فاروق أبو سراج الذهب
صبْر المحتجّين له حدود وأي تأخير سيؤدّي إلى ما لا يُحمد عقباه من خصائص الأنظمة الاستبدادية أنها لا تولي أهمية لدراسة الوضع الحقيقي الذي تعيشه الشعوب، وتحاول أن تفهمه فهماً يوفر البحث عن الحلول الناجعة لتجنّب حدوث الثورات عليها، وبالتالي فهي أول من يتحمل مسؤولية ما يحدث؛ سواء تعلق الأمر بعدد القتلى أو بعدد الفاسدين، وأول جهاز ينبغي أن يتحمل المسؤولية هو جهاز إيصال المعلومات إلى صانع القرار. وفي سياق متابعة وتحليل ما حدث في تونس ومصر، رغم عدم انتهاء مشهد التغيير بذهاب الأنظمة، إلا أننا نشير إلى درسين مهمين يمكن استخلاصهما من ثورة تونس ومصر. أولهما: أن ثورة الجماهير اتسعت وشملت كل مناطق القطر المعني، عندما توافر سببان مهمان، هما: - بطء الأنظمة في تلبية رغبات الجماهير: التي كانت مطالبها اجتماعية صرفة، وتعاملت معها بالتقطير (من قطرة) والتقتير (من قتر) واللامبالاة، على اعتبار محدودية الاحتجاجات وبُعدها عن صانع القرار جغرافياً. ولما انتظرت الجماهير - المشكَّلة في مجموعات عمالية وأخرى طلابية - طويلاً، نفد صبرها، وتطورت مطالبها، وصارت شعاراً كبيراً موحّداً «الشعب يريد إسقاط النظام»، الذي لم يستطع تلبية المطالب المشروعة والمحدودة، التي لا تشكل خطراً على النظام العام. - تدفق دماء الجماهير وسقوط القتلى «الشهداء»: الأمر الذي شرعن الثورة، وعمّم الانتشار، وأعطى الفرصة للتدخل الأجنبي، ثم تمرد الجيوش على السلطة. وثانيهما: بطء تعاطي الأنظمة مع المطالب التي كانت اجتماعية وتحولت إلى سياسية، فبمراجعة الخطاب الأول للرئيسين المخلوعين التونسي «بن علي» والمصري «حسني مبارك»، نجد أن ما وصل إليه كلاهما في الخطاب الأخير من تنازلات كان يمكن أن تكون مادة رئيسة مؤثرة في الجماهير في الخطاب الأول.. ولكن بطء قرارات إدارة الأزمة، وخطأ المعلومات التي تم إيصالها إلى صانع القرار في كلا البلدين، وضمان نصاب البقاء في السلطة أدى إلى السقوط السريع المنسجم مع سرعة الشعوب في التفاعل والحركة. وعلى اعتبار الانسداد والبطء والضعف في تحليل البيانات والمعلومات لدى أجهزة هذه الأنظمة، فإنه لا ينبغي تحميل المسؤولية للجميع، سواء أكانوا أحزاباً أم جيوشاً، ولذلك رفضت بعض الأجهزة القيام بأعمال لا تشكل قناعة لديها. سوء تقدير وما يحدث في ليبيا اليوم نموذج لمثل هذه الأنظمة التي يجب أن ترحل، فقد كان «سيف القذافي» يقوم بجهود كبيرة على المستويَيْن المحلي والدولي، ولو أشرف على ما يسمّيه اليوم «ليبيا الجديدة» قبل أسابيع فقط لكان رئيساً للبلاد بلا منازع، ولكن سوء تقدير الأحداث دفعه إلى تهديد شعب بأكمله، وهو لا يمثل جهازاً رسمياً في ليبيا سوى أنه ابن الرئيس أو «القائد»، فعجّل ذلك بانتحار الرئيس والابن على السواء! وحتى لا نبتعد بعيداً عن بلدنا الجزائر، فإن هذه الدروس المهمة تؤسس لمسار هادئ يمكن أن تسلكه السلطة عندنا، ونحن نلحظ ذلك في الإجراءات العاجلة التي تم اتخاذها، لكن يجب ألا نغفل عن الاحتجاجات المهنية والطلابية التي تحدث هنا وهناك، وأي تدخل يُنتج قتلى فهو الكارثة! والحقيقة أن التحام هذه الاحتجاجات قد يشكل شرارة كبيرة للثورة على الأوضاع، وسرعة تحرك السلطات كفيل بالسيطرة على