ما تعم به البلوى في الحج (2)
نايف بن جمعان جريدان | 3/12/1431 هـ
عواقب منع المسلم من تأدية مناسك الحج
توطئة
إن أحوال الناس في الحج قد تغيرت، وما حصل من أحوال وظروف ومتغيرات وسهولة في وسائل الاتصال ووسائل النقل وما وسع الله سبحانه وتعالى به من الخيرات، جعل الأعداد التي تتدفق لهذا البيت الحرام أعدادًا يضيق عن استيعابها المسجد الحرام، والحرم والمشاعر المقدسة والمناسك؛ لذا بذلت الحكومة السعودية الجهود الكبيرة، التي تُذكر فتُشكر، وسنّت الأنظمة والقوانين التي من شأنها إيجاد نوع من التنظيم، ومحاولة منها خدمة حجاج بيت الله فيما فعلت، ومن هذه الأنظمة:
1. منع المسلم من الحج إلا بتصريح، وهذا التصريح من شروط إصداره أن يكون قد مر على الحاج خمس سنوات فأكثر من آخر نسك أداه.
2. ومنها كذلك: تنظيم أعداد حجاج الخارج من كل بلد، يتحكم في هذا العدد عدد السكان فيه، فكلما زاد عدد السكان زادت نسبة الحجاج القادمين منه.
هذين النظامين جعلا كثيرًا من المسلمين اليوم -على مرأى ومسمع من الناس- محاولة اختراق هذا الحاجز، والمضيء في تأدية مناسك الحج، وهم في هذا يستخدمون طريقة: مجاوزة الميقات بدون إحرام؛ بحيث ينطلق أحدهم من منشأ إقامته، فيصل إلى الميقات، وينوي الدخول في النسك، بالتلبية: لبيك اللهم حجًا، ويبقى لابسًا لملابسه المخيطة، ثم يجد من ينقله من الميقات، وإمراره نقطة المراقبة (نقطة التفتيش)، ثم يلبس ملابس الحج (الإزار والرداء)، ويمضي في حجه. وتجاه هذا التصرف لي وقفتان أبحثهما في مسألتين:
المسألة الأولى: تجاوز الميقات بدون إحرام.
المسألة الثانية: لبس المخيط للرجال بعد الإحرام.
ولكن قبل البدء بهما؛ أذكر تعريفًا للقاسم المشترك بين هاتين المسألتين وهو ماهية الإحرام:
الإحرام في لغة العرب معناه: الإهلال بحجّ أو عمرة، ومباشرة أسبابهما، والدّخول في الحرمة، ومعناه أدخل نفسه في شيء حرم عليه به ما كان حلالاً، وأحرم الرجل بالحج؛ لأنه يحرم عليه ما كان حلالا له من الصيد والنساء وغير ذلك، وأحرم الرجل دخل في الشهر الحرام، وأحرم: دخل في حرمة عهد أو ميثاق([1]).
والإحرام عند الحنفيّة: هو الدّخول في حرمات مخصوصة غير أنّه لا يتحقّق شرعاً إلاّ بالنّيّة مع الذّكر أو الخصوصيّة. فالمراد بالدّخول في حرمات: التزام الحرمات، والمراد بالذّكر: التّلبية ونحوها ممّا فيه تعظيم اللّه تعالى. والمراد بالخصوصيّة: ما يقوم مقامها من سوق الهدي([2]).
وهو عند بقية المذاهب الثّلاثة (المالكيّة([3])، والشّافعيّة([4])، والحنابلة([5])): نيّة الدّخول في حرمات ومناسك الحجّ والعمرة.
المسألة الأولى:
تجاوز الميقات بدون إحرام.
الميقات لغة: لفظ ميقاتٍ مصدر ميميّ([6])، على وزن مِفْعال، وأصله من الفعل (وقت)، والوَقْتُ مقدارٌ من الزمانِ، وكلُّ شيء قَدَّرْتَ له حيناً. وهو يطلق على الزّمان والمكان. فالميقات والموقوت بمعنى واحد، وهو الشّيء المحدود زمانًا أو مكانًا. فمن أمثلة استخدامه للزمان قوله تعالى: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) ([7])، أي مفروضاً، والمِيقاتُ الوَقْتُ المضْروبُ للفعل والموضع يقال هذا مِيقاتُ أَهلِ الشأْم للموضع الذي يُحْرِمُون منه([8])، ومن استعماله للمكان ما يأتي من الأحاديث.
والميقات في الشرع:
لا يخرج عن ما استعملته العرب في لغتها؛ فهو: اسم للمكان الذي حدده الرسول صلى الله عليه وسلم للذي ينوي الدخول في نسك الحج أوالعمرة([9]).
ومواقيت الحج تنقسم إلى قسمين:
· مواقيت الحج الزمانية؛ وهي أشهر الحج: شوال، وذو القعدة، وعشر من ذي الحجة وقيل: جميعه على خلاف ليس هذا محل ذكره.
· ومواقيت الحج المكانية: وهي خمسة مواقيت منقسمة على جهات الحرم وهي: ذو الحليفة لأهل المدينة، وقرن لأهل نجد، والجحفة لأهل الشام، ويلملم لأهل اليمن، ويدل لهذه الأربع حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "وقَّت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرن المنازل ولأهل اليمن يلملم، هن لهن، ولمن أتى عليهن من غيرهن ممن أراد الحج والعمرة، ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ، حتى أهل مكة من مكة"([10])، والميقات الخامس هو ميقات أهل العراق ومن جاء من جهة المشرق وهو ذات عرق، ودل عليه حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: لما فتح هذان المصران أتوا عمر فقالوا يا أمير المؤمنين إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حد لأهل نجد قرنًا، وهو جور عن طريقنا، وإنا إن أردنا قرنا شق علينا، قال فانظروا حذوها من طريقكم فحد لهم ذات عرق"([11]).
وفي حكم تجاوز الميقات بدون إحرام؛ أي: بدون نية الدخول في النسك، وهو مريد الحج أو العمرة، أراء في المذاهب الأربعة على النحو التالي:
المذهب الحنفي:
عند الحنفية ليس لأحد ينتهي إلى الميقات إذا أراد دخول مكة أن يجاوزها إلا بالإحرام سواء كان من قصده الحج أو القتال أو التجارة، ولو أحرم بعد ما جاوز الميقات قبل أن يعمل شيئا من أفعال الحج ثم عاد إلى الميقات، ولبى سقط عنه الدم، وإن لم يلب لا يسقط، واستدلوا لذلك بما يلي:
1. جاء رجل إلى ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، فقال: إني جاوزت الميقات من غير إحرام، فقال: "ارجع إلى الميقات ولب وإلا فلا حج لك، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يجاوز الميقات أحد إلا محرمًا"([12]).
2. ولأن وجوب الإحرام على من يريد الحج والعمرة عند دخول مكة لإظهار شرف تلك البقعة، وفي هذا المعنى من يريد النسك ومن لا يريد النسك سواء، فليس لأحد ممن يريد دخول مكة أن يجاوز الميقات إلا محرمًا.
ووجه قولهم أنه إن لبى سقط عنه الدم، وإن لم يلب لا يسقط: أن حق الميقات في مجاوزته إياه محرمًا، لا في إنشاء الإحرام منه، بدليل أنه لو أحرم من دويرة أهله([13])، وبعد ما عاد إليه محرما فقد جاوزه محرمًا، فلا يلزمه الدم ولأن الفائت بالمجاوزة هو التلبية([14])، فلا يقع تدارك الفائت إلا بالتلبية، بخلاف ما إذا أحرم من دويرة أهله، ثم جاوز الميقات من غير إنشاء الإحرام؛ لأنه إذا أحرم من دويرة أهله صار ذلك ميقاتًا له، وقد لبى منه فلا يلزمه تلبية، وإذا لم يحرم من دويرة أهله كان ميقاته المكان الذي تجب التلبية منه، وهو الميقات المعهود([15]).
المذهب المالكي:
وعند المالكية لا يجوز لأحد يريد دخول مكة أن يدخلها إلا محرمًا إلا لمن كان يكثر الترداد إليها كالحطَّابين، ومن يحمل الفاكهة، أو من يخرج عنها من أهلها لحاجة ثم يعود، ومن سوى هؤلاء فلا يدخلها إلا محرمًا إذا مر على بعض هذه المواقيت، ولا يجوز أن يتجاوزه فيحرم بعده لا إلى ميقات سواه ولا إلى غير ميقات، إلا أن يتعداه إلى ميقات له كشامي يمر بذي الحليفة فأخر الإحرام إلى الجحفة، فإن جاوز الميقات فله حالتان:
الأولى: أن يكون قاصدًا الحج أو العمرة.
والثانية: أن لا يقصد أحدهما.
أما الحالة الأولى وهى أن يقصد حجًا أو عمرة:
o فإن جاوز الميقات غير محرم فقد أساء ثم إن عاد فلا دم عليه، ويرجع أن أمكنه ما لم يحرم. وأما إن أحرم ثم عاد فالدم لا يسقط، ثم إن الدم إنما يسقط عنه إذا كان جاهلاً.
o وأما إن جاوزه عالمًا بقبح ما فعله فعليه الدم ولا يسقطه رجوعه.
وأما الحالة الثانية: وهى إذا لم يقصد أحد النسكين؛ كالنجار، فاختُلف في المذهب هل يجب عليهم الإحرام من الميقات، أو يستحب على قولين([16]).
المذهب الشافعي:
إذا جاوز موضعًا وجب الإحرام منه غير محرم أثم وعليه العود والإحرام منه إن لم يكن له عذر، فإن كان له عذر؛ كخوف الطريق، أو الانقطاع عن الرفقة، أو ضيق الوقت، أحرم ومضى وعليه دم إذا لم يعد؛ فإن عاد قبل الإحرام فإنه يُحرم منه والمذهب عند الشافعية أنه لا دم عليه سواء كان دخل مكة أم لا([17]).
قال الشافعي في الأم: "فقال قائل: لم جعلت على من جاوز الميقات محرمًا([18])؟ قلت له: ارجع حتى تكون مهلاً في الموضع الذي أُمرت أن تكون مهلا به على الابتداء. ... فإن قال قائل: فلم قلت إن لم يرجع إليه لخوف فوت، ولا غير عذر بذلك، ولا غيره، اهراق دمًا عليه؟ قلت له: لما جاوز ما وقَّت له رسول الله صلى الله عليه وسلم فترك أن يأتي بكمال ما عليه أمرناه أن يأتي بالبدل مما ترك"([19]). ويفهم من كلام الإمام الشافعي –رحمه الله- وجوب الدم على من جاوز الميقات سواء كان لعذر أو غير عذر.
المذهب الحنبلي:
وقد جاء عند الحنابلة قولهم: ولا يحل لحرٍ مسلمٍ مُكلفٍ أراد مكة، أو النسك، تجاوز الميقات بلا إحرام، إلا لقتال مباح، أو خوف، أو حاجة تتكرر؛ كحطَّاب ونحوه، فإن تجاوزه لغير ذلك لزمه أن يرجع ليحرم منه، وإن أحرم من موضعه فعليه دم([20]). قال في الإنصاف: "هذا المذهب سواء أراد نسكًا، أو مكة، وكذا لو أراد الحرم فقط"([21]).
قال ابن قدامة في المغني: "من يريد دخول الحرم إما إلى مكة أو غيرها فهم على ثلاثة أضرب:
1. من يدخلها لقتال مباح أو من خوف أو لحاجة متكررة كالحشاش والحطاب ومن كانت له ضيعة يتكرر دخوله وخروجه إليها فهؤلاء لا إحرام عليهم.
2. من لا يكلف الحج كالعبد والصبي والكافر إذا أسلم بعد مجاوزة الميقات أو أعتق العبد وبلغ الصبي وأرادوا الإحرام فإنهم يحرمون من موضعهم ولا دم عليهم.
3. المكلف الذي يدخل لغير قتال ولا حاجة متكررة فلا يجوز له تجاوز الميقات غير محرم (فإن تجاوزه) رجع فأحرم منه فإن أحرم من دونه فعليه دم"([22]).
الخلاصة والترجيح:
مما سبق يتضح لنا أن المذاهب الأربعة كلها لا تُجيز تجاوز الميقات إلا بإحرام، فالحنفية: يُوجبون الدم على من تجاوز الميقات، سواء كان قصده الحج، أو القتال، أو التجارة، لا يفرقون؛ سواء كان لعذر أو لغير عذر.
فإن رجع إلى الميقات فلبى سقط عنه الدم وإن لم يلب لا يسقط، وإن مضى في حجه ولم يرجع فعليه دم.
والمالكية، والشافعية، والحنابلة، يستثنون من كان عنده عذر؛ كالجاهل، وكخوف الطريق، أو الانقطاع عن الرفقة، أو ضيق الوقت، ومن يكثر ترداده؛ فهذا لا يوجبون عليه شيء. ومن تجاوز الميقات عند هؤلاء له حالتان:
1. إما أن يرجع فهذا لا شيء عليه.
2. وإما أن لا يرجع فعليه دم، ويمضي في حجه.
* * *
المسألة الثانية
لبس الرجال المخيط بعد الإحرام
ومن الوسائل التي يتخذها كثير من الناس لاختراق أنظمة تنظيم أعداد الحجاج تعمدهم لبس ملابسهم العادية -المخيطة- حال مرورهم نقطة المراقبة (التفتيش)، وكما هو متقرر عند أهل العلم أن الحاج عليه أن يتجنب عدة أشياء عند عقده نية الدخول في النسك، ويسمونها (محظورات الإحرام).
والمحظور هو: المُحَرم، وهو المعاقب على فعله، ويُقال: حظرت الشيء إذا حرَّمته، وهو راجع إلى المنع([23]). ومحظورات الإحرام كثيرة؛ من جملتها: تعمد لبس المخيط بالنسبة للرجل لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رجلاً قال: يا رسول الله ما يلبس المحرم من الثياب؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يلبس القمص ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرانس([24]) ..." الحديث([25]).
ونقل ابن المنذر الإجماع على عدم جواز لباس المخيط عند جميع أهل العلم، حيث قال: "ولا خلاف بين العلماء أن المخيط كله من الثياب لا يجوز لباسه للمحرم"([26]).
