ملاحظة أولية: قد تكون ملاحظاتي قاسية على كل من سأتحدث عنهم من الإسلاميين، القريبين مني والبعيدن، ولكنني لن أقول إلا ما أراه صوابا عسى أن ينفع حديثي في إصلاح وضع المشروع قبل وضع الحركات والأحزاب، ووضع الأحزاب والحركات قبل وضع الأشخاص. قد تكون ردود فعل البعض سيئة، ولكن أود لو تكون الردود فكرية وسياسية حتى تتضح الحقائق وتتمحص. فمن قرأ منا شيئا يحرج ضميره فليكن مصلحا لنفسه ولغيره فالحق أحق أن يتبع، ومن قرأ شيئا خاطئا أو باطلا فليصبر ويرد بالحسنى وليعلم: ((إن الله يدافع عن الذين آمنوا))، ولنحذر النفس الأمارة بالسوء (( إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا)).وإنما يحزن العليم بخطئه المصر على انحراف نفسه، أما البريء فكعبه عاليا !
ـ الفرصة الأولى: هي سنة 1991 حينما ملكت الجبهة الإسلامية للإنقاذ الشارع فاغترت به وخاصمت القريب والبعيد، والعلماني والإسلامي، وغاب عنها مقومات الحكم الأخرى التي لم تكن تملكها، ولم تنتبه لحقائق التوازنات الدولية في تلك المرحلة فراحت تَعد بمحاكمات شعبية لرجال السلطة والجيش في التجمعات العامة واعتمدت عنفا لفظيا لا مبرر له، ورفضت دعوات التحالفات وخفض مستوى طموحاتها في تلك المرحلة والسير بالمرحلية وعدم تخويف الآخرين كما هي سيرة المصطفى والمصلحين من بعده وكما تعمل الحركات الإسلامية اليوم في الحكم، تشد وتطلق، تكر وتفر. ثم لما أُلغيت الانتخابات وحُل الحزب لم يتصرفوا كما تصرف أربكان الذي حُل حزبه وألغي فوزه ودخل السجن فصبر وواصل النضال السلمي حتى وصلت تركيا لما هي عليه، ولما انحرفت الأمور للعمل المسلح لم يتبرأ منه قادة الإنقاذ وتورط كثير من رجالها ومناضليها فيه ولم يعلموا بأن حمل السلاح كان فخا عمل العلمانيون والفاسدون وضباط فرنسا على إغراقهم فيه بل وضرب المشروع الإسلامي كله به والتحكم من خلال ذلك في السلطة من جديد. والوضع الذي عليه الإسلاميون اليوم يعود سببه إلى كثير من ذلك. وهذا التقييم يقتنع به ويؤمن به رجال كثيرون من قيادات جبهة الإنقاذ ومنهم من صرح لي بذلك بوضوح، ولا يصح لمناضلين آخرين في الفيس أوالمتعاطفين معه أن يحملوا غيرهم المسؤولية، فلا يتوقع أن يتركهم خصوم المشروع الإسلامي، بل كان عليهم أن يكونوا أذكى وأقدر على إدارة الصراع. كما لا يصح تحميل الحركة الإسلامية الأخرى المسؤولية وخصوصا حركة حماس والشيخ محفوظ نحناح رحمه الله كما يحلو لهم لتغطية الفشل، فمن حق غيرهم أن يخالفوهم وأن يقتنعوا بمنهج آخر، ثم القوة الشعبية كلها كانت في يد جبهة الإنقاذ فلما لوم الآخرين وما عسى الآخرين أن يفعلوا، لا بد أن نتذكر أنه لما طلبت حركتا النهضة وحماس من الفيس الحوار والتحالف قال عباس مدني كيف "يتحالف الفيل مع النملة". كانت جبهة الإنقاذ تملك قوة كبيرة بإمكانها أن تحقق إنجازات مرحلية مهمة جدا، ولكن للأسف أضاع التعجل كل شيء واختلت الموازين لصالح التيار العلماني وتراجع المشروع الإسلامي سياسيا واجتماعيا، ووُضع البلد تحت غطاء محاربة الإرهاب في أيادي متعطشين للسلطة وتيارات فاسدة أصبحت اليوم تستغل مؤسسات الدولة وتهدد استقرار البلد ومستقبل الأجيال
أكبر تراجع ( وفق الأرقام الانتخابية) في تاريخ حركة مجتمع السلم إلى اليوم كان في الانتخابات التشريعية 2002 (في حياة الشيخ محفوظ رحمه الله (هذه إشارة للذين يزايدون علينا بأن الحركة تراجعت بعد وفاة الشيخ محفوظ.
