إن الثورات التي نجحت في مصر وتونس لم تؤدّ لنفس النتائج في البحرين، فحركة الاحتجاجات التي شهدتها مملكة البحرين والتي تُسمى بثورة اللؤلؤ تم إجهاضها باستخدام القوة العسكرية البحرينية وقوات درع الجزيرة، وأعقب ذلك تراجع مستوى الحريات وانتهاكات صارخة لحقوق الإنسان.
المشهد السياسي في البحرين هو في غاية الاضطراب وذلك منذ انطلاق ما يُعرف بحركة 14 فبراير/شباط المتأثرة بثورة الياسمين في تونس والثورة المصرية التي اتخذت من ميدان التحرير معقلاً لها؛ إذ شهدت هذه المملكة الصغيرة مؤخرًا موجة احتجاجات شاهدها العالم أجمع على شاشات التلفزة. وينبغي أن نوضح أن للبحرين خصوصيتها التي تميزها عن باقي دول الخليج، فهي لا تتمتع بمخزون نفطي كبير مثل باقي الدول الخليجية ولكنها تعد مركزا ماليا وعقاريا هاما. ويبدو أن الوضع المتأزم لن يُحل سريعا؛ وذلك لأن البحرين تمثل ساحة معركة للتجاذبات السياسية في المنطقة كما كانت دومًا، فاليوم هناك عدة دول تتدخل في رسم السياسة البحرينية؛ حيث لا زالت أميركا ترسل مندوبيها إلى البحرين، إضافة لتدخل دول الاتحاد الأوربي، بل إن تصريحات إيران وتركيا لا تزال تتتابع بشأن الأزمة السياسية، ومن الجانب العربي تم تدخل دول الخليج عسكريا وسياسيا لفض الاعتصام في دوار اللؤلؤة.
الثورة.. أحداث ومطالب
الموقع الإقليمي وإشكالياته
الغرب والبحرين.. مواقف متناقضة
المصير المجهول
الثورة.. أحداث ومطالب
توجّهت الجماهير إلى دوار اللؤلؤ الواقع في وسط العاصمة المنامة، قريبًا من المنطقة الدبلوماسية بعد دعوة وجهتها قوى المعارضة متمثّلة في جمعيات سياسية معارضة مختلفة التوجهات والانتماءات الأيديولوجية هي: (الوفاق، وعد، المنبر التقدمي، العمل الإسلامي، التجمع القومي، التجمع الوطني، الإخاء) وعلى رأسها جمعية الوفاق الإسلامية الشيعية، التي تمثل الأغلبية في البرلمان البحريني (يشغل نوّابها 18 مقعدًا في البرلمان) والمتحالفة مع جمعية وعد ذات التوجهات اليسارية القومية والتي يمثلها الدكتورة منيرة فخرو وإبراهيم شريف. وعلى الرغم من دور هذه الجمعيات السياسية في تصدر المعارضة وتمثيلها فإن المتجمهرين في الدوار لم يكونوا ينتمون بالضرورة لجمعية سياسية؛ فالشعب البحريني ما زال حديث عهد بالنشاط السياسي، وانطلاق البرلمان البحريني بصيغته الحالية، والسماح بتشكيل جمعيات سياسية يعود فقط لعام 2000م بعد التصويت الشعبي على ميثاق العمل الوطني الذي دعا إليه الملك حمد آل خليفة والذي صوَّت له شعب البحرين بكل أطيافه المذهبية والإثنية بالموافقة، والذي سمح وشرع لتأسيس الجمعيات السياسية في البحرين، ولإجراء الانتخابات البرلمانية والنيابية.
تعتبر المنطقة القريبة من دوّار اللؤلؤ بمثابة الشريان الأساسي للاقتصاد والسياحة في الدولة؛ إذ يقع بجانبه المرفأ المالي، ومعظم الوزارات، وسفارات الدول الأجنبية. ويرمز هذا الدوار بأعمدته إلى دول الخليج العربي، وتعلوه كرة ترمز للؤلؤة. وقد استمر اعتصام ممثلي المعارضة في الدوار لعدّة أيام، بينما في الجهة الأخرى من المنامة وعند مسجد الفاتح تحديدا، تجمهر الموالون للحكومة "سنة وشيعة" بل وانضم لهم بعض المتجمهرين في الدوار؛ وذلك للتأكيد على أن مطالب المتجمهرين في الدوار لا تتعارض والولاء للملك والوطن، وأن الاحتجاجات ومطالب التغيير ليست منطلقة من خلفية طائفية، وكان على رأس المتجمهرين عند مسجد الفاتح الشيخ عبد اللطيف المحمود (من السنّة) الذي طالب بإنهاء هذا الوضع المحتقن وبإخلاء الدوار. في حين كانت الجماهير المعارضة في الدوار لعدّة أيام تواجه قوات مكافحة الشغب، وكذلك ما بات يُعرف اليوم في العالم العربي بـ"البلطجية". ثمّ في محاولة للتهدئة واستيعاب المعارضة صرّح ولي العهد الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة بأنّ من حقّ المتظاهرين البقاء في الدوار، وقدّم دعوة للحوار لحلحلة الأزمة والنظر في مطالب المعارضة التي قدمتها في عريضة موقَّعة من الجمعيات السبع السابق ذكرها، وكانت المطالب كالآتي:
إلغاء دستور العام 2002م.
الدعوة لانتخاب مجلس تأسيسي على أساس تساوي الأصوات بين الناخبين.
وضع دستور جديد للبلاد.
حق الشعب في انتخاب مجلس نواب ينفرد بكامل الصلاحيات التشريعية.
حق الشعب البحريني في أن تكون له حكومة منتخبة.
