خفقان في القلب وتوتر وارتجاف وشعور بالقشعريرة أو بنوبات من التعرق البارد وانقباض في المعدة وأحياناً شعور بالدوار والغثيان والصداع وفقدان الشهية وصعوبة في الانتباه والتركيز وشعور بالفراغ وصعوبة في التذكر وحركات غير إرادية كفرقعة الأصابع وحك الرأس أو هز الرجلين أو الطرق بالقلم على الطاولة أو المقعد ….. وأعراض أخرى كثيرة
من منا لم يعرف هذا النوع من المشاعر ولو مرة في حياته ، سواء في المدرسة أم في اختبارات الدخول للجامعة أم اختبار الحصول على رخصة قيادة أو في أثناء مقابلة نعتبرها مهمة بالنسبة لنا شخصياً؟
إنه القلق ( أو الخوف ) الذي وصفه الشاعر الألماني شيللر بأنه " ذلك الكف العميق للشعور بالحياة " الذي يرافقنا منذ الطفولة الباكرة أو حتى منذ لحظة الولادة كما يرى بعض المحللين النفسيين إلى نهاية الحياة. وللقلق وظائف ومظاهر عدة و يقوم بإحداث مستوى محدد من التنشيط الذي يهدف إلى الحفاظ على الحياة والتغلب على مهماتها الصعبة كتجنب المخاطر أو النجاح في الامتحان ، غير أنه في أشكاله المرضية غالباً ما يجعل الإنسان المعني عاجزاً عن التصرف لأنه يشل الجهاز النفسي وذلك عندما يتم تقييم التهديد الفعلي أو المتخيل بشكل مبالغ فيه.
وتشغل دراسة القلق وطرق التخفيف من آثاره ( وليس القضاء عليه نهائياً ) ميادين العلوم النفسية كافة وعلم النفس الإكلينيكي بشكل خاص لماله من آثار وخيمة في أشكاله المتطرفة وخصوصاً على الأشخاص الذين يتعرضون أكثر من غيرهم في مجرى حياتهم لمواقف مثيرة للقلق وخصوصاً تلك المواقف التي ترتبط بالتغلب على مهمات معينة ويرتبط بنتائجها تغيير مجرى حياة الإنسان. والطلاب إحدى الفئات التي يكثر تعرضها للقلق ( أو الخوف ) أكثر من غيرها لأنه عليهم في مجرى حياتهم المرور بكم هائل من الامتحانات قلما تمر فيه فئة أخرى. هذا بالإضافة إلى القلق والإرهاق الذي يتعرضون له نتيجة طبيعة النظام التربوي بحد ذاته الذي يلقي أهمية كبيرة على الدرجات العالية والإنجاز المرتفع من أجل الالتحاق بالدراسة المرغوبة، ناهيك عن الضغوطات التي يمارسها الأهل على الطالب وتوقعاتهم وآمالهم غير المنطقية في كثير من الأحيان و التي يعقدونها على الحصول على نتائج عالية في الامتحانات والتي تعكس في كثير من الأحيان رغبات لاشعورية في أن يعوض الابن أو الابنة التوقعات الخائبة التي لم يستطع الأب أو الأم تحقيقها، وأحياناً مخاوف منطقية في عالم لا يرحم، أصبحت المنافسة فيه القانون المسيطر والحصول فيه على مهنة جيدة ، حتى وإن كانت إمكانات الإنسان عالية ، ضرب من ضروب الحظ والصدفة.
وقلق الامتحان في شكله الطبيعي شر لابد منه، وهو يحفز الطالب لمزيد من الدراسة ويحشد القوى النفسية والذهنية للتركيز على الخطر ( الامتحان ) من أجل التحضير له و مواجهته بفاعلية وتحقيق النتيجة المرغوبة أو الخروج بأقل قدر ممكن من الخسائر. ولكن ككل شيء في الطبيعة، إذا زاد عن حده انقلب إلى ضده فإن هذا الخوف أو القلق يمكن أن يتحول إلى كارثة إذا ما كان الطالب جاهلاً بكيفية عمل الخوف وبتقنيات مواجهته وإبقاءه ضمن نطاق السيطرة.
ووفق معطيات إحصائية فإن الخوف من الامتحانات قد ازدادت نسبته في السنوات الأخيرة بشكل كبير وطبعاً لا يمكننا للأسف إلاّ الاعتماد على نتائج دراسات أجنبية لغيابها بالمقابل في البلدان العربية. وهنا تشير إحصائيات مركز الإرشاد العلاجي النفسي في مانهايم بألمانيا مثلاً إلى أنه في سبعينيات القرن الماضي (العشرين) بلغت نسبة الطلاب الباحثين عن النصيحة 49,1 % بسبب قلق الإنجاز ، و 27,2 % بسبب القلق فيما يتعلق بمستقبلهم المهني ، و 18% بسبب الخوف أو القلق الشديد من الامتحان في حين أنه في عام 1996 بلغت نسبة الباحثين عن النصيحة أكثر من 73% بسبب قلق الإنجاز و 64% كانوا قلقين على مستقبلهم المهني و 54,5% راجعوا مركز الإرشاد بسبب مخاوف الامتحان.