ولا بد من تحرير كلام أهل العلم، ومرادهم من قولهم: (لبس المخيط)، ولعل مرادهم كما قال الشيخ ابن عثيمين: "مرادهم لبس القميص والسراويل وما أشبهه، فلهذا يجب أن نفهم كلام العلماء على ما أرادوه، ثم هذه العبارة: (لبس المخيط) ليست مأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد قيل: إن أول من قال بها أحد فقهاء التابعين إبراهيم النخعي([27]) رحمه الله وأما النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقل للأمة لا تلبسوا المخيط"([28]).
قال الكاساني –رحمه الله-: "ولو لم يجد رداءً وله قميص، فلا بأس بأن يشق قميصه ويرتدي به؛ لأنه لما شقه صار بمنزلة الرداء. وكذا إذا لم يجد إزارًا وله سراويل، فلا بأس أن يَفْتِق سراويله ويأتزر به؛ لأنه لما فتقه صار بمنزلة الإزار"([29]).
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "والسنة أن يحرم في إزارٍ ورداءٍ سواء كانا مخيطين أو غير مخيطين، باتفاق الأئمة، ولو أحرم في غيرهما جاز إذا كان مما يجوز لبسه ... وكذلك يجوز أن يلبس كل ما كان من جنس الإزار والرداء ... ولا يلبس ما كان في معنى السراويل: كالتبان([30]) ونحوه"([31]). وقال –رحمه الله-: "أن فَتْق السراويل، يجعله بمنزلة الإزار، حتى يجوز لبسه، مع وجود الإزار بالإجماع"([32]).
وقال النووي في المجموع([33]): "وإنما يحرم عليه لبس المخيط، وما هو في معناه، مما هو على قدر عضو من البدن، فيحرم كل مخيط بالبدن، أو بعضو منه، سواء كان مخيطًا بخياطة، أو غيرها".
ولابن قدامة في المغني([34]): "ولو لبس إزارًا موصلاً، أو اتشح بثوب مخيط جاز".
ومن هذه النقول يتضح أن العلة ليست في كون الملابس مخيطة، وإنما العلة في كونها مصنوعة على قدر البدن، فجاز لبس الملابس ما لم تكن مفصلة على البدن، ولا يترتب عليها الفدية([35]). وغالب الناس اليوم يلبسون –فيما يلبسون- القمص، والسراويل، عند مرورهم نقطة المراقبة (التفتيش)، وهما واردتان في الحديث السابق.
وقد تكلم الفقهاء في لبس السراويل تحت مسألة من لم يجد الإزار يجوز له أن يلبس السّراويل إلى أن يجد ما يتّزر به، وللمحرم أن يلبس السراويل إذا لم يجد الإزار، لحديث: "من لم يجد الإزار فليلبس السراويل"([36])، واختلوا في إيجاب الفدية عليه إذا لبسه السراويل مع عدم وجود الإزار على قولين:
القول الأول:
وهو ما ذهب إليه الحنفية([37])، والمالكية([38]) أن من لبس السراويل سواء لانعدام وجود الإزار، أو لوجوده؛ فإن عليه فدية فعل محظور من محظورات الإحرام، وهي المنصوص عليها في قوله تعالى: (فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) ([39])، وقد قال ابن عثيمين عقب ذكره لهذه الآية: "وأوضح النبي صلى الله عليه وسلم أن الصيام مقداره ثلاثة أيام، وأن الصدقة مقدارُها ثلاثة آصع من الطعام لستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع، وأن النسك شاة، والمراد شاة تبلغ السن المعتبر في الهدي، وتكونُ، سليمة من العيوب المانعة من الإجزاء، ويُسمّي العلماء هذه الفدية فدية الأذى([40]).
ومما استدل به أصحاب هذا القول على أن من لبس السراويل عليه الفدية مطلقًا ما يلي:
1. حديث ابن عمر رضي الله عنهما السابق، وفيه أنه صلى الله عليه وسلم قال: " لا يلبس القمص ولا العمائم ولا السراويلات...الحديث([41]).
2. ولأن ما وجبت الفدية بلبسه مع وجود الإزار، وجبت مع عدمه([42])، بمعنى آخر: أن من فعل هذا المحظور وهو لابسًا للإزار تجب عليه الفدية، فإذا وجبت الفدية مع لبس الإزار فكذا مع عدم لبس الإزار.
وقد حدد السرخسي من الحنفية إيحاب الفدية على من لبس القمص أوالسراويل بأن يكون لابسًا لها اليوم كله فقال: "لو لبس قميصًا أو سراويل يومًا إلى الليل فعليه دم، وإن كان دون ذلك فعليه صدقة"([43]). وهذا القول أوجب دمًا الذي هو النسك كما في أية البقرة: ) فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ( ([44])، وهو ذبح شاة كما فسرها جمع من المفسرين([45])، وكما سبق ما نقلته عن الشيخ ابن عثيمين، وأوجب على من لبسه أقل من اليوم([46]) الصدقة، ولا أدري هل هي مطلق الصدقة أم ماذا يعني([47]) بها رحمه الله.
وجاء عند المالكية([48]): "يجتنب المحرم أيضًا في حجه وعمرته مخيط الثياب لا خلاف في تحريمه على الرجال دون النساء، ولا خصوصية للمخيط بل كل ما أوجب رفاهية مخيطًا كان أو غيره وكذلك جلد الحيوان يسلخ فيلبس، أو ما لُبِد على شكل المخيط أو نُسج كذلك ولو طرح مخيطًا على بدنه من غير لبسٍ فلا فدية".
وعليه فإن ثياب الإحرام والأُزُر التي يلبسها بعض الناس اليوم، وتكون مَخِيطَةً من الوسط بجمع طرفيها، أو فيها تِّكَّةٌ([49]) أو جيب لوضع حاجياته، وما أشبه ذلك لا تُعد من قبيل لبس المخيط، وهذا مما يعضد ما سبق ذكره من تحرير القول في مسمى المحيط([50]).
القول الثاني:
وذهب الشافعية([51])، والحنابلة([52]) إلى أن من لبس السراويل مع انعدام الإزار فلا تجب عليه الفدية، لهذا العذر.
قال الإمام الشافعي –رحمه الله-: وإذا اضطر المحرم إلى لبس شيء غير السروايل والخفين لبسه وافتدى والفدية: صيام ثلاثة أيام، أو نسك شاة، أو صدقة على ستة مساكين، مدين بمد النبي صلى الله عليه وسلم "([53]).
وأصحاب هذا القول القائلون أن من لبس السراويل مع انعدام الإزار لا تجب عليه الفدية يعضدون قولهم بما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب بعرفات يقول: "من لم يجد نعلين فليلبس الخفين، ومن لم يجد إزارا فليلبس سراويل للمحرم"([54]).
قال ابن قدامة في المغني: "وهو صريح في الإباحة، ظاهر في إسقاط الفدية؛ لأنه أمر بلبسه ولم يذكر فدية، ولأنه يختص لبسه بحالة عدم غيره فلم تجب به فدية، كالخفين المقطوعين، وحديث ابن عمر رضي الله عنهما مخصوص بحديث ابن عباس رضي الله عنهما"([55]).
الخلاصة :
o أوردت هذا الخلاف في هذه المسألة لما ذكرت أن غالب الناس اليوم يلبسون –فيما يلبسون- القمص، والسراويل، وإذا عُرف القول في لبسهما مع عدم وجود الإزار، وأنه عند الحنفية والمالكية عليه الفدية، ويجوز لبسها عند الشافعية، والحنابلة، وليس عليه فدية؛ عُلم –والله أعلم-أن لبسهما لمثل هذا الحالات يستوجب الفدية. وأما حجه من حيث الصحة فهو حج صحيح.
o مرَّ معنا في هذه المسألة أن النهي الوارد عن لبس السراويل بسبب كونه مصنوعاً على قدر البدن، وعليه لو لبس المُحْرم ملابسه العادية (فانيلة مثلاً، أو سروالاً) ليس مخيطاً، وإنما أُبدل الخيط بمادة لاصقة تقوم مقام الخيط، فلا نقول عنه أنه لبس مخيطًا، فهذا مخرج فقهي شرعي إذا فعله الإنسان فلا شيء عليه –إن شاء الله-.
* * * * * *
إحرام وميقات أهل المشرق
توطئة:
الحادثة التي "تعم بها البلوى" قد تعرض لجميع المكلَّفين، وقد تعرض للمكلَّف الواحد، وأن هذا راجع إلى الحادثة نفسها فقد يقوم بها الإنسان بمفرده، فتكون في حقه "تعم بها البلوى" عند فعله لها، وقد يشترك بفعل هذه الحادثة جميع المكلَّفين أو أكثرية منهم في حال واحدة، فتكون في حقهم جميعاً، وقد ذكرت فيما سبق نماذج على وقوع الحادثة لجميع المكلفين، وأُخرى للمكلف الواحد، ولعلي في هذا المبحث أتطرق لحادثة تعم بها البلوى لمجموعة من المكلفين هم أهل المغرب العربي من السودان إلى موريتانيا، ولعلي أركز القول في أهل السودان كتطبيق معاصر لهذه المسألة.
وقد ظهر في الآونة الأخيرة خلاف بين بعض أهل العلم المعاصرين في مكان إحرام أهل المغرب كأهل السودان ومن جاء على طريقهم، لأداء مناسك الحج عن طريق البحر المارين بمدينة جدة، وهل تعتبر مدينة جِدة ميقاتًا مكانيًا لأداء مناسك الحج والعمرة أم لا؟ ولما كانت هذه المسألة من مهمات المسائل المعاصرة، ولمسيس الحاجة إليها، رغبت أن أقف على أطرا ف المسألة ووسطها علّنا نصل في نهاية المطاف إلى التوصل إلى قول سديد فيها –إن شاء الله-فأقول مستعيناً بالله متوكلاً عليه([56]):
المواقيت تنقسم إلى قسمين؛ مواقيت زمانية، ومواقيت مكانية، وذكرت هناك أن الرسول صلى الله عليه وسلم جعل هذه المواقيت على طرق الناس المسلوكة إلى مكة، والمعروفة حينئذٍ، فجعل على طريق أهل المدينة (ذا الحليفة)، وهي تبعد عن مكة (430) كيلاً، وجعل على طريق الساحل الشمالي (الجحفة)، وتبعد عن مكة (186) كيلاً، وعيّن لأهل اليمن والجنوب عمومًا (يلملم)، ويبعد عن مكة (90) كيلاً، وحدّ لأهل نجد (قرن المنازل)، وتبعد عن مكة (80)، كيلاً، ووقّت (ذات عرق)، لأهل العراق، ثم وقتها عمر رضي الله عنه وهو لا يعلم بتوقيت الرسول صلى الله عليه وسلم وتبعد عن مكة (80) كيلاً، وذكرت حديث ابن عباس رضي الله عنهما دليلاً على ذلك([57])، وهذه المواقيت إنما هي نقاط لإعلام القاصدين ببدء النسك ووجوب الإحرام، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وإنما فائدة هذه المواقيت: وجوب الإحرام من هذه المواقيت"([58])، لذا فإنه ليس لهذه المواقيت قدسية خاصة لذاتها، وإنما الغرض منها الإعلام والتنبيه فقط.
ومما أعيد ذكره هنا أن العلماء أجازوا المرور من أي ميقات شاء القاصد، وإن لم يكن ميقات بلده لحديث ابن عباس رضي الله عنهما السابق وفيه: "ولمن أتى عليهن من غير أهلهن"([59]). كذلك أجازوا –أي العلماء- بالإجماع الإحرام مما يُحاذي هذه المواقيت، ولم يوجبوا المرور منها؛ كما قال ابن قدامة: "ومن لم يكن طريقه على ميقات فميقاته حذو أقربها إليه"([60]). وقال صاحب أضواء البيان: "اعلم أن من سلك إلى الحرم طريقًا لا ميقات فيها فميقاته المحل المحاذي لأقرب المواقيت إليه...وهذا لا خلاف فيه بين أهل العلم"([61]).
ثم إن من العلماء المعاصرين من قسَّم المواقيت المكانية السالفة الذكر إلى قسمين كذلك:
1. ميقات أصلي: وهو الذي عيّنه الرسول صلى الله عليه وسلم .
2. ميقات إضافي: وهو الذي يحاذي الميقات الأصلي، ويقع بينهما.
ولكون هذه المسألة استجد فيها من الأمور المعاصرة الشيء الكثير الأمر الذي جعل أقوال كثير من العلماء المعاصرين تعددت بين مؤيد، أو معارض، أو مفصل بين ذا وذاك، فإني سأكتفي بذكر خلاف أهل العلم المعاصرين في هذه المسألة.
وأقوال العلماء المعاصرين التي وقفت عليها في مسألة هل تعتبر جدة ميقاتًا؛ قسمتها إلى أربعة أقوال:
القول الأول:
إن جدة ميقاتًا للقادمين بالطائرة جوّاً وبالسفينة بحراً فقط([62])، ومما استدلوا به ما يلي:
1) أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُعين مواقيت في الجو لأن الطائرات لم تكن موجودة في عهد النبوة ولا متصورة، فلا يَصدق على أهل الطائرات أنهم أتوا الميقات المحدد لهم لا لغة ولا عُرفًا، لكون الإتيان هو الوصل للشيّ في محله([63]).
2) ولأن المحاذاة لا يمكن أن تتصور في الجو ولا تنضبط، وكذا في البحر([64]).
3) ولأنّ في إلزامهم بالإحرام في الجو مشقةً عليهم والمشقة تجلب التيسير([65]).
4) ولأن الحكمة في وضع المواقيت في أماكنها الحالية كونها بطرق الناس وعلى مداخل مكة، وكلها تقع بأطراف الحجاز، وقد صارت جدة طريقًا لجميع ركاب الطائرات والسفن ويحتاجون بداعي الضرورة إلى ميقات أرض يحرمون منه لحجهم وعمرتهم، فوجبت إجابتهم كما وقَّت عمر رضي الله عنه لأهل العراق ذات عرق، إذ لا يمكن جعل الميقات في أجواء السماء أو في لجة البحر الذي لا يتمكن الناس فيه من فعل ما ينبغي لهم فعله من خلع الثياب والاغتسال للإحرام والصلاة وسائر ما يُسن للإحرام، إذ هو ما تقتضيه الضرورة وتوجبه المصلحة ويوافقه المعقول ولا يخالف نصوص الرسول صلى الله عليه وسلم ([66]).
