المشروع السياسى لسوريا المستقبل
[center]المحتويات
الجزء الأول: المنطلقات الفكرية والنظرية للمشروع 8
المدخل. 9
مشروعنا السياسي 11
الباب الأول: منطلقات المشروع 12
1. وحدة الخالق وتكريم المخلوق 14
2. الإنسان مستخلف في الأرض 14
3. الإنسان والحرية 15
4. العدل لجميع البشر 15
5. التنوع للتعارف والحوار 16
6. العالم ساحة دعوة إلى الله 16
7. الجهاد في سبيل الله 16
8. الشريعة ليست نظاماً للجريمة والعقاب فقط 17
9. شريعة: تضع الإصر، وتوسع دائرة العفو 18
10. التدرج 18
11. التيسير والتبشير. 19
الباب الثاني: في التجديد 20
الفصل الأول: الإسلام المتجدد. 20
الفصل الثاني: جماعة الإخوان المسلمين أصالة في الفكر وتجدد في الأساليب 22
الباب الثالث: مرتكزات الدولة الحديثة 27
مقدمة 27
أولا: دولة ذات مرجعية 28
مفهوم الدولة الإسلامية 29
بين الدولة الإسلامية والدولة الدينية 30
ثانيا: تعاقدية 31
ثالثا:دولة مواطنة 32
رابعا: تمثيلية 33
خامسا: تعددية 33
سادسا: تداولية 34
سابعا: مؤسساتية 35
ثامنا: قانونية 36
الباب الرابع: الوطـن 37
الفصل الأول: سورية والشعب السوري 37
الشعب السوري 37
سورية 38
الخلفية الحضارية 38
الخلفية الدعوية 38
الخلفية السياسية 39
الخلفية الاستراتيجة 39
قطر مواجهة 39
قطر عربي 40
قطر إسلامي 40
الخلفية الاقتصادية 40
الفصل الثاني: تحديات وطنية 41
أولا: التجزئة وتحدي الوحدة 41
ثانيا: أسلحة الدمار الشامل وتحدي التوازن الاستراتيجي 42
ثالثا: الاحتلال وتحدي التحرير 43
رابعا: المشروع الوطني وتحدي العولمة 45
الباب الخامس: الإنسان 47
الفصل الأول: الإنسان الفرد 47
تمهيد 47
حقيقة أساسية في مشروعنا الحضاري 47
الإنسان في الإسلام 48
المرأة تصور ومكانة 50
أولا-التماثل 51
ثانيا-التمايز 52
ثالثا-التكامل 53
مكانة المرأة في الحياة العامة 54
الفصل الثاني: المجتمع 55
ـ تمهيد 55
ـ أبعاد أساسية في الإصلاح الاجتماعي 55
صون الأسرة 55
نبذ التقليد 55
نشر الوعي 55
الإباء ورفض الظلم 56
التواصل وبناء المجتمع المدني 57
التكافل والتراحم 58
التقوى 58
قبول التحدي 59
الفصل الثالث: تحديات اجتماعية 60
أولاً ـ النمو السكاني 60
ثانياً ـ التعددية العرقية والدينية وتحدي الوحدة الوطنية 63
الباب السادس: السلطة 65
الفصل الأول : السلطة الحق والمشروعية 65
الفصل الثاني : السلطات الثلاث ومكانتها في بناء الدولة 67
في فصل السلطات 67
أولا: السلطة التشريعية 67
في مفهوم الحاكمية 68
بين التمثيلية والاختصاص 68
ثانيا: السلطة القضائية 69
إصلاح القانون 69
القضاء العرفي 70
المحاماة 70
ثالثا: في السلطة التنفيذية 71
الجيش والقوات المسلحة 71
السلطات الأمنية 72
الباب السابع: في النظم والمناهج 73
الفصل الأول: الإصلاح الدستوري وسيادة القانون 74
الفصل الثاني: النظام السياسي 75 ـ أولاً: أسس النظام الإسلامي 75
التوحيد 75
الاستخلاف 75
الشورى 76
ـ ثانياً: الأهداف العامة للنظام السياسي 77
الأمن 77
المساواة 77
العدل 79
الحرية 80
الفصل الثالث: النظام الاقتصادي 81
ـ أولاً: مدخل 81
ـ ثانياً: إطلالة على الاقتصاد الإسلامي 82
ـ ثالثاً: مشكلاتنا الاقتصادية في بعدها الإيماني 85
ـ رابعاً: قواعد النظام الاقتصادي الإسلامي وأساسياته 86
الفصل الرابع : في المناهج 89
أولاً ـ في التربية والتعليم 89
المنهاج التربوي 89
النظام التعليمي 90
المعلم 90
ثانياً ـ في الإعلام 91
الجزء الثاني: سياسات المشروع (البرنامج العملي للمشروع) 92
الباب الثامن: المشروع المنشود معالم وآفاق 93
المدخل إلى سياسات المشروع 94
-دعوة إلى الحرية 94
-دعوة للعمل بالقواسم المشتركة 94
-دعوة للنهوض الحضاري بالوطن 96
الباب التاسع: المحاور الداخلية في سياسات المشروع 97
الفصل الأول : السياسات الدستورية 97
الفصل الثاني : الشؤون السياسية 98
الفصل الثالث : السياسات القضائية 101
الفصل الرابع : السياسات الاقتصادية 102
الخلل في الاقتصاد السوري 102
الخطوط العامة لتطوير الاقتصاد السوري 103
1- تطوير السياسات والأنظمة والقوانين 104
2- زيادة الإنتاج 104
3- عدالة التوزيع 106
4- ترشيد الاستهلاك 107
5- التكامل الاقتصادي 107
الفصل الخامس : السياسات العسكرية 108
الفصل السادس : السياسات الصحية 110
الخلل في القطاع الصحي 110
السياسات الصحية 111
الخدمات الصحية 111
التعليم الطبي 112
الفصل السابع : السياسات الاجتماعية 113
قضية الشباب 115
قضية المرأة – المبادئ الأساسية 116
- منهج الجماعة في معالجة قضية المرأة 117
الفصل الثامن : السياسات الإعلامية 118
إصلاح القوانين الإعلامية 118
توفير الوسيلة الإعلامية 119
تدريب كادر إعلامي 119
الفصل التاسع : سياسات التعليم والبحث العلمي والمعلوماتية 120
المعالم الأساسية للسياسات 120
سياسات البحث العلمي 122
الفصل العاشر : السياسات التربوية 123
عوامل انتكاس العملية التربوية 123
إعداد مناهج التربية 124
إعداد الإنسان الصالح 124
بناء المجتمع الصالح 125
الباب العاشر: المحاور الخارجية في سياسات المشروع 126
الفصل الأول : الأسس العامة للسياسة الخارجية 127
الفصل الثاني : دوائر العلاقات الخارجية 129
القضية الفلسطينية 129
دائرة العلاقات العربية 131
دائرة العلاقات الإسلامية 123
دائرة العلاقات الدولية 135
الخاتمة (سورية التي نريد) 137
الجزء الأول
المنطلقات النظرية والفكرية للمشروع السياسي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سينا محمد المبعوث رحمة للعالمين، وعلى إخوانه من النبيين والمرسلين، وسائر أصحابه وتابعيهم، والمستنين بهديهم إلى يوم الدين
المـدخـل
تنبثق رؤيتنا المستقبلية الحضارية لقطرنا العربي السوري ضمن منظومتيه العربية والإسلامية، من إيماننا المطلق بإسلامنا المتجدد والذي تتفاعل نصوصه وأصوله مع وقائع الحياة ومستجدياتها، في إطار من مقاصد الشريعة العامة، فتتحقق من خلالها مصالح الأمة، وتنفتح أمامها آفاق الاستخلاف في الأرض، ويتحقق بذلك البعد الأسمى لقوله تعالى (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) .