وعلى الرغم من الانتشار الواسع و العواقب الشديدة التي يمكن أن تنجم عن الإهمال أو التأخر في معالجة المشكلة فإن الأمر يتعلق في قلق الامتحان و قلق الإنجاز بتضررات لم تحظ بكثير من الاهتمام في البلدان العربية كافة ، وبشكل خاص فيما يتعلق بكيفية مواجهة قلق الامتحان والتخفيف من حدته إلى أدنى ما يمكن على الرغم من المأساة المتكررة في كل سنة في مئات الآلاف من البيوت في أوقات الامتحانات والاستنفار الشامل لأفراد الأسرة والتوتر والطقوس التي يمارسها الأهل، وسيل الدروس الإضافية أو الخصوصية المرهقة والممنوعات الكثيرة التي يطبقونها على أبنائهم وأنفسهم وسيول التعليمات والتوجيهات المستمرة معتقدين أو آملين أن ما يقومون به من تصرفات سيقود إلى النتيجة المرغوبة، وغير عارفين أن ما يقومون به ليس من داع له على الإطلاق لأنهم بهذا يزيدون الطين بلة، ويجعلون القلق الطبيعي يتحول إلى قلق مرضي من خلال المبالغة في تصرفاتهم، وكابوس مرعب يجثم على صدر الأسرة والأبناء فيؤرقهم ويحرمهم متعة الهدوء والراحة، ويقلل من كفاءاتهم وإنجازاتهم بدلاً من أن يحسنها ويرفعها .
وقد قادت دراسات كثيرة أجريت على الطلاب الذين يخافون بشكل مبالغ فيه وطلاب لا يعانون من الخوف الشديد إلى وضع برامج متنوعة وبسيطة، منها ما يتوجه إلى الأهل ومنها ما يتوجه إلى الطلاب لتحسين فاعلية عملهم وتعديل التقييمات الفردية و القناعات الخاصة وبناء استراتيجيات عقلانية وتعديل الاستراتيجيات الفردية للسيطرة على الخطر ( الامتحان ) والتقليل من القلق. ومن هذه البرامج نعرض الخطوات التالية التي تساعد في فهم القلق من الامتحان وإمكانية التخفيف من آثاره. ويمكن وصف الخطوات بالشكل التالي:
التشخيص والإرشاد الفرديين
يشكل التشخيص المسهب الحجر الأساس الذي يهدف إلى خدمة الموقف المُشكل. بماذا أفكر، ما هي الأفكار التي تراودني وما هي طبيعتها ؟ تشاؤمية أم تفاؤلية؟ كيف أشعر وماذا أفعل قبل وفي أثناء الامتحان؟ وهل أشعر بأوجاع وآلام جسدية مرافقة لهذه المشاعر كالمغص أو الصداع أو الشعور بالدوار ..الخ.؟ بعد ذلك ينبغي تحديد العواقب أو النتائج التي قادت إليها مثل هذه الأفكار والمشاعر هل قادت أفكاري ومشاعري وآلامي إلى نتيجة ما وما هي هذه النتيجة؟.
ولفهم هذه المشاعر والأفكار والأعراض لابد من فحص تاريخ التعلم : كيف كان الوالدان يستجيبان عندما كان ابنهم يحصل على علامة سيئة في المدرسة ؟ بالتوبيخ والحرمان من المصروف وبالتهديد والوعيد؟ أم بطريقة أخرى كيف يقيم الوالدان الإنجاز؟ هل كانا يلقيان قيمة كبيرة في الحصول على العلامة التامة ويعاقبان ابنهم إذا ما حصل على علامة أدنى بقليل من العلامة التامة؟
يقوم الخوف من الامتحان لدى أغلب الطلاب على متطلبات الإنجاز العالية جداً للأهل. فالطالب يتحول إلى حامل كل آمال وتوقعات الأهل غير المحققة. وهذه المتطلبات غالباً ما تعمي الأهل عن التقدير الحقيقي لمستوى ولدهم ولرغباته الخاصة ويعتقدون أنه قادر على تحقيق ما عجزوا هم أنفسهم عن تحقيقه فيحملونه أكثر مما يستطيع بالفعل. ولا يقود هذا الأمر إلى تحسين إنجاز ولدهم وإنما إلى ازدياد خوفه وقلقه من الامتحان والفشل فيه، لأنه يعرف سلفاً بأنه لن يحقق النتيجة المطلوبة منه ولأنه يشعر أن حب والديه وتقبلهم له يرتبط بمقدار النتيجة التي يحققها لهم. وهذا الخوف من الفشل والإخفاق والشعور بالتهديد الناجم عن الضغط من الوالدين كاف وحده في شل القدرات والإمكانات الحقيقية المتبقية عند الطالب.
وهنا لابد من تنبيه الوالدين إلى ضرورة خفض مستوى طموحهم بما يتناسب مع إمكانات أبنائهم وأن يكونوا مرنين أكثر فيما يتعلق بمستوى الإنجاز. ولكن يصعب في كثير من الأحيان إقناع الوالدين بذلك لأسباب كثيرة.
