نخيل العراق يعانق ثوار الجزائر إعداد : د. عبدالله الحافظ الناطق الرسمي للجبهة الاسلامية للمقاومة العراقية (جامع)
إن الثورة الجزائرية التي انطلقت شرارتها في عام 1954م واستمرت حتى نالت الاستقلال عام 1962م ، كانت ترى بعيون العالم العربي والإسلامي على أنها ثورة شعبية ذات طابع عسكري . دعت إلى التحرر والاستقلال الوطني . وقد نالت تلك الثورة اهتمام الرأي العام العراقي ولا سيما علماء الدين , الذين كانوا يرون فيها تجسيدا للروح الإسلامية المتحررة , وانقلابا على الروح الاستسلامية التي عمت أقطار العالم الإسلامي ، ولم يجد ثوار الجزائر دعما فعليا وحقيقيا وكبيرا كما جاء من شعب العراق وقواه الوطنية وحتى حكوماته الملكية منها والجمهورية .
العهد الملكي : شهدت هذه المرحلة تفاعلا كبيرا داخل العراق لمساندة الثورة الجزائرية ، فكان العراق البلد الأول في العالم الذي اعترف بالحكومة الجزائرية المؤقتة،وطالبت الكتلة الأسيوية الأفريقية، ومن بينها العراق في أكتوبر من عام 1955 الأمم المتحدة مناقشة القضية الجزائرية ، حيث كانت فرنسا ترفض مناقشة الملف الجزائري في الأمم المتحدة على أنها قضية فرنسية داخلية، وتم قبول الطلب بأغلبية صوت واحد ، أي 28 صوت مع و 27 صوتا ضد. فكان قبول مناقشة القضية الجزائرية في الأمم المتحدة أول هزيمة دبلوماسية وسياسية لحكومة فرنسا ، مما اضطر وزير الخارجية الفرنسية أن ينسحب من تلك الجلسة ويمتنع من المشاركة في مناقشة المسائل الأخرى. وكان العراق في مقدمة الدول العربية التي رحبت بالبعثات الجزائرية التي أرسلتها جمعية علماء المسلمين بزعامة الشيخ الإبراهيمي في المدارس والمعاهد والجامعات العراقية. وعمدت الحكومة العراقية إلى تخصص مبلغا ماليا قدره 250الف دينار عراقي ما يعادل 250 مليون فرنك من الميزانية العراقية لدعم الثورة الجزائرية ، وكان للإعلام العراقي نصيب في إسناد الثورة الجزائرية عندما خصص برنامجا خاص للثورة الجزائرية كانت تبثه الإذاعة العراقية ، وفي عام 1956م قطع العراق العلاقات الدبلوماسية والسياسية مع فرنسا .
وقد احتلت القضية الجزائرية وثورتها صلب اهتمام النضال الوطني العراقي بتزامن مع تصاعد كفاح الثوار الجزائريين وتردد صدى نجاحاتهم على الساحة الميدانية ، فأخذت القوى والأحزاب والمنظمات والهيئات والشخصيات العراقية بتشكيل لجان المساندة مع الثورة الجزائرية ومتابعة الأحداث اليومية التي تصل أخبارها من الجزائر يوميا وبتعدد وتنوع الفعاليات السياسية في جميع مدن العراق من أقصاه إلى أقصاه، والتي لم تتوقف على مدى سنوات الثورة الجزائرية، وقد شهد يوم 22/11/1956م حركة الاحتجاج الواسعة والمظاهرات الشعبية العارمة التي شهدتها بغداد وكافة المدن العراقية،للضغط على الحكومة العراقية والحكومات العربية من اجل العمل على ضمان سلامة وحياة الثوار الجزائريين المختطفين،اثر اختطاف السلطات الفرنسية المحتلة للطائرة التي كانت تحمل قادة الثورة الجزائرية الأربعة ، فأعلن في تلك المظاهرات حملة واسعة لمقاطعة فرنسا اقتصاديا ، وطالبوا الحكومة العراقية بقطع العلاقات الدبلوماسية مع فرنسا، و عرض القضية الجزائرية على هيئة الأمم المتحدة في مطلع عام 1957م، وطالب عدد من النواب بتحسين مساعدتها للثورة الجزائرية ، وعلى إثرها صرح وزير المالية العراقي "أن حكومته تؤيد إحداث صندوق مشترك بين الدول العربية لمساعدة الشعب الجزائري على التغلب على الاستعمار الفرنسي".
اشتد الضغط الشعبي في الشارع العراقي،عندما أخذت الحكومة العراقية تتماهل في تنفيذ المطالب الشعبية بالمزيد من الدعم للثوار الجزائريين ، فوحدت القوى العراقية نفسها تحت مظلة " جبهة الاتحاد الوطني " على رفض كل حجج الحكومة العراقية لتبرير عدم زيادة دعمها للثورة الجزائرية ، غير أن الضغط الشعبي والشارع العراقي أجبرت رئيس الحكومة، نوري السعيد، وعدد من أعضاء حكومته على الإعلان الصريح بدعم الثورة الجزائرية بكل الإمكانيات، بما فيها السلاح. وفعلا أرسلت الشحنات من الأسلحة للثوار الجزائريين، وفي يوم 8/2/1958م تناقلت وكالات الأنباء أخبار بشاعة قامت بها القوات الفرنسية بمجزرة دموية ناجمة عن الغارة الجوية في ساقية سيدي يوسف حيث رافقها رد فعل وغضب شعبي في العراق ليرتفع سقف المطالب الشعبية إلى إعادة مناقشة موضوع مقاطعة فرنسا اقتصاديا ،حينها أرفق 34 نائبا في مجلس الأمة اقتراحا للحكومة يقضي بتأميم الأسهم الفرنسية في شركة نفط العراق، أي مانسبته 23.75 % التي كانت تملكها فرنسا في استثمار البترول العراقي في شركة نفط العراق المساهمة مع بريطانيا والولايات المتحدة. ويستمر الضغط الشعبي بالموازاة مع تنظيم حملات التبرع للثوار الجزائريين ونجاح حملة مقاطعة البضائع الفرنسية في الأسواق العراقية ، واتسع نطاق المطالبة في دعم الثورة نحو توسيع الفرص للتطوع والتدريب للمتطوعين وتسهيل انتقال المجاهدين من والى الجزائر عبر الأراضي والمياه الإقليمية العربية.
وجاءت أخبار اعتقال المجاهدة الجزائرية جميلة بوحيرد يوم 26/4/1957 ومن ثم تناقلت الجماهير أخبار التعذيب الذي لاقته مع إخوانها المجاهدين في السجون الفرنسية ومن ثم صدور قرار السلطات الفرنسية القاضي بإعدامها كان يوم 15/7/1957 والذي أشعل الغضب في النفوس ودعا الجماهير إلى التحريض على ضرب المصالح الفرنسية في كل مكان لوقف تنفيذ حكم الإعدام بحق جميلة بوحيرد، وأجمعت القوى الوطنية العراقية في مطالبها السياسية على تأميم حصة فرنسا في نفط العراق وتخصيص نسبة من أرباح هذه الحصة لصالح حكومة الجزائر المؤقتة والتنفيذ الفوري لمطالب حكومة الجزائر المؤقتة لدعم الثوار الجزائريين وتثبيتا لمقاطعة الشاملة السياسية والاقتصادية للشركات الفرنسية ،واتسعت حركة المطالبة إلى زيادة حصص الحكومات العربية في ميزانية حكومة الجزائر المؤقتة، إضافة إلى زيادة وتنويع الفعاليات الشعبية من اجل جمع التبرعات العينية والنقدية للثورة الجزائرية.
وتحدد في العراق " يوم الجزائر" في 30 مارس 1958. كان فرصة عربية وعالمية لترجمة التضامن مع الثورة الجزائرية بتخصيص يوما للمظاهرات والفعاليات الشعبية،وجمع التبرعات لمدى ثلاثة أيام متتالية، كان استمرار الضغط الشعبي منظما عبر عن نفسه في كل مناسبة وخبر مرتبط بالثورة الجزائرية لتصبح القضية الجزائرية قضية كل فرد من أفراد المجتمع العراقي عبر عنها في الالتزام الصارم في المظاهرات و الاحتفالات المقررة بيوم الجزائر.
كانت فرصة وصول فريق منتخب جبهة التحرير الوطني الجزائرية، وإجرائه ثلاث مباريات في العراق مناسبة كبيرة عبرت من خلالها الجماهير العراقية عن مدى تعلقها بالثورة الجزائرية واستعدادها لتقديم كل جهد مالي ومعنوي لنصرة الثورة الجزائرية الظافرة ، وعلقت أعلام الجزائر على كل شرفة وفوق كل بيت،وان الجمهور العراقي حمل اللاعبين الجزائريين على الأكتاف وهتفوا للفريق الجزائري في الشوارع والملاعب،وتتحول إلى تظاهرات جماهيرية صاخبة تطوف شوارع بغداد، تطالب بمضاعفة الدعم المالي والعسكري للثورة، وتطالب بفتح أبواب التطوع للتوجه إلى الجهاد لتحرير الجزائر ، واكتشف الفريق الجزائري من خلال زيارة بغداد شعبا عربيا لم يجد قضية له انبل واهم من الثورة الجزائرية وانتصارها .
