تعد الهيئات الاستشارية في العصر الحديث من أهم المقومات التي تقوم عليها الأنظمة الحديثة ، كون هذه الهيئات تساهم بطريقة أو بأخرى في تقويم النشاط الإداري ، و دفعها نحو إجراء إصلاحات و اتخاذ قرارات ، أقرب ما تكون صائبة و موضوعية ، و ذلك ما جعل الدول تسارع الى إحداث هذه الهيئات إيمانا منها بفعاليتها و أهميتها في رسم السياسة العامة للبلاد .
الهيئات الاستشارية في النظام القانوني الجزائري
من إعداد الدكتور :بوحنية قوي
عميد كلية الحقوق والعلوم السياسية جامعة ورقلة
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
والأستاذ: بوطيب بن ناصر أستاذ باحث
في تحولات الدولة -جامعة ورقلة
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
ملخص الدراسة :
تعد الهيئات الاستشارية في العصر الحديث من أهم المقومات التي تقوم عليها الأنظمة الحديثة ، كون هذه الهيئات تساهم بطريقة أو بأخرى في تقويم النشاط الإداري ، و دفعها نحو إجراء إصلاحات و اتخاذ قرارات ، أقرب ما تكون صائبة و موضوعية ، و ذلك ما جعل الدول تسارع الى إحداث هذه الهيئات إيمانا منها بفعاليتها و أهميتها في رسم السياسة العامة للبلاد .
تمهيد :
يتوقف نجاح النظم الحديثة على مدى توجهها نحو الاستعانة بالهيئات الاستشارية التي تعمل على مساعدتها في اتخاذ القرارات ، و الزيادة و الرفع من مستوى أداء الأجهزة الإدارية و العمل على محاولة إشراك الجماعة في اتخاذ القرارات، و ذلك تكريسا للمبادئ الديمقراطية ، و سعيا نحو تحقيق التنمية في جميع الأصعدة السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية وتحقيق ذلك يبقى رهينا بالدور الذي تقوم به الهيئات الاستشارية ، و منها تثار التساؤلات حول :
- تعريف الهيئات الاستشارية
- و ماهي أهميتها في النظم المعاصرة ؟
- و ماهي أهم صور الاستشارة ؟
- و إلى أي مدى أخذ المشرع الجزائري بفكرة الهيئات الاستشارية في نظامه القانوني ؟
و للإجابة عن هذه التساؤلات نقترح الخطة الموالية :
أولا : الإطار المفاهيمي للهيئات الاستشارية
ثانيا : الهيئات الاستشارية في النظام القانوني الجزائري
أولا : الإطار المفاهيمي للهيئات الاستشارية :-
تعتبر عملية اتخاذ القرارات من أهم الوظائف المناطة بالقيادة الإدارية كون هذه العملية تعد جوهر النشاط الإداري و لا ينبغي النظر الى اتخاذ القرارات على عملية فكرية نتاجها فرد واحد ، فالواقع يؤكد أن صناعة القرارات إنما هي حصيلة جهد جماعي يكون للمستشارين الدور الأكبر فيها ، فإذا تعذر على الإداري إيجاد الحل المناسب كان من الواجب عليه العودة الى الهيئات الاستشارية ، كونه يرى فيها القدرة على إيجاد الحلول المناسبة و من هنا تثار التساؤلات حول مفهوم ( تعريفات) الهيئات الاستشارية ؟ و ماهي طبيعتها القانونية ؟ و ما أهميتها في النظم المعاصرة :
1/ تعريف الهيئات الاستشارية : تعددت التعاريف و اختلفت حول موضوع الهيئات الاستشارية كون كل باحث ينظر إليها من زاوية تخصصه ، و هذا ما صعب عملية وضع تعريف جامع مانع لها .
فعرفها الأستاذ حمدي أمين عبد الهادي : بأنها تلك الأجهزة التي تحكم تخصصها فهذه الأمور تعتبر أقدر أجهزة الدولة على تزويد وحدات الإدارة العامة بالرأي و المشورة في شؤون الوظيفة العامة ، سواء من الناحية القانونية أو من الناحية الفنية .
و يعرفها الأستاذ محمد فؤاد مهنا : بأنها تلك الهيئات الاستشارية " الهيئات الفنية " التي تعاون أعضاء السلطة الإدارية بالآراء الفنية المدروسة في المسائل الإدارية التي تدخل في اختصاصهم ، و تتكون هذه الهيئات من عدد من الأفراد المختصين في فرع معين من فروع المعرفة (1*).
كما تعرف على أنها تلك الهيئات التي تقدم للهيئات التنفيذية و الرئيسية النصح و الرأي و المشورة بغية تمكينها من مباشرة سلطة الرأي و التقرير (2*).
و عرفها سليمان محمد الطماوي : بأنها هيئات إدارية تقوم أصلا لمعاونة الهيئة التنفيذية الرئيسية ، فهي من هذه الناحية شبيهة الى حد ما بالهيئات الفنية المساعدة مع اختلاف وظيفتها لأنها تنحصر في الإعداد و التحضير و البحث ثم تقدم النصح للجهة الإدارية التي تملك إصدار القرار (3*).
و التعريف الذي نلخص إليه: بأنها هيئات أو أشخاص، ذوي اختصاص أو فنيين ذوي خبرات عالية يقدمون آراء غير ملزمة للإدارة بغية مساعدتها في اتخاذ القرارات و تخفيف الأعباء عليها.
2/ أهمية الاستشارة :
نظرا لتعقد وظائف الدولة في العصر الحديث ، اقتضت ضرورة تدخلها في جميع المجالات الاقتصادية و السياسية و الثقافية ، و هذا ما أدى إلى زيادة الأعباء الواقعة على عاتقها ، مما حتم عليها الاستعانة بجهات إدارية أخرى تقوم بمساعدة الهيئات التنفيذية (4*) و هذه الهيئات الإدارية ينحصر دورها في إبداء النصح للجهات الإدارية المصدرة للقرار .
و قد ظهرت فكرة الاستعانة بالهيئات الاستشارية نتيجة التعقيد و التداخل الذي مس الأنشطة الإدارية ، و لتحليل هذه الأنشطة يجب الاستعانة بالخبراء و الفنيين و المختصين ، كما أن المسؤول الإداري ليس بوسعه دراسة جميع المشاكل و المعوقات و إيجاد الحلول لها . و تقوم الهيئات الاستشارية بدراسة و تمحيص ما طلب منها دراسته و جمع كل ما يتعلق بموضوع الدراسة من وثائق و معلومات و بيانات و إجراء ما يتطلبه الحال تحليل و تفسير، و بعدها مرحلة إسداء النصح إلى الجهات المستشيرة.
و الإدارة في الغالب تلجأ إلى الاستشارة بغية رفع كفاءة الإدارة النشاط الإداري ، وان جميع الإدارات و إن لم توجد بها هيئات استشارية فإن ذلك لا يعني انتقاء الوظيفة في حد ذاتها ، لان المسؤول الإداري سيمارس ذلك الدور .
و قد أصبحت الهيئات الاستشارية من مقتضيات وجود الإدارة الحديثة كون هذه الهيئات تضمن فعالية النشاط الإداري و تفتح الباب أمام الجماعة في اتخاذ القرارات ، و يعد هذا أسمى صور تطبيق النظام الديمقراطي .
3/ صور و أنواع الاستشارة :
يعتبر تعدد الهيئات الاستشارية في الأجهزة الإدارية دليلا على أهميتها البالغة التي تحتلها هذه الهيئات، و هذا التعدد أفضى بدوره إلى تعدد صور و أنواع الاستشارة و التي تتلخص في:
أ- الاستشارة غير الملزمة : نكون أمام هذا النوع من الاستشارة في حالة عدم وجود نصوص قانونية توجب على الإدارة ضرورة الأخذ بهذه الاستشارة ، و تبقى الإدارة هي صاحبة القرار في اتخاذ القرارات و القوانين التي هي مناسبة لأنه ليس هناك ما يقيد سلطتها .