كما ويتم في هذه المرحلة أيضاً فحص القناعات التي تسيطر على الطالب : هل يعتقد الطالب أن النجاح أو الرسوب في الامتحان يرتبطان بالحظ ؟ أو هل يعتقد أنه إذا ما حصل على مجموع ضئيل أو إذا ما رسب في الامتحان فلن يعود محبوباً من الآخرين ؟ أو هل يعتقد أن الجيران والأقارب سيشمتون؟
وهنا لابد من التدخل الفاعل إذا ما كان الأمر كذلك من خلال تلقين المعلومات حول القلق وأعراضه والنتائج التي يمكن أن يقود إليها والوظيفة التي يؤديها بغية إكساب الطلاب والأهل معلومات تساعدهم في فهم آلية القلق وفي إدراك أنهم بأسلوبهم وتصرفاتهم يسهمون في أن يفكر ويشعر ويتصرف ابنهم على هذا النحو الذي يشل قدراته ويعطل إمكاناته الحقيقية.
تنظيم الوقت
غالباً ما يتصف الطلاب الذين يعانون من صعوبات امتحانيه من خلال سلوك عمل غير فاعل ،فإما أنهم يدرسون على مدار الساعة أو يكونوا دارسين موسميين لا يدرسون إلا في موسم الامتحانات. وفي كلتا الحالتين يشعر الطالب بأن الوقت يسبقه وأنه لا يستطيع التحكم به. وفي هذه الحال فإنه من الضروري التمرن على التعامل الفاعل أو المنتج مع الوقت. إن خبرة أن الوقت لم يعد يتحكم بي بل أنا الذي أتحكم به وبالتالي فأنا أسيطر على الموقف تفيد في تهديم الخوف ويقوي مشاعر الثقة بالنفس والكفاءة الذاتية الأمر الذي ينعكس بدوره بشكل إيجابي على موقف الامتحان. إن العمل على مدار الساعة ينهك القوى ويستنفذ الاحتياطات ولا يتيح فرصة للتجديد والترميم، في حين أن الدراسة الموسمية، أي الدراسة في وقت الامتحان فقط، تقود إلى الشعور بأن الوقت قد ضاع وأن الطالب سيعوض أكبر قدر ممكن فيحاول تعويض ما فاته في وقت قصير ويخشى من عدم اللحاق فيتضاعف القلق ويتراجع الإنجاز ويغرق في دائرة مفرغة يصعب كسرها.
ووضع برنامج فردي يوازن بين الدراسة المنتظمة منذ البداية والراحة كفيل بتخطي الحلقة المفرغة. وليس المقصود بالراحة هنا عدم فعل أي شيء وحرمان النفس من التمتع بالأمور المحببة للطالب، وهو ما يطلق عليه الراحة السلبية بل المقصود هو التعزيز الإيجابي الفاعل من خلال استغلال أوقات الراحة للقيام بالنشاطات المرغوبة.
التعزيز الإيجابي
كثير من الدارسين يحرمون أنفسهم في فترة الامتحانات أو حتى قبلها بكثير من كل متعة من متع الحياة. فيحرمون أنفسهم من ممارسة أي نشاط يعتقدون أنه يؤثر على دراستهم : كيف يمكنني الذهاب في نزهة أو زيارة أو حضور حفلة ما وأنا لدي امتحان !. كيف أذهب إلى الحلاق في هذا الوقت العصيب ! لا يمكنني أن أسمح لنفسي بمشاهدة برنامجي المحبب في التلفزيون أو حتى أن أقرأ الجريدة …! وهم بالتالي يقوون أو يعززون المزاج الاكتئابي المتوتر الموجود أصلاً في هذه المرحلة. ومن هنا فإن أحد الأهداف المهمة للتدرب والتمرن للامتحان هو اكتشاف أهمية " الأشياء اليومية المشرقة أو المفرحة " وممارستها في أوقات الراحة. وتعد هذه الأشياء من المعززات الكبيرة التي تدفع للدراسة وتجدد الموارد الموجودة عند الطالب. وكل طالب يستطيع تحديد ما يفرحه ويدخل السرور إلى قلبه ومن ثم يستطيع تعزيز نفسه بنفسه الأمر الذي ينعكس إيجابيا على إنجازه وتحضيره للامتحان. وبالتالي أيضاً لا داع لأن يستنفر الآباء والأمهات ويضعون برنامجاً صارماً يحرمون فيه أنفسهم وأبنائهم من المساحات الحرة ويزيدون بالتالي من توترهم وتوتر أبنائهم لمجرد أن الامتحان قد اقترب.
برنامج الدراسة
تظهر الخبرات أن الطلاب الذين يعانون من درجة مرتفعة من الخوف من الامتحان يسهون عن بعض المواضيع ويحاولون في وقت قصير تغطية أكبر قسم ممكن بدون أن يكون ذلك مبني وفق معايير منظمة تخدم الامتحان ، أي وفق ما هو شديد الأهمية و ما هو مهم وما هو أقل أهمية.
ولهذا فإن تنظيم برنامج الدراسة الذي يحتوي على أوقات مخصصة للحفظ والتعلم وأوقات مخصصة للإعادة والاسترجاع يعتبر حجر الزاوية في التحضير للامتحان . أي بناء استراتيجية فاعلة لتجنب التعلم الأعمى ولجعل المادة المتعلمة تتراكم بالتدريج لتصل في النهاية إلى قمتها، بدلاً من الحفظ الكبير للمادة دفعة واحدة وعدم تخصيص أوقات للمراجعة والاستذكار.
