خالد حنفي علي
رغم التجليات البناءة لظهور الإنترنت في العالم ، لاسيما أنه استطاع اختزال الفجوات المكانية والزمنية بين المجتمعات ، وفتح مساحة من المعرفة لكل مواطن ، إلا أن وجوها سلبية أطلت من هذا الفضاء الإلكتروني ، حيث استثمرت تنظيمات إسلامية متطرفة من بقاع مختلفة في العالم الإمكانيات التكنولوجية ل-"الويب" ، لبث أفكار تحريضية ، وتجنيد وتدريب عناصر تقوم بعمليات تفجيرية يقع ضحيتها الأبرياء.
ولعل الخصائص المميزة لبيئة الإنترنت أغرت هذه التنظيمات باستثمارها، فنحن أمام مجتمع افتراضي تحكمه ديمقراطية بلا حدود ودون قيود ، فلا توجد مساءلة أمام تقديم محتويات غير قانونية ، فضلا عن إمكانيات هائلة في التراسل الصوتي والمكتوب ذي الطبيعة السرية والفورية قليلة التكلفة ، وهي كلها أمور تساعد أي تنظيم علي بناء علاقات أعضائه في الفضاء الإلكتروني ، بعيدا عن المراقبات الأمنية. يضاف إلي ذلك وجود أعداد هائلة من الزوار من مختلف الجنسيات، يمكن للتنظيم أن يجند بعضهم أو يجذب تعاطف البعض الآخر.
لقد أصبح "الويب" بالنسبة لتنظيمات متطرفة، كالقاعدة وفروعها في منطقتنا العربية، الأداة الإعلامية والتشبيكية، سواء لتسيير أعمال التنظيم ، أو نشر البيانات التي تعلن المسئولية بين الحين والآخر عن تفجيرات انتحارية مثل : انفجار شرم الشيخ في الثالث والعشرين من يوليو 2005 ، وقبلها انفجارات لندن في السابع من يوليو 2005 ، كما لم يتورع التنظيم عن استخدام الإنترنت كوسيلة لبث الرعب والخوف في نفوس الناس ، عبر نشر صور جرائم قتل الرهائن في العراق.
ورغم أن لجوء التنظيمات المتطرفة ذات الصبغة الإسلامية إلي استخدام الإنترنت بدأ في النصف الثاني من تسعينيات القرن العشرين ، إلا أنه منذ الحادي عشر من سبتمبر 2001 ، أصبح الفضاء الإلكتروني الأداة الرئيسية لتلك التنظيمات في عمليات الحشد الفكري واللوجيستي، وذلك لمواجهة كثافة الحملات الأمنية الغربية والعربية.
ونظرا للتداعيات الخطيرة لهذا الاستخدام للإنترنت علي منطقتنا العربية ، فقد أصبحت هناك ضرورة لفهم طريقة التنظيمات المتطرفة في بناء علاقاتها في مجتمع الويب ، وكذلك أدواتها في تصدير الإرهاب إلي مجتمعاتنا، مع التركيز علي بعض المواقع الإسلامية التي صدرت مفاهيم جهادية تجاوزت منطق مقاومة المحتل إلي الإضرار بالمجتمع وقتل الأنفس البريئة ، تحت دعوي فتاوي تاريخية تجاوزها الواقع المعاصر.
فلسفة الويب ..مدخل للفهم :
جوهر الفلسفة التي يقوم عليها مجتمع الويب ، تتجاوز أنه مجرد وسيلة للاتصال السريع تختصر الزمن والجغرافيا ، إلي أنه يؤسس مجتمعا افتراضياcyber society تقوم العلاقات فيه علي النمط الشبكي الأفقي الذي يتساوي أفراده من حيث الحقوق ، فلا يملك أحد فيهم سلطة علي الآخر، فهو مجتمع لا توجد فيه قوانين ملزمة لسلوك أفراده الذين ينتمون إليه بمحض إرادتهم ، ويستطيعون الخروج منه بنفس الطريقة.
ومن هنا ، فالقرارات في هذا المجتمع الشبكي لا تفرض بالقوة ، وبالتالي يصبح تلاقي أفراده في تجمعات إلكترونية علي أساس اتفاقهم في النظر حول قضية ما يدافعون عنها ، وبالتالي تتعمق حرية الزائر إلي أقصي حد ممكن في مسألة الاختيار، وهو ما يختلف عن طبيعة العلاقات في المجتمع التقليدي التي تتسم بأنها ذات بناء هرمي ، أي أن هناك سلطة ومجتمعا ، ويتم فرض القرارات من أعلي إلي أسفل ، استنادا إلي قوة تملكها السلطة، تستطيع من خلالها توزيع القيم السلطوية داخل المجتمع.
إن هذه الفلسفة الشبكية لم تسهم فقط في إضعاف مفهوم الدولة القومية ، بل تجاوزها عبر القيام بعملية تفتيت الهوية داخل المجتمع ، فلقد بات الأفراد والجماعات من الأعراق والأصول والأديان المختلفة في دول متناثرة، تقيم عالمها الخاص بها عبر الإنترنت علي حساب التفاعل مع مجتمعاتها المحلية ، ودون الحاجة للعودة إلي مؤسسات الدولة أو عبرها.
والمفارقة أن هذا الملمح الانعزالي، الذي ينشأ في مجتمع الويب ، يأتي رغم أننا أمام وسيلة ( الإنترنت) تسعي لعمل هوية إنسانية عالمية واحدة ، غير أن مرد ذلك هو أن التدفق اللامحدود للمعلومات والمعرفة وللتفاعلات الإنسانية يجعل من الانتماءات الأولية( الدين أو العرق وغيرهما) هو الحصن الآمن الذي يتمترس خلفه زائر الإنترنت ، ولذا فلا غرو أن تكتسي المجموعات الالكترونية التي تنشأ عبر المواقع الكبري علي الإنترنت صبغات دينية أو قومية أو أيديولوجية.
هذا المشهد الشبكي، بكل تجلياته القيمية ، مثل بيئة مناسبة للتنظيمات الإسلامية المتطرفة ، لاسيما أن هذه الأخيرة دخلت في مواجهات عنيفة طوال عقد التسعينيات في القرن العشرين مع المؤسسات الأمنية العربية ، وهو ما أدي لتعطيل بناء هذه التنظيمات في أوطانها المحلية ، فضلا عن صعوبة تجنيد أعضاء جدد في ظل خطاب إعلامي يدعو لتجفيف منابع الإرهاب.
وازداد الموقف تعقيدا أمام تلك التنظيمات بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 ، لاسيما أن الولايات المتحدة شنت حملة عسكرية ضد أفغانستان، وأسقطت حكم حركة طالبان التي احتوت جزءا من هذه التنظيمات ، خاصة " القاعدة" ، ومنذ ذلك الحين أصبحت هناك حملة عالمية ضد التنظيمات الإسلامية المتشددة، مما ضيق أمامها السبل، سواء في التجنيد أو التمويل أو بناء التنظيم أو مده إلي بقاع أخري.
وبدا أن انتقال تلك التنظيمات للعمل في المجتمعات، ذات الطبيعة الشبكية ، سيساعدها علي تجاوز قيود الزمان عبر عمل سرعة في التنسيق والمتابعة ، ووصول المعلومات وإيصالها إلي عناصرها، كما سيسمح لها بتجاوز قيود المكان ، من خلال بناء تنظيم فعال يدير أعماله بسرعة وفاعلية مع وجود أعضائه -بل وقادته- في أماكن متباينة، وبلدان شتي.
كما أن هذه البيئة الشبكية ذات الصفة العالمية ستفيد أيضا التنظيمات الإسلامية التي لها خطاب عالمي أممي ، كتنظيم القاعدة الذي يقول: "إنه يشن حربا ضد الصليبيين وحلفائهم"، وحتي بعض التنظيمات المحظورة ، والمختلفة في توجهها الفكري عن القاعدة ، كالإخوان المسلمين، وجدت هي الأخري في الإنترنت فرصة لمواجهة الحظر السياسي واستعادة الحيوية المفقودة وجذب عناصر لها .
