الانتماء إلى فكرة واعتناقها يحتاج من صاحبها أن يصحح ويجدد انتماءه بين الحين والآخر، خاصة إذا كانت هذه الفكرة إسلامية تستمد مبادئها من القانون الإلهي.. والدستور السماوي.. فحينئذ سيلحق بصاحبها تبعات وأمانات لابد من الوفاء بها.
وأثناء ممارسة العمل الإسلامي.. تظهر بعض المشكلات الدعوية.. ويطفو على السطح بعض سلوكيات خاطئة.. ومظاهر إن دلت على شيء فإنما تدل على ضعف الانتماء للفكرة.. وخور الثقة بها ومن هذه المظاهر:
1 التقصير في أداء الواجبات العملية:
حيث تدعو الفكرة إلى إصلاح الفرد لنفسه فإذا به تارك لها العنان فلا يفكر في تهذيبها أو تأديبها.. وتأمره بأن يهتم ببيته ليكون بيتاً مسلماً فإذا به لا يقرأ فيه القرآن ولا يقوم فيه الليل ولا يأمر فيه بمعروف أو ينهي فيه عن منكر.
توصيه الفكرة بالمسارعة إلى الصلاة متى سمع النداء فيدرك هو الصلاة قبل التسليم.
توجب عليه الفكرة أن يكون له ورد قرآني يومياً فإذا به لا يقرب المصحف باليوم واليومين.
تصرخ الفكرة وتهيب بأفرادها أن يحرصوا على أوقاتهم فلا يصرفوا جزءاً منها بلا فائدة فإذا بأوقاتهم مهدرة تمر ولا يدرون كيف مضت!.
تدعوه الفكرة إلى أن يقدم جزءاً من ماله لدعوته ويؤدي زكاة ماله فإذا هو شحيح بخيل يمنع حق دعوته بل وقد يؤخر زكاة ماله.
تدعوه الفكرة إلى أن يدخر شيئاً من دخله للطوارئ فإذا هو مسرف يلجأ إلى الاقتراض في كل نائبة تلحق به.
توجهه الفكرة إلى نشر دعوته في كل مكان وأن يحيط القيادة بكل ظروفه ولا يقدم على عمل يؤثر فيها تأثيراً جوهرياً إلا بإذن، فإذا بالدعوة هي آخر اهتماماته فلا يفعل شيئاً لنشرها وإذا لامه أحد فالجواب حاضر: أن أحداًَ لم يكلفه بشيء! في حين أنه قد يرتبط بأكثر من عمل يضر الدعوة ويضعف من نشاطه وعطائه دون إذن أو إعلام.
يقول الأستاذ سيد قطب: "وفي قيام المنتمي للفكرة بواجباتها العملية إنما هو في الحقيقة استعلاء على ثقلة الأرض وعلى عجز الإرادة وضعف النفس وإثبات للوجود الإنساني الكريم".
2 تقديم المصلحة الخاصة على المصلحة العامة إذا ما تعارضتنا:
والفرد المنتمي إلى فكره هو الوحيد الذي يستطيع أن يضع نفسه في طريق العاملين المضحين أو في فريق الكسالى المتفلتين، فالفكرة في غنى عن فضل أوقات معتنقيها، فهي إما في الصدارة والمقدمة وإما على الهامش، إذ إن الفكرة فكرة إسلامية، المنتمون إليها ينتمون رغبة فيها لا رهبة منها يسعون إليها مختارين غير مجبرين، لأنها الوسيلة الوحيدة لنيل رضا الله، كما أن هذه الفكرة لا يصلح لها إلا من أحاطها من كل جوانبها ووهب لها ما تكلفه به من نفسه وماله ووقته وصحته، كما قال الإمام الشهيد حسن البنا حول قول الله تعالى قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى" يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين (24)(التوبة)
ويقول الشيخ البنا: "في دعوة لا تقبل الشركة إذ إن طبيعتها الوحدة، فمن استعد لذلك فقد عاش بها وعاشت به، ومن ضعف عن هذا العبء فسيحرم ثواب المجاهدين ويكون مع المخلفين ويقعد مع القاعدين ويستبدل الله لدعوته به قوماً آخرين أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم 54 (المائدة).