تقنيات التعلم
إن غياب تقنيات التعلم تضر التغلب الناجح على الدراسة بصورة جوهرية. ومن هنا لا بد من وضع استراتيجيات تعلم خاصة بكل مادة والتمرن عليها. ويتم تحديد هذه التقنيات بصورة فردية وحسب طبيعة المادة. ففي أوقات الدراسة مثلاً ظهر أنه من المفيد تصميم جو غرفة الدراسة بما يشبه جو قاعة الامتحان، فهذا يسهل الاسترجاع والتذكر في أثناء الامتحان. وينبغي كذلك ألاّ تحتوي غرفة الدراسة على أشياء ملهية تصرف الانتباه كالصور الكثيرة وألا تكون الدراسة بقرب النافذة حيث تتيح فرصة أكبر للشرود. ومن الأفضل أن يدرس الطالب ووجهه للحائط وخصوصاً في المواد الحفظية التي تتطلب التركيز العالي. والفرضية الكامنة خلف هذا هي أن التعلم بطريقة الاقتران أو الترابط يسهل الاسترجاع، أي أن الأشياء التي تم تعلمها في ظرف ما يسهل استرجاعها تحت ظرف مشابه. وهذه الخبرة مألوفة كثيراً في حياتنا اليومية فنحن مثلاً نتذكر صديقاً ما بمجرد أن نمر في شارع كنا قد مررنا به معاً في يوم من الأيام.
الاسترخاء
ولأن كثير من الطلاب قبل الامتحان يكونون في حالة من التوتر المرتفع فإن الاسترخاء وتقنياته مهمة جداً في هذه المرحلة. وهنا نؤكد على أن الاسترخاء لا يعني فقط الراحة وعدم فعل أي شيء وإنما الاسترخاء الفاعل الذي يعيد تجديد الطاقة وشحنها. ومن طرق الاسترخاء الكثيرة طرق التأمل واليوغا والاسترخاء الذاتي والاسترخاء العضلي. وهي تقنيات يسهل تعلمها وتحتاج إلى تدريب متخصص.
إعادة البناء المعرفي
يتصف الطلاب الخوافون بالشك بقدراتهم وبالتالي فهم يتوقعون الخيبة والفشل ويقللون من قيمة أنفسهم : لابد وأن أرسب ، إني راسب لا محالة، لن أفهم ولا أي سؤال ، لن أحقق العلامة المطلوبة ، مهما درست وركزت فلن أنجح ، ستكون الأسئلة صعبة لا محالة….الخ.. إن الخوف من الفشل لا يقود إلاّ إلى الفشل وتوقع الشر يقود إلى حدوثه . أما من يتفاءل بالخير فسيجده. ومن هنا فإن الهدف هو التغلب على المقولات المشوهة للواقع بوساطة استراتيجيات معرفية ( ذهنية ) ملائمة، أي بناء تفاؤلية وظيفية تهدف إلى رفع الثقة بالقدرات الذاتية واستبدال المقولات والأفكار السلبية بأخرى إيجابية على نحو سأكون هادئاً في الامتحان أو حتى لو كانت الأسئلة صعبة فإني سأحقق درجة مرتفعة في الامتحان أو لقد درست بصورة جيدة ومناسبة وهذه الدراسة ستمكنني من النجاح أو إني واثق من قدرتي وإمكاناتي في حل المسائل التي ستطرح علي.
كما وجد الباحثون في هذا المجال أن الطلاب الشديدي القلق غالباً ما يحولون تركيزهم أثناء الامتحان عن المهمة الحقيقية ويشغلون أنفسهم بنتيجة سيئة محتملة، وما ينتج عن ذلك من عواقب مزعجة والشعور بالقصور الذاتي. وهذا لا يقود إلى ارتفاع القلق فحسب وإنما إلى إضعاف قدرة الإنجاز الذهنية. وانطلاقاً من هذه الملاحظات يبدو أنه من المعقول القيام بتدريب الطلاب شديدي القلق بتوجيه التركيز على المعلومات المهمة المتعلقة بالمادة أو بالأسئلة المطروحة. والمهم هنا هو تعلم التركيز على السؤال وكيفية حل السؤال ضمن الوقت المخصص وعدم الانشغال بالرسوب وصعوبة السؤال وبالنتيجة المحتملة إذا ما رسب الطالب.
استراتيجية الامتحان
تتضمن استراتيجية التخطيط للامتحان تخطيط موقف الامتحان بكل تفاصيله. وعادة ما يبدأ التخطيط لموقف الامتحان قبل فترة من الامتحان ويتصاعد الأمر إلى ما قبل الامتحان بيوم. فمثلاً يطرح الطلاب الأسئلة التالية : هل يساعدني الأمر لو تحدثت مع زملائي أم أن الأمر يزيد من توتري؟، هل علي أن أدرس في اليوم السابق للامتحان أم من الأفضل أن أتوقف عن الدراسة في وقت مبكر ؟ كيف يمكنني الاسترخاء بصورة جيدة ؟ كيف ستكون الأسئلة؟ وأسئلة أخرى كثيرة. وهنا توجد فروق فردية كثيرة فبعض الطلاب يرتاحون عندما يتبادلون الخبرات مع زملائهم حول الأمور المتعلقة بالدراسة وبعضهم الآخر يزداد توتراً. كما وأن التجارب قد أظهرت هنا أن من يبدأ التحضير في وقت مبكر للامتحان وفق برنامج متسلسل يكون توتره وقلقه أخف بكثير قبل الامتحان بيوم من الطالب الذي لم يبدأ بالدراسة إلا في وقت متأخر. وبالتالي فإن من يكون قد بدأ الدراسة قبل الامتحان بوقت طويل أي منذ البداية سيصل أكثر اطمئناناً وهدوءاً إلى وقت الامتحان بحيث لا يسبب له الشعور باقتراب الامتحان أي إرباك وتوتر بسبب ما لم ينجزه بعد.