بل إن مجتمع "الويب" قد يكون من وجهة نظر هذه التنظيمات هو المجال الأمثل لتحقيق حلم الأمة الإسلامية الغائبة ، والدولة الدينية المنشودة، لاسيما أن الواقع لا يستوعب تطبيق هذا الحلم ، بعد التغيرات الجغرافية والأيديولوجية والسياسية علي العالم الإسلامي.
ولعل أهمية عدم انحسار التنظيم في حيز جغرافي تساعده علي تجنب ضربات أجهزة الأمن ، كما تمكنه من تغيير تكتيكاته بسرعة قياسية، وبناء هيئات وهياكل تنظيمية لأهداف مؤقتة، ثم حلها فور تحقق تلك الأهداف، دون الحاجة إلي بناء تنظيمي جامد، وهذه المرونة الهيكلية تحرم قوي الأمن من قراءة تاريخ التنظيم بشكل يمك نها من الإضرار به.
غير أنه كان علي هذه التنظيمات ، وهي تنتقل إلي الإنترنت، أن تعيد صياغة هياكلها بشكل أفقي ، حيث تصبح علاقاتها قائمة علي المرونة والعلاقات الداخلية الطليقة التي تنبني علي مبدأ التنسيق العام والدعم والتخطيط الاستراتيجي والفكري ، دون إملاء للقرارات التكتيكية.وهذا المنطق يجعلها أكثر قدرة علي امتصاص الضربات الأمنية ، فالتنظيمات ذات البناء الهرمي الصارم تصاب بتصدع بعد كل ضربة، وقد تنهار نهائيا، بينما تمتاز الجماعات غير الهرمية بالقدرة علي امتصاص الضربة وعزلها، والتعافي من آثارها بسرعة، لأن العلاقات فيها جانبية لا رأسية.
ونظرا لأنه يقدم لها إمكانية البقاء والاستمرار لها ، وتحقيق أهدافها ، لذا لم نسمع، إلا في حالات نادرة ، أن التنظيمات الإسلامية، حتي أكثرها تشددا وغلوا، قد أصدرت فتاوي تحرم استخدام الإنترنت ، رغم أنها فعلت ذلك مع وسائط معرفية أخري ، كالسينما والتلفاز وغيرهما.
أدوات تصدير الإرهاب :
ولكي تتمكن التنظيمات المتطرفة من استثمار مجتمع "الويب" لتحقيق أهدافها، كان عليها إتقان كل الأدوات الإلكترونية لاستخدامها في مستويين ، أولاهما: لعمل حشد فكري وتهيئة وتحريض للرأي العام وشن حملات دعائية لتشويه الخصوم ، أما المستوي الآخر، فهو يتعلق بعدة وظائف تتصل بتسيير أنشطة التنظيم ، مثل : اجتماعات الأعضاء والتدريب واستقطاب عناصر جديدة ، وكذلك الحصول علي التمويل، فضلا عن التخطيط للعمليات والحصول علي معلومات حول الأهداف التي ينوي التنظيم القيام بعمليات إرهابية ضدها (مبان ، أفراد ، ..إلخ).
ويأتي "البريد الالكتروني الدوار" علي رأس أدوات الحشد الفكري ، وطمأنة أنصار التنظيم، وهو عبارة عن رسالة يتم تبادلها بين أعضاء مجموعة إلكترونية معينة ، كما يقوم كل فرد من أفراد المجموعة بإرسالها إلي قائمته البريدية في مختلف دول العالم ، وقد يصل حجم دوران الميل إلي مليون شخص.
أما الوسيلة الأخري ذات الأهمية القصوي، فهي " إطلاق مواقع إلكترونية " ذات صلة مباشرة أو غير مباشرة ، والتي تلعب أدوارا متعددة ما بين الحشد الفكري لقضايا يرغب التنظيم في إطلاقها ، ومتابعة أحداث معينة بالانحياز لوجهة التنظيم الذي قد لا يظهر في الصورة ، كما قد تلعب بعض المواقع أدوارا استخبارية في اكتشاف طبيعة الزوار الذين يريد التنظيم مخاطبتهم أو استقطابهم أو تجريب بعض القضايا وردود الفعل حولها.
وخلافا لذلك ، فهناك عدد آخر من وسائل التفاعل المباشر التي يتيحها الويب ، كالمشاركة مباشرة في النقاشات وتنظيم حملات في قضايا معينة ، وذلك من خلال أدوات ، مثل : ساحات الحوار والمنتديات ، وهي عبارة عن مساحات مفتوحة لكل الآراء، ويناقش فيها الزوار قضايا المجتمع والأحداث الجارية، وهنا قد تسيطر عناصر تنظيم معين علي بعض ساحات الحوار ، ويقومون بتوجيه نظر الزوار نحو قضايا معينة ، وبث أفكار تحريضية في هذه الساحات والمنتديات.
ويضاف إلي ذلك قائمة أخري من الأدوات "كالشات"، وهو أشبه بهاتف إلكتروني علي الإنترنت ،يمكن من خلاله التواصل الصوتي والمكتوب بين الأفراد ، كما أن هناك " البالتوك"، وهو عبارة عن برنامج مجاني للحوار الحي والمباشر علي الإنترنت باستعمال الصوت والصورة، وتستخدم التنظيمات هذا البرنامج لتدريب أفرادها ، وعقد الاجتماعات معهم عن بعد.
ومن المهم إدراك أن هذه الأدوات، مثلها مثل أي أداة تواصلية إنسانية، قد تستخدم بشكل إيجابي لخير البشرية ، أو تستخدم بشكل سلبي للإضرار بالأبرياء وقتلهم كما في حالة التنظيمات المتطرفة.
"القاعدة" وفلسفة الويب :
إن فلسفة "الويب" وأدواته يمكن أن ندلل عليها بنموذج تطبيقي من المهم التعرض له، وهو تنظيم القاعدة وفروعه ، حتي نري كيف استثمرت تلك التنظيمات إمكانيات الإنترنت في تسيير أعمالها وتنفيذ عملياتها ضد الأبرياء.
فبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 ، وجد تنظيم القاعدة -الذي أعلن مسئوليته عن هذه الأحداث - نفسه في مواجهة ملاحقة أمنية من كل دول العالم، وليست الولايات المتحدة وحدها، خاصة بعد أن استطاع هذا التنظيم عولمة عمليات القتل وتفخيخ السيارات والعمليات الانتحارية ، بدءا من واشنطن ولندن ومدريد، ومرورا بالسعودية والعراق، وانتهاء بمصر والمغرب ، وكان مجتمع الويب هو المكان الذي لجأ إليه بعد أن شدد الخناق عليه في أرجاء العالم.
ولعل من يفهم طبيعة انتقال تنظيم القاعدة الذي يتزعمه أسامة بن لادن للفضاء الإلكتروني، سيجد أنه تنظيم يتبني معادلة التوجيه الاستراتيجي والاستقلال التكتيكي، وترجيح التنسيق الأفقي علي الهيمنة العمودية، فحرص علي وضوح السياج الفكري المتطرف في أذهان الأعضاء، لكن سمح لهم بقدر كبير من الاستقلالية في التكتيك والأمور العملية. ومن هنا، نجد عمليات تفخيخ سيارات وقنابل بشرية انتحارية عبر العالم، وتنسب لفروع للقاعدة في العراق أو السعودية أو أوروبا أو غيرها من البلدان.
ولهذا السبب تحديدا ، هناك صعوبة أمنية واستخبارية في التعامل مع القاعدة وخلاياها المبعثرة في كل أنحاء العالم ، علي خلاف التنظيمات الرأسية المتشابكة ، والتي ترتبط عضويا بعضها ببعض ، مما يسهل متابعة حركتها أمنيا.وهنا يقول مايكل شوير، المسئول السابق عن وحدة وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية المكلفة بتعقب أسامة بن لادن لصحيفة واشنطن بوست، في 8 أغسطس 2005، " إن لجوء "القاعدة" للإنترنت أثر سلبا علي مقدرات أجهزة الأمن الأمريكية علي توجيه ضربة لها ...".