في هذه الانتخابات برز الشيخ عبد اله جاب الله الذي احتل المرتبة الثالثة بعد جبهة التحرير والتجمع الوطني الديمقراطي. تلك هي الانتخابات التي قرر عندها وبعدها الناخبون هجر صناديق الاقتراع بعد أن اتضح لهم بأن نظام الحكم لن يترك أي إسلامي يمر سواء كان “متشددا” أو “معتدلا” حيث اتضح لهم ذلك جليا بعد إلغاء انتخابات 1991، وتزوير انتخابات 1995 و1997.استفادت جبهة التحرير والتجمع الوطني الديقراطي من هذا العزوف كما استفادوا من الأصوات الخيالية التي أضافها نظام الحكم لنفخ نسبة المشاركة. في الوقت الذي تراجعت فيه حركة مجتمع السلم تقدم عبد الله جاب الله وحقق حزبه حركة الإصلاح الوطني المرتبة الثالثة حيث استطاع أن يستفيد من جزء مهم من الكتلة الناخبة الإسلامية وغير الإسلامية التي صمدت وبقيت تشارك في الانتخابات. تعتبر المرتبة الثالثة في ظل مسار التزوير مرتبة أساسية تسمح بالمحافظة على فرص المشروع الإسلامي مستقبلا. لهذا السبب ابتهج الشيخ محفوظ بصعود عبد الله جاب الله عندما تراجعت الحركة، دخلت عليه رحمه يوم ذاك في مكتبه حزينا أحتج عليه بطريقة دبلوماسية كيف يقع لنا هذا التراجع وتتقدم علينا حركة الإصلاح الوطني رغم الفرق الشاسع بيننا في الانتشار الهيكلي والتنظيمي، فقال لي ينبغي أن نحمد الله أن الذي احتل مكاننا حزب إسلامي فلا تحزن !
كانت تلك فرصة كبيرة ليأخذ المشعل حزب إسلامي آخر لا مؤاخذة عليه في شأن المشاركة الحكومية التي انتهجتها حركة مجتمع السلم لأسباب وفي ظروف سنتحدث عنها في الفرص التي ضيعتها هي، كان بإمكان عبد الله أن يتحول إلى زعيم وطني لا يعادله أحد وان يجر بعد تلك الانتخابات تيارا شعبيا واسعا قد لا ينفع في الانتخابات باعتبار مسارها التزويري ولكنه يساعد كثيرا في الضغط من أجل إصلاحات حقيقية توصل التيار الإسلامي إلى ما وصل إليه حزب العدالة والتنمية المغربي على الأقل، في ظروف الثورات العربية. ولكن عبد الله جاب الله فوت الفرصة لأسباب تتعلق بنفسيته وطرق تسييره شؤونه التنظيمية والحزبية للأسف الشديد، ولا ينفع أن يقول بأن النظام تآمر علي مع من انشقوا عليه في مختلف المرات، إذ حتى وإن وقع ذلك حقا ماذا فعل هو ليضمن صفا داخليا محصنا؟
وصلت الصحوة الإسلامية في أواخر الثمانينيات قبل الانفتاح السياسي إلى أوج قوتها فكان ميزان القوة السياسي والاجتماعي والثقافي في المجتمع وفي مؤسسات الدولة لصالح التيار الإسلامي وكانت الحركة الإسلامية الأقوى والأكثر انتشارا في الشارع هي حركة الشيخ محفوظ نحناح رحمه الله.