من منا لم يعرف هذا النوع من المشاعر ولو مرة في حياته ، سواء في المدرسة أم في اختبارات الدخول للجامعة أم اختبار الحصول على رخصة قيادة أو في أثناء مقابلة نعتبرها مهمة بالنسبة لنا شخصياً؟
إنه القلق ( أو الخوف ) الذي وصفه الشاعر الألماني شيللر بأنه " ذلك الكف العميق للشعور بالحياة " الذي يرافقنا منذ الطفولة الباكرة أو حتى منذ لحظة الولادة كما يرى بعض المحللين النفسيين إلى نهاية الحياة. وللقلق وظائف ومظاهر عدة و يقوم بإحداث مستوى محدد من التنشيط الذي يهدف إلى الحفاظ على الحياة والتغلب على مهماتها الصعبة كتجنب المخاطر أو النجاح في الامتحان ، غير أنه في أشكاله المرضية غالباً ما يجعل الإنسان المعني عاجزاً عن التصرف لأنه يشل الجهاز النفسي وذلك عندما يتم تقييم التهديد الفعلي أو المتخيل بشكل مبالغ فيه.
وتشغل دراسة القلق وطرق التخفيف من آثاره ( وليس القضاء عليه نهائياً ) ميادين العلوم النفسية كافة وعلم النفس الإكلينيكي بشكل خاص لماله من آثار وخيمة في أشكاله المتطرفة وخصوصاً على الأشخاص الذين يتعرضون أكثر من غيرهم في مجرى حياتهم لمواقف مثيرة للقلق وخصوصاً تلك المواقف التي ترتبط بالتغلب على مهمات معينة ويرتبط بنتائجها تغيير مجرى حياة الإنسان. والطلاب إحدى الفئات التي يكثر تعرضها للقلق ( أو الخوف ) أكثر من غيرها لأنه عليهم في مجرى حياتهم المرور بكم هائل من الامتحانات قلما تمر فيه فئة أخرى. هذا بالإضافة إلى القلق والإرهاق الذي يتعرضون له نتيجة طبيعة النظام التربوي بحد ذاته الذي يلقي أهمية كبيرة على الدرجات العالية والإنجاز المرتفع من أجل الالتحاق بالدراسة المرغوبة، ناهيك عن الضغوطات التي يمارسها الأهل على الطالب وتوقعاتهم وآمالهم غير المنطقية في كثير من الأحيان و التي يعقدونها على الحصول على نتائج عالية في الامتحانات والتي تعكس في كثير من الأحيان رغبات لاشعورية في أن يعوض الابن أو الابنة التوقعات الخائبة التي لم يستطع الأب أو الأم تحقيقها، وأحياناً مخاوف منطقية في عالم لا يرحم، أصبحت المنافسة فيه القانون المسيطر والحصول فيه على مهنة جيدة ، حتى وإن كانت إمكانات الإنسان عالية ، ضرب من ضروب الحظ والصدفة.
وقلق الامتحان في شكله الطبيعي شر لابد منه، وهو يحفز الطالب لمزيد من الدراسة ويحشد القوى النفسية والذهنية للتركيز على الخطر ( الامتحان ) من أجل التحضير له و مواجهته بفاعلية وتحقيق النتيجة المرغوبة أو الخروج بأقل قدر ممكن من الخسائر. ولكن ككل شيء في الطبيعة، إذا زاد عن حده انقلب إلى ضده فإن هذا الخوف أو القلق يمكن أن يتحول إلى كارثة إذا ما كان الطالب جاهلاً بكيفية عمل الخوف وبتقنيات مواجهته وإبقاءه ضمن نطاق السيطرة.
ووفق معطيات إحصائية فإن الخوف من الامتحانات قد ازدادت نسبته في السنوات الأخيرة بشكل كبير وطبعاً لا يمكننا للأسف إلاّ الاعتماد على نتائج دراسات أجنبية لغيابها بالمقابل في البلدان العربية. وهنا تشير إحصائيات مركز الإرشاد العلاجي النفسي في مانهايم بألمانيا مثلاً إلى أنه في سبعينيات القرن الماضي (العشرين) بلغت نسبة الطلاب الباحثين عن النصيحة 49,1 % بسبب قلق الإنجاز ، و 27,2 % بسبب القلق فيما يتعلق بمستقبلهم المهني ، و 18% بسبب الخوف أو القلق الشديد من الامتحان في حين أنه في عام 1996 بلغت نسبة الباحثين عن النصيحة أكثر من 73% بسبب قلق الإنجاز و 64% كانوا قلقين على مستقبلهم المهني و 54,5% راجعوا مركز الإرشاد بسبب مخاوف الامتحان.
