القاهرة : مي محمود
أكد الدكتور محمد قاسم المنسي ـ أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية دار العلوم جامعة القاهرة ـ أن هناك قواعد فقهية يجب على الفقيه المعاصر أن يلم بها في التعامل مع المشكلات التي تواجه الأقليات المسلمة ، وهذه القواعد تتلخص في :
1- التيسير ورفع الحرج
2- تغيير الفتوى بتغيير الزمان
3- تنزيل الحاجة منزلة الضرورة
4- تحكيم العرف أو العادة
5- النظر في المآلات
6- قيام جماعة المسلمين مقام القاضي
وقال المنسي في محاضرته الأسبوعية والتي يلقيها بقاعة المحاضرات بمسجد رابعة العدوية بالقاهرة والتي جاءت تحت عنوان "القضايا المعاصرة المتعلقة بفقه الأقليات " والتي تأتي استكمالا للمحاضرة السابقة : إن المسلمين الذين يعيشون في البلاد غير الإسلامية يواجهون ظروفا استثنائية ، يحكم عليها بأحكام استثنائية ، فعلى سبيل المثال أكل الميتة وشرب الخمر، فإذا وجد إنسان في صحراء ولم يجد أمامه إلا ذلك ؛ فيجوز له تناول الميتة وشرب الخمر ؛ مراعاة لهذا الظرف الاستثنائي ، حتى في العبادات الشريعة تراعى الرخص والجمع في الصلاة ؛ وذلك لأن الأصل فيه لظروف السفر ، وأيضا يجوز الجمع للطالب في الامتحان ، وللطبيب الذي يعمل عملية جراحية قد تستغرق ساعات طويلة ، مشيرا إلى أن ذلك لا يترتب عليه تغيير الحكم الشرعي ، وإنما هو اجتهاد في التطبيق؛ لأن الأحكام كما هي لكن تطبيقها في ظروف معينة تتطلب مراعاة الحكم الاستثنائي، وكما قال الفقهاء: " ما جاز لعذر يبطل لزوال ذلك العذر".
التيسير ورفع الحرج
وأضاف أن جميع الأحكام الشرعية في ذاتها لا تنشئ حرجا ، وليس فيها مشقة ، والمشقة الموجودة معتبرة شرعا؛ لأن المشرع أقرها ؛ لأنها مشقة مقصودة ، الهدف منها تدريب المكلف على بعض الأعمال ، أما المشقة لهلاك النفس النابعة ، وذلك كما جاء في السنة:
(حيث جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي "صلى الله عليه وسلم" ، يسألون عن عبادته ، فلما أخبروا ، كأنهم تقالوها ، فقالوا : أين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم ؟
قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر .
قال أحدهم : أما أنا فإني أصلي الليل أبدا . وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر . وقال الثالث : أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا.
فجاء رسول الله "صلى الله عليه وسلم" فقال : ( أنتم الذين قلتم كذا وكذا ؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له ، لكني أصوم وأفطر ، وأصلي وأرقد ، وأتزوج النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني ) . هذا في صحيح البخاري.
وتابع : هناك مشقة مقصودة مثل الصيام والصلاة ، وهذه مشقة مقدور عليها ، والمشرع الذي أباحها وأوجبها لما فيها من مصلحة ؛ وذلك لأن كل ما أمر الله به ينطوي على خير ، وما نهى عنه ينطوي على شر؛ لذلك "قاعدة التيسير" خاصة بالمسلمين الذين يعيشون في بلاد غير إسلامية.
قاعدة "تنزيل الحاجة منزلة الضرورة"
وتطرق إلى قاعدة "تنزيل الحاجة منزلة الضرورة" قائلا : الضرورة إذا ما تركها الإنسان هلك . أما الحاجة إذا تركها الإنسان لم يهلك ، ووقع في الحرج.
وأوضح أن أي أمر يوقع الناس في الحرج ، لا بد للفقه أن يعمل على رفع الحرج ، حتى لا يوسم الشرع بما ليس منه؛ لأن الشرع جاء لرفع الحرج عن معلوم الناس ، ومن الاجتهاد السليم أن نرفع ما هو حاجة لنجعله في الضرورة .