العهد الجمهوري (ثورة 14تموز 1958م) : حيث اتسم هذا العهد بكونه أكثر وضوحا في دعم وإسناد الثورة الجزائرية من قبل الحكومة العراقية، مع استمرار الزخم الشعبي في التفاعل مع المجاهدين الجزائريين ، وكان أول هذه الخطوات بعد يومين من تغيير النظام الملكي إلى جمهوري ،ففي يوم 16/7/1958 كان العراق مرة أخرى في طليعة 24 دولة من الكتلة الأسيوية الأفريقية يطالب بإدراج القضية الجزائرية على الأمم المتحدة. وفي اول فرصة سانحة لحكومة عبد الكريم قاسم استغل وزير خارجية العراق عبد الجبار الجومرد فرصة زيارته لتونس ليلتقي بوفد من جبهة التحرير الوطني الجزائرية مؤكدا حرص الجمهورية العراقية على توطيد علاقتها مع الثورة الجزائرية ووجه حينها رسالة إلى المجاهدين الجزائريين الأبطال والى الشعب الجزائري المكافح ، حيث ساهم العراق من خلال حضوره الدولي الفاعل أن يعرف بالقضية الجزائرية ويكسب لها الكثير من الأصدقاء والمتعاطفين معها .
في 19/9/1958 وعندما أعلنت حكومة الجمهورية الجزائرية أول تصريح لها عن نهجها السياسي، سارعت حكومة الجمهورية العراقية الفتية التي كانت تنتظر الاعتراف الفرنسي بها، فتتجاهل كل ذلك وتعلن الاعتراف بالحكومة الجزائرية ، فالعراق أول دولة في العالم تعلن اعترافها بالحكومة الجزائرية، فتسارع بإرسال أول برقية تهنئة إلى الحكومة المؤقتة من بين القائمة الأولى من 13 دولة التي اعترفت بحكومة الثورة الجزائرية في ساعات إعلانها الأولى.
وفي يوم 13/11/1958 أعلنت حكومة العراقية انتصارها للجزائر المجاهدة المعبر عنه بقطع العراق لعلاقاته الاقتصادية مع فرنسا. علما أن 70% من المشاريع العراقية الكبرى كانت بيد الشركات الفرنسية، ووقف كل نشاط اقتصادي وتجاري للفرنسيين في العراق، وطلبت من الموردين والشركات الخاصة التي تعمل لحساب الدولة العراقية أن تمتنع عن إبرام أية عقود جديدة مع الشركات الفرنسية.
وفي اقرب فرصة سنحت لتنسيق الجهود بين الحكومتين الثوريتين الفتيتين في العراق والجزائر زار الوفد الوزاري العراقي برئاسة السيد خالد النقشبندي، عضو مجلس السيادة للجمهورية العراقية" أعلى سلطة دستورية في العراق"، مقر الحكومة الجزائرية بالقاهرة واجتمع برئيس الحكومة الجزائرية المؤقتة المرحوم فرحات عباس وعدد من وزراء الثورة الجزائرية، منهم وزراء الشؤون الثقافية وشمال أفريقيا والشؤون المالية والاجتماعية والاقتصاد. وعلى مدى ساعة ونصف من المداولات، تم الاتفاق على تقديم العراق لكل الإمكانيات المتاحة لمساعدة الثورة الجزائرية.
دعا العراق الأقطار العربية أن تحذو حذوه. بتقدمه رسميا بطلب إلى المجلس الاقتصادي العربي في القاهرة بمشروع قرار يقضي بمقاطعة فرنسا اقتصاديا تعبيرا عن دعم العرب للثورة الجزائرية، لكن المجلس أجل النظر في الطلب وأحاله إلى لجنة معينة .إن العراق التزم بالقرار الذي تقدم به الى الدول العربية، وقاطع فرنسا تجاريا واقتصاديا رغم فشل المشروع عربيا، بسبب عدم تأييد أغلبية الدول العربية الأعضاء في المجلس المذكور أعلاه .
والتزم العراق بدفع حصته من المساعدات المالية المقررة للحكومة الجزائرية، ووعد بإعادة النظر في رفعها، ضمن قرار الجامعة العربية بتخصيص 12 مليار فرنك للحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، حيث بلغت حصة العراق سنويا مليوني دينار عراقي تدفع للثورة الجزائرية
شهدت تلك الفترة ارتفاعا في قبول أعداد من الطلبة الجزائريين في الكليات العسكرية والمدنية وبمنح محترمة، حتى بلغ عدد الطلبة الدارسين في جامعة بغداد وحدها 65 طالبا في مختلف التخصصات، إضافة إلى قبول المئات من خريجي الدورات الخاصة والمعاهد العسكرية،وكان العراق أول بلد عربي قبل الطلبة الجزائريين في الكليات العسكرية العراقية.
الاستمرار في إرسال السلاح والذخيرة إلى الثوار في الجزائر . وقد تكلم عن ذلك الرئيس عبد الكريم قاسم صراحة " ومن دواعي سروري أن تكون الجمهورية العراقية أول دولة اعترفت بحكومة الجزائر. ومن دواعي سروري أيضا أن يكون العراق أول دولة خصصت في الميزانية مليوني دينار لدعم حكومة الجزائر تدفع سنويا إضافة إلى الأسلحة… أنني أبشركم بان الأسلحة التي خصصت للجزائر كانت بدرجة كافية.وقد خصصنا أسلحة أخرى، وسوف نخصص أسلحة أخرى أيضا حتى تتحرر الجزائر …سوف ندعمها بكل ما أوتينا من قوة، فهذه معاهدنا ومدارسنا العسكرية ومعاهد العلم الأخرى مفتوحة أبوابها أمام الجزائريين"
وخصصت الإذاعة العراقية برنامجا يوميا خاصا يعده ويذيعه مكتب الاستعلامات للجمهورية الجزائرية ببغداد.
كان انعقاد مؤتمر أنصار السلام الموسع ببغداد بحضور شخصيات عراقية ودولية هامة في الفترة بين(17-20) نيسان1959 فرصة للتعبير عن الدعم المطلق للثورة الجزائرية وإسناد حركات التحرر ورفض الحروب والاستعمار والعدوان. وكانت المؤتمر فرصة للتعبير عن التضامن مع الشعب الجزائري، شاركت بها القوى الديمقراطية واليسارية العراقية. كما كانت فرصة لدعوة الرأي العالمي للتضامن مع الشعب الجزائري وثورته من خلال مسيرة شعبية بلغ عدد المشاركين فيها قرابة 100 ألف متظاهر جابت شوارع بغداد.
وفي يوم 21 نيسان 1959م زار وفد من الحكومة الجزائرية المؤقتة إلى بغداد برئاسة فرحات عباس رئيس الحكومة الجزائرية، وكان الرئيس عبد الكريم قاسم على رأس المستقبلين في مطار بغداد. استقبل الوفد الجزائري استقبال الأبطال. كانت الجماهير العراقية تهتف: " الموت لديغول عدو الحرية".و " عاشت الجزائر حرة عربية مستقلة". و " وفد الجزائر أهلا بيك …شعب العراق يحييك".
عبر فرحات عباس رئيس الوفد الجزائري بكلمة مؤثرة عن نضال الشعب الجزائري وعن شكره للعراق. وجاء في كلمته: ( … إن حكومة العراق أدت واجبها تجاه الجزائر كاملا، وإذا كانت الامبريالية الفرنسية لها حلفائها فنحن لنا حلفاؤنا وإخوتنا) .وأكد فرحات عباس: (… إن زيارته للعراق تعتبر نصرا كبيرا للقضية الجزائرية)
انعكس موقف المثقفين العراقيين تجاه ثورة من خلال ما كتبوه من المقالات والبيانات والدواوين والقصائد واللوحات والأغاني والأناشيد الحماسية والمسرحيات التي شكلت أعمالا أبداعية مجيدة في تاريخ الفن والأدب والشعر الثوري العراقي الملتزم بقضايا التحرير والمقاومة كانت ترسل إلى ممثلي الثورة الجزائرية وتعرض في التظاهرات والاحتفالات الجماهيرية المكرسة لنصرة الثورة الجزائرية، ويعد ما كتبه إبراهيم كبة في عام 1956م عن الثورة الجزائرية في كتابه " أضواء على الثورة الجزائرية " الرائد في فهم القضية الجزائرية،وكان أول وزير اقتصاد في العهد الجمهوري عام 1958م.