وهكذا بدأت محاولة التحاور مع ممثلي الجمعيات السياسية. ولكن في حين ظنّ المطالبون بأنّ الوضع في طريقه للانفراج، قام الجيش البحريني فجر يوم الخميس 17/02/2011م باقتحام الدوّار وإخلائه من المتظاهرين باستخدام القوّة العسكرية، وأعقب ذلك حملة اعتقالات واسعة لقيادات المعارضة، ومن أبرزهم الناشط السياسي إبراهيم شريف رئيس جمعية وعد اليسارية (من الطائفة السنيّة)، وجرت حملات مداهمة وتفتيش لناشطين في المجال الحقوقي، منهم الناشطان نبيل رجب، وعبد الهادي خواجة، وتمّ الاعتداء بالضرب واعتقال أطباء وممرضين بعد اقتحام مستشفى السلمانية، المستشفى الحكومي الأكبر في البحرين.
وحسب مركز البحرين لحقوق الإنسان فإن عدد المعتقلين والمفقودين يبلغ 800 شخص بينهم 39 امرأة بعد فرض حالة "السلامة الوطنية"، وبين المعتقلين معلمون ومحامون وأطباء وشعراء وفنانون تشكيليون ومصورون فوتوغرافيون، وناشطون إلكترونيون، ونشطاء حقوق الإنسان، وأعضاء الجمعيات السياسية (1)، وكانت المديرة العامة لمنظمة اليونسكو، إيرينا بوكوفا، قد دعت مؤخرا إلى القيام بالتحقيقات اللازمة حول وفاة كل من كريم فخراوي، أحد مؤسسي الجريدة اليومية المستقلة "الوسط" والناشط الإلكتروني زكريا راشد حسن، اللذين توفيا فى السجن في البحرين خلال شهر مايو/أيار 2011م، قائلة: إن كريم فخراوى وزكريا راشد حسن كانا يدافعان عن نشوء وتطور وسائل إعلام حرة ومتعددة، الأمر الذي تدافع عنه اليونسكو وتعمل من أجله باعتباره "أحد الضمانات للحكم الرشيد، واحترام حقوق الإنسان والمواطن".
عندما أصبح الوضع الأمني في البحرين حرِجا بسبب ضراوة الحملة الأمنية التي شنتها القوات البحرينية وقوات جيش درع الجزيرة -التي وصلت للبحرين بتاريخ 14 مارس/آذار 2011- على المواطنين، وسقوط أكثر من 30 قتيلا حسب منظمة البحرين لحقوق الإنسان، وموت بعض المعتقلين في السجون جرّاء التعذيب، تصاعد الغضب الشعبي، وانقسمت فئات الشعب إلى مؤيّدين للحكومة ومعارضين لها، وحدث شرخ بين مكوّنات المجتمع البحريني فيما يشبه النذر بفتنةٍ طائفية وشيكة بين الشيعة والسنة، لاسيما وأنّ المعارضة تبدو من الخارج شيعية بحتة، على الرغم من أن أبرز ممثلي المعارضة هم من السنة حيث يعتبر إبراهيم شريف والدكتورة منيرة فخرو من جمعية وعد اليسارية من أشد المناوئين للحكومة، وهما اللذان لعبا دورا كبيرا في استمرار الحركة الاحتجاجية بالاتحاد مع الشيخ علي سلمان ممثل جمعية الوفاق الإسلامية الشيعية، الجمعية السياسية الأكثر شعبية في البحرين، والأكثر تمثيلا في البرلمان البحريني.
الموقع الإقليمي وإشكالياته
إن الموقع الإقليمي للبحرين الواقع بين عدة قوى متناحرة تمثل أيديولوجيات مختلفة يمثل إشكالية معقدة؛ فمن جهة هناك إيران الشيعية التي تتبع ولاية الفقيه، والتي تسعى لامتلاك ترسانة نووية، والتي تصنف من الدول المعادية لسياسة أميركا ودول أوروبا، وفي الجهة الأخرى السعودية السنّية الموالية لأميركا والتي تخضع لها معظم دول الخليج، وهناك أيضًا الولايات المتحدة الأميركية التي تمتلك قاعدة عسكرية في البحرين، وكذلك بريطانيا التي كانت سابقا تدير شؤون البحرين تحت مسمى الحماية أو الوصاية البريطانية على البحرين، وتنازُع هذه القوى تاريخيا على البحرين، ومحاولتها بسط نفوذها عليها، والصورة التي تريد أن تبرزها للعالم اليوم عن سياستها الخارجية والداخلية هي التي لعبت دورا في تحديد موقفها من الحكومة البحرينية والمعارضة، بل وتؤثر أيضا في السياسة البحرينية والخليجية بشكل عام. ويبدو من المفيد التذكير بأنه في عام 1970م، وعندما قررت بريطانيا الانسحاب من البحرين بعدما كانت مستعمرة تابعة لها، طلبت إيران من الأمم المتحدة إجراء استفتاء في البحرين للوقوف على رأي الشعب البحريني في العودة إلى إيران أو الاستقلال باعتبار أن البحرين كانت مستعمرة إيرانية قبل أن تستعمرها بريطانيا؛ فكانت نتيجة استفتاء الشعب البحريني هي الاستقلال وعدم الانضمام إلى إيران.
لا شك أن السياسة الداخلية البحرينية تؤثر فيها تدخلات عدة أطراف خارجية تحاول حماية مصالحها، وبسط نفوذها. وفي هذا الصدد يقول عالم السياسة الأميركي جورج فريدمان: "من الواضح أن لإيران اهتمامًا بزعزعة النظام البحريني، لكن من غير الواضح إلى أي مدى تتدخّل هناك، لكن المعروف أن لها تأثيرًا كبيرًا على رجل الدين حسن مشيمع الذي كان يعيش في لندن، وعاد إلى البحرين مُؤخرًا، للمشاركة في الاحتجاجات"؛ حيث إن أطماع إيران في فرض سيطرتها على هذه المنطقة أمر لاشك فيه خصوصا بعد تصريحات حسين شريعتمداري مستشار مرشد الثورة الإيرانية في عدة مقالات له عام 2009م بصحيفة كيهان الإيرانية والذي ادعى فيها أن البحرين هي: (جزء من إيران، وأنها اقتُطعت بالقوة من الجسد الإيراني، وأن الشعب البحريني يطالب بإعادة البحرين لتكون جزءًا من إيران).
