بسم الله الرحمن الرحيم
(إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ * وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ * قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ * فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ)( القصص:79,76)
الدكتور عباس العبودي
التساقط:
التساقط في صفوف العاملين حالة تستدعي التأمل والدراسة بعمق وهي تمثل حالة سلبية في مسيرة العمل والعاملين تستدعي التأمل والدراسة بعمق وتجرد وموضوعية لمعرفة أسبابها ومسبباتها, ولاستكشاف العوامل الحقيقية التي تقف وراءها ..وقد ذكر القرآن الكريم انواع من التساقط لتحصين العاملين ي مواقع متعددة لتحصين العاملين وتحذيرهم من مغبة السقوط في فتنة الدنيا . والتساقط على انواع:
المجموعة الاولى :هناك من ترك العمل ولم يترك الاسلام
المجموعة الثانية: هناك من ترك العمل ولم يترك الاسلام وتبرعم ببرعم الانشقاق تحت اسم الحركة الام او باسم آخر او احداث مجموعة عمل جديدة تحت عنوان الاصلاح والتغيير لما مارسته الحركة السابقة من سلبيات كثيرة.
المجموعة الثالثة:هناك من ترك العمل ولم يترك الاسلام بل تحول الى عامل سلبي في طريق العاملين واصبح من المتطرفين بالنقد للعمل والعاملين بدون ان يوجد البديل الافضل.
المجموعة الرابعة هناك من ترك الاسلام والعمل وتحول الى خصم للاسلام. لا بل تحول بعظهم الى اداة بطش وقمع بيد السلطة الحاكمة .
أسباب التساقط:
هناك عومل عديدة تؤدي بالعاملين الى التساقط منها السبب في الحركة نفسها ,او السبب في الافراد العاملين او العامل الخارجي . وستناول اسباب كل عامل ان شاء الله:
الخلل في داخل الحركة تؤدي الى تساقط العاملين:
الحركة تمثل الام الحنون المرضعة والمربية لاولادها وحينما تنشغل الحركة عن دورها في الاعداد والتربية والمراقبة والمحاسبة للعاملين فيها سوف تظهر الاعراض المرضية السلبية ومنها التساقط . وستناول بشئ من التفصيل بعض الاسباب التي تعود للحركة نفسها:
1- ضعف الجانب التربوي والروحي: هناك اربعة عناصر تكون الشخصية الرسالية الجانب الروحي والجانب الفكري والجانب الثقافي والجانب التنظيمي ,فحينما تهمل الحركة التاكيد على الجانب الروحي ولاتاخذ حيزا كبيرا في مهمتها التربيوية ويكون الجانب الاداري والسياسي والتنظيمي على كل شئ. في حياة المتصدين للعمل وفي داخل الحركة مما يضع العاملين في حالة من غياب المتابعة الروحية والتشجيع عليها ويجعل العلاقة بين الحركة والعاملين تخلوا من الطلاوة الربانية والعذوبة الروحانية. فالأجواء الجامدة الجافة تبعث دائماً على التوتر والحساسية بعكس الأجواء الروحية التربوية الرطبة بذكر الله ورقابته.فالإيمان كما هو معروف يزيد وينقص بدليل قوله تعالى: {ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم} الفتح:4] وقوله تعالى {وزدناهم هدى} الكهف: 13] وقوله {ويزيد الله الذين اهتدوا هدى} مريم:76] وقوله {والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم} محمد “17] وقوله {ويزداد الذين آمنوا إيماناً} المدثر: 31 ].
2- عدم وضع الفرد المناسب في المكان المناسب:وهذه المشكلة تؤدي الى فشل العمل وخسارة العاملين. فالحركة الواعية الناضجة هي التي تعرف قدرات العاملين في وسطها وميولهم ومواهبهم وتعرف نقاط الضعف والقوة عندهم. لأا ان يهرول اليهم عند الحاجة من دون وضع برنامج للاستفادة من قدرات كل العاملين ووضعهم في المكان المناسب . ولكن حينما يشعر العاملين انهم كتل مهملة وتكون العملية العملية محصورة بافراد يحصرون جميع المهمات بايديهم. وحينما تفشل الحركة في اكتشاف قدرات العاملين بوسطها ستؤدي العملية الى الاهمال وعدم الاكتراث بما يقدمه العاملين للحركة وللناس. ومن هنا تبدا الفجوة وتخلق الاجواء المناسبة للتساقط. وحينما لا يخضع العمل لقواعد وأصول مدروسة ولا يقوم وفق مخططات ومناهج موضوعية وحينما لا يعرف ما ينبغي عمله اليوم وما يجب تأجيله إلى الغد وحين لا يفرق بين ما هو مهم وبين ما هو أهم ولا ترتب الأعمال وفق الأولويات.. عندئذ يحدث الخلل وتضطر الحركة إلى ملء الشواغر والفراغات بأسماء لاتملك الكفاءات فيوسد الأمر لغير أهله وإذا وسد الأمر في الحركة لغير أهله فانتظر ساعتها
3- عدم تقسيم الاعمال وتراكمها عند البعض: فحينما تتراكم المسؤوليات وخلوها عند البعض الاخر وأهمال الحركة لعامليها وعدم توظيفهم للعمل مما يؤدي الى تراكم العمل وغياب الانجاز الصحيح وترك الاخرين بلا مسوولية مما يؤدي الى تصدع العلاقة بين العاملين فتضعف العلاقة والارتباط العضوي بالحركة والإنتاج بسبب ضعف ارتباطه العضوي بالحركة فيختفي حس العمل في نفوس العاملين مما يؤدي الى التساقط.
4- غياب المتابعة والتنسيق بين العاملين : حينما تنشغل الحركة بهموم العاملين الذاتية وتتحول الحركة الى مشاريع للافراد وليس للامة وغياب المتابعة بين الحركة من القيادة الى القاعدة ومن القاعدة القيادة تنتهي الحركة بالنتيجة الى ضعف العلاقة بين العاملين . فالأفرادالعاملين في الحركة كسائر الناس تمر بهم ظروف صعبة ويتعرضون لأزمات ومشكلات مختلفة منها العاطفية والنفسية والعائلية والمالية إلى غير ذلك فإن لم يجد العاملين من الحركة معونة واسناد لمواجهة مثل هذه الازمات وحلها وتجاوزها بسلام فانهم سيصابون بخيبة أمل والاحباط النفسي بالخصوص حينما يجد العاملين هناك فاصلة في المستوى الاقتصادي بين القيادة والقاعدة وحينما لاتلتفت القيادة لحاجة العاملين فيها فستحصل الفاصلة وتضعف العلاقة لانه القيادة لاتمثل حالة الانصهار الحقيقي بالاسلام لان العلاقة التي يفرضها الإسلام على الجسم الإسلامي والبيئة الإسلامية والمجموعة المسلمة تصنع من انصهارها الفكري والروحي والحسي أشبه بالجسد الواحد الذي يصفه رسول الله(ص)بقوله (( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ))..والمتابعة يمكن أن تقوم في الحركة من جانبين جانب التنظيم نفسه من خلال الأجهزة التظيمية وجانب الأخوة من خلال الأفراد وتعاون الجانبين وتآزرهما من شأنه أن يسد الحاجة ويكمل العجز ويراب أي تصدع. وهذا في الحقيقة سمة المجتمع الإسلامي في التكافل والرعاية بين العاملين . إن وحشة الغربة وقساوة الضروف وضراوة التحدي التي يواجهها العاملين تحتاج الى تكاتف كل العملين قيادة وقاعدة . ولكن حينما تكون الفجوة بين القيادة والقاعدة وغياب مفهوم الاخوة الحقيقية التي لايزيلها إلا صدق التوجه إلى الله والاحتساب له والشعور ان الحركة جسم واحد واشاعة روح الاخوة والحب في الله من خلال الممارسة اليومية والمتابعة اليومية بين العاملين . أما اذا اهملت الحركة هذه العناصر فأنها ستساعد على التصدع والانشقاق .