استمر قطع العلاقات والسياسية بين العراق وفرنسا قد قطعت منذ أواخر الحكم الملكي البائد، منذ العدوان الثلاثي على مصر 1956، وظلت على حالها بفضل الضغط الشعبي،حيث ظلت العلاقات الدبلوماسية والسياسية بين العراق وفرنسا مقطوعة إلى أن استعادت الجزائر استقلالها رسميا في 5/7/1962م .
انضم العراق إلى الحملة العالمية الداعية إلى وقف فرنسا تجارب النووية في صحراء الجزائر
طالبت الهيئات والقوى الشعبية الحكومة العراقية بتأميم حصة فرنسا في شركة نفط العراق. وقد أبدت الحكومة العراقية على لسان رئيسها عبد الكريم قاسم في 24 آذار 1959م عن نيتها لاتخاذ مثل هكذا خطوات .
وعندما أعلنت الثورة الجزائرية قبول المتطوعين من البلدان العربية أعلن العراق استعداده لإرسال آلاف المتطوعين الذين سجلوا أسمائهم في قوائم التطوع في جيش التحرير الوطني الجزائري. وقد كانت الصحف العراقية تنشر يوميا قوائم أسماء المتطوعين.
تكفلت الخارجية العراقية باستمرار إرسال المساعدات والمواد الغذائية إلى مخيمات اللاجئين الجزائريين في تونس وغيرها من أماكن الشتات. وفي 14/01/1960 غادرت البصرة باخرة محملة بالبضائع والمواد قدمتها الحكومة العراقية، إضافة إلى تبرعات المواطنين العراقيين موجهة للشعب الجزائري. كما قدم الهلال الأحمر العراقي الكثير من المساعدات المالية والطبية والإنسانية للمنكوبين الجزائريين.
كانت الحكومة الجزائرية المؤقتة تستشير الحكومة العراقية في كثير من الخطوات التي تتخذها إزاء المفاوضات مع الفرنسيين وتطلب التنسيق مع العراق عند إثارة وطرح المشكلة الجزائرية أمام الهيئات والمنظمات الدولية وغيرها.
في 17 نيسان1960 زار العراق كريم بلقاسم نائب رئيس وزراء الحكومة الجزائرية المؤقتة يرافقه وزير المالية والتسليح عبد الحفيظ بوصوف،واطلع الوفد الجزائري الحكومة العراقية الحلول المطروحة أمام الثورة الجزائرية في ذلك الوقت عندما طرح موضوع المفاوضات مع الجانب الفرنسي للتوصل إلى انتزاع الاستقلال عن طريق المفاوضات مع الحكومة الفرنسية في أعقاب إعلان ديغول بيانه حول حق تقرير المصير للثورة الجزائرية. وضمن البيان المشترك لتلك الزيارة أكد العراق استعداده لتقديم كل متطلبات الوفد الجزائري من مال وسلاح، وتقرر دفع مبلغ مليون دينار عراقي في 1/5/1960، كما أعلن أن حكومة العراق ستدفع مليونا آخر بعد مضي ستة أشهر، وتعهد العراق بالاستمرار بمقاطعة فرنسا سياسيا واقتصاديا حتى تتوقف عن عدوانها، ويتم النصر للشعب الجزائري.
ففي 4/5/1960 دفع العراق مبلغ مليون دينار إلى السيد حامد روابحية ممثل حكومة الجمهورية الجزائرية في بغداد. ودفع مليون دينار آخر بعد ستة أشهر من ذلك التاريخ. كما واصل العراق مقاطعته السياسية والاقتصادية لفرنسا وقرر مجلس الوزراء يوم 13/8/1960 إرسال أسلحة بقيمة (43613) دينارا عراقيا إلى جيش التحرير الجزائري.
نظم اتحاد الأدباء العراقيين برئاسة شاعر محمد مهدي الجواهري أسبوع الجزائر في العراق اعتبارا من يوم 19/9/1960م ، لإعلان التعبئة الشعبية لنصرة شعب الجزائر ودعمه ماديا ومعنويا وبالمال والسلاح وإعلان التطوع للجهاد في صفوف الثورة الجزائرية، تم ذلك بحضور ورعاية رئيس الوزراء العراقي ،وطالبت الجماهير قيادة الدولة بتأميم حصة فرنسا من رأسمال وإرباح شركة نفط العراق. كما طالب الرئيس العراقي من الجماهير أيضا توسيع حملة التبرعات الشعبية.
خاضت وزارة الخارجية العراقية وممثلي العراق في المنظمات الدولية معارك مشرفة في طرح قضية كفاح الشعب الجزائري والدفاع عنها دون هوادة. كان الموقف الشعبي العراقي مكملا وداعما للموقف الرسمي ففي الوقت الذي كان فيه السيد هاشم جواد 29/11/1960 يحضر لمناقشة القضية الجزائرية في الأمم المتحدة كانت المظاهرات في شوارع بغداد هاتفة دون هوادة " يا ديغول بره بره الجزائر صارت حرة " ، وتطالب الحكومة بمزيد من الدعم المادي وإرسال السلاح والمؤونة للثورة الجزائرية.
وفي 19/12/1960 يقرر مجلس الوزراء مرة أخرى إهداء دفعة من ألأسلحة إلى جيش التحرير الوطني الجزائري بقيمة 37566 دينار.
وكان يوم 20/12/1960 يوما مشهودا بتاريخ العراق. كانت جماهير بغداد وسائر المدن العراقية تعيد صدى وصوت ونداء المتظاهرين الجزائريين في مدن عين تيموشنت ووهران والجزائر وسطيف… وغيرها من مدن الجزائر الثائرة في مظاهرات ديسمبر 1960. تهتف بصوت واحد (الجزائر للجزائريين).
وكانت أناشيد الثورة الجزائرية تصدح في حناجر الملايين من أبناء الشعب العراقي، حيث تفتتح المدارس العراقية يومها الدراسي ولجميع الصفوف التعليمية بقراءة "قسما"، " النشيد الوطني الجزائري"، ويرفع العلم الجزائري في جميع البنايات الرسمية والمدارس والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية، وعلى شرفات المنازل.
قامت الحكومة العراقية بسحب امتياز الشركات النفطية من استمرار التنقيب عن البترول في الأراضي العراقية الخاضعة للاستثمار النفطي لتلك الشركات من خلال القانون رقم 80 لسنة 1961م، الذي انتزع ما نسبته 99.5 % من الأراضي العراقية الخاضعة للامتيازات الأجنبية ، واستنادا لهذا القانون أعدت الحكومة العراقية عام 1962 لائحة بتأسيس شركة النفط الوطنية.
أعلن العراق موقفه من لائحة الأمم المتحدة التي اعترفت بحق الجزائري في تقرير مصيره وكان مرة أخرى في مقدمة الدول المصوتة لصالح تقرير المصير للشعب الجزائري.
عقد في بغداد مؤتمر اللجنة السياسية للجامعة العربية في 30 كانون الثاني عام 1961م،وكانت القضية الجزائرية حضروها مميز حيث جاءت قرارات مؤتمرين تدعو إلى فتح باب التطوع وتسهيل مرور ونقل المتطوعين العرب للالتحاق بالثورة الجزائرية وتقديم المزيد من الدعم المادي والمعنوي والسياسي والعسكري للجزائر وتكثيف الجهد والعمل العربي على وحدة وسلامة الأراضي الجزائرية، ومنع تقديم أي دعم اقتصادي أو لوجستي لفرنسا وحلفائها يستهدف الثورة الجزائرية.
استقبل الشعب العراقي خبر انتصار الثورة الجزائرية بمزيد من المظاهرات والاحتفالات عندما علن اتفاق وقف إطلاق النار الموقع بين وفد الحكومة المؤقتة للثورة الجزائرية وفرنسا في يوم 18/3/1961م.
استقبلت بغداد القادة الجزائريين استقبالها لأبطالها الوطنيين العائدين ، عندما وصلوا إليها برئاسة احمد بن بلة ، في يوم 5/4/1962م ، كان على رأس المستقبلين رئيس الحكومة العراقية والأحزاب العراقية من مختلف ألوان الطيف السياسي،ورفعت الجماهير المستقبلة أعلام الجزائر وصور القادة الجزائريين، حتى إن الحشود المرحبة أوقفت سيارة القادة الجزائريين وحاولت حملها على الأكتاف وسط هتاف مئات الألوف من المستقبلين على المستويين الشعبي والرسمي.وتجددت المظاهرات المساندة للجزائر حتى لحظة توديع الوفد الجزائري في مطار بغداد.
ساهم العراق في إسناد الجزائر بعد التحرير لدفع عجلت الحياة فيها من جديد بعد سنوات الاحتلال المظلمة .
لم يكن موقف العراق الرسمي والشعبي الداعم للثورة الجزائر أن يمر بسهولة فقد مورست ضغوط دولية على العراق لثنيه عن إسناد الثورة الجزائرية ، وأخذت بعض الدول تدقق في طلبات تجهيز الأسلحة إلى العراق وخصوصا بريطانية مع حملة إعلامية ضد العراق وسياساته.