و تبقى الاستشارة غير الملزمة مطلوبة حتى في الحالات التي تعتبر الإدارة نفسها غير ملزمة بالرأي الذي تطلبه ، و قد تأخذ الإدارة بالاستشارة غير الملزمة و تعمل بها إذا ما اتضح لها أن الأخذ بهذه الاستشارة لا يعد مساسا بالصلاحيات المخولة لها .
ب - الاستشارة الإجبارية : و نكون أمام هذه الصورة من الاستشارة في حالات وجود نصوص قانونية تجبر الإدارة على ضرورة طلب الاستشارة مع إمكانية عدم الأخذ بها ، ففي هذه الحالة تقوم الإدارة بطلب الاستشارة من الهيئات المختصة - أو الأفراد - و تكون لها مطلق الحرية في الأخذ بالرأي من عدمه ، أما عملية طلب الاستشارة في هذه الحالة إجرائي و لابد منه .
ج - الاستشارة المرفقة برأي واجب الأخذ به : و في هذه الحالة يجب على الإدارة أن تطلب الاستشارة من الهيئات المختصة مع ضرورة الأخذ بالرأي الذي أصدرته الهيئة حين اتخاذ القرارات ، و إذا خالفت الإدارة ذلك فإن نشاطها أو قراراتها قد تقع تحت طائلة البطلان كونها خالفت شرطا إجرائيا ، و يعد من المساس بالنظام العام ولا يجوز الاتفاق على مخالفته.
4- الاستشارة في النظم الحديثة :
تحرص الدول الحديثة على تكريس مبدأ الإلزامية في تطبيق الأحكام على جميع الأفراد و الهيئات على حد السواء ، و ذلك تكريسا للمبادئ الديمقراطية و حماية للحقوق و الحريات و لعلى من أهم الحقوق التي كرستها الدساتير المعاصرة هي مشاركة الشعوب في إدارة الحكم على المستوى الوطني أو على مستويات محلية .
حرصت الدول الحديثة على تبني فكرة الأخذ بالهيئات الاستشارية ، نظرا للتعقيد الذي أصبح يواجه النشاط الإداري و تكريسا للمبادئ الديمقراطية التي تنادي بضرورة مشاركة الأفراد في إدارة الحكم على جميع المستويات الوطنية و المحلية
و يعد النظام الإسلامي من النظم السباقة التي أخذت بفكرة المشورة ، حيث أصبحت الشورى من الدعائم التي يقوم عليها نظام الحكم ، حيث نصت على ذلك العديد من الآيات القرآنية و منها قوله تعالى " و شاورهم في الأمر " ، " و أمرهم شورى بينهم" .
ففي الآية الأولى أمر المولى عز وجل نبييه الكريم بضرورة مشاورة المسلمين في الأمر ، و في الآية الثانية وردت في سياق مدح المولى سبحانه و تعالى المسلمين الذين يجعلون التشاور بينهم في أمور دنياهم. (5*)
و عليه فالشورى في الإسلام تعد من المبادئ الأساسية التي يقوم عليها نظام الحكم ، فهي الإدارة الفعالة لنقوم الفكر و تدعيم الرأي وتجسيد وحدة الصف ، لذا اعتنى الإسلام بالشورى عناية بالغة لم تسبقه إليها باقي النظم السياسية القديمة و الحديثة و افترض أن الحكم الصائب لايمكن تحققه في غياب الشورى التي أمر بها الشارع و لا خير دليل على ذلك أنها أفردت لها سورة في القرآن الكريم سميت بإسمها ن و تأكيدا على أنها الدعامة الأساسية لبناء حكم سليم و رشيد(6*).
و تبدو عظمة التشريع الإسلامي في حثه على الشورى دون طلب من الشعب أو كفاح للحصول عليها ، و الشورى في المجتمعات الإسلامية لم تكن نتيجة انتشار الوعي السياسي لدى الأفراد ، فالمجتمعات المسلمة في ذلك الحين كانت أبعد ما تكون عن التفكير في الشورى أو المطالبة بها .
و ما الأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية المتدهورة التي تعيشها الأمة الإسلامية في هذه الأيام إلا نتيجة انحرافها عن فكرة الشورى ابتعادها عن لغة الحوار و الأخذ بالنصيحة أصبحت هذه الدول تحتل آخر المراتب في قائمة الدول التي تكرس حرية الرأي و التفكير في حين أن رب العزة خاطب نبيه و ضرب به مثلا في قوله عز و جل : " لو كنت فضا غليظ القلب لانفضوا من حولك فأعفوا عنهم و استغفر لهم و شاورهم في الأمر(7 *) .
أما في النظم الحديثة فنجد أن فرنسا من أول الدول الأوربية التي أخذت بفكرة الاستشارة و ذلك بإنشائها في عهد نابليون بمقتضى دستور السنة الثامنة للثورة 24/11/1793 مجلسا استشاري يعرف بمجلس الدولة ، ومهمته القيام بتقديم المشورة غير الملزمة ، و بقي مجلس الدولة ذو طابع استشاري و قراراته مجرد آراء استشارية تخضع لتصديق الرئيس الإداري حتى صدور قانون 24/04/1872 الذي جعل قرارات مجلس الدولة ملزمة و ليست في حاجة لتصديق الجهات الإدارية عليها .(8*)
كما أن في انجلترا أجبر الشعب الملك و ألزمه بضرورة اعتماد ممثلين عن الشعب ليشاركوه في إبداء الرأي ، و بعد الاستقلال في الولايات المتحدة الأمريكية ضد بريطانيا و صدور ما يعرف بميثاق حقوق الإنسان ، اضطر الحكام في بريطانيا إلى النزول إلى إرادة الشعوب و تم إشراكهم في الحكم عن طريق النظام النيابي و الذي تعد بريطانيا من السابقة إليه .
و النظام النيابي يجعل على رأسه رئيسا للجمهورية ، و مجلسا منتخبا عن الشعب ، و تعتبر السلطات مفصولة ، و تحدث إلى جانب هذه السلطات أجهزة استشارية تساهم بدورها في تسيير نظام الحكم (9*)
كما أن الولايات المتحدة الأمريكية قد أخذت بفكرة الهيئات الاستشارية و الاستعانة بآراء الخبراء ، و ذلك ما قام به الرئيس الأمريكي "جون كنيدي " حين أخذ إلى جانبه علماء جامعتي بيل و هارفارد ليساعدوه في رسم السياسة العامة في الولايات المتحدة الأمريكية ، و الاستشارة في مثل هذه الحالات تتجه نحو مجالس و هيئات تكنوقراطية
ثانيا : الهيئات الاستشارية في النظام القانوني الجزائري:
عرف النظام القانوني الجزائري فكرة الهيئات الاستشارية ، و عمل على الأخذ بها و تكريسها في جميع الأنشطة التي تقوم بها الإدارة ، شأنه شأن باقي النظم الحديثة . فقد أحدث المشرع الجزائري العديد من هذه الهيئات و سنحاول في هذه الورقة التركيز على أهم الهيئات الاستشارية و المتمثلة في المجلس الاقتصادي و الاجتماعي و مجلس الدولة و البرلمان باعتبار أن مناقشة السياسة يعد من الأدوار الاستشارية للبرلمان لكن بطريقة غير مباشرة .
المجلس الاقتصادي و الاجتماعي :
أحدث المجلس الاقتصادي و الاجتماعي وفق الأمر الصادر في 06/11/1968 و يعتبر هذا الجهاز من أهم الأجهزة الاستشارية في الجزائر و مارس دوره الاستشاري إلى غاية صدور مرسوم 30 ديسمبر 1976 القاضي بحل هذا المجلس ، و كان مبرر الحل آنذاك هو وجود المجلس الشعبي الوطني ، و هو من سيقوم بمناقشة المسائل المتعلقة بإعداد و تنفيذ السياسة الاقتصادية و الاجتماعية للحكومة (10*)
و أعيد إنشاء هذا المجلس بموجب المرسوم الرئاسي رقم : 93/225 المؤرخ في 5 أكتوبر 1993 و أنيطت به الوظيفة الاستشارية في المجال الاقتصادي و الاجتماعي ، و يعتبر المجلس هيئة استشارية و أسندت إليه المهام التالية :
* ضمان ديمومة الحوار و التشاور بين الشركاء الاقتصاديين و الاجتماعيين.
