دكتور / ناجي مدرسي
أمريكا
حقيقة أنه من الصعب بالنسبة للكثيرين ن الأطباء المسلمين أن يدركوا معنى المفهوم الإسلامي للصحة والمرض والشفاء ، حيث أنهم قد تدربوا على المنهج الطبي الغربي فهم غالبا ما يشعرون أنهم يعيدون عن جذور دينهم ( برودي ، مدرسي ، وآخرين ـ 1976 ) ، ومع ذلك فإن القرآن الكريم والحديث قد قدما تعليمات واضحة للأطباء .
( قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء ) ، إن فهم هذا الإرشاد يعتبر حاسما لهؤلاء الذين يقومون على علاج الأمراض العقلية خاصة إذا كان المريض طفلا .
وسنتفحص بدقة في هذا البحث المفهوم الإسلامي للشفاء واستخدامه في علاج الأطفال والكبار الذين يعانون من الأمراض العقلية الخطيرة . كما سأناقش فيما بعد تصور الإسلام بالنسبة لوحدة الإله ووحدة النواميس الكونية وكيق تؤثر الوحدة على مفهومها عن المرض والشفاء ، ولعلني أضيف أن فكرة الوحدة هذه سارية في مجال الطب عموما وأن أثرها ليس مقصورا على الصحة النفسية والعقلية .
إن الاتجاه الحالي للطب النفسي في الغرب وخاصة في أمريكا لا يؤكد فقط على الأساس البيولوجي والتكويني والوراثي للمرض العقلي ولكنه كذلك يركز على العوامل النفسية والعاطفية والإدراكية ، وبالرغم من الجهود الحديثة للابتعاد عن المفهوم الديكارتي الذي يفصل العقل عن الجسد فلا زالت هناك بعض بقايا الطريقة الديكارتية في التفكير بين العديد من الأطباء والباحثين وليس غريبا بالنسبة للمرض العقلي أن نسمع تعبير " عاطفي " في مقابل تعبير " عضوي " أو أن نرى نقاشا بين هؤلاء الذين يعزون وجود المرض العقلي إلى عوامل بيولوجية وهؤلاء الذين يؤكده على إرجاع وجوده إلى العوامل البيئية . هذا النمط من التشتت والتجزئة العلمية تختلف عن المفهوم الإسلامي الذي يحثنا على الكشف وإلقاء الضوء على الاعتبارات التي ترتكز علهيها تلك الوحدة من الانسجام في خلق الله .
( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ، واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا ) .
وحتى يمكننا أن نعرض بوضوح للمفهوم الإسلامي للمرض والشفاء قد تلزمنا بعض المعلومات والآراء التي ذكرت في هذا الصدد في الأديان الأخرى ، وكيفية شرح الأديان الأخرى لمعنى المرض وكيفية تصورها للعلاج ، وإلى أي مدى تتشابه أو تختلف هذه المفاهيم مع المفهوم الإسلامي .
لمعنى المرض والشفاء ، فهناك أيضا اختلافات هامة ، وفيما يلي موجز مبسط لتلك المفاهيم .
إن العهد القديم لا يفرق بين الكاهن والطبيب ، فالبرص كان يقوم الكاهن بفحصه لتحديد حالته الصحية ، وذلك على خلاف العقيدة الإسلامية التي تضع حدا واضحا بين الطبيب ورجل الدين .
فالبنسبة لعلم اللاهوت تبعا للعهد القديم فإن الكاهن يدرس بالتفصيل كيفية التعرف على خصائص البقع الجلدية غير النظيفة دينيا ، فهو يجب أن يحدد إذا كان الجرح عميقا عن سطح الجلد وإذا ما كان الشعر في منطقة الجرح قد أصبح أبيض او محمرا ، .. الخ ، فالعهد القديم يضعها صريحة في أن المرض هو عقاب على خيانة الإنسان لخالقه حيث نقض عهده مع الإله وأطاع وعبد معبودات غريبة ، وتؤكد الطقوس الخاصة بتطهير الأبرص خطيئة الإنسان .
