تشيد الشبكة الأورو-متوسطية لحقوق الإنسان ومنظماتها الأعضاء بالجزائر، جمعية عائلات المفقودين بالجزائر والرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان بأن مشروع القانون المتعلق بالجمعيات، في صيغته الحالية، لا يضمن حقوق الجمعيات الجزائرية على النحو المنصوص عليه في الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها الجزائر والتي تسود على القوانين الوطنية وفقا للقانون الجزائري
تشيد الشبكة الأورو-متوسطية لحقوق الإنسان ومنظماتها الأعضاء بالجزائر، جمعية عائلات المفقودين بالجزائر والرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان بأن مشروع القانون المتعلق بالجمعيات، في صيغته الحالية، لا يضمن حقوق الجمعيات الجزائرية على النحو المنصوص عليه في الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها الجزائر والتي تسود على القوانين الوطنية وفقا للقانون الجزائري. وترتكز مخاوفنا، التي تطرقنا إليها بالتفصيل في المذكرة أدناه، أساساً على خمسة أشياء: 1) عملية تأسيس الجمعيات بناء على إذن مسبق؛ 2) طريقة تمويل الجمعيات؛ 3) القيود المفروضة على التعاون مع المنظمات الأجنبية؛ 4) النظام الذي تخضع له المنظمات الأجنبية و5) الشروط الفضفاضة نوعا ما والتي يمكن من خلالها تعليق عمل الجمعيات أو حلها.
(1 لم يعد من الكافي لغرض تأسيس منظمة غير حكومية الوفاء بالشروط الرسمية التي تحكم تسجيل الجمعيات. فقد أصبح تأسيس الجمعيات مشروطا بموافقة مسبقة من السلطات ولم يعد خاضعاً للنظام الإشهاري الذي يتمثل في ’إشعار بسيط‘ بتأسيس الجمعية. وفي حين أن هذا الأمر كان مطبقاً فعلاً على نطاق واسع في الممارسة العملية، إلا أن التأكيد القانوني عليه الآن يمنح السلطات سلطات أكبر ولا يضمن المعاملة المنصفة للمنظمات غير الحكومية بموجب أنظمة مستقلة ومحايدة.
وينص مشروع القانون على أنه يمكن للسلطات أن ترفض تسجيل الجمعيات التي تعتبر أن أهدافها “تتعارض مع النظام العام والآداب العامة ونصوص القوانين والتنظيمات المعمول بها”. ومن الناحية العملية، ثمة أسباب تدعو للخشية من أن هذه المعايير الغامضة ستتيح للسلطات الإدارية منع تأسيس العديد من جمعيات الدفاع عن حقوق الإنسان، أو جمعيات الدفاع عن حقوق المرأة التي تطالب بإلغاء قانون الأسرة أو جمعيات عائلات ضحايا الحرب الأهلية التي وقعت في عقد التسعينات من القرن الماضي كمنظمة عائلات المفقودين التي تناضل من أجل إظهار الحقيقة وتحقيق العدالة فيما يتجاوز أحكام ميثاق السلم والمصالحة الوطنية.[1]
وفي حال لم تتلقَ الجمعية أي رد من الحكومة، فتعتبر قد تأسست قانونيا. إلا أن التشريع المقترح يضيف أنه في حالة تم رفض تأسيس جمعية وأقامت الجمعية المعنية دعوى قضائية وفازت بها، تتاح للحكومة مدة ثلاثة أشهر لإلغاء الاعتراف بالجمعية. إن هذا الامتياز الممنوح للحكومة سيؤدي إلى خلق إجراءات شاقة، وسيتيح للسلطات القدرة على السيطرة على كافة أنواع المنظمات غير الحكومية عبر إجراءات لاحقة على الحكم القضائي.
وعلاوة على ذلك، أبقى القانون المقترح على المادة 45 المثيرة للجدل من القانون 90-31 والتي تنص على عقوبة السجن لكل من يرأس جمعية غير مرخص لها. وفي حين أن المادة 47 من مشروع القانون تقلص من مدة عقوبة السجن، إلا أنها تنص على زيادة كبيرة في قيمة الغرامة. ومن المؤسف أيضاً أنه تم إلغاء أحكام القانون 90-30 التي تعطي القاضي حق الاختيار بين العقوبتين.