الوضع بمزيد من الإصلاحات والاستجابة العقلانية للمطالب الساكنة، ذلك أن صبر الجماهير المحتجة له حدود، وأي تأخير للحل قد يؤدي إلى ما لا يُحمد عقباه. إجراءات عاجلة ومفردات «نحن لسنا تونس، ولا مصر، ولا ليبيا» تكون صحيحة إذا اتُّخذت إجراءات على المستوى السياسي؛ مثل: رفع حالة الطوارئ، وتعديل قانون الأحزاب، وتعديل قانون الانتخابات، وتعديل قانون البلدية والولاية، وتعديل قانون الإعلام، وحرية تأسيس الأحزاب والجمعيات وتسهيل اعتمادها، وحرية التظاهر.. وعلى المستوى الاجتماعي؛ مثل: «الإرهاب» الإداري، والتشغيل، والقدرة الشرائية مع التهاب الأسعار، والسكن، وانسجام الشهادات الجامعية مع سوق العمل.. وعلى المستوى الاقتصادي؛ مثل: مكافحة الفساد، واستعجال فتح الملفات، ومعالجة السوق الموازية.. إلخ. أما الغفلة عن الاحتقان والتسويف والتقتير في اتخاذ الإجراءات، فسيفجر الوضع اليوم أو غداً، كما أن الاستهانة بمسيرات «التنسيقية الوطنية من أجل التغيير والديمقراطية» (غير المعترف بها رسمياً) كل يوم «سبت»، واعتبار ذلك محدوداً، دونما تواصل مع هؤلاء وبحث مطالبهم بالحوار والنقاش والتشاور، قد يتطور إلى أفعال لا يرغب فيها أحد . مخاوف مشروعة إن المخاوف التي يعبّر عنها بعض الكتّاب والمناضلين من وصول رياح الثورة إلى الجزائر، هي مخاوف مشروعة وواقعية وموضوعية، وهي أيضاً مخاوف تدل على الوعي بالواقع وتقدير للأخطار، لكن يجب ألا نسكن في مربّع الأخطار والمخاوف ونعيش كوابيس الثورة والاحتجاج والانتفاضة، بل يجب التشمير عن سواعد العمل والنضال من أجل التغيير والإصلاح؛ ببحث وسائل تحقيق النقلة النوعية التي تؤدي إلى المزيد من الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ومضاعفة الجهد في سياق تلبية المطالب الاجتماعية والسياسية المشروعة للشعب والنخب، لا أن نقبع في مربّعات «جلد الذات» وانتظار من ينقذنا! إصلاحات مهمّة إننا نحلم بـ«جزائر جديدة» فيما بعد حالة الطوارئ؛ جزائر الإصلاح السياسي والتنمية كما رفعناه شعاراً لمؤتمرنا الرابع في «حركة مجتمع السلم» (حمس)، وحركتنا مطلوب منها فعالية وحركية غير عادية في مثل هذه الظروف، على اعتبار أنها حركة تمثل الضمير الجمعي للمجتمع الجزائري، ولها من المصداقية لدى التحالف الرئاسي وباقي الأحزاب والتكتلات السياسية والشخصيات الوطنية ما يرشحها للقيام بأدوار قيادية تاريخية في مثل هذا الظرف، على المستويَيْن المركزي والمحلي. وقد برز ذلك من خلال المبادرة السياسية الأخيرة التي دفعت الجميع إلى التحرك، بما فيهم التحالف الرئاسي، وكانت النتيجة إصلاحات مهمة وإجراءات عاجلة حدت من توسع الاحتجاجات، وأعطت أملاً للمواطنين في إمكانية حل المشكلات دون اللجوء إلى مفردات «الثورة» و«الانتفاضة» و«العنف». ويجب أن تتواصل البرامج والخطط والمبادرات؛ من خلال رفع مطالب المواطنين والمهنيين ومختلف الأسلاك الوظيفية بتكليف نواب الحركة بذلك، عن طريق أسئلة شفوية وكتابية للوزراء والمسؤولين، أو من خلال تنظيم جلسات وحلقات نقاش مع الشباب والمواطنين على المستوى المحلي، وكذا من خلال نشاط مكثف لأمانات الشباب والإعلام والسياسة والمرأة والمنتخبين، وكذا تجمعات جماهيرية شعبية تتواصل مع المجتمع في جزائرنا العميقة.