دور الحركة الإسلامية في العراق في دعم الثورة الجزائرية:
نالت القضية الجزائرية نصيبا كبيرا في جمعية الأخوة الإسلامية (الأخوان المسلمين) بزعامة الشيخ الصواف ومفتي الجمهورية العراقية الشيخ العلامة امجد الزهاوي اللذان حرصا كل الحرص على بذل أقصى الجهود والطاقات لدعم جهاد الشعب الجزائري وقادته ، وحرص الإخوان في الجمعية الأخوة الإسلامية على تعريف الرأي العام العراقي على القادة الجزائريين من خلال تقديمهما في مساجد بغداد كالازبك والإمام الأعظم . ثم قيامهم بجولات عديدة في مناطق العراق المختلفة ومنها الموصل . وبقية الألوية الأخرى . ساهمت في التعريف بالقضية الجزائرية وتفاعل الشارع العراقي معها .
زار العراق عام 1952 وفد من جمعية علماء الجزائر , منهم الفضيل الورتلاني ومحمد البشير الإبراهيمي ، حيث القيا عدة محاضرات في عدة مساجد في بغداد وبقية المدن العراقية ولقيت زيارتهما صدى كبيرا وتفهم عدد كبير من العلماء والمثقفين والسياسيين للقضية الجزائرية خاصة بعد تكرار هذه الزيارات .
وعندما اندلعت الثورة الجزائرية بتاريخ الأول من تشرين الثاني عام 1954م ، أعلن المراقب العام الشيخ الصواف في اجتماع عقد في مسجد الإمام الأعظم تأييده للثورة لكونها ثورة ذات طابع إسلامي , ودعا الشعب العراقي إلى التطوع والتبرع والجهاد بالنفس والمال من اجل الجزائر.
دعا ممثلي الجمعية (العلامة الزهاوي والمراقب العام )عددا من رجال الفكر والسياسة للاجتماع الذي عقد في المركز العام لجمعية الإخوة الإسلامية , الذي تمخض عنه تأسيس لجنة موحدة ضمت عددا من رجال العلم والدين والسياسة وممثلي الأحزاب , وسميت بـ( لجنة مناصرة جهاد الجزائر ) , لمناصرة القضية الجزائرية , من خلال التعريف بها وجمع التبرعات لتلك الثورة ,وقد ضمت اللجنة في عضويتها كلا من الزهاوي والمراقب العام ومحمد فاضل الجمالي , فضلا عن ممثل الجزائر احمد بن بودا .
في الوقت الذي استمر فيه المراقب العام الشيخ الصواف عقده للاجتماعات الخطابية لبث الوعي الوطني الإسلامي في جميع مدن العراق كالاجتماع الذي عقد في الجامع الكبير في الموصل بتاريخ الأول من حزيران 1956, دعا فيها المراقب العام إلى مساندة الثوار الجزائريين ودعمهم , ما أثار الحماسة والاندفاع في نفوس المجتمعين الذين سارعوا إلى إرسال برقية إلى الوفد الجزائري الذي كان يزور العراق آنذاك والذي ضم كلا من البشير الإبراهيمي ووفدا من جبهة التحرير الجزائري وكان مما جاء في البرقية : " آلاف المحتشدين في الجامع الكبير … تحيي جهاد أخواننا المجاهدين في الجزائر , وتعاهد الله على الجهاد لنصرة الجزائر وكل بلد إسلامي .. "
وعلى اثر اختطاف فرنسا لطائرة قادة الثورة الجزائرية شكل ممثلو جمعية الإخوة الإسلامية ،وفدا لمقابلة الملك فيصل الثاني في تشرين الثاني 1956 والالتماس منه للعمل على إطلاق سراح الزعماء الجزائريين ,وقد صرح العلامة الزهاوي للصحف العراقية ,أن الملك مهتم بهذه القضية , وأبدى استعداده للعمل بكل ما فيه خير الجزائر العربية".
شرعت جمعية الإخوة الإسلامية في جمعها التبرعات للثورة الجزائرية . كما أعلن عن إجراء اكتتاب عام في كافة أنحاء العراق . وقد نشط شباب الجمعية في جمع التبرعات إذ كانوا يطوفون على المحلات والمساجد والجمعيات لجمع الأموال والعينات من أغذية وملابس وغيرها .
توجه أعضاء ( لجنة مناصرة جهاد الجزائر ) إلى الموصل في شهر أيار من عام 1957 . وقد حضر الوفد اجتماعا جماهيريا أقيم في الجامع الكبير في الموصل , وقد ألقيت في ذلك الاجتماع خطب عدة كان لها دور كبير في إثارة مشاعر الجماهير ومن أبرزها خطبة المراقب العام , وبوشرت عملية جمع التبرعات واستطاعوا خلال ربع ساعة من جمع مبلغ كبير . وفي اليوم التالي انتشر شباب الإخوان في أحياء مدينة الموصل لجمع التبرعات من الأهالي . وتحدث المراقب العام لإخوان الموصل معبرا عن عملية جمع التبرعات بقوله " لو تبرع كل عراقي بفلس لاستطعنا تجهيز فوج من المجاهدين "
لم يكتف الإخوان بجمع التبرعات داخل العراق فحسب بل فكروا في مواصلة نشاطهم أيضا خارج العراق , فسافر الزهاوي على رأس وفد ضم أعضاء المعارضة في مجلس النواب العراقي ومنهم , حسن عبد الرحمن ( نائب البصرة ) وسامي باشعالم ( نائب الموصل ) وزاروا سوريا والتقوا الرئيس السوري شكري القوتلي ثم الى مصر والتقوا فيها الرئيس المصري جمال عبد الناصر فقدموا عددا من المقترحات الداعمة للقضية الجزائرية .
عرض العلامة الزهاوي على الملك سعود بن عبد العزيز خلال زيارة إلى العراق في حزيران 1957م, فكرة كانت تقررت في إحدى اجتماعات لجنة مناصرة الجزائر مفادها قيام الدول العربية المنتجة للنفط باعتمادات خاصة في ميزانيات تلك الدول لمساعدة الجزائر وقد نالت تلك الفكرة قبول الملك واستحسانه إلا أن تلك الفكرة كانت متوقفة على موافقة دولة الكويت آنذاك .
واستطاعت لجنة مناصرة جهاد الجزائر ما بين عامي 1957 – 1958 جمع أكثر من (200 ) ألف دينار , سلم آخر مبلغ منه وقدره ( 50 ) ألف دينار في يوم 13 تموز عام 1958، وحول المبلغ إلى شيك على البنك العربي في بغداد باسم ممثل الجزائر احمد بن بودا .
الإشراف التام من قبل الشيخ الصواف على شؤون الطلبة الجزائريين القادمين تحت رعاية جمعية علماء الجزائر حيث أرسل الشيخ بشير الإبراهيمي تفويض خطي يخوله بذلك باسم جمعية علماء الجزائر .
تباحث ممثلو الجمعية في عصر يوم الثالث عشر من تموز 1958 حول عملية مواصلة الدعم للجهاد الجزائري من خلال تقديم طلب إلى الحكومة للسماح بتشكيل هيئة دائمة للدفاع عن شمال أفريقيا لدعم ( الجزائر , تونس , المغرب ) لكن قيام ثورة 14 تموز حال دون ذلك . لتغير أوضاع الإخوان ورجالات جمعية الإخوة الإسلامية بعد أن قامت ثورة 1958م في العراق بقيادة عبد الكريم قاسم، وسيطر الشيوعيون على مقاليد الأمور في البلاد، وبدؤوا يضيِّقون الخناق على دعوة الشيخ الصوّاف، ويقاومون حركته، وانتهى بهم الحال إلى تلفيق التهم له، ونشر الشائعات ضده، ثم قاموا بإغلاق المجلة التي كان يصدرها باسم "لواء الأخوة الإسلامية" والقبض عليه، وسجنه مع عدد من رجالات العراق الكرام مثل اللواء الركن محمود شيت خطاب،وبعد خروجه من السجن لم يكفَّ خصومه عن ملاحقته ومحاولة اغتياله، فاضطر إلى مغادرة العراق، لكن الحركة الإسلامية رغم محنتها التي مرت بها بعد ذلك استمرت في دعم قضايا الأمة العادلة وخصوصا القضية الجزائرية ، واستمر نشاط الشيخ الصواف في خارج العراق في الوقوف مع المجاهدين أينما كانوا في بلاد الإسلام إلى مماته رحمه الله .
وهكذا اقترن قول العراق بأفعاله ، رسميا وشعبيا ، في احتضان الثورة الجزائرية حتى احتل العراق بجدارة واستحقاق، موقع الصدارة في دعم ومساندة الثورة الجزائرية من بين دول العالم. واليوم وأعاد الزمن دورة التاريخ معكوسة فالعراق محتل ومقاوم وثائر، فهل من ناصر له ؟ إما إن العراق لا بواكي له.