القول الثاني:
إنّ جدة ليست ميقاتاً إلا للقادم من غربها مباشرة وهم أهل السواكن في جنوب مصر وشمال السودان([67]). واستدلوا بما يلي:
1) ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما قال: وقَّت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل الشام الجُحفة ولأهل نجد قرن المنازل ولأهل اليمن يلملم، هن لهنّ، ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن كان يريد الحج والعمرة، ومن كان دون ذلك فمهله من أهله"([68]).
وجه الدلالة: أن الحديث دل على وجوب إحرام من مرّ على هذه المواقيت وليس من أهلها، ولا يجوز له تأخير الإحرام إلى جدة أو غيرها مما يلي الميقات الذي مرَّ عليه، ولما كانت المواقيت محيطة بالحرم عدا جهة الغرب لمدينة جدة، فلذا لا يجوز تجاوز الميقات للإحرام من جدة إلا للقادم من غربها وهي جهة جنوب مصر وشمال السودان.
2) ما رواه ابن عمر رضي الله عنهما قال: "لما فتح هذان المصران أي الكوفة والبصرة أتوا عمر رضي الله عنه ، فقالوا: يا أمير المؤمنين إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدّ لأهل نجد قرنًا، وهو جور عن طريقنا، وإنا إن أردنا قرنًا شق علينا فقال: (انظروا حذوها من طريقكم)، فحدَّ لهم ذات عرق"([69]).
وجه الدلالة: إن الإحرام يكون في الميقات أو حذوه، وجدة ليست محاذية لأحد المواقيت فمسافتها إلى مكة أقرب كما تقدم، فلا تكون ميقاتاً إلا للقادم من غربها مباشرة لعدم وجود محاذى به قبل جدة.
3) أن جدة كانت موجودة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يتخذها ميقاتاً ولو كانت من المواقيت لنص عليه النبي صلى الله عليه وسلم لاسيما مع قرب موقعها ووضوحه وأهميته([70]).
القول الثالث:
إنّ جدة ليست ميقاتًا مطلقاً([71]). واستدل أصحاب هذا القول بأدلة القول الثالث نفسها إلا أنهم لم يستثنوا جهة غرب جدة.
القول الرابع:
إن مدينة جدة ميقاتًا مكانيًا مطلقاً فيجوز للقادم من جميع الجهات أن يُحرم من جدة سواء كان قدومه براً أو بحراً أو جوّاً([72])، وهو القول الذي أميل إليه لما سأذكره من أدلة شرعية وبراهين عقلية، وإثباتات علمية هي كما يلي:
بعد التأمل لكلام أهل العلم المعاصرين وسبر أقوالهم في هذه المسألة تبين لي أن أساس اختلافهم في اعتبار جدة ميقاتًا لأهل المغرب هو اختلافهم في تفسير المحاذاة وتطبيق معناها على مدينة جدة. فمن قال بأنّ مدينة جدة محاذية لميقات (الجحفة) أو (يلملم) فإنه يعتبر مدينة جدة ميقاتًا، ومن قال بأن جدة ليست مُحاذيةً لهذين الميقاتين فإنه لا يعتبرها ميقاتًا، ومن قال إن معنى المحاذاة هي كونه الموضع المحاذي واقعًا بين ميقاتين على خط واحد قال إن مدينة جدة ميقات، ومن لم يفسرها بذلك لم يعتبر جدة ميقاتاً.
لذا كان لِزامًا عليّ أن أقف وقفات يسيرة حول معنى المحاذاة لغة واصطلاحاً:
فالمحاذاة لغة: من حاذاه أي آزاه والحذاء الإزاء([73])، ويُقال: جاء الرجلان حذيتين، أي: كل واحد منهما إلى جنب صاحبه([74])، وحذوته أحذوه حذواً وحاذيته محاذاة هي الموازاة، وحذوت النعل بالنعل قدرّتها بها وقطعتها على مثالها وقدرها([75])، ومن هذا يمكن أن يُقال أن معنى المحاذاة لغة: الإزاء والمماثلة والمساواة.
وأما المحاذاة في الاصطلاح: هي أن تكون مسافة المحاذي والمحاذي به من الحرم سواء ، وأن يكون بُعد المحاذي والمحاذي في البيت واحداً([76])، قال ابن حجر في قول عمر رضي الله عنه : "انظروا حذوها"([77])؛ أي: "اعتبروا ما يقابل الميقات من الأرض التي تسلكونها"([78]).
وللمحاذاة حالات ثلات من حيث الواقع([79])، فالمكان يُطلق عليه أنه يُحاذي مكانًا آخر، إذا تحقق فيه إحدى الحالات الثلاث التالية:
1. أن يكون الموضع واقعًا بين مكانين، وعلى خطٍ واحد،
. أن تكون البقعة مجاورة للمكان، أو ملاصقة له، حتى يُقال أن هذه البقعة تحاذي ذلك المكان.
3. أن تكون مسافة الموضع عن مكة تساوي مسافة أقرب المواقيت إليه، ولا يُؤثر بُعده أو قربه من الميقات، وإنما المهم أن تكون مسافة المحاذي والمحاذى به عن مكة متساوية، كما فسره ابن حجر فيما نقلنا عنه أعلاه.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وذلك لأن الإحرام مما يحاذى الميقات بمنزلة الإحرام من نفس الميقات فإنه إذا كان بعدهما عن البيت واحدًا لم يكن في نفس الميقات مقصود"([80]).
الدليل على المحاذاة:
دليل اعتبار المحاذاة في تحديد المواقيت هو الإجماع، كما ذكرنا في نقله سابقًا، ومستندهم في ذلك حديث ابن عمر السابق.
وأهم أمر ينبغي التنبيه إليه والذي يظهر مما سبق أن مسافة (المحاذاة) مُناطة ببعد البقعة عن مكة وليس ببعدها عن الميقات المجاور؛ وإذا فُهم هذا جيدًا عُلم أن (المحاذاة) إنما تعني: اختراق محيط المواقيت ..
أي: المرور بين ميقاتين، وما عدا ذلك فليس من المحاذاة في شيء، وعلى هذا فإن القاصد لو دار حول محيط المواقيت ألف مرة دون أن يخترقه لما وجب عليه الإحرام لأنه ما يزال خارج حدود المواقيت.
ويمكن أن نخلُص إلى القاعدة التالية:
[كل البقع التي بين ميقاتين هي: بقع محاذية، وبالتالي هي: "مواقيت إضافية"].
كيفية تحديد محيط المواقيت:
وأما كيفية تحديد محيط المواقيت فإنه يتم برسم خط بين المواقيت فيتكون بذلك حول الكعبة محيطًا سداسي الشكل، تكون كل النقط التي تقع عليه تحقق معنى المحاذاة، وهي "مواقيت إضافية"، يمكن للقاصد أن يُحرم من أيها شاء،
الأدلة الدالة على إثبات أن جدة ميقات:
1) ما رواه ابن عمر رضي الله عنهما قال: "لما فُتح هذا المصران -أي الكوفة والبصرة - أتوا عمر رضي الله عنه ؛ فقالوا: يا أمير المؤمنين إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدّ لأهل نجد قرناً وهو جور عن طريقنا وإنّا إن أردنا قرنًا شق علينا، فقال: "انظروا حذوها"([81])، من طريقكم فحدّ لهم ذات عرق"([82]).
وجه الدلالة منه: أن القاعدة في تحديد المواقيت غير المنصوص عليها هي المحاذاة وحدّها أن تكون مسافة المحاذي والمحاذي به عن مكة متساوية، أو يكون الموضع المحاذي واقعاً بين ميقاتين على خط واحد. فتبين بذلك أن مدينة جدة ميقات مكاني؛ لأنها محاذية لميقاتي (الجحفة) و (يلملم) حيث تقع بينهما، وهي جميعًا على خط واحد، كما أن مسافة جدة عن مكة مقاربة لمسافة يلملم عن مكة فيتحقق بذلك معنى المحاذاة في جدة.
2) أن أهل العلم قد اتفقوا على أن من قدم من مكان لا ميقات له يحرم من مسافة أقرب المواقيت إليه إذا كان حذوه، ولما كان القادمون إلى جدة من المغرب ليس لهم ميقات معين يحرمون منه وكان أقرب ميقات إلى جدة هو يلملم وكانت مسافته عن مكة تساوي مسافة جدة عن مكة، فهما متساويتا المسافة عن مكة، فجدة إذن ميقات مكاني إضافي على المواقيت المنصوصه([83]).
3) أنه لا محاذاة في البحر البتّة وذلك:
أ- لأنه يتعذر تعيين المواقيت فيها .
ب- ولأنه لم يقم على هذا دليل في الكتاب والسنة أو الإجماع .
ج- ولأنه لا تتحقق في البحر المحاذاة على المعنى الصحيح، فيتبين بذلك أنّ للقادم من البحر تأخير الإحرام إلى جدة([84]).
4) أنّ مدينة جدة لا تخلو:
أ- إما أن تكون داخل المواقيت والمواقيت خلفها.
ب- أو خارج حدود المواقيت.
ج- أو على المحيط نفسه.
أما الحالة الأولى: فيعني هذا الزيادة على مسافة المحاذاة وهذا مردود شرعًا وواقعًا.
وأما الحالة الثانية: فلا يقول بها أحد.
وأما الحالة الثالثة: فهي المتعينة فتكون جدة ميقاتًا([85]).
المناقشات والردود:
أولاً: بعض ما ورد من مناقشات على ما استدل به أصحاب القول الأول:
o أما دليلهم الأول أُجيب عنه: بأن الشريعة صالحة لكل زمان ومكان، وأن الهواء تابع للقرار كما قرر أهل العلم، ولذا فلو صلى في الطائرة أو وقف بعرفه في الجو صحت صلاته وحجه، ولم يوقت الرسول صلى الله عليه وسلم هذه المواقيت في هذه الأماكن إلا ليُتخذ من النصوص قدوة وأسوة لحرمة البيت العتيق سواء كان طريق الحاج برًا أو جوًا، ثم إن الإتيان متحقق في المرور به مع عقد نية الدخول في النسك، ويصدق على راكب الطائرة أنه مرّ بالميقات إذ لا يشترط في المرور المماسّة([86]).
o وأما دليهم الثاني فقد أُجيب عنه بعدم التسليم بل المحاذاة متصورة في الجو والبحر؛ لأن المحاذاة تقريبية، كما يمكن الاحتياط لذلك حتى لا يتجاوز الناسك الميقات دون أن يحرم.
o وأجيب عن دليلهم الثالث كذلك: بعدم التسليم بوجود المشقة بل يمكن الإحرام في الجو بوقت يسير، كما أنه يمكن تقديم الإحرام قبل ركوب الطائرة وعقد النية عند المرور بالميقات، وكذا الحال بالنسبة لركاب السفينة بل هي أيسر من الطائرة من جهة السعة وبطء الحركة بحيث يتمكن المحرم من لبس إحرامه بسهولة.
o وأما الدليل الرابع أجيب عنه: بأن وضع المواقيت في طريق الناس لا يلزم منه أنه كلما استحدث الناس طريقاً وضع لهم ميقات بدون نظر إلى المواقيت المنصوصة ولا محاذاة لها، إذ لو كان كذلك لما صار لتلك المواقيت شرعية، ولم يكن لوضعها كبير أثر، ثم إن تفاوت مسافاتها يدل على مقصد تعبدي تجب مراعاته وربط المواقيت الأخرى بها،كما يدل عليه أيضا حديث عمر رضي الله عنه المتقدم في توقيت ذات عرق حيث قال "انظروا حذوها"([87])، أي حذو قرن المنازل. و أما كون الميقات في جو السماء أو لجُة البحر فلا إشكال فيه، إذ الشريعة جاءت لكل الأزمان، والله لا يخفى عليه صنع تلك الطائرات والسفن فهو القائل: (وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) ([88])، وأما خلع الثياب والاغتسال للإحرام والصلاة وسائر سنن الإحرام فإنها تُقدم قبل ركوب الطائرة؛ لأنه إذا تعارض عندنا الإحرام قبل الميقات أو بعده فيقدم الإحرام قبل الميقات، ولا ريب؛ لأنه جائز بدون تعارض مع الإحرام بعد الميقات فكيف إذا تعارض([89]).
ثانيًا: بعض ما ورد من مناقشات على ما بعض استدل به أصحاب القول الثاني:
أجيب عن دليلهم الثالث: بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجعلها ميقاتًا لكون جهتها غير مأهولة بالسكان ولم يكن حينذاك مسلمون في جنوب مصر وشمال السودان وجهتهما في أفريقيا.
ثالثًا: ما ورد من مناقشات على القول الثالث:
o ويجاب عليهم: بأنهّ يشكل على قولهم القادم من غرب جدة، فإنّه لا يمر بميقات ولا يحاذي ميقاتاً، وأول منزل له هو مدينة جدة، ولا ينضبط إحرامه قبلها في البحر، ومسافتها مقاربة لمسافة أقرب المواقيت وهو قرب المنازل وقد نص الفقهاء أن من كانت هذه حاله فإنه يحرم من مسافة مرحلتين([90]) عن مكة؛ لأنها مسافة أدنى المواقيت إلى مكة، قال في شرح منتهى الإرادات([91]): (وإذا لم يحاذ ميقاتا) كالذي يجيء من سواكن إلى جدة من غير أن يمر برابغ ولا يلملم لأنهما حينئذ أمامه, فيصل جدة قبل محاذاتهما ( أحرم عن مكة بقدر مرحلتين ) فيحرم في المثال من جدة لأنها على مرحلتين من مكة لأنه أقل المواقيت.