صبْر المحتجّين له حدود وأي تأخير سيؤدّي إلى ما لا يُحمد عقباه من خصائص الأنظمة الاستبدادية أنها لا تولي أهمية لدراسة الوضع الحقيقي الذي تعيشه الشعوب، وتحاول أن تفهمه فهماً يوفر البحث عن الحلول الناجعة لتجنّب حدوث الثورات عليها، وبالتالي فهي أول من يتحمل مسؤولية ما يحدث؛ سواء تعلق الأمر بعدد القتلى أو بعدد الفاسدين، وأول جهاز ينبغي أن يتحمل المسؤولية هو جهاز إيصال المعلومات إلى صانع القرار. وفي سياق متابعة وتحليل ما حدث في تونس ومصر، رغم عدم انتهاء مشهد التغيير بذهاب الأنظمة، إلا أننا نشير إلى درسين مهمين يمكن استخلاصهما من ثورة تونس ومصر. أولهما: أن ثورة الجماهير اتسعت وشملت كل مناطق القطر المعني، عندما توافر سببان مهمان، هما: - بطء الأنظمة في تلبية رغبات الجماهير: التي كانت مطالبها اجتماعية صرفة، وتعاملت معها بالتقطير (من قطرة) والتقتير (من قتر) واللامبالاة، على اعتبار محدودية الاحتجاجات وبُعدها عن صانع القرار جغرافياً. ولما انتظرت الجماهير - المشكَّلة في مجموعات عمالية وأخرى طلابية - طويلاً، نفد صبرها، وتطورت مطالبها، وصارت شعاراً كبيراً موحّداً «الشعب يريد إسقاط النظام»، الذي لم يستطع تلبية المطالب المشروعة والمحدودة، التي لا تشكل خطراً على النظام العام. - تدفق دماء الجماهير وسقوط القتلى «الشهداء»: الأمر الذي شرعن الثورة، وعمّم الانتشار، وأعطى الفرصة للتدخل الأجنبي، ثم تمرد الجيوش على السلطة. وثانيهما: بطء تعاطي الأنظمة مع المطالب التي كانت اجتماعية وتحولت إلى سياسية، فبمراجعة الخطاب الأول للرئيسين المخلوعين التونسي «بن علي» والمصري «حسني مبارك»، نجد أن ما وصل إليه كلاهما في الخطاب الأخير من تنازلات كان يمكن أن تكون مادة رئيسة مؤثرة في الجماهير في الخطاب الأول.. ولكن بطء قرارات إدارة الأزمة، وخطأ المعلومات التي تم إيصالها إلى صانع القرار في كلا البلدين، وضمان نصاب البقاء في السلطة أدى إلى السقوط السريع المنسجم مع سرعة الشعوب في التفاعل والحركة. وعلى اعتبار الانسداد والبطء والضعف في تحليل البيانات والمعلومات لدى أجهزة هذه الأنظمة، فإنه لا ينبغي تحميل المسؤولية للجميع، سواء أكانوا أحزاباً أم جيوشاً، ولذلك رفضت بعض الأجهزة القيام بأعمال لا تشكل قناعة لديها. سوء تقدير وما يحدث في ليبيا اليوم نموذج لمثل هذه الأنظمة التي يجب أن ترحل، فقد كان «سيف القذافي» يقوم بجهود كبيرة على المستويَيْن المحلي والدولي، ولو أشرف على ما يسمّيه اليوم «ليبيا الجديدة» قبل أسابيع فقط لكان رئيساً للبلاد بلا منازع، ولكن سوء تقدير الأحداث دفعه إلى تهديد شعب بأكمله، وهو لا يمثل جهازاً رسمياً في ليبيا سوى أنه ابن الرئيس أو «القائد»، فعجّل ذلك بانتحار الرئيس والابن على السواء! وحتى لا نبتعد بعيداً عن بلدنا الجزائر، فإن هذه الدروس المهمة تؤسس لمسار هادئ يمكن أن تسلكه السلطة عندنا، ونحن نلحظ ذلك في الإجراءات العاجلة التي تم اتخاذها، لكن يجب ألا نغفل عن الاحتجاجات المهنية والطلابية التي تحدث هنا وهناك، وأي تدخل يُنتج قتلى فهو الكارثة! والحقيقة أن التحام هذه الاحتجاجات قد يشكل شرارة كبيرة للثورة على الأوضاع، وسرعة تحرك السلطات كفيل بالسيطرة على الوضع بمزيد