3 كثرة الكلام وقلة العمل:
ويقول: "إن الخطب والأقوال والمكاتبات وتشخيص الداء ووصف الدواء، كل ذلك وحده لايجدي نفعاً ولا يحقق غاية ولا يصل بالداعين إلى هدف من الأهداف، ولكن للدعوات وسائل لابد من الأخذ بها والعمل بها".(من رسالة بين الأمس واليوم ص 108).
ويقول رحمه الله: "وقد قلنا حتى مللنا القول وتكلمنا حتى سئمنا الكلام ولم يبق إلا أن نعمل". (هل نحو قوم عمليون ص 66).
فعندما يضعف الانتماء يكثر الكلام ويزداد القيل والقال، فيقل العمل ويزداد النقد غير البناء وينال أفراد الفكرة الواحدة من بعضهم البعض فيقال هذا مقصر وهذا لا يصلح وهذا.. وهذا.. إلخ!.
وإذا ضعف الانتماء ظهرت الأسئلة المفترضة الجدلية التي يحاول من خلالها السائل أن يفلت وأن يبرر قعوده وخوره وضعفه وهذا الصنف وصفه الإمام الشهيد قائلاً:
"وإما شخص مغرم بتشقيق الكلام وتنميق الجمل والعبارات وإرسال الألفاظ فخمة ضخمة ليقول السامعون إنه عالم وليظن الناس أنه على شيء وهو ليس على شيء.. وليلقي في روعك أنه يود العمل ولا يقعده عن مزاولته إلا أنه لا يجد الطريق العملي إليه، وهو يعلم كذب نفسه في هذه الدعوة وإنما يتخذها ستاراً يغطي به قصوره وخوره وأنانيته وأثرته.
وإما شخص يحاول تعجيز من يدعوه ليتخذ من عجزه عن الإجابة عذراً للقعود وتعلة للخمول والمسكنة وسبباً للانصراف عن العمل للمجموع.
وآية ذلك عند هؤلاء جميعاً أنك إذا فجأتهم بالطريق العملي وأوضحت لهم مناهج العمل المثمر وأخذت بأبصارهم وأسماعهم وعقولهم وأيديهم إلى الطريق المستقيم، لووا رؤوسهم وحاروا في أمرهم وأسقط في يدهم، وظهر الاضطراب والتردد في ألفاظهم وألحاظهم وحركاتهم وسكناتهم، وأخذوا ينتحلون المعاذير ويرجئونك إلى وقت الفراغ ويتخلصون منك بمختلف الوسائل، ذلك بعد أن يكونوا أمضّوك اعتراضاً وأجهدوك نقاشاً ومحاورة، ورأيتهم بعد ذلك يصدون وهم مستكبرون" . (من رسالة هل نحن قوم عمليون ص60)
ويقول الإمام الشهيد: "وهأنذا ذا أصارح كل الغيورين من أبناء الإسلام بأن كل جماعة إسلامية في هذا العصر محتاجة أشد الحاجة إلى الفرد العامل المفكر، إلى العنصر الجريء المنتج، فحرام على كل من آنس من نفسه شيئاً من هذا أن يتأخر عن النفير دقيقة واحدة" (من رسالة هل نحن قوم عمليون؟ص 63).
4 الاعتذار المتكرر عن لقاء إخوانه:
فالحرص على تلك اللقاءات والانضباط فيها وانتظارها دليل على الارتباط الوثيق بين الشخص وفكرته، فهي الزاد الذي ينتظره ليتزود به والسوق الذي يجمع منه بضاعته التي يريد بيعها للناس للحصول على الأجر والمثوبة من الله، وأي تخلف أو ترخص في التخلف عن حضور مثل هذه اللقاءات هو ضعف في الانتماء، ودليل على أن فكرته ليست من اهتماماته، أو على الأقل ليست في بؤرة الاهتمام، وقد يقال إن هناك ضرورات تستوجب الاعتذار أو الغياب عن الحضور، وهذا لايمانع فيه أحد وهناك نموذج قرآني فريد يضع لنا في سياقه مظاهر وعلامات للاعتذار الصادق.