وعلى الرغم من الانتشار الواسع و العواقب الشديدة التي يمكن أن تنجم عن الإهمال أو التأخر في معالجة المشكلة فإن الأمر يتعلق في قلق الامتحان و قلق الإنجاز بتضررات لم تحظ بكثير من الاهتمام في البلدان العربية كافة ، وبشكل خاص فيما يتعلق بكيفية مواجهة قلق الامتحان والتخفيف من حدته إلى أدنى ما يمكن على الرغم من المأساة المتكررة في كل سنة في مئات الآلاف من البيوت في أوقات الامتحانات والاستنفار الشامل لأفراد الأسرة والتوتر والطقوس التي يمارسها الأهل، وسيل الدروس الإضافية أو الخصوصية المرهقة والممنوعات الكثيرة التي يطبقونها على أبنائهم وأنفسهم وسيول التعليمات والتوجيهات المستمرة معتقدين أو آملين أن ما يقومون به من تصرفات سيقود إلى النتيجة المرغوبة، وغير عارفين أن ما يقومون به ليس من داع له على الإطلاق لأنهم بهذا يزيدون الطين بلة، ويجعلون القلق الطبيعي يتحول إلى قلق مرضي من خلال المبالغة في تصرفاتهم، وكابوس مرعب يجثم على صدر الأسرة والأبناء فيؤرقهم ويحرمهم متعة الهدوء والراحة، ويقلل من كفاءاتهم وإنجازاتهم بدلاً من أن يحسنها ويرفعها .
وقد قادت دراسات كثيرة أجريت على الطلاب الذين يخافون بشكل مبالغ فيه وطلاب لا يعانون من الخوف الشديد إلى وضع برامج متنوعة وبسيطة، منها ما يتوجه إلى الأهل ومنها ما يتوجه إلى الطلاب لتحسين فاعلية عملهم وتعديل التقييمات الفردية و القناعات الخاصة وبناء استراتيجيات عقلانية وتعديل الاستراتيجيات الفردية للسيطرة على الخطر ( الامتحان ) والتقليل من القلق. ومن هذه البرامج نعرض الخطوات التالية التي تساعد في فهم القلق من الامتحان وإمكانية التخفيف من آثاره. ويمكن وصف الخطوات بالشكل التالي:
التشخيص والإرشاد الفرديين
يشكل التشخيص المسهب الحجر الأساس الذي يهدف إلى خدمة الموقف المُشكل. بماذا أفكر، ما هي الأفكار التي تراودني وما هي طبيعتها ؟ تشاؤمية أم تفاؤلية؟ كيف أشعر وماذا أفعل قبل وفي أثناء الامتحان؟ وهل أشعر بأوجاع وآلام جسدية مرافقة لهذه المشاعر كالمغص أو الصداع أو الشعور بالدوار ..الخ.؟ بعد ذلك ينبغي تحديد العواقب أو النتائج التي قادت إليها مثل هذه الأفكار والمشاعر هل قادت أفكاري ومشاعري وآلامي إلى نتيجة ما وما هي هذه النتيجة؟.
ولفهم هذه المشاعر والأفكار والأعراض لابد من فحص تاريخ التعلم : كيف كان الوالدان يستجيبان عندما كان ابنهم يحصل على علامة سيئة في المدرسة ؟ بالتوبيخ والحرمان من المصروف وبالتهديد والوعيد؟ أم بطريقة أخرى كيف يقيم الوالدان الإنجاز؟ هل كانا يلقيان قيمة كبيرة في الحصول على العلامة التامة ويعاقبان ابنهم إذا ما حصل على علامة أدنى بقليل من العلامة التامة؟
يقوم الخوف من الامتحان لدى أغلب الطلاب على متطلبات الإنجاز العالية جداً للأهل. فالطالب يتحول إلى حامل كل آمال وتوقعات الأهل غير المحققة. وهذه المتطلبات غالباً ما تعمي الأهل عن التقدير الحقيقي لمستوى ولدهم ولرغباته الخاصة ويعتقدون أنه قادر على تحقيق ما عجزوا هم أنفسهم عن تحقيقه فيحملونه أكثر مما يستطيع بالفعل. ولا يقود هذا الأمر إلى تحسين إنجاز ولدهم وإنما إلى ازدياد خوفه وقلقه من الامتحان والفشل فيه، لأنه يعرف سلفاً بأنه لن يحقق النتيجة المطلوبة منه ولأنه يشعر أن حب والديه وتقبلهم له يرتبط بمقدار النتيجة التي يحققها لهم. وهذا الخوف من الفشل والإخفاق والشعور بالتهديد الناجم عن الضغط من الوالدين كاف وحده في شل القدرات والإمكانات الحقيقية المتبقية عند الطالب.
وهنا لابد من تنبيه الوالدين إلى ضرورة خفض مستوى طموحهم بما يتناسب مع إمكانات أبنائهم وأن يكونوا مرنين أكثر فيما يتعلق بمستوى الإنجاز. ولكن يصعب في كثير من الأحيان إقناع الوالدين بذلك لأسباب كثيرة.
كما ويتم في هذه المرحلة أيضاً فحص القناعات التي تسيطر على الطالب : هل يعتقد الطالب أن النجاح أو الرسوب في الامتحان يرتبطان بالحظ ؟ أو هل يعتقد أنه إذا ما حصل على مجموع ضئيل أو إذا ما رسب في الامتحان فلن يعود محبوباً من الآخرين ؟ أو هل يعتقد أن الجيران والأقارب سيشمتون؟
وهنا لابد من التدخل الفاعل إذا ما كان الأمر كذلك من خلال تلقين المعلومات حول القلق وأعراضه والنتائج التي يمكن أن يقود إليها والوظيفة التي يؤديها بغية إكساب الطلاب والأهل معلومات تساعدهم في فهم آلية القلق وفي إدراك أنهم بأسلوبهم وتصرفاتهم يسهمون في أن يفكر ويشعر ويتصرف ابنهم على هذا النحو الذي يشل قدراته ويعطل إمكاناته الحقيقية.
