عبد القادر ابن محي الدين (بالإنجليزية: Abd al-Qadir al-Jaza'iri) المعروف بالأمير عبد القادر أو عبد القادر الجزائري (6 سبتمبر 1808 بمعسكر - 26 مايو 1883 بدمشق)، مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة. عالم دين، شاعر، فيلسوف، سياسي ومحارب في آن واحد. اشتهر بمناهضته للاحتلال الفرنسي للجزائر
النشأة
ولد الامير عبد القادر بن الأمير محيي الدين بن مصطفى بن محمد بن
المختار بن عبد القادر بن أحمد بن محمد بن عبد القوي بن يوسف بن أحمد بن
شعبان بن محمد بن أدريس الأصغر بن إدريس الأكبر بن عبد الله (الكامل) بن الحسن المثنى بن الحسن (السبط) بن فاطمة بنت محمد رسول الله وزوجة علي بن أبي طالب ابن عم الرسول .[1][2][3][4] وأيضا من عائلة رسول الإسلام محمد.[5]
تم تحقيق النسب الشريف الصحيح للأمير عبد القادر في كتاب (الإحياء بعد
الإنساء) يصدر بمعرض القاهرة الدولي للكتاب 2011 م للمحقق الشريف عبد
الفتاح فتحي أبو حسن شكر (الحدين ــ كوم حماده ــ بحيرة ــ مصر)
لأدرج ضمن خطة احتفالية «دمشق عاصمة للثقافة العربية»، ترميم وتأهيل عدد
من البيوت الشهيرة في دمشق بعضها كانت الدولة قد وضعت اليد عليها من أجل
تحويلها إلى منشآت سياحية وثقافية، مثل قصر العظم، ودار السباعي، والتكية السليمانية، وغيرها. ويذكر أن بعض البيوت في دمشق القديمة كانت قد تحولت إلى مطاعم سياحية، كبيت الشاعر شفيق جبري،
وبعضها لا تزال تنتظر ليبتّ بأمرها، والبعض الآخر، استثمرتها سفارات بعض
الدول الأوروبية وحولتها إلى بيوت ثقافية، مثل «بيت العقاد» الذي تحول إلى
المعهد الثقافي الدنماركي في حي مدحت باشا.
واليوم وبالاتفاق بين المفوضية الأوروبية والإدارة المحلية والبيئة،
وضمن برنامج تحديث الإدارة البلدية، يجري تأهيل بيت الأمير عبد القادر
الجزائري الواقع في ضاحية دمر، غرب دمشق، والقصر هو مصيف كان للأمير في
«الربوة»، على ضفاف بردى، وسط روضة من الأشجار الوارفة.
القصر كما أفادنا المهندس نزار مرادمي الذي نفذ الترميم، يعود بناؤه إلى
حوالي 140 سنة، سكنه الأمير عبد القادر مع عائلته عام 1871، ثم سكنه أبناء
الأمير وأحفاده، وكان آخرهم الأمير سعيد الجزائري، رئيس مجلس الوزراء في
عهد حكومة الملك فيصل، بعد الحرب العالمية الأولى. وصار القصر مهملاً
مهجوراً، شبه متهدم، منذ عام 1948. والقصر اليوم مملوك لصالح محافظة دمشق
لأغراض ثقافية وسياحية. تبلغ مساحة القصر المؤلف من طابقين 1832 متراً
مربعاً. ويقول المهندس نزار، إن العمل تم في القصر ومحيطه، بعد إزالة
البناء العشوائي، وسيتم افتتاح القصر رسمياً في شهر مايو (أيار) من العام
الجاري. وسيضم القصر بعد ترميمه، قاعة كبيرة خاصة بتراث الأمير عبد القادر،
بالتعاون مع السفارة الجزائرية بدمشق، التي عبرت عن استعدادها بتزويد
القصر بكل ما يرتبط بتراث هذا المجاهد الذي يكن له الجزائريون كما السوريون
والعرب كل التقدير، ليس لكونه مجاهداً ومصلحاً وحسب، بل أيضاً لكونه
عالماً وفقيهاً وشاعراً، وداعية دؤوباً للتآخي بين شعوب الشرق.
ويذكر أنه بعد استقلال الجزائر، تم نقل جثمان الأمير، من دمشق إلى الجزائر عام 1966.
وقال المهندس نزار مرادمي ان عملية الترميم، تتركز على بعدين: ثقافي
وبيئي. ويراد من ترميم القصر تحويله إلى بيت للثقافة، يزوره الناس مع ما
يحمله اسم صاحب القصر من دلالات، والبعد الآخر سياحي، حيث يتم إنشاء حديقة
بيئية أمام القصر وفي محيطه، وهذا يندرج ضمن المساعي القائمة لتحسين مظهر
المدينة وتأهيل المعالم السياحية فيها.
ويذكر بهذا الصدد أن هذا القصر لم يكن المنزل الوحيد للأمير، ولم يكن
محل إقامته الدائم. فمن المعروف أن منزله هو الذي منحته إياه السلطات
العثمانية في حي العمارة بدمشق القديمة، والمعروف بـ«حارة النقيب» وهو الحي الذي ضم آل الجزائري حتى اليوم..
[عدل] في منفاه بدمشق
الأمير عبد القادر في دمشق
استقر الأمير عبد القادر الجزائري في دمشق من عام 1856 إلى عام وفاته
عام 1883، أي 27 سنة. ومنذ قدومه إليها من إسطنبول تبوأ فيها مكانة تليق به
كزعيم سياسي وديني وأديب وشاعر.. وكانت شهرته قد سبقته إلى دمشق، فأخذ
مكانته بين العلماء والوجهاء، فكانت له مشاركة بارزة في الحياة السياسية
والعلمية. قام بالتدريس في الجامع الأموي، وبعد أربعة أعوام من استقراره في
دمشق، حدثت فتنة في الشام عام 1860 واندلعت أحداث طائفية دامية، ولعب
الزعيم الجزائري دور رجل الإطفاء بجدارة، فقد فتح بيوته للاجئين إليه من
المسيحيين في دمشق كخطوة رمزية وعملية على احتضانهم. وهي مأثرة لا تزال
تذكر له إلى اليوم إلى جانب كفاحه ضد الاستعمار الفرنسي في بلاده الجزائر.
