ربيع الثورات العربية.. ثورات الربيع.. ربيع الثورة.. كل هذه التسميات وغيرها أطلقت في فضاء الإعلام وصفاً للحراك الجماهيري غير المسبوق في العالم العربي.
وهو حراك غير متوقع لدى فريق، لكنه متوقع لدى المتبصر. فهو نتيجة لمراكمة القهر وازدياد الفساد، والتعطل السياسي، وشل المجتمع، وتوقف فعالية الدول، وتغول الأجهزة القمعية، واستئساد «إسرائيل» على المنطقة كلها، والاستسلام لهذا الواقع، في الوقت الذي يبدو فيه «الاستزلام» على الشعب الأعزل في أعلى درجاته. واصطبر الشعب حتى لات مصطبر.. ثم انفجر.. لا يبقي ولا يذر.
وشاء الحكيم سبحانه أن تكون فاتحة الثورات سلسة يسيرة، شبهتها بنصر بدر تم بأيسر التكاليف لتشجيع البقية على الثورة، ثم جاءت «أحد»، بعد أن بذر الأمل في النفوس بإمكانية التغيير. فلماذا التعسير بعد التيسير؟
ومعاذ الله أن يكون تعسيراً، ولكنه الاختبار والابتلاء.
وثانيا: إن الحرية غالية وجميل أن تؤخذ بالثمن الغالي «ومن يخطب الحسناء لم يغلها المهر» ولا أحسن من حسناء اسمها الحرية والكرامة تمهر بالدماء والمهج.
وثالثاً: حتى يظهر قبح هذا الواقع ولزوم تغييره. فما إن تكشف حتى تكشف عن وجه قبيح جداً عنيف جداً لا ذرة من رحمة فيه أو شفقة أو مراعاة أو من تقدير لشعب أو حرمة دماء أو غير ذلك، ولا انتماء عنده!
ورابعاً: ما جاء هيناً يذهب هيناً. وما جاء غالياً يحفظ عالياً ولا ينتزع إلا بانتزاع الأرواح. ولذا فإن الله شاء أن يشجع الناس في بدء المسير، ثم علمهم أن الأمور ليست هكذا دائماً تسير. من هنا جاء ما أسميته: «الثورات العالقة» في كل من اليمن وليبيا وسوريا.. والبحرين.
ومصطلح العالقة استعمل كثيراً متعلقاً بممارسات النظام غير المبارك.. في سلوكه خاصة مع أهل غزة عنوان المقاومة، فكثيراً ما كان يتردد هذا المصطلح: «العالقين» ليكون عنواناً للممنوعين من الدخول إلى غزة من أهلها وأبنائها. أو من المتضامنين مع غزة.. فيعلقون الليالي والشهور الطوال على الحدود المصطنعة!
من هنا استعرنا هذا المصطلح لعدم إنجاز أهداف الثورة في البلدان المذكورة في الوقت المتوقع المعتاد في الحالات المماثلة. ولكنها لن تظل عالقة، بإذن الله.
أما اليمن، فبعد أن أوشك «صالح» على الاستقالة، فإن المستفيدين من حوله والمتربحين والمتربعين على كراسي السلطة إلى جواره ومن خلفه، أبوا عليه هذه الخطة. وحركهم للإباء كذلك ما يرونه من محاكمات للفريق المبارك فريق مبارك.. فقالوا لأنفسهم: إذاً يصيبنا ما أصابهم، فلا تستسلموا. وقاتِلوا حتى الرمق الأخير. ولو فني ثلث الشعب اليمني، المهم أن نسلم نحن.. ولا نقدم لمحاكمات. فحاول صالح أن يحرض الناس على بعضها، وطفق يستعمل «الفزاعات» المشتركة في العالم العربي وبين الزعماء العرب في مواجهة الثورات العربية: القاعدة، الإمارة الإسلامية، الأحزاب الإسلامية، الجماعات الدينية.. أنا خير لكم منهم. استمسكوا بي وإلا فقدتموني وأتوا هم. وهذه الرسالة موجهة للغرب، أما رسالة الداخل فالتهديد بتفكك اليمن، وفي الحقيقة ما هدد وحدة اليمن كسلوك «صالح»! وتمييزه ضد الجنوبيين؛ ما جعل النفوس محتقنة وحانقة. حتى لقد قال بعضهم: قاتلنا من أجل الوحدة.. وربما نقاتل من أجل فضها وفكها! من سوء ما عوملوا! لكن الجنوب -كسائر العرب أعني الشعوب- وحدوي!