على الكاهن أن يأخذ حملا ذكرا ويقدمه مع بعض الزيت من أجل الذنب الذي وقع ، وعليه أن يلوح بهم أمام الإله ثم يذبح الحمل في المكان الذي يقتلون فيه الخطيئة الواقعة والفعل المحروق في المكان المقدس ، حيث أن الذنب الواقع مثل الخطيئة الواقعة من اختصاص الكاهن ، وأن لشيء أعظم قدسية .
وقد ذكروا في كتبهم أن الإله يقول لموسى : " لا أحد من آل هارون خلال الأجيال المتعاقبة تكون به وصمة فإنه قد يقترب بتقديم خبز للإله ، وقد يأكل من خبز الإله ، فكلاهما أعظم قدسية من الأشياء المقدسة ، ولكنه لا يجب أن يقترب من الحجاب أو المذبح لأن به وصمة قد تدنس معابدي لأنني أنا الرب الذي يقدسهم " .
وهكذا ، فإنه تبعا للعهد القديم فالشفاء عملية يبرأ بها المريض ثانية وهي مرتبطة ارتباطا كبيرا بالسلطة الدينية ، فالمرض إذن رمز للذنب وفي نفس الوقت رمز للعقاب ، ان الشفاء هو أن يستعيد المريض اكتماله الأخلاقي والبدني ، وربما يكون مأمونا أن نستنبط هذا أن المريض يكون مدركا لخطيئته وأنه عالم بعدم طاعته للإله وبالتالي يستحق العقاب ، وبصورة أخرى فإن رأي العقد القديم بالنسبة للمرض والشفاء هو أساس علة ومعلول ومأخوذ من قانون القصاص : العين بالعين والسن بالسن ، بمعنى أن المرض ينظر غليه كشكل من أشكال العقاب الإلهي .
وفي الحقيقة أن الأجزاء الخارجية للجسم تعتبر تبعا للعهد القديم مكان المرض ، فهذه الأجزاء هي رموز لفضيحة الإنسان وعارة ونقضه لوعوده .
إن نظرة العهد الجديد إلى الإنسان المريض هي نظرة رحيمة متسامحة وهي تقوم إلى حد كبير على نهج وعقيدة سيدنا عيسى عليه السلام ، فهو يعتبر في نظر المسيحيين والمسلمين على السواء معالجا ومعبدا للحياة وطبيبا روحيا ، فهو يعطي اهتماما خاصا للمصاب والمريض أي للحالة البشرية ، إن عقيدة الشفاء بواسطة الطقوس الروحية كاللمس وأن يلمسه عيسى معيد الحياة الحي الخالد تجلب في الذهن صورا هامة تعد أساسية للمهنة الطبية .
إن المذهب المسيحي يعتبر الأمراض ملكا للشياطين وأنها تعتبر فسادا روحيا ، وتبدو فكرة أن الشيطان يسكن الروح البشرية من خلال انغماس الإنسان في المتع الحسية ، وقدم المسيح جسده فداء لجشع الإنسان وطمعه ، وعلى ذلك يصبح المرض نوعا من الموت ، فهو فقدان لمسة من جسد عيسى .
إن أي شخص يأكل ويشرب دون تمييز الصالح لجسده ، فالأكل والشرب حكم إلهي واقع عليه ، وهذا هو السبب في أن العديد من الناس ضعاف ومرضى وأن بعضهم قد مات .
إن جسد عيسى هو الشفاء والموحد ، وهكذا فإن الموت الجسدي أن يعزي إلى تناول مواد طبية ولكن دون مراعاة لما يلائم جسد المسيح عيسى ، فالموت الطبيعي " جزاء الخطيئة " وعملية فداء المسيح هي تغلب على الموت بإعادة الحياة .