الأمير عبد القادر أثناء حمايته للمسيحيين في دمشق
وهو بالإضافة إلى مكانته الوجاهية في دمشق، مارس حياة الشاعر المتصوف،
شبه نجده لا سيما في قدومه من المغرب متجولاً في المشرق وتركيا، ثم اختياره
لدمشق موطناً حتى الموت. وربما ليس من باب المصادفة أن يدفن الأمير عبد
القادر بجانب ضريح الشيخ الأكبر في حضن جبل قاسيون.
من جهة أخرى عبر الفنان السوري أسعد فضة، عن رغبته في تجسيد شخصية
الأمير عبد القادر الجزائري في فيلم سينمائي ضخم، بالتعاون مع وزارة
الثقافة الجزائرية. وسبق للروائي الجزائري واسيني الأعرج أن قدم رواية
تاريخية بعنوان «مسالك أبواب الحديد» عن الأمير عبد القادر وسيرة كفاح
الجزائر ضد الاستعمار الفرنسي.
عن هذا الاهتمام اللافت بالأمير، سواء في سوريا أو في الجزائر، يرى
النحات آصف شاهين، رئيس تحرير مجلة أبولدور الدمشقي: إن هذا الاهتمام وإن
جاء متأخراً إلا أنه ضروري لرجل يستحق، وهو، أي الأمير، صاحب سيرة حافلة
بالكفاح امتدت من المغرب العربي إلى المشرق، وإن كان الأوروبيون يشاركوننا
في هذا الاهتمام، فقد كان الأمير عبد القادر رجل حوار وتحرر. وإن كان كافح
الاستعمار الأوروبي، فقد عرفته بعض الشخصيات الأوروبية كمحاور متميز وواحد
من أعلام الإسلام في ذاك العصر.
يرى المهندس هائل هلال أن الأمير عبد القادر لم ينل حقه من الإنصاف،
وقلما يذكر إلا كمجاهد قديم، جاء من الجزائر إلى الشام ليستريح في أفياء
غوطتها الغناء بينما في حقيقة الأمر، يقول هلال: إن الرجل كان أحد أكبر
أعلام تلك المرحلة، وأنه هو وأحفاده فيما بعد، دخلوا التاريخ السوري من
بابه الواسع.
ولد في 23 رجب 1222هـ / مايو 1807م، وذلك بقرية "القيطنة" بوادي الحمام من منطقة معسكر "المغرب الأوسط" الجزائر، ثم انتقل والده إلى مدينة وهران.
لم يكن محيي الدين
(والد الأمير عبد القادر) هملاً بين الناس، بل كان ممن لا يسكتون على
الظلم، فكان من الطبيعي أن يصطدم مع الحاكم العثماني لمدينة "وهران"، وأدى
هذا إلى تحديد إقامة الوالد في بيته، فاختار أن يخرج من الجزائر كلها في
رحلة طويلة.
كان الإذن له بالخروج لفريضة الحج عام 1241هـ/ 1825م، فخرج الوالد واصطحب ابنه عبد القادر معه، فكانت رحلة عبد القادر إلى تونس ثم مصر ثم الحجاز ثم البلاد الشامية ثم بغداد، ثم العودة إلى الحجاز، ثم العودة إلى الجزائر مارًا بمصر وبرقة وطرابلس ثم تونس، وأخيرًا إلى الجزائر من جديد عام 1828
م، فكانت رحلة تعلم ومشاهدة ومعايشة للوطن العربي في هذه الفترة من
تاريخه، وما لبث الوالد وابنه أن استقرا في قريتهم "قيطنة"، ولم يمض وقت
طويل حتى تعرضت الجزائر لحملة عسكرية فرنسية شرسة، وتمكنت فرنسا من احتلال
العاصمة فعلاً في 5 يوليو 1830م، واستسلم الحاكم العثماني سريعًا، ولكن الشعب الجزائري كان له رأي آخر.
[عدل] المبايعة
فرّق الشقاق بين الزعماء كلمة الشعب، وبحث أهالي وعلماء "غريس"
عن زعيم يأخذ اللواء ويبايعون على الجهاد تحت قيادته، واستقر الرأي على
"محيي الدين الحسني" وعرضوا عليه الأمر، ولكن الرجل اعتذر عن الإمارة وقبل
قيادة الجهاد، فأرسلوا إلى صاحب المغرب الأقصى ليكونوا تحت إمارته، فقبل
السلطان "عبد الرحمن بن هشام" سلطان المغرب،
وأرسل ابن عمه "علي بن سليمان" ليكون أميرًا على وهران، وقبل أن تستقر
الأمور تدخلت فرنسا مهددة السلطان بالحرب، فانسحب السلطان واستدعى ابن عمه
ليعود الوضع إلى نقطة الصفر من جديد، ولما كان محيي الدين قد رضي بمسئولية
القيادة العسكرية، فقد التفت حوله الجموع من جديد، وخاصة أنه حقق عدة
انتصارات على العدو، وقد كان عبد القادر على رأس الجيش في كثير من هذه
الانتصارات، فاقترح الوالد أن يتقدم "عبد القادر" لهذا المنصب، فقبل
الحاضرون، وقبل الشاب تحمل هذه المسؤولية، وتمت البيعة، ولقبه والده بـ
"ناصر الدين" واقترحوا عليه أن يكون "سلطان" ولكنه اختار لقب "الأمير"، وبذلك خرج إلى الوجود "الأمير عبد القادر ناصر الدين بن محيي الدين الحسني"، وكان ذلك في 13 رجب 1248هـ الموافق 27نوفمبر 1832.