إن سياسة إيران الخارجية فيما يتعلق ببسط نفوذها في المنطقة أمر لاشك فيه، ويشكّل احتلال إيران للجزر الإماراتية (طنب الصغرى والكبرى وأبو موسى) أكبر دليل على ذلك، بل ويتجلّى موقف إيران واضحا في إعلامها الموجّه سياسيًّا؛ ففي حين غطّت قناة العالم الإيرانية الأحداث في البحرين شاجبة الموقف الحكومي والعنف الذي يتعرض له المتظاهرون فإنها تتجاهل في صمت مطبق ما يحدث في سوريا اليوم من تنكيل وقتل للمتظاهرين والمحسوبين على المعارضة بسبب علاقتها الودية مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد. أما فيما يخص علاقة المعارضة بإيران وحكومة ولاية الفقيه فيها وهي التهم التي توجهها الحكومة البحرينية لقيادات المعارضة، فإن ذلك يبدو أمرا غير دقيق وذلك لأن المعارضة لا تحمل صبغة طائفية أو مذهبية موحدة فضلا عن دينية بحتة؛ فالمعارضة كانت تنبثق من عدة توجهات وتيارات سياسية متنوعة، منها اليسارية العلمانية، والعروبية التقدمية إلى جانب التيار الإسلامي، وفي مواجهة هذه الاتهامات نفت المعارضة أي صلات لها بإيران أو بحزب الله اللبناني، وطالب زعيم المعارضة الشيعية في البحرين الشيخ علي سلمان رئيس جمعية الوفاق إيران بعدم التدخل في الشأن البحريني الداخلي، كما طالب السعودية بسحب قوات درع الجزيرة، وقال: إن المعارضة لا تريد نظام ولاية الفقيه، ولا تريد إقامة دولة دينية، بل دولة مدنية ينتخب فيها الشعب حكومته. ومن الجدير بالذكر أن الوفاق لم تعلن تبعيتها في السابق لمرجعية ولاية الفقيه في إيران.
الغرب والبحرين.. مواقف متناقضة
أما على صعيد التدخلات الخارجية في الشأن البحريني؛ فالموقف الرسمي الأميركي الذي بدا داعما للثورات في تونس ومصر بعد أن أصبحت أمرا محتوما من غير الممكن مجابهته، بدا ضعيفا ومتذبذبا فيما يخص الحركة الاحتجاجية في البحرين، واستخدام العنف ضد المتظاهرين، والتدخل العسكري الخليجي؛ فقد صرحت هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأميركية قائلة: "أوضحنا بشكل تام لشركائنا في الخليج الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي الذين أرسل أربعة منهم قوات لدعم الحكومة البحرينية أنهم يتبعون مسارا خاطئا" (2). فيما صرحت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية كاثرين فان دي فاتي: "تعتقد الولايات المتحدة أن الموقف في البحرين بحاجة لأن يتم تسويته من قِبل الشعب البحريني والحكومة البحرينية. ونحث جميع الأطراف أن يحجموا عن العنف واستخدام القوة بأي شكل من الأشكال، وأن ينخرطوا في الحوار الدبلوماسي اللازم للتعامل من خلاله مع رغبات ومظالم شعب البحرين".
لقد كان الموقف الأميركي الداعم لرحيل الرئيسين المخلوعين التونسي زين العابدين بن علي والمصري محمد حسني مبارك وكذلك القذافي في ليبيا مختلفا عن موقفها الرسمي من الوضع في البحرين؛ حيث إنها تتخوف من صعود التيارات الإسلامية المتشددة سواء كانت الشيعية أم السنية، ومناهضتها للوجود الأميركي في المنطقة (العراق وأفغانستان)، وذلك في بلد كالبحرين حيث يوجد الأسطول الأميركي الخامس؛ لذلك يبدو الموقف الأميركي داعما للأنظمة الموجودة في الخليج مع الميل لاتباع إستراتيجيات إصلاحية لاحتواء الغضب الشعبي دون تغيير جذري للوضع في المنطقة؛ حيث صرح مؤخرا الأدميرال مايك مولين، رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة -عند زيارته للمملكة العربية السعودية- للصحفيين: "البحرين ليست فقط مقر الأسطول الأميركي الخامس، ولكنها هي أيضا مركز للعمليات العسكرية في أفغانستان والعراق"، وعلى الرغم من شجب الوزيرة كلينتون لاستخدام العنف ضد المتظاهرين، ومطالبتها باستخدام الحوار لحل الموقف المتأزم فإنها أكدت على حق الحكومة البحرينية في الاستعانة بجيش درع الجزيرة لقمع الحركة الاحتجاجية، ورفضت أن تدعم حركة الاحتجاجات في البحرين وأن تتخذ موقفا مناهضا للعائلة الحاكمة في البحرين؛ إذ صرحت: "لا يدور دعمنا للديمقراطية وحقوق الإنسان حول الانحياز لصالح أو ضد الحكومات أو المواطنين"، وقالت: "هذا يتعلق بدعم المبادئ العالمية ولمن يدعمها من داخل الحكومة وخارجها". وكانت كلينتون قد قالت: إن هناك العديد من المسارات للديمقراطية، وعلى كل بلد "العمل لتحقيق قيمه الديمقراطية وبناء مؤسساته الديمقراطية الخاصة بطريقته الخاصة"، بينما حين كان الأمر متعلقا بالاحتجاجات في مصر كان ماكين السيناتور الأميركي يطالب مبارك بالتنحي، وكلينتون تذكر مبارك بالاسم منتقدة سياسته، ومطالبة بانتقال منظم للسلطة. وقد جاء خطاب الرئيس الأميركي أوباما بتاريخ 19 مايو/أيار 2011م حول سياسة أميركا الخارجية فيما يتعلق بالشرق الأوسط داعيا الحكومة البحرينية لإجراء مزيد من الإصلاحات، ومنددا باستخدام العنف ضد المواطنين البحرينيين؛ حيث صرح: "لقد أوضحنا بشكل علني وبشكل شخصي أن الاعتقالات الجماعية والقوة الغاشمة تتنافى مع الحقوق العالمية لمواطني البحرين، وسنواصل ذلك، وهذه الخطوات لن توقف الدعوات الشرعية للإصلاح" في حين ناقض الموقف السعودي الرسمي هذا التوجه السلمي لحل الأمور؛ فالحكومة السعودية تخشى من موجة احتجاجات مماثلة في السعودية خصوصا في منطقة الشريط النفطي إذا ما استجابت الحكومة البحرينية لمطالب المعارضة وعمدت لإجراءات إصلاحية. وقد ازداد تخوّف السعودية خصوصًا بعد أن وصف ولي العهد البحريني مطالبات المعارضة هذه بالمشروعة.