" ابتلع الموت إلى غلبه "
وفي رأيهم فإن حياة المسيحي تعتبر حياة الخلود ، والنقيض لذلك هو الموى الأبدي ، وبالطبع فإن الروح القدس هي القوة التي وراء هذه الحياة الأبدية ، تلك الروح القدس التي تحرك من خلال طقوس الشفاء والأدعية باسم المسيح عيسى التي تطرد الأرواح الشريرة .
أما في الإسلام فنجد في القرآن الكريم والحديث إشارات تعرض مفاهيم المرض والشفاء ، ففي النص التالي من القرآن ما ويوضح أن الشفاء يعادل تغيرا في القلب . وأن الإنسان حين يتوب إلى الله يجد الأمن والشفاء .
( قل إن الله يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب . الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب ) إن ذكر الله هو الطريق للرضا والأمان ، وهناك إشارات كثيرة في القرآن إلى ذكر الله : ( واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون)
وذكر الله يكون بترديد أسمائه العديدة واستشعار معناه ومن خلال الشهادة : " لا إله إلا الله محمد رسو الله "
ورغم أن القرآن يحذر المؤمن من ضرر الشيطان في إيجاد الفساد والمرض في الأرض ، فإنه يتخطى المذهب المسيحي مضيفا أمرين هامين ، الأمر الأول إشراك الإنسان نفسه ومسئوليته بالنسبة للصحة والمرض ، والأمر الثاني بحث الإنسان عن الفهم والمعرفة في خلق الله كي يعطي لوجوده معنى .
وحيث ان الإنسان مسئول عن حياته على الأرض ويعتبر المرض صورة من صور الجهل بالصحة والشفاء ، والعمل الأساسي للمؤمن هو في التعرف إلى الله وعلى خلقه . إن الخلق في ذاته هو توضيح رمزي لله ، وأن القرآن يتحدث بوضوح عن الطريق والاتجاه الذي يجب أن يسلكه الذين يؤمنون حتى يقفوا على معرفة الله .
إن الخلق كامل ، أما جهل الإنسان ورفضه النظر فيما حوله فهذا هو غير الكامل والمؤلم (مثال المرض) ، وهذا هو السبب في أن القرآن يحدثنا معن المنافقين فيقول : " في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب اليم بما كانوا يكذبون ) ، فالوصول إلى الحقيقة الإلهية واكتشاف ما هو حقيقي وما هو زائف هو الخلاص بالنسبة للمسلم وهو الأداة التي ستشفيه ، وهكذا فغن الإسلام يوفر صلة مباشرة بين الإله والإنسان ، هذه العلاقة هي علاقة شاملة فيها دعوة للإنسان ليتعلم حقيقة نفسه والخلق . الله برحمته يهدي من يشاء أن يعرف ( الرحمن . علم القرآن . خلق الإنسان . علمه البيان ) . ومن خلال هذا السياق يتبين ، أن المفهوم الإسلامي للمرض والشفاء فريد بين تعاليم الديانات الأخرى ، فهو يعتبر المرض شكلا من أشكال الجهل بالمخلوقات . أن علمية الشفاء هي أن ندرس خلق الله والحقيقة .
إن الانحراف والتزييف والفساد في خلق الله هي من عمل الشيطان ، على أساس المبدأ الشيطاني للعصيان والتغطرس ضد خلق الله .
المحرر : هذا المفهوم لا يمكن تعميمه على الأمراض الجسمانية وقد عرضنا هذا المقال فيه من توضيح لوجهة نظر اليهود والنصارى من المرض والشفاء .
وضد الحق ، فمثلاً حين أمر الله إبليس أن يسجد لآدم الذي كان يعتبر الخلق الكامل لله رفض إبليس الأمر الإلهي بدافع الحسد ، وبمعنى آخر فإنه كان يريد أن يمحق خلق الله الجميل ، على أنه يجب إظهار نظام وجمال خلق الله ومعنى أن نعرف صنع الله بحق هو أن نسبح بحمده وجلاله .
( تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم ..) .وقد أعلن النبي من منطلق هذا المفهوم للخلق أن لكل داء في هذا العالم دواء . وتبعا للحديث الثقة عن ابن مسعود أن النبي قال : "إن الله لم ينزل داء إلا أنزل له دواء . علمه من علمه وجهله من جهله "
وعلى ذلك فإن المريض المسلم عليه أن يبحث عن العلاج ليكتشف الدواء لدائه وبمعنى آخر ليكتشف حقيقة الخلق .
وإذا ما قرانا المفهوم الإسلامي للعلاج والشفاء بالاتجاهات الحديثة لعلم الطب النفسي في الغرب نجد أن هناك تطابقا مدهشا . فالإسلام يعلمنا أن الحق هو جمال الخلق ، وأن المرض هو محقق جمال المخلوقات ، وبالمثل يحدثنا التحليل النفسي عن أن الاضطراب في حالات الاتزان العقلي الذي يعتبر سببا للمرض كرمز على هذا الانحراف والتزييف، بمعنى آخر أن المريض يضطرب بفعل حقائق لا يقبلها عن نفسه فيحاول أن يكون له رأي زائف عن نفسه ويحاول تدمير معلوماته . ويبدوا هذا مع التعاليم الإسلامية القائمة منذ أربعة عشر قرنا .
ونظرا لضيق الوقت فلن يمكننا أن نتفحص بإمعان الأوجه العملية للتعاليم الإسلامية الخاصة بمعالجة الكبار والأطفال الذين يعانون من أمراض عقلية خطيرة ، ( مدرسي ، وياور ـ 1977 ) . ويكفي أن نقول أن الأبحاث العلمية الحديثة حول هذه الاضطرابات تقول بأن معاناة المريض يمكن عزوها إلى التشويش العقلي ، ويجب أن يذكرنا هذا بالدعوة الإسلامية للنفس البشرية أن تتدبر فيو وحدة الإله ووحدة الخلق ووحدة الروح البشرية .
أمريكا
حقيقة أنه من الصعب بالنسبة للكثيرين ن الأطباء المسلمين أن يدركوا معنى المفهوم الإسلامي للصحة والمرض والشفاء ، حيث أنهم قد تدربوا على المنهج الطبي الغربي فهم غالبا ما يشعرون أنهم يعيدون عن جذور دينهم ( برودي ، مدرسي ، وآخرين ـ 1976 ) ، ومع ذلك فإن القرآن الكريم والحديث قد قدما تعليمات واضحة للأطباء .
( قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء ) ، إن فهم هذا الإرشاد يعتبر حاسما لهؤلاء الذين يقومون على علاج الأمراض العقلية خاصة إذا كان المريض طفلا .
وسنتفحص بدقة في هذا البحث المفهوم الإسلامي للشفاء واستخدامه في علاج الأطفال والكبار الذين يعانون من الأمراض العقلية الخطيرة . كما سأناقش فيما بعد تصور الإسلام بالنسبة لوحدة الإله ووحدة النواميس الكونية وكيق تؤثر الوحدة على مفهومها عن المرض والشفاء ، ولعلني أضيف أن فكرة الوحدة هذه سارية في مجال الطب عموما وأن أثرها ليس مقصورا على الصحة النفسية والعقلية .
إن الاتجاه الحالي للطب النفسي في الغرب وخاصة في أمريكا لا يؤكد فقط على الأساس البيولوجي والتكويني والوراثي للمرض العقلي ولكنه كذلك يركز على العوامل النفسية والعاطفية والإدراكية ، وبالرغم من الجهود الحديثة للابتعاد عن المفهوم الديكارتي الذي يفصل العقل عن الجسد فلا زالت هناك بعض بقايا الطريقة الديكارتية في التفكير بين العديد من الأطباء والباحثين وليس غريبا بالنسبة للمرض العقلي أن نسمع تعبير " عاطفي " في مقابل تعبير " عضوي " أو أن نرى نقاشا بين هؤلاء الذين يعزون وجود المرض العقلي إلى عوامل بيولوجية وهؤلاء الذين يؤكده على إرجاع وجوده إلى العوامل البيئية . هذا النمط من التشتت والتجزئة العلمية تختلف عن المفهوم الإسلامي الذي يحثنا على الكشف وإلقاء الضوء على الاعتبارات التي ترتكز علهيها تلك الوحدة من الانسجام في خلق الله .
( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ، واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا ) .
وحتى يمكننا أن نعرض بوضوح للمفهوم الإسلامي للمرض والشفاء قد تلزمنا بعض المعلومات والآراء التي ذكرت في هذا الصدد في الأديان الأخرى ، وكيفية شرح الأديان الأخرى لمعنى المرض وكيفية تصورها للعلاج ، وإلى أي مدى تتشابه أو تختلف هذه المفاهيم مع المفهوم الإسلامي .
لمعنى المرض والشفاء ، فهناك أيضا اختلافات هامة ، وفيما يلي موجز مبسط لتلك المفاهيم .
إن العهد القديم لا يفرق بين الكاهن والطبيب ، فالبرص كان يقوم الكاهن بفحصه لتحديد حالته الصحية ، وذلك على خلاف العقيدة الإسلامية التي تضع حدا واضحا بين الطبيب ورجل الدين .
فالبنسبة لعلم اللاهوت تبعا للعهد القديم فإن الكاهن يدرس بالتفصيل كيفية التعرف على خصائص البقع الجلدية غير النظيفة دينيا ، فهو يجب أن يحدد إذا كان الجرح عميقا عن سطح الجلد وإذا ما كان الشعر في منطقة الجرح قد أصبح أبيض او محمرا ، .. الخ ، فالعهد القديم يضعها صريحة في أن المرض هو عقاب على خيانة الإنسان لخالقه حيث نقض عهده مع الإله وأطاع وعبد معبودات غريبة ، وتؤكد الطقوس الخاصة بتطهير الأبرص خطيئة الإنسان .
على الكاهن أن يأخذ حملا ذكرا ويقدمه مع بعض الزيت من أجل الذنب الذي وقع ، وعليه أن يلوح بهم أمام الإله ثم يذبح الحمل في المكان الذي يقتلون فيه الخطيئة الواقعة والفعل المحروق في المكان المقدس ، حيث أن الذنب الواقع مثل الخطيئة الواقعة من اختصاص الكاهن ، وأن لشيء أعظم قدسية .
وقد ذكروا في كتبهم أن الإله يقول لموسى : " لا أحد من آل هارون خلال الأجيال المتعاقبة تكون به وصمة فإنه قد يقترب بتقديم خبز للإله ، وقد يأكل من خبز الإله ، فكلاهما أعظم قدسية من الأشياء المقدسة ، ولكنه لا يجب أن يقترب من الحجاب أو المذبح لأن به وصمة قد تدنس معابدي لأنني أنا الرب الذي يقدسهم " .
وهكذا ، فإنه تبعا للعهد القديم فالشفاء عملية يبرأ بها المريض ثانية وهي مرتبطة ارتباطا كبيرا بالسلطة الدينية ، فالمرض إذن رمز للذنب وفي نفس الوقت رمز للعقاب ، ان الشفاء هو أن يستعيد المريض اكتماله الأخلاقي والبدني ، وربما يكون مأمونا أن نستنبط هذا أن المريض يكون مدركا لخطيئته وأنه عالم بعدم طاعته للإله وبالتالي يستحق العقاب ، وبصورة أخرى فإن رأي العقد القديم بالنسبة للمرض والشفاء هو أساس علة ومعلول ومأخوذ من قانون القصاص : العين بالعين والسن بالسن ، بمعنى أن المرض ينظر غليه كشكل من أشكال العقاب الإلهي .