تنظيم الوقت
غالباً ما يتصف الطلاب الذين يعانون من صعوبات امتحانيه من خلال سلوك عمل غير فاعل ،فإما أنهم يدرسون على مدار الساعة أو يكونوا دارسين موسميين لا يدرسون إلا في موسم الامتحانات. وفي كلتا الحالتين يشعر الطالب بأن الوقت يسبقه وأنه لا يستطيع التحكم به. وفي هذه الحال فإنه من الضروري التمرن على التعامل الفاعل أو المنتج مع الوقت. إن خبرة أن الوقت لم يعد يتحكم بي بل أنا الذي أتحكم به وبالتالي فأنا أسيطر على الموقف تفيد في تهديم الخوف ويقوي مشاعر الثقة بالنفس والكفاءة الذاتية الأمر الذي ينعكس بدوره بشكل إيجابي على موقف الامتحان. إن العمل على مدار الساعة ينهك القوى ويستنفذ الاحتياطات ولا يتيح فرصة للتجديد والترميم، في حين أن الدراسة الموسمية، أي الدراسة في وقت الامتحان فقط، تقود إلى الشعور بأن الوقت قد ضاع وأن الطالب سيعوض أكبر قدر ممكن فيحاول تعويض ما فاته في وقت قصير ويخشى من عدم اللحاق فيتضاعف القلق ويتراجع الإنجاز ويغرق في دائرة مفرغة يصعب كسرها.
ووضع برنامج فردي يوازن بين الدراسة المنتظمة منذ البداية والراحة كفيل بتخطي الحلقة المفرغة. وليس المقصود بالراحة هنا عدم فعل أي شيء وحرمان النفس من التمتع بالأمور المحببة للطالب، وهو ما يطلق عليه الراحة السلبية بل المقصود هو التعزيز الإيجابي الفاعل من خلال استغلال أوقات الراحة للقيام بالنشاطات المرغوبة.
التعزيز الإيجابي
كثير من الدارسين يحرمون أنفسهم في فترة الامتحانات أو حتى قبلها بكثير من كل متعة من متع الحياة. فيحرمون أنفسهم من ممارسة أي نشاط يعتقدون أنه يؤثر على دراستهم : كيف يمكنني الذهاب في نزهة أو زيارة أو حضور حفلة ما وأنا لدي امتحان !. كيف أذهب إلى الحلاق في هذا الوقت العصيب ! لا يمكنني أن أسمح لنفسي بمشاهدة برنامجي المحبب في التلفزيون أو حتى أن أقرأ الجريدة …! وهم بالتالي يقوون أو يعززون المزاج الاكتئابي المتوتر الموجود أصلاً في هذه المرحلة. ومن هنا فإن أحد الأهداف المهمة للتدرب والتمرن للامتحان هو اكتشاف أهمية " الأشياء اليومية المشرقة أو المفرحة " وممارستها في أوقات الراحة. وتعد هذه الأشياء من المعززات الكبيرة التي تدفع للدراسة وتجدد الموارد الموجودة عند الطالب. وكل طالب يستطيع تحديد ما يفرحه ويدخل السرور إلى قلبه ومن ثم يستطيع تعزيز نفسه بنفسه الأمر الذي ينعكس إيجابيا على إنجازه وتحضيره للامتحان. وبالتالي أيضاً لا داع لأن يستنفر الآباء والأمهات ويضعون برنامجاً صارماً يحرمون فيه أنفسهم وأبنائهم من المساحات الحرة ويزيدون بالتالي من توترهم وتوتر أبنائهم لمجرد أن الامتحان قد اقترب.
برنامج الدراسة
تظهر الخبرات أن الطلاب الذين يعانون من درجة مرتفعة من الخوف من الامتحان يسهون عن بعض المواضيع ويحاولون في وقت قصير تغطية أكبر قسم ممكن بدون أن يكون ذلك مبني وفق معايير منظمة تخدم الامتحان ، أي وفق ما هو شديد الأهمية و ما هو مهم وما هو أقل أهمية.
ولهذا فإن تنظيم برنامج الدراسة الذي يحتوي على أوقات مخصصة للحفظ والتعلم وأوقات مخصصة للإعادة والاسترجاع يعتبر حجر الزاوية في التحضير للامتحان . أي بناء استراتيجية فاعلة لتجنب التعلم الأعمى ولجعل المادة المتعلمة تتراكم بالتدريج لتصل في النهاية إلى قمتها، بدلاً من الحفظ الكبير للمادة دفعة واحدة وعدم تخصيص أوقات للمراجعة والاستذكار.