ويمكن القول إن "القاعدة" استفادت من كل الأدوات المتاحة علي الإنترنت، بدءا من البريد الإلكتروني الدوار الذي يقوم به عناصره أو المتعاطفون معه، مرورا بإنشاء مواقع تابعة له وانتهاء "بالبالتوك" ، وذلك لتحقيق أكثر من هدف:
1- التدريب ، وفي هذا الصدد، تشير صحيفة واشنطن بوست في العدد المشار إليه سلفا إلي أن منفذي الهجمات الانتحارية في العراق ومصر وأوروبا، الذين يتبعون لشبكة "القاعدة"، يعتمدون في التدريب والدعم التكتيكي علي العمل عبر شبكة الإنترنت بسرية تامة. فعلي سبيل المثال ، هناك وثيقة حول "الأسلحة البيولوجية" علي شبكة الإنترنت نشرت في شهر يونيو 2005 علي موقع مصطفي ست مريم نصر، وهو قيادي هارب اسمه عمر عبد الحكيم مطلوب أمريكيا ، وتوضح هذه الوثيقة كيفية استخدام الطاعون الرئوي كسلاح بيولوجي إذا أمكن الحصول علي كمية محدودة من الفيروس.
كما أن هناك موقعا يسمي "بالبتار" تم إغلاقه ، كان يقدم دروسا حول حرب العصابات، وحرب المدن، و"سلاح الملاحة الإلكترونية " و"الدورة الرياضية للمجاهد".يضاف إلي ذلك، أن ما يسمي بالجبهة الإعلامية الإسلامية العالمية ، وهي تتبع " القاعدة" نشرت الكثير من المواد التدريبية التي جري التأكد من استخدامها في أفغانستان ، مثل: كيفية استخراج المواد المتفجرة من الصواريخ والألغام الأرضية ، كما تتضمن مادة أخري قائمة بأسماء المواد المتفجرة المتوافرة في الأسواق الغربية.
2- التجنيد العالمي، إن عدم وجود حدود زمانية أو مكانية في مجتمع "الويب" يتوافق مع الرؤية العالمية التي يطرحها تنظيم القاعدة في خطابه الفكري ، حيث دائما ما يتحدث عن الأمة المهزومة والمنتهكة مما يسميهم "الصليبيين وحلفاءهم" ، كما أن منطق الأمة نفسه يساعده علي جذب عناصر لتنظيمه من أصول عرقية متباينة ، لذا تجد منتمين لهذا التنظيم من جنسيات مختلفة في العالم ، لا يجمع بينها أي مشتركات سوي الإطار الفكري المتشدد.
3-نشر الأفكار واجتذاب المتعاطفين ، فعلي سبيل المثال ، فإن موقع القلعة الذي أغلق بعد هجمات 7 يوليو 2005 في لندن ، كان يمكن أي زائر راغب في الانتماء إلي القاعدة من أن يجد الأواصر مع التنظيم ، كما أنه بالإمكان مشاهدة أفلام فيديو عن أحدث أعمال قطع الرقاب في العراق إلي مشاهدة منفذي هجمات 11 سبتمبر مع تبريرات طويلة مقتبسة من القرآن للهجمات الانتحارية، لكن هذا الموقع تم إغلاقه فجأة بعد نشر إعلان اسم المنظمة المسئولة عن تفجيرات لندن ، والتي تحمل اسم "المنظمة السرية للقاعدة في أوروبا".
كما استخدم أيضا موقع النداء في نشر بيانات بن لادن وتبريرات الجهاد ضد الولايات المتحدة وحلفائها، ورغم مهاجمة الموقع من قبل قراصنة أمريكيين ، إلا أنه نجح في الانتقال إلي آسيا ، ومع مقتل يوسف العبيري في معركة بالرصاص دارت مع وحدات أمن سعودية في مايو 2003، اختفي بعد ذلك موقعه تماما. غير أنه لابد من إدراك أن تنظيما كالقاعدة يستخدم في مواجهة عمليات الغلق العديد من المنتديات والمواقع المجانية و"البلوجرز" التي قد يصعب غلقها ، وتوفر إمكانية التواصل مع عناصره في بقاع عديدة في العالم.
المواقع الإسلامية :
وفي الوقت الذي وفر فيه مجتمع "الويب" لتنظيم كالقاعدة مثلا إمكانيات البقاء والتغلب النسبي علي الحملات الأمنية علي أرض الواقع ، فإن إنشاء المواقع ظل الأداة الأبرز لأي تنظيم يريد أن يخترق مجتمع الإنترنت ، حيث عادة ما تتأسس مجتمعات حول تلك المواقع ، تتأثر بكل ما تطرحه. ومن هنا، ظهر العديد من المواقع التابعة للتنظيمات الإسلامية المتشددة، سواء ارتبطت معها بصلة مباشرة أو غير مباشرة ، أي توفير بيئة فكرية تدعم القضايا التي يدافع عنها التنظيم.
وتشير خريطة المواقع الإسلامية في مجتمع الويب إلي أننا بصدد موازييك واسع في الفضاء الإلكتروني، حيث يحتضن الإنترنت كل ألوان الطيف في التيارات الإسلامية، سواء أكانت متشددة أم معتدلة، شيعية أم سنية أو حتي مذاهب إسلامية أخري . غير أن الملاحظ هو غلبة التيار السلفي المتشدد علي هذه المواقع، خاصة تلك التي تخاطب زوار منطقتنا العربية. ولعل غلبة هذا التيار الجهادي علي مواقع الإنترنت هيأت بيئة مناسبة للتنظيمات والتيارات المتطرفة، خاصة أن بعض هذه المواقع شهدت عمليات تكفير لبعض المسلمين بالباطل ، ودعوات للجهاد المسلح لم تتوافر لها مقتضيات أو شروط شرعية باتفاق العلماء.
ويعزو البعض هيمنة الاتجاه السلفي لاعتبارات اقتصادية، حيث ارتبط ظهور هذه المواقع الإسلامية في نهاية التسعينيات بالأموال النفطية التي تدفقت من منطقة الخليج، فهناك مواقع إسلامية عديدة تمول من السعودية وأخري من قطر ، وثالثة تعبر عن الإسلام القادم من أفغانستان وباكستان . يضاف إلي ذلك، أن هناك مواقع للمعارضة الإسلامية كجماعة الإخوان المسلمين المحظورة، وحركة طالبان ، ومجموعات إسلامية معارضة لأنظمة السعودية وليبيا وغيرها.
وعدا القليل من هذه المواقع الذي اتسم بالاعتدال والمناقشة الموضوعية لقضايا المجتمع ، فأغلبها يتسم بتكرار في المضمون ، حيث يهيمن فقه دورات المياه والقبور، والجهاد ضد الحكام ، بينما يركز بعضها علي أن يكون محطة إذاعية للقرآن أو للدعاء ، ونقل كتب الفقه إلي الإنترنت ، دون أية مراعاة أو حتي فهم لطبيعة مجتمع "الويب".
أما المواقع التي تتبع مباشرة التنظيمات الإسلامية المتشددة كالقاعدة ، فتهدف إلي التعريف بالتنظيم وتاريخه ومؤسسيه وأبطاله وأنشطته وخلفياته السياسية والاجتماعية، وأهدافه، وعادة ما تركز في خطابها الفكري علي أن التحول إلي العنف هو ضرورة بسبب الظروف القائمة ، وبسبب جبروت الأنظمة والنظام العالمي بقيادة الولايات المتحدة ، بينما يحاول آخرون الحديث عن شرعية استخدام العنف وصكه بفتاوي شرعية.
ويمكن أن نضرب نماذج من المواقع التي تتعاطف مع عمليات العنف والإرهاب أو حتي تدعو إليها مباشرة ، مثل : موقع " مركز المقريزي للدراسات التاريخية " ببريطانيا، والذي يديره الأصولي المصري الهارب واللاجئ لبريطانيا د. هاني السباعي، الذي صرح بشكل واضح علي الموقع بحبه وتأييده ل- "بن لادن" زعيم القاعدة.
أيضا، هنالك موقع "المرصد الإعلامي الإسلامي" الذي يديره الأصولي المصري ياسر السري من بريطانيا ، وهو الملاحق من قبل السلطات المصرية ، ويعتبر مصدرا رئيسيا لبيانات الشبكات الإرهابية الإسلامية.كما أن هناك مواقع معنية بدعم الاتجاه "السلفي الجهادي"، ومن هذه المواقع موقع "منبر التوحيد والجهاد" الذي يديره أبو محمد المقدسي ، وهو فلسطيني - أردني، وهو في موقعه يعترف بكونه عضوا في القاعدة.