5- عدم حسم الأمور التي تواجه العمل والعاملين بسرعة من قبل القيادة : حينما تعجز الحركة عن معالجة الازمات وحسمها بسرعة ,فإن المشاكل ستتراكم ويصعب حلها ، فحينما تتباطؤ الحركة في متابعة امورها وحسم مشكلاتها بقدر ما يتسبب ذلك بتراكم القضايا وتعطل الأعمال وتزايد المشكلات.فالمشكلة قد تبدأ صغيرة محدودة وتركها قد يؤدي الى مشكلات .كبيرة .والسب في ذلم هو يعود الى العوامل التالية اولا) هو غياب القيادة الحاسمة (ثانيا) طغيان الروتين التنظيمي في حسم الامور والمشاكل العالقة (ثالثا) عجز القيادة عن تلبية احتياج العمل والعاملين . كل هذه العوامل تؤدي الى المشاكل والتصدعع والتساقك في داخل الحركة .
6- الصراعات الداخلية في داخل القيادة وبين العاملين انفسهم : أن من اخطر المعاول الهدامة والامراض الخطيرة التي تصيب الحركة هو الصراع الداخلي .لان الصراع مرض اخلاقي خطير يؤدي الى تفتيت الحركة وتساقط العاملين فيها .والسبب في ذلك يعود الى العوامل التالية : اولا ضعف القيادة وعدم تمكنها من إمساك الصف وضبط الأمور،ثانيا القوى الخارجية المعادية التي تعمد إلى إثارة الفتنة. وتعميق الصراعات خدمة لمصالحها ، ثالثا -سيطرة النزعات الشيطانية والهوى والانا واختلاف الطباع والتوجهات التي أفرزها تناقض النشأة التربوية ولبيئية.، رابعا التنافس الدنيوي على المواقع والمصالح من اجل الدنيا وليس من اجل مصلحة الامة. واهداف الحركة في خدمة الاسلام.،خامسا عدم التزام سياسة الحركة وقواعدها وأصولها وعدم الانصياع لقرارات أجهزتها وبروز (الشخصانية ) والتصرفات الفردية على عمل الحركة . فإن لم تنتبه الحركة لهذه العوامل ولم تبادر القيادة إلى إنقاذ الموقف قبل فوات الأوان فسيكون التصدع والتساقط في صفوف عامليها ينتشر كالنار في الهشيم قد ينتهي الى هلاك الحركة . والتاريخ يحدثنا ان الرسول (ص) واجه نماذج من هذا المرض الخطير في صفوف المسلمين (الأوس والخزرج) والذي تولى كبره اليهود وعلى رأسهم اليهودي الماكر (شماس بن قس ).فبلغ ذلك رسول الله (ص) وأدرك أنها فتنة يهودية فخرج لتوه دونما تأخر أو تأجيل حتى جاءهم في حيهم فقال ((يا معشر المسلمين.. الله الله.. أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد أن هداكم الله تعالى للإسلام وأكرمكم به وقطع عنكم به أمر الجاهلية واستنقذكم به من الكفر وألف بين قلوبكم )). ولقد فعلت مبادرة الرسول (ص) فعلها في نفوس (الأوس والخزرج)) وأدركوا أنهم استدرجوا من قبل اليهود وأن الشيطان قد نزغ بينهم ولم يكن منهم إلا أن تباكوا وتعانقوا وعادوا أشد مما كانوا لحمة وتواثقاً وتعاضداً وحباً فيما بينهم.ولقد نزل في هذا الحادث قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا أن تطيعوا فريقاً من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله ومن يعتصم بالله فقد هدى إلى صراط مستقيم يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك بين الله لكم آياته لعلكم تهتدون ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم}
7- الضعف في إمكانات القيادة الفكرية والتنظيمية والتربوية والروحية السياسية حينما تنشغل القيادة بامورها الدنيوية وتغفل عن تربيةنفسها روحيا وفكريا وتنظيميا وتربويا وسياسيا ، فستصاب باوهن الكبير لانه فاقد الشئ لايعطيه وحينما لاتتمكن القيادة من تغطية هذه الجوانب وإشباع حاجة العاملين وعجزت عن تحديد خطواتها ,فإنها ستصاب بالتفمكك بعلاقتها مع العاملين وستفلت الامور من قبضتها وستسير الحركة الى المجهول.
الخلل الذي يصيب العاملين انفسهم:
إذا كانت هناك مسؤولية للحركة في التصدع والتساقط فهناك عاملا آخر لايقل خطورة عن العامل الاول ذلك هو تساقكط الافراد بسب عاملهم الذاتي واسباب العامل الذاتي تعود الى:
1-غياب الوعي الحقيقي لدور العاملين في داخل الحركة وفي الامة .
2-الطبيعة غير الانضباطية لبعض العاملين
3- الخوف على النفس من المحن
4-ضعف الجانب الروحي والتربوي والثقافي
5-الانشغال بامور الدنيا وجعل مسالة العمل للاسلام مسالة ثانوية في حياتهم
6-اليأس من نتائج العمل
7-الاغراءات الدنيوية
8-قساوة الضروف المحيطة بالعمل وضعف المؤونة الفردية لمواجهة الازمات
9-الانتفاخ والغرور
10-الجفاف الروحي.
وقد جاء في القران الكريم واقوال الرسول الكريم(ص) والائمة الاطهار (ع)إ إشارات وتصريحات.بهذا الامر.
{سيقول لك المخلفون من الأعراب شغلتنا أموالنا وأهلونا فاستغفر لنا يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم قل فمن يملك لكم من الله شيئاً إن أراد بكم ضراً أو أراد بكم نفعاً بل كان الله بما تعملون خبيراً}
{قل يأيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ولا يتمنونه أبداً بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين قل إن الموت الذي ترون منه فإنه ملاقيكم ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون}.
(ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله ولئن جاء نصر من ربك ليقولن إنا كنا معكم أو ليس الله بأعلم بما في صدور العالمين وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين}.
{الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا: لو أطاعونا ما قتلوا قل فادرؤوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين}.
فروي عن رسول الله (ص) (حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات ).
.وقوله(ص) (أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل يبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان في دينه صلباً اشتد بلاؤه وإن كان في دينه رقة ابتلى على قدر دينه فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشى على الأرض وما عليه خطيئة ).
وقوله (ص)(أشد الناس بلاء في الدنيا نبي أو صفي ).
وعن الصادق (ع) (( أمرنا صعب مستصعب لايتحمله الاّ نبي او وصي نبي او عبد امتحد الله قلبه بالايمان)) .
فالعاملين الذين لايملكون مؤونة السفر الطويل الشاق سيسقطون اما بتخبط في حركتهم وعدم تحمل المسؤولية الرسالية بوعي وحكمة او ويصيبهم الجفاف في كل جوانب حياتهم ويصابون بالياس المطلق او الغرق في بحر حب الدنيا فسيكون التساقط والموت الروحي هو طريقهم.
