ولك أن تتأمل في أحد تكويناتها وهي كلمة ( الوثاق ) و هو القيد أو الحبل يُشد به الأسير والدابة !! ، وفي القاموس المحيط : وثق بمعنى ائتمن !!! والوثيق أي المحكم !!! .
ومن هنا تأتي خطورة المصطلح !! فالثقة اصطلاحاً : هي الاطمئنان والائتمان وما يتبع ذلك من تصديق وانقياد !!! ، و هذه الكلمات الخطيرة !! هي ما ينبغي أن يستحضره الأخ العابد العامل لدين الله عز و جل وقد ارتضي لنفسه السير في ركب الحركة الإسلامية !! قبل أن يعطي الله العهد والميثاق علي خوض غمار التحدي والسير في طريق الجنة بما ارتضاه لنفسه من فهم وعمل !!
2-الثقة من وحى القرأن
لم يكن القرأن المنزل وحيا من السماء على النبى الخاتم مجرد رسائل للتثبيت والتطمين فحسب بل منهاج متكامل شامل يتناول جميع شئون الجماعة المؤمنة ينظم لها حياتها ويحدد لها ملامح نهضتها بل ويضبط أخلاقها وسلوكها وأنفعالاتها
نزل القرأن كدستور سرمدى أبدى يحدد سمات الجماعة المؤمنة ومواصفات فلاحها ونجاحها ويشرع قوانين ونظم تسير شئون الحياة وفق رؤية ربانية تصون المجتمع وتحقق الغاية السامية من وراء خلق المخلوقات
أشتمل القرأن على مفاهيم ومفردات عدة تلتصق مباشرة بواقع حال المجتمع المسلم مثل الايجابية والسلبية والخوف والجبن والنفاق والكذب والتضحية والفداء والايثار والأثرة الخ.
كما تضمن كتاب الله المنزل مقومات ضرورية لاستنهاض أى كيان او تجمع دعوى هذه المقومات لاغنى عنها فى تشكيل الجماعة الدعوية بل لاقائمة لها بدونها
والثقة من أهم مقومات نجاح أى جماعة دعوية أو تنظيم حركى ناهض ذلك لأنها حائط الصد المنيع الذى يقف فى وجه شائعات المرجفين والمشككين فيردها خائبة ناكصة
وعندما نتأمل الأيات الكريمة التى تناولت هذا المعنى نشعر بقوة روحية عظيمة تتنزل فتبث فى الأنفس القدرة على مواجهة الخطوب والصعاب وتحمل المشاق بثبات و اقدام كما نلمح فى الافق المعية الألهية تراقب وتدافع عن الذين أمنوا بربهم ووثقوا به
( وأفوض أمرى الى الله ان الله بصير بالعباد) (الذين قال لهم الناس ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم قالوا حسبنا الله ونعم الوكيل) أل عمران 175
ركون تام والتجاء الى الله وثقة مطلقة فى حكمته وحسن تدبيره واستمداد لقوته ونصره فى مواجهة الظلم والطغيان
ومع مشهد أخر من مشاهد الثقة فى القرأن يتجسد فى المناظرة الضخمة بين الحق المتمثل فى كليم الله موسى عليه السلام والباطل متمثلا فى فرعون وحاشيته مناظرة علنية حشد لها الطاغية كل امكاناته وطاقاته وبدأ المشهد الرهيب بتهكم وسخرية واستعلاء(فمن ربكما ياموسى) قال موسى(ربنا الذى أعطى كل شىء خلقه ثم هدى)
فجاء الرد المجحف من قلب جاحد لم يذق حلاوة الايمان (أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك ياموسى) لم يجد الطاغية امامه الا الكذب ولى الحقائق والصاق التهم ليحول بين الناس والحق (فلناتينك بسحر مثله أجعل لنا موعدا لا نخلفه نحن ولاأنت مكانا سوى) أمر فرعون زبانيته أن يجمعوا له سحرة المدائن وعندما التقى الجمعان ألقى السحرة عصيهم فاذا هى ثعابين تسعى كان المشهد مؤثرا ياخذ الألباب هنا القى موسى عصاه فاذا هى حية تأكل ما يأفكون تأكل كذبهم و أوهامهم هنا جن جنون الطاغية فدبر له