يضاف إلي ذلك موقع "صوت الجهاد" الذي يهتم -كما يقول- " بشئون الجهاد والمجاهدين بجزيرة العرب"، والذي ينشر مجلة "صوت الجهاد ، وتنشر مجلة "البتار"، وهي كلها مجلات معنية بتقديم الغطاء الفكري والديني والمعنوي الذي يبرر الأنشطة الإرهابية التي تقوم بها هذه الخلايا في الدول العربية. وهنالك أيضا موقع "الجهاد الحقيقي" الأصولي الذي دأب علي بث بيانات تنظيم "القاعدة" ، وآخرها دراسة عن استراتيجية "القاعدة" حتي عام 2020، ويبث جميع مواده بالإنجليزية.
هذه ثلة من المواقع التي تدعو مباشرة إلي تأييد تنظيمات تصدر الإرهاب إلي مجتمعاتنا العربية ، غير أنه لابد من الانتباه لأمر مهم ، هو أن هناك شريحة من المواقع الإسلامية التي يجمع خطابها الفكري بين التشدد والانفتاح ، وذلك كمناورة للإفلات من أي هجمات أمنية ، أو جذب جمهور معتدل، وتحويله إلي متطرف، أو أن لها صلة تنظيميه غير مباشرة بجماعة إسلامية معينة ، وهذه النوعية من المواقع ربما تكون أكثر تأثيرا وشعبية، وتحتاج إلي دراسات مفصلة في آثارها علي زوار الإنترنت.
وبشكل عام ، فإن أخطر ما تفعله بعض المواقع الإسلامية، علي اختلاف توجهاتها الفكرية، هو خلق انفصام عند الزائر ، حيث تطرح عليه خطابا مثاليا تقول إنه سيحل كل مشكلات الزائر إذا ما طبقه، وبالتالي تعمق حالة الحنق والإحباط لديه من الواقع العربي والإسلامي ، والتي تنظر إليه دائما علي أنه مخالف لقواعد الشرع.
ولعل هذا الخطاب يدفع بعض الزوار إلي الإحباط واليأس ، فأحد الزوار طرح علي ساحة حوار موقع إسلامي شهير إقامة دولة إلكترونية إسلامية وديمقراطية، يأسا من تحقيقها علي أرض الواقع. ورغم طرافة الفكرة، إلا أن خطورتها تعكس يأس الزائر من الواقع ، ومن ثم قد تدفعه للسلوك العنيف ، إذا ما خضع لعملية تحريض وتعبئة نفسية.
كما أن بعض المواقع قد تطرح أفكارا يمكن أن تصنف علي أنها تدخل في تنمية "ثقافة العنف ضد الآخر" ومنها فكرة الجهاد الإلكتروني التي نشأت بالأساس في إطار محاولة قراصنة عرب مهاجمة المواقع الإسرائيلية ، حيث يتم الهجوم علي خادم الموقع، أو استهداف حسابات البريد الإلكتروني للهدف المقصود ، إما بالسرقة والتشهير بمحتوياته، أو إغراقه بالرسائل الكثيفة التي قد تؤدي إلي حجب الخدمة عن البريد الإلكتروني.
غير أن خطورة هذه الفكرة في أنها قد تتحول من أداة ضد إسرائيل إلي استخدامها ضد الآخر فكريا علي الإنترنت ، ويمكن أن تجد علي معظم مواقع الأصوليين الإسلاميين التي ذكرناها سلفا أقساما فنية متخصصة في "الجهاد الإلكتروني" تحتوي علي معلومات عن التكتيكات الفنية لهذه الأداة.
يضاف إلي ما سبق ، أن تفتيت الخطاب الإسلامي عبر "إسلاموات الإنترنت" يخلق بلبلة شديدة لدي الزائر ، فهناك آلاف المواقع الإسلامية التي تتباين في خطابها ، الأمر الذي يشتت ذهنية الزائر ، ويجعله يواجه هذه الخطابات الكثيرة بالانعزال والتمترس في أحدها وترديد مقولاتها ، وهو ما يلقي بتداعياته علي عدم وجود خطاب عام إسلامي معتدل في "الويب"، يسمح للمتشددين باكتساب أرضية وسط هذه الفسيفساء الفكرية.
المواجهة التقنية والفكرية :
إن مواجهة استثمار التنظيمات المتشددة لإمكانيات مجتمع "الويب" أمر معقد ، لاسيما أننا أمام عالم متشابك ويمتلك قدرة علي السرية والتخفي ، غير أن الملاحظ أننا أمام مستويين استخدما إلي الآن في المواجهة ، أولهما تقني أمني ، والآخر فكري.
ومنطق المواجهة التقنية الأمنية هو منع استخدام هذه التنظيمات من الاستفادة بإمكانيات "الويب"، عبر إغلاق المواقع وملاحقتها ، وهي عملية تبدأ من معرفة الشركات التي تستضيف هذه المواقع ووقفها. فبعض شركات الاستضافة لجأت إلي إغلاق المواقع عندما وقعت في مشكلات، ومن ذلك شركة "Hosting Anime" الأمريكية التي تستضيف موقع "صوت الجهاد" ، وفوجئت الشركة عندما أعلنت قناةCNN خبر مقتل الرهينة الأمريكي بول جونسون في الرياض في يونيو 2004 بأنها تستضيف الموقع، وقامت بإغلاقه علي الفور.
من جهة أخري ، قد يتم اقتحام المواقع المتطرفة باللجوء إلي "الهاكرز" أو قراصنة الإنترنت مثلما لجأت الولايات المتحدة إلي مجموعة تسمي نفسها "خبراء الإنترنت الأمريكيين" التي تعمل بطريقة منظمة للهجوم علي المواقع الجهادية. فعلي سبيل المثال ، لم يبق موقع "القلعة" الشهير الذي نشر الادعاءات حول المسئولية عن تفجيرات لندن في يوليو 2005 ، إلا أقل من ساعة علي شبكة الإنترنت ، بعد نشر الإعلان فيه.
غير أن التنظيمات المتطرفة تواجه هذه الملاحقات لمواقعها ، عبر الاستفادة مما تتيحه "سيرفرات" المواقع الكبري "كجوجل" "وياهو" من إنشاء مواقع شخصية مجانية تنشر محتوي غير قانوني. وحتي في حالة حجب الموقع، تتم مقاومة ذلك "بالبروكسي" وهو عبارة عن مسار إنترنت بديل، يتيح لمن يضعه في إعدادات متصفح جهازه الالتفاف حول الحظر الذي تفرضه بعض الدول علي مواقع بعينها.
أما مسالة تتبع أعضاء أي تنظيم متطرف من خلال أن كل جهاز كمبيوتر له عنوان بروتوكول خاص به يسمي(IP address( يمكن معرفته من "السيرفر" ، فالمشكلة أن أعضاء هذه التنظيمات تستخدم المقاهي العامة ، حتي لا تكشف وحتي إذا نجح الأمن في معرفة البروتوكول الخاص بزائر الإنترنت ، فإذا كان في دولة أخري ، فيكون صعبا ملاحقته ، خاصة في حال عدم وجود اتفاقية أمنية بين بلده والبلد الموجود فيه.
ومع وجود مشكلات عديدة في المواجهة التقنية ، فإن المواجهة الفكرية تصبح هي الأجدر ، فمطلوب إنشاء مواقع تصحيحية تواجه حركة المواقع المتطرفة ، وتظهر الجانب المعتدل في الإسلام ، فضلا عن إنشاء مراكز خاصة بمتابعة الإنترنت ، ليس من زاوية المراقبة الأمنية ، ولكن من أجل فهم التركيبة الفكرية لزوار "الويب".
يضاف إلي ذلك ، أن هناك ضرورة لتكثيف الدراسات الأكاديمية المعمقة حول استخدام زوار الإنترنت في العالم العربي لتحليل الأوجه السلبية والإيجابية لهذا الاستخدام ، حتي لا نظل عاجزين عن وقف استثمار التنظيمات المتطرفة ل- "لوب" في تصدير الإرهاب لمجتمعاتنا.