وأوضح أن قاعدة تحكيم العرف ، معناها الإقرار بما اتفق عليه الناس بما فيه مصلحة ومنفعة ، مشيرا إلى أنه لا يجوز أخذ الأعراف المتصادمة للتشريع الإسلامي.
قاعدة "النظر في المآلات"
وبين أن قاعدة النظر في المآلات النظر في النتائج السلبية أو الايجابية حتى نوجه الحكم إلى الاتجاه الذي يحقق المصالح والمنافع .
ونوه أن القاعدة الأخيرة قيام جماعة المسلمين مقام القاضي، وذلك حتى لا تتعطل مصالح المسلمين.
أسئلة وردود
واستعرض بعض المسائل المتعلقة بالمسلمين الذين يعيشون خارج البلاد الإسلامية ومنها :
- هل يقتل المرتد في البلاد ذات الأقلية المسلمة ؟
قضية قتل المرتد كما يقول الفقهاء من مهام الدولة ، ويعود تقديره إلى الحكومة الإسلامية ، وليست المؤسسات والجمعيات والمراكز الإسلامية معنية بذلك ، خصوصا إذا كان المسلمون أقلية مثل الحال الآن في أوروبا وأمريكا وغيرها من بلدان العالم .
- دائما ما نتعرض للنقد الشديد من الأوربيين الذين يقتنون الكلاب؛ لأننا نخاف من نجاستها أن تصيب ثيابنا أو ما إلى ذلك.. فهل هناك مذهب فقهي يقول بطهارة الكلاب يرفع عنا الحرج ؟
مذهب الإمام مالك يرى طهارة الكلاب وأبدانها طاهرة في الأصح عند الحنفية ، وإنما النجاسة مقصورة على رطوبة الفم وما يخرج من فضلاتها ، موضحا أن رطوبة فمها طاهرة عند الإمام مالك ، لأن غسل الإناء من ولوغ الكلب عنده تعبدي غير ناشئ عن نجاسة الكلب ، وقد قال ابن رشد: الكبير إن غسل الإناء من ولوغ الكلب معلل بعلة صحيحة وليس بسبب نجاسته ، مشيرا إلى أن الإمام مالك استند إلى أن الكلب المعلم طاهر ؛ وذلك لقوله تعالى (فكلوا مما أمسكن عليكم).
- كثيرا ما يحدث عندنا أن ينقل إلينا خبر وفاة شخص ما في أحد الأقطار الإسلامية ، فيطلب منا أن نصلى عليه صلاة الغائب ، وذلك ابتغاء للأجر ، وقد تكرر هذا الأمر كثيرا فاعترض علينا بعض الإخوة بعدم جواز هذه الصلاة ، وذلك لأن المتوفى قد صلى عليه في بلده ، ولأن النبي "صلى الله عليه وسلم" لم يثبت عنه أنه صلى على ميت صلاتين، وبناء على ذلك يكون عملنا من قبيل الابتداع في دين الله تعالى .
لا خلاف بين أهل العلم أن الأصل في صلاة الجنازة أن تكون على ميت حاضر، وأن توضع بين يدي الإمام والمصلين معه كما ثبت ذلك في السنة القولية والتقديرية ، فأما الصلاة عليه وهو غائب فقد ثبتت أحاديث صحاح مشهورة متفق عليها أن النبي صلى على النجاشي حين مات بأرض الحبشة ، فنعاه إلى المسلمين وقال : توفى اليوم رجل صالح من الحبش فصلوا عليه ، وقال جابر بن عبد الله : فصففنا فصلى النبي "صلى الله عليه وسلم " عليه ونحن صفوف ، وفى رواية قال : إن أخا لكم قد مات ؛ فقوموا فصلوا عليه .
والصلاة على الميت دعاء ورحمة ، ينتفع بها الغائب ، كما ينتفع بها الحاضر ، وهذا معنى صلاة النبي "صلى الله عليه وسلم" على النجاشي وهو غائب ، وهو مذهب الإمام الشافعي والمعتمد عند الحنابلة .