تقنيات التعلم
إن غياب تقنيات التعلم تضر التغلب الناجح على الدراسة بصورة جوهرية. ومن هنا لا بد من وضع استراتيجيات تعلم خاصة بكل مادة والتمرن عليها. ويتم تحديد هذه التقنيات بصورة فردية وحسب طبيعة المادة. ففي أوقات الدراسة مثلاً ظهر أنه من المفيد تصميم جو غرفة الدراسة بما يشبه جو قاعة الامتحان، فهذا يسهل الاسترجاع والتذكر في أثناء الامتحان. وينبغي كذلك ألاّ تحتوي غرفة الدراسة على أشياء ملهية تصرف الانتباه كالصور الكثيرة وألا تكون الدراسة بقرب النافذة حيث تتيح فرصة أكبر للشرود. ومن الأفضل أن يدرس الطالب ووجهه للحائط وخصوصاً في المواد الحفظية التي تتطلب التركيز العالي. والفرضية الكامنة خلف هذا هي أن التعلم بطريقة الاقتران أو الترابط يسهل الاسترجاع، أي أن الأشياء التي تم تعلمها في ظرف ما يسهل استرجاعها تحت ظرف مشابه. وهذه الخبرة مألوفة كثيراً في حياتنا اليومية فنحن مثلاً نتذكر صديقاً ما بمجرد أن نمر في شارع كنا قد مررنا به معاً في يوم من الأيام.
الاسترخاء
ولأن كثير من الطلاب قبل الامتحان يكونون في حالة من التوتر المرتفع فإن الاسترخاء وتقنياته مهمة جداً في هذه المرحلة. وهنا نؤكد على أن الاسترخاء لا يعني فقط الراحة وعدم فعل أي شيء وإنما الاسترخاء الفاعل الذي يعيد تجديد الطاقة وشحنها. ومن طرق الاسترخاء الكثيرة طرق التأمل واليوغا والاسترخاء الذاتي والاسترخاء العضلي. وهي تقنيات يسهل تعلمها وتحتاج إلى تدريب متخصص.
إعادة البناء المعرفي
يتصف الطلاب الخوافون بالشك بقدراتهم وبالتالي فهم يتوقعون الخيبة والفشل ويقللون من قيمة أنفسهم : لابد وأن أرسب ، إني راسب لا محالة، لن أفهم ولا أي سؤال ، لن أحقق العلامة المطلوبة ، مهما درست وركزت فلن أنجح ، ستكون الأسئلة صعبة لا محالة….الخ.. إن الخوف من الفشل لا يقود إلاّ إلى الفشل وتوقع الشر يقود إلى حدوثه . أما من يتفاءل بالخير فسيجده. ومن هنا فإن الهدف هو التغلب على المقولات المشوهة للواقع بوساطة استراتيجيات معرفية ( ذهنية ) ملائمة، أي بناء تفاؤلية وظيفية تهدف إلى رفع الثقة بالقدرات الذاتية واستبدال المقولات والأفكار السلبية بأخرى إيجابية على نحو سأكون هادئاً في الامتحان أو حتى لو كانت الأسئلة صعبة فإني سأحقق درجة مرتفعة في الامتحان أو لقد درست بصورة جيدة ومناسبة وهذه الدراسة ستمكنني من النجاح أو إني واثق من قدرتي وإمكاناتي في حل المسائل التي ستطرح علي.
كما وجد الباحثون في هذا المجال أن الطلاب الشديدي القلق غالباً ما يحولون تركيزهم أثناء الامتحان عن المهمة الحقيقية ويشغلون أنفسهم بنتيجة سيئة محتملة، وما ينتج عن ذلك من عواقب مزعجة والشعور بالقصور الذاتي. وهذا لا يقود إلى ارتفاع القلق فحسب وإنما إلى إضعاف قدرة الإنجاز الذهنية. وانطلاقاً من هذه الملاحظات يبدو أنه من المعقول القيام بتدريب الطلاب شديدي القلق بتوجيه التركيز على المعلومات المهمة المتعلقة بالمادة أو بالأسئلة المطروحة. والمهم هنا هو تعلم التركيز على السؤال وكيفية حل السؤال ضمن الوقت المخصص وعدم الانشغال بالرسوب وصعوبة السؤال وبالنتيجة المحتملة إذا ما رسب الطالب.
استراتيجية الامتحان
تتضمن استراتيجية التخطيط للامتحان تخطيط موقف الامتحان بكل تفاصيله. وعادة ما يبدأ التخطيط لموقف الامتحان قبل فترة من الامتحان ويتصاعد الأمر إلى ما قبل الامتحان بيوم. فمثلاً يطرح الطلاب الأسئلة التالية : هل يساعدني الأمر لو تحدثت مع زملائي أم أن الأمر يزيد من توتري؟، هل علي أن أدرس في اليوم السابق للامتحان أم من الأفضل أن أتوقف عن الدراسة في وقت مبكر ؟ كيف يمكنني الاسترخاء بصورة جيدة ؟ كيف ستكون الأسئلة؟ وأسئلة أخرى كثيرة. وهنا توجد فروق فردية كثيرة فبعض الطلاب يرتاحون عندما يتبادلون الخبرات مع زملائهم حول الأمور المتعلقة بالدراسة وبعضهم الآخر يزداد توتراً. كما وأن التجارب قد أظهرت هنا أن من يبدأ التحضير في وقت مبكر للامتحان وفق برنامج متسلسل يكون توتره وقلقه أخف بكثير قبل الامتحان بيوم من الطالب الذي لم يبدأ بالدراسة إلا في وقت متأخر. وبالتالي فإن من يكون قد بدأ الدراسة قبل الامتحان بوقت طويل أي منذ البداية سيصل أكثر اطمئناناً وهدوءاً إلى وقت الامتحان بحيث لا يسبب له الشعور باقتراب الامتحان أي إرباك وتوتر بسبب ما لم ينجزه بعد.