يقول تعالى:
ليس على الضعفاء ولا على المرضى" ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم 91 ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون 92 (التوبة).
فلابد أن يكون العذر حقيقياً وأمراً واقعاً لا افتراضياً وغير متوهم كما ذكرت الآية الكريمة "الضعفاء، والمرضى، والذين لا يجدون ما ينفقون".. ولقد عاب القرآن على من اعتذر متعللاً بأعذار متوهمة غير واقعية كالذي قال لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرا (التوبة) أو القائل ومنهم من يقول \ئذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين 49 (التوبة)
فإذا ضعف الانتماء اعتذر الفرد لأسباب وهمية يفترضها جدلاً للهروب والتخلف.
والاعتذار الصادق يصحبه نصح وتوجيه للمشاركين في الجهاد ، فأصحاب الأعذار الحقيقية لم يمنعهم عدم خروجهم من تقديم النصح للمجاهدين.
فإذا ضعف الانتماء اقتصر المخلفون عن الركب باعتذارهم وكأنهم قد فعلوا ما عليهم، فلم يقدموا نصحاً أو لظنهم أن الاعتذار يغنيهم عن المشاركة بالنصح فيما تخلفوا عنه.
وينبغي أن يصاحب ذلك الاعتذار حزن داخلي على فوات الخير.. ليس الحزن الظاهري ،بل الحزن الذي يصل بصاحبه إلى حد البكاء ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون 92 (التوبة)
فإذا ضعف الانتماء لم يظهر على المعتذر أي علامة من علامات الحزن بل قد يصاحب قبول الاعتذار سعادة وفرح.
5 الاعتداد بالرأي والإصرار عليه:
فإذا ضعف الانتماء اعتد الفرد برأيه وتمسك به وظن أنه على الحق وغيره على الباطل أو أنه صواب وغيره الخطأ، يريد من كل الناس أن يسيروا وفق رأيه، وأن ينصاعوا لتحليلاته ويستجيبوا لرؤيته.. وإلا فالقعود عن العمل هو البديل، وترك الفكرة هو الحل الوحيد، فإذا لم يستجب له أحد ولم يؤخذ برأيه فحينئذ تكون الحرب التي لا هوادة فيها، فالنقد والانقلاب على الفكرة ومخالفيه، يطعن فيهم وينال منهم ويجعل من لحومهم غذاء له في كل أوقاته.
وإذا ضعف الانتماء اشتد الاعتداد بالرأي والتمسك به حظاً للنفس ورغبة في فرض شخصياتهم على الآخرين.
6 التشاحن والتباغض لأضعف الأسباب وأهونها.
إذا صدق الانتماء صدق أفراد الصف في أخوتهم وتجاوزوا عن أخطاء وزلات أصحابهم، وذلك أنهم يدعون ربهم ألا يجعل في قلوبهم غلا للذين آمنوا.
وإذا ضعف الانتماء امتلأت القلوب غلاً وحقداً حسداً للإخوان لأضعف الأسباب وأهونها.
وإذا ضعف الانتماء تعمد الفرد إخفاء الفضائل والمحاسن وإظهار المعايب والرذائل عند أخيه.
وإذا ضعف الانتماء انعدمت رعاية الحقوق الإسلامية، فلا وجود لها وسط أبناء الفكرة الواحدة.
وإذا ضعف الانتماء قل الوفاء بحق الضحية.. وانعدم الدعاء بظهر الغيب.
وإذا ضعف الانتماء انتشر التشهير وسط أبناء الفصف الواحد والنيل من أعراض بعضهم البعض.
وإذا ضعف الانتماء كثر الظن السيئ.. وظهر التحاسد والتناجش والتباغض وكان السماع للوشاية من غير تثبت.
7 تمنى القيادة والشعور بالأهلية لها دون الغير.