إن الوضع الحالي في البحرين مازال متأزما للغاية ومنقسما على أكثر من صعيد، وجاءت وثائق ويكيليكس (3) لتؤكد وجود نزاعات داخلية على النفوذ واتخاذ القرارات بين أفراد العائلة الحاكمة. والانقسام داخل العائلة المالكة فيما يتعلق بإدارة الشأن الداخلي في حقيقته هو صراع بين تيارين: التيار الإصلاحي ممن يُعدون إصلاحيين مثل الملك ونجله ولي العهد سلمان الذي عرض مبادرة للحوار مع المعارضة في بداية حركة الاحتجاجات تقترح برلمانا "يتمتع بسلطات تشريعية"، وتشكيل حكومة تعكس إرادة الشعب، وإلغاء التقسيمات في الدوائر الانتخابية، أما التيار الآخر فهو التيار المتشدد بزعامة رئيس الوزراء الشيخ خليفة الذي يشغل منصبه منذ أكثر من 40 عاما؛ فبعد أن تقدم ولي العهد بمبادرة للحوار مع المعارضة والمعتصمين في دوار اللؤلؤة، أُجهضت هذه المحاولة التي كانت قاب قوسين أو أدنى بسبب التدخل العسكري لقوات درع الجزيرة بإيعاز من التيار المتشدد في العائلة المالكة البحرينية، وقد تقرر بقاء الجيش الخليجي المشترك في البحرين بعد عقد آخر قمة تشاورية خليجية بتاريخ 10مايو/أيار 2011م حتى إشعار آخر. وورد في برقية كشف عنها موقع ويكليكس أنه بعد سنوات قضاها سفيرًا لبلاده لدى المنامة، حلَّل السفير الأميركي ويليام تي. مونرو في البرقية (07MANAMA669) الانقسامات داخل العائلة الحاكمة في البحرين، بأنها صراع بين الملك وولي العهد من جهة ورئيس الوزراء من جهة أخرى الذي يسيطر على القطاع التجاري والمالي في البحرين والذي يمثل التيار القبلي المحافظ الذي يرفض الإصلاحات، ويفضِّل نظام حكم متشدد، ويميل للتحالف مع التيارات الإسلامية السلفية، وتذكر هذه البرقية أن رئيس الوزراء كان مناهضا وبشدة للإصلاحات الاقتصادية التي قام بها ولي العهد الشيخ سلمان. وفي محاولة لتقليص نفوذ رئيس الوزراء قام الملك بتغييرات وزارية، وأزاح الداعمين الأساسيين لرئيس الوزراء في بعض الوزارات، وعين الشيخ خالد بن أحمد رئيسا للبلاط الملكي والذي يتمتع بنفوذ كبير، وحل محل رئيس الوزراء بصورة غير رسمية. ومن هنا فإن سياسة الملك تمثل الانتقال من أسلوب الزعامة التقليدية القبلية التي كانت لوالده وعمّه إلى الأسلوب التكنوقراطي الحديث.
المصير المجهول
لا يوجد في الوقت الحاضر بشائر في الأفق لحل الأزمة في البحرين؛ فعلى الرغم من إعلان الجيش البحريني رفع حظر التجول ابتداء من تاريخ 23 مايو/أيار 2011م، ما زالت المظاهرات تنطلق متفرقة في بعض القرى البحرينية؛ وذلك بعد تأييد المحكمة العسكرية الاستئنافية أحكام الإعدام الصادرة بحق اثنين من المتظاهرين المتهمين بقتل شرطيين دهسًا أثناء حركة الاحتجاجات، أما الممارسات القمعية فقد زادت ضراوتها وأخذت تستهدف الأطباء والمثقفين على الرغم من انتهاء الاعتصام. من جهة أخرى تجدر الإشارة إلى صدور أحكام بإعدام أربعة مواطنين بحرينيين بتاريخ 28 أبريل/نيسان 2011م أمام محكمة عسكرية بتهمة قتل شرطيين، وقد أدان هذا الحكم العديد من المنظمات الحقوقية والإنسانية، منها منظمة العفو الدولية ورئيس البرلمان الأوربي جيرزي بوزيك؛ وذلك بسبب الشكوك المحيطة بنزاهة المحاكمة العسكرية والأحكام التعسفية بالإعدام.