* دراسة و تقييم كل القضايا ذات المصلحة الوطنية و المتعلقة بالتنمية الاقتصادية و الثقافية
* عرض الاقتراحات و التوصيات و إعطاء الآراء في المسائل التي تدخل في حقل كفاءاتهم (11 *)
و يتشكل المجلس من 180 عضوا ممثلين و مؤهلين في الميادين الاقتصادية و الاجتماعية و يتم توزيعهم كما يلي :
- 50 % ممثلون عن القطاعات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية
- 25 % ممثلون عن الإدارات و مؤسسات الدولة
- 25 % من الشخصيات في الميدان.
و يوزع ممثلو القطاع الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي كمايلي :
- 09 ممثلين للمؤسسات العمومية
- 09 ممثلين للمؤسسات الخاصة و الحرفيين و صغار التجار
- 09 ممثلين للاستغلالات و التعاونيات الفلاحية
- 09 ممثلين للجمعيات ذات الطابع الاجتماعي و الثقافي
- 09 ممثلين للجالية الجزائرية في الخارج
- 30 ممثلا للعمال الأجراء
- 06 ممثلين عن الأعمال الحرة .
و يتم تعيين ممثلو الإدارة العامة وفقا مرسوم تنفيذي ، و يعين رئيس الجمهورية نصف الشخصيات ، و النصف الآخر يعينه رئيس الحكومة ، و يجدد 1/3 الأعضاء كل سنة وفقا للنسبة المحددة سلفا .
و في حالة توقيف أحد الأعضاء من المجلس ، فيجب أن يصوت 2/3 أعضاء المكتب طبقا للقانون الداخلي ، و يقوم الرئيس بنشر القائمة المضبوطة للأعضاء كل سنة .
و يتكون المجلس من 06 إلى 09 أعضاء ينتخبون في الجمعية الافتتاحية العامة سنويا ، و ينتخب المكتب رئيس المجلس و يعين بموجب مرسوم رئاسي ، و يعين المكتب 03 نواب للرئيس ومقررين و مكتب المجلس يحدد أعمال الدورات ، و يشكل لجانه الدائمة :(12*).
- لجنة التقييم : و تقوم بإعداد تقارير دورية حول الوضعية الاقتصادية و الاجتماعية للبلاد .
- لجنة تطلعات التنمية الاقتصادية و الاجتماعية : و تقوم بتحليل كل الوثائق المتعلقة بسياسات التنمية بعيدة المدى و تدرس مشروع المخطط الوطني للتنمية
- لجنة علاقات العمل : تتولى تقييم و تحليل الأدوات القانونية و ميكانيزمات تطور الحوار الاجتماعي بين الشركاء حول تحسين علاقات العمل .
- لجنة التهيئة العمرانية و البيئة : و تدرس و تحلل نتائج برامج التوازنات الجهوية و تقدم اللامركزية و تحسين نمط المعيشة للسكان.
- لجنة السكان و الحاجيات الاجتماعية : حيث تتولى مهمة تقييم تقييم و تحليل نتائج سياسة تغطية الحاجيات الاجتماعية بالتنسيق مع سياسات التشغيل و التكوين .
و منه فالمجلس الاقتصادي و الاجتماعي هو هيئة استشارية تعمل على تأمين مشاركة بعض الأجهزة في رسم السياسة العامة للبلاد، و ذلك وفقا لطرق عدة (13*):
- بطريقة إبداء الرأي : يعد المجلس هيئة استشارية موضوع تحت تصرف الحكومة التي تطلب رأيه في المسائل و الأمور ذات الأبعاد الاقتصادية و الاجتماعية ، كما أن المجلس بإمكانه المبادرة من تلقاء نفسه و تقديم النصح و الإرشاد للحكومة في أمور يراها مهمة ، و تبقى النصائح و التوجيهات التي يقدمها المجلي للحكومة اختيارية و غير ملزمة للحكومة .
- يقدم المجلس تقارير حول الأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية للبلاد ، و بهذه الطريقة تتابع اللجان المتخصصة مدى تنفيذ البرامج و المشاريع الحكومية .
- التوصيات: و يقصد بها المشاركة الفعلية في رسم السياسة العامة للدولة من الناحية الاقتصادية و الاجتماعية ، و صحيح أن توصيات المجلس ليست ملزمة للحكومة ، إلا أن لها قيمة علمية كونها ستؤثر في عمليات التخطيط المستقبلية (14*).
مما لا شك فيه أن المكانة الهامة التي يحتلها المجلس الاقتصادي كونه من أهم الهيئات الاستشارية في النظام القانوني الجزائري ، إلا أن ما يأخذ على هذا المجلس أ، قراراته غير ملزمة للحكومة كما أنه يغلب على تشكيلته الطابع السياسي و هو ما يفقد المجلس مصداقيته ، كما أن هناك مواضيع استبعدت من اختصاصه ، كحقه في إبداء الرأي حول قانون المالية قبل المصادقة عليه ، و تكون توصياته(15*) و مقترحاته ملزمة و واجب الأخذ بها و ما نخلص إليه أن المجلس الاقتصادي و الاجتماعي ، و بالرغم الدور المحدود جدا الذي أناطه به المشرع في المشاركة في رسم السياسة العامة للبلاد إلا أنه يبقى من أهم الأجهزة الاستشارية في التشريع الجزائري .
مجلس الدولة :
هو جهاز قضائي ، يعد أعلى سلطة في نظام القضاء الإداري ، أنشأ مجلس الدولة بموجب المادة : 152/2 من دستور 1996 " يعد مجلس الدولة هيئة مقومة لأعمال الجهات القضائية الإدارية ، و هذا الاختصاص الأصيل لمجلس الدولة ، بالإضافة إلى الاختصاص الاستشاري الذي حدده القانون العضوي 98/01 المؤرخ في 30ماي 1998 المتعلق باختصاصات مجلس الدولة و سنحاول في هذه الورقة البحثية التركيز عن الوظيفة الاستشارية كونها موضوع بحثنا:
إلى جانب الاختصاصات القضائية، ليتمتع مجلس الدولة الجزائري باختصاصات استشارية، حددتها أحكام41 من القانون العضوي 98- 01 حيث بينت أشكال وكيفيات الإجراءات في المجال الاستشاري(16*) ، و يحيلنا نص المادة 41 الى المرسوم التنفيذي رقم : 98/261 المؤرخ في 29 أوت 1998 المحدد لإجراءات الاستشارة ، و يتجسد الدور الاستشاري لمجلس الدولة في المراحل التالية :
يرسل كل مشروع قانوني و جميع الوثائق المتعلقة به من طرف الأمانة العامة للحكومة إلى أمانة مجلس الدولة و يعتبر إخطار مجلس الدولة بمشاريع القوانين و طلب رأيه حولها أمرا إلزاميا و وحوبيا ، كما نصت المادة 02 من المرسوم التنفيذي 98/261 (17*)، و يقوم رئيس المجلس في أحد الحالات الآتية :
1/ يقوم بتعيين مقرر من مستشاري الدولة في الحالات العادية ، و هو يتولى دراسة و مناقشة مشروع القانون من طرف فوج عمل من المستشارين في جلسات ، ويجوز للوزير أو ممثله الحضور في هذه الجلسات ، و ترسل كذلك نسخة من عناصر الملف إلى محافظ الدولة الذي بدوره يعين أحد مساعديه ليتابع الإجراءات ويقدم ملاحظته المكتوبة ، و عند الانتهاء من المناقشة يطلب المستشار المقرر من رئيس مجلس الدولة استدعاء الجمعية العامة لقضاة المجلس لإجراء مناقشات حول مشروع التقرير النهائي ، و يترأس الجمعية العامة رئيس مجلس الدولة ، و تضم الجمعية العامة : نائب الرئيس محافظ الدولة رؤساء الغرف ، 05 من مستشاري الدولة، و يعين من قبل الرئيس ، و لا تصح مداولات الجمعية العامة إلا بحضور الأغلبية البسيطة للأعضاء(18*) .