إذا ضعف الانتماء تعلق القلب بالإمامة أو الريادة، وسؤال ذلك بالتصريح والتلميح أو القعود عن القيام بالمسؤولية وأداء الأمانة، واستشرفها في نفسه، فإذا نحي لأمر ما قعد وتمرد ولم يرض بغير القيادة موقعاً، وفي ذلك يقول الدكتور السيد نوح في كتابه (آفات على الطريق الجزء الرابع ص 57): وذلك أن الواقع قد شهد بأن بعض الناس حين يكون في موقع القيادة، ولسبب أو لآخر يرد إلى موقع الجندية، تكبر عليه نفسه، لاسيما إذا نظر إلى القيادة على أنها تشريف لا تكليف، غنائم لا تبعات، وحينئذ يكون منه القعود والتخلي عن أداء الواجب.
8 ضعف الثقة في القيادة وقراراتها:
والثقة في قادة الفكر وقراراتهم معلم بارز من معالم الصدق في الانتماء وعلى قدر هذه الثقة بين القادة والمنتمين تكون وحدة الصف وقوة الفكرة، فإذا ضعف الانتماء قلت الثقة وتصدع بنيانها وانهار.
وإذا ضعف الانتماء كثرت المتاعب والصعاب وفشلت الفكرة في الاتفاق على قرار واستحال تحقيق أهدافها.
وإذا ضعف الانتماء قل الشعور بالمسؤولية لضعف الثقة في القيادة.
وإذا ضعف الانتماء كان التجريح المتعمد في القيادة ومحاولة إفشالها مما يعرقل مسيرتها ويضعف عطاءها.
9 عدم الثبات أمام تحديات الدعوة:
ومن علامات ضعف انتماء الفرد عدم الثبات أمام التحديات وُبعده عن الطريق خوفاً على حياته، أو وظيفته، أو خوفاً من تعذيبه، ولذلك كان الشيخ البنا واضحاً أمام أبناء فكرته بعد أن وضح لهم أن فكرتهم مازالت مجهولة عند كثير من الناس ويوم يعرفونها فسوف يتعرضون للامتحان والبلاء وما هو أشد من ذلك.
فإذا ضعف الانتماء سقط الفرد في أول امتحان يتعرض له إذ إن هناك خللاً في انتمائه وخوراً في حقيقة تبعته للفكرة التي آمن بها.
وأثناء ممارسة العمل الإسلامي.. تظهر بعض المشكلات الدعوية.. ويطفو على السطح بعض سلوكيات خاطئة.. ومظاهر إن دلت على شيء فإنما تدل على ضعف الانتماء للفكرة.. وخور الثقة بها ومن هذه المظاهر:
1 التقصير في أداء الواجبات العملية:
حيث تدعو الفكرة إلى إصلاح الفرد لنفسه فإذا به تارك لها العنان فلا يفكر في تهذيبها أو تأديبها.. وتأمره بأن يهتم ببيته ليكون بيتاً مسلماً فإذا به لا يقرأ فيه القرآن ولا يقوم فيه الليل ولا يأمر فيه بمعروف أو ينهي فيه عن منكر.
توصيه الفكرة بالمسارعة إلى الصلاة متى سمع النداء فيدرك هو الصلاة قبل التسليم.
توجب عليه الفكرة أن يكون له ورد قرآني يومياً فإذا به لا يقرب المصحف باليوم واليومين.
تصرخ الفكرة وتهيب بأفرادها أن يحرصوا على أوقاتهم فلا يصرفوا جزءاً منها بلا فائدة فإذا بأوقاتهم مهدرة تمر ولا يدرون كيف مضت!.
تدعوه الفكرة إلى أن يقدم جزءاً من ماله لدعوته ويؤدي زكاة ماله فإذا هو شحيح بخيل يمنع حق دعوته بل وقد يؤخر زكاة ماله.
تدعوه الفكرة إلى أن يدخر شيئاً من دخله للطوارئ فإذا هو مسرف يلجأ إلى الاقتراض في كل نائبة تلحق به.