وأخيراً، فيما كان القانون 90-31 يشترط 15 عضوا مؤسسا من أجل تكوين جمعية جديدة، وهو أمر شاق بحد ذاته وكانت الجمعيات قد استنكرته أثناء المؤتمر العام للجمعيات[2]، فإن مشروع قانون الجمعيات المقترح يفرض متطلبات أصعب، إذ يشترط وجود 10 أعضاء مؤسسين للجمعيات المحلية؛ و15 عضوا مؤسسا للجمعيات التي تعمل على مستوى الولاية وينبغي أن يكونوا من 3 مناطق مختلفة على الأقل؛ و 25 عضوا بالنسبة للجمعيات الوطنية (ينبغي أن يكونوا من 12 ولاية). وهذا على الرغم من أنه يكفي شخصين فقط لتأسيس جمعية.
(2ينص مشروع القانون الجديد على أن الموارد المالية للجمعيات يمكن أن تأتي من طائفة من المصادر من بينها معونات “توافق عليها” الدولة أو سلطات الولاية أو السلطات المحلية. هذه الصياغة الغامضة للقانون تثير القلق بأن السلطات قد تفسر القانون على نحو ضيق من أجل السيطرة على تمويل المنظمات غير الحكومية. وبخلاف القانون الحالي الذي يتيح للجمعيات تلقي المنح والهبات من جمعيات أجنبية حال موافقة السلطات على ذلك. وينص مشروع القانون الذي اقتُرح في آب/أغسطس 2011 على أنه فيما عدا إطار اتفاقيات التعاون المبرمة حسب الأصول، يُحظر على الجمعيات الجزائرية تلقي منح وهبات أو أي نوع آخر من المساهمات من أي بعثة أجنبية أو منظمة غير حكومية أجنبية. وإذا ما تم اعتماد مشروع القانون في صيغته الحالية، فستُحرم الجمعيات من مصادر التمويل الحيوية لاستمرارها في العمل. فضلا عن أنه من خلال فرض إطار ما يسمى اتفاقيات الشراكات (التي تعقد بين جهة مانحة أجنبية ووزارة التضامن من جهة والجمعية المستفيدة من جهة أخرى)، ستحصل السلطات على وسيلة جديدة لفرض سيطرتها على موارد التمويل الأجنبية للمنظمات غير الحكومية الجزائرية، وبالتالي على أنشطتها وشركائها مما يتيح لها التدخل في الشؤون الداخلية للجمعيات وعملها.
وفي الوقت نفسه، فإن صياغة المادة 21 من مشروع القانون فضفاضة وتُوسع من الصلاحيات المنصوص عليها في القانون 90-31. وينص القانون الجديد على فرض غرامة على المنظمات غير الحكومية إذا رفضت توفير المعلومات التي تتطلبها المادتان 19 و 20. ففي حين تكرر المادة 19 الشروط المنصوص عليها في قانون 90-31[3]، فإن أحكام المادة 20 تورد بالتفصيل المعلومات التي يتعين على المنظمات غير الحكومية تقديمها للحكومة بعد كل اجتماع للجمعية العامة (محاضر الاجتماعات، وتقارير الأنشطة، والتقارير المالية)، مما يتيح مزيدا من السيطرة الحكومية على نشاطات الجمعيات.
(3تم تعديل أحكام المادة 21 من قانون 1990 التي تنص على أنه يمكن للجمعيات الوطنية فقط أن تنضمّ لمنظمات غير حكومية دولية، وأن هذه العضوية تتطلب الحصول على موافقة من وزارة الداخلية. و بموجب القانون المقترح، يكمن لجميع الجمعيات “المعتمدة” أن تنضم إلى منظمات غير حكومية أجنبية، لكن ينبغي إعلام وزارة الداخلية مسبقا بهذا الانضمام، كما يجب أن تقدم وزارة الخارجية رأيها بهذا الأمر. إضافة إلى ذلك، يتاح لوزير الداخلية مهلة قدرها 60 يوماً يمكنه خلالها معارضة الانضمام إلى منظمة دولية. كما ينص التشريع المقترح على وجوب الحصول على موافقة مسبقة من الحكومة قبل تطبيق التعاون في إطار الشراكة مع منظمات غير حكومية أجنبية، على الرغم من أن القانون 90-31 لم يتضمن أي شرط بخصوص هذا الموضوع.