و في النهاية تختم المناقشة عن طريق الانتخاب بالأغلبية البسيطة بين أعضاء الجمعية و ثم المصادقة على التقرير النهائي الذي يرسل إلى الأمانة العامة للحكومة .
2/ إحالة المشروع إلى رئيس اللجنة الدائمة ، و ذلك في الحالات الاستعجالية الذي يعين في الحال مستشار دولة كمقرر ، و تتشكل اللجنة الدائمة التي يعينها رئيس المجلس من :
رئيس برتبة رئيس غرفة
أربعة مستشاري دولة على الأقل
يحضر ممثل الوزير الجلسات
و تختم الجلسات بالمصادقة بعد المداولات بين أعضاء اللجنة الدائمة ، و محافظ الدولة المساعد ، و ترسل إلى رئيس مجلس الدولة الذي يحيله إلى الأمين العام للحكومة ليقدمه لرئيس الحكومة ثم عرضه على مجلس الوزراء طبقا لأحكام الدستور .
- نلاحظ بعد عرضنا لطرق و إجراءات الاستشارة لدى مجلس الدولة الجزائري أن المشرع أعطى مجلس الدولة دورا استشاريا حيث أجبر الحكومة و ألزمها بضرورة عرض جميع مشاريع القوانين على مجلس الدولة ، إلا أن ما يأخذ على الوظيفة الاستشارية رغم دورها الفعال في أثراء المنظومة التشريعية الجزائرية و سعيها الحثيث في إبداء الرأي و المشورة ، إلا أن هدة الوظيفة تبقى ضيقة جدا و محصورة في نطاق القوانين التي تبادر بها الحكومة ، و تبقى القوانين التي يصدرها رئيس الجمهورية في شكل مراسيم رئاسية في منأى عن رقابة مجلس الدولة ، و هذا مايضيق الاختصاص الاستشاري لمجلس الدولة .
كما أن الرأي الذي يقدمه المجلس للحكومة ليس ملزما ، فالقانون نص على إلزامية المشورة ، و جوازية الأخذ بالرأي ، و هذا أيضا يقلل من قيمة الوظيفة الاستشارية لمجلس الدولة ، و إلى جانب هذا المجلس نجد هيئات استشارية أخرى نص عليها المشرع الدستوري و صنفها على أنها هيئات استشارية ، و هي المجلس الأعلى للأمن و المجلس الإسلامي الأعلى .
3/ المجلس الأعلى للأمن :
بالرجوع إلى دستور 1996 في مادته : 173 نص على تأسيس مجلس أعلى للأمن يرأسه رئيس الجمهورية مهمته تقديم الآراء إلى رئيس الجمهورية في كل القضايا المتعلقة بالأمن الوطني ، و يتكون المجلس الأعلى للأمن من الأعضاء التالية :
رئيس المجلس الشعبي الوطني ، رئيس الحكومة ، وزير الدفاع ، وزير الداخلية ، وزير العدل ، وزير الاقتصاد و قائد أركان الجيش الشعبي (19*).
و ما يلاحظ على المجلس الأعلى للأمن أنه هيئة استشارية محددة الاختصاص فدوره يكاد ينحصر في إبداء الرأي و المشورة في المسائل المتعلقة بالأمن ، و ما يلاحظ أيضا أن العضوية فيه تكاد تكون محصورة فالخبراء و الفنيين استبعدوا من هذا المجلس كالإطارات السابقة في الأمن ، الجيش ، مراكز الدراسات الأمنية .
4-المجلس الإسلامي الأعلى :
أنشأ المجلس الإسلامي الأعلى بمقتضى نص المادة 171 من دستور 1996 ، و حددت اختصاصته الاستشارية على سبيل الحصر في نص المادة السالفة الذكر ، حيث يتولى المجلس مهمة :
الحث على الاجتهاد و ترقيته
إبداء الحكم الشرعي فيما يعرض عليه
رفع تقرير دوري عن نشاطه لرئيس الجمهورية
و يتكون المجلي الإسلامي الأعلى من خمسة أعضاء منهم الرئيس ، و يتم تعيين الأعضاء من قبل رئيس الجمهورية من بين الكفاءات الوطنية العليا في مختلف العلوم .
و أن أول ملاحظة تؤخذ عن هذا المجلس كون صلاحياته و اختصاصاته حددت على سبيل الحصر مما يمس بالوظيفة الاستشارية لهذا المجلس ، الذي نص صراحة على الدستورية و اعتبره من المؤسسات الاستشارية ، كما أن دوره في الحياة اليومية يكاد يكون محدود جدا .
5- البرلمان: يرى الأستاذ أحمد محيو أن مناقشة البرلمان لأعمل الحكومة تعد من صميم الوظائف الاستشارية للبرلمان، فحين القيام بمناقشة مشروع البرنامج الذي تتقدم به الحكومة وفقا لأحاكم المادة 80/01 من التعديل الدستوري 1996 الطي أوجب على رئيس الحكومة تقديم برنامجه للموافقة عليه في أجل 45 يوما من تعيين الحكومة، وبعد سبعة أيام من تبليغ البرنامج للنواب يشرع في مناقشته ثم التصويت عليه.20 بعد تكييفه إن اقتضى الأمر ذلك ويكون في أجل 10 أيام من تاريخ تقديمه للمناقشة.
إن تدخلات أعضاء البرلمان مكتوبة كانت أو شفوية، غالبا ما تتضمن إما تأييدا لتوجهات الحكومة، أو تقديم اقتراحات يجب تضمينها في البرنامج الحكومي، وقد تكون انتقادا لما يراه النواب من زيغ قد ينعكس سلبا على الحياة العامة للمواطنين، أو يحول دون تحقيق النتائج التي تصبو الحكومة إلى بلوغها.21
فرئيس الحكومة بعد إجراء المناقشات وسماع تدخلات النواب يجد نفسه في بعض الأحيان مجبرا على تكييف برنامجه وفقا للملاحظات التي تم تقديمها خلال جلسات المناقشة، ومن هنا تعد الرقابة القبلية لبرنامج الحكومة من أهم الوظائف الاستشارية للبرلمان، حيث يساهم من خلال تقديم الآراء والتوجيهات في رسم السياسة العامة للدولة، وإلى جانب الرقابة القبلية نجد الرقابة البعدية، والتي تتمثل في تقديم الحكومة عرضا لبرنامجها وتبيينا لما تم إنجازه وتبيين أهم الصعوبات التي واجهت الحكومة وحالت دون تحقيق الأهداف المسطرة.22
وإن مناقشة بيان السياسة العامة من قبل أعضاء المجلس الشعبي الوطني تمكنهم من الاطلاع أكثر على محتوى البرنامج الحكومي، وعليه فهو يمارس دورا رقابيا على مدى التزام الحكومة بالبرنامج الذي تقدمت به وتمت المصادقة عليه من قبل البرلمان. ومنه فالبرلمان مؤسسة تشريعية تمارس الوظيفة الاستشارية بالنيابة عن الناخبين. وإن أهم ما يلاحظ على الدور الاستشاري للبرلمان أن وظيفة الاستشارة تمارس بطريقة غير مباشرة مما أسفر عن محدودية الأثر في رسم السياسة العامة للدولة. ومما يلاحظ أيضا أن المناقشات منذ جوان 1997 إلى غاية يومنا هذا غالبا ما تتميز بالفتور وتحتاج إلى الكثير من الإصلاحات كون السلطة التنفيذية مهيمنة على أعمال السلطة التشريعية.
الخاتمة :
سعت الدول المعاصرة إلى إنشاء الهيئات و المجالس الإستشارية و ذلك لتحقيق فعالية النشاط الإداري و الوصول إلى جملة النتائج التالية:
تكريس مبادئ الديمقراطية و ذلك من خلال الإشراك الجماعة في إتخاذ القرارات التي تهم المصلحة العامة
إتصاف القرارات المتخذة بالموضوعية.
تعتبر الهيئات الإستشارية صمام الأمان للنظم المعاصرة.
و ما يلاحظ على الهيئات الإستشارية في النظام القانوني الجزائري:
أن الهيئات الإستشارية في النظام القانوني الجزائري محدودة الصلاحيات.