وحاول أن يهدد ويلوح بانقسام الجيش وهذا قد يقود إلى احتراب وأن الثوار من الجيش يخططون لانقلاب، والناس سئمت من الانقلابات، لقد استخدم كل ما في جعبة الحاوي وجرابه في مواجهة الثورة وأرسل الرسائل إلى الخارج والداخل، لكن الثورة تصنع الحقائق على الأرض، وصوتها أقوى وأعلى من صوت «صالح» ومن المبادرات التي تحاول أن تخفف من خسائر النظام لا حفاظاً عليه فقط ولكن حفاظاً على مومياء النظام العربي المحنط. وبات معلوماً للجميع أن «صالح» استنفد رصيد اليمن في شراء الذمم.
والثورة العالقة الثانية في ليبيا. وكنا نعلم أن القذافي عنيف ودموي وقتال بطال ولا يبالي بآخرة ولا يحسب أي حساب للحساب! ولكن لم يكن في خيال أكثر الأخيلة شطوطاً أن القذافي على هذه الدرجة من السوء والسوداوية والدموية والأنانية والتشبث والمادية. فقام ليحبط الثورة بكل ما أوتي وكل ما ادّخره وكل ما أخرج البلد من ثروته.. مستعد أن يبذل كل ذلك ولا ينزل عن هذا المقعد السحري أو المسحور!
لقد لوح هو الآخر بنفس الرايات التي لوح بها صالح: القاعدة، والجماعات الإسلامية، والأصولية، والخطر الذي يتهدد «إسرائيل» إن زال القذافي، وحراسة أوربا من يتولاها من بعده إذا تدفق المهاجرون الأفريكان؟ ولأول مرة نعلم أن القذافي مجرد «ناطور» ذرة! ألست رئيساً وزعيماً ورمزاً فما الذي حولك إلى حارس لـ»إسرائيل» ولمصالح الإمبريالية والرأسمالية التي زعمت أنك عشت عمرك (الله..) تقاومها؟!
واستغل القذافي بعض «طلعات» «الناتو» على ليبيا ليدعم صورة الثائر مقارع قوى الاستعمار والإمبريالية، وليلبس عباءة المناضل (المزركشة). لكن الثورة بفضل الله تسير قدماً ويضيق الخناق على القذاف الأفاق يوماً بعد يوم.. والحسم يلوح في الآفاق..
أما سوريا فقد تفوقت على الماضي والحاضر. تفوقت على تجربتها السابقة وماضيها. وتفوقت على باقي الأنظمة التي تقاوم الثورات والتي فيها ثورات عالقة، وهي في هذا سواء.
لقد استخدم في تبرير «غزو» البلد وبلدات البلد بالدبابات، استخدم منطق تبريري غير مستساغ ولا مقبول ولا يبرر بقدر ما يجرم صاحبه ويدينه.
لقد أظهرت الأيام تعبئة خاطئة بعقيدة قتالية فاسدة. ونظرية أمنية آثمة مفادها أن العدو والخطر إنما هو من الداخل.. وإلا كيف تفسر هذا العنف من رجال الأمن ورجال الجيش ضد شعبهم؟ إنها العقيدة القتالية الفاسدة للأجهزة. فالدبابات التي دفع ثمنها الشعب لتستعيد الجولان، ما تحركت من مرابضها منذ أربعين سنة إلا للعروض، ثم الآن التحرك المرفوض في قمع شعب أعزل ما فتئ يردد: «سلمية، سلمية».