(4ثمة أمر آخر يدعو للقلق وهو أن المنظمات غير الحكومية الأجنبية – أي الجمعيات التي يوجد “مقرها بالخارج أو التي يوجد مقرها داخل البلاد، ويديرها أجانب جزئيا أو كليا”-، تخضع لنظام مختلف تماما عن الجمعيات الوطنية. فأولاً، يمنح القانون المقترح الحكومة مهلة قدرها 90 يوماً لمنح موافقتها أو رفضها لتأسيس المنظمات الأجنبية، في حين أن المهلة تبلغ 60 يوماً للبت في طلبات تأسيس الجمعيات الوطنية على سبيل المثال.
ثانياً، ينص القانون المقترح على أن طلب اعتماد جمعية أجنبية ينبغي أن يكون هدفه تنفيذ الأحكام الواردة في اتفاق بين الحكومة الجزائرية وحكومة بلد الجمعية الأجنبية من أجل تعزيز روابط الصداقة بين الشعب الجزائري وشعب البلد الآخر. وهذا بمثابة منح الحكومة الحق في تحديد النشاطات التي يمكن للجمعيات الأجنبية القيام بها. وتأكيداً لذلك، تنص المادة التالية في القانون المقترح على أنه يمكن تعليق الاتفاقية أو إلغاءها إذا تدخلت الجمعية الأجنبية على نحو واضح في شؤون البلد المضيف أو قامت بأنشطة تمس بالسيادة الوطنية، أو النظام المؤسساتي القائم، أو الوحدة الوطنية وسلامة البلاد، أو النظام العام والآداب العامة أو القيم الحضارية للشعب الجزائري. إن هذه الصياغة الغامضة للقانون تزيد من القيود على حرية تكوين الجمعيات، مما يدل على عزم السلطات على إسكات أي نقد قد توجهه المنظمات غير الحكومية الأجنبية.
وقد تم استهداف التمويل الذي تقدمه الجمعيات الأجنبية أيضا. حيث ينص مشروع القانون على أنه يمكن فرض سقف محدد على قيمة التمويل الذي يمكن استلامه.
(5وفيما يتعلق بتعليق أو حل الجمعيات، فقد عززت الإجراءات الجديدة من الرقابة على الحقل الجمعوي حيث يمكن أن يتم تعليق أنشطة الجمعية أو حل الجمعية إذا ما تدخلت في الشؤون الداخلية للدولة أو مست بالسيادة الوطنية. وإذا ما تم اعتماد هذا القانون الغامض بصيغته الحالية، فسيحرم الجمعيات من القيام بدورها في تحليل ورصد وانتقاد تصرفات الدولة في تسيير سياستها العامة والذي يعد شرطا أساسيا لعمل أي ديمقراطية في العالم. وتعتبر منظماتنا بأن كل مواطن أينما كان له الحق في الاهتمام بشؤون بلاده.
وينص مشروع القانون على أنه يمكن حل الجمعية إذا حصلت على تمويل من مفوضية أو منظمة أجنبية غير حكومية، أو مارست أنشطة غير تلك المحددة في نظامها الأساسي. ومن جديد، فإن الصياغة الفضفاضة تثير الشواغل بشأن التفسير غير السليم للقانون من قبل الدولة. وسيكون من الأدق وأكثر اتساقا مع القوانين التحررية المعمول بها في الدول الأخرى في المنطقة لو نص القانون على حل الجمعية إذا ما كان سعت “لغايات” أو “أهداف” تتعارض مع نظامها الأساسي.
والأسوأ من ذلك، أن حل الجمعية يمكن أن يحدث جراء مطالبة من قبل جهات تتضارب مصالحها مع الجمعية. فعلى سبيل المثال، يمكن للجمعيات التي تدعمها أو تؤسسها الدولة (المنظمات غير الحكومية التي تمولها الدولة المعروفة باللغة الانجليزية باسم “GONGO”) أن تلجأ للقضاء من أجل منع منظمة غير حكومية مستقلة من مزاولة أنشطتها.