بعد أن انفلتت الأمور ودخل البلد في الفتنة انقلبت المعادلة واستغل العلمانيون والفاسدون الفرصة للتحكم في الوضع والسيطرة على موازين القوة، وكانت خططهم بتصفية التيار الإسلامي بجميع تفاصيله وعلمنة البلد في كل مناحيه بارزة واضحة يمكن قراءتها في مذكرات الجنرال نزار كما يمكن قراءتها في وثيقة معروفة لدى المهتمين كتبت سنة 1991 عنوانها” الجزائر 2005” صدرت عن مركز الدراسات الإستراتيجية الحكومي الذي كان يسيطر عليه رموز التيار العلماني المتطرف، وكانت المؤشرات تدل بأن حدة الصراع وتطرف أطرافه ستؤدي إلى انفلات عقد وحدة البلد وضياع الجزائر كلها، وبرزت خرائط لدويلات تخرج من الجزائر بعد تقسيمها، والمعلومات التي تبرهن على ذلك لم تكن شحيحة بالنسبة للمتابعين.
اجتهد الشيخ اجتهادا سياسيا جريئا فاعتقد بأنه ربما يستطيع قلب المعادلة وإنقاذ ما يمكن إنقاذه فاختار أن يضع نفسه وحركته والرجال والنساء الذين معه بين طرفي الصراع حتى يخفف الصدام ولو أدى ذلك إلى ضربه من الطرفين، كما اختار أن يشجع التيار العروبي الإسلامي الذي بقي موجودا في مؤسسات الدولة من خلال سياسة المشاركة التي بدأها بدخول المجلس الانتقالي في ماي سنة 1994، وكان الشيخ محفوظ نحناح طامعا أن يصبح هو الحزب البديل الذي يقع عليه خيار الدولة والمجتمع. أظهرت الانتخابات الرئاسية سنة 1995 بأنه يستطيع أن يفعل ذلك حيث أخذ الأغلبية في صناديق الأحياء الفقيرة واتجهت إليه أصوات أغلبية أصوات الإسلاميين كما اخذ الأغلبية في مكاتب الثكنات العسكرية وثكنات الأمن العسكري والأحياء “الراقية” واستفاد من أصوات أغلب موظفي الدولة الجزائرية. زورت الانتخابات نهارا جهارا وضاعت فرصة الرئاسة وقيادة البلد مرة أخرى بتزوير اعترف به للشيخ محفوظ من فعله متحججين أمامه بلا حياء بمصلحة الوطن طالبين منه التفهم! صبر الشيخ محفوظ ( بالرغم من أنه أخذ من الأصوات المعترف بها بعد التزوير أكثر من الأصوات التي أعلنتها جبهة الإنقاذ لنفسها بلا تزوير) فاستطاع بصبره أن يضمن بهذه المساهمة استمرار وجوده ووجود التيار الإسلامي كله واستثمارا فرص مشروعه وجعل العلمانيين يراجعون حساباتهم في علمنة البلد كما ساهم في تخفيف عنفوان الفتنة. غير أن السلطة قرأت هذه النتيجة باهتمام كبير فسارعت إلى قطع الطريق على إستراتيجية الشيخ محفوظ ليكوّن حزبا بديلا قويا فأسست حزبها الجديد ( التجمع الوطني الديمقراطي) واسترجعت حزبها القديم ( جبهة التحرير الوطني)، فزورت الانتخابات التشريعية سنة 1997 لصالح الحزب الجديد وزحزح الحزب الإسلامي الفائز للمرتبة الثالثة ثم جاءت الانتخابات المحلية فصارت الخطة واضحة: تشكيل مجموعات مصالح في كل بلدية بواسطة مجالس محلية مزورة تصبح تدافع عن التجمع الوطني الديمقراطي من خلال الدفاع عن مكاسبها ثم المضي عبر السنوات لتجسيد تداول على السلطة افلان/أرندي داخل نفس النظام. لا يمكن للخطة أن تنجح إلا بإضعافٍ منهجيٍ للتيار الإسلامي وللحزب الإسلامي الأقوى فلا بد إذ من الحرص على بقائه في الحكومة عقودا طويلة من الزمن.