إن مشروعنا الإسلامي الحضاري لقطرنا العربي السوري يمر عبر المنطلقات الرئيسية التالية:
الأول : رؤيتنا لإسلامنا المتجدد من خلال عقيدته السمحة، وقيمه العليا، وبنيته التشريعية القائمة على العدل- واليسر.
الثاني: جماعتنا الإسلامية الملتقية على كلمة التقوى، والتي تعمل لتحقيق شريعة الله في الأنفس والآفاق من خلال أهداف وبرامج ووسائل قابلة للمراجعة والتطوير والتقويم والتجديد والمشاركة.
الثالث : رؤيتنا لبناء (الدولة الحديثة) في قطرنا العربي السوري، التي نعتبر بناءها مطلبا عامّاً لجميع أبناء قطرنا، إذ هي في نظرنا المظلة الجامعة التي ينبغي أن تشمل الجميع.
تقوم الدولة الحديثة، التي نتبناها وندعو إليها، على جملة من المرتكزات، نعتبرها الأساس الركين لبناء دولة قادرة على القيام بأعباء أي مشروع حضاري، أهمها أنها دولة ذات مرجعية تنبثق من هوية الأمة العربية الإسلامية وثوابتها، ثم هي ترتكز بعد ذلك على تعاقدية ومواطنة وتمثيلية وتعددية وتداولية ومؤسساتية وقانونية، وهذا يقتضينا أن نوضح رؤيتنا عن مكونات الدولة الحديثة وهي: الوطن، والإنسان، والمجتمع، والسلطة، والنظم، والمناهج، في دراسة مجملة تجمع بين التأصيل والتجديد.
إن الانشغال بحاضر سورية ومستقبلها يمثلان ضرورة لا يمكن تجاوزها عند كل الغيورين على هذه الأمة والوطن ، فسورية اليوم وفي بداية الألفية الثالثة، تمر بمرحلة تحول دقيقة تتطلب تغييرا في المناهج السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي سادت لعقود، والتغيير هنا استحقاق تاريخي لابد منه، وحتى يكون حقيقيا لابد أن يشارك فيه الشعب عن اقتناع وأمل له ما يبرره في غده ومستقبله.
ورغم ما يبدو في الظاهر من معالم الاستقرار القلق، فسورية تواجه مشكلات تتطلب حلولا متكاملة، وجماعتنا تؤمن أن الإسلام في جوهره التوحيدي وقيمه العليا، وشريعته السمحة، ورصيده في نفوس أبناء الشعب السوري، هو أصلح المنطلقات لبناء سورية المستقبل، ونحن إذ نطرح مشروعنا على أبناء الوطن للنهوض به جميعا، لنرحب بأي تطبيق له من جانب الأفراد والدولة والمجتمع، كليا كان أو جزئيا، ساعين للتعاون مع الجميع في هذا الاتجاه.مذكرين بأننا حين نعتمد على الإسلام بوسطيته واعتداله، لا ندعي أننا جماعة المسلمين، ولا أننا أوصياء على الناس باسم الإسلام، وإنما أصحاب مشروع نعرضه على الناس، وسبيلنا إليه هو الحوار المتكافئ مع كل التيارات الفكرية والاجتماعية والسياسية، و الدينية، حوار بالتي هي أحسن، لا تضيق معه العقول عند فكرة، ولا تضيق منه الصدور عند اختلاف الرأي.
نتقدم بوصفنا شريحة من شرائح الشعب السوري، نعيش واقع الناس الذي يعيشونه، ونتواصل مع أبناء المجتمع ونحمل آماله وآلامه وهمومه، ونؤمن بالتفاعل الضروري مع كل عناصر الأمة وفئاتها دون اختزال أو تهميش لأحد، فالمسؤولية عن الدين والوطن مسؤولية الأمة بكاملها بتنظيماتها الرسمية والشعبية والحكومية والمعارضة، ولذلك فالتعاون مع كافة التيارات الوطنية أمر طبيعي وضروري.
يتكون مشروعنا من كتابين رئيسيين:
الكتاب الأول: المنطلقات الفكرية والنظرية التي تشكل خلفية المشروع.
الكتاب الثاني: سياسات المشروع و البرنامج العملي .
ونحن بصدد إخراج كتاب تأصيلي للقضايا المعاصرة المطروحة في المشروع، يخص كل من يبحث عن المرجعية الشرعية للأفكار الواردة فيه.
مشروعنا السياسي :
رؤية إخوانية لسورية المستقبل، نتقدم به للشعب السوري ولكافة قواه الفكرية والسياسية الحاكمة.
كلمة سواء موجهة لجميع أبناء الوطن، تتطلب تعاون كل الخيرين الحريصين على نهضة الوطن ورفعة شأنه.
إعلان مبادئ وتوجهات نقدمها من خلال فهمنا لشمولية الإسلام، وواقع شعبنا السوري.
مشروعاً يهدف لخدمة الوطن بكل فئاته من خلال قيم الإسلام ومبادئه العادلة.
ولا بد من الإشارة هنا إلى أن جماعتنا طرحت سابقاً ميثاق الشرف الوطني في 3/5/2001م ، وهو يمثل الدعوة إلى إطار مشترك تلتقي عليه جميع القوى السياسية، والنخب الفكرية في سورية، داعيا إلى الحرية، وتقديم مصلحة الوطن العليا على المصالح الخاصة، والاعتراف المتبادل بين جميع الفرقاء على أرض الوطن، ونبذ العنف، واعتماد الحوار الديمقراطي وسيلة لتحقيق الأهداف، أما المشروع الإسلامي الحضاري الذي نقدمه هنا، فهو رؤية جماعة الإخوان المسلمين في سورية، وبرنامجها الذي تقدمه ضمن هذا الإطار المشترك، من خلال فهمها لمشكلات سورية، وحلها على ضوء فهمنا للإسلام.
ونحن نثق بقدرات الشعب السوري بحكم عراقته الحضارية، وقيمه الدينية والأخلاقية، لكي يختار مبادئ الحق والعدل والحرية، عندما تتاح له الفرصة الحقيقية للاختيار، ونثق كذلك بقدرة شعبنا على مقاومة كل أشكال القهر والاستبداد والفساد، وسعيه إلى إقامة نظام حكم قادر على تحقيق النهوض الحضاري الشامل الذي يؤهله إلى الفوز بمكانته اللائقة في العالم.
الباب الأول
منطلقات المشروع
لقد كون الإسلام بعطائه النظري والعملي على مرّ العصور ذاتية الأمة، وصاغ هويتها، وبنى أساسيات القوانين النفسية والعقلية والعملية فيها. فعلى أساسه تتحدد تلك القوانين تلقائياً، وفي ضمير الكثرة الكاثرة من أبناء هذه الأمة، تتضح معايير: الحق والباطل، والخير والشر، والحسن والقبيح.
فالإسلام بالنسبة إلى الفرد، وإلى الجماعة بوصلة ذاتية (جوانية)، تؤشر بإيجابية باتجاه ما يعتقد الجميع أنه الحق والخير والجمال، ويشعر كل من خرج عن اتجاه هذه البوصلة، أنه مطالب: نفسياً واجتماعياً بتقديم معاذيره من تأويل أو تسويغ، حتى لا يقع في دائرة (المنكر) الذاتي أو الاجتماعي أو الشرعي.
وإذا كان الكثير من الدراسات والفلسفات قد قامت منذ فجر التاريخ، وحتى العصور الحديثة حول: ماهية (الحق) ومرتكزاته، وما الذي يجعل أمراً ما جميلاً أو قبيحاً؛ فإن المسلمين بشكل عام لم يختلفوا، حتى العصر الحديث على الأقل، حول طبيعة القيم، ودوائر فرزها، وإن كانوا قد أفسحوا مجال الخلاف حول: الحسن الشرعي و العقلي فيها.