الشيطان قتل موسى وصحبه حتى لايلتف من حوله الناس وبدأت المطاردة المثيرة لننتقل بالمشهد الى ساحل البحر موسى وصحبه ومن خلفهم فرعون وجنده ( انا لمدركون) هتف بها أحد اتباع موسى فالكرب شديد والموقف جلل والبحر من امامهم والجند من خلفهم لايملكون سفنا ولا سلاح (كلا ان معى ربى سيهدين) قالها موسى دون أن يعلم متى وكيف ستتحقق النجاة ولكنها الثقة المطلقة فى ان الله سيرعاه ويحميه ثقة تولدت عن ايمان عميق بقدرة الله عز وجل وحكمته فى تصريف الأمور ولم تكن هذه الثقة وليدة المحنة ولكنها ثمرة صلة روحية وثيقة جمعت موسى بخالقه (فأوحينا اليه أن أضرب بعصاك البحر فانفلق كل فرق كالطود العظيم) هكذا فى لمحة خاطفة سطعت شمس الحق لتبدد غيم الباطل فبهت الطاغية وأخذته المفاجأة فأصدر الأمر لجنوده باقتحام البحر فكانت النهاية (فأنجينا موسى ومن معه ثم اغرقنا الأخرين)
( إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ التوبة 40 )
مشهد أخر من مشاهد الثقة يصور لنا خروج النبى (ص) من مكة متخفيا مطاردا وقوى الكفر تطلق ورائه خيرة ابنائها وفلذات أكبادها والمخاطر تحدق به من كل جانب والدعوة بأسرها مهددة بالفناء والزوال ولا مكان للاختباء لم يجد النبى (ص) سوى غار مهجور العنكبوت ينسج خيطه على بابه ليتوارى فيه هو وصاحبه عن الأنظار وعندما وصلت أقدامهم الى باب الغار حبس أبابكر رضى الله عنه أنفاسه خوفا على النبوة والدعوة قائلا (يارسول الله لونظر أحدهم تحت قدميه لرأنا) فجاءه الرد الحاسم الواثق (ياأبا بكر ماظنك بأثنين الله ثالثهما) يقول سيد
3- مواقف الثقة فى السيرة النبوية
لم يكن مفهوم الثقة غائبا عن المنهج النبوى فى بناء وتربية الجماعة المؤمنة فقد غرس النبى (ص) هذا المفهوم فى نفوس أصحابه تربوا عليه وتحركوا به وأصبح ركنا اصيلا فى تكوين الشخصية المسلمة ثقة نتجت من انصهار الجميع فى بوتقة الايمان كما كانت محصلة طبيعية للممارسة العملية التربوية لما حمله القرأن والسنة المطهرة من تكاليف وواجبات جماعية
وانظر معى أخى الحبيب لهذا المشهد المؤثر النبى (ص) متكئا فى حجر الكعبة فيجيئه خباب بن الأرت وكانت حملة الايذاء والتعذيب للمستضعفين من أتباع محمد(ص) قد بلغت ذروتها فيأتى خبابا الى النبى (ص) طالبا منه النصرة (ألا تدعوا لنا ألا تستنصر لنا) وكان النبى متكئا فأعتدل وأحمرت وجنتيه ثم وجه كلامه الى خباب (ياخباب لقد كان يؤتى بالرجل من قبلكم فتحفر له حفرة ثم يوضع المنشار على مفرق رأسه فينشر الى نصفين لايرده ذلك عن دين الله والله ياخباب ليتمن الله هذا الدين حتى يسير الراكب من صنعء الى حضرموت لايخشى الا الله والذئب على غنمه ولكنكم قوم تستعجلون) يالها من ثقة فى نصر الله وياله من أسلوب تربوى نبوى فريد لغرس روح الثقة فى نفوس اصحابه فالطريق طويلة شاقة ملىء بالمحن والابتلاءات وان لم يتوفر لدى أفراد الصف القسط الكاف من الثقة فى المنهج والقيادة لفترت العزائم ووهنت النفوس وعندما انتقلت الدعوة من مكة الى يثرب كانت الثقة السمت الغالب للمجتمع المسلم الناشىء ولم تكن هذه الثقة وليدة اللحظة بل كانت ثمرة لمنهج تربوى تكوينى تواصل خلال مرحلة الاستضعاف فى مكة ثقلته المحن الشدائد واستمر بعدما انتقلت القيادة الى يثرب.