وفيما يتعلق بإجراءات تعليق أنشطة الجمعيات، يلغي مشروع القانون سابقة قانونية في غاية الأهمية. فبينما كان من الضروري منذ سنة 1990 الحصول على أمر قضائي لتعليق أنشطة الجمعيات، إلا أن مشروع القانون الجديد لا يتطلب سوى أمراً إدارياً لتعليق أنشطة الجمعيات التي قد يُعتبر بأنها لا تمتثل لنصوص معينة من القانون، ودون تحديد النصوص المعنية.
وأخيرا، وخلافا لتوصيات مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بالمدافعين عن حقوق الإنسان التي تؤكد على أنه “في حال اعتماد قانون جديد، ينبغي أن تواصل جميع المنظمات غير الحكومية المسجلة سابقا عملها بشكل قانوني وأن يتم اتخاذ إجراءات عاجلة لتحديث تسجيلها”[4] نجد أن المادة 70 تنص على أن الجمعيات المسجلة في ظل قانون 90-31 عليها الامتثال للقانون وإيداع أنظمة أساسية جديدة وفقا للقانون، مما يشكل خطرا على جميع المنظمات غير الحكومية التي تأسست في ظل القانون القديم.
[1] تنص المادة 46 من المرسوم رقم 06-01 الصادر في 27 فبراير/شباط 2006 على فرض عقوبة الحبس من 3 إلى 5 سنوات وغرامة يصل قدرها من 250,000 إلى 500,000 دينار جزائري ضد “كل من يقوم عن طريق تصريح مكتوب أو غير مكتوب و كل من يحاول استغلال جروح المأساة الوطنية بهدف الإساءة إلى مؤسسات الجمهورية الجزائرية الديمقراطية والشعبية، وإضعاف الدولة والإضرار بسمعة المسؤولين الذين خدموها بتفان أو تشويه صورة الجزائر دوليا”.
[2] تم تنظيم المؤتمر العام لجمعيات المجتمع المدني خلال الفترة 14-16 يونو/حزيران 2011 برعاية المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي بغية “السماح للمجتمع المدني التعبير عن نفسه في إطار نظام جديد للحكم”، حسب تصريحات الرئيس بوتفليقة.
[3] تنص المادة 19 على أنه ينبغي على الجمعيات إخطار السلطات المختصة بشأن أية تعديلات تدخلها على نظامها الأساسي.
تشيد الشبكة الأورو-متوسطية لحقوق الإنسان ومنظماتها الأعضاء بالجزائر، جمعية عائلات المفقودين بالجزائر والرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان بأن مشروع القانون المتعلق بالجمعيات، في صيغته الحالية، لا يضمن حقوق الجمعيات الجزائرية على النحو المنصوص عليه في الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها الجزائر والتي تسود على القوانين الوطنية وفقا للقانون الجزائري. وترتكز مخاوفنا، التي تطرقنا إليها بالتفصيل في المذكرة أدناه، أساساً على خمسة أشياء: 1) عملية تأسيس الجمعيات بناء على إذن مسبق؛ 2) طريقة تمويل الجمعيات؛ 3) القيود المفروضة على التعاون مع المنظمات الأجنبية؛ 4) النظام الذي تخضع له المنظمات الأجنبية و5) الشروط الفضفاضة نوعا ما والتي يمكن من خلالها تعليق عمل الجمعيات أو حلها.
(1 لم يعد من الكافي لغرض تأسيس منظمة غير حكومية الوفاء بالشروط الرسمية التي تحكم تسجيل الجمعيات. فقد أصبح تأسيس الجمعيات مشروطا بموافقة مسبقة من السلطات ولم يعد خاضعاً للنظام الإشهاري الذي يتمثل في ’إشعار بسيط‘ بتأسيس الجمعية. وفي حين أن هذا الأمر كان مطبقاً فعلاً على نطاق واسع في الممارسة العملية، إلا أن التأكيد القانوني عليه الآن يمنح السلطات سلطات أكبر ولا يضمن المعاملة المنصفة للمنظمات غير الحكومية بموجب أنظمة مستقلة ومحايدة.