وحتى تكتمل صورة الأمير عبد القادر، فقد تلقى الشاب مجموعة من العلوم فقد درس الفلسفة (رسائل إخوان الصفا - أرسطوطاليس - فيثاغورس) ودرس الفقه والحديث فدرس صحيح البخاري ومسلم، وقام بتدريسهما، كما تلقى الألفية في النحو، والسنوسية، والعقائد النسفية في التوحيد،
وايساغوجي في المنطق، والإتقان في علوم القرآن، وبهذا اكتمل للأمير العلم
الشرعي، والعلم العقلي، والرحلة والمشاهدة، والخبرة العسكرية في ميدان
القتال، وعلى ذلك فإن الأمير الشاب تكاملت لديه مؤهلات تجعله كفؤًا لهذه
المكانة، وقد وجه خطابه الأول إلى كافة العروش قائلاً: "… وقد قبلت بيعتهم
(أي أهالي وهران
وما حولها) وطاعتهم، كما أني قبلت هذا المنصب مع عدم ميلي إليه، مؤملاً أن
يكون واسطة لجمع كلمة المسلمين، ورفع النزاع والخصام بينهم، وتأمين السبل،
ومنع الأعمال المنافية للشريعة المطهرة، وحماية البلاد من العدو، وإجراء
الحق والعدل نحو القوى والضعيف، واعلموا أن غايتي القصوى اتحاد الملة
المحمدية، والقيام بالشعائر الأحمدية، وعلى الله الاتكال في ذلك كله
[عدل] دولة الأمير عبد القادر وعاصمته المتنقلة
ولبطولة الاميراضطرت فرنسا إلى عقد اتفاقية هدنة معه وهي اتفاقية "دي ميشيل" في عام 1834،
وبهذه الاتفاقية اعترفت فرنسا بدولة الأمير عبد القادر، وبذلك بدأ الأمير
يتجه إلى أحوال البلاد ينظم شؤونها ويعمرها ويطورها، وقد نجح الأمير في
تأمين بلاده إلى الدرجة التي عبر عنها مؤرخ فرنسي بقوله: «يستطيع الطفل أن يطوف ملكه منفردًا، على رأسه تاج من ذهب، دون أن يصيبه أذى!!». وكان الأمير قد انشا عاصمة متنقلة كاي عاصمة اوربية متطورة انداك سميت الزمالةو
كان قد أسّس قبلها عاصمة وذلك بعد غزو الجيش الفرنسي لمدينة معسكر في
الحملة التي قادها ‘كلوزيل’، وضع الأمير خطة تقضي بالانسحاب إلى أطراف
الصحراء لإقامة آخر خطوطه الدفاعية وهناك شيد العاصمة الصحراوية ،تكدمت.
وقد بدأ العمل فيها بإقامة ثلاث حصون عسكرية، ثم أعقبها بالمباني والمرافق
المدنية والمساجد الخ، وهناك وضع أموال الدولة التي أصبحت الآن في مأمن من
غوائل الغزاة ومفاجئاتهم. وقد جلب إليها الأمير سكانا من مختلف المناطق من
الكلغوليين وسكان آرزيو ومستغانم ومسرغين والمدية.
وقبل أن يمر عام على الاتفاقية نقض القائد الفرنسي الهدنة، وناصره في
هذه المرة بعض القبائل في مواجهة الأمير عبد القادر، ونادى الأمير في قومه
بالجهاد ونظم الجميع صفوف القتال، وكانت المعارك الأولى رسالة قوية لفرنسا
وخاصة موقعة "المقطع" حيث نزلت بالقوات الفرنسية هزائم قضت على قوتها
الضاربة تحت قيادة "تريزيل"
الحاكم الفرنسي. ولكن فرنسا أرادت الانتقام فأرسلت قوات جديدة وقيادة
جديدة، واستطاعت القوات الفرنسية دخول عاصمة الأمير وهي مدينة "معسكر" وأحرقتها، ولولا مطر غزير أرسله الله في هذا اليوم ما بقى فيها حجر على حجر، ولكن الأمير استطاع تحقيق مجموعة من الانتصارات دفعت فرنسا لتغيير القيادة من جديد ليأتي القائد الفرنسي الماكر الجنرال "[بيجو]"؛
ولكن الأمير نجح في إحراز نصر على القائد الجديد في منطقة "وادي تافنة"
أجبرت القائد الفرنسي على عقد معاهدة هدنة جديدة عُرفت باسم "معاهد تافنة"
في عام 1837م. وعاد الأمير لإصلاح حال بلاده وترميم ما أحدثته المعارك
بالحصون والقلاع وتنظيم شؤون البلاد، وفي نفس الوقت كان القائد الفرنسي "بيجو"
يستعد بجيوش جديدة، ويكرر الفرنسيون نقض المعاهدة في عام 1839م، وبدأ
القائد الفرنسي يلجأ إلى الوحشية في هجومه على المدنيين العزل فقتل النساء
والأطفال والشيوخ، وحرق القرى والمدن التي تساند الأمير، واستطاع القائد
الفرنسي أن يحقق عدة انتصارات على الأمير عبد القادر، ويضطر الأمير إلى
اللجوء إلى بلاد المغرب الأقصى،
ويهدد الفرنسيون السلطان المغربي، ولم يستجب السلطان لتهديدهم في أول
الأمر، وساند الأمير في حركته من أجل استرداد وطنه، ولكن الفرنسيين يضربون طنجة وبوغادور بالقنابل من البحر، وتحت وطأة الهجوم الفرنسي يضطر السلطان إلى توقيع معاهدة لالة مغنية وطرد الأمير من المغرب الأقصى.