الاسباب الخارجية الضاغطة التي تؤدي الى التساقط:
ومن الأسباب التي تساعد أو تؤدى إلى سقوط بعض العاملين هو التاثير الخارجي الضاغط منها :
وهذه الأسباب كثيرة ومتعددة سنجملها بما يلى:
1- ضغط المحن:إن المحنة في حياة الدعوة والداعية هي المحك الأقوى والامتحان الأكبر فكم من أناس اختفوا عن مسرح العمل الإسلامي بعد تعرضهم لمحنة أو إيذاء ولقد كانوا قبل ذلك من أشد المتحمسين ولقد أكد القرآن الكريم على حتمية المحنة في حياة المؤمنين لتمحيص الصفوف وتصنيف المعادن وسبر أغوار الايمان.فقال تعالى {ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين} وقال {ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم}.وبين صنوف الناس أمام المحنة. فمنهم الصاعد الصابر المحتسب {الذين قال لهم الناس ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانهاً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل{{ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيماناً وتسليماً من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا} ومنهم المنهزم الذي لا يلبث أن يسقط ويختفي من حلبة الصراع {ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذى في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله ولئن جاء نصر من ربك ليقولن إنا كنا معكم أوليس الله بأعلم بما في صدور العالمين وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين...}.{لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلهم ومن الذين أشركوا أذى كثيراً وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور}
2- ضغط الاهل والاقربين : ومن الضغوط التي يواجهها العاملين في الحقل الإسلامي هو ضغط الأهل والأقربين خوفا على أبنائهم من أن يصيبهم اذى السلطان. وبعضهم الآخر تأخذه العزة بالإثم ويكبر عليه أن يسبقه صغيره بالهدى فيحاول صده والضغط عليه بشكل وبآخر. ولقد حذر القرآن الكريم من الإذعان لضغوط الأهل آباء وأنباء وحض على الثبات والصمود والجهاد في سبيل الله فقال تعالى {قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتى الله بأمره والله لا يهدى القوم الفاسقين} التوبة 24 ].ومن النماذج التي حكاها القرآن الكريم عن الضغوط التي يواجهها الدعاة إلى الله من الأقربين والأهل قصة إبراهيم عليه السلام مع عشيرته وأبيه حيث عرض لها في أكثر من موقع فقال تعالى {واذكر في الكتاب إبراهيم أنه كان صديقاً نبياً إذ قال لأبيه ياأبت لم تعبد مالا يسمع ولا يبصر ولا يغنى عنك شيئاً ياأبت إنى قد جاءنى من العلم مالم يأتك فاتبعنى أهديك صراطاً سوياً يأنبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا يا أبت إنى أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان ولياً قال أراغب أنت عن آلهتى ياإبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرنى مليا...}.وهذا مصعب بن عمير يتعرض لضغوط أمه وكان وحيدها ووريث زوجها الغنى المتوفي..فقد أقسمت أن تحرمه من ثروة أبيه فلم يبال أو يتراجع.. ثم أقسمت أن لا تذوق طعاماً قط حتى يترك دعوة الإسلام وصحبة محمد (ص).وعندما مرت الأيام وهي على ذلك وقد شحب لونها وهزل جسمها دخل عليها ابنها مصعب ليحسم الأمر معها وليقطع كل أمل في انكفائه إلى الجاهلية من جديد فقال (والله يأماه لو كانت لك مائة نفس خرجت نفساً نفساً ما تركت دين محمد ). هذا هو الايمان الصادق ولكن هناك من يسقط بمجرد محنو عابرة ينزوي وينطوي او قد يكون ثقلا على الحركة والعاملين فيها .
3- ضغط البيئة الاجتماعية :ومن العوامل التي تساعد على تساقط العاملين وإسقاطهم عن مسرح الدعوة ضغط البيئة الاجتماعية العنيفة التي تؤدي به الى النموا والحصانة او الى الصمود والحصانة او السقوط والضياع.إن العوامل التي تؤدى إلى انهزام الفرد أمام ضغط البيئة كثيرة منها:فقد يكون تكوينه في الأساس غير صحيح او تكون عنده إشكالات واهتزازات في العقيدة أو انحراف خفي في السلوك.وقد يكون التزامه في بيئته التزام خجل وتقليد ومحاكاة وليس التزام قناعة وإيمان وعندما انتقل منها إلى غيرها سقط مبرر الالتزام بسقوط عوامل الخجل والتقليد والمحاكاة وقد يكون السبب إعراضه في بيئته الثانية عن محيط الدعوة والدعاة وإقباله على بيئة الجاهلية و اصدقاء السوء الذين عاشرهم في محيطه الجديد.وهذا الخطر الكبيرالذي يؤدى حتماً إلى سقوطه
4- - ضغط حركات الاسلامية المزورة (حركات الضرار) : هناك الكثير من الحركات التي لبست ثوب الاسلام وهي لاتحمل هم الاسلام الاصيل وانما تاسست بفعل عوامل متعددة، الغرض منها تعطيل المشروع الاسلامي الاصيل او عرقلته او التشكيك بهه لتحطيمهمن داخله وتهديمه باسم الاسلام..ففي كل مكان تبرز بين الحين والآخر تحمل وجودات تحمل اسم الإسلام لتخرب عقول الشباب وتعطل دورهم وتسمم أجواءهم فلا تجتذبهم للعمل معها ولا هي تتركهم حيث هم يعملون...إن ظواهر التعددية في العمل الإسلامي لا يمكن أن تكون أو تعتبر ظاهرة صحية لأن انعكاسها على الساحة الإسلامية سلبى ومن شأنه أن يجعل بأس العاملين بينهم ويشغلهم عما هم بصدده من مهام وأعباء .
5- ضغط الوجاهة: ومن عوامل تساقط العاملين في طريق الدعوة ما يتعلق بالوجاهة ومشتقاتها.وهذا كله يدخل في مرض العجب والغرور حب الذات والكبر الأنانية التي كانت السبب في سقط إبليس حيث أخذته الغزة بالإثم فقال {أنا خير منه خلقتنى من نار وخلقته من طين} الأعراف 12. لقد مرت مسيرة الحركة الاسلامية نماذج من الناس كانت (الوجاهة) فتنتهم والمدخل الشيطانى إلى نفوسهم.وهم في مقتبل العمر وقبل أن يلجوا إلى المجتمع من بابه الكبير مثال التزام والطاعة حتى إذا أحسوا في أنفسهم أنهم أصبحوا شيئاً أو أصبحت لهم منزلة اجتماعية مرموقة وقد يكونوا بلغوها على حساب الدعوة إذا بهم يتغيرون وإذا لم تتداركهم عناية الله ينقلبون على أعقابهم يحاربون المهد الذي احتضنهم والجماعة التي ربتهم ويكفرون العشير الذي أخذ بأيديهم إلى الإسلام ؟
نتائج التساقط :
لكل عمل ايجابي او سلبي نتائج ونستعرض هنا بعض النتائج السلبية المصاحبة للتساقط:
1- الاساءة البالغة للحالة الاسلامية ,باعتبار ان التعددية في المسير لهدف واحد يؤدي الى هدر الطاقات وخلق حالة من التزاحم الذي قد يؤدي الة حالة الخصومة والحساسية . والاولى بالعاملين ان تكون حركتهم تكاملية وليست تزاحمية .