توجهه الفكرة إلى نشر دعوته في كل مكان وأن يحيط القيادة بكل ظروفه ولا يقدم على عمل يؤثر فيها تأثيراً جوهرياً إلا بإذن، فإذا بالدعوة هي آخر اهتماماته فلا يفعل شيئاً لنشرها وإذا لامه أحد فالجواب حاضر: أن أحداًَ لم يكلفه بشيء! في حين أنه قد يرتبط بأكثر من عمل يضر الدعوة ويضعف من نشاطه وعطائه دون إذن أو إعلام.
يقول الأستاذ سيد قطب: "وفي قيام المنتمي للفكرة بواجباتها العملية إنما هو في الحقيقة استعلاء على ثقلة الأرض وعلى عجز الإرادة وضعف النفس وإثبات للوجود الإنساني الكريم".
2 تقديم المصلحة الخاصة على المصلحة العامة إذا ما تعارضتنا:
والفرد المنتمي إلى فكره هو الوحيد الذي يستطيع أن يضع نفسه في طريق العاملين المضحين أو في فريق الكسالى المتفلتين، فالفكرة في غنى عن فضل أوقات معتنقيها، فهي إما في الصدارة والمقدمة وإما على الهامش، إذ إن الفكرة فكرة إسلامية، المنتمون إليها ينتمون رغبة فيها لا رهبة منها يسعون إليها مختارين غير مجبرين، لأنها الوسيلة الوحيدة لنيل رضا الله، كما أن هذه الفكرة لا يصلح لها إلا من أحاطها من كل جوانبها ووهب لها ما تكلفه به من نفسه وماله ووقته وصحته، كما قال الإمام الشهيد حسن البنا حول قول الله تعالى قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى" يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين (24)(التوبة)
ويقول الشيخ البنا: "في دعوة لا تقبل الشركة إذ إن طبيعتها الوحدة، فمن استعد لذلك فقد عاش بها وعاشت به، ومن ضعف عن هذا العبء فسيحرم ثواب المجاهدين ويكون مع المخلفين ويقعد مع القاعدين ويستبدل الله لدعوته به قوماً آخرين أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم 54 (المائدة).
3 كثرة الكلام وقلة العمل:
ويقول: "إن الخطب والأقوال والمكاتبات وتشخيص الداء ووصف الدواء، كل ذلك وحده لايجدي نفعاً ولا يحقق غاية ولا يصل بالداعين إلى هدف من الأهداف، ولكن للدعوات وسائل لابد من الأخذ بها والعمل بها".(من رسالة بين الأمس واليوم ص 108).
ويقول رحمه الله: "وقد قلنا حتى مللنا القول وتكلمنا حتى سئمنا الكلام ولم يبق إلا أن نعمل". (هل نحو قوم عمليون ص 66).
فعندما يضعف الانتماء يكثر الكلام ويزداد القيل والقال، فيقل العمل ويزداد النقد غير البناء وينال أفراد الفكرة الواحدة من بعضهم البعض فيقال هذا مقصر وهذا لا يصلح وهذا.. وهذا.. إلخ!.
وإذا ضعف الانتماء ظهرت الأسئلة المفترضة الجدلية التي يحاول من خلالها السائل أن يفلت وأن يبرر قعوده وخوره وضعفه وهذا الصنف وصفه الإمام الشهيد قائلاً:
"وإما شخص مغرم بتشقيق الكلام وتنميق الجمل والعبارات وإرسال الألفاظ فخمة ضخمة ليقول السامعون إنه عالم وليظن الناس أنه على شيء وهو ليس على شيء.. وليلقي في روعك أنه يود العمل ولا يقعده عن مزاولته إلا أنه لا يجد الطريق العملي إليه، وهو يعلم كذب نفسه في هذه الدعوة وإنما يتخذها ستاراً يغطي به قصوره وخوره وأنانيته وأثرته.
وإما شخص يحاول تعجيز من يدعوه ليتخذ من عجزه عن الإجابة عذراً للقعود وتعلة للخمول والمسكنة وسبباً للانصراف عن العمل للمجموع.