وينص مشروع القانون على أنه يمكن للسلطات أن ترفض تسجيل الجمعيات التي تعتبر أن أهدافها “تتعارض مع النظام العام والآداب العامة ونصوص القوانين والتنظيمات المعمول بها”. ومن الناحية العملية، ثمة أسباب تدعو للخشية من أن هذه المعايير الغامضة ستتيح للسلطات الإدارية منع تأسيس العديد من جمعيات الدفاع عن حقوق الإنسان، أو جمعيات الدفاع عن حقوق المرأة التي تطالب بإلغاء قانون الأسرة أو جمعيات عائلات ضحايا الحرب الأهلية التي وقعت في عقد التسعينات من القرن الماضي كمنظمة عائلات المفقودين التي تناضل من أجل إظهار الحقيقة وتحقيق العدالة فيما يتجاوز أحكام ميثاق السلم والمصالحة الوطنية.[1]
وفي حال لم تتلقَ الجمعية أي رد من الحكومة، فتعتبر قد تأسست قانونيا. إلا أن التشريع المقترح يضيف أنه في حالة تم رفض تأسيس جمعية وأقامت الجمعية المعنية دعوى قضائية وفازت بها، تتاح للحكومة مدة ثلاثة أشهر لإلغاء الاعتراف بالجمعية. إن هذا الامتياز الممنوح للحكومة سيؤدي إلى خلق إجراءات شاقة، وسيتيح للسلطات القدرة على السيطرة على كافة أنواع المنظمات غير الحكومية عبر إجراءات لاحقة على الحكم القضائي.
وعلاوة على ذلك، أبقى القانون المقترح على المادة 45 المثيرة للجدل من القانون 90-31 والتي تنص على عقوبة السجن لكل من يرأس جمعية غير مرخص لها. وفي حين أن المادة 47 من مشروع القانون تقلص من مدة عقوبة السجن، إلا أنها تنص على زيادة كبيرة في قيمة الغرامة. ومن المؤسف أيضاً أنه تم إلغاء أحكام القانون 90-30 التي تعطي القاضي حق الاختيار بين العقوبتين.
وأخيراً، فيما كان القانون 90-31 يشترط 15 عضوا مؤسسا من أجل تكوين جمعية جديدة، وهو أمر شاق بحد ذاته وكانت الجمعيات قد استنكرته أثناء المؤتمر العام للجمعيات[2]، فإن مشروع قانون الجمعيات المقترح يفرض متطلبات أصعب، إذ يشترط وجود 10 أعضاء مؤسسين للجمعيات المحلية؛ و15 عضوا مؤسسا للجمعيات التي تعمل على مستوى الولاية وينبغي أن يكونوا من 3 مناطق مختلفة على الأقل؛ و 25 عضوا بالنسبة للجمعيات الوطنية (ينبغي أن يكونوا من 12 ولاية). وهذا على الرغم من أنه يكفي شخصين فقط لتأسيس جمعية.
(2ينص مشروع القانون الجديد على أن الموارد المالية للجمعيات يمكن أن تأتي من طائفة من المصادر من بينها معونات “توافق عليها” الدولة أو سلطات الولاية أو السلطات المحلية. هذه الصياغة الغامضة للقانون تثير القلق بأن السلطات قد تفسر القانون على نحو ضيق من أجل السيطرة على تمويل المنظمات غير الحكومية. وبخلاف القانون الحالي الذي يتيح للجمعيات تلقي المنح والهبات من جمعيات أجنبية حال موافقة السلطات على ذلك. وينص مشروع القانون الذي اقتُرح في آب/أغسطس 2011 على أنه فيما عدا إطار اتفاقيات التعاون المبرمة حسب الأصول، يُحظر على الجمعيات الجزائرية تلقي منح وهبات أو أي نوع آخر من المساهمات من أي بعثة أجنبية أو منظمة غير حكومية أجنبية. وإذا ما تم اعتماد مشروع القانون في صيغته الحالية، فستُحرم الجمعيات من مصادر التمويل الحيوية لاستمرارها في العمل. فضلا عن أنه من خلال فرض إطار ما يسمى اتفاقيات الشراكات (التي تعقد بين جهة مانحة أجنبية ووزارة التضامن من جهة والجمعية المستفيدة من جهة أخرى)، ستحصل السلطات على وسيلة جديدة لفرض سيطرتها على موارد التمويل الأجنبية للمنظمات غير الحكومية الجزائرية، وبالتالي على أنشطتها وشركائها مما يتيح لها التدخل في الشؤون الداخلية للجمعيات وعملها.