بأي وجه تطوق الدبابات مدن القطر؟ أبدعوى المندسين الذين زعم أنهم بلغوا خمسة آلاف بسلاحهم؟ طيب. هاتوا جربوا دسوا أو سربوا «خمسة» فقط في الجولان. فلماذا «يندس» عندكم خمسة آلاف ولا يندس منكم خمسة مقاومين في الجولان المحتل؟ أين كانت الدولة نائمة وهؤلاء المندسون يندسون؟
وما شأن المندسين بقتل النساء والأطفال؟ وما شأن المندسين بمنع الحليب عن درعا؟ هل يتخذ الحليب عبوات لراجمات الآر بي جي؟ ولماذا يهان الناس ويداس عليهم ويؤمرون بأداء شعائر عبادية لشخص؟ ثم لماذا يتهم الشعب السوري بأنه يريد أن يثير فتنة طائفية؟ إن الشعب السوري هو الذي قبل «الوالد» وزيراً للدفاع سنة 70 ثم رئيساً بعد انقلاب في السنة ذاتها، وقبلك من بعد الوالد مع أن الرئاسات في الجمهوريات لا تورث. ورضي الشعب بالغلب والغلب هو اللي مش راضي. وطوى الشعب صفحة سوداء حالكة صفحة الوالد، واستبشر بالوافد المثقف حامي المقاومة لكن يبدو أنه «ووالد وما ولد». هذا الشعب الذي سلك هذا المسلك لا يمكن نعته بالطائفية. ولكن أن يحمل أهل بانياس إلى «القوس» ليعذبهم أبناء «الطائفة» فهذه هي الطائفية. أن تلقى جثث القتلى في الأنهار هذه هي الطائفية.
أن يقتل الجند الذين يرفضون أوامر ضباطهم من طائفة معينة ثم تشيع جثامينهم في احتفالات مهيبة وينسب قتلهم إلى المندسين من الجن، لتحريض الناس على بعضها فهذه هي الطائفية. ومع كل ما جرى فإننا اليوم وغداً ضد الطائفية. ولا نقبل هذا الخطاب لا من عالم ولا داعية ولا شيخ ولا كاتب ولا سياسي ولا حزب ولا أحد.
وفي عرف الدول كلها في الحروب أن تفتح الحدود للهجرات إلا في الحالة السورية. يحاربون أهالي «تل كلخ» و «العرضة» ولا يقبلون نزوح الأطفال والنساء إلى لبنان. فأين المفر؟ أينتظرون الموت؟ ثم لماذا لا يسعف الجرحى؟ وكيف وفي ملة من يعتقلون؟ ثم لماذا الاحتجاج على القتلى الخمسة في الجولان على يد العدو المحتل ومئات القتلى من المحتجين في الداخل السوري؟ أليس هذا أحسن دفاع عن العدو الصهيوني؟ ثم ما معنى قول رامي مخلوف: إن أمن سوريا هو أمن «إسرائيل»؟ هل منطق القذافي يتجدد؟ ولماذا رامي مخلوف وبأي صفة في الدولة يتحدث؟ ثم لماذا المناصب كلها في يد عائلات بعينها؟ من الطائفي؟
ما هكذا تورد الإبل ولا تساس الشعوب ولا هكذا سلوك من يحتضنون المقاومة. أمر الحرية لا يتجزأ. وأمر المقاومة لا يتجزأ. المقاومون لا يسلكون مع شعوبهم هذا المسلك!
وأكبر إساءة لصورة المقاومة حزب الله وحماس والجهاد، أن يكون راعي المقاومة بهذا الوصف. إن حزب الله بصمته على الموقف في سوريا وصوته العالي بإزاء ثورة البحرين يفقده مصداقيته تماماً.. ولا نريد له هذا.
وختاماً، هذا ربيع الثورات، وكما تحيا الأرض بعد موتها في الربيع فإن الشعوب انبعثت وأحياها الله في ربيع الثورات. وكما انتصرت الثورة في تونس ومصر ستنتصر في البلدان التي علقت فيها الثورة. إن مقاوم رياح الأقدار عابث يلعب في الوقت الضائع. وإن مغالب الغلاب مغلوب. والويل لمن يمشي في التاريخ بالمقلوب.
إن الله يريد لمسرى محمد أن يتحرر، ولا تحرير للأقصى مع بقاء من ربطوا المصير بالمصير مع عدو الأمة.. فالنتيجة هي أن الله يريد ولا راد لما يريد.. أن تتحرر المنطقة العربية لتتحرر فلسطين الأبية.. ويتحرر مسرى خير البرية. هذه الإرادة الإلهية والمشيئة الربانية، والعزمة القدرية من يقف لها ومن يوقفها؟ «كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز»
خففوا عدد القتلى الذين ستسألون عنهم يوم القيامة. نصر الشعوب قادم. وخففوا حساب الشعوب لكم! وسلام على من يعقلون.. أنّ العالقين منتصرون!