إن أراء هاته الهيئات غير ملزمة للجهات الإدارية.
كما أن تشكيلة هاته الهيئات و المجالس يغلب عليها الطابع السياسي.
الهيئات الاستشارية في النظام القانوني الجزائري
من إعداد الدكتور :بوحنية قوي
عميد كلية الحقوق والعلوم السياسية جامعة ورقلة
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
والأستاذ: بوطيب بن ناصر أستاذ باحث
في تحولات الدولة -جامعة ورقلة
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
ملخص الدراسة :
تعد الهيئات الاستشارية في العصر الحديث من أهم المقومات التي تقوم عليها الأنظمة الحديثة ، كون هذه الهيئات تساهم بطريقة أو بأخرى في تقويم النشاط الإداري ، و دفعها نحو إجراء إصلاحات و اتخاذ قرارات ، أقرب ما تكون صائبة و موضوعية ، و ذلك ما جعل الدول تسارع الى إحداث هذه الهيئات إيمانا منها بفعاليتها و أهميتها في رسم السياسة العامة للبلاد .
تمهيد :
يتوقف نجاح النظم الحديثة على مدى توجهها نحو الاستعانة بالهيئات الاستشارية التي تعمل على مساعدتها في اتخاذ القرارات ، و الزيادة و الرفع من مستوى أداء الأجهزة الإدارية و العمل على محاولة إشراك الجماعة في اتخاذ القرارات، و ذلك تكريسا للمبادئ الديمقراطية ، و سعيا نحو تحقيق التنمية في جميع الأصعدة السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية وتحقيق ذلك يبقى رهينا بالدور الذي تقوم به الهيئات الاستشارية ، و منها تثار التساؤلات حول :
- تعريف الهيئات الاستشارية
- و ماهي أهميتها في النظم المعاصرة ؟
- و ماهي أهم صور الاستشارة ؟
- و إلى أي مدى أخذ المشرع الجزائري بفكرة الهيئات الاستشارية في نظامه القانوني ؟
و للإجابة عن هذه التساؤلات نقترح الخطة الموالية :
أولا : الإطار المفاهيمي للهيئات الاستشارية
ثانيا : الهيئات الاستشارية في النظام القانوني الجزائري
أولا : الإطار المفاهيمي للهيئات الاستشارية :-
تعتبر عملية اتخاذ القرارات من أهم الوظائف المناطة بالقيادة الإدارية كون هذه العملية تعد جوهر النشاط الإداري و لا ينبغي النظر الى اتخاذ القرارات على عملية فكرية نتاجها فرد واحد ، فالواقع يؤكد أن صناعة القرارات إنما هي حصيلة جهد جماعي يكون للمستشارين الدور الأكبر فيها ، فإذا تعذر على الإداري إيجاد الحل المناسب كان من الواجب عليه العودة الى الهيئات الاستشارية ، كونه يرى فيها القدرة على إيجاد الحلول المناسبة و من هنا تثار التساؤلات حول مفهوم ( تعريفات) الهيئات الاستشارية ؟ و ماهي طبيعتها القانونية ؟ و ما أهميتها في النظم المعاصرة :
1/ تعريف الهيئات الاستشارية : تعددت التعاريف و اختلفت حول موضوع الهيئات الاستشارية كون كل باحث ينظر إليها من زاوية تخصصه ، و هذا ما صعب عملية وضع تعريف جامع مانع لها .
فعرفها الأستاذ حمدي أمين عبد الهادي : بأنها تلك الأجهزة التي تحكم تخصصها فهذه الأمور تعتبر أقدر أجهزة الدولة على تزويد وحدات الإدارة العامة بالرأي و المشورة في شؤون الوظيفة العامة ، سواء من الناحية القانونية أو من الناحية الفنية .
و يعرفها الأستاذ محمد فؤاد مهنا : بأنها تلك الهيئات الاستشارية " الهيئات الفنية " التي تعاون أعضاء السلطة الإدارية بالآراء الفنية المدروسة في المسائل الإدارية التي تدخل في اختصاصهم ، و تتكون هذه الهيئات من عدد من الأفراد المختصين في فرع معين من فروع المعرفة (1*).
كما تعرف على أنها تلك الهيئات التي تقدم للهيئات التنفيذية و الرئيسية النصح و الرأي و المشورة بغية تمكينها من مباشرة سلطة الرأي و التقرير (2*).
و عرفها سليمان محمد الطماوي : بأنها هيئات إدارية تقوم أصلا لمعاونة الهيئة التنفيذية الرئيسية ، فهي من هذه الناحية شبيهة الى حد ما بالهيئات الفنية المساعدة مع اختلاف وظيفتها لأنها تنحصر في الإعداد و التحضير و البحث ثم تقدم النصح للجهة الإدارية التي تملك إصدار القرار (3*).
و التعريف الذي نلخص إليه: بأنها هيئات أو أشخاص، ذوي اختصاص أو فنيين ذوي خبرات عالية يقدمون آراء غير ملزمة للإدارة بغية مساعدتها في اتخاذ القرارات و تخفيف الأعباء عليها.
2/ أهمية الاستشارة :
نظرا لتعقد وظائف الدولة في العصر الحديث ، اقتضت ضرورة تدخلها في جميع المجالات الاقتصادية و السياسية و الثقافية ، و هذا ما أدى إلى زيادة الأعباء الواقعة على عاتقها ، مما حتم عليها الاستعانة بجهات إدارية أخرى تقوم بمساعدة الهيئات التنفيذية (4*) و هذه الهيئات الإدارية ينحصر دورها في إبداء النصح للجهات الإدارية المصدرة للقرار .
و قد ظهرت فكرة الاستعانة بالهيئات الاستشارية نتيجة التعقيد و التداخل الذي مس الأنشطة الإدارية ، و لتحليل هذه الأنشطة يجب الاستعانة بالخبراء و الفنيين و المختصين ، كما أن المسؤول الإداري ليس بوسعه دراسة جميع المشاكل و المعوقات و إيجاد الحلول لها . و تقوم الهيئات الاستشارية بدراسة و تمحيص ما طلب منها دراسته و جمع كل ما يتعلق بموضوع الدراسة من وثائق و معلومات و بيانات و إجراء ما يتطلبه الحال تحليل و تفسير، و بعدها مرحلة إسداء النصح إلى الجهات المستشيرة.
و الإدارة في الغالب تلجأ إلى الاستشارة بغية رفع كفاءة الإدارة النشاط الإداري ، وان جميع الإدارات و إن لم توجد بها هيئات استشارية فإن ذلك لا يعني انتقاء الوظيفة في حد ذاتها ، لان المسؤول الإداري سيمارس ذلك الدور .
و قد أصبحت الهيئات الاستشارية من مقتضيات وجود الإدارة الحديثة كون هذه الهيئات تضمن فعالية النشاط الإداري و تفتح الباب أمام الجماعة في اتخاذ القرارات ، و يعد هذا أسمى صور تطبيق النظام الديمقراطي .
3/ صور و أنواع الاستشارة :
يعتبر تعدد الهيئات الاستشارية في الأجهزة الإدارية دليلا على أهميتها البالغة التي تحتلها هذه الهيئات، و هذا التعدد أفضى بدوره إلى تعدد صور و أنواع الاستشارة و التي تتلخص في:
أ- الاستشارة غير الملزمة : نكون أمام هذا النوع من الاستشارة في حالة عدم وجود نصوص قانونية توجب على الإدارة ضرورة الأخذ بهذه الاستشارة ، و تبقى الإدارة هي صاحبة القرار في اتخاذ القرارات و القوانين التي هي مناسبة لأنه ليس هناك ما يقيد سلطتها .
و تبقى الاستشارة غير الملزمة مطلوبة حتى في الحالات التي تعتبر الإدارة نفسها غير ملزمة بالرأي الذي تطلبه ، و قد تأخذ الإدارة بالاستشارة غير الملزمة و تعمل بها إذا ما اتضح لها أن الأخذ بهذه الاستشارة لا يعد مساسا بالصلاحيات المخولة لها .