رابعًا: بعض ما ورد من مناقشات على ما استدل به أصحاب القول الرابع:
o أما الدليل الأول فأجيب عنه بأن ما ذكرتموه من أنّ القاعدة في تحديد المواقيت غير المنصوص عليها هي المحاذاة صحيح لكنّ حَد المحاذاة الذي ذكرتموه لا يسلم بإطلاق، فتفسيركم المحاذاة بالمعنى الثاني وهو كون الموضع المحاذي واقعًا بين ميقاتين على خط واحد، فهذا غير مسلم لغة وشرعاً، وذلك أن كلمة "حذا" في اللغة لا تدل على تسمية المكان الواقع بين مكانين محاذياً. ولو صح هذا المعنى لغة، فإنه لا يصح شرعًا لأنه سيؤدي إلى أنّ أي مكان واقع بين مكة والمدينة يسمى محاذيًا للمواقيت، فيجوز الإحرام منه؛ لأنه يصدق على مكة اسم مكان كما يصدق هذا الاسم على المواقيت أيضا.
o وأما الدليل الثاني فأجيب عنه: بأنه لا يسلم حكاية الاتفاق على أن من قدم من مكان لاميقات له أنه يحرم من مسافة أقرب المواقيت إليه إذا كان حذوه، بل لقد نقل ابن حزم الخلاف في ذلك على رأيين، حيث قال:" وأما سائر الروايات التي ذكرنا عن الصحابة والتابعين فليس في شيئ منها أنهم مروا على الميقات، وإذ ليس فيها فكذلك نقول : إن من لم يمر على الميقات فليحرم من حيث شاء"([92]). وعليه فإنه لا يحتج على المخالف بمحل النزاع.
o وأجيب عن الدليل الثالث بعدم التسليم بأنه لا محاذاة في البحر فهذا مخالف لما ذهب إليه أهل العلم من وجوب الإحرام على من كان البحر طريقه إلى مكة إذا حاذى الجحفة أو يلملم. بل المحاذاة حاصلة لمن كان البحر طريقه ولا تتعذر المحاذاة في البحر كما أننا نقول بأنه لا ميقات في البحر، ولكن يمكن محاذاة ميقات الجحفة ويلملم، وهما قريبان من البحر وليست محاذاتهما متعذرة للقادم من الشمال أو الجنوب .
o وأما الدليل الرابع فقد أجيب عنه: بأن هذا التقسيم قائم على تفسير أصحاب هذا القول للمحاذاة، وإثباتهم أن جدة محاذية لميقاتي (الجحفة) و (يلملم)، وهذا قد تقدم الجواب عنه، وإنما نقول إن مدينة جدة داخل المواقيت وليست محاذية لأحدها لكونها أقرب إلى مكة من ميقاتي (الجحفة) و (يلملم)، ولذا فالواجب على القادم من الشام ومصر برًا وبحرًا وجوًا الإحرام من الجحفة أو ما كان حذوها، وكذا القادم من اليمن سواء كان ذلك برًا أو بحرًا أو جوًا فإنه يحرم من يلملم.
قرار مجمع الفقه السوداني بشأن الميقات المكاني لأهل السودان([93]):
يرى المجمع جواز الإحرام من جدة للحاج أو المعتمر القادم من السودان([94])؛ وكما هو متقرر من القواعد الفقهية عند أهل العلم أن حكم الحاكم يرفع ويزيل ويطرح الخلاف بالأخذ به، فإذا ما دار الخلاف في هذه المسألة بين من يرى أن جدة ميقات مكاني، وبين من يرى غير ذلك في بلد كالسودان مثلاً؛ وقد أصدر المجمع الفقهي الذي أنابه الحاكم، وأوكل إليه البتَّ في الأحكام الفقهية، والذي بدوره قضى بكون جدة ميقات مكاني لأهل السودان فلا عبرة حينئذٍ ولا وجه ولا أخذ بقول المخالف.
الخلاصة والترجيح:
يتبين مما تقدم مايلي:
§ إن مدار الخلاف في المسألة –كما قدمنا بداية- يقوم على تفسير المحاذاة الواردة، وقد تبين لنا أن المحاذاة هي كل البقع التي بين ميقاتين هي: بقع محاذية، وبالتالي هي: "مواقيت إضافية".
§ إن الخلاف في المسألة قوي، و إن كانت المناقشات والردود على أدلة القول الرابع قوية كذلك إلا أن الذي يظهر رجحانه لقوة أدلته السابقة، ولما ثبت علميًا من أن جدة يمرُّ دونها من جهة مكة خط المحاذاة بين الجحفة ويلملم، وهذا الذي تتبعته حين استعمالي برنامج قوقل إيرث (Google Earth)، وهو البرناج الذي يُعنى بإظهار المواقع على سطح الأرض كما هي في الحقيقة، فقد بدأت من نقطة ميقات يلملم مارًا إلى مكة وجدة ثم ميقات الجحفة، سائرًا في ذلك على الخط الذي تمشي به العربات موازيا في سيري خط الطول والعرض، ثم حاذيت بين الميقاتين، وتبين لي أن جدة يمرُّ دونها من جهة مكة خط المحاذاة بين الجحفة ويلملم، وأن جدة تبعد نفس المسافة التي يبعد عنها ميقاتي يلملم والجحفة عن مكة،
وتنزيل هذا الأمر على الواقع الجغرافي جعلي أطمئن كثيرًا بالقول بأنه يجوز لمن يمر بجدة أن يحرم منها، حتى وإن لم يكن من أهل المغرب كالذي ينزل جدة ليقضي حاجة له ثم بدا له أن يعتمر فله أن يُحرم من جدة، وليس من رأى كمن سمع.
§ من حديث ابن عمر رضي الله عنه السابق الذي سأل فيه أهل العراق الفاروق رضي الله عنه أن يجعل لهم ميقاتًا لكون قرن جور على طريقهم، وإنهم يشق عليهم، فقال لهم: "انظروا حذوها"، فلو جاءنا أهل السودان اليوم وقالوا لنا: إنه شق علينا الذهاب إلى يلملم أو إلى الجحفة لسبب أو لآخر، لا شك أننا سنحذوا حذو الفاروق رضي الله عنه وسنقول لهم: انظروا حذوها وبلدًا على طريقكم تكون مسافته من مكة تساوي مسافة ميقات يلملم أو الجحفة من مكة، وبحثنا في طريقهم ونظرنا في أرض الواقع الجغرافي فوجدنا أن جدة ينطبق عليها ذلكم الوصف، فتعين اعتبار جدة ميقاتًا إضافيًا.
§ ثم إنه لما فُتح طريق الطائف مكة، من جهة الشرق، عيُن فيه ميقاتًا، وكذا لما فُتح طريق الباحة مكة؛ عُين فيه ميقاتًا، وكليهما ميقاتين إضافيين، ولم يعترض على ذلك أحد من أهل العلم، فينبغي القول كذلك لو فتح طريقًا من جهة الغرب، تعين القول بأن يكون ميقاتًا إضافيًا([95]). فلماذا هذا النوع من عدم الموازنة بين الأمور؟!
§ في نهاية هذا المطاف أكرر أن المحاذاة التي دار عليها الخلاف يقصد بها أحد أمرين:
1. أن تكون مسافة البقعة عن مكة تساوي مسافة أقرب ميقات إلى هذه البقعة عن مكة، وهذا متحقق في جدة، فإن أقرب المواقيت إليها كما في الخريطة الجغرافية السابقة هو ميقات "يلملم"، وجدة تبعد نفس المسافة التي يبعدها "يلملم" عن مكة.
2. أن يكون الموضع واقعًا بين ميقاتين وهذا أيضًا متحقق في جدة؛ فإنها واقعة بين ميقاتي "يلملم" جنوبًا، و "الجحفة" شمالاً.
ويكفي تحقق هذين الأمرين لاعتبار أن جدة ميقاتًا إضافيًا.
* * *
---------------------------------------------------
([1]) انظر: مقاييس اللغة، مادة (حرُم) (2/45)، ولسان العرب مادة (حرُم ) (12/119)، المصباح المنير، مادة (حُرم)، (1/131).
([2]) حاشية ابن عابدين (2/479)، شرح فتح القدير (2/429).
([3]) حاشية الدسوقي (2/3)، منح الجليل (2/230).
([4]) إعانة الطالبين (2/292)، فتح الوهاب (1/258).
([5]) الروض المربع (1/467)، كشاف القناع (2/406).
([6]) المصدر الميمي: هو ما بديء بميم زائدة، كالمضرب، والمقتل، فأصلهما: ضرب، قتل، فأدخلت الميم عليهما، ومثله ميقات، أصله وقت، يوقت، وقتًا، فأُدخلت الميم على هذا المصدر، والذي أصله موقات، فقيل ميقاتًا، فقلبت الواو ياء، مناسبة لكسر ميم المصدر، وسمي: مصدرا ميميًا. انظر: لسان العرب، مادة (وقْت)، (2/107)، وشرح شذور الذهب في معرفة كلام العرب، لعبدالله بن يوسف بن عبدالله بن هشام، تحقيق : عبدالغني الدقر، الناشر: الشركة المتحدة للتوزيع، دمشق، الطبعة الأولى ، 1984 م، (1/526).
([7]) الآية رقم (103)، من سورة النساء.
([8]) لسان العرب، مادة (وَقَتَ)، (2/107)، القاموس المحيط، مادة (وَقَتَ)، (1/208)، المصباح المنير، مادة (وَقَتَ)، (2/667).
([9]) انظر: أنيس الفقهاء (1/68)، المطلع (1/164).
([10]) أخرجه البخاري في كتاب الحج، باب مهل أهل مكة للحج والعمرة (2/554)، رقم (1452)، ومسلم في كتاب الحج، باب مواقيت الحج والعمرة (2/838)، رقم (11).
([11]) أخرجه البخاري في كتاب الحج، باب ذات عرق لأهل العراق (2/566)، رقم (1458)، ومسلم في كتاب الحج، باب مواقيت الحج والعمرة (2/840)، رقم (18).
([12]) بهذا للفظ لم أجد تخريجه، وإنما أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه، في كتاب الحج، باب من قال لا يجاوز أحد الوقت إلا محرم (3/411)، رقم (15464)، بلفظ: "لا يجاوز أحد ذات عرق حتى يحرم"، وأخرجه كذلك ابن أبي شيبه (3/411)، رقم (15463) بلفظ"لا يجاوز أحد الوقت إلا المحرم"، من حديث سعيد بن جبير. وانظر: نصب الراية (1/473).
([13]) فالحنفية يجيزون للحاج الإحرام من بيته، متمسكين بما أخرجه الحاكم في المستدرك عن علي رضي الله عنه ، عند قول الله عز وجل: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ)[البقرة آية 196]، أنه قال: "إتمامهما أن تحرم من دويرة أهلك". والحديث حكم عليه الألباني بنكارته، ، انظر: السلسلة الضعيفة (1/376)، رقم (210)، وانظر الكلام في الإحرام من بيته (دويرة أهله) في المغني (3/221).
([14]) أي: أن العبرة عندهم بالتلبية، وهي النية في الحج، فلو نوى الحج من بيته وتجاوز الميقات ليس عليه شيء، بينما لو تجاوزه وهو لابسا لملابس الإحرام ولم يلبي فإن عليه دم، فمدار الأمر على النية.
([15]) انظر: المبسوط (4/167-169)، بدائع الصنائع (2/164-165)، فتح القدير (2/426).
([16]) انظر: التاج والإكليل (3/43)، التلقين في الفقه المالكي (1/207-208).
([17]) روضة الطالبين (3/41)، فتح الوهاب (1/264)، المجموع (7/148).
([18]) أي: لم جعلت عليه إهراق دم؟
([19]) الأم (2/144).
([20]) الروض المربع (1/465)، شرح منتهى الإرادات (1/526)
([21]) الإنصاف للمرداوي (3/427).
([22]) انظر المغني (3/221)، بتصرف.
([23]) انظر: لسان العرب، مادة (حظر)، (4/202)، أنيس الفقهاء (1/281).
([24]) البُرْنُس كل ثوب رأْسه منه مُلْتَزِقٌ به دُرَّاعَةً كان أو غيرها مما على شاكلتها،كالذي يلبسه المغاربة وغيرهم. انظر لسان العرب، مادة (برنس) (6/26).
([25]) أخرجه البخاري في كتاب الحج، باب ما لا يلبس المحرم من الثياب (2/559)، رقم (1468)، ومسلم في كتاب الحج، باب ما يباح للمحرم بحج أو عمرة، وما لا يباح، وبيان تحريم الطيب عليه (2/833)، رقم (1177).
([26]) انظر: التمهيد (2/254)، والاستذكار (4/14).
([27]) إبراهيم بن يزيد بن قيس بن الأسود النخعي الكوفي، الفقيه، ثقة إلا أنه يرسل كثيرًا، من الطبقة الخامسة، مات سنة ست وتسعين، وهو بن خمسين أونحوها. انظر ترجمته في تهذيب التهذيب (1/55).
([28]) مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين (22/140).
([29]) بدائع الصنائع (2/184).
([30]) التُّبَّان بالضم والتشديد سَراويلُ صغيرٌ، مقدارُ شبْر، يستر العورة المغلَّظة فقط يكون للملاَّحين، (كالملبوسات الداخلية). انظر: لسان العرب، مادة (تبن)، (13/71).
([31]) مجموع الفتاوى (26/109).
([32]) شرح العمدة (3/34).
([33]) (7/229).
([34]) (3/231).
([35]) وبهذا يتضح جواز أن يلبس المحرم النظارة والساعة والحزام الذي يشد به إزاره ويحفظ فيه نفقته.
([36]) أخرجه البخاري، في كتاب الحج، باب لبس الخفين للمحرم إذا لم يجد النعلين (2/654)، رقم (1744)، ومسلم في كتاب الحج، باب ما يباح للمحرم بحج أو عمرة وما لا يباح وبيان تحريم الطيب عليه (2/835)، رقم (4).
([37]) المبسوط (4/126)،
([38]) بداية المجتهد (1/239)، التاج والإكليل (3م141).
([39]) الآية رقم (196)، من سورة البقرة.
([40]) الشرح الممتع (7/76)
([41]) أخرجه البخاري في كتاب الحج، باب ما لا يلبس المحرم من الثياب (2/559)، رقم (1468)، ومسلم في كتاب الحج، باب ما يباح للمحرم بحج أو عمرة، وما لا يباح، وبيان تحريم الطيب عليه (2/833)، رقم (1177).