ولا يقال إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على النجاشي لأنه لم يصل عليه أحد ؛ فإنه لم يأت في الأحاديث أنه لم يصل عليه أحد، بل عللت الصلاة عليه بكونه رجلا صالحا ، ولم تعلل بكونه لم يصل عليه أحد. كذلك الصلاة على من صلى عليه مشروعة أيضا ، كما ثبت عن يزيد بن ثابت آخى زيد قال : خرجنا مع النبي "صلى الله عليه وسلم" فلما وردنا البقيع إذا هو بقبر جديد فسأل عنه: فقيل : فلانة .. فعرفها. فقال : إلا آذنتموني بها ؟ قالوا : يا رسول الله، كنت قائلا صائما ؛ فكرهنا أن نؤذيك. فقال: لا تفعلوا ... لا يموتن فيكم ميت ما كنت بين أظهركم إلا آذنتموني به؛ فإن صلاتي عليه رحمة ، ثم أتى القبر فصففنا خلفه وكبر عليهم أربعا.
وقال : خلاصة الأمر الذي يراه الفقهاء، جواز الصلاة على الغائب ما لم تتخذ عادة، واتخاذ عادة أمر غير مشروع؛ لأن الأمة لم تعرف الصلاة على كل ميت غائب ، إنما كانوا يفعلون ذلك لمن كان له اعتبار خاص عند المسلمين كالنجاشي؛ لما له من نصرة المسلمين الذين هاجروا إليه للحبشة.
وبين أن هذه المسالة من مسائل الخلاف، فلا ينكر فيها على المخالف ولا يصح وصفها بالبدعة.
- هل يجوز للزوج المسلم أن يمنع زوجته الغربية المسلمة من زيارة والديها غير المسلمين ؟
لا يجوز للمسلم أن يمنع زوجته من بر والديها مسلمين كانا أو غير مسلمين ، بل ينبغي أن يحرضها على ذلك ، ويذهب معها إلى زيارتهما ويدعوهما إلى زيارته في بيته ، فهذا مقتضى المصاهرة التي شرعها الله تعالى ، فهؤلاء هم أجداد أطفاله وجداتهم وإخوانها أخوالهم وأخواتها خالاتهم ، ولهم جميعا حقوق ذوى الأرحام وأولى القربى لما له من الأثر العظيم في نفوس الناس، فكم من أناس دخلوا الإسلام لما رأوه من المعاملة الحسنة من قبل المسلمين الصادقين! ويقول الفقهاء: إنه بمقتضى إسلامها مأمورة ببرهما، وهذا أمر جعله الإسلام بعد قضية التوحيد ؛ وذلك لقوله تعالى ( وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلاَّ تعبدواۤ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ...) وذلك أن أعظم حقوق العباد بعد حق الله سبحانه وتعالى هو حق الوالدين.
وأضاف : حتى الوالدان المشركان لم يمنع الإسلام من برهما مع شركهما، بل يمنع من ذلك وإن جاهدا ولدهما على الخروج من الإسلام والدخول في الشرك، وحاولا ذلك محاولة عبر عنها القران بالجهاد ، وذلك لقوله تعالى( وإذ قاللقمانلابنهوهويعظهيابنيّلا تُشرك باللّهإن الشركلظلمعظيم،ووصّيناالإنسانَ بوالديهِ حملتهُ أُمُهُ وَهْناً على وَهْنٍ وفِصَالُهُ في عَامينِ أنِاشكرُ لي ولِوَالديكَ إليّ المصِيرُ،وإِنْ جَاهدَاكعلى أَنْ تُشرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِعلمفَلاتُطِعهُمَا وصَاحِبهُمَا في الدُّنيَا مَعرُوفاً).
فأمر الله بعصيانهما في الدعوة إلى الشرك ، كما أمر بمصاحبتهما بالمعروف.
وذكر أن أسماء بنت أبى بكر جاءت إلى النبي "صلى الله عليه وسلم" بعد صلح الحديبية تستفتيه وتقول له : يارسول الله ، إن أمي قدمت على وهى مشركة، أفاصلها ؟
قال نعم. صلى أمك .
قالوا : وفى مثل هذا نزل قوله تعالى: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين(.
وختم محاضرته بأن الإسلام فرض الوصية للوالدين غير المسلمين ، كما هو ظاهر قوله سبحانه وتعالى (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًاالْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَىالْمُتَّقِينَ) {البقرة:180}؛ لأن من المعروف أن الوالدين المسلمين لا تجوز لهما الوصية؛ لأنهما وارثان ولا وصية لوارث ، كما نطقت بذلك السنة الصحيحة.