كانت سنة 1997 ( بعد الانتخابات المحلية) هي الفرصة التاريخية الضائعة لحركة مجتمع السلم، لم يصبح ثمة مبرر أخلاقي وطني أو سياسي حزبي للبقاء في الحكومة، كان الواجب يقتضي إفشال مخطط النظام والاستمرار في جلب القوة من الشعب ولو بلا مكاسب سياسية ولو فعلت حركة مجتمع السلم في ذلك الوقت لدالت لها الدولة الجزائرية في الظروف العربية والدولية الجديدة. لم يكن لدينا في المجمل في ذلك الوقت الفطنة والدهاء وبعد النظر لفهم حقيقة الموازين داخل الدولة والمجتمع ولم نملك قدرة حقيقية على الاستشراف والقراءات المستقبلية
تحدث في المداخلات الثلاث السابقة عن الفرصة التاريخية الكبرى التي ضيعها قادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ سنة 1991، وعن فرصة إعادة الانتشار والاستعداد للمستقبل التي ضيعناها في حركة مجتمع السلم سنة 1997، وعن ضياع السانحة التي أوتيت لعبد الله جبالله سنة 2002. وثمة فرصة أخرى أتيحت لحركة مجتمع السلم للخروج من شراك الشراكة مع نظام الحكم الذي أوقعها فيه إرادتها للمساهمة في تحقيق الاستقرار للوطن الذي لا ينجح العمل الإسلامي إلا في ظله ولإبقاء فرصة العمل والاستعداد للمستقبل، وكانت الحركة كثيرا ما تبرر سياستها تلك بحجةِ شرعية قويةِ، وهي صلح الحديبية الذي أبرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم مع المشركين والذي تنازل بموجبه عن قضايا ظهرت لكبار الصحابة أنها مبدئية فلم يستسيغوا قرار رسول الله وكادوا يعصونه كما هو معلوم، فقد قبل محو كلمة رسول الله من العقد، بل وأن يسَلِّم لهم من يأتيه من أهل مكة مسلما! مقابل أن تتوقف المواجهة لعشر سنوات ويأمن الناس كما جاء في سيرة ابن هشام. أراد الشيخ محفوظ نحناح رحمه الله أن يترشح للانتخابات الرئاسية سنة 1999 وأخذ تأشيرة ذلك من مجلس الشورى الوطني ورفض العرض الذي قدم له من بوتفليقة ليتحالف معه. فقام نظام الحكم بإخراج ورقة كان قد أعدها له في دستور سنة 1996 الذي وُضعت فيه مادة تخصه هو بالذات تنص على عدم السماح للترشح لمن لا يملك شهادة المشاركة في الثورة التحريرية، ورغم الشهادات القوية التي قدمها قادة الولاية الرابعة منهم الرائد بورقعة وعلى رأسهم يوسف الخطيب المعروف بالعقيد سي حسان قائد الولاية الرابعة أثناء الثورة التحريرية رفضت لجنة منح الشهادات في وزارة المجاهدين الاجتماع لمنحه البطاقة بإيعاز ممن وضعوا المادة الدستورية حينما علموا في انتخابات 1995 بأن الشيخ محفوظ منافس حقيقي. بعد أن منع نظام الحكم الشيخ محفوظ من الترشح حرصوا على ضمه إليهم فوفروا له مخرجا لحفظ ماء الوجه حيث زاره بوتفليقة شخصيا إلى المقر وهيئوا له ائتلافا مكتوبا مع حزبي الجبهة والتجمع وضموا له حزبا إسلاميا آخر هو حركة النهضة. كانت هذه الحادثة هي الضربة القاسمة التي زعزعت الشيخ محفوظ وغيرت ملامح كثيرة في شخصيته فغاب شيء كثير من طبيعته المرحة وقدرته على التحمل ولم يعد يحضر كثيرا في إدارة شؤون حركته ولم يصبح متحفظا في نقده لنظام الحكم حيث أصبح يتهمهم في لقاءات خاصة بأشياء خطيرة جدا وبعدها مباشرة أصيب