قاد عبد القادر ووالده حملة مقاومة عنيفة ضدها، فبايعه الأهالي بالإمارة
عام 1832م، عمل عبد القادر على تنظيم المُجاهدين، وإعداد الأهالي وتحفيزهم
لمقاومة الاستعمار، حتى استقر له الأمر وقويت شوكته فألحق بالفرنسيين
الهزيمة تلو الأخرى، مما اضطر فرنسا إلى أن توقع معه معاهدة (دي ميشيل) في
فبراير 1834م، معترفة بسلطته غرب الجزائر، لكن السلطات الفرنسية لم تلتزم
بتلك المعاهدة، الأمر الذي اضطره إلى الاصطدام بهم مرة أخرى، فعادت فرنسا
إلى المفاوضات، وعقدت معه معاهدة (تافنة) في مايو 1837م، مما أتاح لعبد
القادر الفرصة لتقوية منطقة نفوذه، وتحصين المدن وتنظيم القوات، وبث الروح
الوطنية في الأهالي، والقضاء على الخونة والمتعاونين مع الاستعمار. لكن
سرعان ما خرق الفرنسيين المعاهدة من جديد، فاشتبك معهم عبد القادر ورجاله
أواخر عام 1839م، فدفعت فرنسا بالقائد الفرنسي (بيجو) لتولي الأمور في
الجزائر، فعمل على السيطرة على الوضع بإتباع سياسة الأرض المحروقة، فدمر
المدن وأحرق المحاصيل وأهلك الدواب، إلا أن الأمير ورفاقه استطاعوا الصمود
أمام تلك الحملة الشعواء، مُحققين عدة انتصارات، مستعينين في ذلك
بالمساعدات والإمدادات المغربية لهم، لذا عملت فرنسا على تحييد المغرب
وإخراجه من حلبة الصراع، فأجبرت المولى عبد الرحمن سلطان المغرب، على توقيع
اتفاقية تعهد فيها بعدم مساعدة الجزائريين، والقبض على الأمير عبد القادر
وتسليمه للسلطات الفرنسية، حال التجائه للأراضي المغربية. كان لتحييد
المغرب ووقف مساعداته للمجاهدين الجزائريين دور كبير في إضعاف قوات الأمير
عبد القادر، الأمر الذي حد من حركة قواته، ورجح كفة القوات الفرنسية، فلما
نفد ما لدى الأمير من إمكانيات لم يبقى أمامه سوى الاستسلام حقناً لدماء من
تبقى من المجاهدين والأهالي، وتجنيباً لهم من بطش الفرنسيين، وفي ديسمبر
1847م اقتيد عبد القادر إلى أحد السجون بفرنسا، وفي بداية الخمسينات أفرج
عنه شريطة ألا يعود إلى الجزائر، فسافر إلى تركيا ومنها إلى دمشق عام
1955م، عندما وصل الأمير وعائلته وأعوانه إلي دمشق، أسس ما عرف برباط
المغاربة في حي السويقة، وهو حي مازال موجوداً إلي اليوم، وسرعان ما أصبح
ذا مكانة بين علماء ووجهاء الشام، وقام بالتدريس في المدرسة الأشرفية، ثم
الجامع الأموي، الذي كان أكبر مدرسة دينية في دمشق آنذاك، سافر الأمير للحج
ثم عاد ليتفرغ للعبادة والعلم والأعمال الخيرية، وفي مايو 1883م توفي
الأمير عبد القادر الجزائري ودفن في سوريا. لم يكن جهاد الأمير عبد القادر
ضد قوى الاستعمار بالجزائر، هو كل رصيده الإنساني، فقد ترك العديد من
المؤلفات القيمة ترجمت إلى عدة لغات، وعقب حصول الجزائر على الاستقلال تم
نقل رفاته إلى الجزائر بعد حوالي قرن قضاه خارج بلاده، وفي 3 إبريل 2006م
افتتحت المفوضة السامية لحقوق الإنسان بجنيف معرضاً خاصاً للأمير في جنيف
إحياءً لذكراه، كما شرعت سورية في ترميم وإعداد منزله في دمشق ليكون متحفاً
يُجسد تجربته الجهادية من أجل استقلال بلاده.
[عدل] الأمير الأسير
ظل الأمير عبد القادر في سجون فرنسا
يعاني من الإهانة والتضييق حتى عام 1852م ثم استدعاه نابليون الثالث بعد
توليه الحكم، وأكرم نزله، وأقام له المآدب الفاخرة ليقابل وزراء ووجهاء
فرنسا، ويتناول الأمير كافة الشؤون السياسية والعسكرية والعلمية، مما أثار
إعجاب الجميع بذكائه وخبرته، ودُعي الأمير لكي يتخذ من فرنسا وطنًا ثانيًا
له، ولكنه رفض، ورحل إلى الشرق براتب من الحكومة الفرنسية. توقف في إسطنبول حيث السلطان عبد المجيد، والتقى فيها بسفراء الدول الأجنبية، ثم استقر به المقام في دمشق
منذ عام 1856 م وفيها أخذ مكانة بين الوجهاء والعلماء، وقام بالتدريس في
المسجد الأموي كما قام بالتدريس قبل ذلك في المدرسة الأشرفية، وفي المدرسة
الحقيقية.
وفي عام 1276 هـ/1860م تتحرك شرارة الفتنة بين المسلمين والمسيحيين في منطقة الشام، ويكون للأمير دور فعال في حماية أكثر من 15 ألف من المسيحيين، إذ استضافهم في منازله.
[عدل] وفاته
وافاه الأجل بدمشق في منتصف ليلة 19 رجب 1300 هـ / 23 مايو 1883 عن عمر يناهز 76 عاما، وقد دفن بجوار الشيخ ابن عربي بالصالحية بدمشق لوصية تركها. وبعد استقلال الجزائر نقل جثمانه إلى الجزائر عام 1965 ودفن في المقبرة العليا وهي المقبرة التي لا يدفن فيها الا رؤساء البلاد.