وآية ذلك عند هؤلاء جميعاً أنك إذا فجأتهم بالطريق العملي وأوضحت لهم مناهج العمل المثمر وأخذت بأبصارهم وأسماعهم وعقولهم وأيديهم إلى الطريق المستقيم، لووا رؤوسهم وحاروا في أمرهم وأسقط في يدهم، وظهر الاضطراب والتردد في ألفاظهم وألحاظهم وحركاتهم وسكناتهم، وأخذوا ينتحلون المعاذير ويرجئونك إلى وقت الفراغ ويتخلصون منك بمختلف الوسائل، ذلك بعد أن يكونوا أمضّوك اعتراضاً وأجهدوك نقاشاً ومحاورة، ورأيتهم بعد ذلك يصدون وهم مستكبرون" . (من رسالة هل نحن قوم عمليون ص60)
ويقول الإمام الشهيد: "وهأنذا ذا أصارح كل الغيورين من أبناء الإسلام بأن كل جماعة إسلامية في هذا العصر محتاجة أشد الحاجة إلى الفرد العامل المفكر، إلى العنصر الجريء المنتج، فحرام على كل من آنس من نفسه شيئاً من هذا أن يتأخر عن النفير دقيقة واحدة" (من رسالة هل نحن قوم عمليون؟ص 63).
4 الاعتذار المتكرر عن لقاء إخوانه:
فالحرص على تلك اللقاءات والانضباط فيها وانتظارها دليل على الارتباط الوثيق بين الشخص وفكرته، فهي الزاد الذي ينتظره ليتزود به والسوق الذي يجمع منه بضاعته التي يريد بيعها للناس للحصول على الأجر والمثوبة من الله، وأي تخلف أو ترخص في التخلف عن حضور مثل هذه اللقاءات هو ضعف في الانتماء، ودليل على أن فكرته ليست من اهتماماته، أو على الأقل ليست في بؤرة الاهتمام، وقد يقال إن هناك ضرورات تستوجب الاعتذار أو الغياب عن الحضور، وهذا لايمانع فيه أحد وهناك نموذج قرآني فريد يضع لنا في سياقه مظاهر وعلامات للاعتذار الصادق.
يقول تعالى:
ليس على الضعفاء ولا على المرضى" ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم 91 ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون 92 (التوبة).
فلابد أن يكون العذر حقيقياً وأمراً واقعاً لا افتراضياً وغير متوهم كما ذكرت الآية الكريمة "الضعفاء، والمرضى، والذين لا يجدون ما ينفقون".. ولقد عاب القرآن على من اعتذر متعللاً بأعذار متوهمة غير واقعية كالذي قال لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرا (التوبة) أو القائل ومنهم من يقول \ئذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين 49 (التوبة)
فإذا ضعف الانتماء اعتذر الفرد لأسباب وهمية يفترضها جدلاً للهروب والتخلف.
والاعتذار الصادق يصحبه نصح وتوجيه للمشاركين في الجهاد ، فأصحاب الأعذار الحقيقية لم يمنعهم عدم خروجهم من تقديم النصح للمجاهدين.
فإذا ضعف الانتماء اقتصر المخلفون عن الركب باعتذارهم وكأنهم قد فعلوا ما عليهم، فلم يقدموا نصحاً أو لظنهم أن الاعتذار يغنيهم عن المشاركة بالنصح فيما تخلفوا عنه.
وينبغي أن يصاحب ذلك الاعتذار حزن داخلي على فوات الخير.. ليس الحزن الظاهري ،بل الحزن الذي يصل بصاحبه إلى حد البكاء ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون 92 (التوبة)
فإذا ضعف الانتماء لم يظهر على المعتذر أي علامة من علامات الحزن بل قد يصاحب قبول الاعتذار سعادة وفرح.
5 الاعتداد بالرأي والإصرار عليه:
فإذا ضعف الانتماء اعتد الفرد برأيه وتمسك به وظن أنه على الحق وغيره على الباطل أو أنه صواب وغيره الخطأ، يريد من كل الناس أن يسيروا وفق رأيه، وأن ينصاعوا لتحليلاته ويستجيبوا لرؤيته.. وإلا فالقعود عن العمل هو البديل، وترك الفكرة هو الحل الوحيد، فإذا لم يستجب له أحد ولم يؤخذ برأيه فحينئذ تكون الحرب التي لا هوادة فيها، فالنقد والانقلاب على الفكرة ومخالفيه، يطعن فيهم وينال منهم ويجعل من لحومهم غذاء له في كل أوقاته.