إن الشريعة الإسلامية في مصدريها الخالدين: الكتاب والسنة هي مصدر رؤيتنا لصياغة مشروع حضاري، يتصدى لتحديات الواقع، وما فيه من أسن وركود أو قهر وبغي وظلم.
والشريعة الإسلامية: نصوص ثابتة، ومقاصد عامة، واجتهاد متجدد ينزل النصوص على الوقائع وفق أصول الفقه الإسلامي وقواعده وضوابطه. فكأن هذه النصوص تنزل على هذه الأمة ندية طرية، كما نزلت على الجيل الأول، فتحدد مسارها، وتضبط حركتها، وتعالج مشكلاتها، وتلبي تطلعاتها وأشواقها. أو بعبارة المتقدمين من الفقهاء (تحقق المصالح وتدرأ المفاسد) وفق منظومة من الأولويات (الضروري والحاجي والتحسيني) وفي متوالية من الأساسيات تتجلى في حفظ (الدين، والحياة، والعقل، والنسل، والمال) وهي متوالية فقهية ما تزال مفتوحة أمام المجتهدين من علماء هذه الأمة حسبما يقتضيه واقع الحياة ومتطلبات العصر.
إن منهجية الإسلام الخالدة لم تربط المسلمين قط بغير الكتاب والسنة، وما يستنبط منهما في كل عصر، وعند كل نازلة ( ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم.. ) وأي حال لأمة غاب عنها ولي أمر راشد، وصاحب علم يستنبط ما يلبي حاجاتها، ويحقق مصالحها ؟!
وكما كان للبعد الزماني بالانتقال من عصر إلى عصر، خصوصيته في فهم النص الشرعي، وفي الاستنباط منه ما يوافق حاجات المسلمين، فإن للبعد المكاني أيضاً أثره في هذا الفقه، إذ من قواعد الفقه المقررة (تتغير الفتوى زماناً ومكاناً.) وقد سبق أن كان للإمام الشافعي مذهبان قديم عراقي وجديد مصري. وبالتالي فإن الواقع الاجتماعي بكل أبعاده: الفكرية والثقافية، والسلوكية، من عادات وتقاليد، وأنماط للعيش، كل ذلك الواقع الذي يعد أساسا لحياة الناس، تستند عليه الرؤية النهضوية لأي مشروع حضاري، تعتمد الصالح منه، وتقوم المعوج، وتضبط الإفراط أو التفريط فيه.
وفي أساسيات مشروعنا العام، أننا لا نتحرك في فراغ، ولا ننشئ أمة من عدم، وإنما نستند على تراث إسلامي اجتماعي عمره ألف وأربع مائة عام أو يزيد، صحيح أن هذا التراث قد دخل عليه القليل أو الكثير من الخلل هنا وهناك، إلا أنه مازال، في اجتهادنا، أساساً صالحاً للتقويم والتسديد.
إن الواقع الاجتماعي لشعبنا، وما يزخر به من عقائد وأفكار وعادات وتقاليد، يشكل أرضية مادية ملموسة لمشروعنا الحضاري، وهذا الواقع موضوع في دائرة النظر والتأمل، يقبل منه ما أقرته الشريعة، وتحققت به المصلحة، وقام عليها بنيان الحياة، وينفى عنه وعن الحياة عامة، ما كان تركة جهل، أو ركام تخلف، أو ما تجاوزته طبيعة العصر وحركة الحياة.
إن من صميم موقفنا الشرعي والحضاري أن الحكمة ضالةٌ لنا، ومهما كانت مشاركتنا في بناء الحضارة الإنسانية كبيرة أو ضئيلة، فإننا نعتقد أن ثقافات الأمم، وتجارب الشعوب، ومعطيات الحضارة الإنسانية بشقيها المادي والمعنوي هي مصدر إغناء لمشروعنا الحضاري، (فالحكمة ضالة المؤمن فحيث وجدها فهو أحق الناس بها ) والاستفادة من تلك المعطيات يبقى محكوماً بالضوابط الشرعية والمصالح المشروعة.
ولا بد لنا من التأكيد على بعض الحقائق أو القواعد الشرعية، نتخذها إطارا عاما يحف موقفنا الشرعي، ويضبط تحركنا السياسي.من خلال نصوص الإسلام الثابتة وقواعده الكلية ومقاصده العامة التي ترشد إلى المعاني التالية:
1 وحدة الخالق وتكريم المخلوق:
(هو الله الذي لا إله إلا هو)، خالق كل شيء ومليكه، مالك الملك ، لا رب سواه، ولا معبود بحق غيره، (ألا له الخلق والأمر) واحد في ألوهيته، وواحد في ربوبيته، وواحد في أسمائه وصفاته، (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)، والبشر كلهم أسرة واحدة، ربهم واحد، وأبوهم واحد، و هم مشمولون جميعاً بالإعزاز و التكريم ، فرعاية حقوقهم وحرماتهم واجب مفروض على الدولة و المجتمع و الأفراد، من أدٌاه استحق الجزاء في الدنيا و الآخرة و من قصر فيه أو انتهكه استحق العقاب في الدنيا والآخرة . قال تعالى:
(ولقد كرمنا بني آدم و حملناهم في البر و البحر و رزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً) .
لقد كرم الإسلام الحياة البشرية تكريما عظيما فجعل حياة الفرد الواحد و حريته و كرامته تساوي في أهميتها من حيث المبدأ حياة الإنسانية جمعاء. قال تعالى: (من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً) .
2 الإنسان مستخلف في الأرض:
اقتضت إرادة الله أن يكون الإنسان خليفة في الأرض، وأن يكون الإنسان الذي يستمد قوته من الله هو القوة العاملة في هذا الوجود (وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض) ، وأن يكون التغيير الرباني مرتبطا بإرادة الإنسان نافذا من خلاله ممتزجا بكيانه كله من عمل وفكر وشعور (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)
3 الإنسان والحرية:
جعل الإسلام الحرية أساسا من أهم الأسس التي بنى عليها تشريعاته -فالحرية شرط التكليف في الدنيا- وقد صانها صيانة لم ترق إليها التشريعات البشرية، بما أوجبه من عدل يشمل الناس جميعا، ومن شمول يستغرق كل جوانب الحياة ومن توازن بين الفرد والمجتمع.
لقد ضمن الإسلام حرية الفكر والعقيدة ونهى عن القول بمجرد الظن ، أو العمل بمجرد التقليد والعادة، ومنع الإكراه في الدين، وأمر بالقسط في المعاملة, قال تعالى: (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) .
ومن هنا كانت الحرية قيمة من أهم القيم في المجتمع الإسلامي، ونحن نعتبرها الثمرة الأولى للتوحيد، باعتبار أن التعبد لله يحرر الفرد من أي عبودية لأي إنسان مهما علا مقامه، والإسلام الذي كرم الإنسان بالعقل والإرادة يمنع أن تصادر حريته باسم المصلحة، أو أن يتسلط بعض الناس على بعض تحت أي ذريعة.
4. العدل بين جميع البشر:
حرم الإسلام الظلم والعدوان ، وأوجب العدل والإحسان ، وأمر بالقسط في المعاملة مع جميع الناس، وجعل ذلك أساس الملك وقوام الحياة وشرط الأمن والاستقرار والشرعية.
قال تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين، إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما) .
كما أمر الله تعالى بإقامة الحكم العادل في الأرض، وقال مخاطبا المؤمنين: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها، وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل) .