رغم التجليات البناءة لظهور الإنترنت في العالم ، لاسيما أنه استطاع اختزال الفجوات المكانية والزمنية بين المجتمعات ، وفتح مساحة من المعرفة لكل مواطن ، إلا أن وجوها سلبية أطلت من هذا الفضاء الإلكتروني ، حيث استثمرت تنظيمات إسلامية متطرفة من بقاع مختلفة في العالم الإمكانيات التكنولوجية ل-"الويب" ، لبث أفكار تحريضية ، وتجنيد وتدريب عناصر تقوم بعمليات تفجيرية يقع ضحيتها الأبرياء.
ولعل الخصائص المميزة لبيئة الإنترنت أغرت هذه التنظيمات باستثمارها، فنحن أمام مجتمع افتراضي تحكمه ديمقراطية بلا حدود ودون قيود ، فلا توجد مساءلة أمام تقديم محتويات غير قانونية ، فضلا عن إمكانيات هائلة في التراسل الصوتي والمكتوب ذي الطبيعة السرية والفورية قليلة التكلفة ، وهي كلها أمور تساعد أي تنظيم علي بناء علاقات أعضائه في الفضاء الإلكتروني ، بعيدا عن المراقبات الأمنية. يضاف إلي ذلك وجود أعداد هائلة من الزوار من مختلف الجنسيات، يمكن للتنظيم أن يجند بعضهم أو يجذب تعاطف البعض الآخر.
لقد أصبح "الويب" بالنسبة لتنظيمات متطرفة، كالقاعدة وفروعها في منطقتنا العربية، الأداة الإعلامية والتشبيكية، سواء لتسيير أعمال التنظيم ، أو نشر البيانات التي تعلن المسئولية بين الحين والآخر عن تفجيرات انتحارية مثل : انفجار شرم الشيخ في الثالث والعشرين من يوليو 2005 ، وقبلها انفجارات لندن في السابع من يوليو 2005 ، كما لم يتورع التنظيم عن استخدام الإنترنت كوسيلة لبث الرعب والخوف في نفوس الناس ، عبر نشر صور جرائم قتل الرهائن في العراق.
ورغم أن لجوء التنظيمات المتطرفة ذات الصبغة الإسلامية إلي استخدام الإنترنت بدأ في النصف الثاني من تسعينيات القرن العشرين ، إلا أنه منذ الحادي عشر من سبتمبر 2001 ، أصبح الفضاء الإلكتروني الأداة الرئيسية لتلك التنظيمات في عمليات الحشد الفكري واللوجيستي، وذلك لمواجهة كثافة الحملات الأمنية الغربية والعربية.
ونظرا للتداعيات الخطيرة لهذا الاستخدام للإنترنت علي منطقتنا العربية ، فقد أصبحت هناك ضرورة لفهم طريقة التنظيمات المتطرفة في بناء علاقاتها في مجتمع الويب ، وكذلك أدواتها في تصدير الإرهاب إلي مجتمعاتنا، مع التركيز علي بعض المواقع الإسلامية التي صدرت مفاهيم جهادية تجاوزت منطق مقاومة المحتل إلي الإضرار بالمجتمع وقتل الأنفس البريئة ، تحت دعوي فتاوي تاريخية تجاوزها الواقع المعاصر.
فلسفة الويب ..مدخل للفهم :
جوهر الفلسفة التي يقوم عليها مجتمع الويب ، تتجاوز أنه مجرد وسيلة للاتصال السريع تختصر الزمن والجغرافيا ، إلي أنه يؤسس مجتمعا افتراضياcyber society تقوم العلاقات فيه علي النمط الشبكي الأفقي الذي يتساوي أفراده من حيث الحقوق ، فلا يملك أحد فيهم سلطة علي الآخر، فهو مجتمع لا توجد فيه قوانين ملزمة لسلوك أفراده الذين ينتمون إليه بمحض إرادتهم ، ويستطيعون الخروج منه بنفس الطريقة.
ومن هنا ، فالقرارات في هذا المجتمع الشبكي لا تفرض بالقوة ، وبالتالي يصبح تلاقي أفراده في تجمعات إلكترونية علي أساس اتفاقهم في النظر حول قضية ما يدافعون عنها ، وبالتالي تتعمق حرية الزائر إلي أقصي حد ممكن في مسألة الاختيار، وهو ما يختلف عن طبيعة العلاقات في المجتمع التقليدي التي تتسم بأنها ذات بناء هرمي ، أي أن هناك سلطة ومجتمعا ، ويتم فرض القرارات من أعلي إلي أسفل ، استنادا إلي قوة تملكها السلطة، تستطيع من خلالها توزيع القيم السلطوية داخل المجتمع.
إن هذه الفلسفة الشبكية لم تسهم فقط في إضعاف مفهوم الدولة القومية ، بل تجاوزها عبر القيام بعملية تفتيت الهوية داخل المجتمع ، فلقد بات الأفراد والجماعات من الأعراق والأصول والأديان المختلفة في دول متناثرة، تقيم عالمها الخاص بها عبر الإنترنت علي حساب التفاعل مع مجتمعاتها المحلية ، ودون الحاجة للعودة إلي مؤسسات الدولة أو عبرها.
والمفارقة أن هذا الملمح الانعزالي، الذي ينشأ في مجتمع الويب ، يأتي رغم أننا أمام وسيلة ( الإنترنت) تسعي لعمل هوية إنسانية عالمية واحدة ، غير أن مرد ذلك هو أن التدفق اللامحدود للمعلومات والمعرفة وللتفاعلات الإنسانية يجعل من الانتماءات الأولية( الدين أو العرق وغيرهما) هو الحصن الآمن الذي يتمترس خلفه زائر الإنترنت ، ولذا فلا غرو أن تكتسي المجموعات الالكترونية التي تنشأ عبر المواقع الكبري علي الإنترنت صبغات دينية أو قومية أو أيديولوجية.
هذا المشهد الشبكي، بكل تجلياته القيمية ، مثل بيئة مناسبة للتنظيمات الإسلامية المتطرفة ، لاسيما أن هذه الأخيرة دخلت في مواجهات عنيفة طوال عقد التسعينيات في القرن العشرين مع المؤسسات الأمنية العربية ، وهو ما أدي لتعطيل بناء هذه التنظيمات في أوطانها المحلية ، فضلا عن صعوبة تجنيد أعضاء جدد في ظل خطاب إعلامي يدعو لتجفيف منابع الإرهاب.
وازداد الموقف تعقيدا أمام تلك التنظيمات بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 ، لاسيما أن الولايات المتحدة شنت حملة عسكرية ضد أفغانستان، وأسقطت حكم حركة طالبان التي احتوت جزءا من هذه التنظيمات ، خاصة " القاعدة" ، ومنذ ذلك الحين أصبحت هناك حملة عالمية ضد التنظيمات الإسلامية المتشددة، مما ضيق أمامها السبل، سواء في التجنيد أو التمويل أو بناء التنظيم أو مده إلي بقاع أخري.
وبدا أن انتقال تلك التنظيمات للعمل في المجتمعات، ذات الطبيعة الشبكية ، سيساعدها علي تجاوز قيود الزمان عبر عمل سرعة في التنسيق والمتابعة ، ووصول المعلومات وإيصالها إلي عناصرها، كما سيسمح لها بتجاوز قيود المكان ، من خلال بناء تنظيم فعال يدير أعماله بسرعة وفاعلية مع وجود أعضائه -بل وقادته- في أماكن متباينة، وبلدان شتي.
كما أن هذه البيئة الشبكية ذات الصفة العالمية ستفيد أيضا التنظيمات الإسلامية التي لها خطاب عالمي أممي ، كتنظيم القاعدة الذي يقول: "إنه يشن حربا ضد الصليبيين وحلفائهم"، وحتي بعض التنظيمات المحظورة ، والمختلفة في توجهها الفكري عن القاعدة ، كالإخوان المسلمين، وجدت هي الأخري في الإنترنت فرصة لمواجهة الحظر السياسي واستعادة الحيوية المفقودة وجذب عناصر لها .