2- اشاعة الفتن والتفسخ والتسمم في اجواء الحركة الواحدة مما تؤدي الى خسارة العاملين الجدد او القربين العهد بالاسلام والتدين.
3- كشف خبايا وأسرار ما كان لها أن تنكشف لولا أجواء الفتنة الضاغطة ووقوع الألسن والآذان في قبضة الشيطان
نماذج تاريخية في التساقط:
اولا-أن اول من سقط في التجربة الانسانية والايمان هو قابيل حينما تجرد من انتمائة ومد يدة للتجاوز على اخية هابيل فقتله.نتيجة سيطرة نزعة الهزوى والانا
ثانيا-سقوط قارون وهو المؤمن الذي كان من قوم موسى فاصابه مرض البغي والغرور وحب الدنيا .
ثالثا سقو ط الثلاثة الذين تخلفوا عن القتال مع رسول الله في غزة تبوك لاسباب دنيوية - كعب بن مالك ومرارة بن الربيع وهلال بن أمية- عن غزوة (تبوك) لاسباب واعذار دنيوية واهية ,فقاطعهم رسول الله (ص) وقاطعهم المسلمون جميعاً حتى ضاقت بهم الارض وضاقت بهم انفسهم ,فانقطعوا الى الله انقطاع بالتوبة النصوح فتاب الله عليهم {وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}التوبة118 , فبشرهم رسول الله بتوبة الله عليهم.
(توبة الله عليهم ):
رابعا- سقوط حاطب بن ابي بلتعة واستجابته لغرور الدنيا بكشفه الاسرار لاعداء
لما أجمع رسول الله (ص) المسير إلى مكة كتب حاطب بن أبى بلتعة كتاباً إلى قريش يخبرهم بالذي أجمع عليه رسول الله (ص) من الأمر في السير إليهم ثم أعطاه امرأة زعم محمد بن جعفر أنها من مزينة وزعم لي غيره أنها سارة مولاة لبعض بنى عبد المطلب وجعل لها جعلاً على أن تبلغه قريشاً فجعلته في رأسها ثم فتلت عليه قرونها ثم خرجت به وأتى رسول الله (ص) الخبر من السماء بما صنع حاطب فبعث الامام علي (ع) والزبير فقال (ص): (أدركا امرأة قد كتب معها حاطب بن أبى بلتعة بكتاب إلى قريش يحذرهم ما قد أجمعنا له في أمرهم ). ,فخرجا حتى أدركاها بالخليقة بنى أبى أحمد فاستنزلاها فالتمسا في رحلها فلم يجدا شيئاً فقال لها على(ع) إني أحلف بالله ما كذب رسول الله (ص) ولا كذبنا ولتخرجن لنا هذا الكتاب أو لنكشفنك فلما رأت الجند منه قالت: أعرض فأعرض فحلت قرون رأسها فاستخرجت الكتاب منها فدفعته إليه فأتى به رسول الله (صً), فدعا رسول الله (ص)حاطباً فقال: يا حاطب ما حملك على هذا ؟ فقال حاطب: يا رسول الله أما والله إني لمؤمن بالله ورسوله ما غيرت ولا بدلت ولكنى كنت امرأ ليس لي في القوم من أصل ولا عشيرة وكان لي بين أظهرهم ولد وأهل فصانتهم. فأنزل الله تعالى في حاطب {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوى وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة}.. إلى قوله {قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين مه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده} الممتحنة 1-4
خامسا- تساقط بعض المسلمين بنفاقهم في بناء مسجد الضرار مقابل بناء مسجد رسول الله ليشقوا الصف فاقاموا فيه مسجداً ظاهره الرحمة وباطنه فيه المكر والاضرار بالمسلمين فأمر رسول (ص)الله صلى الله عليهزاله وسلم هدم لانه كان يمثل مؤامرة كبيرة على الاسلام نتيجة لتساقط هؤلاء في حب الدنيا وطمعا في المقام الدنيوي الزائل فنزلت بهم أية من الله {والذين اتخذوا مسجداً ضراراً وكفراً وتفريقا بين المؤمنين} التوبة 1.7
سادسا- سقوط بعض الاصحاب في احد وانعزامهم من المركة وتركم رسول الله في مواجهة السهام فما صمد من الاصحاب الا القليل .
سابعا –تساقط بعض الاصحاب في حديث الافك ورمي زوجة الرسول (ص) عائشة حتى جاء الخطاب الرباني لتبرئتها من هذه التهمة الملعونة . {إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شراً لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم} النور -11 {لولا إذا سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً} النور 12] {إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم} النور 15 ].
سابعا- تساقط بعض الصحابة يوم السقيفة بعد وفاة رسول الله (ص)
ثامنا - تساقط بعض المسلمين يوم صفين
تاسعا - تساقط بعض المسلمين في النهروان
عاشرا- تساقط بعض المسلمين في موقعة الجمل
احدى عشر - تساقط بعض المسلمين في حادثة النخيلة مع الامام الحسن(ع)
اثنا عشر - تساقط بعض المسلمين في معركة الطف ووقوفهم مع يزيد في مواجهة الامام الحسين (ع)
الثالث عشر - فهناك الكثير من الشواهد التاريخية حتى يومنا هذا للتساقط فهناك من كان يحسب نفسه معدنا ثمينا فتعرض للاختبار والابتلاء الدنيوي فسقط في الاختبار
هل نتوقف اذا حصل التساقط ؟
قد يتصور البعض ان التساقط لبعض الرموز سوف يطال المبادئ وهذا هو خطا كبير لان المسيرة لم ,ولن تتوقف بتساقط هذا او ذاك او رحيلهم عن الحياة الدنيا وهذا الامر يعتمد على وعي وادارك العاملين للازمة . والعمل لايتكامل الابوجود العناصر المخلصة المضحية الواعية لمهماتها ودورها في عملية التغيير والبناء الاجتماعي . والذي يتصدى لمسؤولية العمل لايمتلك الحقيقية المطلقة وليس هو مقدسا لايمس بل كل واحد فينا عرضة للجرح والتعديل من خالال النقد البمتء والنصيحة المخلصة ومد يد العون المخلصة للتعاون والعمل الجاد . والذي يتصدى لابد له ان يربي نفسه تحمل النقد البناء وتقبل النصيحة من منطلق المؤمن مرآة اخيه المؤمن وكذلك لايستحي من طلب المعونة والمشورة ليتكامل في عمله وشخصيته من خلال التواصي والتواصل بالحق .فلايعذر من اضاء لنا الطريق اكان مثقفا أو مجاهدا أو عنصرٌ قياديٌيا عتمة الطريق، من النقد والنصح والمعونة ،ولا يكون فوق المبدأ،وفوق النقد - بل نقدره ما برح ريادياً في تحقيق المصلحة العامة للاسلام وللامة، وننهره بالعروف والحكمة إذا بدأ يسير عكس الضوابط التي رسمتها الحركة لنفسها .ومن واجبنا الديني والاخلاقي والانساني رحمة به اذا أخطا أن نقول له أخطأت ومن واجبنا ان نسدده ونتواصى معه بالحق والصبر. ولايموت العمل بسقوط العاملين اذا كانت الاهداف مقدسة ولابد ان نقييم العاملين من خلال الاسلام ولانقييم الاسلام من خلال العاملين - والحمد لله رب العالمبن
محبتي ودعائي
(إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ * وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ * قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ * فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ)( القصص:79,76)
الدكتور عباس العبودي
التساقط:
التساقط في صفوف العاملين حالة تستدعي التأمل والدراسة بعمق وهي تمثل حالة سلبية في مسيرة العمل والعاملين تستدعي التأمل والدراسة بعمق وتجرد وموضوعية لمعرفة أسبابها ومسبباتها, ولاستكشاف العوامل الحقيقية التي تقف وراءها ..وقد ذكر القرآن الكريم انواع من التساقط لتحصين العاملين ي مواقع متعددة لتحصين العاملين وتحذيرهم من مغبة السقوط في فتنة الدنيا . والتساقط على انواع:
المجموعة الاولى :هناك من ترك العمل ولم يترك الاسلام
المجموعة الثانية: هناك من ترك العمل ولم يترك الاسلام وتبرعم ببرعم الانشقاق تحت اسم الحركة الام او باسم آخر او احداث مجموعة عمل جديدة تحت عنوان الاصلاح والتغيير لما مارسته الحركة السابقة من سلبيات كثيرة.