ب - الاستشارة الإجبارية : و نكون أمام هذه الصورة من الاستشارة في حالات وجود نصوص قانونية تجبر الإدارة على ضرورة طلب الاستشارة مع إمكانية عدم الأخذ بها ، ففي هذه الحالة تقوم الإدارة بطلب الاستشارة من الهيئات المختصة - أو الأفراد - و تكون لها مطلق الحرية في الأخذ بالرأي من عدمه ، أما عملية طلب الاستشارة في هذه الحالة إجرائي و لابد منه .
ج - الاستشارة المرفقة برأي واجب الأخذ به : و في هذه الحالة يجب على الإدارة أن تطلب الاستشارة من الهيئات المختصة مع ضرورة الأخذ بالرأي الذي أصدرته الهيئة حين اتخاذ القرارات ، و إذا خالفت الإدارة ذلك فإن نشاطها أو قراراتها قد تقع تحت طائلة البطلان كونها خالفت شرطا إجرائيا ، و يعد من المساس بالنظام العام ولا يجوز الاتفاق على مخالفته.
4- الاستشارة في النظم الحديثة :
تحرص الدول الحديثة على تكريس مبدأ الإلزامية في تطبيق الأحكام على جميع الأفراد و الهيئات على حد السواء ، و ذلك تكريسا للمبادئ الديمقراطية و حماية للحقوق و الحريات و لعلى من أهم الحقوق التي كرستها الدساتير المعاصرة هي مشاركة الشعوب في إدارة الحكم على المستوى الوطني أو على مستويات محلية .
حرصت الدول الحديثة على تبني فكرة الأخذ بالهيئات الاستشارية ، نظرا للتعقيد الذي أصبح يواجه النشاط الإداري و تكريسا للمبادئ الديمقراطية التي تنادي بضرورة مشاركة الأفراد في إدارة الحكم على جميع المستويات الوطنية و المحلية
و يعد النظام الإسلامي من النظم السباقة التي أخذت بفكرة المشورة ، حيث أصبحت الشورى من الدعائم التي يقوم عليها نظام الحكم ، حيث نصت على ذلك العديد من الآيات القرآنية و منها قوله تعالى " و شاورهم في الأمر " ، " و أمرهم شورى بينهم" .
ففي الآية الأولى أمر المولى عز وجل نبييه الكريم بضرورة مشاورة المسلمين في الأمر ، و في الآية الثانية وردت في سياق مدح المولى سبحانه و تعالى المسلمين الذين يجعلون التشاور بينهم في أمور دنياهم. (5*)
و عليه فالشورى في الإسلام تعد من المبادئ الأساسية التي يقوم عليها نظام الحكم ، فهي الإدارة الفعالة لنقوم الفكر و تدعيم الرأي وتجسيد وحدة الصف ، لذا اعتنى الإسلام بالشورى عناية بالغة لم تسبقه إليها باقي النظم السياسية القديمة و الحديثة و افترض أن الحكم الصائب لايمكن تحققه في غياب الشورى التي أمر بها الشارع و لا خير دليل على ذلك أنها أفردت لها سورة في القرآن الكريم سميت بإسمها ن و تأكيدا على أنها الدعامة الأساسية لبناء حكم سليم و رشيد(6*).
و تبدو عظمة التشريع الإسلامي في حثه على الشورى دون طلب من الشعب أو كفاح للحصول عليها ، و الشورى في المجتمعات الإسلامية لم تكن نتيجة انتشار الوعي السياسي لدى الأفراد ، فالمجتمعات المسلمة في ذلك الحين كانت أبعد ما تكون عن التفكير في الشورى أو المطالبة بها .
و ما الأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية المتدهورة التي تعيشها الأمة الإسلامية في هذه الأيام إلا نتيجة انحرافها عن فكرة الشورى ابتعادها عن لغة الحوار و الأخذ بالنصيحة أصبحت هذه الدول تحتل آخر المراتب في قائمة الدول التي تكرس حرية الرأي و التفكير في حين أن رب العزة خاطب نبيه و ضرب به مثلا في قوله عز و جل : " لو كنت فضا غليظ القلب لانفضوا من حولك فأعفوا عنهم و استغفر لهم و شاورهم في الأمر(7 *) .
أما في النظم الحديثة فنجد أن فرنسا من أول الدول الأوربية التي أخذت بفكرة الاستشارة و ذلك بإنشائها في عهد نابليون بمقتضى دستور السنة الثامنة للثورة 24/11/1793 مجلسا استشاري يعرف بمجلس الدولة ، ومهمته القيام بتقديم المشورة غير الملزمة ، و بقي مجلس الدولة ذو طابع استشاري و قراراته مجرد آراء استشارية تخضع لتصديق الرئيس الإداري حتى صدور قانون 24/04/1872 الذي جعل قرارات مجلس الدولة ملزمة و ليست في حاجة لتصديق الجهات الإدارية عليها .(8*)
كما أن في انجلترا أجبر الشعب الملك و ألزمه بضرورة اعتماد ممثلين عن الشعب ليشاركوه في إبداء الرأي ، و بعد الاستقلال في الولايات المتحدة الأمريكية ضد بريطانيا و صدور ما يعرف بميثاق حقوق الإنسان ، اضطر الحكام في بريطانيا إلى النزول إلى إرادة الشعوب و تم إشراكهم في الحكم عن طريق النظام النيابي و الذي تعد بريطانيا من السابقة إليه .
و النظام النيابي يجعل على رأسه رئيسا للجمهورية ، و مجلسا منتخبا عن الشعب ، و تعتبر السلطات مفصولة ، و تحدث إلى جانب هذه السلطات أجهزة استشارية تساهم بدورها في تسيير نظام الحكم (9*)
كما أن الولايات المتحدة الأمريكية قد أخذت بفكرة الهيئات الاستشارية و الاستعانة بآراء الخبراء ، و ذلك ما قام به الرئيس الأمريكي "جون كنيدي " حين أخذ إلى جانبه علماء جامعتي بيل و هارفارد ليساعدوه في رسم السياسة العامة في الولايات المتحدة الأمريكية ، و الاستشارة في مثل هذه الحالات تتجه نحو مجالس و هيئات تكنوقراطية
ثانيا : الهيئات الاستشارية في النظام القانوني الجزائري:
عرف النظام القانوني الجزائري فكرة الهيئات الاستشارية ، و عمل على الأخذ بها و تكريسها في جميع الأنشطة التي تقوم بها الإدارة ، شأنه شأن باقي النظم الحديثة . فقد أحدث المشرع الجزائري العديد من هذه الهيئات و سنحاول في هذه الورقة التركيز على أهم الهيئات الاستشارية و المتمثلة في المجلس الاقتصادي و الاجتماعي و مجلس الدولة و البرلمان باعتبار أن مناقشة السياسة يعد من الأدوار الاستشارية للبرلمان لكن بطريقة غير مباشرة .
المجلس الاقتصادي و الاجتماعي :
أحدث المجلس الاقتصادي و الاجتماعي وفق الأمر الصادر في 06/11/1968 و يعتبر هذا الجهاز من أهم الأجهزة الاستشارية في الجزائر و مارس دوره الاستشاري إلى غاية صدور مرسوم 30 ديسمبر 1976 القاضي بحل هذا المجلس ، و كان مبرر الحل آنذاك هو وجود المجلس الشعبي الوطني ، و هو من سيقوم بمناقشة المسائل المتعلقة بإعداد و تنفيذ السياسة الاقتصادية و الاجتماعية للحكومة (10*)
و أعيد إنشاء هذا المجلس بموجب المرسوم الرئاسي رقم : 93/225 المؤرخ في 5 أكتوبر 1993 و أنيطت به الوظيفة الاستشارية في المجال الاقتصادي و الاجتماعي ، و يعتبر المجلس هيئة استشارية و أسندت إليه المهام التالية :
* ضمان ديمومة الحوار و التشاور بين الشركاء الاقتصاديين و الاجتماعيين.