بل إن مجتمع "الويب" قد يكون من وجهة نظر هذه التنظيمات هو المجال الأمثل لتحقيق حلم الأمة الإسلامية الغائبة ، والدولة الدينية المنشودة، لاسيما أن الواقع لا يستوعب تطبيق هذا الحلم ، بعد التغيرات الجغرافية والأيديولوجية والسياسية علي العالم الإسلامي.
ولعل أهمية عدم انحسار التنظيم في حيز جغرافي تساعده علي تجنب ضربات أجهزة الأمن ، كما تمكنه من تغيير تكتيكاته بسرعة قياسية، وبناء هيئات وهياكل تنظيمية لأهداف مؤقتة، ثم حلها فور تحقق تلك الأهداف، دون الحاجة إلي بناء تنظيمي جامد، وهذه المرونة الهيكلية تحرم قوي الأمن من قراءة تاريخ التنظيم بشكل يمك نها من الإضرار به.
غير أنه كان علي هذه التنظيمات ، وهي تنتقل إلي الإنترنت، أن تعيد صياغة هياكلها بشكل أفقي ، حيث تصبح علاقاتها قائمة علي المرونة والعلاقات الداخلية الطليقة التي تنبني علي مبدأ التنسيق العام والدعم والتخطيط الاستراتيجي والفكري ، دون إملاء للقرارات التكتيكية.وهذا المنطق يجعلها أكثر قدرة علي امتصاص الضربات الأمنية ، فالتنظيمات ذات البناء الهرمي الصارم تصاب بتصدع بعد كل ضربة، وقد تنهار نهائيا، بينما تمتاز الجماعات غير الهرمية بالقدرة علي امتصاص الضربة وعزلها، والتعافي من آثارها بسرعة، لأن العلاقات فيها جانبية لا رأسية.
ونظرا لأنه يقدم لها إمكانية البقاء والاستمرار لها ، وتحقيق أهدافها ، لذا لم نسمع، إلا في حالات نادرة ، أن التنظيمات الإسلامية، حتي أكثرها تشددا وغلوا، قد أصدرت فتاوي تحرم استخدام الإنترنت ، رغم أنها فعلت ذلك مع وسائط معرفية أخري ، كالسينما والتلفاز وغيرهما.
أدوات تصدير الإرهاب :
ولكي تتمكن التنظيمات المتطرفة من استثمار مجتمع "الويب" لتحقيق أهدافها، كان عليها إتقان كل الأدوات الإلكترونية لاستخدامها في مستويين ، أولاهما: لعمل حشد فكري وتهيئة وتحريض للرأي العام وشن حملات دعائية لتشويه الخصوم ، أما المستوي الآخر، فهو يتعلق بعدة وظائف تتصل بتسيير أنشطة التنظيم ، مثل : اجتماعات الأعضاء والتدريب واستقطاب عناصر جديدة ، وكذلك الحصول علي التمويل، فضلا عن التخطيط للعمليات والحصول علي معلومات حول الأهداف التي ينوي التنظيم القيام بعمليات إرهابية ضدها (مبان ، أفراد ، ..إلخ).
ويأتي "البريد الالكتروني الدوار" علي رأس أدوات الحشد الفكري ، وطمأنة أنصار التنظيم، وهو عبارة عن رسالة يتم تبادلها بين أعضاء مجموعة إلكترونية معينة ، كما يقوم كل فرد من أفراد المجموعة بإرسالها إلي قائمته البريدية في مختلف دول العالم ، وقد يصل حجم دوران الميل إلي مليون شخص.
أما الوسيلة الأخري ذات الأهمية القصوي، فهي " إطلاق مواقع إلكترونية " ذات صلة مباشرة أو غير مباشرة ، والتي تلعب أدوارا متعددة ما بين الحشد الفكري لقضايا يرغب التنظيم في إطلاقها ، ومتابعة أحداث معينة بالانحياز لوجهة التنظيم الذي قد لا يظهر في الصورة ، كما قد تلعب بعض المواقع أدوارا استخبارية في اكتشاف طبيعة الزوار الذين يريد التنظيم مخاطبتهم أو استقطابهم أو تجريب بعض القضايا وردود الفعل حولها.
وخلافا لذلك ، فهناك عدد آخر من وسائل التفاعل المباشر التي يتيحها الويب ، كالمشاركة مباشرة في النقاشات وتنظيم حملات في قضايا معينة ، وذلك من خلال أدوات ، مثل : ساحات الحوار والمنتديات ، وهي عبارة عن مساحات مفتوحة لكل الآراء، ويناقش فيها الزوار قضايا المجتمع والأحداث الجارية، وهنا قد تسيطر عناصر تنظيم معين علي بعض ساحات الحوار ، ويقومون بتوجيه نظر الزوار نحو قضايا معينة ، وبث أفكار تحريضية في هذه الساحات والمنتديات.
ويضاف إلي ذلك قائمة أخري من الأدوات "كالشات"، وهو أشبه بهاتف إلكتروني علي الإنترنت ،يمكن من خلاله التواصل الصوتي والمكتوب بين الأفراد ، كما أن هناك " البالتوك"، وهو عبارة عن برنامج مجاني للحوار الحي والمباشر علي الإنترنت باستعمال الصوت والصورة، وتستخدم التنظيمات هذا البرنامج لتدريب أفرادها ، وعقد الاجتماعات معهم عن بعد.
ومن المهم إدراك أن هذه الأدوات، مثلها مثل أي أداة تواصلية إنسانية، قد تستخدم بشكل إيجابي لخير البشرية ، أو تستخدم بشكل سلبي للإضرار بالأبرياء وقتلهم كما في حالة التنظيمات المتطرفة.
"القاعدة" وفلسفة الويب :
إن فلسفة "الويب" وأدواته يمكن أن ندلل عليها بنموذج تطبيقي من المهم التعرض له، وهو تنظيم القاعدة وفروعه ، حتي نري كيف استثمرت تلك التنظيمات إمكانيات الإنترنت في تسيير أعمالها وتنفيذ عملياتها ضد الأبرياء.
فبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 ، وجد تنظيم القاعدة -الذي أعلن مسئوليته عن هذه الأحداث - نفسه في مواجهة ملاحقة أمنية من كل دول العالم، وليست الولايات المتحدة وحدها، خاصة بعد أن استطاع هذا التنظيم عولمة عمليات القتل وتفخيخ السيارات والعمليات الانتحارية ، بدءا من واشنطن ولندن ومدريد، ومرورا بالسعودية والعراق، وانتهاء بمصر والمغرب ، وكان مجتمع الويب هو المكان الذي لجأ إليه بعد أن شدد الخناق عليه في أرجاء العالم.
ولعل من يفهم طبيعة انتقال تنظيم القاعدة الذي يتزعمه أسامة بن لادن للفضاء الإلكتروني، سيجد أنه تنظيم يتبني معادلة التوجيه الاستراتيجي والاستقلال التكتيكي، وترجيح التنسيق الأفقي علي الهيمنة العمودية، فحرص علي وضوح السياج الفكري المتطرف في أذهان الأعضاء، لكن سمح لهم بقدر كبير من الاستقلالية في التكتيك والأمور العملية. ومن هنا، نجد عمليات تفخيخ سيارات وقنابل بشرية انتحارية عبر العالم، وتنسب لفروع للقاعدة في العراق أو السعودية أو أوروبا أو غيرها من البلدان.
ولهذا السبب تحديدا ، هناك صعوبة أمنية واستخبارية في التعامل مع القاعدة وخلاياها المبعثرة في كل أنحاء العالم ، علي خلاف التنظيمات الرأسية المتشابكة ، والتي ترتبط عضويا بعضها ببعض ، مما يسهل متابعة حركتها أمنيا.وهنا يقول مايكل شوير، المسئول السابق عن وحدة وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية المكلفة بتعقب أسامة بن لادن لصحيفة واشنطن بوست، في 8 أغسطس 2005، " إن لجوء "القاعدة" للإنترنت أثر سلبا علي مقدرات أجهزة الأمن الأمريكية علي توجيه ضربة لها ...".