إن الثورة الجزائرية التي انطلقت شرارتها في عام 1954م واستمرت حتى نالت الاستقلال عام 1962م ، كانت ترى بعيون العالم العربي والإسلامي على أنها ثورة شعبية ذات طابع عسكري . دعت إلى التحرر والاستقلال الوطني . وقد نالت تلك الثورة اهتمام الرأي العام العراقي ولا سيما علماء الدين , الذين كانوا يرون فيها تجسيدا للروح الإسلامية المتحررة , وانقلابا على الروح الاستسلامية التي عمت أقطار العالم الإسلامي ، ولم يجد ثوار الجزائر دعما فعليا وحقيقيا وكبيرا كما جاء من شعب العراق وقواه الوطنية وحتى حكوماته الملكية منها والجمهورية .
العهد الملكي : شهدت هذه المرحلة تفاعلا كبيرا داخل العراق لمساندة الثورة الجزائرية ، فكان العراق البلد الأول في العالم الذي اعترف بالحكومة الجزائرية المؤقتة،وطالبت الكتلة الأسيوية الأفريقية، ومن بينها العراق في أكتوبر من عام 1955 الأمم المتحدة مناقشة القضية الجزائرية ، حيث كانت فرنسا ترفض مناقشة الملف الجزائري في الأمم المتحدة على أنها قضية فرنسية داخلية، وتم قبول الطلب بأغلبية صوت واحد ، أي 28 صوت مع و 27 صوتا ضد. فكان قبول مناقشة القضية الجزائرية في الأمم المتحدة أول هزيمة دبلوماسية وسياسية لحكومة فرنسا ، مما اضطر وزير الخارجية الفرنسية أن ينسحب من تلك الجلسة ويمتنع من المشاركة في مناقشة المسائل الأخرى. وكان العراق في مقدمة الدول العربية التي رحبت بالبعثات الجزائرية التي أرسلتها جمعية علماء المسلمين بزعامة الشيخ الإبراهيمي في المدارس والمعاهد والجامعات العراقية. وعمدت الحكومة العراقية إلى تخصص مبلغا ماليا قدره 250الف دينار عراقي ما يعادل 250 مليون فرنك من الميزانية العراقية لدعم الثورة الجزائرية ، وكان للإعلام العراقي نصيب في إسناد الثورة الجزائرية عندما خصص برنامجا خاص للثورة الجزائرية كانت تبثه الإذاعة العراقية ، وفي عام 1956م قطع العراق العلاقات الدبلوماسية والسياسية مع فرنسا .
وقد احتلت القضية الجزائرية وثورتها صلب اهتمام النضال الوطني العراقي بتزامن مع تصاعد كفاح الثوار الجزائريين وتردد صدى نجاحاتهم على الساحة الميدانية ، فأخذت القوى والأحزاب والمنظمات والهيئات والشخصيات العراقية بتشكيل لجان المساندة مع الثورة الجزائرية ومتابعة الأحداث اليومية التي تصل أخبارها من الجزائر يوميا وبتعدد وتنوع الفعاليات السياسية في جميع مدن العراق من أقصاه إلى أقصاه، والتي لم تتوقف على مدى سنوات الثورة الجزائرية، وقد شهد يوم 22/11/1956م حركة الاحتجاج الواسعة والمظاهرات الشعبية العارمة التي شهدتها بغداد وكافة المدن العراقية،للضغط على الحكومة العراقية والحكومات العربية من اجل العمل على ضمان سلامة وحياة الثوار الجزائريين المختطفين،اثر اختطاف السلطات الفرنسية المحتلة للطائرة التي كانت تحمل قادة الثورة الجزائرية الأربعة ، فأعلن في تلك المظاهرات حملة واسعة لمقاطعة فرنسا اقتصاديا ، وطالبوا الحكومة العراقية بقطع العلاقات الدبلوماسية مع فرنسا، و عرض القضية الجزائرية على هيئة الأمم المتحدة في مطلع عام 1957م، وطالب عدد من النواب بتحسين مساعدتها للثورة الجزائرية ، وعلى إثرها صرح وزير المالية العراقي "أن حكومته تؤيد إحداث صندوق مشترك بين الدول العربية لمساعدة الشعب الجزائري على التغلب على الاستعمار الفرنسي".
اشتد الضغط الشعبي في الشارع العراقي،عندما أخذت الحكومة العراقية تتماهل في تنفيذ المطالب الشعبية بالمزيد من الدعم للثوار الجزائريين ، فوحدت القوى العراقية نفسها تحت مظلة " جبهة الاتحاد الوطني " على رفض كل حجج الحكومة العراقية لتبرير عدم زيادة دعمها للثورة الجزائرية ، غير أن الضغط الشعبي والشارع العراقي أجبرت رئيس الحكومة، نوري السعيد، وعدد من أعضاء حكومته على الإعلان الصريح بدعم الثورة الجزائرية بكل الإمكانيات، بما فيها السلاح. وفعلا أرسلت الشحنات من الأسلحة للثوار الجزائريين، وفي يوم 8/2/1958م تناقلت وكالات الأنباء أخبار بشاعة قامت بها القوات الفرنسية بمجزرة دموية ناجمة عن الغارة الجوية في ساقية سيدي يوسف حيث رافقها رد فعل وغضب شعبي في العراق ليرتفع سقف المطالب الشعبية إلى إعادة مناقشة موضوع مقاطعة فرنسا اقتصاديا ،حينها أرفق 34 نائبا في مجلس الأمة اقتراحا للحكومة يقضي بتأميم الأسهم الفرنسية في شركة نفط العراق، أي مانسبته 23.75 % التي كانت تملكها فرنسا في استثمار البترول العراقي في شركة نفط العراق المساهمة مع بريطانيا والولايات المتحدة. ويستمر الضغط الشعبي بالموازاة مع تنظيم حملات التبرع للثوار الجزائريين ونجاح حملة مقاطعة البضائع الفرنسية في الأسواق العراقية ، واتسع نطاق المطالبة في دعم الثورة نحو توسيع الفرص للتطوع والتدريب للمتطوعين وتسهيل انتقال المجاهدين من والى الجزائر عبر الأراضي والمياه الإقليمية العربية.
وجاءت أخبار اعتقال المجاهدة الجزائرية جميلة بوحيرد يوم 26/4/1957 ومن ثم تناقلت الجماهير أخبار التعذيب الذي لاقته مع إخوانها المجاهدين في السجون الفرنسية ومن ثم صدور قرار السلطات الفرنسية القاضي بإعدامها كان يوم 15/7/1957 والذي أشعل الغضب في النفوس ودعا الجماهير إلى التحريض على ضرب المصالح الفرنسية في كل مكان لوقف تنفيذ حكم الإعدام بحق جميلة بوحيرد، وأجمعت القوى الوطنية العراقية في مطالبها السياسية على تأميم حصة فرنسا في نفط العراق وتخصيص نسبة من أرباح هذه الحصة لصالح حكومة الجزائر المؤقتة والتنفيذ الفوري لمطالب حكومة الجزائر المؤقتة لدعم الثوار الجزائريين وتثبيتا لمقاطعة الشاملة السياسية والاقتصادية للشركات الفرنسية ،واتسعت حركة المطالبة إلى زيادة حصص الحكومات العربية في ميزانية حكومة الجزائر المؤقتة، إضافة إلى زيادة وتنويع الفعاليات الشعبية من اجل جمع التبرعات العينية والنقدية للثورة الجزائرية.
وتحدد في العراق " يوم الجزائر" في 30 مارس 1958. كان فرصة عربية وعالمية لترجمة التضامن مع الثورة الجزائرية بتخصيص يوما للمظاهرات والفعاليات الشعبية،وجمع التبرعات لمدى ثلاثة أيام متتالية، كان استمرار الضغط الشعبي منظما عبر عن نفسه في كل مناسبة وخبر مرتبط بالثورة الجزائرية لتصبح القضية الجزائرية قضية كل فرد من أفراد المجتمع العراقي عبر عنها في الالتزام الصارم في المظاهرات و الاحتفالات المقررة بيوم الجزائر.
كانت فرصة وصول فريق منتخب جبهة التحرير الوطني الجزائرية، وإجرائه ثلاث مباريات في العراق مناسبة كبيرة عبرت من خلالها الجماهير العراقية عن مدى تعلقها بالثورة الجزائرية واستعدادها لتقديم كل جهد مالي ومعنوي لنصرة الثورة الجزائرية الظافرة ، وعلقت أعلام الجزائر على كل شرفة وفوق كل بيت،وان الجمهور العراقي حمل اللاعبين الجزائريين على الأكتاف وهتفوا للفريق الجزائري في الشوارع والملاعب،وتتحول إلى تظاهرات جماهيرية صاخبة تطوف شوارع بغداد، تطالب بمضاعفة الدعم المالي والعسكري للثورة، وتطالب بفتح أبواب التطوع للتوجه إلى الجهاد لتحرير الجزائر ، واكتشف الفريق الجزائري من خلال زيارة بغداد شعبا عربيا لم يجد قضية له انبل واهم من الثورة الجزائرية وانتصارها .