أكد الدكتور محمد قاسم المنسي ـ أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية دار العلوم جامعة القاهرة ـ أن هناك قواعد فقهية يجب على الفقيه المعاصر أن يلم بها في التعامل مع المشكلات التي تواجه الأقليات المسلمة ، وهذه القواعد تتلخص في :
1- التيسير ورفع الحرج
2- تغيير الفتوى بتغيير الزمان
3- تنزيل الحاجة منزلة الضرورة
4- تحكيم العرف أو العادة
5- النظر في المآلات
6- قيام جماعة المسلمين مقام القاضي
وقال المنسي في محاضرته الأسبوعية والتي يلقيها بقاعة المحاضرات بمسجد رابعة العدوية بالقاهرة والتي جاءت تحت عنوان "القضايا المعاصرة المتعلقة بفقه الأقليات " والتي تأتي استكمالا للمحاضرة السابقة : إن المسلمين الذين يعيشون في البلاد غير الإسلامية يواجهون ظروفا استثنائية ، يحكم عليها بأحكام استثنائية ، فعلى سبيل المثال أكل الميتة وشرب الخمر، فإذا وجد إنسان في صحراء ولم يجد أمامه إلا ذلك ؛ فيجوز له تناول الميتة وشرب الخمر ؛ مراعاة لهذا الظرف الاستثنائي ، حتى في العبادات الشريعة تراعى الرخص والجمع في الصلاة ؛ وذلك لأن الأصل فيه لظروف السفر ، وأيضا يجوز الجمع للطالب في الامتحان ، وللطبيب الذي يعمل عملية جراحية قد تستغرق ساعات طويلة ، مشيرا إلى أن ذلك لا يترتب عليه تغيير الحكم الشرعي ، وإنما هو اجتهاد في التطبيق؛ لأن الأحكام كما هي لكن تطبيقها في ظروف معينة تتطلب مراعاة الحكم الاستثنائي، وكما قال الفقهاء: " ما جاز لعذر يبطل لزوال ذلك العذر".
التيسير ورفع الحرج
وأضاف أن جميع الأحكام الشرعية في ذاتها لا تنشئ حرجا ، وليس فيها مشقة ، والمشقة الموجودة معتبرة شرعا؛ لأن المشرع أقرها ؛ لأنها مشقة مقصودة ، الهدف منها تدريب المكلف على بعض الأعمال ، أما المشقة لهلاك النفس النابعة ، وذلك كما جاء في السنة:
(حيث جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي "صلى الله عليه وسلم" ، يسألون عن عبادته ، فلما أخبروا ، كأنهم تقالوها ، فقالوا : أين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم ؟
قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر .
قال أحدهم : أما أنا فإني أصلي الليل أبدا . وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر . وقال الثالث : أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا.
فجاء رسول الله "صلى الله عليه وسلم" فقال : ( أنتم الذين قلتم كذا وكذا ؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له ، لكني أصوم وأفطر ، وأصلي وأرقد ، وأتزوج النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني ) . هذا في صحيح البخاري.
وتابع : هناك مشقة مقصودة مثل الصيام والصلاة ، وهذه مشقة مقدور عليها ، والمشرع الذي أباحها وأوجبها لما فيها من مصلحة ؛ وذلك لأن كل ما أمر الله به ينطوي على خير ، وما نهى عنه ينطوي على شر؛ لذلك "قاعدة التيسير" خاصة بالمسلمين الذين يعيشون في بلاد غير إسلامية.
قاعدة "تنزيل الحاجة منزلة الضرورة"
وتطرق إلى قاعدة "تنزيل الحاجة منزلة الضرورة" قائلا : الضرورة إذا ما تركها الإنسان هلك . أما الحاجة إذا تركها الإنسان لم يهلك ، ووقع في الحرج.
وأوضح أن أي أمر يوقع الناس في الحرج ، لا بد للفقه أن يعمل على رفع الحرج ، حتى لا يوسم الشرع بما ليس منه؛ لأن الشرع جاء لرفع الحرج عن معلوم الناس ، ومن الاجتهاد السليم أن نرفع ما هو حاجة لنجعله في الضرورة .