بالمرض الذي توفاه الله به. كل المؤشرات كانت تبين بأن الشيخ محفوظ نحناح كان في حالة إرباك شديدة وقد صرح في مجلس الشورى الوطني في الطابق الأسفل في مقر الحركة بعد اضطراره للعودة لمساندة بوتفليقة وهو يبكي بأنه هو المسؤول عن هذا الاضطراب الذي وقع للحركة. وأتصور أن الخطأ لم يتعلق فقط بعدم التحالف مع بوتفليقة منذ البداية باعتبار أن بوتفليقة جاء في بداية أمره ضعيفا في خصومة واضحة مع قيادات المؤسسة العسكرية وكان يريد تحالفات مع الأحزاب من أجل تمدين العمل السياسي، وكان يمكن أن يكون التحالف معه عن قوة فرصة للحركة لتأخذ موقعا حقيقيا في الحكم كما وعدها بوتفليقة نفسه في جلسة حضرتها بنفسي فيتيح لها ذلك ضمان الحريات والديمقراطية على الأقل التي هي في صالح البلد قبل كل شيء وفي صالح الحركة الإسلامية، ورغم حسن ظني بالشيح محفوظ الذي فضل الاستقرار وعدم الدخول في مغامرة لم يعد لها العدة، ورغم علمي بأن فكره بخصوص علاقته بالحكم تغيرت كلية وأنه كان إنما يريد ربح الوقت لترتيب شؤونه وبدأ يُنَظِّر للمعارضة من خلال كتابه الذي سُرق وأخفي قبل أن يرى النور بعد وفاته تحت عنوان " الدولة وأنماط المعارضة"، رغم ذلك أرى بأن الخطأ الأكبر تعلق بالرجوع للتحالف مع بوتفيلقة عن ضعف حيث أصبح هذا الأخير ينظر للشيخ محفوظ انه جاءه مضطرا رغم المجاملات التي منحها له في مقر الحركة، وأن مجيئه جاء وفق ترتيبات قام بها غيره، علاوة أن مساندة بوتفليقة بعد إظهار الخصومة الشديدة وإظهار عيوبه بواسطة قصاصات كان الشيخ موحفوظ نفسه يسلمها لنا قبل رفض ترشحه، وبعد الإيذاء الشديد الذي سُلط على الشيخ محفوظ في سمعته وتاريخه. كان بإمكان مواصلة معارضتنا لبوتفليقة ودعم المعارضة القوية التي ظهرت في مواجهته في الانتخابات الرئاسية من كل التيارات أن تحقق توازن في القوة لا يسمح بالهيمنة التي منحت لبوتفلية الذي استطاع أن يجد التوازن مع قيادات المؤسسة العسكرية ضمن توزيع النفوذ والمصالح الذي نراه اليوم. أذكر جيدا أن شعبيتنا صعدت إلى عنان السماء بعد قرار منع الشيخ محفوظ من الترشح خصوصا بعد المعالجة الإعلامية الجيدة التي ظهرنا بها في الدفاع عن أنفسنا. ولو انطلقنا في مشروع سياسي جديد من تلك اللحظة لكانت الحركة الإسلامية اليوم في أحسن أحوالها، ولكن عكس ذلك وقع، استقالات واسعة عن العمل غير معلنة ظهرت في صف الحركة وانصراف أعداد كبيرة من الجماهير عنا ظهرت في انتخابات 2002 التي تقدم فيها جبالله. ولم يصبح ممكنا تعليل ذلك بإيثار الاستقرار لأن الجزائر لم تصبح مهددة كما كانت، وأن الذي أصبح يهددها هو الاختلال العظيم في ميزان القوة لصالح نظام يمسك بكل السلط في يده مما ألغى سنة التدافع التي تمنع الفساد وتصلح الأرض كما جاء في قوله تعالى (( ولو لا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض))، ولم يصبح متاحا التعلل بصلح الحديبية لأن الرسول عليه الصلاة والسلام ألغاه بعد عامين ( ثمان سنوات قبل نفاذه) لما غدر به المشركون، ونظام الحكم ( مع الفارق في قضية الإسلام والشرك بطبيعة الحال) غدر بكل عهوده مرات ومرات