انها ثمرة رابطة الأخوة المتجردة لله وثمرة عقد البيعة عندما بايع هؤلاء النفر من الأنصار الرسول (ص) بيعة العقبة
انها بيعة على الحرب والجهاد واعلاء كلمة الله واقامة دولة الاسلام وقطع الحبال مع الحلفاء والجيران ولم يكن هؤلاء ليبياعوا لولا أن توفرت بداخلهم الثقة المطلقة فى القيادة النبوية والثقة المطلقة فى نصر الله
وعندما بدأت المكائد والمؤمرات تدبر بليل للقضاء على الدولة المسلمة الناشئة ظهر مبدأ الثقة كمرتكز رئيس فى رص الصف وتعبئة الهمم ومواجهة دسائس الأعداء فها نحن على أعتاب وقعة الفرقان وجيش قريش العرمرم يقترب من يثرب هنا جمع النبى (ص) أصحابه من المهاجرين والانصار
وقال أشيروا على ايها الناس ونظر الى الانصار فقام سعد بن معاذ كأنك تقصدنا يارسول الله والله لو خضت بنا البحر لخضناه معك
ومع أختبار جديد للثقة فى غزوة أحد لاسيما وحزب المنافقين قد بدأ ينقث سمومه داخل الصف المؤمن ولاقت كلماتهم هوى لدى أصحاب الانفس الضعيفة فعندما أراد النبى (ص) الخروج لملاقاة المشركين أشار عليه عبد الله بن ابى زعيم المنافقين أن أقم يارسول الله بالمدينة ولاتخرج منها فانا والله ماخرجنا منها الى عدو قط الا وأصاب منا ولا دخلها علينا الا أصبنا منه دعهم يارسول الله فان أقاموا اقاموا بشر محبس وان دخلوا علينا قاتلهم الرجال بوجههم ورماهم النساء والصبيان بالحجارة من فوقهم فلم يزل الناس ممن كان فى نفوسهم حب لقاء الاعداء يشيرون على النبى (ص) حتى دخل فلبس لأمته وخرج فى الف من أصحابه وعند الشوط انخذل بن سلول وثلث الجيش عائدا الى المدينة قائلا اطاعهم وعصانى ماندرى علام نقتل انفسنا ايها الناس(2) سيرة ابن اسحاق
ولك أن تتخيل مدى خطورة الأمر أن ينفصل ثلث الجيش بعتادهم وهو مقبل على حرب عنيفة ومدى تاثر الجبهة الداخلية لو لم تتربى على الثقة فى الله والمنهج والقيادة (3) المنهج الحركى252
ومما زاد الأمر خطورة أن النبى نظر فرأى كتيبة تتمايز حسنة التسليح فسأل عنها فقالوا هذه كتيبة يهود فسأل النبى (ص) أأسلموا ؟ فقالوا لا فقال (ص) مروهم فليرجعوا فانا لاننتصر بأهل الكفر على أهل الشرك (4) المنهج ا
وهذه قاصمة أخرى فالجو العام مهيأ لنشر الفوضى والبلبلة وزعزعة الثقة بين الجند والقيادة ثم حدث ما حدث فى أحد وكان بالامكان أن يوجد فى الصف المسلم من يعذر ابن سلول ويؤيد كلامه ويفتتن به ولكن جاء القرأن ليعزز الثقة فى نفوس العصبة المؤمنة ويقويها بكلمات حاسمة فاصلة (فما أصابكم يوم التقى الجمعان فمن عند الله وليعلم المؤمنين) ال عمران 154