وإذا ضعف الانتماء اشتد الاعتداد بالرأي والتمسك به حظاً للنفس ورغبة في فرض شخصياتهم على الآخرين.
6 التشاحن والتباغض لأضعف الأسباب وأهونها.
إذا صدق الانتماء صدق أفراد الصف في أخوتهم وتجاوزوا عن أخطاء وزلات أصحابهم، وذلك أنهم يدعون ربهم ألا يجعل في قلوبهم غلا للذين آمنوا.
وإذا ضعف الانتماء امتلأت القلوب غلاً وحقداً حسداً للإخوان لأضعف الأسباب وأهونها.
وإذا ضعف الانتماء تعمد الفرد إخفاء الفضائل والمحاسن وإظهار المعايب والرذائل عند أخيه.
وإذا ضعف الانتماء انعدمت رعاية الحقوق الإسلامية، فلا وجود لها وسط أبناء الفكرة الواحدة.
وإذا ضعف الانتماء قل الوفاء بحق الضحية.. وانعدم الدعاء بظهر الغيب.
وإذا ضعف الانتماء انتشر التشهير وسط أبناء الفصف الواحد والنيل من أعراض بعضهم البعض.
وإذا ضعف الانتماء كثر الظن السيئ.. وظهر التحاسد والتناجش والتباغض وكان السماع للوشاية من غير تثبت.
7 تمنى القيادة والشعور بالأهلية لها دون الغير.
إذا ضعف الانتماء تعلق القلب بالإمامة أو الريادة، وسؤال ذلك بالتصريح والتلميح أو القعود عن القيام بالمسؤولية وأداء الأمانة، واستشرفها في نفسه، فإذا نحي لأمر ما قعد وتمرد ولم يرض بغير القيادة موقعاً، وفي ذلك يقول الدكتور السيد نوح في كتابه (آفات على الطريق الجزء الرابع ص 57): وذلك أن الواقع قد شهد بأن بعض الناس حين يكون في موقع القيادة، ولسبب أو لآخر يرد إلى موقع الجندية، تكبر عليه نفسه، لاسيما إذا نظر إلى القيادة على أنها تشريف لا تكليف، غنائم لا تبعات، وحينئذ يكون منه القعود والتخلي عن أداء الواجب.
8 ضعف الثقة في القيادة وقراراتها:
والثقة في قادة الفكر وقراراتهم معلم بارز من معالم الصدق في الانتماء وعلى قدر هذه الثقة بين القادة والمنتمين تكون وحدة الصف وقوة الفكرة، فإذا ضعف الانتماء قلت الثقة وتصدع بنيانها وانهار.
وإذا ضعف الانتماء كثرت المتاعب والصعاب وفشلت الفكرة في الاتفاق على قرار واستحال تحقيق أهدافها.
وإذا ضعف الانتماء قل الشعور بالمسؤولية لضعف الثقة في القيادة.
وإذا ضعف الانتماء كان التجريح المتعمد في القيادة ومحاولة إفشالها مما يعرقل مسيرتها ويضعف عطاءها.
9 عدم الثبات أمام تحديات الدعوة:
ومن علامات ضعف انتماء الفرد عدم الثبات أمام التحديات وُبعده عن الطريق خوفاً على حياته، أو وظيفته، أو خوفاً من تعذيبه، ولذلك كان الشيخ البنا واضحاً أمام أبناء فكرته بعد أن وضح لهم أن فكرتهم مازالت مجهولة عند كثير من الناس ويوم يعرفونها فسوف يتعرضون للامتحان والبلاء وما هو أشد من ذلك.
فإذا ضعف الانتماء سقط الفرد في أول امتحان يتعرض له إذ إن هناك خللاً في انتمائه وخوراً في حقيقة تبعته للفكرة التي آمن بها.