العهد الجمهوري (ثورة 14تموز 1958م) : حيث اتسم هذا العهد بكونه أكثر وضوحا في دعم وإسناد الثورة الجزائرية من قبل الحكومة العراقية، مع استمرار الزخم الشعبي في التفاعل مع المجاهدين الجزائريين ، وكان أول هذه الخطوات بعد يومين من تغيير النظام الملكي إلى جمهوري ،ففي يوم 16/7/1958 كان العراق مرة أخرى في طليعة 24 دولة من الكتلة الأسيوية الأفريقية يطالب بإدراج القضية الجزائرية على الأمم المتحدة. وفي اول فرصة سانحة لحكومة عبد الكريم قاسم استغل وزير خارجية العراق عبد الجبار الجومرد فرصة زيارته لتونس ليلتقي بوفد من جبهة التحرير الوطني الجزائرية مؤكدا حرص الجمهورية العراقية على توطيد علاقتها مع الثورة الجزائرية ووجه حينها رسالة إلى المجاهدين الجزائريين الأبطال والى الشعب الجزائري المكافح ، حيث ساهم العراق من خلال حضوره الدولي الفاعل أن يعرف بالقضية الجزائرية ويكسب لها الكثير من الأصدقاء والمتعاطفين معها .
في 19/9/1958 وعندما أعلنت حكومة الجمهورية الجزائرية أول تصريح لها عن نهجها السياسي، سارعت حكومة الجمهورية العراقية الفتية التي كانت تنتظر الاعتراف الفرنسي بها، فتتجاهل كل ذلك وتعلن الاعتراف بالحكومة الجزائرية ، فالعراق أول دولة في العالم تعلن اعترافها بالحكومة الجزائرية، فتسارع بإرسال أول برقية تهنئة إلى الحكومة المؤقتة من بين القائمة الأولى من 13 دولة التي اعترفت بحكومة الثورة الجزائرية في ساعات إعلانها الأولى.
وفي يوم 13/11/1958 أعلنت حكومة العراقية انتصارها للجزائر المجاهدة المعبر عنه بقطع العراق لعلاقاته الاقتصادية مع فرنسا. علما أن 70% من المشاريع العراقية الكبرى كانت بيد الشركات الفرنسية، ووقف كل نشاط اقتصادي وتجاري للفرنسيين في العراق، وطلبت من الموردين والشركات الخاصة التي تعمل لحساب الدولة العراقية أن تمتنع عن إبرام أية عقود جديدة مع الشركات الفرنسية.
وفي اقرب فرصة سنحت لتنسيق الجهود بين الحكومتين الثوريتين الفتيتين في العراق والجزائر زار الوفد الوزاري العراقي برئاسة السيد خالد النقشبندي، عضو مجلس السيادة للجمهورية العراقية" أعلى سلطة دستورية في العراق"، مقر الحكومة الجزائرية بالقاهرة واجتمع برئيس الحكومة الجزائرية المؤقتة المرحوم فرحات عباس وعدد من وزراء الثورة الجزائرية، منهم وزراء الشؤون الثقافية وشمال أفريقيا والشؤون المالية والاجتماعية والاقتصاد. وعلى مدى ساعة ونصف من المداولات، تم الاتفاق على تقديم العراق لكل الإمكانيات المتاحة لمساعدة الثورة الجزائرية.
دعا العراق الأقطار العربية أن تحذو حذوه. بتقدمه رسميا بطلب إلى المجلس الاقتصادي العربي في القاهرة بمشروع قرار يقضي بمقاطعة فرنسا اقتصاديا تعبيرا عن دعم العرب للثورة الجزائرية، لكن المجلس أجل النظر في الطلب وأحاله إلى لجنة معينة .إن العراق التزم بالقرار الذي تقدم به الى الدول العربية، وقاطع فرنسا تجاريا واقتصاديا رغم فشل المشروع عربيا، بسبب عدم تأييد أغلبية الدول العربية الأعضاء في المجلس المذكور أعلاه .
والتزم العراق بدفع حصته من المساعدات المالية المقررة للحكومة الجزائرية، ووعد بإعادة النظر في رفعها، ضمن قرار الجامعة العربية بتخصيص 12 مليار فرنك للحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، حيث بلغت حصة العراق سنويا مليوني دينار عراقي تدفع للثورة الجزائرية
شهدت تلك الفترة ارتفاعا في قبول أعداد من الطلبة الجزائريين في الكليات العسكرية والمدنية وبمنح محترمة، حتى بلغ عدد الطلبة الدارسين في جامعة بغداد وحدها 65 طالبا في مختلف التخصصات، إضافة إلى قبول المئات من خريجي الدورات الخاصة والمعاهد العسكرية،وكان العراق أول بلد عربي قبل الطلبة الجزائريين في الكليات العسكرية العراقية.
الاستمرار في إرسال السلاح والذخيرة إلى الثوار في الجزائر . وقد تكلم عن ذلك الرئيس عبد الكريم قاسم صراحة " ومن دواعي سروري أن تكون الجمهورية العراقية أول دولة اعترفت بحكومة الجزائر. ومن دواعي سروري أيضا أن يكون العراق أول دولة خصصت في الميزانية مليوني دينار لدعم حكومة الجزائر تدفع سنويا إضافة إلى الأسلحة… أنني أبشركم بان الأسلحة التي خصصت للجزائر كانت بدرجة كافية.وقد خصصنا أسلحة أخرى، وسوف نخصص أسلحة أخرى أيضا حتى تتحرر الجزائر …سوف ندعمها بكل ما أوتينا من قوة، فهذه معاهدنا ومدارسنا العسكرية ومعاهد العلم الأخرى مفتوحة أبوابها أمام الجزائريين"
وخصصت الإذاعة العراقية برنامجا يوميا خاصا يعده ويذيعه مكتب الاستعلامات للجمهورية الجزائرية ببغداد.
كان انعقاد مؤتمر أنصار السلام الموسع ببغداد بحضور شخصيات عراقية ودولية هامة في الفترة بين(17-20) نيسان1959 فرصة للتعبير عن الدعم المطلق للثورة الجزائرية وإسناد حركات التحرر ورفض الحروب والاستعمار والعدوان. وكانت المؤتمر فرصة للتعبير عن التضامن مع الشعب الجزائري، شاركت بها القوى الديمقراطية واليسارية العراقية. كما كانت فرصة لدعوة الرأي العالمي للتضامن مع الشعب الجزائري وثورته من خلال مسيرة شعبية بلغ عدد المشاركين فيها قرابة 100 ألف متظاهر جابت شوارع بغداد.
وفي يوم 21 نيسان 1959م زار وفد من الحكومة الجزائرية المؤقتة إلى بغداد برئاسة فرحات عباس رئيس الحكومة الجزائرية، وكان الرئيس عبد الكريم قاسم على رأس المستقبلين في مطار بغداد. استقبل الوفد الجزائري استقبال الأبطال. كانت الجماهير العراقية تهتف: " الموت لديغول عدو الحرية".و " عاشت الجزائر حرة عربية مستقلة". و " وفد الجزائر أهلا بيك …شعب العراق يحييك".
عبر فرحات عباس رئيس الوفد الجزائري بكلمة مؤثرة عن نضال الشعب الجزائري وعن شكره للعراق. وجاء في كلمته: ( … إن حكومة العراق أدت واجبها تجاه الجزائر كاملا، وإذا كانت الامبريالية الفرنسية لها حلفائها فنحن لنا حلفاؤنا وإخوتنا) .وأكد فرحات عباس: (… إن زيارته للعراق تعتبر نصرا كبيرا للقضية الجزائرية)
انعكس موقف المثقفين العراقيين تجاه ثورة من خلال ما كتبوه من المقالات والبيانات والدواوين والقصائد واللوحات والأغاني والأناشيد الحماسية والمسرحيات التي شكلت أعمالا أبداعية مجيدة في تاريخ الفن والأدب والشعر الثوري العراقي الملتزم بقضايا التحرير والمقاومة كانت ترسل إلى ممثلي الثورة الجزائرية وتعرض في التظاهرات والاحتفالات الجماهيرية المكرسة لنصرة الثورة الجزائرية، ويعد ما كتبه إبراهيم كبة في عام 1956م عن الثورة الجزائرية في كتابه " أضواء على الثورة الجزائرية " الرائد في فهم القضية الجزائرية،وكان أول وزير اقتصاد في العهد الجمهوري عام 1958م.