وأوضح أن قاعدة تحكيم العرف ، معناها الإقرار بما اتفق عليه الناس بما فيه مصلحة ومنفعة ، مشيرا إلى أنه لا يجوز أخذ الأعراف المتصادمة للتشريع الإسلامي.
قاعدة "النظر في المآلات"
وبين أن قاعدة النظر في المآلات النظر في النتائج السلبية أو الايجابية حتى نوجه الحكم إلى الاتجاه الذي يحقق المصالح والمنافع .
ونوه أن القاعدة الأخيرة قيام جماعة المسلمين مقام القاضي، وذلك حتى لا تتعطل مصالح المسلمين.
أسئلة وردود
واستعرض بعض المسائل المتعلقة بالمسلمين الذين يعيشون خارج البلاد الإسلامية ومنها :
- هل يقتل المرتد في البلاد ذات الأقلية المسلمة ؟
قضية قتل المرتد كما يقول الفقهاء من مهام الدولة ، ويعود تقديره إلى الحكومة الإسلامية ، وليست المؤسسات والجمعيات والمراكز الإسلامية معنية بذلك ، خصوصا إذا كان المسلمون أقلية مثل الحال الآن في أوروبا وأمريكا وغيرها من بلدان العالم .
- دائما ما نتعرض للنقد الشديد من الأوربيين الذين يقتنون الكلاب؛ لأننا نخاف من نجاستها أن تصيب ثيابنا أو ما إلى ذلك.. فهل هناك مذهب فقهي يقول بطهارة الكلاب يرفع عنا الحرج ؟
مذهب الإمام مالك يرى طهارة الكلاب وأبدانها طاهرة في الأصح عند الحنفية ، وإنما النجاسة مقصورة على رطوبة الفم وما يخرج من فضلاتها ، موضحا أن رطوبة فمها طاهرة عند الإمام مالك ، لأن غسل الإناء من ولوغ الكلب عنده تعبدي غير ناشئ عن نجاسة الكلب ، وقد قال ابن رشد: الكبير إن غسل الإناء من ولوغ الكلب معلل بعلة صحيحة وليس بسبب نجاسته ، مشيرا إلى أن الإمام مالك استند إلى أن الكلب المعلم طاهر ؛ وذلك لقوله تعالى (فكلوا مما أمسكن عليكم).
- كثيرا ما يحدث عندنا أن ينقل إلينا خبر وفاة شخص ما في أحد الأقطار الإسلامية ، فيطلب منا أن نصلى عليه صلاة الغائب ، وذلك ابتغاء للأجر ، وقد تكرر هذا الأمر كثيرا فاعترض علينا بعض الإخوة بعدم جواز هذه الصلاة ، وذلك لأن المتوفى قد صلى عليه في بلده ، ولأن النبي "صلى الله عليه وسلم" لم يثبت عنه أنه صلى على ميت صلاتين، وبناء على ذلك يكون عملنا من قبيل الابتداع في دين الله تعالى .
لا خلاف بين أهل العلم أن الأصل في صلاة الجنازة أن تكون على ميت حاضر، وأن توضع بين يدي الإمام والمصلين معه كما ثبت ذلك في السنة القولية والتقديرية ، فأما الصلاة عليه وهو غائب فقد ثبتت أحاديث صحاح مشهورة متفق عليها أن النبي صلى على النجاشي حين مات بأرض الحبشة ، فنعاه إلى المسلمين وقال : توفى اليوم رجل صالح من الحبش فصلوا عليه ، وقال جابر بن عبد الله : فصففنا فصلى النبي "صلى الله عليه وسلم " عليه ونحن صفوف ، وفى رواية قال : إن أخا لكم قد مات ؛ فقوموا فصلوا عليه .
والصلاة على الميت دعاء ورحمة ، ينتفع بها الغائب ، كما ينتفع بها الحاضر ، وهذا معنى صلاة النبي "صلى الله عليه وسلم" على النجاشي وهو غائب ، وهو مذهب الإمام الشافعي والمعتمد عند الحنابلة .