من الإصلاحات والاستجابة العقلانية للمطالب الساكنة، ذلك أن صبر الجماهير المحتجة له حدود، وأي تأخير للحل قد يؤدي إلى ما لا يُحمد عقباه. إجراءات عاجلة ومفردات «نحن لسنا تونس، ولا مصر، ولا ليبيا» تكون صحيحة إذا اتُّخذت إجراءات على المستوى السياسي؛ مثل: رفع حالة الطوارئ، وتعديل قانون الأحزاب، وتعديل قانون الانتخابات، وتعديل قانون البلدية والولاية، وتعديل قانون الإعلام، وحرية تأسيس الأحزاب والجمعيات وتسهيل اعتمادها، وحرية التظاهر.. وعلى المستوى الاجتماعي؛ مثل: «الإرهاب» الإداري، والتشغيل، والقدرة الشرائية مع التهاب الأسعار، والسكن، وانسجام الشهادات الجامعية مع سوق العمل.. وعلى المستوى الاقتصادي؛ مثل: مكافحة الفساد، واستعجال فتح الملفات، ومعالجة السوق الموازية.. إلخ. أما الغفلة عن الاحتقان والتسويف والتقتير في اتخاذ الإجراءات، فسيفجر الوضع اليوم أو غداً، كما أن الاستهانة بمسيرات «التنسيقية الوطنية من أجل التغيير والديمقراطية» (غير المعترف بها رسمياً) كل يوم «سبت»، واعتبار ذلك محدوداً، دونما تواصل مع هؤلاء وبحث مطالبهم بالحوار والنقاش والتشاور، قد يتطور إلى أفعال لا يرغب فيها أحد . مخاوف مشروعة إن المخاوف التي يعبّر عنها بعض الكتّاب والمناضلين من وصول رياح الثورة إلى الجزائر، هي مخاوف مشروعة وواقعية وموضوعية، وهي أيضاً مخاوف تدل على الوعي بالواقع وتقدير للأخطار، لكن يجب ألا نسكن في مربّع الأخطار والمخاوف ونعيش كوابيس الثورة والاحتجاج والانتفاضة، بل يجب التشمير عن سواعد العمل والنضال من أجل التغيير والإصلاح؛ ببحث وسائل تحقيق النقلة النوعية التي تؤدي إلى المزيد من الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ومضاعفة الجهد في سياق تلبية المطالب الاجتماعية والسياسية المشروعة للشعب والنخب، لا أن نقبع في مربّعات «جلد الذات» وانتظار من ينقذنا! إصلاحات مهمّة إننا نحلم بـ«جزائر جديدة» فيما بعد حالة الطوارئ؛ جزائر الإصلاح السياسي والتنمية كما رفعناه شعاراً لمؤتمرنا الرابع في «حركة مجتمع السلم» (حمس)، وحركتنا مطلوب منها فعالية وحركية غير عادية في مثل هذه الظروف، على اعتبار أنها حركة تمثل الضمير الجمعي للمجتمع الجزائري، ولها من المصداقية لدى التحالف الرئاسي وباقي الأحزاب والتكتلات السياسية والشخصيات الوطنية ما يرشحها للقيام بأدوار قيادية تاريخية في مثل هذا الظرف، على المستويَيْن المركزي والمحلي. وقد برز ذلك من خلال المبادرة السياسية الأخيرة التي دفعت الجميع إلى التحرك، بما فيهم التحالف الرئاسي، وكانت النتيجة إصلاحات مهمة وإجراءات عاجلة حدت من توسع الاحتجاجات، وأعطت أملاً للمواطنين في إمكانية حل المشكلات دون اللجوء إلى مفردات «الثورة» و«الانتفاضة» و«العنف». ويجب أن تتواصل البرامج والخطط والمبادرات؛ من خلال رفع مطالب المواطنين والمهنيين ومختلف الأسلاك الوظيفية بتكليف نواب الحركة بذلك، عن طريق أسئلة شفوية وكتابية للوزراء والمسؤولين، أو من خلال تنظيم جلسات وحلقات نقاش مع الشباب والمواطنين على المستوى المحلي، وكذا من خلال نشاط مكثف لأمانات الشباب والإعلام والسياسة والمرأة والمنتخبين، وكذا تجمعات جماهيرية شعبية تتواصل مع المجتمع في جزائرنا العميقة.