النشأة
ولد الامير عبد القادر بن الأمير محيي الدين بن مصطفى بن محمد بن
المختار بن عبد القادر بن أحمد بن محمد بن عبد القوي بن يوسف بن أحمد بن
شعبان بن محمد بن أدريس الأصغر بن إدريس الأكبر بن عبد الله (الكامل) بن الحسن المثنى بن الحسن (السبط) بن فاطمة بنت محمد رسول الله وزوجة علي بن أبي طالب ابن عم الرسول .[1][2][3][4] وأيضا من عائلة رسول الإسلام محمد.[5]
تم تحقيق النسب الشريف الصحيح للأمير عبد القادر في كتاب (الإحياء بعد
الإنساء) يصدر بمعرض القاهرة الدولي للكتاب 2011 م للمحقق الشريف عبد
الفتاح فتحي أبو حسن شكر (الحدين ــ كوم حماده ــ بحيرة ــ مصر)
لأدرج ضمن خطة احتفالية «دمشق عاصمة للثقافة العربية»، ترميم وتأهيل عدد
من البيوت الشهيرة في دمشق بعضها كانت الدولة قد وضعت اليد عليها من أجل
تحويلها إلى منشآت سياحية وثقافية، مثل قصر العظم، ودار السباعي، والتكية السليمانية، وغيرها. ويذكر أن بعض البيوت في دمشق القديمة كانت قد تحولت إلى مطاعم سياحية، كبيت الشاعر شفيق جبري،
وبعضها لا تزال تنتظر ليبتّ بأمرها، والبعض الآخر، استثمرتها سفارات بعض
الدول الأوروبية وحولتها إلى بيوت ثقافية، مثل «بيت العقاد» الذي تحول إلى
المعهد الثقافي الدنماركي في حي مدحت باشا.
واليوم وبالاتفاق بين المفوضية الأوروبية والإدارة المحلية والبيئة،
وضمن برنامج تحديث الإدارة البلدية، يجري تأهيل بيت الأمير عبد القادر
الجزائري الواقع في ضاحية دمر، غرب دمشق، والقصر هو مصيف كان للأمير في
«الربوة»، على ضفاف بردى، وسط روضة من الأشجار الوارفة.
القصر كما أفادنا المهندس نزار مرادمي الذي نفذ الترميم، يعود بناؤه إلى
حوالي 140 سنة، سكنه الأمير عبد القادر مع عائلته عام 1871، ثم سكنه أبناء
الأمير وأحفاده، وكان آخرهم الأمير سعيد الجزائري، رئيس مجلس الوزراء في
عهد حكومة الملك فيصل، بعد الحرب العالمية الأولى. وصار القصر مهملاً
مهجوراً، شبه متهدم، منذ عام 1948. والقصر اليوم مملوك لصالح محافظة دمشق
لأغراض ثقافية وسياحية. تبلغ مساحة القصر المؤلف من طابقين 1832 متراً
مربعاً. ويقول المهندس نزار، إن العمل تم في القصر ومحيطه، بعد إزالة
البناء العشوائي، وسيتم افتتاح القصر رسمياً في شهر مايو (أيار) من العام
الجاري. وسيضم القصر بعد ترميمه، قاعة كبيرة خاصة بتراث الأمير عبد القادر،
بالتعاون مع السفارة الجزائرية بدمشق، التي عبرت عن استعدادها بتزويد
القصر بكل ما يرتبط بتراث هذا المجاهد الذي يكن له الجزائريون كما السوريون
والعرب كل التقدير، ليس لكونه مجاهداً ومصلحاً وحسب، بل أيضاً لكونه
عالماً وفقيهاً وشاعراً، وداعية دؤوباً للتآخي بين شعوب الشرق.
ويذكر أنه بعد استقلال الجزائر، تم نقل جثمان الأمير، من دمشق إلى الجزائر عام 1966.
وقال المهندس نزار مرادمي ان عملية الترميم، تتركز على بعدين: ثقافي
وبيئي. ويراد من ترميم القصر تحويله إلى بيت للثقافة، يزوره الناس مع ما
يحمله اسم صاحب القصر من دلالات، والبعد الآخر سياحي، حيث يتم إنشاء حديقة
بيئية أمام القصر وفي محيطه، وهذا يندرج ضمن المساعي القائمة لتحسين مظهر
المدينة وتأهيل المعالم السياحية فيها.
ويذكر بهذا الصدد أن هذا القصر لم يكن المنزل الوحيد للأمير، ولم يكن
محل إقامته الدائم. فمن المعروف أن منزله هو الذي منحته إياه السلطات
العثمانية في حي العمارة بدمشق القديمة، والمعروف بـ«حارة النقيب» وهو الحي الذي ضم آل الجزائري حتى اليوم..
[عدل] في منفاه بدمشق
الأمير عبد القادر في دمشق
استقر الأمير عبد القادر الجزائري في دمشق من عام 1856 إلى عام وفاته
عام 1883، أي 27 سنة. ومنذ قدومه إليها من إسطنبول تبوأ فيها مكانة تليق به
كزعيم سياسي وديني وأديب وشاعر.. وكانت شهرته قد سبقته إلى دمشق، فأخذ
مكانته بين العلماء والوجهاء، فكانت له مشاركة بارزة في الحياة السياسية
والعلمية. قام بالتدريس في الجامع الأموي، وبعد أربعة أعوام من استقراره في
دمشق، حدثت فتنة في الشام عام 1860 واندلعت أحداث طائفية دامية، ولعب
الزعيم الجزائري دور رجل الإطفاء بجدارة، فقد فتح بيوته للاجئين إليه من
المسيحيين في دمشق كخطوة رمزية وعملية على احتضانهم. وهي مأثرة لا تزال
تذكر له إلى اليوم إلى جانب كفاحه ضد الاستعمار الفرنسي في بلاده الجزائر.