([42]) المغني (3/231).
([43]) المبسوط (4/126).
([44]) الآية رقم (196)، من سورة البقرة.
([45])كابن كثير في تفسيره (1/312)، وغيره.
([46]) وما يحتاجه هذا المار نقطة المراقبة أقل من ساعة.
([47]) أي صاحب المبسوط السرخسي.
([48])حاشية العدوي على شرح كفاية الطالب الرباني (1/694).
([49]) وهي رِبَاطُ السَّرَاويل. انظر لسان العرب، مادة (تكك) (10/406).
([50]) من أن المراد منه كل ما فُصل على البدن، وليس كل ما احتوى مخيطًا، انظر: ص (311-312).
([51]) الأم (2/203)، المهذب (1/208)، فتح الوهاب (1/262).
([52]) المغني (3/275)، الفروع (3/273)، الروض المربع (1/476).
([53]) الأم (2/203).
([54])أخرجه البخاري في كتاب الحج، باب ما لا يلبس المحرم من الثياب (2/559)، رقم (1468)، ومسلم في كتاب الحج، باب ما يباح للمحرم بحج أ
نايف بن جمعان جريدان | 3/12/1431 هـ
عواقب منع المسلم من تأدية مناسك الحج
توطئة
إن أحوال الناس في الحج قد تغيرت، وما حصل من أحوال وظروف ومتغيرات وسهولة في وسائل الاتصال ووسائل النقل وما وسع الله سبحانه وتعالى به من الخيرات، جعل الأعداد التي تتدفق لهذا البيت الحرام أعدادًا يضيق عن استيعابها المسجد الحرام، والحرم والمشاعر المقدسة والمناسك؛ لذا بذلت الحكومة السعودية الجهود الكبيرة، التي تُذكر فتُشكر، وسنّت الأنظمة والقوانين التي من شأنها إيجاد نوع من التنظيم، ومحاولة منها خدمة حجاج بيت الله فيما فعلت، ومن هذه الأنظمة:
1. منع المسلم من الحج إلا بتصريح، وهذا التصريح من شروط إصداره أن يكون قد مر على الحاج خمس سنوات فأكثر من آخر نسك أداه.
2. ومنها كذلك: تنظيم أعداد حجاج الخارج من كل بلد، يتحكم في هذا العدد عدد السكان فيه، فكلما زاد عدد السكان زادت نسبة الحجاج القادمين منه.
هذين النظامين جعلا كثيرًا من المسلمين اليوم -على مرأى ومسمع من الناس- محاولة اختراق هذا الحاجز، والمضيء في تأدية مناسك الحج، وهم في هذا يستخدمون طريقة: مجاوزة الميقات بدون إحرام؛ بحيث ينطلق أحدهم من منشأ إقامته، فيصل إلى الميقات، وينوي الدخول في النسك، بالتلبية: لبيك اللهم حجًا، ويبقى لابسًا لملابسه المخيطة، ثم يجد من ينقله من الميقات، وإمراره نقطة المراقبة (نقطة التفتيش)، ثم يلبس ملابس الحج (الإزار والرداء)، ويمضي في حجه. وتجاه هذا التصرف لي وقفتان أبحثهما في مسألتين:
المسألة الأولى: تجاوز الميقات بدون إحرام.
المسألة الثانية: لبس المخيط للرجال بعد الإحرام.
ولكن قبل البدء بهما؛ أذكر تعريفًا للقاسم المشترك بين هاتين المسألتين وهو ماهية الإحرام:
الإحرام في لغة العرب معناه: الإهلال بحجّ أو عمرة، ومباشرة أسبابهما، والدّخول في الحرمة، ومعناه أدخل نفسه في شيء حرم عليه به ما كان حلالاً، وأحرم الرجل بالحج؛ لأنه يحرم عليه ما كان حلالا له من الصيد والنساء وغير ذلك، وأحرم الرجل دخل في الشهر الحرام، وأحرم: دخل في حرمة عهد أو ميثاق([1]).
والإحرام عند الحنفيّة: هو الدّخول في حرمات مخصوصة غير أنّه لا يتحقّق شرعاً إلاّ بالنّيّة مع الذّكر أو الخصوصيّة. فالمراد بالدّخول في حرمات: التزام الحرمات، والمراد بالذّكر: التّلبية ونحوها ممّا فيه تعظيم اللّه تعالى. والمراد بالخصوصيّة: ما يقوم مقامها من سوق الهدي([2]).
وهو عند بقية المذاهب الثّلاثة (المالكيّة([3])، والشّافعيّة([4])، والحنابلة([5])): نيّة الدّخول في حرمات ومناسك الحجّ والعمرة.
المسألة الأولى:
تجاوز الميقات بدون إحرام.
الميقات لغة: لفظ ميقاتٍ مصدر ميميّ([6])، على وزن مِفْعال، وأصله من الفعل (وقت)، والوَقْتُ مقدارٌ من الزمانِ، وكلُّ شيء قَدَّرْتَ له حيناً. وهو يطلق على الزّمان والمكان. فالميقات والموقوت بمعنى واحد، وهو الشّيء المحدود زمانًا أو مكانًا. فمن أمثلة استخدامه للزمان قوله تعالى: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) ([7])، أي مفروضاً، والمِيقاتُ الوَقْتُ المضْروبُ للفعل والموضع يقال هذا مِيقاتُ أَهلِ الشأْم للموضع الذي يُحْرِمُون منه([8])، ومن استعماله للمكان ما يأتي من الأحاديث.
والميقات في الشرع:
لا يخرج عن ما استعملته العرب في لغتها؛ فهو: اسم للمكان الذي حدده الرسول صلى الله عليه وسلم للذي ينوي الدخول في نسك الحج أوالعمرة([9]).
ومواقيت الحج تنقسم إلى قسمين:
· مواقيت الحج الزمانية؛ وهي أشهر الحج: شوال، وذو القعدة، وعشر من ذي الحجة وقيل: جميعه على خلاف ليس هذا محل ذكره.
· ومواقيت الحج المكانية: وهي خمسة مواقيت منقسمة على جهات الحرم وهي: ذو الحليفة لأهل المدينة، وقرن لأهل نجد، والجحفة لأهل الشام، ويلملم لأهل اليمن، ويدل لهذه الأربع حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "وقَّت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرن المنازل ولأهل اليمن يلملم، هن لهن، ولمن أتى عليهن من غيرهن ممن أراد الحج والعمرة، ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ، حتى أهل مكة من مكة"([10])، والميقات الخامس هو ميقات أهل العراق ومن جاء من جهة المشرق وهو ذات عرق، ودل عليه حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: لما فتح هذان المصران أتوا عمر فقالوا يا أمير المؤمنين إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حد لأهل نجد قرنًا، وهو جور عن طريقنا، وإنا إن أردنا قرنا شق علينا، قال فانظروا حذوها من طريقكم فحد لهم ذات عرق"([11]).
وفي حكم تجاوز الميقات بدون إحرام؛ أي: بدون نية الدخول في النسك، وهو مريد الحج أو العمرة، أراء في المذاهب الأربعة على النحو التالي:
المذهب الحنفي:
عند الحنفية ليس لأحد ينتهي إلى الميقات إذا أراد دخول مكة أن يجاوزها إلا بالإحرام سواء كان من قصده الحج أو القتال أو التجارة، ولو أحرم بعد ما جاوز الميقات قبل أن يعمل شيئا من أفعال الحج ثم عاد إلى الميقات، ولبى سقط عنه الدم، وإن لم يلب لا يسقط، واستدلوا لذلك بما يلي:
1. جاء رجل إلى ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، فقال: إني جاوزت الميقات من غير إحرام، فقال: "ارجع إلى الميقات ولب وإلا فلا حج لك، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يجاوز الميقات أحد إلا محرمًا"([12]).
2. ولأن وجوب الإحرام على من يريد الحج والعمرة عند دخول مكة لإظهار شرف تلك البقعة، وفي هذا المعنى من يريد النسك ومن لا يريد النسك سواء، فليس لأحد ممن يريد دخول مكة أن يجاوز الميقات إلا محرمًا.
ووجه قولهم أنه إن لبى سقط عنه الدم، وإن لم يلب لا يسقط: أن حق الميقات في مجاوزته إياه محرمًا، لا في إنشاء الإحرام منه، بدليل أنه لو أحرم من دويرة أهله([13])، وبعد ما عاد إليه محرما فقد جاوزه محرمًا، فلا يلزمه الدم ولأن الفائت بالمجاوزة هو التلبية([14])، فلا يقع تدارك الفائت إلا بالتلبية، بخلاف ما إذا أحرم من دويرة أهله، ثم جاوز الميقات من غير إنشاء الإحرام؛ لأنه إذا أحرم من دويرة أهله صار ذلك ميقاتًا له، وقد لبى منه فلا يلزمه تلبية، وإذا لم يحرم من دويرة أهله كان ميقاته المكان الذي تجب التلبية منه، وهو الميقات المعهود([15]).
المذهب المالكي:
وعند المالكية لا يجوز لأحد يريد دخول مكة أن يدخلها إلا محرمًا إلا لمن كان يكثر الترداد إليها كالحطَّابين، ومن يحمل الفاكهة، أو من يخرج عنها من أهلها لحاجة ثم يعود، ومن سوى هؤلاء فلا يدخلها إلا محرمًا إذا مر على بعض هذه المواقيت، ولا يجوز أن يتجاوزه فيحرم بعده لا إلى ميقات سواه ولا إلى غير ميقات، إلا أن يتعداه إلى ميقات له كشامي يمر بذي الحليفة فأخر الإحرام إلى الجحفة، فإن جاوز الميقات فله حالتان:
الأولى: أن يكون قاصدًا الحج أو العمرة.
والثانية: أن لا يقصد أحدهما.
أما الحالة الأولى وهى أن يقصد حجًا أو عمرة:
o فإن جاوز الميقات غير محرم فقد أساء ثم إن عاد فلا دم عليه، ويرجع أن أمكنه ما لم يحرم. وأما إن أحرم ثم عاد فالدم لا يسقط، ثم إن الدم إنما يسقط عنه إذا كان جاهلاً.
o وأما إن جاوزه عالمًا بقبح ما فعله فعليه الدم ولا يسقطه رجوعه.
وأما الحالة الثانية: وهى إذا لم يقصد أحد النسكين؛ كالنجار، فاختُلف في المذهب هل يجب عليهم الإحرام من الميقات، أو يستحب على قولين([16]).
المذهب الشافعي:
إذا جاوز موضعًا وجب الإحرام منه غير محرم أثم وعليه العود والإحرام منه إن لم يكن له عذر، فإن كان له عذر؛ كخوف الطريق، أو الانقطاع عن الرفقة، أو ضيق الوقت، أحرم ومضى وعليه دم إذا لم يعد؛ فإن عاد قبل الإحرام فإنه يُحرم منه والمذهب عند الشافعية أنه لا دم عليه سواء كان دخل مكة أم لا([17]).
قال الشافعي في الأم: "فقال قائل: لم جعلت على من جاوز الميقات محرمًا([18])؟ قلت له: ارجع حتى تكون مهلاً في الموضع الذي أُمرت أن تكون مهلا به على الابتداء. ... فإن قال قائل: فلم قلت إن لم يرجع إليه لخوف فوت، ولا غير عذر بذلك، ولا غيره، اهراق دمًا عليه؟ قلت له: لما جاوز ما وقَّت له رسول الله صلى الله عليه وسلم فترك أن يأتي بكمال ما عليه أمرناه أن يأتي بالبدل مما ترك"([19]). ويفهم من كلام الإمام الشافعي –رحمه الله- وجوب الدم على من جاوز الميقات سواء كان لعذر أو غير عذر.
المذهب الحنبلي:
وقد جاء عند الحنابلة قولهم: ولا يحل لحرٍ مسلمٍ مُكلفٍ أراد مكة، أو النسك، تجاوز الميقات بلا إحرام، إلا لقتال مباح، أو خوف، أو حاجة تتكرر؛ كحطَّاب ونحوه، فإن تجاوزه لغير ذلك لزمه أن يرجع ليحرم منه، وإن أحرم من موضعه فعليه دم([20]). قال في الإنصاف: "هذا المذهب سواء أراد نسكًا، أو مكة، وكذا لو أراد الحرم فقط"([21]).
قال ابن قدامة في المغني: "من يريد دخول الحرم إما إلى مكة أو غيرها فهم على ثلاثة أضرب:
1. من يدخلها لقتال مباح أو من خوف أو لحاجة متكررة كالحشاش والحطاب ومن كانت له ضيعة يتكرر دخوله وخروجه إليها فهؤلاء لا إحرام عليهم.
2. من لا يكلف الحج كالعبد والصبي والكافر إذا أسلم بعد مجاوزة الميقات أو أعتق العبد وبلغ الصبي وأرادوا الإحرام فإنهم يحرمون من موضعهم ولا دم عليهم.
3. المكلف الذي يدخل لغير قتال ولا حاجة متكررة فلا يجوز له تجاوز الميقات غير محرم (فإن تجاوزه) رجع فأحرم منه فإن أحرم من دونه فعليه دم"([22]).
الخلاصة والترجيح:
مما سبق يتضح لنا أن المذاهب الأربعة كلها لا تُجيز تجاوز الميقات إلا بإحرام، فالحنفية: يُوجبون الدم على من تجاوز الميقات، سواء كان قصده الحج، أو القتال، أو التجارة، لا يفرقون؛ سواء كان لعذر أو لغير عذر.
فإن رجع إلى الميقات فلبى سقط عنه الدم وإن لم يلب لا يسقط، وإن مضى في حجه ولم يرجع فعليه دم.
والمالكية، والشافعية، والحنابلة، يستثنون من كان عنده عذر؛ كالجاهل، وكخوف الطريق، أو الانقطاع عن الرفقة، أو ضيق الوقت، ومن يكثر ترداده؛ فهذا لا يوجبون عليه شيء. ومن تجاوز الميقات عند هؤلاء له حالتان:
1. إما أن يرجع فهذا لا شيء عليه.
2. وإما أن لا يرجع فعليه دم، ويمضي في حجه.