وهو حراك غير متوقع لدى فريق، لكنه متوقع لدى المتبصر. فهو نتيجة لمراكمة القهر وازدياد الفساد، والتعطل السياسي، وشل المجتمع، وتوقف فعالية الدول، وتغول الأجهزة القمعية، واستئساد «إسرائيل» على المنطقة كلها، والاستسلام لهذا الواقع، في الوقت الذي يبدو فيه «الاستزلام» على الشعب الأعزل في أعلى درجاته. واصطبر الشعب حتى لات مصطبر.. ثم انفجر.. لا يبقي ولا يذر.
وشاء الحكيم سبحانه أن تكون فاتحة الثورات سلسة يسيرة، شبهتها بنصر بدر تم بأيسر التكاليف لتشجيع البقية على الثورة، ثم جاءت «أحد»، بعد أن بذر الأمل في النفوس بإمكانية التغيير. فلماذا التعسير بعد التيسير؟
ومعاذ الله أن يكون تعسيراً، ولكنه الاختبار والابتلاء.
وثانيا: إن الحرية غالية وجميل أن تؤخذ بالثمن الغالي «ومن يخطب الحسناء لم يغلها المهر» ولا أحسن من حسناء اسمها الحرية والكرامة تمهر بالدماء والمهج.
وثالثاً: حتى يظهر قبح هذا الواقع ولزوم تغييره. فما إن تكشف حتى تكشف عن وجه قبيح جداً عنيف جداً لا ذرة من رحمة فيه أو شفقة أو مراعاة أو من تقدير لشعب أو حرمة دماء أو غير ذلك، ولا انتماء عنده!
ورابعاً: ما جاء هيناً يذهب هيناً. وما جاء غالياً يحفظ عالياً ولا ينتزع إلا بانتزاع الأرواح. ولذا فإن الله شاء أن يشجع الناس في بدء المسير، ثم علمهم أن الأمور ليست هكذا دائماً تسير. من هنا جاء ما أسميته: «الثورات العالقة» في كل من اليمن وليبيا وسوريا.. والبحرين.
ومصطلح العالقة استعمل كثيراً متعلقاً بممارسات النظام غير المبارك.. في سلوكه خاصة مع أهل غزة عنوان المقاومة، فكثيراً ما كان يتردد هذا المصطلح: «العالقين» ليكون عنواناً للممنوعين من الدخول إلى غزة من أهلها وأبنائها. أو من المتضامنين مع غزة.. فيعلقون الليالي والشهور الطوال على الحدود المصطنعة!
من هنا استعرنا هذا المصطلح لعدم إنجاز أهداف الثورة في البلدان المذكورة في الوقت المتوقع المعتاد في الحالات المماثلة. ولكنها لن تظل عالقة، بإذن الله.
أما اليمن، فبعد أن أوشك «صالح» على الاستقالة، فإن المستفيدين من حوله والمتربحين والمتربعين على كراسي السلطة إلى جواره ومن خلفه، أبوا عليه هذه الخطة. وحركهم للإباء كذلك ما يرونه من محاكمات للفريق المبارك فريق مبارك.. فقالوا لأنفسهم: إذاً يصيبنا ما أصابهم، فلا تستسلموا. وقاتِلوا حتى الرمق الأخير. ولو فني ثلث الشعب اليمني، المهم أن نسلم نحن.. ولا نقدم لمحاكمات. فحاول صالح أن يحرض الناس على بعضها، وطفق يستعمل «الفزاعات» المشتركة في العالم العربي وبين الزعماء العرب في مواجهة الثورات العربية: القاعدة، الإمارة الإسلامية، الأحزاب الإسلامية، الجماعات الدينية.. أنا خير لكم منهم. استمسكوا بي وإلا فقدتموني وأتوا هم. وهذه الرسالة موجهة للغرب، أما رسالة الداخل فالتهديد بتفكك اليمن، وفي الحقيقة ما هدد وحدة اليمن كسلوك «صالح»! وتمييزه ضد الجنوبيين؛ ما جعل النفوس محتقنة وحانقة. حتى لقد قال بعضهم: قاتلنا من أجل الوحدة.. وربما نقاتل من أجل فضها وفكها! من سوء ما عوملوا! لكن الجنوب -كسائر العرب أعني الشعوب- وحدوي!