الأمير عبد القادر أثناء حمايته للمسيحيين في دمشق
وهو بالإضافة إلى مكانته الوجاهية في دمشق، مارس حياة الشاعر المتصوف،
شبه نجده لا سيما في قدومه من المغرب متجولاً في المشرق وتركيا، ثم اختياره
لدمشق موطناً حتى الموت. وربما ليس من باب المصادفة أن يدفن الأمير عبد
القادر بجانب ضريح الشيخ الأكبر في حضن جبل قاسيون.
من جهة أخرى عبر الفنان السوري أسعد فضة، عن رغبته في تجسيد شخصية
الأمير عبد القادر الجزائري في فيلم سينمائي ضخم، بالتعاون مع وزارة
الثقافة الجزائرية. وسبق للروائي الجزائري واسيني الأعرج أن قدم رواية
تاريخية بعنوان «مسالك أبواب الحديد» عن الأمير عبد القادر وسيرة كفاح
الجزائر ضد الاستعمار الفرنسي.
عن هذا الاهتمام اللافت بالأمير، سواء في سوريا أو في الجزائر، يرى
النحات آصف شاهين، رئيس تحرير مجلة أبولدور الدمشقي: إن هذا الاهتمام وإن
جاء متأخراً إلا أنه ضروري لرجل يستحق، وهو، أي الأمير، صاحب سيرة حافلة
بالكفاح امتدت من المغرب العربي إلى المشرق، وإن كان الأوروبيون يشاركوننا
في هذا الاهتمام، فقد كان الأمير عبد القادر رجل حوار وتحرر. وإن كان كافح
الاستعمار الأوروبي، فقد عرفته بعض الشخصيات الأوروبية كمحاور متميز وواحد
من أعلام الإسلام في ذاك العصر.
يرى المهندس هائل هلال أن الأمير عبد القادر لم ينل حقه من الإنصاف،
وقلما يذكر إلا كمجاهد قديم، جاء من الجزائر إلى الشام ليستريح في أفياء
غوطتها الغناء بينما في حقيقة الأمر، يقول هلال: إن الرجل كان أحد أكبر
أعلام تلك المرحلة، وأنه هو وأحفاده فيما بعد، دخلوا التاريخ السوري من
بابه الواسع.
ولد في 23 رجب 1222هـ / مايو 1807م، وذلك بقرية "القيطنة" بوادي الحمام من منطقة معسكر "المغرب الأوسط" الجزائر، ثم انتقل والده إلى مدينة وهران.
لم يكن محيي الدين
(والد الأمير عبد القادر) هملاً بين الناس، بل كان ممن لا يسكتون على
الظلم، فكان من الطبيعي أن يصطدم مع الحاكم العثماني لمدينة "وهران"، وأدى
هذا إلى تحديد إقامة الوالد في بيته، فاختار أن يخرج من الجزائر كلها في
رحلة طويلة.
كان الإذن له بالخروج لفريضة الحج عام 1241هـ/ 1825م، فخرج الوالد واصطحب ابنه عبد القادر معه، فكانت رحلة عبد القادر إلى تونس ثم مصر ثم الحجاز ثم البلاد الشامية ثم بغداد، ثم العودة إلى الحجاز، ثم العودة إلى الجزائر مارًا بمصر وبرقة وطرابلس ثم تونس، وأخيرًا إلى الجزائر من جديد عام 1828
م، فكانت رحلة تعلم ومشاهدة ومعايشة للوطن العربي في هذه الفترة من
تاريخه، وما لبث الوالد وابنه أن استقرا في قريتهم "قيطنة"، ولم يمض وقت
طويل حتى تعرضت الجزائر لحملة عسكرية فرنسية شرسة، وتمكنت فرنسا من احتلال
العاصمة فعلاً في 5 يوليو 1830م، واستسلم الحاكم العثماني سريعًا، ولكن الشعب الجزائري كان له رأي آخر.
[عدل] المبايعة
فرّق الشقاق بين الزعماء كلمة الشعب، وبحث أهالي وعلماء "غريس"
عن زعيم يأخذ اللواء ويبايعون على الجهاد تحت قيادته، واستقر الرأي على
"محيي الدين الحسني" وعرضوا عليه الأمر، ولكن الرجل اعتذر عن الإمارة وقبل
قيادة الجهاد، فأرسلوا إلى صاحب المغرب الأقصى ليكونوا تحت إمارته، فقبل
السلطان "عبد الرحمن بن هشام" سلطان المغرب،
وأرسل ابن عمه "علي بن سليمان" ليكون أميرًا على وهران، وقبل أن تستقر
الأمور تدخلت فرنسا مهددة السلطان بالحرب، فانسحب السلطان واستدعى ابن عمه
ليعود الوضع إلى نقطة الصفر من جديد، ولما كان محيي الدين قد رضي بمسئولية
القيادة العسكرية، فقد التفت حوله الجموع من جديد، وخاصة أنه حقق عدة
انتصارات على العدو، وقد كان عبد القادر على رأس الجيش في كثير من هذه
الانتصارات، فاقترح الوالد أن يتقدم "عبد القادر" لهذا المنصب، فقبل
الحاضرون، وقبل الشاب تحمل هذه المسؤولية، وتمت البيعة، ولقبه والده بـ
"ناصر الدين" واقترحوا عليه أن يكون "سلطان" ولكنه اختار لقب "الأمير"، وبذلك خرج إلى الوجود "الأمير عبد القادر ناصر الدين بن محيي الدين الحسني"، وكان ذلك في 13 رجب 1248هـ الموافق 27نوفمبر 1832.