* * *
المسألة الثانية
لبس الرجال المخيط بعد الإحرام
ومن الوسائل التي يتخذها كثير من الناس لاختراق أنظمة تنظيم أعداد الحجاج تعمدهم لبس ملابسهم العادية -المخيطة- حال مرورهم نقطة المراقبة (التفتيش)، وكما هو متقرر عند أهل العلم أن الحاج عليه أن يتجنب عدة أشياء عند عقده نية الدخول في النسك، ويسمونها (محظورات الإحرام).
والمحظور هو: المُحَرم، وهو المعاقب على فعله، ويُقال: حظرت الشيء إذا حرَّمته، وهو راجع إلى المنع([23]). ومحظورات الإحرام كثيرة؛ من جملتها: تعمد لبس المخيط بالنسبة للرجل لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رجلاً قال: يا رسول الله ما يلبس المحرم من الثياب؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يلبس القمص ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرانس([24]) ..." الحديث([25]).
ونقل ابن المنذر الإجماع على عدم جواز لباس المخيط عند جميع أهل العلم، حيث قال: "ولا خلاف بين العلماء أن المخيط كله من الثياب لا يجوز لباسه للمحرم"([26]).
ولا بد من تحرير كلام أهل العلم، ومرادهم من قولهم: (لبس المخيط)، ولعل مرادهم كما قال الشيخ ابن عثيمين: "مرادهم لبس القميص والسراويل وما أشبهه، فلهذا يجب أن نفهم كلام العلماء على ما أرادوه، ثم هذه العبارة: (لبس المخيط) ليست مأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد قيل: إن أول من قال بها أحد فقهاء التابعين إبراهيم النخعي([27]) رحمه الله وأما النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقل للأمة لا تلبسوا المخيط"([28]).
قال الكاساني –رحمه الله-: "ولو لم يجد رداءً وله قميص، فلا بأس بأن يشق قميصه ويرتدي به؛ لأنه لما شقه صار بمنزلة الرداء. وكذا إذا لم يجد إزارًا وله سراويل، فلا بأس أن يَفْتِق سراويله ويأتزر به؛ لأنه لما فتقه صار بمنزلة الإزار"([29]).
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "والسنة أن يحرم في إزارٍ ورداءٍ سواء كانا مخيطين أو غير مخيطين، باتفاق الأئمة، ولو أحرم في غيرهما جاز إذا كان مما يجوز لبسه ... وكذلك يجوز أن يلبس كل ما كان من جنس الإزار والرداء ... ولا يلبس ما كان في معنى السراويل: كالتبان([30]) ونحوه"([31]). وقال –رحمه الله-: "أن فَتْق السراويل، يجعله بمنزلة الإزار، حتى يجوز لبسه، مع وجود الإزار بالإجماع"([32]).
وقال النووي في المجموع([33]): "وإنما يحرم عليه لبس المخيط، وما هو في معناه، مما هو على قدر عضو من البدن، فيحرم كل مخيط بالبدن، أو بعضو منه، سواء كان مخيطًا بخياطة، أو غيرها".
ولابن قدامة في المغني([34]): "ولو لبس إزارًا موصلاً، أو اتشح بثوب مخيط جاز".
ومن هذه النقول يتضح أن العلة ليست في كون الملابس مخيطة، وإنما العلة في كونها مصنوعة على قدر البدن، فجاز لبس الملابس ما لم تكن مفصلة على البدن، ولا يترتب عليها الفدية([35]). وغالب الناس اليوم يلبسون –فيما يلبسون- القمص، والسراويل، عند مرورهم نقطة المراقبة (التفتيش)، وهما واردتان في الحديث السابق.
وقد تكلم الفقهاء في لبس السراويل تحت مسألة من لم يجد الإزار يجوز له أن يلبس السّراويل إلى أن يجد ما يتّزر به، وللمحرم أن يلبس السراويل إذا لم يجد الإزار، لحديث: "من لم يجد الإزار فليلبس السراويل"([36])، واختلوا في إيجاب الفدية عليه إذا لبسه السراويل مع عدم وجود الإزار على قولين:
القول الأول:
وهو ما ذهب إليه الحنفية([37])، والمالكية([38]) أن من لبس السراويل سواء لانعدام وجود الإزار، أو لوجوده؛ فإن عليه فدية فعل محظور من محظورات الإحرام، وهي المنصوص عليها في قوله تعالى: (فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) ([39])، وقد قال ابن عثيمين عقب ذكره لهذه الآية: "وأوضح النبي صلى الله عليه وسلم أن الصيام مقداره ثلاثة أيام، وأن الصدقة مقدارُها ثلاثة آصع من الطعام لستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع، وأن النسك شاة، والمراد شاة تبلغ السن المعتبر في الهدي، وتكونُ، سليمة من العيوب المانعة من الإجزاء، ويُسمّي العلماء هذه الفدية فدية الأذى([40]).
ومما استدل به أصحاب هذا القول على أن من لبس السراويل عليه الفدية مطلقًا ما يلي:
1. حديث ابن عمر رضي الله عنهما السابق، وفيه أنه صلى الله عليه وسلم قال: " لا يلبس القمص ولا العمائم ولا السراويلات...الحديث([41]).
2. ولأن ما وجبت الفدية بلبسه مع وجود الإزار، وجبت مع عدمه([42])، بمعنى آخر: أن من فعل هذا المحظور وهو لابسًا للإزار تجب عليه الفدية، فإذا وجبت الفدية مع لبس الإزار فكذا مع عدم لبس الإزار.
وقد حدد السرخسي من الحنفية إيحاب الفدية على من لبس القمص أوالسراويل بأن يكون لابسًا لها اليوم كله فقال: "لو لبس قميصًا أو سراويل يومًا إلى الليل فعليه دم، وإن كان دون ذلك فعليه صدقة"([43]). وهذا القول أوجب دمًا الذي هو النسك كما في أية البقرة: ) فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ( ([44])، وهو ذبح شاة كما فسرها جمع من المفسرين([45])، وكما سبق ما نقلته عن الشيخ ابن عثيمين، وأوجب على من لبسه أقل من اليوم([46]) الصدقة، ولا أدري هل هي مطلق الصدقة أم ماذا يعني([47]) بها رحمه الله.
وجاء عند المالكية([48]): "يجتنب المحرم أيضًا في حجه وعمرته مخيط الثياب لا خلاف في تحريمه على الرجال دون النساء، ولا خصوصية للمخيط بل كل ما أوجب رفاهية مخيطًا كان أو غيره وكذلك جلد الحيوان يسلخ فيلبس، أو ما لُبِد على شكل المخيط أو نُسج كذلك ولو طرح مخيطًا على بدنه من غير لبسٍ فلا فدية".
وعليه فإن ثياب الإحرام والأُزُر التي يلبسها بعض الناس اليوم، وتكون مَخِيطَةً من الوسط بجمع طرفيها، أو فيها تِّكَّةٌ([49]) أو جيب لوضع حاجياته، وما أشبه ذلك لا تُعد من قبيل لبس المخيط، وهذا مما يعضد ما سبق ذكره من تحرير القول في مسمى المحيط([50]).
القول الثاني:
وذهب الشافعية([51])، والحنابلة([52]) إلى أن من لبس السراويل مع انعدام الإزار فلا تجب عليه الفدية، لهذا العذر.
قال الإمام الشافعي –رحمه الله-: وإذا اضطر المحرم إلى لبس شيء غير السروايل والخفين لبسه وافتدى والفدية: صيام ثلاثة أيام، أو نسك شاة، أو صدقة على ستة مساكين، مدين بمد النبي صلى الله عليه وسلم "([53]).
وأصحاب هذا القول القائلون أن من لبس السراويل مع انعدام الإزار لا تجب عليه الفدية يعضدون قولهم بما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب بعرفات يقول: "من لم يجد نعلين فليلبس الخفين، ومن لم يجد إزارا فليلبس سراويل للمحرم"([54]).
قال ابن قدامة في المغني: "وهو صريح في الإباحة، ظاهر في إسقاط الفدية؛ لأنه أمر بلبسه ولم يذكر فدية، ولأنه يختص لبسه بحالة عدم غيره فلم تجب به فدية، كالخفين المقطوعين، وحديث ابن عمر رضي الله عنهما مخصوص بحديث ابن عباس رضي الله عنهما"([55]).
الخلاصة :
o أوردت هذا الخلاف في هذه المسألة لما ذكرت أن غالب الناس اليوم يلبسون –فيما يلبسون- القمص، والسراويل، وإذا عُرف القول في لبسهما مع عدم وجود الإزار، وأنه عند الحنفية والمالكية عليه الفدية، ويجوز لبسها عند الشافعية، والحنابلة، وليس عليه فدية؛ عُلم –والله أعلم-أن لبسهما لمثل هذا الحالات يستوجب الفدية. وأما حجه من حيث الصحة فهو حج صحيح.
o مرَّ معنا في هذه المسألة أن النهي الوارد عن لبس السراويل بسبب كونه مصنوعاً على قدر البدن، وعليه لو لبس المُحْرم ملابسه العادية (فانيلة مثلاً، أو سروالاً) ليس مخيطاً، وإنما أُبدل الخيط بمادة لاصقة تقوم مقام الخيط، فلا نقول عنه أنه لبس مخيطًا، فهذا مخرج فقهي شرعي إذا فعله الإنسان فلا شيء عليه –إن شاء الله-.
* * * * * *
إحرام وميقات أهل المشرق
توطئة:
الحادثة التي "تعم بها البلوى" قد تعرض لجميع المكلَّفين، وقد تعرض للمكلَّف الواحد، وأن هذا راجع إلى الحادثة نفسها فقد يقوم بها الإنسان بمفرده، فتكون في حقه "تعم بها البلوى" عند فعله لها، وقد يشترك بفعل هذه الحادثة جميع المكلَّفين أو أكثرية منهم في حال واحدة، فتكون في حقهم جميعاً، وقد ذكرت فيما سبق نماذج على وقوع الحادثة لجميع المكلفين، وأُخرى للمكلف الواحد، ولعلي في هذا المبحث أتطرق لحادثة تعم بها البلوى لمجموعة من المكلفين هم أهل المغرب العربي من السودان إلى موريتانيا، ولعلي أركز القول في أهل السودان كتطبيق معاصر لهذه المسألة.
وقد ظهر في الآونة الأخيرة خلاف بين بعض أهل العلم المعاصرين في مكان إحرام أهل المغرب كأهل السودان ومن جاء على طريقهم، لأداء مناسك الحج عن طريق البحر المارين بمدينة جدة، وهل تعتبر مدينة جِدة ميقاتًا مكانيًا لأداء مناسك الحج والعمرة أم لا؟ ولما كانت هذه المسألة من مهمات المسائل المعاصرة، ولمسيس الحاجة إليها، رغبت أن أقف على أطرا ف المسألة ووسطها علّنا نصل في نهاية المطاف إلى التوصل إلى قول سديد فيها –إن شاء الله-فأقول مستعيناً بالله متوكلاً عليه([56]):
المواقيت تنقسم إلى قسمين؛ مواقيت زمانية، ومواقيت مكانية، وذكرت هناك أن الرسول صلى الله عليه وسلم جعل هذه المواقيت على طرق الناس المسلوكة إلى مكة، والمعروفة حينئذٍ، فجعل على طريق أهل المدينة (ذا الحليفة)، وهي تبعد عن مكة (430) كيلاً، وجعل على طريق الساحل الشمالي (الجحفة)، وتبعد عن مكة (186) كيلاً، وعيّن لأهل اليمن والجنوب عمومًا (يلملم)، ويبعد عن مكة (90) كيلاً، وحدّ لأهل نجد (قرن المنازل)، وتبعد عن مكة (80)، كيلاً، ووقّت (ذات عرق)، لأهل العراق، ثم وقتها عمر رضي الله عنه وهو لا يعلم بتوقيت الرسول صلى الله عليه وسلم وتبعد عن مكة (80) كيلاً، وذكرت حديث ابن عباس رضي الله عنهما دليلاً على ذلك([57])، وهذه المواقيت إنما هي نقاط لإعلام القاصدين ببدء النسك ووجوب الإحرام، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وإنما فائدة هذه المواقيت: وجوب الإحرام من هذه المواقيت"([58])، لذا فإنه ليس لهذه المواقيت قدسية خاصة لذاتها، وإنما الغرض منها الإعلام والتنبيه فقط.
ومما أعيد ذكره هنا أن العلماء أجازوا المرور من أي ميقات شاء القاصد، وإن لم يكن ميقات بلده لحديث ابن عباس رضي الله عنهما السابق وفيه: "ولمن أتى عليهن من غير أهلهن"([59]). كذلك أجازوا –أي العلماء- بالإجماع الإحرام مما يُحاذي هذه المواقيت، ولم يوجبوا المرور منها؛ كما قال ابن قدامة: "ومن لم يكن طريقه على ميقات فميقاته حذو أقربها إليه"([60]). وقال صاحب أضواء البيان: "اعلم أن من سلك إلى الحرم طريقًا لا ميقات فيها فميقاته المحل المحاذي لأقرب المواقيت إليه...وهذا لا خلاف فيه بين أهل العلم"([61]).
ثم إن من العلماء المعاصرين من قسَّم المواقيت المكانية السالفة الذكر إلى قسمين كذلك:
1. ميقات أصلي: وهو الذي عيّنه الرسول صلى الله عليه وسلم .
2. ميقات إضافي: وهو الذي يحاذي الميقات الأصلي، ويقع بينهما.
ولكون هذه المسألة استجد فيها من الأمور المعاصرة الشيء الكثير الأمر الذي جعل أقوال كثير من العلماء المعاصرين تعددت بين مؤيد، أو معارض، أو مفصل بين ذا وذاك، فإني سأكتفي بذكر خلاف أهل العلم المعاصرين في هذه المسألة.
وأقوال العلماء المعاصرين التي وقفت عليها في مسألة هل تعتبر جدة ميقاتًا؛ قسمتها إلى أربعة أقوال:
القول الأول:
إن جدة ميقاتًا للقادمين بالطائرة جوّاً وبالسفينة بحراً فقط([62])، ومما استدلوا به ما يلي:
1) أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُعين مواقيت في الجو لأن الطائرات لم تكن موجودة في عهد النبوة ولا متصورة، فلا يَصدق على أهل الطائرات أنهم أتوا الميقات المحدد لهم لا لغة ولا عُرفًا، لكون الإتيان هو الوصل للشيّ في محله([63]).