وحاول أن يهدد ويلوح بانقسام الجيش وهذا قد يقود إلى احتراب وأن الثوار من الجيش يخططون لانقلاب، والناس سئمت من الانقلابات، لقد استخدم كل ما في جعبة الحاوي وجرابه في مواجهة الثورة وأرسل الرسائل إلى الخارج والداخل، لكن الثورة تصنع الحقائق على الأرض، وصوتها أقوى وأعلى من صوت «صالح» ومن المبادرات التي تحاول أن تخفف من خسائر النظام لا حفاظاً عليه فقط ولكن حفاظاً على مومياء النظام العربي المحنط. وبات معلوماً للجميع أن «صالح» استنفد رصيد اليمن في شراء الذمم.
والثورة العالقة الثانية في ليبيا. وكنا نعلم أن القذافي عنيف ودموي وقتال بطال ولا يبالي بآخرة ولا يحسب أي حساب للحساب! ولكن لم يكن في خيال أكثر الأخيلة شطوطاً أن القذافي على هذه الدرجة من السوء والسوداوية والدموية والأنانية والتشبث والمادية. فقام ليحبط الثورة بكل ما أوتي وكل ما ادّخره وكل ما أخرج البلد من ثروته.. مستعد أن يبذل كل ذلك ولا ينزل عن هذا المقعد السحري أو المسحور!
لقد لوح هو الآخر بنفس الرايات التي لوح بها صالح: القاعدة، والجماعات الإسلامية، والأصولية، والخطر الذي يتهدد «إسرائيل» إن زال القذافي، وحراسة أوربا من يتولاها من بعده إذا تدفق المهاجرون الأفريكان؟ ولأول مرة نعلم أن القذافي مجرد «ناطور» ذرة! ألست رئيساً وزعيماً ورمزاً فما الذي حولك إلى حارس لـ»إسرائيل» ولمصالح الإمبريالية والرأسمالية التي زعمت أنك عشت عمرك (الله..) تقاومها؟!
واستغل القذافي بعض «طلعات» «الناتو» على ليبيا ليدعم صورة الثائر مقارع قوى الاستعمار والإمبريالية، وليلبس عباءة المناضل (المزركشة). لكن الثورة بفضل الله تسير قدماً ويضيق الخناق على القذاف الأفاق يوماً بعد يوم.. والحسم يلوح في الآفاق..
أما سوريا فقد تفوقت على الماضي والحاضر. تفوقت على تجربتها السابقة وماضيها. وتفوقت على باقي الأنظمة التي تقاوم الثورات والتي فيها ثورات عالقة، وهي في هذا سواء.
لقد استخدم في تبرير «غزو» البلد وبلدات البلد بالدبابات، استخدم منطق تبريري غير مستساغ ولا مقبول ولا يبرر بقدر ما يجرم صاحبه ويدينه.
لقد أظهرت الأيام تعبئة خاطئة بعقيدة قتالية فاسدة. ونظرية أمنية آثمة مفادها أن العدو والخطر إنما هو من الداخل.. وإلا كيف تفسر هذا العنف من رجال الأمن ورجال الجيش ضد شعبهم؟ إنها العقيدة القتالية الفاسدة للأجهزة. فالدبابات التي دفع ثمنها الشعب لتستعيد الجولان، ما تحركت من مرابضها منذ أربعين سنة إلا للعروض، ثم الآن التحرك المرفوض في قمع شعب أعزل ما فتئ يردد: «سلمية، سلمية».