المجموعة الثالثة:هناك من ترك العمل ولم يترك الاسلام بل تحول الى عامل سلبي في طريق العاملين واصبح من المتطرفين بالنقد للعمل والعاملين بدون ان يوجد البديل الافضل.
المجموعة الرابعة هناك من ترك الاسلام والعمل وتحول الى خصم للاسلام. لا بل تحول بعظهم الى اداة بطش وقمع بيد السلطة الحاكمة .
أسباب التساقط:
هناك عومل عديدة تؤدي بالعاملين الى التساقط منها السبب في الحركة نفسها ,او السبب في الافراد العاملين او العامل الخارجي . وستناول اسباب كل عامل ان شاء الله:
الخلل في داخل الحركة تؤدي الى تساقط العاملين:
الحركة تمثل الام الحنون المرضعة والمربية لاولادها وحينما تنشغل الحركة عن دورها في الاعداد والتربية والمراقبة والمحاسبة للعاملين فيها سوف تظهر الاعراض المرضية السلبية ومنها التساقط . وستناول بشئ من التفصيل بعض الاسباب التي تعود للحركة نفسها:
1- ضعف الجانب التربوي والروحي: هناك اربعة عناصر تكون الشخصية الرسالية الجانب الروحي والجانب الفكري والجانب الثقافي والجانب التنظيمي ,فحينما تهمل الحركة التاكيد على الجانب الروحي ولاتاخذ حيزا كبيرا في مهمتها التربيوية ويكون الجانب الاداري والسياسي والتنظيمي على كل شئ. في حياة المتصدين للعمل وفي داخل الحركة مما يضع العاملين في حالة من غياب المتابعة الروحية والتشجيع عليها ويجعل العلاقة بين الحركة والعاملين تخلوا من الطلاوة الربانية والعذوبة الروحانية. فالأجواء الجامدة الجافة تبعث دائماً على التوتر والحساسية بعكس الأجواء الروحية التربوية الرطبة بذكر الله ورقابته.فالإيمان كما هو معروف يزيد وينقص بدليل قوله تعالى: {ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم} الفتح:4] وقوله تعالى {وزدناهم هدى} الكهف: 13] وقوله {ويزيد الله الذين اهتدوا هدى} مريم:76] وقوله {والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم} محمد “17] وقوله {ويزداد الذين آمنوا إيماناً} المدثر: 31 ].
2- عدم وضع الفرد المناسب في المكان المناسب:وهذه المشكلة تؤدي الى فشل العمل وخسارة العاملين. فالحركة الواعية الناضجة هي التي تعرف قدرات العاملين في وسطها وميولهم ومواهبهم وتعرف نقاط الضعف والقوة عندهم. لأا ان يهرول اليهم عند الحاجة من دون وضع برنامج للاستفادة من قدرات كل العاملين ووضعهم في المكان المناسب . ولكن حينما يشعر العاملين انهم كتل مهملة وتكون العملية العملية محصورة بافراد يحصرون جميع المهمات بايديهم. وحينما تفشل الحركة في اكتشاف قدرات العاملين بوسطها ستؤدي العملية الى الاهمال وعدم الاكتراث بما يقدمه العاملين للحركة وللناس. ومن هنا تبدا الفجوة وتخلق الاجواء المناسبة للتساقط. وحينما لا يخضع العمل لقواعد وأصول مدروسة ولا يقوم وفق مخططات ومناهج موضوعية وحينما لا يعرف ما ينبغي عمله اليوم وما يجب تأجيله إلى الغد وحين لا يفرق بين ما هو مهم وبين ما هو أهم ولا ترتب الأعمال وفق الأولويات.. عندئذ يحدث الخلل وتضطر الحركة إلى ملء الشواغر والفراغات بأسماء لاتملك الكفاءات فيوسد الأمر لغير أهله وإذا وسد الأمر في الحركة لغير أهله فانتظر ساعتها
3- عدم تقسيم الاعمال وتراكمها عند البعض: فحينما تتراكم المسؤوليات وخلوها عند البعض الاخر وأهمال الحركة لعامليها وعدم توظيفهم للعمل مما يؤدي الى تراكم العمل وغياب الانجاز الصحيح وترك الاخرين بلا مسوولية مما يؤدي الى تصدع العلاقة بين العاملين فتضعف العلاقة والارتباط العضوي بالحركة والإنتاج بسبب ضعف ارتباطه العضوي بالحركة فيختفي حس العمل في نفوس العاملين مما يؤدي الى التساقط.
4- غياب المتابعة والتنسيق بين العاملين : حينما تنشغل الحركة بهموم العاملين الذاتية وتتحول الحركة الى مشاريع للافراد وليس للامة وغياب المتابعة بين الحركة من القيادة الى القاعدة ومن القاعدة القيادة تنتهي الحركة بالنتيجة الى ضعف العلاقة بين العاملين . فالأفرادالعاملين في الحركة كسائر الناس تمر بهم ظروف صعبة ويتعرضون لأزمات ومشكلات مختلفة منها العاطفية والنفسية والعائلية والمالية إلى غير ذلك فإن لم يجد العاملين من الحركة معونة واسناد لمواجهة مثل هذه الازمات وحلها وتجاوزها بسلام فانهم سيصابون بخيبة أمل والاحباط النفسي بالخصوص حينما يجد العاملين هناك فاصلة في المستوى الاقتصادي بين القيادة والقاعدة وحينما لاتلتفت القيادة لحاجة العاملين فيها فستحصل الفاصلة وتضعف العلاقة لانه القيادة لاتمثل حالة الانصهار الحقيقي بالاسلام لان العلاقة التي يفرضها الإسلام على الجسم الإسلامي والبيئة الإسلامية والمجموعة المسلمة تصنع من انصهارها الفكري والروحي والحسي أشبه بالجسد الواحد الذي يصفه رسول الله(ص)بقوله (( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ))..والمتابعة يمكن أن تقوم في الحركة من جانبين جانب التنظيم نفسه من خلال الأجهزة التظيمية وجانب الأخوة من خلال الأفراد وتعاون الجانبين وتآزرهما من شأنه أن يسد الحاجة ويكمل العجز ويراب أي تصدع. وهذا في الحقيقة سمة المجتمع الإسلامي في التكافل والرعاية بين العاملين . إن وحشة الغربة وقساوة الضروف وضراوة التحدي التي يواجهها العاملين تحتاج الى تكاتف كل العملين قيادة وقاعدة . ولكن حينما تكون الفجوة بين القيادة والقاعدة وغياب مفهوم الاخوة الحقيقية التي لايزيلها إلا صدق التوجه إلى الله والاحتساب له والشعور ان الحركة جسم واحد واشاعة روح الاخوة والحب في الله من خلال الممارسة اليومية والمتابعة اليومية بين العاملين . أما اذا اهملت الحركة هذه العناصر فأنها ستساعد على التصدع والانشقاق .