من جانب آخر يواجه الاقتصاد البحريني صعوبات جمة، فقد تم إلغاء دورة الفورميلا واحد، والعديد من المهرجانات مما أدى لتراجع السياحة في البحرين، ولا يزال الوضع الأمني غير مستقر في الدولة. وفي واقع الأمر لا يمكن عزل الوضع في البحرين عن التأثيرات الخارجية مثل تدخل الدول الأجنبية، ولا عن تأثير الثورات في العالم العربي على الوعي الفردي للمواطن البحريني. إن السؤال الذي يمكن طرحه في هذا الصدد هو: هل ستؤدي الدعوات الأميركية والأوربية لإجراء إصلاحات في نظام الحكم في البحرين إلى الخروج من حكم القبيلة لرحاب الدولة المدنية الحديثة عن طريق إجراء تعديلات دستورية تحفظ للشعب حق المشاركة في صنع القرار السياسي وتقاسم عادل للثروات دون تمييز على أساس طائفي أو إثني، وعقد مصالحة وطنية تحفظ حق المتضررين من القمع العسكري، وكذلك حقوق أهالي الشهداء وضحايا الانتهاكات في السجون؟
________________
آيات الشيخ
باحثة وكاتبة من البحرين
المصدر: مركز الجزيرة للدراسات
المشهد السياسي في البحرين هو في غاية الاضطراب وذلك منذ انطلاق ما يُعرف بحركة 14 فبراير/شباط المتأثرة بثورة الياسمين في تونس والثورة المصرية التي اتخذت من ميدان التحرير معقلاً لها؛ إذ شهدت هذه المملكة الصغيرة مؤخرًا موجة احتجاجات شاهدها العالم أجمع على شاشات التلفزة. وينبغي أن نوضح أن للبحرين خصوصيتها التي تميزها عن باقي دول الخليج، فهي لا تتمتع بمخزون نفطي كبير مثل باقي الدول الخليجية ولكنها تعد مركزا ماليا وعقاريا هاما. ويبدو أن الوضع المتأزم لن يُحل سريعا؛ وذلك لأن البحرين تمثل ساحة معركة للتجاذبات السياسية في المنطقة كما كانت دومًا، فاليوم هناك عدة دول تتدخل في رسم السياسة البحرينية؛ حيث لا زالت أميركا ترسل مندوبيها إلى البحرين، إضافة لتدخل دول الاتحاد الأوربي، بل إن تصريحات إيران وتركيا لا تزال تتتابع بشأن الأزمة السياسية، ومن الجانب العربي تم تدخل دول الخليج عسكريا وسياسيا لفض الاعتصام في دوار اللؤلؤة.
الثورة.. أحداث ومطالب
الموقع الإقليمي وإشكالياته
الغرب والبحرين.. مواقف متناقضة
المصير المجهول
الثورة.. أحداث ومطالب
توجّهت الجماهير إلى دوار اللؤلؤ الواقع في وسط العاصمة المنامة، قريبًا من المنطقة الدبلوماسية بعد دعوة وجهتها قوى المعارضة متمثّلة في جمعيات سياسية معارضة مختلفة التوجهات والانتماءات الأيديولوجية هي: (الوفاق، وعد، المنبر التقدمي، العمل الإسلامي، التجمع القومي، التجمع الوطني، الإخاء) وعلى رأسها جمعية الوفاق الإسلامية الشيعية، التي تمثل الأغلبية في البرلمان البحريني (يشغل نوّابها 18 مقعدًا في البرلمان) والمتحالفة مع جمعية وعد ذات التوجهات اليسارية القومية والتي يمثلها الدكتورة منيرة فخرو وإبراهيم شريف. وعلى الرغم من دور هذه الجمعيات السياسية في تصدر المعارضة وتمثيلها فإن المتجمهرين في الدوار لم يكونوا ينتمون بالضرورة لجمعية سياسية؛ فالشعب البحريني ما زال حديث عهد بالنشاط السياسي، وانطلاق البرلمان البحريني بصيغته الحالية، والسماح بتشكيل جمعيات سياسية يعود فقط لعام 2000م بعد التصويت الشعبي على ميثاق العمل الوطني الذي دعا إليه الملك حمد آل خليفة والذي صوَّت له شعب البحرين بكل أطيافه المذهبية والإثنية بالموافقة، والذي سمح وشرع لتأسيس الجمعيات السياسية في البحرين، ولإجراء الانتخابات البرلمانية والنيابية.
تعتبر المنطقة القريبة من دوّار اللؤلؤ بمثابة الشريان الأساسي للاقتصاد والسياحة في الدولة؛ إذ يقع بجانبه المرفأ المالي، ومعظم الوزارات، وسفارات الدول الأجنبية. ويرمز هذا الدوار بأعمدته إلى دول الخليج العربي، وتعلوه كرة ترمز للؤلؤة. وقد استمر اعتصام ممثلي المعارضة في الدوار لعدّة أيام، بينما في الجهة الأخرى من المنامة وعند مسجد الفاتح تحديدا، تجمهر الموالون للحكومة "سنة وشيعة" بل وانضم لهم بعض المتجمهرين في الدوار؛ وذلك للتأكيد على أن مطالب المتجمهرين في الدوار لا تتعارض والولاء للملك والوطن، وأن الاحتجاجات ومطالب التغيير ليست منطلقة من خلفية طائفية، وكان على رأس المتجمهرين عند مسجد الفاتح الشيخ عبد اللطيف المحمود (من السنّة) الذي طالب بإنهاء هذا الوضع المحتقن وبإخلاء الدوار. في حين كانت الجماهير المعارضة في الدوار لعدّة أيام تواجه قوات مكافحة الشغب، وكذلك ما بات يُعرف اليوم في العالم العربي بـ"البلطجية". ثمّ في محاولة للتهدئة واستيعاب المعارضة صرّح ولي العهد الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة بأنّ من حقّ المتظاهرين البقاء في الدوار، وقدّم دعوة للحوار لحلحلة الأزمة والنظر في مطالب المعارضة التي قدمتها في عريضة موقَّعة من الجمعيات السبع السابق ذكرها، وكانت المطالب كالآتي:
إلغاء دستور العام 2002م.
الدعوة لانتخاب مجلس تأسيسي على أساس تساوي الأصوات بين الناخبين.
وضع دستور جديد للبلاد.
حق الشعب في انتخاب مجلس نواب ينفرد بكامل الصلاحيات التشريعية.
حق الشعب البحريني في أن تكون له حكومة منتخبة.
وهكذا بدأت محاولة التحاور مع ممثلي الجمعيات السياسية. ولكن في حين ظنّ المطالبون بأنّ الوضع في طريقه للانفراج، قام الجيش البحريني فجر يوم الخميس 17/02/2011م باقتحام الدوّار وإخلائه من المتظاهرين باستخدام القوّة العسكرية، وأعقب ذلك حملة اعتقالات واسعة لقيادات المعارضة، ومن أبرزهم الناشط السياسي إبراهيم شريف رئيس جمعية وعد اليسارية (من الطائفة السنيّة)، وجرت حملات مداهمة وتفتيش لناشطين في المجال الحقوقي، منهم الناشطان نبيل رجب، وعبد الهادي خواجة، وتمّ الاعتداء بالضرب واعتقال أطباء وممرضين بعد اقتحام مستشفى السلمانية، المستشفى الحكومي الأكبر في البحرين.