وفي الحقيقة أن الأجزاء الخارجية للجسم تعتبر تبعا للعهد القديم مكان المرض ، فهذه الأجزاء هي رموز لفضيحة الإنسان وعارة ونقضه لوعوده .
إن نظرة العهد الجديد إلى الإنسان المريض هي نظرة رحيمة متسامحة وهي تقوم إلى حد كبير على نهج وعقيدة سيدنا عيسى عليه السلام ، فهو يعتبر في نظر المسيحيين والمسلمين على السواء معالجا ومعبدا للحياة وطبيبا روحيا ، فهو يعطي اهتماما خاصا للمصاب والمريض أي للحالة البشرية ، إن عقيدة الشفاء بواسطة الطقوس الروحية كاللمس وأن يلمسه عيسى معيد الحياة الحي الخالد تجلب في الذهن صورا هامة تعد أساسية للمهنة الطبية .
إن المذهب المسيحي يعتبر الأمراض ملكا للشياطين وأنها تعتبر فسادا روحيا ، وتبدو فكرة أن الشيطان يسكن الروح البشرية من خلال انغماس الإنسان في المتع الحسية ، وقدم المسيح جسده فداء لجشع الإنسان وطمعه ، وعلى ذلك يصبح المرض نوعا من الموت ، فهو فقدان لمسة من جسد عيسى .
إن أي شخص يأكل ويشرب دون تمييز الصالح لجسده ، فالأكل والشرب حكم إلهي واقع عليه ، وهذا هو السبب في أن العديد من الناس ضعاف ومرضى وأن بعضهم قد مات .
إن جسد عيسى هو الشفاء والموحد ، وهكذا فإن الموت الجسدي أن يعزي إلى تناول مواد طبية ولكن دون مراعاة لما يلائم جسد المسيح عيسى ، فالموت الطبيعي " جزاء الخطيئة " وعملية فداء المسيح هي تغلب على الموت بإعادة الحياة .
" ابتلع الموت إلى غلبه "
وفي رأيهم فإن حياة المسيحي تعتبر حياة الخلود ، والنقيض لذلك هو الموى الأبدي ، وبالطبع فإن الروح القدس هي القوة التي وراء هذه الحياة الأبدية ، تلك الروح القدس التي تحرك من خلال طقوس الشفاء والأدعية باسم المسيح عيسى التي تطرد الأرواح الشريرة .
أما في الإسلام فنجد في القرآن الكريم والحديث إشارات تعرض مفاهيم المرض والشفاء ، ففي النص التالي من القرآن ما ويوضح أن الشفاء يعادل تغيرا في القلب . وأن الإنسان حين يتوب إلى الله يجد الأمن والشفاء .
( قل إن الله يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب . الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب ) إن ذكر الله هو الطريق للرضا والأمان ، وهناك إشارات كثيرة في القرآن إلى ذكر الله : ( واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون)
وذكر الله يكون بترديد أسمائه العديدة واستشعار معناه ومن خلال الشهادة : " لا إله إلا الله محمد رسو الله "
ورغم أن القرآن يحذر المؤمن من ضرر الشيطان في إيجاد الفساد والمرض في الأرض ، فإنه يتخطى المذهب المسيحي مضيفا أمرين هامين ، الأمر الأول إشراك الإنسان نفسه ومسئوليته بالنسبة للصحة والمرض ، والأمر الثاني بحث الإنسان عن الفهم والمعرفة في خلق الله كي يعطي لوجوده معنى .
وحيث ان الإنسان مسئول عن حياته على الأرض ويعتبر المرض صورة من صور الجهل بالصحة والشفاء ، والعمل الأساسي للمؤمن هو في التعرف إلى الله وعلى خلقه . إن الخلق في ذاته هو توضيح رمزي لله ، وأن القرآن يتحدث بوضوح عن الطريق والاتجاه الذي يجب أن يسلكه الذين يؤمنون حتى يقفوا على معرفة الله .