* دراسة و تقييم كل القضايا ذات المصلحة الوطنية و المتعلقة بالتنمية الاقتصادية و الثقافية
* عرض الاقتراحات و التوصيات و إعطاء الآراء في المسائل التي تدخل في حقل كفاءاتهم (11 *)
و يتشكل المجلس من 180 عضوا ممثلين و مؤهلين في الميادين الاقتصادية و الاجتماعية و يتم توزيعهم كما يلي :
- 50 % ممثلون عن القطاعات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية
- 25 % ممثلون عن الإدارات و مؤسسات الدولة
- 25 % من الشخصيات في الميدان.
و يوزع ممثلو القطاع الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي كمايلي :
- 09 ممثلين للمؤسسات العمومية
- 09 ممثلين للمؤسسات الخاصة و الحرفيين و صغار التجار
- 09 ممثلين للاستغلالات و التعاونيات الفلاحية
- 09 ممثلين للجمعيات ذات الطابع الاجتماعي و الثقافي
- 09 ممثلين للجالية الجزائرية في الخارج
- 30 ممثلا للعمال الأجراء
- 06 ممثلين عن الأعمال الحرة .
و يتم تعيين ممثلو الإدارة العامة وفقا مرسوم تنفيذي ، و يعين رئيس الجمهورية نصف الشخصيات ، و النصف الآخر يعينه رئيس الحكومة ، و يجدد 1/3 الأعضاء كل سنة وفقا للنسبة المحددة سلفا .
و في حالة توقيف أحد الأعضاء من المجلس ، فيجب أن يصوت 2/3 أعضاء المكتب طبقا للقانون الداخلي ، و يقوم الرئيس بنشر القائمة المضبوطة للأعضاء كل سنة .
و يتكون المجلس من 06 إلى 09 أعضاء ينتخبون في الجمعية الافتتاحية العامة سنويا ، و ينتخب المكتب رئيس المجلس و يعين بموجب مرسوم رئاسي ، و يعين المكتب 03 نواب للرئيس ومقررين و مكتب المجلس يحدد أعمال الدورات ، و يشكل لجانه الدائمة :(12*).
- لجنة التقييم : و تقوم بإعداد تقارير دورية حول الوضعية الاقتصادية و الاجتماعية للبلاد .
- لجنة تطلعات التنمية الاقتصادية و الاجتماعية : و تقوم بتحليل كل الوثائق المتعلقة بسياسات التنمية بعيدة المدى و تدرس مشروع المخطط الوطني للتنمية
- لجنة علاقات العمل : تتولى تقييم و تحليل الأدوات القانونية و ميكانيزمات تطور الحوار الاجتماعي بين الشركاء حول تحسين علاقات العمل .
- لجنة التهيئة العمرانية و البيئة : و تدرس و تحلل نتائج برامج التوازنات الجهوية و تقدم اللامركزية و تحسين نمط المعيشة للسكان.
- لجنة السكان و الحاجيات الاجتماعية : حيث تتولى مهمة تقييم تقييم و تحليل نتائج سياسة تغطية الحاجيات الاجتماعية بالتنسيق مع سياسات التشغيل و التكوين .
و منه فالمجلس الاقتصادي و الاجتماعي هو هيئة استشارية تعمل على تأمين مشاركة بعض الأجهزة في رسم السياسة العامة للبلاد، و ذلك وفقا لطرق عدة (13*):
- بطريقة إبداء الرأي : يعد المجلس هيئة استشارية موضوع تحت تصرف الحكومة التي تطلب رأيه في المسائل و الأمور ذات الأبعاد الاقتصادية و الاجتماعية ، كما أن المجلس بإمكانه المبادرة من تلقاء نفسه و تقديم النصح و الإرشاد للحكومة في أمور يراها مهمة ، و تبقى النصائح و التوجيهات التي يقدمها المجلي للحكومة اختيارية و غير ملزمة للحكومة .
- يقدم المجلس تقارير حول الأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية للبلاد ، و بهذه الطريقة تتابع اللجان المتخصصة مدى تنفيذ البرامج و المشاريع الحكومية .
- التوصيات: و يقصد بها المشاركة الفعلية في رسم السياسة العامة للدولة من الناحية الاقتصادية و الاجتماعية ، و صحيح أن توصيات المجلس ليست ملزمة للحكومة ، إلا أن لها قيمة علمية كونها ستؤثر في عمليات التخطيط المستقبلية (14*).
مما لا شك فيه أن المكانة الهامة التي يحتلها المجلس الاقتصادي كونه من أهم الهيئات الاستشارية في النظام القانوني الجزائري ، إلا أن ما يأخذ على هذا المجلس أ، قراراته غير ملزمة للحكومة كما أنه يغلب على تشكيلته الطابع السياسي و هو ما يفقد المجلس مصداقيته ، كما أن هناك مواضيع استبعدت من اختصاصه ، كحقه في إبداء الرأي حول قانون المالية قبل المصادقة عليه ، و تكون توصياته(15*) و مقترحاته ملزمة و واجب الأخذ بها و ما نخلص إليه أن المجلس الاقتصادي و الاجتماعي ، و بالرغم الدور المحدود جدا الذي أناطه به المشرع في المشاركة في رسم السياسة العامة للبلاد إلا أنه يبقى من أهم الأجهزة الاستشارية في التشريع الجزائري .
مجلس الدولة :
هو جهاز قضائي ، يعد أعلى سلطة في نظام القضاء الإداري ، أنشأ مجلس الدولة بموجب المادة : 152/2 من دستور 1996 " يعد مجلس الدولة هيئة مقومة لأعمال الجهات القضائية الإدارية ، و هذا الاختصاص الأصيل لمجلس الدولة ، بالإضافة إلى الاختصاص الاستشاري الذي حدده القانون العضوي 98/01 المؤرخ في 30ماي 1998 المتعلق باختصاصات مجلس الدولة و سنحاول في هذه الورقة البحثية التركيز عن الوظيفة الاستشارية كونها موضوع بحثنا:
إلى جانب الاختصاصات القضائية، ليتمتع مجلس الدولة الجزائري باختصاصات استشارية، حددتها أحكام41 من القانون العضوي 98- 01 حيث بينت أشكال وكيفيات الإجراءات في المجال الاستشاري(16*) ، و يحيلنا نص المادة 41 الى المرسوم التنفيذي رقم : 98/261 المؤرخ في 29 أوت 1998 المحدد لإجراءات الاستشارة ، و يتجسد الدور الاستشاري لمجلس الدولة في المراحل التالية :
يرسل كل مشروع قانوني و جميع الوثائق المتعلقة به من طرف الأمانة العامة للحكومة إلى أمانة مجلس الدولة و يعتبر إخطار مجلس الدولة بمشاريع القوانين و طلب رأيه حولها أمرا إلزاميا و وحوبيا ، كما نصت المادة 02 من المرسوم التنفيذي 98/261 (17*)، و يقوم رئيس المجلس في أحد الحالات الآتية :
1/ يقوم بتعيين مقرر من مستشاري الدولة في الحالات العادية ، و هو يتولى دراسة و مناقشة مشروع القانون من طرف فوج عمل من المستشارين في جلسات ، ويجوز للوزير أو ممثله الحضور في هذه الجلسات ، و ترسل كذلك نسخة من عناصر الملف إلى محافظ الدولة الذي بدوره يعين أحد مساعديه ليتابع الإجراءات ويقدم ملاحظته المكتوبة ، و عند الانتهاء من المناقشة يطلب المستشار المقرر من رئيس مجلس الدولة استدعاء الجمعية العامة لقضاة المجلس لإجراء مناقشات حول مشروع التقرير النهائي ، و يترأس الجمعية العامة رئيس مجلس الدولة ، و تضم الجمعية العامة : نائب الرئيس محافظ الدولة رؤساء الغرف ، 05 من مستشاري الدولة، و يعين من قبل الرئيس ، و لا تصح مداولات الجمعية العامة إلا بحضور الأغلبية البسيطة للأعضاء(18*) .
و في النهاية تختم المناقشة عن طريق الانتخاب بالأغلبية البسيطة بين أعضاء الجمعية و ثم المصادقة على التقرير النهائي الذي يرسل إلى الأمانة العامة للحكومة .