والأمانات تبدأ من الأمانة الكبرى التي أبت السماوات والأرض أن يحملنها وحملها الإنسان، إلى أمانة الشهادة لهذا الدين بدعوة الناس إليه وإقامة نموذجه الصالح الذي يحكم بين الناس بالعدل- وليس فقط بين المسلمين بعضهم ببعض- فهذه الصفة –صفة الناس- هي التي يترتب عليها العدل الذي يشمل البشرية جمعاء.
5. التنوع للتعارف والحوار:
خلق الله الناس وجعلهم شعوبا وقبائل ليتعارفوا ويتعاونوا على البر والتقوى وعلى ما فيه خير الإنسان ومصلحته العاجلة والآجلة، قال تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر و أنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم، إن الله عليم خبير) ، وقال جل من قائل: (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم) . و بذلك قرر الإسلام أن التعددية سمة من سمات المجتمعات البشرية، يجب التعامل معها بإيجابية لا تفرق بين الناس حسب أعراقهم وألوانهم لأن أكرم الناس عند الله أتقاهم. و أن التنوع العرقي واللغوي مدعاة تعارف بين الشعوب والأقوام وليس مدعاة تنابذ، والتعارف تواصل حضاري بين الشعوب فيه اعتراف بالآخر وتواصل معه يقوم على البر والتقوى والكلمة السواء والمجادلة بالتي هي أحسن.
6. العالم ساحة دعوة إلى الله:
الأصل في الدعوة إلى الله هو المسالمة والتعاون على البر والتقوى وخطاب العقل والضمير، والدعوة إلى سبيل الله لا تكون بغير الحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن، إذ (لا إكراه في الدين ) وحساب الجميع على الله سبحانه وتعالى يوم يلقونه، أما القتال والسيف فهو في منهج الرسالة سبيل إلى رد العدوان وصد الفتنة ، وليس أسلوبا في التبليغ والدعوة.
وقد أصبحت الدعوة الإسلامية متاحة في كل أصقاع الأرض، وأصبحت البلاد التي لا تعيش فيها أغلبيات مسلمة ولا تحارب المسلمين ساحة للدعوة والبلاغ الذي هو أساس مهمة هذه الأمة (لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا) .
7. الجهاد في سبيل الله :
حض الإسلام على الجهاد باعتبار أنه قيمة إسلامية عظيمة، وسلوك تحكمه الضوابط الشرعية والأخلاقية، فالجهاد بمعنى المصابرة والمجاهدة والصبر على الأذى ماض إلى يوم القيامة (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين) ، والجهاد بمعنى القتال فهو ماض إلى يوم القيامة كذلك طالما أن هناك اعتداء على المسلمين باحتلال أرضهم أو ظلمهم أو فتنتهم عن دينهم أو الوقوف حائلا بينهم وبين تبليغ دعوتهم. يقول تعالى: (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إنه لا يحب المعتدين) .
كذلك فإن أحد أهداف الجهاد الأساسية هو إنصاف المظلومين ونصرة المستضعفين في الأرض كما فال تعالى: (وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله و المستضعفين من الرجال و النساء و الولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها، واجعل لنا من لدنك ولياَ و اجعل لنا من لدنك نصيراً) ، وهذا المفهوم الإسلامي يجب أن يأخذ طريقه إلى السلوك الدولي بشكل قوة دولية عادلة مهمتها مساعدة الشعوب المستضعفة التي تتعرض حقوقها للانتهاك ، وأفرادها للإبادة الجماعية.
8. الشريعة ليست نظاماً للجريمة والعقاب فقط:
والشريعة الإسلامية نصوص، ومقاصد، وقواعد، وبناء كلي يضع الأسس العامة لحياة إنسانية رشيدة، من غير حرج ولا إصر، تستهدف بناء مجتمع العدل والإحسان في جميع الميادين الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وفي إطار ما اصطلح الفقهاء على تسميته (جلب المصالح، ودرء المفاسد) على أسس من ضوابط الشريعة وثوابتها. وإذا كان للجريمة حجمها في كل المجتمعات الإنسانية، فإن للعقوبة أيضاً حجمها المكافئ، وربما من المفيد أن نؤكد في هذا المقام أيضاً، أن قوس الجريمة والعقاب، لا يعني إلا النسبة الضئيلة من أبناء المجتمعات السوية. ومع ذلك نلحظ أن بناء الشريعة الإسلامية على بهائه وفرادته، يكاد يحصر من قبل الكثير من أعدائها، وبعض أصدقائها، في دائرة الجريمة والعقاب !!
إننا هنا لا نريد أن نستثني هذه الدائرة المهمة من دوائر التشريع الإسلامي، ولا أن نقلل من شأنها ، وسنصير إلى مناقشة أبعادها وحكمتها في مكانها من منظومة الرؤية الشرعية، ولكننا لا نريد لهذه الحجرة في التشريع الإسلامي، أن تطغى على البناء كله، وأن تغيّب مقاصد الشريعة العامة في حفظ عقائد الناس، وحياتهم وأموالهم، وفي إقرار العدل والمساواة والتكافل، ولا نريد لهذا الجزء من التشريع الإسلامي، وإن كان صميماً، أن يطغى على كليِّ الشريعة في نظامها السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وما في هذه الأنظمة من حرية وطهر وسمو.
9. شريعة: تضع الإصر، وتوسع دائرة العفو:
إن إجماع الأمة قائم على سماحة الشريعة، جاءت به النصوص، وأكدته القواعد. (وما جعل عليكم في الدين من حرج ) (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونـه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل، يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث، ويضع عنها إصرهم والأغلال التي كانت عليهم ) وفي دعاء المؤمنين ( ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به ).
إن توسيع دائرة (الحظر) حتى لتكاد تكون هي الأصل في الأحكام الشرعية لمما يتنافى والأصل الشرعي المعتمد باعتبار الإباحة أصلاً في الأحكام، كما يتنافى مع توجهات النصوص الشرعية القائمة على تحديد دوائر الحظر، وإطلاق دوائر الإباحة والعفو. (قل لا أجد فيما أوحي إلي محرماً على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دماً مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقاً أهل لغير لله به )
10. التدرج.
وفي رؤيتنا النهضوية لواقع الأمة ومستقبلها، نرى أن الجهد لإصلاح البناء، جهد استمراري تدرجي، فلا نهاية لسعي ينشد الكمال، كما أن الطفرات الاجتماعية أو الحضارية، تنافي روح النمو الطبيعي الذي يستند على قواعد صلبة، وجذور قوية. وهكذا كان المنهج الأساس للدعوة الربانية، وهو منهج يسبغ روحه على أي تحرك إسلامي، قاصد، (وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث، ونزلناه تنزيلاً ) يؤمن بالرفق ( ما كان الرفق في شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه ) ويرفض الانبتات ( إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق. فإن المنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى )، (إن هذا الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه)
11. التيسير والتبشير.
إن سياساتنا في هذا المشروع إنما تأخذ بمجامع هذه الرؤية في نقاطها العشر السابقة في إطار من روح التيسير والتبشير أخذاً من قوله صلى الله عليه وسلم: (يسروا ولا تعسروا، بشروا ولا تنفروا ) وقوله صلى الله عليه وسلم: (سددوا وقاربوا ) وقول السيدة عائشة رضي الله عنها (ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً ). وسيكون اليسر والتبشير خيارنا في ظل ضوابط الشرع، وفي دائرتي المباح والعفو، وسيكون لنا اجتهاد قاصد لبناء سورية الحديثة: إنساناً ومجتمعاً ودولة على أصولنا الراسخة، وفي فضاءات العصر الذي نعيش. على ضوء فهمنا للشريعة الإسلامية. وسيبقى مشروعنا السياسي رؤية عصرية مرحلية للخروج بقطرنا العربي السوري من وهدة التخلف إلى يفاع العصر ليكون شريكاً في الإنجاز الحضاري الإنساني.