الموقف الأخر من مواقف الثقة يتأصل فى حادثة الافك والتى نالت من عرض أم المؤمنين عائشة ويبدوا ان الصف المؤمن تأثر بالفعل بوقع الشائعة وتناقلت الخبر ألسنة بعض الصحابة وما يهمنا هنا هو الحوار الذى دار بين اباأيوب الانصارى وزوجته ام أيوب اذ قالت لزوجها اما تسمع ما يقول الناس فى عائشة؟ قال نعم وذلك الكذب أكنت فاعلة ذلك ياأم أيوب قالت لا والله ما كنت لأفعله فقال وعائشة والله خير منك ليتنزل قرأنا يتلى (لولا اذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا) ليوضح المعيار الدقيق فى التعامل مع الاشاعة وهو ثقة الأخ فى أخوانه ثقته فى نفسه وثقته فى كفاءتهم وحرصهم على دينهم
صلح الحديبية
كان صلح الحديبية وما واكبه من احداث اختبار كبير للثقة فى نفوس الصحابة رضوان الله عليهم ونفوس الجماعة المسلمة بأكملها فما احتواه الصلح من بنود مجحفة قبلتها القيادة ورجوعها عن دخول مكة هذا العام بدا لبعض الصحابة وكأنه اهانة للدولة الاسلامية الفتية ورضا بالظلم لا مبرر له
4-الثقة فى الله
الثقة فى الله قرينة الايمان العميق وثمرة لوشائج وثيقة تربط العبد بمعبوده فيتعرف عليه بدقة ويستشعر معيته
ووجوده وعظم النعمة التى أنعم بها عليه فتحيله هذه المعان الى التسليم المطلق لهذا الاله والركون التام لأرادته واستمداد عونه وقدرته والثقة فى تدبيره والرضا بنتائجه خيرا كانت أم شرا
وبالتالى يتضح لنا أن الوصول لمثل هذه الحالة يتطلب كل أعمال الخير من افعال وأقوال عبادات ومعاملات
أفكار و خواطر والتى من شأنها تقوية الصلات وتوثيق علاقة العبد بربه فتتربى النفوس على طاعة الله والانقياد لمشيئته والاستسلام لحكمه
5-الثقة فى المنهج
وهى الاقتناع التام بسلامة المنهج والتسليم المطلق برجاحة الفكرة والايمان الكامل بانه نهج الانبياء وأصحاب الدعوات وانه لاسبيل للنجاة والفلاح بدونه لما لا وهو المنهج الربانى المنزل من السماء والذى تعهد الله بحفظه وألا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه (انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون) وهذه الخصيصة الفريدة التى تميز بها منهاج الدعوة الاسلامية ضمانة هامة للمنهج من التشويه والتحريف واتباع الهوى وهانحن نرى كم من التجارب والمناهج الأرضية وقد فشلت وتوارت فى غياهب النسيان بسبب اتباع الهوى وشخصنة المنهج فأين سارتر و موسولوينى وهتلر وأين الناصرية والقومية وغيرها ان القلوب الملتاعة القلقة من أثار مثل هذه المشاريع الفاشلة والتى جنت من ورائها المرارة والالم تتوق بشدة اليوم الى المنهج الاسلامى الراشد تلجأ اليه وتحتمى بظلاله وتستنير بتعاليمه ان الثقة بالمنهج لاتعنى فقط الاقتناع والتسليم النظرى العقلى بل يجب أن تتجاوز ذلك الى ممارسةعملية شعورية وسلوكية ترسخ المبدأ فى النفوس وتحيط الدعوة بسياج منيع يصد بقوة أى محاولة لزعزعة الصف وتهييج المشاعر وبلبلة الافكار ويجب أن نؤكد هنا على أن الثقة بالمنهج تعنى بالتأكيد التحرك الميدانى بتعاليمه وتشريعاته وتبنى الرؤية الاسلامية فى شتى مناحى الحياة وقياس الاقوال والأفعال والمشاعر والأحاسيس وفق قواعد المنهج ومعيياره وتجنب كل العوائق التى تحول دون تحقيق ذلك .