5- عدم حسم الأمور التي تواجه العمل والعاملين بسرعة من قبل القيادة : حينما تعجز الحركة عن معالجة الازمات وحسمها بسرعة ,فإن المشاكل ستتراكم ويصعب حلها ، فحينما تتباطؤ الحركة في متابعة امورها وحسم مشكلاتها بقدر ما يتسبب ذلك بتراكم القضايا وتعطل الأعمال وتزايد المشكلات.فالمشكلة قد تبدأ صغيرة محدودة وتركها قد يؤدي الى مشكلات .كبيرة .والسب في ذلم هو يعود الى العوامل التالية اولا) هو غياب القيادة الحاسمة (ثانيا) طغيان الروتين التنظيمي في حسم الامور والمشاكل العالقة (ثالثا) عجز القيادة عن تلبية احتياج العمل والعاملين . كل هذه العوامل تؤدي الى المشاكل والتصدعع والتساقك في داخل الحركة .
6- الصراعات الداخلية في داخل القيادة وبين العاملين انفسهم : أن من اخطر المعاول الهدامة والامراض الخطيرة التي تصيب الحركة هو الصراع الداخلي .لان الصراع مرض اخلاقي خطير يؤدي الى تفتيت الحركة وتساقط العاملين فيها .والسبب في ذلك يعود الى العوامل التالية : اولا ضعف القيادة وعدم تمكنها من إمساك الصف وضبط الأمور،ثانيا القوى الخارجية المعادية التي تعمد إلى إثارة الفتنة. وتعميق الصراعات خدمة لمصالحها ، ثالثا -سيطرة النزعات الشيطانية والهوى والانا واختلاف الطباع والتوجهات التي أفرزها تناقض النشأة التربوية ولبيئية.، رابعا التنافس الدنيوي على المواقع والمصالح من اجل الدنيا وليس من اجل مصلحة الامة. واهداف الحركة في خدمة الاسلام.،خامسا عدم التزام سياسة الحركة وقواعدها وأصولها وعدم الانصياع لقرارات أجهزتها وبروز (الشخصانية ) والتصرفات الفردية على عمل الحركة . فإن لم تنتبه الحركة لهذه العوامل ولم تبادر القيادة إلى إنقاذ الموقف قبل فوات الأوان فسيكون التصدع والتساقط في صفوف عامليها ينتشر كالنار في الهشيم قد ينتهي الى هلاك الحركة . والتاريخ يحدثنا ان الرسول (ص) واجه نماذج من هذا المرض الخطير في صفوف المسلمين (الأوس والخزرج) والذي تولى كبره اليهود وعلى رأسهم اليهودي الماكر (شماس بن قس ).فبلغ ذلك رسول الله (ص) وأدرك أنها فتنة يهودية فخرج لتوه دونما تأخر أو تأجيل حتى جاءهم في حيهم فقال ((يا معشر المسلمين.. الله الله.. أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد أن هداكم الله تعالى للإسلام وأكرمكم به وقطع عنكم به أمر الجاهلية واستنقذكم به من الكفر وألف بين قلوبكم )). ولقد فعلت مبادرة الرسول (ص) فعلها في نفوس (الأوس والخزرج)) وأدركوا أنهم استدرجوا من قبل اليهود وأن الشيطان قد نزغ بينهم ولم يكن منهم إلا أن تباكوا وتعانقوا وعادوا أشد مما كانوا لحمة وتواثقاً وتعاضداً وحباً فيما بينهم.ولقد نزل في هذا الحادث قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا أن تطيعوا فريقاً من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله ومن يعتصم بالله فقد هدى إلى صراط مستقيم يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك بين الله لكم آياته لعلكم تهتدون ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم}
7- الضعف في إمكانات القيادة الفكرية والتنظيمية والتربوية والروحية السياسية حينما تنشغل القيادة بامورها الدنيوية وتغفل عن تربيةنفسها روحيا وفكريا وتنظيميا وتربويا وسياسيا ، فستصاب باوهن الكبير لانه فاقد الشئ لايعطيه وحينما لاتتمكن القيادة من تغطية هذه الجوانب وإشباع حاجة العاملين وعجزت عن تحديد خطواتها ,فإنها ستصاب بالتفمكك بعلاقتها مع العاملين وستفلت الامور من قبضتها وستسير الحركة الى المجهول.
الخلل الذي يصيب العاملين انفسهم:
إذا كانت هناك مسؤولية للحركة في التصدع والتساقط فهناك عاملا آخر لايقل خطورة عن العامل الاول ذلك هو تساقكط الافراد بسب عاملهم الذاتي واسباب العامل الذاتي تعود الى:
1-غياب الوعي الحقيقي لدور العاملين في داخل الحركة وفي الامة .
2-الطبيعة غير الانضباطية لبعض العاملين
3- الخوف على النفس من المحن
4-ضعف الجانب الروحي والتربوي والثقافي
5-الانشغال بامور الدنيا وجعل مسالة العمل للاسلام مسالة ثانوية في حياتهم
6-اليأس من نتائج العمل
7-الاغراءات الدنيوية
8-قساوة الضروف المحيطة بالعمل وضعف المؤونة الفردية لمواجهة الازمات
9-الانتفاخ والغرور
10-الجفاف الروحي.
وقد جاء في القران الكريم واقوال الرسول الكريم(ص) والائمة الاطهار (ع)إ إشارات وتصريحات.بهذا الامر.
{سيقول لك المخلفون من الأعراب شغلتنا أموالنا وأهلونا فاستغفر لنا يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم قل فمن يملك لكم من الله شيئاً إن أراد بكم ضراً أو أراد بكم نفعاً بل كان الله بما تعملون خبيراً}
{قل يأيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ولا يتمنونه أبداً بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين قل إن الموت الذي ترون منه فإنه ملاقيكم ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون}.
(ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله ولئن جاء نصر من ربك ليقولن إنا كنا معكم أو ليس الله بأعلم بما في صدور العالمين وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين}.
{الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا: لو أطاعونا ما قتلوا قل فادرؤوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين}.
فروي عن رسول الله (ص) (حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات ).
.وقوله(ص) (أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل يبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان في دينه صلباً اشتد بلاؤه وإن كان في دينه رقة ابتلى على قدر دينه فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشى على الأرض وما عليه خطيئة ).
وقوله (ص)(أشد الناس بلاء في الدنيا نبي أو صفي ).
وعن الصادق (ع) (( أمرنا صعب مستصعب لايتحمله الاّ نبي او وصي نبي او عبد امتحد الله قلبه بالايمان)) .
فالعاملين الذين لايملكون مؤونة السفر الطويل الشاق سيسقطون اما بتخبط في حركتهم وعدم تحمل المسؤولية الرسالية بوعي وحكمة او ويصيبهم الجفاف في كل جوانب حياتهم ويصابون بالياس المطلق او الغرق في بحر حب الدنيا فسيكون التساقط والموت الروحي هو طريقهم.