2/ إحالة المشروع إلى رئيس اللجنة الدائمة ، و ذلك في الحالات الاستعجالية الذي يعين في الحال مستشار دولة كمقرر ، و تتشكل اللجنة الدائمة التي يعينها رئيس المجلس من :
رئيس برتبة رئيس غرفة
أربعة مستشاري دولة على الأقل
يحضر ممثل الوزير الجلسات
و تختم الجلسات بالمصادقة بعد المداولات بين أعضاء اللجنة الدائمة ، و محافظ الدولة المساعد ، و ترسل إلى رئيس مجلس الدولة الذي يحيله إلى الأمين العام للحكومة ليقدمه لرئيس الحكومة ثم عرضه على مجلس الوزراء طبقا لأحكام الدستور .
- نلاحظ بعد عرضنا لطرق و إجراءات الاستشارة لدى مجلس الدولة الجزائري أن المشرع أعطى مجلس الدولة دورا استشاريا حيث أجبر الحكومة و ألزمها بضرورة عرض جميع مشاريع القوانين على مجلس الدولة ، إلا أن ما يأخذ على الوظيفة الاستشارية رغم دورها الفعال في أثراء المنظومة التشريعية الجزائرية و سعيها الحثيث في إبداء الرأي و المشورة ، إلا أن هدة الوظيفة تبقى ضيقة جدا و محصورة في نطاق القوانين التي تبادر بها الحكومة ، و تبقى القوانين التي يصدرها رئيس الجمهورية في شكل مراسيم رئاسية في منأى عن رقابة مجلس الدولة ، و هذا مايضيق الاختصاص الاستشاري لمجلس الدولة .
كما أن الرأي الذي يقدمه المجلس للحكومة ليس ملزما ، فالقانون نص على إلزامية المشورة ، و جوازية الأخذ بالرأي ، و هذا أيضا يقلل من قيمة الوظيفة الاستشارية لمجلس الدولة ، و إلى جانب هذا المجلس نجد هيئات استشارية أخرى نص عليها المشرع الدستوري و صنفها على أنها هيئات استشارية ، و هي المجلس الأعلى للأمن و المجلس الإسلامي الأعلى .
3/ المجلس الأعلى للأمن :
بالرجوع إلى دستور 1996 في مادته : 173 نص على تأسيس مجلس أعلى للأمن يرأسه رئيس الجمهورية مهمته تقديم الآراء إلى رئيس الجمهورية في كل القضايا المتعلقة بالأمن الوطني ، و يتكون المجلس الأعلى للأمن من الأعضاء التالية :
رئيس المجلس الشعبي الوطني ، رئيس الحكومة ، وزير الدفاع ، وزير الداخلية ، وزير العدل ، وزير الاقتصاد و قائد أركان الجيش الشعبي (19*).
و ما يلاحظ على المجلس الأعلى للأمن أنه هيئة استشارية محددة الاختصاص فدوره يكاد ينحصر في إبداء الرأي و المشورة في المسائل المتعلقة بالأمن ، و ما يلاحظ أيضا أن العضوية فيه تكاد تكون محصورة فالخبراء و الفنيين استبعدوا من هذا المجلس كالإطارات السابقة في الأمن ، الجيش ، مراكز الدراسات الأمنية .
4-المجلس الإسلامي الأعلى :
أنشأ المجلس الإسلامي الأعلى بمقتضى نص المادة 171 من دستور 1996 ، و حددت اختصاصته الاستشارية على سبيل الحصر في نص المادة السالفة الذكر ، حيث يتولى المجلس مهمة :
الحث على الاجتهاد و ترقيته
إبداء الحكم الشرعي فيما يعرض عليه
رفع تقرير دوري عن نشاطه لرئيس الجمهورية
و يتكون المجلي الإسلامي الأعلى من خمسة أعضاء منهم الرئيس ، و يتم تعيين الأعضاء من قبل رئيس الجمهورية من بين الكفاءات الوطنية العليا في مختلف العلوم .
و أن أول ملاحظة تؤخذ عن هذا المجلس كون صلاحياته و اختصاصاته حددت على سبيل الحصر مما يمس بالوظيفة الاستشارية لهذا المجلس ، الذي نص صراحة على الدستورية و اعتبره من المؤسسات الاستشارية ، كما أن دوره في الحياة اليومية يكاد يكون محدود جدا .
5- البرلمان: يرى الأستاذ أحمد محيو أن مناقشة البرلمان لأعمل الحكومة تعد من صميم الوظائف الاستشارية للبرلمان، فحين القيام بمناقشة مشروع البرنامج الذي تتقدم به الحكومة وفقا لأحاكم المادة 80/01 من التعديل الدستوري 1996 الطي أوجب على رئيس الحكومة تقديم برنامجه للموافقة عليه في أجل 45 يوما من تعيين الحكومة، وبعد سبعة أيام من تبليغ البرنامج للنواب يشرع في مناقشته ثم التصويت عليه.20 بعد تكييفه إن اقتضى الأمر ذلك ويكون في أجل 10 أيام من تاريخ تقديمه للمناقشة.
إن تدخلات أعضاء البرلمان مكتوبة كانت أو شفوية، غالبا ما تتضمن إما تأييدا لتوجهات الحكومة، أو تقديم اقتراحات يجب تضمينها في البرنامج الحكومي، وقد تكون انتقادا لما يراه النواب من زيغ قد ينعكس سلبا على الحياة العامة للمواطنين، أو يحول دون تحقيق النتائج التي تصبو الحكومة إلى بلوغها.21
فرئيس الحكومة بعد إجراء المناقشات وسماع تدخلات النواب يجد نفسه في بعض الأحيان مجبرا على تكييف برنامجه وفقا للملاحظات التي تم تقديمها خلال جلسات المناقشة، ومن هنا تعد الرقابة القبلية لبرنامج الحكومة من أهم الوظائف الاستشارية للبرلمان، حيث يساهم من خلال تقديم الآراء والتوجيهات في رسم السياسة العامة للدولة، وإلى جانب الرقابة القبلية نجد الرقابة البعدية، والتي تتمثل في تقديم الحكومة عرضا لبرنامجها وتبيينا لما تم إنجازه وتبيين أهم الصعوبات التي واجهت الحكومة وحالت دون تحقيق الأهداف المسطرة.22
وإن مناقشة بيان السياسة العامة من قبل أعضاء المجلس الشعبي الوطني تمكنهم من الاطلاع أكثر على محتوى البرنامج الحكومي، وعليه فهو يمارس دورا رقابيا على مدى التزام الحكومة بالبرنامج الذي تقدمت به وتمت المصادقة عليه من قبل البرلمان. ومنه فالبرلمان مؤسسة تشريعية تمارس الوظيفة الاستشارية بالنيابة عن الناخبين. وإن أهم ما يلاحظ على الدور الاستشاري للبرلمان أن وظيفة الاستشارة تمارس بطريقة غير مباشرة مما أسفر عن محدودية الأثر في رسم السياسة العامة للدولة. ومما يلاحظ أيضا أن المناقشات منذ جوان 1997 إلى غاية يومنا هذا غالبا ما تتميز بالفتور وتحتاج إلى الكثير من الإصلاحات كون السلطة التنفيذية مهيمنة على أعمال السلطة التشريعية.
الخاتمة :
سعت الدول المعاصرة إلى إنشاء الهيئات و المجالس الإستشارية و ذلك لتحقيق فعالية النشاط الإداري و الوصول إلى جملة النتائج التالية:
تكريس مبادئ الديمقراطية و ذلك من خلال الإشراك الجماعة في إتخاذ القرارات التي تهم المصلحة العامة
إتصاف القرارات المتخذة بالموضوعية.
تعتبر الهيئات الإستشارية صمام الأمان للنظم المعاصرة.
و ما يلاحظ على الهيئات الإستشارية في النظام القانوني الجزائري:
أن الهيئات الإستشارية في النظام القانوني الجزائري محدودة الصلاحيات.
إن أراء هاته الهيئات غير ملزمة للجهات الإدارية.
كما أن تشكيلة هاته الهيئات و المجالس يغلب عليها الطابع السياسي.