(أبو الدرداء .... الناسك الواثق)
جاء أحدهم الى أبى الدرداء مهرولا (يا أبا الدرداء لقد احترقت دارك) ليرد أبا الدرداء بكل ثقة (ما أحترقت ماكان الله ليفعل لكلمات سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم أنت ربى لا اله الا أنت عليك توكلت وانت رب العرش العظيم ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن لا حول ولاقوة الا بالله العلى العظيم أعلم أن الله على كل شىء قدير وأن الله قد أحاط بكل شىء علما اللهم انى أعوذ بك من شر نفسى ومن شر كل دابة انت اخذ بناصيتها ان ربى على صراط مستقيم من قالها حين يصبح لم تصبه مصيبة حتى يمسى ومن قالها حين يمسى لم تصبه مصيبة حتى يصبح) ويذهب الرجل ليستطلع الأمر فاذا بالدور قد حرقت ماعدا دار أبو الدرداء انها والله كلمات تحمل بين ثناياها يقين وثقة فى القائد و فى المنهج الذى يحمله ثقة لاتهتز أمام البلاء ولا ترتعش أمام الأبتلاء
6-الثقة فى القيادة
لا بد أن تتوفر لأى كيان دعوى أو تنظيم حركى قيادة تفكر وتخطط وتوجه وترشد فالتمكين للدعوة امر شاق والمكائد والمؤامرات المحيقة بالدعوة خطيرة ومعقدة تحتاج لوجود كيان دعوى منظم ينظم شئوون الدعوة ويضع الخطط والتصورات الازمة لتحقيق أهدافها يحدد الهوية الدعوية ويحافظ عليها يوظف الطاقات ويستنفر الهمم كما يرتب الاولويات وينظم الوسائل والأليات.
ان التفاف الجنود حول القيادة يدعم من دورها ويسهل من مهمتها ويعزز من قوتها وفى اوقات المحن والابتلاءات وحين تشتد حملات المرجفين تبرز الحاجة لوجود مثل هذه القيادة لتسرى عن القواعد وتبصرهم بمعالم الطريق وعندما تحاك المكائد بين القيادة والصف فان الثقة المتبادلة بينهما تحبط مثل هذه المكائد
ومواقف التقة فى السيرة النبوية التى ذكرناها انفا لم يكن لها ان تتحقق لولا توفر هذه الثقة التى دفعت بدسائس المنافقين بعيدا عن الصف المسلم وتواصل هذا النهج بعد رحيل القيادة النبوية فكانت الثقة المتبادلة بين القيادة والقواعد سمة مميزة للجماعة المؤمنة ونلمح هذا المعنى يتحقق فى موقفين هامين
الأول:أختلاف عمر وابا بكر فى شأن التعامل مع مانعى الزكاة فقد كان عمر يرى عدم قتالهم بينما رأى أبو بكر قتالهم وانحاز جل الصحابة لرأى عمر وعندما رأى عمر ابابكر مصرا على قتالهم حتى قال قولته المشهورة(فوالله ماهو الا ان رأيت الله قد شرح صدر أبا بكر للقتال فعرفت انه الحق)
الموقف الثانى: عندما بدا لعمرعزل خالد بن الوليد وهو فى اوج انتصاره خوفا من أن يفتتن المسلمون به فخالد لم يذق الهزيمة قط فى الجاهلية او الاسلام وكان قرار العزل شديد الوطأة على نفس خالد ولكنه امتثل للأمر وتظهر جنديته المدهشة حتى عندما قيل له فى هذا الموقف العصيب (صبرا أيها الامير انها الفتنة) فيرد بعبارة حاسمة (أما وابن الخطاب حى فلا) ان من اخطر الوسائل التى من الممكن ان يلجا اليها العدو الماكر ان يضرب الدعوة من الداخل و خير ما يعينه على ذلك فقدان الثقة بين الجن والقائد فاذا فقدت الثقة أهتزت فى نفوسهم معنى الطاعة واذا فقدت لم تعد هناك قيادة ولا جماعة .