وحسب مركز البحرين لحقوق الإنسان فإن عدد المعتقلين والمفقودين يبلغ 800 شخص بينهم 39 امرأة بعد فرض حالة "السلامة الوطنية"، وبين المعتقلين معلمون ومحامون وأطباء وشعراء وفنانون تشكيليون ومصورون فوتوغرافيون، وناشطون إلكترونيون، ونشطاء حقوق الإنسان، وأعضاء الجمعيات السياسية (1)، وكانت المديرة العامة لمنظمة اليونسكو، إيرينا بوكوفا، قد دعت مؤخرا إلى القيام بالتحقيقات اللازمة حول وفاة كل من كريم فخراوي، أحد مؤسسي الجريدة اليومية المستقلة "الوسط" والناشط الإلكتروني زكريا راشد حسن، اللذين توفيا فى السجن في البحرين خلال شهر مايو/أيار 2011م، قائلة: إن كريم فخراوى وزكريا راشد حسن كانا يدافعان عن نشوء وتطور وسائل إعلام حرة ومتعددة، الأمر الذي تدافع عنه اليونسكو وتعمل من أجله باعتباره "أحد الضمانات للحكم الرشيد، واحترام حقوق الإنسان والمواطن".
عندما أصبح الوضع الأمني في البحرين حرِجا بسبب ضراوة الحملة الأمنية التي شنتها القوات البحرينية وقوات جيش درع الجزيرة -التي وصلت للبحرين بتاريخ 14 مارس/آذار 2011- على المواطنين، وسقوط أكثر من 30 قتيلا حسب منظمة البحرين لحقوق الإنسان، وموت بعض المعتقلين في السجون جرّاء التعذيب، تصاعد الغضب الشعبي، وانقسمت فئات الشعب إلى مؤيّدين للحكومة ومعارضين لها، وحدث شرخ بين مكوّنات المجتمع البحريني فيما يشبه النذر بفتنةٍ طائفية وشيكة بين الشيعة والسنة، لاسيما وأنّ المعارضة تبدو من الخارج شيعية بحتة، على الرغم من أن أبرز ممثلي المعارضة هم من السنة حيث يعتبر إبراهيم شريف والدكتورة منيرة فخرو من جمعية وعد اليسارية من أشد المناوئين للحكومة، وهما اللذان لعبا دورا كبيرا في استمرار الحركة الاحتجاجية بالاتحاد مع الشيخ علي سلمان ممثل جمعية الوفاق الإسلامية الشيعية، الجمعية السياسية الأكثر شعبية في البحرين، والأكثر تمثيلا في البرلمان البحريني.
الموقع الإقليمي وإشكالياته
إن الموقع الإقليمي للبحرين الواقع بين عدة قوى متناحرة تمثل أيديولوجيات مختلفة يمثل إشكالية معقدة؛ فمن جهة هناك إيران الشيعية التي تتبع ولاية الفقيه، والتي تسعى لامتلاك ترسانة نووية، والتي تصنف من الدول المعادية لسياسة أميركا ودول أوروبا، وفي الجهة الأخرى السعودية السنّية الموالية لأميركا والتي تخضع لها معظم دول الخليج، وهناك أيضًا الولايات المتحدة الأميركية التي تمتلك قاعدة عسكرية في البحرين، وكذلك بريطانيا التي كانت سابقا تدير شؤون البحرين تحت مسمى الحماية أو الوصاية البريطانية على البحرين، وتنازُع هذه القوى تاريخيا على البحرين، ومحاولتها بسط نفوذها عليها، والصورة التي تريد أن تبرزها للعالم اليوم عن سياستها الخارجية والداخلية هي التي لعبت دورا في تحديد موقفها من الحكومة البحرينية والمعارضة، بل وتؤثر أيضا في السياسة البحرينية والخليجية بشكل عام. ويبدو من المفيد التذكير بأنه في عام 1970م، وعندما قررت بريطانيا الانسحاب من البحرين بعدما كانت مستعمرة تابعة لها، طلبت إيران من الأمم المتحدة إجراء استفتاء في البحرين للوقوف على رأي الشعب البحريني في العودة إلى إيران أو الاستقلال باعتبار أن البحرين كانت مستعمرة إيرانية قبل أن تستعمرها بريطانيا؛ فكانت نتيجة استفتاء الشعب البحريني هي الاستقلال وعدم الانضمام إلى إيران.
لا شك أن السياسة الداخلية البحرينية تؤثر فيها تدخلات عدة أطراف خارجية تحاول حماية مصالحها، وبسط نفوذها. وفي هذا الصدد يقول عالم السياسة الأميركي جورج فريدمان: "من الواضح أن لإيران اهتمامًا بزعزعة النظام البحريني، لكن من غير الواضح إلى أي مدى تتدخّل هناك، لكن المعروف أن لها تأثيرًا كبيرًا على رجل الدين حسن مشيمع الذي كان يعيش في لندن، وعاد إلى البحرين مُؤخرًا، للمشاركة في الاحتجاجات"؛ حيث إن أطماع إيران في فرض سيطرتها على هذه المنطقة أمر لاشك فيه خصوصا بعد تصريحات حسين شريعتمداري مستشار مرشد الثورة الإيرانية في عدة مقالات له عام 2009م بصحيفة كيهان الإيرانية والذي ادعى فيها أن البحرين هي: (جزء من إيران، وأنها اقتُطعت بالقوة من الجسد الإيراني، وأن الشعب البحريني يطالب بإعادة البحرين لتكون جزءًا من إيران).