استمر قطع العلاقات والسياسية بين العراق وفرنسا قد قطعت منذ أواخر الحكم الملكي البائد، منذ العدوان الثلاثي على مصر 1956، وظلت على حالها بفضل الضغط الشعبي،حيث ظلت العلاقات الدبلوماسية والسياسية بين العراق وفرنسا مقطوعة إلى أن استعادت الجزائر استقلالها رسميا في 5/7/1962م .
انضم العراق إلى الحملة العالمية الداعية إلى وقف فرنسا تجارب النووية في صحراء الجزائر
طالبت الهيئات والقوى الشعبية الحكومة العراقية بتأميم حصة فرنسا في شركة نفط العراق. وقد أبدت الحكومة العراقية على لسان رئيسها عبد الكريم قاسم في 24 آذار 1959م عن نيتها لاتخاذ مثل هكذا خطوات .
وعندما أعلنت الثورة الجزائرية قبول المتطوعين من البلدان العربية أعلن العراق استعداده لإرسال آلاف المتطوعين الذين سجلوا أسمائهم في قوائم التطوع في جيش التحرير الوطني الجزائري. وقد كانت الصحف العراقية تنشر يوميا قوائم أسماء المتطوعين.
تكفلت الخارجية العراقية باستمرار إرسال المساعدات والمواد الغذائية إلى مخيمات اللاجئين الجزائريين في تونس وغيرها من أماكن الشتات. وفي 14/01/1960 غادرت البصرة باخرة محملة بالبضائع والمواد قدمتها الحكومة العراقية، إضافة إلى تبرعات المواطنين العراقيين موجهة للشعب الجزائري. كما قدم الهلال الأحمر العراقي الكثير من المساعدات المالية والطبية والإنسانية للمنكوبين الجزائريين.
كانت الحكومة الجزائرية المؤقتة تستشير الحكومة العراقية في كثير من الخطوات التي تتخذها إزاء المفاوضات مع الفرنسيين وتطلب التنسيق مع العراق عند إثارة وطرح المشكلة الجزائرية أمام الهيئات والمنظمات الدولية وغيرها.
في 17 نيسان1960 زار العراق كريم بلقاسم نائب رئيس وزراء الحكومة الجزائرية المؤقتة يرافقه وزير المالية والتسليح عبد الحفيظ بوصوف،واطلع الوفد الجزائري الحكومة العراقية الحلول المطروحة أمام الثورة الجزائرية في ذلك الوقت عندما طرح موضوع المفاوضات مع الجانب الفرنسي للتوصل إلى انتزاع الاستقلال عن طريق المفاوضات مع الحكومة الفرنسية في أعقاب إعلان ديغول بيانه حول حق تقرير المصير للثورة الجزائرية. وضمن البيان المشترك لتلك الزيارة أكد العراق استعداده لتقديم كل متطلبات الوفد الجزائري من مال وسلاح، وتقرر دفع مبلغ مليون دينار عراقي في 1/5/1960، كما أعلن أن حكومة العراق ستدفع مليونا آخر بعد مضي ستة أشهر، وتعهد العراق بالاستمرار بمقاطعة فرنسا سياسيا واقتصاديا حتى تتوقف عن عدوانها، ويتم النصر للشعب الجزائري.
ففي 4/5/1960 دفع العراق مبلغ مليون دينار إلى السيد حامد روابحية ممثل حكومة الجمهورية الجزائرية في بغداد. ودفع مليون دينار آخر بعد ستة أشهر من ذلك التاريخ. كما واصل العراق مقاطعته السياسية والاقتصادية لفرنسا وقرر مجلس الوزراء يوم 13/8/1960 إرسال أسلحة بقيمة (43613) دينارا عراقيا إلى جيش التحرير الجزائري.
نظم اتحاد الأدباء العراقيين برئاسة شاعر محمد مهدي الجواهري أسبوع الجزائر في العراق اعتبارا من يوم 19/9/1960م ، لإعلان التعبئة الشعبية لنصرة شعب الجزائر ودعمه ماديا ومعنويا وبالمال والسلاح وإعلان التطوع للجهاد في صفوف الثورة الجزائرية، تم ذلك بحضور ورعاية رئيس الوزراء العراقي ،وطالبت الجماهير قيادة الدولة بتأميم حصة فرنسا من رأسمال وإرباح شركة نفط العراق. كما طالب الرئيس العراقي من الجماهير أيضا توسيع حملة التبرعات الشعبية.
خاضت وزارة الخارجية العراقية وممثلي العراق في المنظمات الدولية معارك مشرفة في طرح قضية كفاح الشعب الجزائري والدفاع عنها دون هوادة. كان الموقف الشعبي العراقي مكملا وداعما للموقف الرسمي ففي الوقت الذي كان فيه السيد هاشم جواد 29/11/1960 يحضر لمناقشة القضية الجزائرية في الأمم المتحدة كانت المظاهرات في شوارع بغداد هاتفة دون هوادة " يا ديغول بره بره الجزائر صارت حرة " ، وتطالب الحكومة بمزيد من الدعم المادي وإرسال السلاح والمؤونة للثورة الجزائرية.
وفي 19/12/1960 يقرر مجلس الوزراء مرة أخرى إهداء دفعة من ألأسلحة إلى جيش التحرير الوطني الجزائري بقيمة 37566 دينار.
وكان يوم 20/12/1960 يوما مشهودا بتاريخ العراق. كانت جماهير بغداد وسائر المدن العراقية تعيد صدى وصوت ونداء المتظاهرين الجزائريين في مدن عين تيموشنت ووهران والجزائر وسطيف… وغيرها من مدن الجزائر الثائرة في مظاهرات ديسمبر 1960. تهتف بصوت واحد (الجزائر للجزائريين).
وكانت أناشيد الثورة الجزائرية تصدح في حناجر الملايين من أبناء الشعب العراقي، حيث تفتتح المدارس العراقية يومها الدراسي ولجميع الصفوف التعليمية بقراءة "قسما"، " النشيد الوطني الجزائري"، ويرفع العلم الجزائري في جميع البنايات الرسمية والمدارس والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية، وعلى شرفات المنازل.
قامت الحكومة العراقية بسحب امتياز الشركات النفطية من استمرار التنقيب عن البترول في الأراضي العراقية الخاضعة للاستثمار النفطي لتلك الشركات من خلال القانون رقم 80 لسنة 1961م، الذي انتزع ما نسبته 99.5 % من الأراضي العراقية الخاضعة للامتيازات الأجنبية ، واستنادا لهذا القانون أعدت الحكومة العراقية عام 1962 لائحة بتأسيس شركة النفط الوطنية.
أعلن العراق موقفه من لائحة الأمم المتحدة التي اعترفت بحق الجزائري في تقرير مصيره وكان مرة أخرى في مقدمة الدول المصوتة لصالح تقرير المصير للشعب الجزائري.
عقد في بغداد مؤتمر اللجنة السياسية للجامعة العربية في 30 كانون الثاني عام 1961م،وكانت القضية الجزائرية حضروها مميز حيث جاءت قرارات مؤتمرين تدعو إلى فتح باب التطوع وتسهيل مرور ونقل المتطوعين العرب للالتحاق بالثورة الجزائرية وتقديم المزيد من الدعم المادي والمعنوي والسياسي والعسكري للجزائر وتكثيف الجهد والعمل العربي على وحدة وسلامة الأراضي الجزائرية، ومنع تقديم أي دعم اقتصادي أو لوجستي لفرنسا وحلفائها يستهدف الثورة الجزائرية.
استقبل الشعب العراقي خبر انتصار الثورة الجزائرية بمزيد من المظاهرات والاحتفالات عندما علن اتفاق وقف إطلاق النار الموقع بين وفد الحكومة المؤقتة للثورة الجزائرية وفرنسا في يوم 18/3/1961م.
استقبلت بغداد القادة الجزائريين استقبالها لأبطالها الوطنيين العائدين ، عندما وصلوا إليها برئاسة احمد بن بلة ، في يوم 5/4/1962م ، كان على رأس المستقبلين رئيس الحكومة العراقية والأحزاب العراقية من مختلف ألوان الطيف السياسي،ورفعت الجماهير المستقبلة أعلام الجزائر وصور القادة الجزائريين، حتى إن الحشود المرحبة أوقفت سيارة القادة الجزائريين وحاولت حملها على الأكتاف وسط هتاف مئات الألوف من المستقبلين على المستويين الشعبي والرسمي.وتجددت المظاهرات المساندة للجزائر حتى لحظة توديع الوفد الجزائري في مطار بغداد.
ساهم العراق في إسناد الجزائر بعد التحرير لدفع عجلت الحياة فيها من جديد بعد سنوات الاحتلال المظلمة .
لم يكن موقف العراق الرسمي والشعبي الداعم للثورة الجزائر أن يمر بسهولة فقد مورست ضغوط دولية على العراق لثنيه عن إسناد الثورة الجزائرية ، وأخذت بعض الدول تدقق في طلبات تجهيز الأسلحة إلى العراق وخصوصا بريطانية مع حملة إعلامية ضد العراق وسياساته.