ومن افتك الامراض التى من الممكن أن تضرب هذا المبدأ فى مقتل اصطياد الاخطاء وتضخيمها ونشر النقد العلنى ضد القيادة من باب التشهير والتشنيع وتجاوز الأطر التنظيمية السليمة وتجاهل نصائح المسئولين
أما التناصح الاخوى بين أفراد الكيان الدعوى العامل وفق الأداب والتقاليد الاسلامية ومن خلال قنوات تنظيمية محددة لا يتعارض أبدا مع مبدأ الثقة ومن الاهمية بمكان أن نقول انه يجب على القيادة الراشدة ان تتمثل القدوة فى الافعال والأقوال امام قواعدها وان تنفتح على القواعد من خلال نوافذ توضح الصورة وتسمح بتداول الأراء فى جو من الأخوة والأحترام المتبادل وواجب على كل اخ اذا بلغه شىء او حاك فى صدره شىء ان يتبين الامر ولا يبقيه فى نفسه حتى يبقى صدره سليما وثقته كاملة وفى ذلك استجابة لأمر الله تعالى(يأيها الذين امنوا ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ان تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على مافعلتم نادمين )(نظرات فى رسالة التعاليم 266)
وتأنيب الله لصنف من الناس أرخوا مسامعهم للشائعات والظنون (واذا جاءهم امر من الامن او الخوف اذاعوا به ولوا ردوه الى الرسول وأولى الامر لعلمه الذين يستنبطونه منهم)(النساء83) وقد تنسب بعض وسائل الاعلام حديثا محرفا بقصد التشكيك وهز الثقة واحداث بلبلة فلا يجوز للاخ المسلم ترديد مثل هذا الكلام ولا حتى تصديقه(نظرات فى رسالة التعاليم 267)
ان عملية رص الصف الداخلى وتوحيد النفوس نحو هدف واحد وربط القواعد بقيادتها فى ثقة قوية هى من أصعب الامور على المرء فالنفوس المختلفة والأهواء المتباعدة والصراعات والتناحرات قد تسيطر احيانا فتبتلى القيادة فيها وتنتقل هذه الخلافات الى صفوف القواعد فيتحزبون لفلان او فلان وبذلك تكبر الهوة ويتسع الخرق على الراقع والأمير الاول للجماعة له دور رئيسى فى ضبط الصف والتأليف بين القلوب المتناحرة فى اتجاهات شتى وهو مسئول كذلك عن تالف هذا الصف وترابطه وتوفيق الله عز وجل وتسديده هو الذى يساعد فى هذه الوحدة اما البشر فهم أعجز من ذلك ويكفينا قوله تعلى (والف بين قلوبهم لو أنفقت ما فى الأرض جميعا ما الفت بين قلوبهم ولكن الله الف بينهم انه عزيز حكيم)(المنهج الحركى )
كما يستحيل أن يكون هناك سير بدون هذا الركن ولذلك فان من أول واجبات الجماعة أن توجد الهيكل التنظيمى الذى يوحى بالثقة وتملأه رجالا يوحون بالثقة وان توجد القواعد التى تضبط السير التنظيمى بما يوحى بالثقة وان تعتمد الطرق السليمة لاعتماد القرارات بما يفيض بالثقة على قلوب الاخوان (فى أفاق التعاليم سعيد حوى137)
7- الثقة فى فكر الأمام البنا
(( وأريد بالثقة: اطمئنان الجندي إلى القائد في كفاءته وإخلاصه اطمئنانًا عميقًا ينتج الحب والتقدير والاحترام والطاعة،﴿فَلاوَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لايَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ (النساء:65)
والقائد جزء من الدعوة، ولا دعوةَ بغير قيادة، وعلى قدرالثقة المتبادلة بين القائد والجنود تكون قوة نظام الجماعة، وإحكام خططها، ونجاحهافي الوصول إلى غايتها، وتغلبها على ما يعترضها من عقبات﴿ فَأَوْلَى لَهُمْ طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ﴾) محمد:20-21(
وللقيادة في دعوة الإخوان حق الوالد بالرابطة القلبية،والأستاذ بالإفادة العلمية، والشيخ بالتربية الروحية، والقائد بحكم السياسة العامة للدعوة، ودعوتنا تجمع هذه المعاني جميعًا، والثقة بالقيادة هي كل شيء في نجاح الدعوات.
ولهذا يجب أن يسأل الأخ الصادق نفسه هذه الأسئلة ليتعرف على مدى ثقته بقيادته:
1 - هل تعرف إلى قائده من قبل ودرس ظروف حياته؟
2 - هل اطمأن إلى كفايته وإخلاصه؟
3 - هل هو مستعد لاعتبار الأوامر التي تصدر إليه من القيادة في غير معصية طبعًا قاطعًة لا مجال فيها للجدل ولا للتردد ولا للانتقاص ولا للتحوير مع إبداء النصيحة والتنبيه إلى الصواب ؟
4 - هل هو مستعد لأن يفترض في نفسه الخطأ وفي القيادة الصواب،إذا تعارض أمر ما به مع ما تعلم في المسائل الاجتهادية التي لم يرد فيها نص شرعي ؟
5 -هل هو مستعد لوضع ظروفه الحيوية تحت تصرف الدعوة ؟ وهل تملك القيادة في نظره حق الترجيح بين مصلحته الخاصة ومصلحة الدعوة العامة.