ويمكن القول إن "القاعدة" استفادت من كل الأدوات المتاحة علي الإنترنت، بدءا من البريد الإلكتروني الدوار الذي يقوم به عناصره أو المتعاطفون معه، مرورا بإنشاء مواقع تابعة له وانتهاء "بالبالتوك" ، وذلك لتحقيق أكثر من هدف:
1- التدريب ، وفي هذا الصدد، تشير صحيفة واشنطن بوست في العدد المشار إليه سلفا إلي أن منفذي الهجمات الانتحارية في العراق ومصر وأوروبا، الذين يتبعون لشبكة "القاعدة"، يعتمدون في التدريب والدعم التكتيكي علي العمل عبر شبكة الإنترنت بسرية تامة. فعلي سبيل المثال ، هناك وثيقة حول "الأسلحة البيولوجية" علي شبكة الإنترنت نشرت في شهر يونيو 2005 علي موقع مصطفي ست مريم نصر، وهو قيادي هارب اسمه عمر عبد الحكيم مطلوب أمريكيا ، وتوضح هذه الوثيقة كيفية استخدام الطاعون الرئوي كسلاح بيولوجي إذا أمكن الحصول علي كمية محدودة من الفيروس.
كما أن هناك موقعا يسمي "بالبتار" تم إغلاقه ، كان يقدم دروسا حول حرب العصابات، وحرب المدن، و"سلاح الملاحة الإلكترونية " و"الدورة الرياضية للمجاهد".يضاف إلي ذلك، أن ما يسمي بالجبهة الإعلامية الإسلامية العالمية ، وهي تتبع " القاعدة" نشرت الكثير من المواد التدريبية التي جري التأكد من استخدامها في أفغانستان ، مثل: كيفية استخراج المواد المتفجرة من الصواريخ والألغام الأرضية ، كما تتضمن مادة أخري قائمة بأسماء المواد المتفجرة المتوافرة في الأسواق الغربية.
2- التجنيد العالمي، إن عدم وجود حدود زمانية أو مكانية في مجتمع "الويب" يتوافق مع الرؤية العالمية التي يطرحها تنظيم القاعدة في خطابه الفكري ، حيث دائما ما يتحدث عن الأمة المهزومة والمنتهكة مما يسميهم "الصليبيين وحلفاءهم" ، كما أن منطق الأمة نفسه يساعده علي جذب عناصر لتنظيمه من أصول عرقية متباينة ، لذا تجد منتمين لهذا التنظيم من جنسيات مختلفة في العالم ، لا يجمع بينها أي مشتركات سوي الإطار الفكري المتشدد.
3-نشر الأفكار واجتذاب المتعاطفين ، فعلي سبيل المثال ، فإن موقع القلعة الذي أغلق بعد هجمات 7 يوليو 2005 في لندن ، كان يمكن أي زائر راغب في الانتماء إلي القاعدة من أن يجد الأواصر مع التنظيم ، كما أنه بالإمكان مشاهدة أفلام فيديو عن أحدث أعمال قطع الرقاب في العراق إلي مشاهدة منفذي هجمات 11 سبتمبر مع تبريرات طويلة مقتبسة من القرآن للهجمات الانتحارية، لكن هذا الموقع تم إغلاقه فجأة بعد نشر إعلان اسم المنظمة المسئولة عن تفجيرات لندن ، والتي تحمل اسم "المنظمة السرية للقاعدة في أوروبا".
كما استخدم أيضا موقع النداء في نشر بيانات بن لادن وتبريرات الجهاد ضد الولايات المتحدة وحلفائها، ورغم مهاجمة الموقع من قبل قراصنة أمريكيين ، إلا أنه نجح في الانتقال إلي آسيا ، ومع مقتل يوسف العبيري في معركة بالرصاص دارت مع وحدات أمن سعودية في مايو 2003، اختفي بعد ذلك موقعه تماما. غير أنه لابد من إدراك أن تنظيما كالقاعدة يستخدم في مواجهة عمليات الغلق العديد من المنتديات والمواقع المجانية و"البلوجرز" التي قد يصعب غلقها ، وتوفر إمكانية التواصل مع عناصره في بقاع عديدة في العالم.
المواقع الإسلامية :
وفي الوقت الذي وفر فيه مجتمع "الويب" لتنظيم كالقاعدة مثلا إمكانيات البقاء والتغلب النسبي علي الحملات الأمنية علي أرض الواقع ، فإن إنشاء المواقع ظل الأداة الأبرز لأي تنظيم يريد أن يخترق مجتمع الإنترنت ، حيث عادة ما تتأسس مجتمعات حول تلك المواقع ، تتأثر بكل ما تطرحه. ومن هنا، ظهر العديد من المواقع التابعة للتنظيمات الإسلامية المتشددة، سواء ارتبطت معها بصلة مباشرة أو غير مباشرة ، أي توفير بيئة فكرية تدعم القضايا التي يدافع عنها التنظيم.
وتشير خريطة المواقع الإسلامية في مجتمع الويب إلي أننا بصدد موازييك واسع في الفضاء الإلكتروني، حيث يحتضن الإنترنت كل ألوان الطيف في التيارات الإسلامية، سواء أكانت متشددة أم معتدلة، شيعية أم سنية أو حتي مذاهب إسلامية أخري . غير أن الملاحظ هو غلبة التيار السلفي المتشدد علي هذه المواقع، خاصة تلك التي تخاطب زوار منطقتنا العربية. ولعل غلبة هذا التيار الجهادي علي مواقع الإنترنت هيأت بيئة مناسبة للتنظيمات والتيارات المتطرفة، خاصة أن بعض هذه المواقع شهدت عمليات تكفير لبعض المسلمين بالباطل ، ودعوات للجهاد المسلح لم تتوافر لها مقتضيات أو شروط شرعية باتفاق العلماء.
ويعزو البعض هيمنة الاتجاه السلفي لاعتبارات اقتصادية، حيث ارتبط ظهور هذه المواقع الإسلامية في نهاية التسعينيات بالأموال النفطية التي تدفقت من منطقة الخليج، فهناك مواقع إسلامية عديدة تمول من السعودية وأخري من قطر ، وثالثة تعبر عن الإسلام القادم من أفغانستان وباكستان . يضاف إلي ذلك، أن هناك مواقع للمعارضة الإسلامية كجماعة الإخوان المسلمين المحظورة، وحركة طالبان ، ومجموعات إسلامية معارضة لأنظمة السعودية وليبيا وغيرها.
وعدا القليل من هذه المواقع الذي اتسم بالاعتدال والمناقشة الموضوعية لقضايا المجتمع ، فأغلبها يتسم بتكرار في المضمون ، حيث يهيمن فقه دورات المياه والقبور، والجهاد ضد الحكام ، بينما يركز بعضها علي أن يكون محطة إذاعية للقرآن أو للدعاء ، ونقل كتب الفقه إلي الإنترنت ، دون أية مراعاة أو حتي فهم لطبيعة مجتمع "الويب".
أما المواقع التي تتبع مباشرة التنظيمات الإسلامية المتشددة كالقاعدة ، فتهدف إلي التعريف بالتنظيم وتاريخه ومؤسسيه وأبطاله وأنشطته وخلفياته السياسية والاجتماعية، وأهدافه، وعادة ما تركز في خطابها الفكري علي أن التحول إلي العنف هو ضرورة بسبب الظروف القائمة ، وبسبب جبروت الأنظمة والنظام العالمي بقيادة الولايات المتحدة ، بينما يحاول آخرون الحديث عن شرعية استخدام العنف وصكه بفتاوي شرعية.
ويمكن أن نضرب نماذج من المواقع التي تتعاطف مع عمليات العنف والإرهاب أو حتي تدعو إليها مباشرة ، مثل : موقع " مركز المقريزي للدراسات التاريخية " ببريطانيا، والذي يديره الأصولي المصري الهارب واللاجئ لبريطانيا د. هاني السباعي، الذي صرح بشكل واضح علي الموقع بحبه وتأييده ل- "بن لادن" زعيم القاعدة.
أيضا، هنالك موقع "المرصد الإعلامي الإسلامي" الذي يديره الأصولي المصري ياسر السري من بريطانيا ، وهو الملاحق من قبل السلطات المصرية ، ويعتبر مصدرا رئيسيا لبيانات الشبكات الإرهابية الإسلامية.كما أن هناك مواقع معنية بدعم الاتجاه "السلفي الجهادي"، ومن هذه المواقع موقع "منبر التوحيد والجهاد" الذي يديره أبو محمد المقدسي ، وهو فلسطيني - أردني، وهو في موقعه يعترف بكونه عضوا في القاعدة.