دور الحركة الإسلامية في العراق في دعم الثورة الجزائرية:
نالت القضية الجزائرية نصيبا كبيرا في جمعية الأخوة الإسلامية (الأخوان المسلمين) بزعامة الشيخ الصواف ومفتي الجمهورية العراقية الشيخ العلامة امجد الزهاوي اللذان حرصا كل الحرص على بذل أقصى الجهود والطاقات لدعم جهاد الشعب الجزائري وقادته ، وحرص الإخوان في الجمعية الأخوة الإسلامية على تعريف الرأي العام العراقي على القادة الجزائريين من خلال تقديمهما في مساجد بغداد كالازبك والإمام الأعظم . ثم قيامهم بجولات عديدة في مناطق العراق المختلفة ومنها الموصل . وبقية الألوية الأخرى . ساهمت في التعريف بالقضية الجزائرية وتفاعل الشارع العراقي معها .
زار العراق عام 1952 وفد من جمعية علماء الجزائر , منهم الفضيل الورتلاني ومحمد البشير الإبراهيمي ، حيث القيا عدة محاضرات في عدة مساجد في بغداد وبقية المدن العراقية ولقيت زيارتهما صدى كبيرا وتفهم عدد كبير من العلماء والمثقفين والسياسيين للقضية الجزائرية خاصة بعد تكرار هذه الزيارات .
وعندما اندلعت الثورة الجزائرية بتاريخ الأول من تشرين الثاني عام 1954م ، أعلن المراقب العام الشيخ الصواف في اجتماع عقد في مسجد الإمام الأعظم تأييده للثورة لكونها ثورة ذات طابع إسلامي , ودعا الشعب العراقي إلى التطوع والتبرع والجهاد بالنفس والمال من اجل الجزائر.
دعا ممثلي الجمعية (العلامة الزهاوي والمراقب العام )عددا من رجال الفكر والسياسة للاجتماع الذي عقد في المركز العام لجمعية الإخوة الإسلامية , الذي تمخض عنه تأسيس لجنة موحدة ضمت عددا من رجال العلم والدين والسياسة وممثلي الأحزاب , وسميت بـ( لجنة مناصرة جهاد الجزائر ) , لمناصرة القضية الجزائرية , من خلال التعريف بها وجمع التبرعات لتلك الثورة ,وقد ضمت اللجنة في عضويتها كلا من الزهاوي والمراقب العام ومحمد فاضل الجمالي , فضلا عن ممثل الجزائر احمد بن بودا .
في الوقت الذي استمر فيه المراقب العام الشيخ الصواف عقده للاجتماعات الخطابية لبث الوعي الوطني الإسلامي في جميع مدن العراق كالاجتماع الذي عقد في الجامع الكبير في الموصل بتاريخ الأول من حزيران 1956, دعا فيها المراقب العام إلى مساندة الثوار الجزائريين ودعمهم , ما أثار الحماسة والاندفاع في نفوس المجتمعين الذين سارعوا إلى إرسال برقية إلى الوفد الجزائري الذي كان يزور العراق آنذاك والذي ضم كلا من البشير الإبراهيمي ووفدا من جبهة التحرير الجزائري وكان مما جاء في البرقية : " آلاف المحتشدين في الجامع الكبير … تحيي جهاد أخواننا المجاهدين في الجزائر , وتعاهد الله على الجهاد لنصرة الجزائر وكل بلد إسلامي .. "
وعلى اثر اختطاف فرنسا لطائرة قادة الثورة الجزائرية شكل ممثلو جمعية الإخوة الإسلامية ،وفدا لمقابلة الملك فيصل الثاني في تشرين الثاني 1956 والالتماس منه للعمل على إطلاق سراح الزعماء الجزائريين ,وقد صرح العلامة الزهاوي للصحف العراقية ,أن الملك مهتم بهذه القضية , وأبدى استعداده للعمل بكل ما فيه خير الجزائر العربية".
شرعت جمعية الإخوة الإسلامية في جمعها التبرعات للثورة الجزائرية . كما أعلن عن إجراء اكتتاب عام في كافة أنحاء العراق . وقد نشط شباب الجمعية في جمع التبرعات إذ كانوا يطوفون على المحلات والمساجد والجمعيات لجمع الأموال والعينات من أغذية وملابس وغيرها .
توجه أعضاء ( لجنة مناصرة جهاد الجزائر ) إلى الموصل في شهر أيار من عام 1957 . وقد حضر الوفد اجتماعا جماهيريا أقيم في الجامع الكبير في الموصل , وقد ألقيت في ذلك الاجتماع خطب عدة كان لها دور كبير في إثارة مشاعر الجماهير ومن أبرزها خطبة المراقب العام , وبوشرت عملية جمع التبرعات واستطاعوا خلال ربع ساعة من جمع مبلغ كبير . وفي اليوم التالي انتشر شباب الإخوان في أحياء مدينة الموصل لجمع التبرعات من الأهالي . وتحدث المراقب العام لإخوان الموصل معبرا عن عملية جمع التبرعات بقوله " لو تبرع كل عراقي بفلس لاستطعنا تجهيز فوج من المجاهدين "
لم يكتف الإخوان بجمع التبرعات داخل العراق فحسب بل فكروا في مواصلة نشاطهم أيضا خارج العراق , فسافر الزهاوي على رأس وفد ضم أعضاء المعارضة في مجلس النواب العراقي ومنهم , حسن عبد الرحمن ( نائب البصرة ) وسامي باشعالم ( نائب الموصل ) وزاروا سوريا والتقوا الرئيس السوري شكري القوتلي ثم الى مصر والتقوا فيها الرئيس المصري جمال عبد الناصر فقدموا عددا من المقترحات الداعمة للقضية الجزائرية .
عرض العلامة الزهاوي على الملك سعود بن عبد العزيز خلال زيارة إلى العراق في حزيران 1957م, فكرة كانت تقررت في إحدى اجتماعات لجنة مناصرة الجزائر مفادها قيام الدول العربية المنتجة للنفط باعتمادات خاصة في ميزانيات تلك الدول لمساعدة الجزائر وقد نالت تلك الفكرة قبول الملك واستحسانه إلا أن تلك الفكرة كانت متوقفة على موافقة دولة الكويت آنذاك .
واستطاعت لجنة مناصرة جهاد الجزائر ما بين عامي 1957 – 1958 جمع أكثر من (200 ) ألف دينار , سلم آخر مبلغ منه وقدره ( 50 ) ألف دينار في يوم 13 تموز عام 1958، وحول المبلغ إلى شيك على البنك العربي في بغداد باسم ممثل الجزائر احمد بن بودا .
الإشراف التام من قبل الشيخ الصواف على شؤون الطلبة الجزائريين القادمين تحت رعاية جمعية علماء الجزائر حيث أرسل الشيخ بشير الإبراهيمي تفويض خطي يخوله بذلك باسم جمعية علماء الجزائر .
تباحث ممثلو الجمعية في عصر يوم الثالث عشر من تموز 1958 حول عملية مواصلة الدعم للجهاد الجزائري من خلال تقديم طلب إلى الحكومة للسماح بتشكيل هيئة دائمة للدفاع عن شمال أفريقيا لدعم ( الجزائر , تونس , المغرب ) لكن قيام ثورة 14 تموز حال دون ذلك . لتغير أوضاع الإخوان ورجالات جمعية الإخوة الإسلامية بعد أن قامت ثورة 1958م في العراق بقيادة عبد الكريم قاسم، وسيطر الشيوعيون على مقاليد الأمور في البلاد، وبدؤوا يضيِّقون الخناق على دعوة الشيخ الصوّاف، ويقاومون حركته، وانتهى بهم الحال إلى تلفيق التهم له، ونشر الشائعات ضده، ثم قاموا بإغلاق المجلة التي كان يصدرها باسم "لواء الأخوة الإسلامية" والقبض عليه، وسجنه مع عدد من رجالات العراق الكرام مثل اللواء الركن محمود شيت خطاب،وبعد خروجه من السجن لم يكفَّ خصومه عن ملاحقته ومحاولة اغتياله، فاضطر إلى مغادرة العراق، لكن الحركة الإسلامية رغم محنتها التي مرت بها بعد ذلك استمرت في دعم قضايا الأمة العادلة وخصوصا القضية الجزائرية ، واستمر نشاط الشيخ الصواف في خارج العراق في الوقوف مع المجاهدين أينما كانوا في بلاد الإسلام إلى مماته رحمه الله .
وهكذا اقترن قول العراق بأفعاله ، رسميا وشعبيا ، في احتضان الثورة الجزائرية حتى احتل العراق بجدارة واستحقاق، موقع الصدارة في دعم ومساندة الثورة الجزائرية من بين دول العالم. واليوم وأعاد الزمن دورة التاريخ معكوسة فالعراق محتل ومقاوم وثائر، فهل من ناصر له ؟ إما إن العراق لا بواكي له.