الاسباب الخارجية الضاغطة التي تؤدي الى التساقط:
ومن الأسباب التي تساعد أو تؤدى إلى سقوط بعض العاملين هو التاثير الخارجي الضاغط منها :
وهذه الأسباب كثيرة ومتعددة سنجملها بما يلى:
1- ضغط المحن:إن المحنة في حياة الدعوة والداعية هي المحك الأقوى والامتحان الأكبر فكم من أناس اختفوا عن مسرح العمل الإسلامي بعد تعرضهم لمحنة أو إيذاء ولقد كانوا قبل ذلك من أشد المتحمسين ولقد أكد القرآن الكريم على حتمية المحنة في حياة المؤمنين لتمحيص الصفوف وتصنيف المعادن وسبر أغوار الايمان.فقال تعالى {ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين} وقال {ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم}.وبين صنوف الناس أمام المحنة. فمنهم الصاعد الصابر المحتسب {الذين قال لهم الناس ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانهاً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل{{ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيماناً وتسليماً من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا} ومنهم المنهزم الذي لا يلبث أن يسقط ويختفي من حلبة الصراع {ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذى في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله ولئن جاء نصر من ربك ليقولن إنا كنا معكم أوليس الله بأعلم بما في صدور العالمين وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين...}.{لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلهم ومن الذين أشركوا أذى كثيراً وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور}
2- ضغط الاهل والاقربين : ومن الضغوط التي يواجهها العاملين في الحقل الإسلامي هو ضغط الأهل والأقربين خوفا على أبنائهم من أن يصيبهم اذى السلطان. وبعضهم الآخر تأخذه العزة بالإثم ويكبر عليه أن يسبقه صغيره بالهدى فيحاول صده والضغط عليه بشكل وبآخر. ولقد حذر القرآن الكريم من الإذعان لضغوط الأهل آباء وأنباء وحض على الثبات والصمود والجهاد في سبيل الله فقال تعالى {قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتى الله بأمره والله لا يهدى القوم الفاسقين} التوبة 24 ].ومن النماذج التي حكاها القرآن الكريم عن الضغوط التي يواجهها الدعاة إلى الله من الأقربين والأهل قصة إبراهيم عليه السلام مع عشيرته وأبيه حيث عرض لها في أكثر من موقع فقال تعالى {واذكر في الكتاب إبراهيم أنه كان صديقاً نبياً إذ قال لأبيه ياأبت لم تعبد مالا يسمع ولا يبصر ولا يغنى عنك شيئاً ياأبت إنى قد جاءنى من العلم مالم يأتك فاتبعنى أهديك صراطاً سوياً يأنبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا يا أبت إنى أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان ولياً قال أراغب أنت عن آلهتى ياإبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرنى مليا...}.وهذا مصعب بن عمير يتعرض لضغوط أمه وكان وحيدها ووريث زوجها الغنى المتوفي..فقد أقسمت أن تحرمه من ثروة أبيه فلم يبال أو يتراجع.. ثم أقسمت أن لا تذوق طعاماً قط حتى يترك دعوة الإسلام وصحبة محمد (ص).وعندما مرت الأيام وهي على ذلك وقد شحب لونها وهزل جسمها دخل عليها ابنها مصعب ليحسم الأمر معها وليقطع كل أمل في انكفائه إلى الجاهلية من جديد فقال (والله يأماه لو كانت لك مائة نفس خرجت نفساً نفساً ما تركت دين محمد ). هذا هو الايمان الصادق ولكن هناك من يسقط بمجرد محنو عابرة ينزوي وينطوي او قد يكون ثقلا على الحركة والعاملين فيها .
3- ضغط البيئة الاجتماعية :ومن العوامل التي تساعد على تساقط العاملين وإسقاطهم عن مسرح الدعوة ضغط البيئة الاجتماعية العنيفة التي تؤدي به الى النموا والحصانة او الى الصمود والحصانة او السقوط والضياع.إن العوامل التي تؤدى إلى انهزام الفرد أمام ضغط البيئة كثيرة منها:فقد يكون تكوينه في الأساس غير صحيح او تكون عنده إشكالات واهتزازات في العقيدة أو انحراف خفي في السلوك.وقد يكون التزامه في بيئته التزام خجل وتقليد ومحاكاة وليس التزام قناعة وإيمان وعندما انتقل منها إلى غيرها سقط مبرر الالتزام بسقوط عوامل الخجل والتقليد والمحاكاة وقد يكون السبب إعراضه في بيئته الثانية عن محيط الدعوة والدعاة وإقباله على بيئة الجاهلية و اصدقاء السوء الذين عاشرهم في محيطه الجديد.وهذا الخطر الكبيرالذي يؤدى حتماً إلى سقوطه
4- - ضغط حركات الاسلامية المزورة (حركات الضرار) : هناك الكثير من الحركات التي لبست ثوب الاسلام وهي لاتحمل هم الاسلام الاصيل وانما تاسست بفعل عوامل متعددة، الغرض منها تعطيل المشروع الاسلامي الاصيل او عرقلته او التشكيك بهه لتحطيمهمن داخله وتهديمه باسم الاسلام..ففي كل مكان تبرز بين الحين والآخر تحمل وجودات تحمل اسم الإسلام لتخرب عقول الشباب وتعطل دورهم وتسمم أجواءهم فلا تجتذبهم للعمل معها ولا هي تتركهم حيث هم يعملون...إن ظواهر التعددية في العمل الإسلامي لا يمكن أن تكون أو تعتبر ظاهرة صحية لأن انعكاسها على الساحة الإسلامية سلبى ومن شأنه أن يجعل بأس العاملين بينهم ويشغلهم عما هم بصدده من مهام وأعباء .
5- ضغط الوجاهة: ومن عوامل تساقط العاملين في طريق الدعوة ما يتعلق بالوجاهة ومشتقاتها.وهذا كله يدخل في مرض العجب والغرور حب الذات والكبر الأنانية التي كانت السبب في سقط إبليس حيث أخذته الغزة بالإثم فقال {أنا خير منه خلقتنى من نار وخلقته من طين} الأعراف 12. لقد مرت مسيرة الحركة الاسلامية نماذج من الناس كانت (الوجاهة) فتنتهم والمدخل الشيطانى إلى نفوسهم.وهم في مقتبل العمر وقبل أن يلجوا إلى المجتمع من بابه الكبير مثال التزام والطاعة حتى إذا أحسوا في أنفسهم أنهم أصبحوا شيئاً أو أصبحت لهم منزلة اجتماعية مرموقة وقد يكونوا بلغوها على حساب الدعوة إذا بهم يتغيرون وإذا لم تتداركهم عناية الله ينقلبون على أعقابهم يحاربون المهد الذي احتضنهم والجماعة التي ربتهم ويكفرون العشير الذي أخذ بأيديهم إلى الإسلام ؟
نتائج التساقط :
لكل عمل ايجابي او سلبي نتائج ونستعرض هنا بعض النتائج السلبية المصاحبة للتساقط:
1- الاساءة البالغة للحالة الاسلامية ,باعتبار ان التعددية في المسير لهدف واحد يؤدي الى هدر الطاقات وخلق حالة من التزاحم الذي قد يؤدي الة حالة الخصومة والحساسية . والاولى بالعاملين ان تكون حركتهم تكاملية وليست تزاحمية .