بأي وجه تطوق الدبابات مدن القطر؟ أبدعوى المندسين الذين زعم أنهم بلغوا خمسة آلاف بسلاحهم؟ طيب. هاتوا جربوا دسوا أو سربوا «خمسة» فقط في الجولان. فلماذا «يندس» عندكم خمسة آلاف ولا يندس منكم خمسة مقاومين في الجولان المحتل؟ أين كانت الدولة نائمة وهؤلاء المندسون يندسون؟
وما شأن المندسين بقتل النساء والأطفال؟ وما شأن المندسين بمنع الحليب عن درعا؟ هل يتخذ الحليب عبوات لراجمات الآر بي جي؟ ولماذا يهان الناس ويداس عليهم ويؤمرون بأداء شعائر عبادية لشخص؟ ثم لماذا يتهم الشعب السوري بأنه يريد أن يثير فتنة طائفية؟ إن الشعب السوري هو الذي قبل «الوالد» وزيراً للدفاع سنة 70 ثم رئيساً بعد انقلاب في السنة ذاتها، وقبلك من بعد الوالد مع أن الرئاسات في الجمهوريات لا تورث. ورضي الشعب بالغلب والغلب هو اللي مش راضي. وطوى الشعب صفحة سوداء حالكة صفحة الوالد، واستبشر بالوافد المثقف حامي المقاومة لكن يبدو أنه «ووالد وما ولد». هذا الشعب الذي سلك هذا المسلك لا يمكن نعته بالطائفية. ولكن أن يحمل أهل بانياس إلى «القوس» ليعذبهم أبناء «الطائفة» فهذه هي الطائفية. أن تلقى جثث القتلى في الأنهار هذه هي الطائفية.
أن يقتل الجند الذين يرفضون أوامر ضباطهم من طائفة معينة ثم تشيع جثامينهم في احتفالات مهيبة وينسب قتلهم إلى المندسين من الجن، لتحريض الناس على بعضها فهذه هي الطائفية. ومع كل ما جرى فإننا اليوم وغداً ضد الطائفية. ولا نقبل هذا الخطاب لا من عالم ولا داعية ولا شيخ ولا كاتب ولا سياسي ولا حزب ولا أحد.
وفي عرف الدول كلها في الحروب أن تفتح الحدود للهجرات إلا في الحالة السورية. يحاربون أهالي «تل كلخ» و «العرضة» ولا يقبلون نزوح الأطفال والنساء إلى لبنان. فأين المفر؟ أينتظرون الموت؟ ثم لماذا لا يسعف الجرحى؟ وكيف وفي ملة من يعتقلون؟ ثم لماذا الاحتجاج على القتلى الخمسة في الجولان على يد العدو المحتل ومئات القتلى من المحتجين في الداخل السوري؟ أليس هذا أحسن دفاع عن العدو الصهيوني؟ ثم ما معنى قول رامي مخلوف: إن أمن سوريا هو أمن «إسرائيل»؟ هل منطق القذافي يتجدد؟ ولماذا رامي مخلوف وبأي صفة في الدولة يتحدث؟ ثم لماذا المناصب كلها في يد عائلات بعينها؟ من الطائفي؟
ما هكذا تورد الإبل ولا تساس الشعوب ولا هكذا سلوك من يحتضنون المقاومة. أمر الحرية لا يتجزأ. وأمر المقاومة لا يتجزأ. المقاومون لا يسلكون مع شعوبهم هذا المسلك!
وأكبر إساءة لصورة المقاومة حزب الله وحماس والجهاد، أن يكون راعي المقاومة بهذا الوصف. إن حزب الله بصمته على الموقف في سوريا وصوته العالي بإزاء ثورة البحرين يفقده مصداقيته تماماً.. ولا نريد له هذا.
وختاماً، هذا ربيع الثورات، وكما تحيا الأرض بعد موتها في الربيع فإن الشعوب انبعثت وأحياها الله في ربيع الثورات. وكما انتصرت الثورة في تونس ومصر ستنتصر في البلدان التي علقت فيها الثورة. إن مقاوم رياح الأقدار عابث يلعب في الوقت الضائع. وإن مغالب الغلاب مغلوب. والويل لمن يمشي في التاريخ بالمقلوب.
إن الله يريد لمسرى محمد أن يتحرر، ولا تحرير للأقصى مع بقاء من ربطوا المصير بالمصير مع عدو الأمة.. فالنتيجة هي أن الله يريد ولا راد لما يريد.. أن تتحرر المنطقة العربية لتتحرر فلسطين الأبية.. ويتحرر مسرى خير البرية. هذه الإرادة الإلهية والمشيئة الربانية، والعزمة القدرية من يقف لها ومن يوقفها؟ «كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز»
خففوا عدد القتلى الذين ستسألون عنهم يوم القيامة. نصر الشعوب قادم. وخففوا حساب الشعوب لكم! وسلام على من يعقلون.. أنّ العالقين منتصرون!