[center]المحتويات
الجزء الأول: المنطلقات الفكرية والنظرية للمشروع 8
المدخل. 9
مشروعنا السياسي 11
الباب الأول: منطلقات المشروع 12
1. وحدة الخالق وتكريم المخلوق 14
2. الإنسان مستخلف في الأرض 14
3. الإنسان والحرية 15
4. العدل لجميع البشر 15
5. التنوع للتعارف والحوار 16
6. العالم ساحة دعوة إلى الله 16
7. الجهاد في سبيل الله 16
8. الشريعة ليست نظاماً للجريمة والعقاب فقط 17
9. شريعة: تضع الإصر، وتوسع دائرة العفو 18
10. التدرج 18
11. التيسير والتبشير. 19
الباب الثاني: في التجديد 20
الفصل الأول: الإسلام المتجدد. 20
الفصل الثاني: جماعة الإخوان المسلمين أصالة في الفكر وتجدد في الأساليب 22
الباب الثالث: مرتكزات الدولة الحديثة 27
مقدمة 27
أولا: دولة ذات مرجعية 28
مفهوم الدولة الإسلامية 29
بين الدولة الإسلامية والدولة الدينية 30
ثانيا: تعاقدية 31
ثالثا:دولة مواطنة 32
رابعا: تمثيلية 33
خامسا: تعددية 33
سادسا: تداولية 34
سابعا: مؤسساتية 35
ثامنا: قانونية 36
الباب الرابع: الوطـن 37
الفصل الأول: سورية والشعب السوري 37
الشعب السوري 37
سورية 38
الخلفية الحضارية 38
الخلفية الدعوية 38
الخلفية السياسية 39
الخلفية الاستراتيجة 39
قطر مواجهة 39
قطر عربي 40
قطر إسلامي 40
الخلفية الاقتصادية 40
الفصل الثاني: تحديات وطنية 41
أولا: التجزئة وتحدي الوحدة 41
ثانيا: أسلحة الدمار الشامل وتحدي التوازن الاستراتيجي 42
ثالثا: الاحتلال وتحدي التحرير 43
رابعا: المشروع الوطني وتحدي العولمة 45
الباب الخامس: الإنسان 47
الفصل الأول: الإنسان الفرد 47
تمهيد 47
حقيقة أساسية في مشروعنا الحضاري 47
الإنسان في الإسلام 48
المرأة تصور ومكانة 50
أولا-التماثل 51
ثانيا-التمايز 52
ثالثا-التكامل 53
مكانة المرأة في الحياة العامة 54
الفصل الثاني: المجتمع 55
ـ تمهيد 55
ـ أبعاد أساسية في الإصلاح الاجتماعي 55
صون الأسرة 55
نبذ التقليد 55
نشر الوعي 55
الإباء ورفض الظلم 56
التواصل وبناء المجتمع المدني 57
التكافل والتراحم 58
التقوى 58
قبول التحدي 59
الفصل الثالث: تحديات اجتماعية 60
أولاً ـ النمو السكاني 60
ثانياً ـ التعددية العرقية والدينية وتحدي الوحدة الوطنية 63
الباب السادس: السلطة 65
الفصل الأول : السلطة الحق والمشروعية 65
الفصل الثاني : السلطات الثلاث ومكانتها في بناء الدولة 67
في فصل السلطات 67
أولا: السلطة التشريعية 67
في مفهوم الحاكمية 68
بين التمثيلية والاختصاص 68
ثانيا: السلطة القضائية 69
إصلاح القانون 69
القضاء العرفي 70
المحاماة 70
ثالثا: في السلطة التنفيذية 71
الجيش والقوات المسلحة 71
السلطات الأمنية 72
الباب السابع: في النظم والمناهج 73
الفصل الأول: الإصلاح الدستوري وسيادة القانون 74
الفصل الثاني: النظام السياسي 75 ـ أولاً: أسس النظام الإسلامي 75
التوحيد 75
الاستخلاف 75
الشورى 76
ـ ثانياً: الأهداف العامة للنظام السياسي 77
الأمن 77
المساواة 77
العدل 79
الحرية 80
الفصل الثالث: النظام الاقتصادي 81
ـ أولاً: مدخل 81
ـ ثانياً: إطلالة على الاقتصاد الإسلامي 82
ـ ثالثاً: مشكلاتنا الاقتصادية في بعدها الإيماني 85
ـ رابعاً: قواعد النظام الاقتصادي الإسلامي وأساسياته 86
الفصل الرابع : في المناهج 89
أولاً ـ في التربية والتعليم 89
المنهاج التربوي 89
النظام التعليمي 90
المعلم 90
ثانياً ـ في الإعلام 91
الجزء الثاني: سياسات المشروع (البرنامج العملي للمشروع) 92
الباب الثامن: المشروع المنشود معالم وآفاق 93
المدخل إلى سياسات المشروع 94
-دعوة إلى الحرية 94
-دعوة للعمل بالقواسم المشتركة 94
-دعوة للنهوض الحضاري بالوطن 96
الباب التاسع: المحاور الداخلية في سياسات المشروع 97
الفصل الأول : السياسات الدستورية 97
الفصل الثاني : الشؤون السياسية 98
الفصل الثالث : السياسات القضائية 101
الفصل الرابع : السياسات الاقتصادية 102
الخلل في الاقتصاد السوري 102
الخطوط العامة لتطوير الاقتصاد السوري 103
1- تطوير السياسات والأنظمة والقوانين 104
2- زيادة الإنتاج 104
3- عدالة التوزيع 106
4- ترشيد الاستهلاك 107
5- التكامل الاقتصادي 107
الفصل الخامس : السياسات العسكرية 108
الفصل السادس : السياسات الصحية 110
الخلل في القطاع الصحي 110
السياسات الصحية 111
الخدمات الصحية 111
التعليم الطبي 112
الفصل السابع : السياسات الاجتماعية 113
قضية الشباب 115
قضية المرأة – المبادئ الأساسية 116
- منهج الجماعة في معالجة قضية المرأة 117
الفصل الثامن : السياسات الإعلامية 118
إصلاح القوانين الإعلامية 118
توفير الوسيلة الإعلامية 119
تدريب كادر إعلامي 119
الفصل التاسع : سياسات التعليم والبحث العلمي والمعلوماتية 120
المعالم الأساسية للسياسات 120
سياسات البحث العلمي 122
الفصل العاشر : السياسات التربوية 123
عوامل انتكاس العملية التربوية 123
إعداد مناهج التربية 124
إعداد الإنسان الصالح 124
بناء المجتمع الصالح 125
الباب العاشر: المحاور الخارجية في سياسات المشروع 126
الفصل الأول : الأسس العامة للسياسة الخارجية 127
الفصل الثاني : دوائر العلاقات الخارجية 129
القضية الفلسطينية 129
دائرة العلاقات العربية 131
دائرة العلاقات الإسلامية 123
دائرة العلاقات الدولية 135
الخاتمة (سورية التي نريد) 137
الجزء الأول
المنطلقات النظرية والفكرية للمشروع السياسي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سينا محمد المبعوث رحمة للعالمين، وعلى إخوانه من النبيين والمرسلين، وسائر أصحابه وتابعيهم، والمستنين بهديهم إلى يوم الدين
المـدخـل
تنبثق رؤيتنا المستقبلية الحضارية لقطرنا العربي السوري ضمن منظومتيه العربية والإسلامية، من إيماننا المطلق بإسلامنا المتجدد والذي تتفاعل نصوصه وأصوله مع وقائع الحياة ومستجدياتها، في إطار من مقاصد الشريعة العامة، فتتحقق من خلالها مصالح الأمة، وتنفتح أمامها آفاق الاستخلاف في الأرض، ويتحقق بذلك البعد الأسمى لقوله تعالى (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) .