وحتى تكتمل صورة الأمير عبد القادر، فقد تلقى الشاب مجموعة من العلوم فقد درس الفلسفة (رسائل إخوان الصفا - أرسطوطاليس - فيثاغورس) ودرس الفقه والحديث فدرس صحيح البخاري ومسلم، وقام بتدريسهما، كما تلقى الألفية في النحو، والسنوسية، والعقائد النسفية في التوحيد،
وايساغوجي في المنطق، والإتقان في علوم القرآن، وبهذا اكتمل للأمير العلم
الشرعي، والعلم العقلي، والرحلة والمشاهدة، والخبرة العسكرية في ميدان
القتال، وعلى ذلك فإن الأمير الشاب تكاملت لديه مؤهلات تجعله كفؤًا لهذه
المكانة، وقد وجه خطابه الأول إلى كافة العروش قائلاً: "… وقد قبلت بيعتهم
(أي أهالي وهران
وما حولها) وطاعتهم، كما أني قبلت هذا المنصب مع عدم ميلي إليه، مؤملاً أن
يكون واسطة لجمع كلمة المسلمين، ورفع النزاع والخصام بينهم، وتأمين السبل،
ومنع الأعمال المنافية للشريعة المطهرة، وحماية البلاد من العدو، وإجراء
الحق والعدل نحو القوى والضعيف، واعلموا أن غايتي القصوى اتحاد الملة
المحمدية، والقيام بالشعائر الأحمدية، وعلى الله الاتكال في ذلك كله
[عدل] دولة الأمير عبد القادر وعاصمته المتنقلة
ولبطولة الاميراضطرت فرنسا إلى عقد اتفاقية هدنة معه وهي اتفاقية "دي ميشيل" في عام 1834،
وبهذه الاتفاقية اعترفت فرنسا بدولة الأمير عبد القادر، وبذلك بدأ الأمير
يتجه إلى أحوال البلاد ينظم شؤونها ويعمرها ويطورها، وقد نجح الأمير في
تأمين بلاده إلى الدرجة التي عبر عنها مؤرخ فرنسي بقوله: «يستطيع الطفل أن يطوف ملكه منفردًا، على رأسه تاج من ذهب، دون أن يصيبه أذى!!». وكان الأمير قد انشا عاصمة متنقلة كاي عاصمة اوربية متطورة انداك سميت الزمالةو
كان قد أسّس قبلها عاصمة وذلك بعد غزو الجيش الفرنسي لمدينة معسكر في
الحملة التي قادها ‘كلوزيل’، وضع الأمير خطة تقضي بالانسحاب إلى أطراف
الصحراء لإقامة آخر خطوطه الدفاعية وهناك شيد العاصمة الصحراوية ،تكدمت.
وقد بدأ العمل فيها بإقامة ثلاث حصون عسكرية، ثم أعقبها بالمباني والمرافق
المدنية والمساجد الخ، وهناك وضع أموال الدولة التي أصبحت الآن في مأمن من
غوائل الغزاة ومفاجئاتهم. وقد جلب إليها الأمير سكانا من مختلف المناطق من
الكلغوليين وسكان آرزيو ومستغانم ومسرغين والمدية.
وقبل أن يمر عام على الاتفاقية نقض القائد الفرنسي الهدنة، وناصره في
هذه المرة بعض القبائل في مواجهة الأمير عبد القادر، ونادى الأمير في قومه
بالجهاد ونظم الجميع صفوف القتال، وكانت المعارك الأولى رسالة قوية لفرنسا
وخاصة موقعة "المقطع" حيث نزلت بالقوات الفرنسية هزائم قضت على قوتها
الضاربة تحت قيادة "تريزيل"
الحاكم الفرنسي. ولكن فرنسا أرادت الانتقام فأرسلت قوات جديدة وقيادة
جديدة، واستطاعت القوات الفرنسية دخول عاصمة الأمير وهي مدينة "معسكر" وأحرقتها، ولولا مطر غزير أرسله الله في هذا اليوم ما بقى فيها حجر على حجر، ولكن الأمير استطاع تحقيق مجموعة من الانتصارات دفعت فرنسا لتغيير القيادة من جديد ليأتي القائد الفرنسي الماكر الجنرال "[بيجو]"؛
ولكن الأمير نجح في إحراز نصر على القائد الجديد في منطقة "وادي تافنة"
أجبرت القائد الفرنسي على عقد معاهدة هدنة جديدة عُرفت باسم "معاهد تافنة"
في عام 1837م. وعاد الأمير لإصلاح حال بلاده وترميم ما أحدثته المعارك
بالحصون والقلاع وتنظيم شؤون البلاد، وفي نفس الوقت كان القائد الفرنسي "بيجو"
يستعد بجيوش جديدة، ويكرر الفرنسيون نقض المعاهدة في عام 1839م، وبدأ
القائد الفرنسي يلجأ إلى الوحشية في هجومه على المدنيين العزل فقتل النساء
والأطفال والشيوخ، وحرق القرى والمدن التي تساند الأمير، واستطاع القائد
الفرنسي أن يحقق عدة انتصارات على الأمير عبد القادر، ويضطر الأمير إلى
اللجوء إلى بلاد المغرب الأقصى،
ويهدد الفرنسيون السلطان المغربي، ولم يستجب السلطان لتهديدهم في أول
الأمر، وساند الأمير في حركته من أجل استرداد وطنه، ولكن الفرنسيين يضربون طنجة وبوغادور بالقنابل من البحر، وتحت وطأة الهجوم الفرنسي يضطر السلطان إلى توقيع معاهدة لالة مغنية وطرد الأمير من المغرب الأقصى.