إن سياسة إيران الخارجية فيما يتعلق ببسط نفوذها في المنطقة أمر لاشك فيه، ويشكّل احتلال إيران للجزر الإماراتية (طنب الصغرى والكبرى وأبو موسى) أكبر دليل على ذلك، بل ويتجلّى موقف إيران واضحا في إعلامها الموجّه سياسيًّا؛ ففي حين غطّت قناة العالم الإيرانية الأحداث في البحرين شاجبة الموقف الحكومي والعنف الذي يتعرض له المتظاهرون فإنها تتجاهل في صمت مطبق ما يحدث في سوريا اليوم من تنكيل وقتل للمتظاهرين والمحسوبين على المعارضة بسبب علاقتها الودية مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد. أما فيما يخص علاقة المعارضة بإيران وحكومة ولاية الفقيه فيها وهي التهم التي توجهها الحكومة البحرينية لقيادات المعارضة، فإن ذلك يبدو أمرا غير دقيق وذلك لأن المعارضة لا تحمل صبغة طائفية أو مذهبية موحدة فضلا عن دينية بحتة؛ فالمعارضة كانت تنبثق من عدة توجهات وتيارات سياسية متنوعة، منها اليسارية العلمانية، والعروبية التقدمية إلى جانب التيار الإسلامي، وفي مواجهة هذه الاتهامات نفت المعارضة أي صلات لها بإيران أو بحزب الله اللبناني، وطالب زعيم المعارضة الشيعية في البحرين الشيخ علي سلمان رئيس جمعية الوفاق إيران بعدم التدخل في الشأن البحريني الداخلي، كما طالب السعودية بسحب قوات درع الجزيرة، وقال: إن المعارضة لا تريد نظام ولاية الفقيه، ولا تريد إقامة دولة دينية، بل دولة مدنية ينتخب فيها الشعب حكومته. ومن الجدير بالذكر أن الوفاق لم تعلن تبعيتها في السابق لمرجعية ولاية الفقيه في إيران.
الغرب والبحرين.. مواقف متناقضة
أما على صعيد التدخلات الخارجية في الشأن البحريني؛ فالموقف الرسمي الأميركي الذي بدا داعما للثورات في تونس ومصر بعد أن أصبحت أمرا محتوما من غير الممكن مجابهته، بدا ضعيفا ومتذبذبا فيما يخص الحركة الاحتجاجية في البحرين، واستخدام العنف ضد المتظاهرين، والتدخل العسكري الخليجي؛ فقد صرحت هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأميركية قائلة: "أوضحنا بشكل تام لشركائنا في الخليج الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي الذين أرسل أربعة منهم قوات لدعم الحكومة البحرينية أنهم يتبعون مسارا خاطئا" (2). فيما صرحت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية كاثرين فان دي فاتي: "تعتقد الولايات المتحدة أن الموقف في البحرين بحاجة لأن يتم تسويته من قِبل الشعب البحريني والحكومة البحرينية. ونحث جميع الأطراف أن يحجموا عن العنف واستخدام القوة بأي شكل من الأشكال، وأن ينخرطوا في الحوار الدبلوماسي اللازم للتعامل من خلاله مع رغبات ومظالم شعب البحرين".
لقد كان الموقف الأميركي الداعم لرحيل الرئيسين المخلوعين التونسي زين العابدين بن علي والمصري محمد حسني مبارك وكذلك القذافي في ليبيا مختلفا عن موقفها الرسمي من الوضع في البحرين؛ حيث إنها تتخوف من صعود التيارات الإسلامية المتشددة سواء كانت الشيعية أم السنية، ومناهضتها للوجود الأميركي في المنطقة (العراق وأفغانستان)، وذلك في بلد كالبحرين حيث يوجد الأسطول الأميركي الخامس؛ لذلك يبدو الموقف الأميركي داعما للأنظمة الموجودة في الخليج مع الميل لاتباع إستراتيجيات إصلاحية لاحتواء الغضب الشعبي دون تغيير جذري للوضع في المنطقة؛ حيث صرح مؤخرا الأدميرال مايك مولين، رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة -عند زيارته للمملكة العربية السعودية- للصحفيين: "البحرين ليست فقط مقر الأسطول الأميركي الخامس، ولكنها هي أيضا مركز للعمليات العسكرية في أفغانستان والعراق"، وعلى الرغم من شجب الوزيرة كلينتون لاستخدام العنف ضد المتظاهرين، ومطالبتها باستخدام الحوار لحل الموقف المتأزم فإنها أكدت على حق الحكومة البحرينية في الاستعانة بجيش درع الجزيرة لقمع الحركة الاحتجاجية، ورفضت أن تدعم حركة الاحتجاجات في البحرين وأن تتخذ موقفا مناهضا للعائلة الحاكمة في البحرين؛ إذ صرحت: "لا يدور دعمنا للديمقراطية وحقوق الإنسان حول الانحياز لصالح أو ضد الحكومات أو المواطنين"، وقالت: "هذا يتعلق بدعم المبادئ العالمية ولمن يدعمها من داخل الحكومة وخارجها". وكانت كلينتون قد قالت: إن هناك العديد من المسارات للديمقراطية، وعلى كل بلد "العمل لتحقيق قيمه الديمقراطية وبناء مؤسساته الديمقراطية الخاصة بطريقته الخاصة"، بينما حين كان الأمر متعلقا بالاحتجاجات في مصر كان ماكين السيناتور الأميركي يطالب مبارك بالتنحي، وكلينتون تذكر مبارك بالاسم منتقدة سياسته، ومطالبة بانتقال منظم للسلطة. وقد جاء خطاب الرئيس الأميركي أوباما بتاريخ 19 مايو/أيار 2011م حول سياسة أميركا الخارجية فيما يتعلق بالشرق الأوسط داعيا الحكومة البحرينية لإجراء مزيد من الإصلاحات، ومنددا باستخدام العنف ضد المواطنين البحرينيين؛ حيث صرح: "لقد أوضحنا بشكل علني وبشكل شخصي أن الاعتقالات الجماعية والقوة الغاشمة تتنافى مع الحقوق العالمية لمواطني البحرين، وسنواصل ذلك، وهذه الخطوات لن توقف الدعوات الشرعية للإصلاح" في حين ناقض الموقف السعودي الرسمي هذا التوجه السلمي لحل الأمور؛ فالحكومة السعودية تخشى من موجة احتجاجات مماثلة في السعودية خصوصا في منطقة الشريط النفطي إذا ما استجابت الحكومة البحرينية لمطالب المعارضة وعمدت لإجراءات إصلاحية. وقد ازداد تخوّف السعودية خصوصًا بعد أن وصف ولي العهد البحريني مطالبات المعارضة هذه بالمشروعة.