يضاف إلي ذلك موقع "صوت الجهاد" الذي يهتم -كما يقول- " بشئون الجهاد والمجاهدين بجزيرة العرب"، والذي ينشر مجلة "صوت الجهاد ، وتنشر مجلة "البتار"، وهي كلها مجلات معنية بتقديم الغطاء الفكري والديني والمعنوي الذي يبرر الأنشطة الإرهابية التي تقوم بها هذه الخلايا في الدول العربية. وهنالك أيضا موقع "الجهاد الحقيقي" الأصولي الذي دأب علي بث بيانات تنظيم "القاعدة" ، وآخرها دراسة عن استراتيجية "القاعدة" حتي عام 2020، ويبث جميع مواده بالإنجليزية.
هذه ثلة من المواقع التي تدعو مباشرة إلي تأييد تنظيمات تصدر الإرهاب إلي مجتمعاتنا العربية ، غير أنه لابد من الانتباه لأمر مهم ، هو أن هناك شريحة من المواقع الإسلامية التي يجمع خطابها الفكري بين التشدد والانفتاح ، وذلك كمناورة للإفلات من أي هجمات أمنية ، أو جذب جمهور معتدل، وتحويله إلي متطرف، أو أن لها صلة تنظيميه غير مباشرة بجماعة إسلامية معينة ، وهذه النوعية من المواقع ربما تكون أكثر تأثيرا وشعبية، وتحتاج إلي دراسات مفصلة في آثارها علي زوار الإنترنت.
وبشكل عام ، فإن أخطر ما تفعله بعض المواقع الإسلامية، علي اختلاف توجهاتها الفكرية، هو خلق انفصام عند الزائر ، حيث تطرح عليه خطابا مثاليا تقول إنه سيحل كل مشكلات الزائر إذا ما طبقه، وبالتالي تعمق حالة الحنق والإحباط لديه من الواقع العربي والإسلامي ، والتي تنظر إليه دائما علي أنه مخالف لقواعد الشرع.
ولعل هذا الخطاب يدفع بعض الزوار إلي الإحباط واليأس ، فأحد الزوار طرح علي ساحة حوار موقع إسلامي شهير إقامة دولة إلكترونية إسلامية وديمقراطية، يأسا من تحقيقها علي أرض الواقع. ورغم طرافة الفكرة، إلا أن خطورتها تعكس يأس الزائر من الواقع ، ومن ثم قد تدفعه للسلوك العنيف ، إذا ما خضع لعملية تحريض وتعبئة نفسية.
كما أن بعض المواقع قد تطرح أفكارا يمكن أن تصنف علي أنها تدخل في تنمية "ثقافة العنف ضد الآخر" ومنها فكرة الجهاد الإلكتروني التي نشأت بالأساس في إطار محاولة قراصنة عرب مهاجمة المواقع الإسرائيلية ، حيث يتم الهجوم علي خادم الموقع، أو استهداف حسابات البريد الإلكتروني للهدف المقصود ، إما بالسرقة والتشهير بمحتوياته، أو إغراقه بالرسائل الكثيفة التي قد تؤدي إلي حجب الخدمة عن البريد الإلكتروني.
غير أن خطورة هذه الفكرة في أنها قد تتحول من أداة ضد إسرائيل إلي استخدامها ضد الآخر فكريا علي الإنترنت ، ويمكن أن تجد علي معظم مواقع الأصوليين الإسلاميين التي ذكرناها سلفا أقساما فنية متخصصة في "الجهاد الإلكتروني" تحتوي علي معلومات عن التكتيكات الفنية لهذه الأداة.
يضاف إلي ما سبق ، أن تفتيت الخطاب الإسلامي عبر "إسلاموات الإنترنت" يخلق بلبلة شديدة لدي الزائر ، فهناك آلاف المواقع الإسلامية التي تتباين في خطابها ، الأمر الذي يشتت ذهنية الزائر ، ويجعله يواجه هذه الخطابات الكثيرة بالانعزال والتمترس في أحدها وترديد مقولاتها ، وهو ما يلقي بتداعياته علي عدم وجود خطاب عام إسلامي معتدل في "الويب"، يسمح للمتشددين باكتساب أرضية وسط هذه الفسيفساء الفكرية.
المواجهة التقنية والفكرية :
إن مواجهة استثمار التنظيمات المتشددة لإمكانيات مجتمع "الويب" أمر معقد ، لاسيما أننا أمام عالم متشابك ويمتلك قدرة علي السرية والتخفي ، غير أن الملاحظ أننا أمام مستويين استخدما إلي الآن في المواجهة ، أولهما تقني أمني ، والآخر فكري.
ومنطق المواجهة التقنية الأمنية هو منع استخدام هذه التنظيمات من الاستفادة بإمكانيات "الويب"، عبر إغلاق المواقع وملاحقتها ، وهي عملية تبدأ من معرفة الشركات التي تستضيف هذه المواقع ووقفها. فبعض شركات الاستضافة لجأت إلي إغلاق المواقع عندما وقعت في مشكلات، ومن ذلك شركة "Hosting Anime" الأمريكية التي تستضيف موقع "صوت الجهاد" ، وفوجئت الشركة عندما أعلنت قناةCNN خبر مقتل الرهينة الأمريكي بول جونسون في الرياض في يونيو 2004 بأنها تستضيف الموقع، وقامت بإغلاقه علي الفور.
من جهة أخري ، قد يتم اقتحام المواقع المتطرفة باللجوء إلي "الهاكرز" أو قراصنة الإنترنت مثلما لجأت الولايات المتحدة إلي مجموعة تسمي نفسها "خبراء الإنترنت الأمريكيين" التي تعمل بطريقة منظمة للهجوم علي المواقع الجهادية. فعلي سبيل المثال ، لم يبق موقع "القلعة" الشهير الذي نشر الادعاءات حول المسئولية عن تفجيرات لندن في يوليو 2005 ، إلا أقل من ساعة علي شبكة الإنترنت ، بعد نشر الإعلان فيه.
غير أن التنظيمات المتطرفة تواجه هذه الملاحقات لمواقعها ، عبر الاستفادة مما تتيحه "سيرفرات" المواقع الكبري "كجوجل" "وياهو" من إنشاء مواقع شخصية مجانية تنشر محتوي غير قانوني. وحتي في حالة حجب الموقع، تتم مقاومة ذلك "بالبروكسي" وهو عبارة عن مسار إنترنت بديل، يتيح لمن يضعه في إعدادات متصفح جهازه الالتفاف حول الحظر الذي تفرضه بعض الدول علي مواقع بعينها.
أما مسالة تتبع أعضاء أي تنظيم متطرف من خلال أن كل جهاز كمبيوتر له عنوان بروتوكول خاص به يسمي(IP address( يمكن معرفته من "السيرفر" ، فالمشكلة أن أعضاء هذه التنظيمات تستخدم المقاهي العامة ، حتي لا تكشف وحتي إذا نجح الأمن في معرفة البروتوكول الخاص بزائر الإنترنت ، فإذا كان في دولة أخري ، فيكون صعبا ملاحقته ، خاصة في حال عدم وجود اتفاقية أمنية بين بلده والبلد الموجود فيه.
ومع وجود مشكلات عديدة في المواجهة التقنية ، فإن المواجهة الفكرية تصبح هي الأجدر ، فمطلوب إنشاء مواقع تصحيحية تواجه حركة المواقع المتطرفة ، وتظهر الجانب المعتدل في الإسلام ، فضلا عن إنشاء مراكز خاصة بمتابعة الإنترنت ، ليس من زاوية المراقبة الأمنية ، ولكن من أجل فهم التركيبة الفكرية لزوار "الويب".
يضاف إلي ذلك ، أن هناك ضرورة لتكثيف الدراسات الأكاديمية المعمقة حول استخدام زوار الإنترنت في العالم العربي لتحليل الأوجه السلبية والإيجابية لهذا الاستخدام ، حتي لا نظل عاجزين عن وقف استثمار التنظيمات المتطرفة ل- "لوب" في تصدير الإرهاب لمجتمعاتنا.