بالإجابة على هذه الأمثلة وأشباهها يستطيع الأخ الصادق أن يطمئن على مدى صلته بالقائد، وثقته به، والقلوب بيد الله يصرفها كيف يشاء﴿وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ ( الأنفال:63). ) ))
فى هذا المتن يجلى الأمام البنا بوضوح مفهوم الثقة ومدى أهميته فى البناء الايدولوجى والحركى لجماعة الأخوان المسلمين فبعد أن حدد الأمام البنا تصوره الدقيق لركن الثقة و تصويره تصوير ا واضحا لايقبل اللبس أو الغموض يعرج الأمام البنا ليحدد لبنات هذا البناء ويوضح مكوناته وكيفية الحفاظ عليه
فيحيطه من كل جوانبه ولايدع منفذا للشك ليدلف من خلاله
كما يبين الأمام البنا الخطوات العملية لترسيخ الثقة بين النفوس بأن يتعرف الجندى الى قائده معرفة عميقة تنتج حب وأحترام وود وثقة كما عليه أن يطمئن الى كفاءته وأخلاصه وأن يتبنى رؤية الجماعة وان تعارضت مع رؤيته وأن يقدم رأى الجماعة فى غير معصية على رأيه وأن يؤثر مصلحة الجماعة على مصلحته الخاصة وان يتقدم لينفذ ما اوكل اليه من القيادة دون تردد أو تحوير أو تنطع مع حق أبداء النصح وفق الأداب والضوابط الحركية
والثقة من وجهة نظر البنا تنطلق من ثوابت عقدية (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا فى أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) (النساء 65)
كما هي ركن ركين من أركان البيعة الدعوية الحركية وتواصل تاريخي لما أراده الله من عباده قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على" بصيرة أنا ومن اتبعني !!! وهي حصاد التجارب والخبرات والفقه والوعي والثقافة والسير في الأرض ؛ ومن ثم فلا اهتزاز ولا زلازل تؤثر فيمن وعي الأمر وأمسك بتلابيبه !!
وهنا نقف متأملين حال هذا الركن العجيب !! ونتأمل ترتيبه المتصاعد بين جملة الأركان إذ هو حصادها جميعا ونتاج النجاح فيها جميعا .. وبه تتأكد نظرية ( الترتيب المقصود !! ) للأركان وهو أحد عبقريات الإمام البنا !!
والحركة الإسلامية كلما مرت بمرحلة يستهدفها فيها الظالمون ويتربصون بها نجد أنفسنا في حاجة للتأكيد علي الأركان عامة وركن الثقة علي وجه الخصوص !!
ربما لأنه مطمع الظالمين فينا !! فخلخلة الصف وإفقاد القيادة هيبتها وإشاعة الأراجيف عنها هو مطمعهم
8- خلاصة
مما لاشك فيه ان بناء أى تنظيم حركى ناهض يستلزم توفر الثقة بين أفراد الصف بعضهم البعض وبين القيادة والقواعد والثقة فى عرف الحركة الاسلامية تنبع عن ايمان عميق بصدق المنهج وثقة كاملة فى كفاءة وأمانة القيادة مرجعها الحب المتجرد والأخوة المخلصة
والثقة فى القيادة أساس نجاح الدعوات وللقيادة فى الأخوان حق الوالد بالرابطة القلبية والاستاذ بالأفادة العلمية والشيخ بالتربية الروحية والقائد بحكم السياسة العامة للدعوة ودعوتنا تجمع هذه المعان جميعا وان خلخلة هذا الركن فى النفوس هدف و مطمع يسعى الي تحقيقه أعداء الأمة بكل قوة
9- مراجع
1- فى ظلال القران سيد قطب
2- فى رحاب التعاليم سعيد حوى
3- المنهج الحركى للسيرة النبوية الغضبان
4- سيرة ابن اسحاق