إن الوضع الحالي في البحرين مازال متأزما للغاية ومنقسما على أكثر من صعيد، وجاءت وثائق ويكيليكس (3) لتؤكد وجود نزاعات داخلية على النفوذ واتخاذ القرارات بين أفراد العائلة الحاكمة. والانقسام داخل العائلة المالكة فيما يتعلق بإدارة الشأن الداخلي في حقيقته هو صراع بين تيارين: التيار الإصلاحي ممن يُعدون إصلاحيين مثل الملك ونجله ولي العهد سلمان الذي عرض مبادرة للحوار مع المعارضة في بداية حركة الاحتجاجات تقترح برلمانا "يتمتع بسلطات تشريعية"، وتشكيل حكومة تعكس إرادة الشعب، وإلغاء التقسيمات في الدوائر الانتخابية، أما التيار الآخر فهو التيار المتشدد بزعامة رئيس الوزراء الشيخ خليفة الذي يشغل منصبه منذ أكثر من 40 عاما؛ فبعد أن تقدم ولي العهد بمبادرة للحوار مع المعارضة والمعتصمين في دوار اللؤلؤة، أُجهضت هذه المحاولة التي كانت قاب قوسين أو أدنى بسبب التدخل العسكري لقوات درع الجزيرة بإيعاز من التيار المتشدد في العائلة المالكة البحرينية، وقد تقرر بقاء الجيش الخليجي المشترك في البحرين بعد عقد آخر قمة تشاورية خليجية بتاريخ 10مايو/أيار 2011م حتى إشعار آخر. وورد في برقية كشف عنها موقع ويكليكس أنه بعد سنوات قضاها سفيرًا لبلاده لدى المنامة، حلَّل السفير الأميركي ويليام تي. مونرو في البرقية (07MANAMA669) الانقسامات داخل العائلة الحاكمة في البحرين، بأنها صراع بين الملك وولي العهد من جهة ورئيس الوزراء من جهة أخرى الذي يسيطر على القطاع التجاري والمالي في البحرين والذي يمثل التيار القبلي المحافظ الذي يرفض الإصلاحات، ويفضِّل نظام حكم متشدد، ويميل للتحالف مع التيارات الإسلامية السلفية، وتذكر هذه البرقية أن رئيس الوزراء كان مناهضا وبشدة للإصلاحات الاقتصادية التي قام بها ولي العهد الشيخ سلمان. وفي محاولة لتقليص نفوذ رئيس الوزراء قام الملك بتغييرات وزارية، وأزاح الداعمين الأساسيين لرئيس الوزراء في بعض الوزارات، وعين الشيخ خالد بن أحمد رئيسا للبلاط الملكي والذي يتمتع بنفوذ كبير، وحل محل رئيس الوزراء بصورة غير رسمية. ومن هنا فإن سياسة الملك تمثل الانتقال من أسلوب الزعامة التقليدية القبلية التي كانت لوالده وعمّه إلى الأسلوب التكنوقراطي الحديث.
المصير المجهول
لا يوجد في الوقت الحاضر بشائر في الأفق لحل الأزمة في البحرين؛ فعلى الرغم من إعلان الجيش البحريني رفع حظر التجول ابتداء من تاريخ 23 مايو/أيار 2011م، ما زالت المظاهرات تنطلق متفرقة في بعض القرى البحرينية؛ وذلك بعد تأييد المحكمة العسكرية الاستئنافية أحكام الإعدام الصادرة بحق اثنين من المتظاهرين المتهمين بقتل شرطيين دهسًا أثناء حركة الاحتجاجات، أما الممارسات القمعية فقد زادت ضراوتها وأخذت تستهدف الأطباء والمثقفين على الرغم من انتهاء الاعتصام. من جهة أخرى تجدر الإشارة إلى صدور أحكام بإعدام أربعة مواطنين بحرينيين بتاريخ 28 أبريل/نيسان 2011م أمام محكمة عسكرية بتهمة قتل شرطيين، وقد أدان هذا الحكم العديد من المنظمات الحقوقية والإنسانية، منها منظمة العفو الدولية ورئيس البرلمان الأوربي جيرزي بوزيك؛ وذلك بسبب الشكوك المحيطة بنزاهة المحاكمة العسكرية والأحكام التعسفية بالإعدام.
من جانب آخر يواجه الاقتصاد البحريني صعوبات جمة، فقد تم إلغاء دورة الفورميلا واحد، والعديد من المهرجانات مما أدى لتراجع السياحة في البحرين، ولا يزال الوضع الأمني غير مستقر في الدولة. وفي واقع الأمر لا يمكن عزل الوضع في البحرين عن التأثيرات الخارجية مثل تدخل الدول الأجنبية، ولا عن تأثير الثورات في العالم العربي على الوعي الفردي للمواطن البحريني. إن السؤال الذي يمكن طرحه في هذا الصدد هو: هل ستؤدي الدعوات الأميركية والأوربية لإجراء إصلاحات في نظام الحكم في البحرين إلى الخروج من حكم القبيلة لرحاب الدولة المدنية الحديثة عن طريق إجراء تعديلات دستورية تحفظ للشعب حق المشاركة في صنع القرار السياسي وتقاسم عادل للثروات دون تمييز على أساس طائفي أو إثني، وعقد مصالحة وطنية تحفظ حق المتضررين من القمع العسكري، وكذلك حقوق أهالي الشهداء وضحايا الانتهاكات في السجون؟
________________
آيات الشيخ
باحثة وكاتبة من البحرين
المصدر: مركز الجزيرة للدراسات