وفي الوقت نفسه، فإن صياغة المادة 21 من مشروع القانون فضفاضة وتُوسع من الصلاحيات المنصوص عليها في القانون 90-31. وينص القانون الجديد على فرض غرامة على المنظمات غير الحكومية إذا رفضت توفير المعلومات التي تتطلبها المادتان 19 و 20. ففي حين تكرر المادة 19 الشروط المنصوص عليها في قانون 90-31[3]، فإن أحكام المادة 20 تورد بالتفصيل المعلومات التي يتعين على المنظمات غير الحكومية تقديمها للحكومة بعد كل اجتماع للجمعية العامة (محاضر الاجتماعات، وتقارير الأنشطة، والتقارير المالية)، مما يتيح مزيدا من السيطرة الحكومية على نشاطات الجمعيات.
(3تم تعديل أحكام المادة 21 من قانون 1990 التي تنص على أنه يمكن للجمعيات الوطنية فقط أن تنضمّ لمنظمات غير حكومية دولية، وأن هذه العضوية تتطلب الحصول على موافقة من وزارة الداخلية. و بموجب القانون المقترح، يكمن لجميع الجمعيات “المعتمدة” أن تنضم إلى منظمات غير حكومية أجنبية، لكن ينبغي إعلام وزارة الداخلية مسبقا بهذا الانضمام، كما يجب أن تقدم وزارة الخارجية رأيها بهذا الأمر. إضافة إلى ذلك، يتاح لوزير الداخلية مهلة قدرها 60 يوماً يمكنه خلالها معارضة الانضمام إلى منظمة دولية. كما ينص التشريع المقترح على وجوب الحصول على موافقة مسبقة من الحكومة قبل تطبيق التعاون في إطار الشراكة مع منظمات غير حكومية أجنبية، على الرغم من أن القانون 90-31 لم يتضمن أي شرط بخصوص هذا الموضوع.
(4ثمة أمر آخر يدعو للقلق وهو أن المنظمات غير الحكومية الأجنبية – أي الجمعيات التي يوجد “مقرها بالخارج أو التي يوجد مقرها داخل البلاد، ويديرها أجانب جزئيا أو كليا”-، تخضع لنظام مختلف تماما عن الجمعيات الوطنية. فأولاً، يمنح القانون المقترح الحكومة مهلة قدرها 90 يوماً لمنح موافقتها أو رفضها لتأسيس المنظمات الأجنبية، في حين أن المهلة تبلغ 60 يوماً للبت في طلبات تأسيس الجمعيات الوطنية على سبيل المثال.
ثانياً، ينص القانون المقترح على أن طلب اعتماد جمعية أجنبية ينبغي أن يكون هدفه تنفيذ الأحكام الواردة في اتفاق بين الحكومة الجزائرية وحكومة بلد الجمعية الأجنبية من أجل تعزيز روابط الصداقة بين الشعب الجزائري وشعب البلد الآخر. وهذا بمثابة منح الحكومة الحق في تحديد النشاطات التي يمكن للجمعيات الأجنبية القيام بها. وتأكيداً لذلك، تنص المادة التالية في القانون المقترح على أنه يمكن تعليق الاتفاقية أو إلغاءها إذا تدخلت الجمعية الأجنبية على نحو واضح في شؤون البلد المضيف أو قامت بأنشطة تمس بالسيادة الوطنية، أو النظام المؤسساتي القائم، أو الوحدة الوطنية وسلامة البلاد، أو النظام العام والآداب العامة أو القيم الحضارية للشعب الجزائري. إن هذه الصياغة الغامضة للقانون تزيد من القيود على حرية تكوين الجمعيات، مما يدل على عزم السلطات على إسكات أي نقد قد توجهه المنظمات غير الحكومية الأجنبية.
وقد تم استهداف التمويل الذي تقدمه الجمعيات الأجنبية أيضا. حيث ينص مشروع القانون على أنه يمكن فرض سقف محدد على قيمة التمويل الذي يمكن استلامه.