ولا يقال إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على النجاشي لأنه لم يصل عليه أحد ؛ فإنه لم يأت في الأحاديث أنه لم يصل عليه أحد، بل عللت الصلاة عليه بكونه رجلا صالحا ، ولم تعلل بكونه لم يصل عليه أحد. كذلك الصلاة على من صلى عليه مشروعة أيضا ، كما ثبت عن يزيد بن ثابت آخى زيد قال : خرجنا مع النبي "صلى الله عليه وسلم" فلما وردنا البقيع إذا هو بقبر جديد فسأل عنه: فقيل : فلانة .. فعرفها. فقال : إلا آذنتموني بها ؟ قالوا : يا رسول الله، كنت قائلا صائما ؛ فكرهنا أن نؤذيك. فقال: لا تفعلوا ... لا يموتن فيكم ميت ما كنت بين أظهركم إلا آذنتموني به؛ فإن صلاتي عليه رحمة ، ثم أتى القبر فصففنا خلفه وكبر عليهم أربعا.
وقال : خلاصة الأمر الذي يراه الفقهاء، جواز الصلاة على الغائب ما لم تتخذ عادة، واتخاذ عادة أمر غير مشروع؛ لأن الأمة لم تعرف الصلاة على كل ميت غائب ، إنما كانوا يفعلون ذلك لمن كان له اعتبار خاص عند المسلمين كالنجاشي؛ لما له من نصرة المسلمين الذين هاجروا إليه للحبشة.
وبين أن هذه المسالة من مسائل الخلاف، فلا ينكر فيها على المخالف ولا يصح وصفها بالبدعة.
- هل يجوز للزوج المسلم أن يمنع زوجته الغربية المسلمة من زيارة والديها غير المسلمين ؟
لا يجوز للمسلم أن يمنع زوجته من بر والديها مسلمين كانا أو غير مسلمين ، بل ينبغي أن يحرضها على ذلك ، ويذهب معها إلى زيارتهما ويدعوهما إلى زيارته في بيته ، فهذا مقتضى المصاهرة التي شرعها الله تعالى ، فهؤلاء هم أجداد أطفاله وجداتهم وإخوانها أخوالهم وأخواتها خالاتهم ، ولهم جميعا حقوق ذوى الأرحام وأولى القربى لما له من الأثر العظيم في نفوس الناس، فكم من أناس دخلوا الإسلام لما رأوه من المعاملة الحسنة من قبل المسلمين الصادقين! ويقول الفقهاء: إنه بمقتضى إسلامها مأمورة ببرهما، وهذا أمر جعله الإسلام بعد قضية التوحيد ؛ وذلك لقوله تعالى ( وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلاَّ تعبدواۤ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ...) وذلك أن أعظم حقوق العباد بعد حق الله سبحانه وتعالى هو حق الوالدين.
وأضاف : حتى الوالدان المشركان لم يمنع الإسلام من برهما مع شركهما، بل يمنع من ذلك وإن جاهدا ولدهما على الخروج من الإسلام والدخول في الشرك، وحاولا ذلك محاولة عبر عنها القران بالجهاد ، وذلك لقوله تعالى( وإذ قاللقمانلابنهوهويعظهيابنيّلا تُشرك باللّهإن الشركلظلمعظيم،ووصّيناالإنسانَ بوالديهِ حملتهُ أُمُهُ وَهْناً على وَهْنٍ وفِصَالُهُ في عَامينِ أنِاشكرُ لي ولِوَالديكَ إليّ المصِيرُ،وإِنْ جَاهدَاكعلى أَنْ تُشرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِعلمفَلاتُطِعهُمَا وصَاحِبهُمَا في الدُّنيَا مَعرُوفاً).
فأمر الله بعصيانهما في الدعوة إلى الشرك ، كما أمر بمصاحبتهما بالمعروف.
وذكر أن أسماء بنت أبى بكر جاءت إلى النبي "صلى الله عليه وسلم" بعد صلح الحديبية تستفتيه وتقول له : يارسول الله ، إن أمي قدمت على وهى مشركة، أفاصلها ؟
قال نعم. صلى أمك .
قالوا : وفى مثل هذا نزل قوله تعالى: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين(.
وختم محاضرته بأن الإسلام فرض الوصية للوالدين غير المسلمين ، كما هو ظاهر قوله سبحانه وتعالى (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًاالْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَىالْمُتَّقِينَ) {البقرة:180}؛ لأن من المعروف أن الوالدين المسلمين لا تجوز لهما الوصية؛ لأنهما وارثان ولا وصية لوارث ، كما نطقت بذلك السنة الصحيحة.