قاد عبد القادر ووالده حملة مقاومة عنيفة ضدها، فبايعه الأهالي بالإمارة
عام 1832م، عمل عبد القادر على تنظيم المُجاهدين، وإعداد الأهالي وتحفيزهم
لمقاومة الاستعمار، حتى استقر له الأمر وقويت شوكته فألحق بالفرنسيين
الهزيمة تلو الأخرى، مما اضطر فرنسا إلى أن توقع معه معاهدة (دي ميشيل) في
فبراير 1834م، معترفة بسلطته غرب الجزائر، لكن السلطات الفرنسية لم تلتزم
بتلك المعاهدة، الأمر الذي اضطره إلى الاصطدام بهم مرة أخرى، فعادت فرنسا
إلى المفاوضات، وعقدت معه معاهدة (تافنة) في مايو 1837م، مما أتاح لعبد
القادر الفرصة لتقوية منطقة نفوذه، وتحصين المدن وتنظيم القوات، وبث الروح
الوطنية في الأهالي، والقضاء على الخونة والمتعاونين مع الاستعمار. لكن
سرعان ما خرق الفرنسيين المعاهدة من جديد، فاشتبك معهم عبد القادر ورجاله
أواخر عام 1839م، فدفعت فرنسا بالقائد الفرنسي (بيجو) لتولي الأمور في
الجزائر، فعمل على السيطرة على الوضع بإتباع سياسة الأرض المحروقة، فدمر
المدن وأحرق المحاصيل وأهلك الدواب، إلا أن الأمير ورفاقه استطاعوا الصمود
أمام تلك الحملة الشعواء، مُحققين عدة انتصارات، مستعينين في ذلك
بالمساعدات والإمدادات المغربية لهم، لذا عملت فرنسا على تحييد المغرب
وإخراجه من حلبة الصراع، فأجبرت المولى عبد الرحمن سلطان المغرب، على توقيع
اتفاقية تعهد فيها بعدم مساعدة الجزائريين، والقبض على الأمير عبد القادر
وتسليمه للسلطات الفرنسية، حال التجائه للأراضي المغربية. كان لتحييد
المغرب ووقف مساعداته للمجاهدين الجزائريين دور كبير في إضعاف قوات الأمير
عبد القادر، الأمر الذي حد من حركة قواته، ورجح كفة القوات الفرنسية، فلما
نفد ما لدى الأمير من إمكانيات لم يبقى أمامه سوى الاستسلام حقناً لدماء من
تبقى من المجاهدين والأهالي، وتجنيباً لهم من بطش الفرنسيين، وفي ديسمبر
1847م اقتيد عبد القادر إلى أحد السجون بفرنسا، وفي بداية الخمسينات أفرج
عنه شريطة ألا يعود إلى الجزائر، فسافر إلى تركيا ومنها إلى دمشق عام
1955م، عندما وصل الأمير وعائلته وأعوانه إلي دمشق، أسس ما عرف برباط
المغاربة في حي السويقة، وهو حي مازال موجوداً إلي اليوم، وسرعان ما أصبح
ذا مكانة بين علماء ووجهاء الشام، وقام بالتدريس في المدرسة الأشرفية، ثم
الجامع الأموي، الذي كان أكبر مدرسة دينية في دمشق آنذاك، سافر الأمير للحج
ثم عاد ليتفرغ للعبادة والعلم والأعمال الخيرية، وفي مايو 1883م توفي
الأمير عبد القادر الجزائري ودفن في سوريا. لم يكن جهاد الأمير عبد القادر
ضد قوى الاستعمار بالجزائر، هو كل رصيده الإنساني، فقد ترك العديد من
المؤلفات القيمة ترجمت إلى عدة لغات، وعقب حصول الجزائر على الاستقلال تم
نقل رفاته إلى الجزائر بعد حوالي قرن قضاه خارج بلاده، وفي 3 إبريل 2006م
افتتحت المفوضة السامية لحقوق الإنسان بجنيف معرضاً خاصاً للأمير في جنيف
إحياءً لذكراه، كما شرعت سورية في ترميم وإعداد منزله في دمشق ليكون متحفاً
يُجسد تجربته الجهادية من أجل استقلال بلاده.
[عدل] الأمير الأسير
ظل الأمير عبد القادر في سجون فرنسا
يعاني من الإهانة والتضييق حتى عام 1852م ثم استدعاه نابليون الثالث بعد
توليه الحكم، وأكرم نزله، وأقام له المآدب الفاخرة ليقابل وزراء ووجهاء
فرنسا، ويتناول الأمير كافة الشؤون السياسية والعسكرية والعلمية، مما أثار
إعجاب الجميع بذكائه وخبرته، ودُعي الأمير لكي يتخذ من فرنسا وطنًا ثانيًا
له، ولكنه رفض، ورحل إلى الشرق براتب من الحكومة الفرنسية. توقف في إسطنبول حيث السلطان عبد المجيد، والتقى فيها بسفراء الدول الأجنبية، ثم استقر به المقام في دمشق
منذ عام 1856 م وفيها أخذ مكانة بين الوجهاء والعلماء، وقام بالتدريس في
المسجد الأموي كما قام بالتدريس قبل ذلك في المدرسة الأشرفية، وفي المدرسة
الحقيقية.
وفي عام 1276 هـ/1860م تتحرك شرارة الفتنة بين المسلمين والمسيحيين في منطقة الشام، ويكون للأمير دور فعال في حماية أكثر من 15 ألف من المسيحيين، إذ استضافهم في منازله.
[عدل] وفاته
وافاه الأجل بدمشق في منتصف ليلة 19 رجب 1300 هـ / 23 مايو 1883 عن عمر يناهز 76 عاما، وقد دفن بجوار الشيخ ابن عربي بالصالحية بدمشق لوصية تركها. وبعد استقلال الجزائر نقل جثمانه إلى الجزائر عام 1965 ودفن في المقبرة العليا وهي المقبرة التي لا يدفن فيها الا رؤساء البلاد.