إن مشروعنا الإسلامي الحضاري لقطرنا العربي السوري يمر عبر المنطلقات الرئيسية التالية:
الأول : رؤيتنا لإسلامنا المتجدد من خلال عقيدته السمحة، وقيمه العليا، وبنيته التشريعية القائمة على العدل- واليسر.
الثاني: جماعتنا الإسلامية الملتقية على كلمة التقوى، والتي تعمل لتحقيق شريعة الله في الأنفس والآفاق من خلال أهداف وبرامج ووسائل قابلة للمراجعة والتطوير والتقويم والتجديد والمشاركة.
الثالث : رؤيتنا لبناء (الدولة الحديثة) في قطرنا العربي السوري، التي نعتبر بناءها مطلبا عامّاً لجميع أبناء قطرنا، إذ هي في نظرنا المظلة الجامعة التي ينبغي أن تشمل الجميع.
تقوم الدولة الحديثة، التي نتبناها وندعو إليها، على جملة من المرتكزات، نعتبرها الأساس الركين لبناء دولة قادرة على القيام بأعباء أي مشروع حضاري، أهمها أنها دولة ذات مرجعية تنبثق من هوية الأمة العربية الإسلامية وثوابتها، ثم هي ترتكز بعد ذلك على تعاقدية ومواطنة وتمثيلية وتعددية وتداولية ومؤسساتية وقانونية، وهذا يقتضينا أن نوضح رؤيتنا عن مكونات الدولة الحديثة وهي: الوطن، والإنسان، والمجتمع، والسلطة، والنظم، والمناهج، في دراسة مجملة تجمع بين التأصيل والتجديد.
إن الانشغال بحاضر سورية ومستقبلها يمثلان ضرورة لا يمكن تجاوزها عند كل الغيورين على هذه الأمة والوطن ، فسورية اليوم وفي بداية الألفية الثالثة، تمر بمرحلة تحول دقيقة تتطلب تغييرا في المناهج السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي سادت لعقود، والتغيير هنا استحقاق تاريخي لابد منه، وحتى يكون حقيقيا لابد أن يشارك فيه الشعب عن اقتناع وأمل له ما يبرره في غده ومستقبله.
ورغم ما يبدو في الظاهر من معالم الاستقرار القلق، فسورية تواجه مشكلات تتطلب حلولا متكاملة، وجماعتنا تؤمن أن الإسلام في جوهره التوحيدي وقيمه العليا، وشريعته السمحة، ورصيده في نفوس أبناء الشعب السوري، هو أصلح المنطلقات لبناء سورية المستقبل، ونحن إذ نطرح مشروعنا على أبناء الوطن للنهوض به جميعا، لنرحب بأي تطبيق له من جانب الأفراد والدولة والمجتمع، كليا كان أو جزئيا، ساعين للتعاون مع الجميع في هذا الاتجاه.مذكرين بأننا حين نعتمد على الإسلام بوسطيته واعتداله، لا ندعي أننا جماعة المسلمين، ولا أننا أوصياء على الناس باسم الإسلام، وإنما أصحاب مشروع نعرضه على الناس، وسبيلنا إليه هو الحوار المتكافئ مع كل التيارات الفكرية والاجتماعية والسياسية، و الدينية، حوار بالتي هي أحسن، لا تضيق معه العقول عند فكرة، ولا تضيق منه الصدور عند اختلاف الرأي.
نتقدم بوصفنا شريحة من شرائح الشعب السوري، نعيش واقع الناس الذي يعيشونه، ونتواصل مع أبناء المجتمع ونحمل آماله وآلامه وهمومه، ونؤمن بالتفاعل الضروري مع كل عناصر الأمة وفئاتها دون اختزال أو تهميش لأحد، فالمسؤولية عن الدين والوطن مسؤولية الأمة بكاملها بتنظيماتها الرسمية والشعبية والحكومية والمعارضة، ولذلك فالتعاون مع كافة التيارات الوطنية أمر طبيعي وضروري.
يتكون مشروعنا من كتابين رئيسيين:
الكتاب الأول: المنطلقات الفكرية والنظرية التي تشكل خلفية المشروع.
الكتاب الثاني: سياسات المشروع و البرنامج العملي .
ونحن بصدد إخراج كتاب تأصيلي للقضايا المعاصرة المطروحة في المشروع، يخص كل من يبحث عن المرجعية الشرعية للأفكار الواردة فيه.
مشروعنا السياسي :
رؤية إخوانية لسورية المستقبل، نتقدم به للشعب السوري ولكافة قواه الفكرية والسياسية الحاكمة.
كلمة سواء موجهة لجميع أبناء الوطن، تتطلب تعاون كل الخيرين الحريصين على نهضة الوطن ورفعة شأنه.
إعلان مبادئ وتوجهات نقدمها من خلال فهمنا لشمولية الإسلام، وواقع شعبنا السوري.
مشروعاً يهدف لخدمة الوطن بكل فئاته من خلال قيم الإسلام ومبادئه العادلة.
ولا بد من الإشارة هنا إلى أن جماعتنا طرحت سابقاً ميثاق الشرف الوطني في 3/5/2001م ، وهو يمثل الدعوة إلى إطار مشترك تلتقي عليه جميع القوى السياسية، والنخب الفكرية في سورية، داعيا إلى الحرية، وتقديم مصلحة الوطن العليا على المصالح الخاصة، والاعتراف المتبادل بين جميع الفرقاء على أرض الوطن، ونبذ العنف، واعتماد الحوار الديمقراطي وسيلة لتحقيق الأهداف، أما المشروع الإسلامي الحضاري الذي نقدمه هنا، فهو رؤية جماعة الإخوان المسلمين في سورية، وبرنامجها الذي تقدمه ضمن هذا الإطار المشترك، من خلال فهمها لمشكلات سورية، وحلها على ضوء فهمنا للإسلام.
ونحن نثق بقدرات الشعب السوري بحكم عراقته الحضارية، وقيمه الدينية والأخلاقية، لكي يختار مبادئ الحق والعدل والحرية، عندما تتاح له الفرصة الحقيقية للاختيار، ونثق كذلك بقدرة شعبنا على مقاومة كل أشكال القهر والاستبداد والفساد، وسعيه إلى إقامة نظام حكم قادر على تحقيق النهوض الحضاري الشامل الذي يؤهله إلى الفوز بمكانته اللائقة في العالم.
الباب الأول
منطلقات المشروع
لقد كون الإسلام بعطائه النظري والعملي على مرّ العصور ذاتية الأمة، وصاغ هويتها، وبنى أساسيات القوانين النفسية والعقلية والعملية فيها. فعلى أساسه تتحدد تلك القوانين تلقائياً، وفي ضمير الكثرة الكاثرة من أبناء هذه الأمة، تتضح معايير: الحق والباطل، والخير والشر، والحسن والقبيح.
فالإسلام بالنسبة إلى الفرد، وإلى الجماعة بوصلة ذاتية (جوانية)، تؤشر بإيجابية باتجاه ما يعتقد الجميع أنه الحق والخير والجمال، ويشعر كل من خرج عن اتجاه هذه البوصلة، أنه مطالب: نفسياً واجتماعياً بتقديم معاذيره من تأويل أو تسويغ، حتى لا يقع في دائرة (المنكر) الذاتي أو الاجتماعي أو الشرعي.
وإذا كان الكثير من الدراسات والفلسفات قد قامت منذ فجر التاريخ، وحتى العصور الحديثة حول: ماهية (الحق) ومرتكزاته، وما الذي يجعل أمراً ما جميلاً أو قبيحاً؛ فإن المسلمين بشكل عام لم يختلفوا، حتى العصر الحديث على الأقل، حول طبيعة القيم، ودوائر فرزها، وإن كانوا قد أفسحوا مجال الخلاف حول: الحسن الشرعي و العقلي فيها.