(5وفيما يتعلق بتعليق أو حل الجمعيات، فقد عززت الإجراءات الجديدة من الرقابة على الحقل الجمعوي حيث يمكن أن يتم تعليق أنشطة الجمعية أو حل الجمعية إذا ما تدخلت في الشؤون الداخلية للدولة أو مست بالسيادة الوطنية. وإذا ما تم اعتماد هذا القانون الغامض بصيغته الحالية، فسيحرم الجمعيات من القيام بدورها في تحليل ورصد وانتقاد تصرفات الدولة في تسيير سياستها العامة والذي يعد شرطا أساسيا لعمل أي ديمقراطية في العالم. وتعتبر منظماتنا بأن كل مواطن أينما كان له الحق في الاهتمام بشؤون بلاده.
وينص مشروع القانون على أنه يمكن حل الجمعية إذا حصلت على تمويل من مفوضية أو منظمة أجنبية غير حكومية، أو مارست أنشطة غير تلك المحددة في نظامها الأساسي. ومن جديد، فإن الصياغة الفضفاضة تثير الشواغل بشأن التفسير غير السليم للقانون من قبل الدولة. وسيكون من الأدق وأكثر اتساقا مع القوانين التحررية المعمول بها في الدول الأخرى في المنطقة لو نص القانون على حل الجمعية إذا ما كان سعت “لغايات” أو “أهداف” تتعارض مع نظامها الأساسي.
والأسوأ من ذلك، أن حل الجمعية يمكن أن يحدث جراء مطالبة من قبل جهات تتضارب مصالحها مع الجمعية. فعلى سبيل المثال، يمكن للجمعيات التي تدعمها أو تؤسسها الدولة (المنظمات غير الحكومية التي تمولها الدولة المعروفة باللغة الانجليزية باسم “GONGO”) أن تلجأ للقضاء من أجل منع منظمة غير حكومية مستقلة من مزاولة أنشطتها.
وفيما يتعلق بإجراءات تعليق أنشطة الجمعيات، يلغي مشروع القانون سابقة قانونية في غاية الأهمية. فبينما كان من الضروري منذ سنة 1990 الحصول على أمر قضائي لتعليق أنشطة الجمعيات، إلا أن مشروع القانون الجديد لا يتطلب سوى أمراً إدارياً لتعليق أنشطة الجمعيات التي قد يُعتبر بأنها لا تمتثل لنصوص معينة من القانون، ودون تحديد النصوص المعنية.
وأخيرا، وخلافا لتوصيات مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بالمدافعين عن حقوق الإنسان التي تؤكد على أنه “في حال اعتماد قانون جديد، ينبغي أن تواصل جميع المنظمات غير الحكومية المسجلة سابقا عملها بشكل قانوني وأن يتم اتخاذ إجراءات عاجلة لتحديث تسجيلها”[4] نجد أن المادة 70 تنص على أن الجمعيات المسجلة في ظل قانون 90-31 عليها الامتثال للقانون وإيداع أنظمة أساسية جديدة وفقا للقانون، مما يشكل خطرا على جميع المنظمات غير الحكومية التي تأسست في ظل القانون القديم.
[1] تنص المادة 46 من المرسوم رقم 06-01 الصادر في 27 فبراير/شباط 2006 على فرض عقوبة الحبس من 3 إلى 5 سنوات وغرامة يصل قدرها من 250,000 إلى 500,000 دينار جزائري ضد “كل من يقوم عن طريق تصريح مكتوب أو غير مكتوب و كل من يحاول استغلال جروح المأساة الوطنية بهدف الإساءة إلى مؤسسات الجمهورية الجزائرية الديمقراطية والشعبية، وإضعاف الدولة والإضرار بسمعة المسؤولين الذين خدموها بتفان أو تشويه صورة الجزائر دوليا”.
[2] تم تنظيم المؤتمر العام لجمعيات المجتمع المدني خلال الفترة 14-16 يونو/حزيران 2011 برعاية المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي بغية “السماح للمجتمع المدني التعبير عن نفسه في إطار نظام جديد للحكم”، حسب تصريحات الرئيس بوتفليقة.
[3] تنص المادة 19 على أنه ينبغي على الجمعيات إخطار السلطات المختصة بشأن أية تعديلات تدخلها على نظامها الأساسي.