2- اشاعة الفتن والتفسخ والتسمم في اجواء الحركة الواحدة مما تؤدي الى خسارة العاملين الجدد او القربين العهد بالاسلام والتدين.
3- كشف خبايا وأسرار ما كان لها أن تنكشف لولا أجواء الفتنة الضاغطة ووقوع الألسن والآذان في قبضة الشيطان
نماذج تاريخية في التساقط:
اولا-أن اول من سقط في التجربة الانسانية والايمان هو قابيل حينما تجرد من انتمائة ومد يدة للتجاوز على اخية هابيل فقتله.نتيجة سيطرة نزعة الهزوى والانا
ثانيا-سقوط قارون وهو المؤمن الذي كان من قوم موسى فاصابه مرض البغي والغرور وحب الدنيا .
ثالثا سقو ط الثلاثة الذين تخلفوا عن القتال مع رسول الله في غزة تبوك لاسباب دنيوية - كعب بن مالك ومرارة بن الربيع وهلال بن أمية- عن غزوة (تبوك) لاسباب واعذار دنيوية واهية ,فقاطعهم رسول الله (ص) وقاطعهم المسلمون جميعاً حتى ضاقت بهم الارض وضاقت بهم انفسهم ,فانقطعوا الى الله انقطاع بالتوبة النصوح فتاب الله عليهم {وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}التوبة118 , فبشرهم رسول الله بتوبة الله عليهم.
(توبة الله عليهم ):
رابعا- سقوط حاطب بن ابي بلتعة واستجابته لغرور الدنيا بكشفه الاسرار لاعداء
لما أجمع رسول الله (ص) المسير إلى مكة كتب حاطب بن أبى بلتعة كتاباً إلى قريش يخبرهم بالذي أجمع عليه رسول الله (ص) من الأمر في السير إليهم ثم أعطاه امرأة زعم محمد بن جعفر أنها من مزينة وزعم لي غيره أنها سارة مولاة لبعض بنى عبد المطلب وجعل لها جعلاً على أن تبلغه قريشاً فجعلته في رأسها ثم فتلت عليه قرونها ثم خرجت به وأتى رسول الله (ص) الخبر من السماء بما صنع حاطب فبعث الامام علي (ع) والزبير فقال (ص): (أدركا امرأة قد كتب معها حاطب بن أبى بلتعة بكتاب إلى قريش يحذرهم ما قد أجمعنا له في أمرهم ). ,فخرجا حتى أدركاها بالخليقة بنى أبى أحمد فاستنزلاها فالتمسا في رحلها فلم يجدا شيئاً فقال لها على(ع) إني أحلف بالله ما كذب رسول الله (ص) ولا كذبنا ولتخرجن لنا هذا الكتاب أو لنكشفنك فلما رأت الجند منه قالت: أعرض فأعرض فحلت قرون رأسها فاستخرجت الكتاب منها فدفعته إليه فأتى به رسول الله (صً), فدعا رسول الله (ص)حاطباً فقال: يا حاطب ما حملك على هذا ؟ فقال حاطب: يا رسول الله أما والله إني لمؤمن بالله ورسوله ما غيرت ولا بدلت ولكنى كنت امرأ ليس لي في القوم من أصل ولا عشيرة وكان لي بين أظهرهم ولد وأهل فصانتهم. فأنزل الله تعالى في حاطب {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوى وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة}.. إلى قوله {قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين مه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده} الممتحنة 1-4
خامسا- تساقط بعض المسلمين بنفاقهم في بناء مسجد الضرار مقابل بناء مسجد رسول الله ليشقوا الصف فاقاموا فيه مسجداً ظاهره الرحمة وباطنه فيه المكر والاضرار بالمسلمين فأمر رسول (ص)الله صلى الله عليهزاله وسلم هدم لانه كان يمثل مؤامرة كبيرة على الاسلام نتيجة لتساقط هؤلاء في حب الدنيا وطمعا في المقام الدنيوي الزائل فنزلت بهم أية من الله {والذين اتخذوا مسجداً ضراراً وكفراً وتفريقا بين المؤمنين} التوبة 1.7
سادسا- سقوط بعض الاصحاب في احد وانعزامهم من المركة وتركم رسول الله في مواجهة السهام فما صمد من الاصحاب الا القليل .
سابعا –تساقط بعض الاصحاب في حديث الافك ورمي زوجة الرسول (ص) عائشة حتى جاء الخطاب الرباني لتبرئتها من هذه التهمة الملعونة . {إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شراً لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم} النور -11 {لولا إذا سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً} النور 12] {إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم} النور 15 ].
سابعا- تساقط بعض الصحابة يوم السقيفة بعد وفاة رسول الله (ص)
ثامنا - تساقط بعض المسلمين يوم صفين
تاسعا - تساقط بعض المسلمين في النهروان
عاشرا- تساقط بعض المسلمين في موقعة الجمل
احدى عشر - تساقط بعض المسلمين في حادثة النخيلة مع الامام الحسن(ع)
اثنا عشر - تساقط بعض المسلمين في معركة الطف ووقوفهم مع يزيد في مواجهة الامام الحسين (ع)
الثالث عشر - فهناك الكثير من الشواهد التاريخية حتى يومنا هذا للتساقط فهناك من كان يحسب نفسه معدنا ثمينا فتعرض للاختبار والابتلاء الدنيوي فسقط في الاختبار
هل نتوقف اذا حصل التساقط ؟
قد يتصور البعض ان التساقط لبعض الرموز سوف يطال المبادئ وهذا هو خطا كبير لان المسيرة لم ,ولن تتوقف بتساقط هذا او ذاك او رحيلهم عن الحياة الدنيا وهذا الامر يعتمد على وعي وادارك العاملين للازمة . والعمل لايتكامل الابوجود العناصر المخلصة المضحية الواعية لمهماتها ودورها في عملية التغيير والبناء الاجتماعي . والذي يتصدى لمسؤولية العمل لايمتلك الحقيقية المطلقة وليس هو مقدسا لايمس بل كل واحد فينا عرضة للجرح والتعديل من خالال النقد البمتء والنصيحة المخلصة ومد يد العون المخلصة للتعاون والعمل الجاد . والذي يتصدى لابد له ان يربي نفسه تحمل النقد البناء وتقبل النصيحة من منطلق المؤمن مرآة اخيه المؤمن وكذلك لايستحي من طلب المعونة والمشورة ليتكامل في عمله وشخصيته من خلال التواصي والتواصل بالحق .فلايعذر من اضاء لنا الطريق اكان مثقفا أو مجاهدا أو عنصرٌ قياديٌيا عتمة الطريق، من النقد والنصح والمعونة ،ولا يكون فوق المبدأ،وفوق النقد - بل نقدره ما برح ريادياً في تحقيق المصلحة العامة للاسلام وللامة، وننهره بالعروف والحكمة إذا بدأ يسير عكس الضوابط التي رسمتها الحركة لنفسها .ومن واجبنا الديني والاخلاقي والانساني رحمة به اذا أخطا أن نقول له أخطأت ومن واجبنا ان نسدده ونتواصى معه بالحق والصبر. ولايموت العمل بسقوط العاملين اذا كانت الاهداف مقدسة ولابد ان نقييم العاملين من خلال الاسلام ولانقييم الاسلام من خلال العاملين - والحمد لله رب العالمبن
محبتي ودعائي