إن الشريعة الإسلامية في مصدريها الخالدين: الكتاب والسنة هي مصدر رؤيتنا لصياغة مشروع حضاري، يتصدى لتحديات الواقع، وما فيه من أسن وركود أو قهر وبغي وظلم.
والشريعة الإسلامية: نصوص ثابتة، ومقاصد عامة، واجتهاد متجدد ينزل النصوص على الوقائع وفق أصول الفقه الإسلامي وقواعده وضوابطه. فكأن هذه النصوص تنزل على هذه الأمة ندية طرية، كما نزلت على الجيل الأول، فتحدد مسارها، وتضبط حركتها، وتعالج مشكلاتها، وتلبي تطلعاتها وأشواقها. أو بعبارة المتقدمين من الفقهاء (تحقق المصالح وتدرأ المفاسد) وفق منظومة من الأولويات (الضروري والحاجي والتحسيني) وفي متوالية من الأساسيات تتجلى في حفظ (الدين، والحياة، والعقل، والنسل، والمال) وهي متوالية فقهية ما تزال مفتوحة أمام المجتهدين من علماء هذه الأمة حسبما يقتضيه واقع الحياة ومتطلبات العصر.
إن منهجية الإسلام الخالدة لم تربط المسلمين قط بغير الكتاب والسنة، وما يستنبط منهما في كل عصر، وعند كل نازلة ( ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم.. ) وأي حال لأمة غاب عنها ولي أمر راشد، وصاحب علم يستنبط ما يلبي حاجاتها، ويحقق مصالحها ؟!
وكما كان للبعد الزماني بالانتقال من عصر إلى عصر، خصوصيته في فهم النص الشرعي، وفي الاستنباط منه ما يوافق حاجات المسلمين، فإن للبعد المكاني أيضاً أثره في هذا الفقه، إذ من قواعد الفقه المقررة (تتغير الفتوى زماناً ومكاناً.) وقد سبق أن كان للإمام الشافعي مذهبان قديم عراقي وجديد مصري. وبالتالي فإن الواقع الاجتماعي بكل أبعاده: الفكرية والثقافية، والسلوكية، من عادات وتقاليد، وأنماط للعيش، كل ذلك الواقع الذي يعد أساسا لحياة الناس، تستند عليه الرؤية النهضوية لأي مشروع حضاري، تعتمد الصالح منه، وتقوم المعوج، وتضبط الإفراط أو التفريط فيه.
وفي أساسيات مشروعنا العام، أننا لا نتحرك في فراغ، ولا ننشئ أمة من عدم، وإنما نستند على تراث إسلامي اجتماعي عمره ألف وأربع مائة عام أو يزيد، صحيح أن هذا التراث قد دخل عليه القليل أو الكثير من الخلل هنا وهناك، إلا أنه مازال، في اجتهادنا، أساساً صالحاً للتقويم والتسديد.
إن الواقع الاجتماعي لشعبنا، وما يزخر به من عقائد وأفكار وعادات وتقاليد، يشكل أرضية مادية ملموسة لمشروعنا الحضاري، وهذا الواقع موضوع في دائرة النظر والتأمل، يقبل منه ما أقرته الشريعة، وتحققت به المصلحة، وقام عليها بنيان الحياة، وينفى عنه وعن الحياة عامة، ما كان تركة جهل، أو ركام تخلف، أو ما تجاوزته طبيعة العصر وحركة الحياة.
إن من صميم موقفنا الشرعي والحضاري أن الحكمة ضالةٌ لنا، ومهما كانت مشاركتنا في بناء الحضارة الإنسانية كبيرة أو ضئيلة، فإننا نعتقد أن ثقافات الأمم، وتجارب الشعوب، ومعطيات الحضارة الإنسانية بشقيها المادي والمعنوي هي مصدر إغناء لمشروعنا الحضاري، (فالحكمة ضالة المؤمن فحيث وجدها فهو أحق الناس بها ) والاستفادة من تلك المعطيات يبقى محكوماً بالضوابط الشرعية والمصالح المشروعة.
ولا بد لنا من التأكيد على بعض الحقائق أو القواعد الشرعية، نتخذها إطارا عاما يحف موقفنا الشرعي، ويضبط تحركنا السياسي.من خلال نصوص الإسلام الثابتة وقواعده الكلية ومقاصده العامة التي ترشد إلى المعاني التالية:
1 وحدة الخالق وتكريم المخلوق:
(هو الله الذي لا إله إلا هو)، خالق كل شيء ومليكه، مالك الملك ، لا رب سواه، ولا معبود بحق غيره، (ألا له الخلق والأمر) واحد في ألوهيته، وواحد في ربوبيته، وواحد في أسمائه وصفاته، (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)، والبشر كلهم أسرة واحدة، ربهم واحد، وأبوهم واحد، و هم مشمولون جميعاً بالإعزاز و التكريم ، فرعاية حقوقهم وحرماتهم واجب مفروض على الدولة و المجتمع و الأفراد، من أدٌاه استحق الجزاء في الدنيا و الآخرة و من قصر فيه أو انتهكه استحق العقاب في الدنيا والآخرة . قال تعالى:
(ولقد كرمنا بني آدم و حملناهم في البر و البحر و رزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً) .
لقد كرم الإسلام الحياة البشرية تكريما عظيما فجعل حياة الفرد الواحد و حريته و كرامته تساوي في أهميتها من حيث المبدأ حياة الإنسانية جمعاء. قال تعالى: (من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً) .
2 الإنسان مستخلف في الأرض:
اقتضت إرادة الله أن يكون الإنسان خليفة في الأرض، وأن يكون الإنسان الذي يستمد قوته من الله هو القوة العاملة في هذا الوجود (وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض) ، وأن يكون التغيير الرباني مرتبطا بإرادة الإنسان نافذا من خلاله ممتزجا بكيانه كله من عمل وفكر وشعور (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)
3 الإنسان والحرية:
جعل الإسلام الحرية أساسا من أهم الأسس التي بنى عليها تشريعاته -فالحرية شرط التكليف في الدنيا- وقد صانها صيانة لم ترق إليها التشريعات البشرية، بما أوجبه من عدل يشمل الناس جميعا، ومن شمول يستغرق كل جوانب الحياة ومن توازن بين الفرد والمجتمع.
لقد ضمن الإسلام حرية الفكر والعقيدة ونهى عن القول بمجرد الظن ، أو العمل بمجرد التقليد والعادة، ومنع الإكراه في الدين، وأمر بالقسط في المعاملة, قال تعالى: (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) .
ومن هنا كانت الحرية قيمة من أهم القيم في المجتمع الإسلامي، ونحن نعتبرها الثمرة الأولى للتوحيد، باعتبار أن التعبد لله يحرر الفرد من أي عبودية لأي إنسان مهما علا مقامه، والإسلام الذي كرم الإنسان بالعقل والإرادة يمنع أن تصادر حريته باسم المصلحة، أو أن يتسلط بعض الناس على بعض تحت أي ذريعة.
4. العدل بين جميع البشر:
حرم الإسلام الظلم والعدوان ، وأوجب العدل والإحسان ، وأمر بالقسط في المعاملة مع جميع الناس، وجعل ذلك أساس الملك وقوام الحياة وشرط الأمن والاستقرار والشرعية.
قال تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين، إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما) .
كما أمر الله تعالى بإقامة الحكم العادل في الأرض، وقال مخاطبا المؤمنين: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها، وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل) .