2) ولأن المحاذاة لا يمكن أن تتصور في الجو ولا تنضبط، وكذا في البحر([64]).
3) ولأنّ في إلزامهم بالإحرام في الجو مشقةً عليهم والمشقة تجلب التيسير([65]).
4) ولأن الحكمة في وضع المواقيت في أماكنها الحالية كونها بطرق الناس وعلى مداخل مكة، وكلها تقع بأطراف الحجاز، وقد صارت جدة طريقًا لجميع ركاب الطائرات والسفن ويحتاجون بداعي الضرورة إلى ميقات أرض يحرمون منه لحجهم وعمرتهم، فوجبت إجابتهم كما وقَّت عمر رضي الله عنه لأهل العراق ذات عرق، إذ لا يمكن جعل الميقات في أجواء السماء أو في لجة البحر الذي لا يتمكن الناس فيه من فعل ما ينبغي لهم فعله من خلع الثياب والاغتسال للإحرام والصلاة وسائر ما يُسن للإحرام، إذ هو ما تقتضيه الضرورة وتوجبه المصلحة ويوافقه المعقول ولا يخالف نصوص الرسول صلى الله عليه وسلم ([66]).
القول الثاني:
إنّ جدة ليست ميقاتاً إلا للقادم من غربها مباشرة وهم أهل السواكن في جنوب مصر وشمال السودان([67]). واستدلوا بما يلي:
1) ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما قال: وقَّت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل الشام الجُحفة ولأهل نجد قرن المنازل ولأهل اليمن يلملم، هن لهنّ، ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن كان يريد الحج والعمرة، ومن كان دون ذلك فمهله من أهله"([68]).
وجه الدلالة: أن الحديث دل على وجوب إحرام من مرّ على هذه المواقيت وليس من أهلها، ولا يجوز له تأخير الإحرام إلى جدة أو غيرها مما يلي الميقات الذي مرَّ عليه، ولما كانت المواقيت محيطة بالحرم عدا جهة الغرب لمدينة جدة، فلذا لا يجوز تجاوز الميقات للإحرام من جدة إلا للقادم من غربها وهي جهة جنوب مصر وشمال السودان.
2) ما رواه ابن عمر رضي الله عنهما قال: "لما فتح هذان المصران أي الكوفة والبصرة أتوا عمر رضي الله عنه ، فقالوا: يا أمير المؤمنين إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدّ لأهل نجد قرنًا، وهو جور عن طريقنا، وإنا إن أردنا قرنًا شق علينا فقال: (انظروا حذوها من طريقكم)، فحدَّ لهم ذات عرق"([69]).
وجه الدلالة: إن الإحرام يكون في الميقات أو حذوه، وجدة ليست محاذية لأحد المواقيت فمسافتها إلى مكة أقرب كما تقدم، فلا تكون ميقاتاً إلا للقادم من غربها مباشرة لعدم وجود محاذى به قبل جدة.
3) أن جدة كانت موجودة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يتخذها ميقاتاً ولو كانت من المواقيت لنص عليه النبي صلى الله عليه وسلم لاسيما مع قرب موقعها ووضوحه وأهميته([70]).
القول الثالث:
إنّ جدة ليست ميقاتًا مطلقاً([71]). واستدل أصحاب هذا القول بأدلة القول الثالث نفسها إلا أنهم لم يستثنوا جهة غرب جدة.
القول الرابع:
إن مدينة جدة ميقاتًا مكانيًا مطلقاً فيجوز للقادم من جميع الجهات أن يُحرم من جدة سواء كان قدومه براً أو بحراً أو جوّاً([72])، وهو القول الذي أميل إليه لما سأذكره من أدلة شرعية وبراهين عقلية، وإثباتات علمية هي كما يلي:
بعد التأمل لكلام أهل العلم المعاصرين وسبر أقوالهم في هذه المسألة تبين لي أن أساس اختلافهم في اعتبار جدة ميقاتًا لأهل المغرب هو اختلافهم في تفسير المحاذاة وتطبيق معناها على مدينة جدة. فمن قال بأنّ مدينة جدة محاذية لميقات (الجحفة) أو (يلملم) فإنه يعتبر مدينة جدة ميقاتًا، ومن قال بأن جدة ليست مُحاذيةً لهذين الميقاتين فإنه لا يعتبرها ميقاتًا، ومن قال إن معنى المحاذاة هي كونه الموضع المحاذي واقعًا بين ميقاتين على خط واحد قال إن مدينة جدة ميقات، ومن لم يفسرها بذلك لم يعتبر جدة ميقاتاً.
لذا كان لِزامًا عليّ أن أقف وقفات يسيرة حول معنى المحاذاة لغة واصطلاحاً:
فالمحاذاة لغة: من حاذاه أي آزاه والحذاء الإزاء([73])، ويُقال: جاء الرجلان حذيتين، أي: كل واحد منهما إلى جنب صاحبه([74])، وحذوته أحذوه حذواً وحاذيته محاذاة هي الموازاة، وحذوت النعل بالنعل قدرّتها بها وقطعتها على مثالها وقدرها([75])، ومن هذا يمكن أن يُقال أن معنى المحاذاة لغة: الإزاء والمماثلة والمساواة.
وأما المحاذاة في الاصطلاح: هي أن تكون مسافة المحاذي والمحاذي به من الحرم سواء ، وأن يكون بُعد المحاذي والمحاذي في البيت واحداً([76])، قال ابن حجر في قول عمر رضي الله عنه : "انظروا حذوها"([77])؛ أي: "اعتبروا ما يقابل الميقات من الأرض التي تسلكونها"([78]).
وللمحاذاة حالات ثلات من حيث الواقع([79])، فالمكان يُطلق عليه أنه يُحاذي مكانًا آخر، إذا تحقق فيه إحدى الحالات الثلاث التالية:
1. أن يكون الموضع واقعًا بين مكانين، وعلى خطٍ واحد،
. أن تكون البقعة مجاورة للمكان، أو ملاصقة له، حتى يُقال أن هذه البقعة تحاذي ذلك المكان.
3. أن تكون مسافة الموضع عن مكة تساوي مسافة أقرب المواقيت إليه، ولا يُؤثر بُعده أو قربه من الميقات، وإنما المهم أن تكون مسافة المحاذي والمحاذى به عن مكة متساوية، كما فسره ابن حجر فيما نقلنا عنه أعلاه.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وذلك لأن الإحرام مما يحاذى الميقات بمنزلة الإحرام من نفس الميقات فإنه إذا كان بعدهما عن البيت واحدًا لم يكن في نفس الميقات مقصود"([80]).
الدليل على المحاذاة:
دليل اعتبار المحاذاة في تحديد المواقيت هو الإجماع، كما ذكرنا في نقله سابقًا، ومستندهم في ذلك حديث ابن عمر السابق.
وأهم أمر ينبغي التنبيه إليه والذي يظهر مما سبق أن مسافة (المحاذاة) مُناطة ببعد البقعة عن مكة وليس ببعدها عن الميقات المجاور؛ وإذا فُهم هذا جيدًا عُلم أن (المحاذاة) إنما تعني: اختراق محيط المواقيت ..
أي: المرور بين ميقاتين، وما عدا ذلك فليس من المحاذاة في شيء، وعلى هذا فإن القاصد لو دار حول محيط المواقيت ألف مرة دون أن يخترقه لما وجب عليه الإحرام لأنه ما يزال خارج حدود المواقيت.
ويمكن أن نخلُص إلى القاعدة التالية:
[كل البقع التي بين ميقاتين هي: بقع محاذية، وبالتالي هي: "مواقيت إضافية"].
كيفية تحديد محيط المواقيت:
وأما كيفية تحديد محيط المواقيت فإنه يتم برسم خط بين المواقيت فيتكون بذلك حول الكعبة محيطًا سداسي الشكل، تكون كل النقط التي تقع عليه تحقق معنى المحاذاة، وهي "مواقيت إضافية"، يمكن للقاصد أن يُحرم من أيها شاء،
الأدلة الدالة على إثبات أن جدة ميقات:
1) ما رواه ابن عمر رضي الله عنهما قال: "لما فُتح هذا المصران -أي الكوفة والبصرة - أتوا عمر رضي الله عنه ؛ فقالوا: يا أمير المؤمنين إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدّ لأهل نجد قرناً وهو جور عن طريقنا وإنّا إن أردنا قرنًا شق علينا، فقال: "انظروا حذوها"([81])، من طريقكم فحدّ لهم ذات عرق"([82]).
وجه الدلالة منه: أن القاعدة في تحديد المواقيت غير المنصوص عليها هي المحاذاة وحدّها أن تكون مسافة المحاذي والمحاذي به عن مكة متساوية، أو يكون الموضع المحاذي واقعاً بين ميقاتين على خط واحد. فتبين بذلك أن مدينة جدة ميقات مكاني؛ لأنها محاذية لميقاتي (الجحفة) و (يلملم) حيث تقع بينهما، وهي جميعًا على خط واحد، كما أن مسافة جدة عن مكة مقاربة لمسافة يلملم عن مكة فيتحقق بذلك معنى المحاذاة في جدة.
2) أن أهل العلم قد اتفقوا على أن من قدم من مكان لا ميقات له يحرم من مسافة أقرب المواقيت إليه إذا كان حذوه، ولما كان القادمون إلى جدة من المغرب ليس لهم ميقات معين يحرمون منه وكان أقرب ميقات إلى جدة هو يلملم وكانت مسافته عن مكة تساوي مسافة جدة عن مكة، فهما متساويتا المسافة عن مكة، فجدة إذن ميقات مكاني إضافي على المواقيت المنصوصه([83]).
3) أنه لا محاذاة في البحر البتّة وذلك:
أ- لأنه يتعذر تعيين المواقيت فيها .
ب- ولأنه لم يقم على هذا دليل في الكتاب والسنة أو الإجماع .
ج- ولأنه لا تتحقق في البحر المحاذاة على المعنى الصحيح، فيتبين بذلك أنّ للقادم من البحر تأخير الإحرام إلى جدة([84]).
4) أنّ مدينة جدة لا تخلو:
أ- إما أن تكون داخل المواقيت والمواقيت خلفها.
ب- أو خارج حدود المواقيت.
ج- أو على المحيط نفسه.
أما الحالة الأولى: فيعني هذا الزيادة على مسافة المحاذاة وهذا مردود شرعًا وواقعًا.
وأما الحالة الثانية: فلا يقول بها أحد.
وأما الحالة الثالثة: فهي المتعينة فتكون جدة ميقاتًا([85]).
المناقشات والردود:
أولاً: بعض ما ورد من مناقشات على ما استدل به أصحاب القول الأول:
o أما دليلهم الأول أُجيب عنه: بأن الشريعة صالحة لكل زمان ومكان، وأن الهواء تابع للقرار كما قرر أهل العلم، ولذا فلو صلى في الطائرة أو وقف بعرفه في الجو صحت صلاته وحجه، ولم يوقت الرسول صلى الله عليه وسلم هذه المواقيت في هذه الأماكن إلا ليُتخذ من النصوص قدوة وأسوة لحرمة البيت العتيق سواء كان طريق الحاج برًا أو جوًا، ثم إن الإتيان متحقق في المرور به مع عقد نية الدخول في النسك، ويصدق على راكب الطائرة أنه مرّ بالميقات إذ لا يشترط في المرور المماسّة([86]).
o وأما دليهم الثاني فقد أُجيب عنه بعدم التسليم بل المحاذاة متصورة في الجو والبحر؛ لأن المحاذاة تقريبية، كما يمكن الاحتياط لذلك حتى لا يتجاوز الناسك الميقات دون أن يحرم.
o وأجيب عن دليلهم الثالث كذلك: بعدم التسليم بوجود المشقة بل يمكن الإحرام في الجو بوقت يسير، كما أنه يمكن تقديم الإحرام قبل ركوب الطائرة وعقد النية عند المرور بالميقات، وكذا الحال بالنسبة لركاب السفينة بل هي أيسر من الطائرة من جهة السعة وبطء الحركة بحيث يتمكن المحرم من لبس إحرامه بسهولة.
o وأما الدليل الرابع أجيب عنه: بأن وضع المواقيت في طريق الناس لا يلزم منه أنه كلما استحدث الناس طريقاً وضع لهم ميقات بدون نظر إلى المواقيت المنصوصة ولا محاذاة لها، إذ لو كان كذلك لما صار لتلك المواقيت شرعية، ولم يكن لوضعها كبير أثر، ثم إن تفاوت مسافاتها يدل على مقصد تعبدي تجب مراعاته وربط المواقيت الأخرى بها،كما يدل عليه أيضا حديث عمر رضي الله عنه المتقدم في توقيت ذات عرق حيث قال "انظروا حذوها"([87])، أي حذو قرن المنازل. و أما كون الميقات في جو السماء أو لجُة البحر فلا إشكال فيه، إذ الشريعة جاءت لكل الأزمان، والله لا يخفى عليه صنع تلك الطائرات والسفن فهو القائل: (وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) ([88])، وأما خلع الثياب والاغتسال للإحرام والصلاة وسائر سنن الإحرام فإنها تُقدم قبل ركوب الطائرة؛ لأنه إذا تعارض عندنا الإحرام قبل الميقات أو بعده فيقدم الإحرام قبل الميقات، ولا ريب؛ لأنه جائز بدون تعارض مع الإحرام بعد الميقات فكيف إذا تعارض([89]).
ثانيًا: بعض ما ورد من مناقشات على ما بعض استدل به أصحاب القول الثاني:
أجيب عن دليلهم الثالث: بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجعلها ميقاتًا لكون جهتها غير مأهولة بالسكان ولم يكن حينذاك مسلمون في جنوب مصر وشمال السودان وجهتهما في أفريقيا.