إن الخلق كامل ، أما جهل الإنسان ورفضه النظر فيما حوله فهذا هو غير الكامل والمؤلم (مثال المرض) ، وهذا هو السبب في أن القرآن يحدثنا معن المنافقين فيقول : " في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب اليم بما كانوا يكذبون ) ، فالوصول إلى الحقيقة الإلهية واكتشاف ما هو حقيقي وما هو زائف هو الخلاص بالنسبة للمسلم وهو الأداة التي ستشفيه ، وهكذا فغن الإسلام يوفر صلة مباشرة بين الإله والإنسان ، هذه العلاقة هي علاقة شاملة فيها دعوة للإنسان ليتعلم حقيقة نفسه والخلق . الله برحمته يهدي من يشاء أن يعرف ( الرحمن . علم القرآن . خلق الإنسان . علمه البيان ) . ومن خلال هذا السياق يتبين ، أن المفهوم الإسلامي للمرض والشفاء فريد بين تعاليم الديانات الأخرى ، فهو يعتبر المرض شكلا من أشكال الجهل بالمخلوقات . أن علمية الشفاء هي أن ندرس خلق الله والحقيقة .
إن الانحراف والتزييف والفساد في خلق الله هي من عمل الشيطان ، على أساس المبدأ الشيطاني للعصيان والتغطرس ضد خلق الله .
المحرر : هذا المفهوم لا يمكن تعميمه على الأمراض الجسمانية وقد عرضنا هذا المقال فيه من توضيح لوجهة نظر اليهود والنصارى من المرض والشفاء .
وضد الحق ، فمثلاً حين أمر الله إبليس أن يسجد لآدم الذي كان يعتبر الخلق الكامل لله رفض إبليس الأمر الإلهي بدافع الحسد ، وبمعنى آخر فإنه كان يريد أن يمحق خلق الله الجميل ، على أنه يجب إظهار نظام وجمال خلق الله ومعنى أن نعرف صنع الله بحق هو أن نسبح بحمده وجلاله .
( تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم ..) .وقد أعلن النبي من منطلق هذا المفهوم للخلق أن لكل داء في هذا العالم دواء . وتبعا للحديث الثقة عن ابن مسعود أن النبي قال : "إن الله لم ينزل داء إلا أنزل له دواء . علمه من علمه وجهله من جهله "
وعلى ذلك فإن المريض المسلم عليه أن يبحث عن العلاج ليكتشف الدواء لدائه وبمعنى آخر ليكتشف حقيقة الخلق .
وإذا ما قرانا المفهوم الإسلامي للعلاج والشفاء بالاتجاهات الحديثة لعلم الطب النفسي في الغرب نجد أن هناك تطابقا مدهشا . فالإسلام يعلمنا أن الحق هو جمال الخلق ، وأن المرض هو محقق جمال المخلوقات ، وبالمثل يحدثنا التحليل النفسي عن أن الاضطراب في حالات الاتزان العقلي الذي يعتبر سببا للمرض كرمز على هذا الانحراف والتزييف، بمعنى آخر أن المريض يضطرب بفعل حقائق لا يقبلها عن نفسه فيحاول أن يكون له رأي زائف عن نفسه ويحاول تدمير معلوماته . ويبدوا هذا مع التعاليم الإسلامية القائمة منذ أربعة عشر قرنا .
ونظرا لضيق الوقت فلن يمكننا أن نتفحص بإمعان الأوجه العملية للتعاليم الإسلامية الخاصة بمعالجة الكبار والأطفال الذين يعانون من أمراض عقلية خطيرة ، ( مدرسي ، وياور ـ 1977 ) . ويكفي أن نقول أن الأبحاث العلمية الحديثة حول هذه الاضطرابات تقول بأن معاناة المريض يمكن عزوها إلى التشويش العقلي ، ويجب أن يذكرنا هذا بالدعوة الإسلامية للنفس البشرية أن تتدبر فيو وحدة الإله ووحدة الخلق ووحدة الروح البشرية .