والأمانات تبدأ من الأمانة الكبرى التي أبت السماوات والأرض أن يحملنها وحملها الإنسان، إلى أمانة الشهادة لهذا الدين بدعوة الناس إليه وإقامة نموذجه الصالح الذي يحكم بين الناس بالعدل- وليس فقط بين المسلمين بعضهم ببعض- فهذه الصفة –صفة الناس- هي التي يترتب عليها العدل الذي يشمل البشرية جمعاء.
5. التنوع للتعارف والحوار:
خلق الله الناس وجعلهم شعوبا وقبائل ليتعارفوا ويتعاونوا على البر والتقوى وعلى ما فيه خير الإنسان ومصلحته العاجلة والآجلة، قال تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر و أنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم، إن الله عليم خبير) ، وقال جل من قائل: (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم) . و بذلك قرر الإسلام أن التعددية سمة من سمات المجتمعات البشرية، يجب التعامل معها بإيجابية لا تفرق بين الناس حسب أعراقهم وألوانهم لأن أكرم الناس عند الله أتقاهم. و أن التنوع العرقي واللغوي مدعاة تعارف بين الشعوب والأقوام وليس مدعاة تنابذ، والتعارف تواصل حضاري بين الشعوب فيه اعتراف بالآخر وتواصل معه يقوم على البر والتقوى والكلمة السواء والمجادلة بالتي هي أحسن.
6. العالم ساحة دعوة إلى الله:
الأصل في الدعوة إلى الله هو المسالمة والتعاون على البر والتقوى وخطاب العقل والضمير، والدعوة إلى سبيل الله لا تكون بغير الحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن، إذ (لا إكراه في الدين ) وحساب الجميع على الله سبحانه وتعالى يوم يلقونه، أما القتال والسيف فهو في منهج الرسالة سبيل إلى رد العدوان وصد الفتنة ، وليس أسلوبا في التبليغ والدعوة.
وقد أصبحت الدعوة الإسلامية متاحة في كل أصقاع الأرض، وأصبحت البلاد التي لا تعيش فيها أغلبيات مسلمة ولا تحارب المسلمين ساحة للدعوة والبلاغ الذي هو أساس مهمة هذه الأمة (لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا) .
7. الجهاد في سبيل الله :
حض الإسلام على الجهاد باعتبار أنه قيمة إسلامية عظيمة، وسلوك تحكمه الضوابط الشرعية والأخلاقية، فالجهاد بمعنى المصابرة والمجاهدة والصبر على الأذى ماض إلى يوم القيامة (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين) ، والجهاد بمعنى القتال فهو ماض إلى يوم القيامة كذلك طالما أن هناك اعتداء على المسلمين باحتلال أرضهم أو ظلمهم أو فتنتهم عن دينهم أو الوقوف حائلا بينهم وبين تبليغ دعوتهم. يقول تعالى: (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إنه لا يحب المعتدين) .
كذلك فإن أحد أهداف الجهاد الأساسية هو إنصاف المظلومين ونصرة المستضعفين في الأرض كما فال تعالى: (وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله و المستضعفين من الرجال و النساء و الولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها، واجعل لنا من لدنك ولياَ و اجعل لنا من لدنك نصيراً) ، وهذا المفهوم الإسلامي يجب أن يأخذ طريقه إلى السلوك الدولي بشكل قوة دولية عادلة مهمتها مساعدة الشعوب المستضعفة التي تتعرض حقوقها للانتهاك ، وأفرادها للإبادة الجماعية.
8. الشريعة ليست نظاماً للجريمة والعقاب فقط:
والشريعة الإسلامية نصوص، ومقاصد، وقواعد، وبناء كلي يضع الأسس العامة لحياة إنسانية رشيدة، من غير حرج ولا إصر، تستهدف بناء مجتمع العدل والإحسان في جميع الميادين الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وفي إطار ما اصطلح الفقهاء على تسميته (جلب المصالح، ودرء المفاسد) على أسس من ضوابط الشريعة وثوابتها. وإذا كان للجريمة حجمها في كل المجتمعات الإنسانية، فإن للعقوبة أيضاً حجمها المكافئ، وربما من المفيد أن نؤكد في هذا المقام أيضاً، أن قوس الجريمة والعقاب، لا يعني إلا النسبة الضئيلة من أبناء المجتمعات السوية. ومع ذلك نلحظ أن بناء الشريعة الإسلامية على بهائه وفرادته، يكاد يحصر من قبل الكثير من أعدائها، وبعض أصدقائها، في دائرة الجريمة والعقاب !!
إننا هنا لا نريد أن نستثني هذه الدائرة المهمة من دوائر التشريع الإسلامي، ولا أن نقلل من شأنها ، وسنصير إلى مناقشة أبعادها وحكمتها في مكانها من منظومة الرؤية الشرعية، ولكننا لا نريد لهذه الحجرة في التشريع الإسلامي، أن تطغى على البناء كله، وأن تغيّب مقاصد الشريعة العامة في حفظ عقائد الناس، وحياتهم وأموالهم، وفي إقرار العدل والمساواة والتكافل، ولا نريد لهذا الجزء من التشريع الإسلامي، وإن كان صميماً، أن يطغى على كليِّ الشريعة في نظامها السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وما في هذه الأنظمة من حرية وطهر وسمو.
9. شريعة: تضع الإصر، وتوسع دائرة العفو:
إن إجماع الأمة قائم على سماحة الشريعة، جاءت به النصوص، وأكدته القواعد. (وما جعل عليكم في الدين من حرج ) (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونـه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل، يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث، ويضع عنها إصرهم والأغلال التي كانت عليهم ) وفي دعاء المؤمنين ( ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به ).
إن توسيع دائرة (الحظر) حتى لتكاد تكون هي الأصل في الأحكام الشرعية لمما يتنافى والأصل الشرعي المعتمد باعتبار الإباحة أصلاً في الأحكام، كما يتنافى مع توجهات النصوص الشرعية القائمة على تحديد دوائر الحظر، وإطلاق دوائر الإباحة والعفو. (قل لا أجد فيما أوحي إلي محرماً على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دماً مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقاً أهل لغير لله به )
10. التدرج.
وفي رؤيتنا النهضوية لواقع الأمة ومستقبلها، نرى أن الجهد لإصلاح البناء، جهد استمراري تدرجي، فلا نهاية لسعي ينشد الكمال، كما أن الطفرات الاجتماعية أو الحضارية، تنافي روح النمو الطبيعي الذي يستند على قواعد صلبة، وجذور قوية. وهكذا كان المنهج الأساس للدعوة الربانية، وهو منهج يسبغ روحه على أي تحرك إسلامي، قاصد، (وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث، ونزلناه تنزيلاً ) يؤمن بالرفق ( ما كان الرفق في شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه ) ويرفض الانبتات ( إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق. فإن المنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى )، (إن هذا الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه)
11. التيسير والتبشير.
إن سياساتنا في هذا المشروع إنما تأخذ بمجامع هذه الرؤية في نقاطها العشر السابقة في إطار من روح التيسير والتبشير أخذاً من قوله صلى الله عليه وسلم: (يسروا ولا تعسروا، بشروا ولا تنفروا ) وقوله صلى الله عليه وسلم: (سددوا وقاربوا ) وقول السيدة عائشة رضي الله عنها (ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً ). وسيكون اليسر والتبشير خيارنا في ظل ضوابط الشرع، وفي دائرتي المباح والعفو، وسيكون لنا اجتهاد قاصد لبناء سورية الحديثة: إنساناً ومجتمعاً ودولة على أصولنا الراسخة، وفي فضاءات العصر الذي نعيش. على ضوء فهمنا للشريعة الإسلامية. وسيبقى مشروعنا السياسي رؤية عصرية مرحلية للخروج بقطرنا العربي السوري من وهدة التخلف إلى يفاع العصر ليكون شريكاً في الإنجاز الحضاري الإنساني.