ثالثًا: ما ورد من مناقشات على القول الثالث:
o ويجاب عليهم: بأنهّ يشكل على قولهم القادم من غرب جدة، فإنّه لا يمر بميقات ولا يحاذي ميقاتاً، وأول منزل له هو مدينة جدة، ولا ينضبط إحرامه قبلها في البحر، ومسافتها مقاربة لمسافة أقرب المواقيت وهو قرب المنازل وقد نص الفقهاء أن من كانت هذه حاله فإنه يحرم من مسافة مرحلتين([90]) عن مكة؛ لأنها مسافة أدنى المواقيت إلى مكة، قال في شرح منتهى الإرادات([91]): (وإذا لم يحاذ ميقاتا) كالذي يجيء من سواكن إلى جدة من غير أن يمر برابغ ولا يلملم لأنهما حينئذ أمامه, فيصل جدة قبل محاذاتهما ( أحرم عن مكة بقدر مرحلتين ) فيحرم في المثال من جدة لأنها على مرحلتين من مكة لأنه أقل المواقيت.
رابعًا: بعض ما ورد من مناقشات على ما استدل به أصحاب القول الرابع:
o أما الدليل الأول فأجيب عنه بأن ما ذكرتموه من أنّ القاعدة في تحديد المواقيت غير المنصوص عليها هي المحاذاة صحيح لكنّ حَد المحاذاة الذي ذكرتموه لا يسلم بإطلاق، فتفسيركم المحاذاة بالمعنى الثاني وهو كون الموضع المحاذي واقعًا بين ميقاتين على خط واحد، فهذا غير مسلم لغة وشرعاً، وذلك أن كلمة "حذا" في اللغة لا تدل على تسمية المكان الواقع بين مكانين محاذياً. ولو صح هذا المعنى لغة، فإنه لا يصح شرعًا لأنه سيؤدي إلى أنّ أي مكان واقع بين مكة والمدينة يسمى محاذيًا للمواقيت، فيجوز الإحرام منه؛ لأنه يصدق على مكة اسم مكان كما يصدق هذا الاسم على المواقيت أيضا.
o وأما الدليل الثاني فأجيب عنه: بأنه لا يسلم حكاية الاتفاق على أن من قدم من مكان لاميقات له أنه يحرم من مسافة أقرب المواقيت إليه إذا كان حذوه، بل لقد نقل ابن حزم الخلاف في ذلك على رأيين، حيث قال:" وأما سائر الروايات التي ذكرنا عن الصحابة والتابعين فليس في شيئ منها أنهم مروا على الميقات، وإذ ليس فيها فكذلك نقول : إن من لم يمر على الميقات فليحرم من حيث شاء"([92]). وعليه فإنه لا يحتج على المخالف بمحل النزاع.
o وأجيب عن الدليل الثالث بعدم التسليم بأنه لا محاذاة في البحر فهذا مخالف لما ذهب إليه أهل العلم من وجوب الإحرام على من كان البحر طريقه إلى مكة إذا حاذى الجحفة أو يلملم. بل المحاذاة حاصلة لمن كان البحر طريقه ولا تتعذر المحاذاة في البحر كما أننا نقول بأنه لا ميقات في البحر، ولكن يمكن محاذاة ميقات الجحفة ويلملم، وهما قريبان من البحر وليست محاذاتهما متعذرة للقادم من الشمال أو الجنوب .
o وأما الدليل الرابع فقد أجيب عنه: بأن هذا التقسيم قائم على تفسير أصحاب هذا القول للمحاذاة، وإثباتهم أن جدة محاذية لميقاتي (الجحفة) و (يلملم)، وهذا قد تقدم الجواب عنه، وإنما نقول إن مدينة جدة داخل المواقيت وليست محاذية لأحدها لكونها أقرب إلى مكة من ميقاتي (الجحفة) و (يلملم)، ولذا فالواجب على القادم من الشام ومصر برًا وبحرًا وجوًا الإحرام من الجحفة أو ما كان حذوها، وكذا القادم من اليمن سواء كان ذلك برًا أو بحرًا أو جوًا فإنه يحرم من يلملم.
قرار مجمع الفقه السوداني بشأن الميقات المكاني لأهل السودان([93]):
يرى المجمع جواز الإحرام من جدة للحاج أو المعتمر القادم من السودان([94])؛ وكما هو متقرر من القواعد الفقهية عند أهل العلم أن حكم الحاكم يرفع ويزيل ويطرح الخلاف بالأخذ به، فإذا ما دار الخلاف في هذه المسألة بين من يرى أن جدة ميقات مكاني، وبين من يرى غير ذلك في بلد كالسودان مثلاً؛ وقد أصدر المجمع الفقهي الذي أنابه الحاكم، وأوكل إليه البتَّ في الأحكام الفقهية، والذي بدوره قضى بكون جدة ميقات مكاني لأهل السودان فلا عبرة حينئذٍ ولا وجه ولا أخذ بقول المخالف.
الخلاصة والترجيح:
يتبين مما تقدم مايلي:
§ إن مدار الخلاف في المسألة –كما قدمنا بداية- يقوم على تفسير المحاذاة الواردة، وقد تبين لنا أن المحاذاة هي كل البقع التي بين ميقاتين هي: بقع محاذية، وبالتالي هي: "مواقيت إضافية".
§ إن الخلاف في المسألة قوي، و إن كانت المناقشات والردود على أدلة القول الرابع قوية كذلك إلا أن الذي يظهر رجحانه لقوة أدلته السابقة، ولما ثبت علميًا من أن جدة يمرُّ دونها من جهة مكة خط المحاذاة بين الجحفة ويلملم، وهذا الذي تتبعته حين استعمالي برنامج قوقل إيرث (Google Earth)، وهو البرناج الذي يُعنى بإظهار المواقع على سطح الأرض كما هي في الحقيقة، فقد بدأت من نقطة ميقات يلملم مارًا إلى مكة وجدة ثم ميقات الجحفة، سائرًا في ذلك على الخط الذي تمشي به العربات موازيا في سيري خط الطول والعرض، ثم حاذيت بين الميقاتين، وتبين لي أن جدة يمرُّ دونها من جهة مكة خط المحاذاة بين الجحفة ويلملم، وأن جدة تبعد نفس المسافة التي يبعد عنها ميقاتي يلملم والجحفة عن مكة،
وتنزيل هذا الأمر على الواقع الجغرافي جعلي أطمئن كثيرًا بالقول بأنه يجوز لمن يمر بجدة أن يحرم منها، حتى وإن لم يكن من أهل المغرب كالذي ينزل جدة ليقضي حاجة له ثم بدا له أن يعتمر فله أن يُحرم من جدة، وليس من رأى كمن سمع.
§ من حديث ابن عمر رضي الله عنه السابق الذي سأل فيه أهل العراق الفاروق رضي الله عنه أن يجعل لهم ميقاتًا لكون قرن جور على طريقهم، وإنهم يشق عليهم، فقال لهم: "انظروا حذوها"، فلو جاءنا أهل السودان اليوم وقالوا لنا: إنه شق علينا الذهاب إلى يلملم أو إلى الجحفة لسبب أو لآخر، لا شك أننا سنحذوا حذو الفاروق رضي الله عنه وسنقول لهم: انظروا حذوها وبلدًا على طريقكم تكون مسافته من مكة تساوي مسافة ميقات يلملم أو الجحفة من مكة، وبحثنا في طريقهم ونظرنا في أرض الواقع الجغرافي فوجدنا أن جدة ينطبق عليها ذلكم الوصف، فتعين اعتبار جدة ميقاتًا إضافيًا.
§ ثم إنه لما فُتح طريق الطائف مكة، من جهة الشرق، عيُن فيه ميقاتًا، وكذا لما فُتح طريق الباحة مكة؛ عُين فيه ميقاتًا، وكليهما ميقاتين إضافيين، ولم يعترض على ذلك أحد من أهل العلم، فينبغي القول كذلك لو فتح طريقًا من جهة الغرب، تعين القول بأن يكون ميقاتًا إضافيًا([95]). فلماذا هذا النوع من عدم الموازنة بين الأمور؟!
§ في نهاية هذا المطاف أكرر أن المحاذاة التي دار عليها الخلاف يقصد بها أحد أمرين:
1. أن تكون مسافة البقعة عن مكة تساوي مسافة أقرب ميقات إلى هذه البقعة عن مكة، وهذا متحقق في جدة، فإن أقرب المواقيت إليها كما في الخريطة الجغرافية السابقة هو ميقات "يلملم"، وجدة تبعد نفس المسافة التي يبعدها "يلملم" عن مكة.
2. أن يكون الموضع واقعًا بين ميقاتين وهذا أيضًا متحقق في جدة؛ فإنها واقعة بين ميقاتي "يلملم" جنوبًا، و "الجحفة" شمالاً.
ويكفي تحقق هذين الأمرين لاعتبار أن جدة ميقاتًا إضافيًا.
* * *
---------------------------------------------------
([1]) انظر: مقاييس اللغة، مادة (حرُم) (2/45)، ولسان العرب مادة (حرُم ) (12/119)، المصباح المنير، مادة (حُرم)، (1/131).
([2]) حاشية ابن عابدين (2/479)، شرح فتح القدير (2/429).
([3]) حاشية الدسوقي (2/3)، منح الجليل (2/230).
([4]) إعانة الطالبين (2/292)، فتح الوهاب (1/258).
([5]) الروض المربع (1/467)، كشاف القناع (2/406).
([6]) المصدر الميمي: هو ما بديء بميم زائدة، كالمضرب، والمقتل، فأصلهما: ضرب، قتل، فأدخلت الميم عليهما، ومثله ميقات، أصله وقت، يوقت، وقتًا، فأُدخلت الميم على هذا المصدر، والذي أصله موقات، فقيل ميقاتًا، فقلبت الواو ياء، مناسبة لكسر ميم المصدر، وسمي: مصدرا ميميًا. انظر: لسان العرب، مادة (وقْت)، (2/107)، وشرح شذور الذهب في معرفة كلام العرب، لعبدالله بن يوسف بن عبدالله بن هشام، تحقيق : عبدالغني الدقر، الناشر: الشركة المتحدة للتوزيع، دمشق، الطبعة الأولى ، 1984 م، (1/526).
([7]) الآية رقم (103)، من سورة النساء.
([8]) لسان العرب، مادة (وَقَتَ)، (2/107)، القاموس المحيط، مادة (وَقَتَ)، (1/208)، المصباح المنير، مادة (وَقَتَ)، (2/667).
([9]) انظر: أنيس الفقهاء (1/68)، المطلع (1/164).
([10]) أخرجه البخاري في كتاب الحج، باب مهل أهل مكة للحج والعمرة (2/554)، رقم (1452)، ومسلم في كتاب الحج، باب مواقيت الحج والعمرة (2/838)، رقم (11).
([11]) أخرجه البخاري في كتاب الحج، باب ذات عرق لأهل العراق (2/566)، رقم (1458)، ومسلم في كتاب الحج، باب مواقيت الحج والعمرة (2/840)، رقم (18).
([12]) بهذا للفظ لم أجد تخريجه، وإنما أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه، في كتاب الحج، باب من قال لا يجاوز أحد الوقت إلا محرم (3/411)، رقم (15464)، بلفظ: "لا يجاوز أحد ذات عرق حتى يحرم"، وأخرجه كذلك ابن أبي شيبه (3/411)، رقم (15463) بلفظ"لا يجاوز أحد الوقت إلا المحرم"، من حديث سعيد بن جبير. وانظر: نصب الراية (1/473).
([13]) فالحنفية يجيزون للحاج الإحرام من بيته، متمسكين بما أخرجه الحاكم في المستدرك عن علي رضي الله عنه ، عند قول الله عز وجل: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ)[البقرة آية 196]، أنه قال: "إتمامهما أن تحرم من دويرة أهلك". والحديث حكم عليه الألباني بنكارته، ، انظر: السلسلة الضعيفة (1/376)، رقم (210)، وانظر الكلام في الإحرام من بيته (دويرة أهله) في المغني (3/221).
([14]) أي: أن العبرة عندهم بالتلبية، وهي النية في الحج، فلو نوى الحج من بيته وتجاوز الميقات ليس عليه شيء، بينما لو تجاوزه وهو لابسا لملابس الإحرام ولم يلبي فإن عليه دم، فمدار الأمر على النية.
([15]) انظر: المبسوط (4/167-169)، بدائع الصنائع (2/164-165)، فتح القدير (2/426).
([16]) انظر: التاج والإكليل (3/43)، التلقين في الفقه المالكي (1/207-208).
([17]) روضة الطالبين (3/41)، فتح الوهاب (1/264)، المجموع (7/148).
([18]) أي: لم جعلت عليه إهراق دم؟
([19]) الأم (2/144).
([20]) الروض المربع (1/465)، شرح منتهى الإرادات (1/526)
([21]) الإنصاف للمرداوي (3/427).
([22]) انظر المغني (3/221)، بتصرف.
([23]) انظر: لسان العرب، مادة (حظر)، (4/202)، أنيس الفقهاء (1/281).
([24]) البُرْنُس كل ثوب رأْسه منه مُلْتَزِقٌ به دُرَّاعَةً كان أو غيرها مما على شاكلتها،كالذي يلبسه المغاربة وغيرهم. انظر لسان العرب، مادة (برنس) (6/26).
([25]) أخرجه البخاري في كتاب الحج، باب ما لا يلبس المحرم من الثياب (2/559)، رقم (1468)، ومسلم في كتاب الحج، باب ما يباح للمحرم بحج أو عمرة، وما لا يباح، وبيان تحريم الطيب عليه (2/833)، رقم (1177).
([26]) انظر: التمهيد (2/254)، والاستذكار (4/14).
([27]) إبراهيم بن يزيد بن قيس بن الأسود النخعي الكوفي، الفقيه، ثقة إلا أنه يرسل كثيرًا، من الطبقة الخامسة، مات سنة ست وتسعين، وهو بن خمسين أونحوها. انظر ترجمته في تهذيب التهذيب (1/55).
([28]) مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين (22/140).
([29]) بدائع الصنائع (2/184).
([30]) التُّبَّان بالضم والتشديد سَراويلُ صغيرٌ، مقدارُ شبْر، يستر العورة المغلَّظة فقط يكون للملاَّحين، (كالملبوسات الداخلية). انظر: لسان العرب، مادة (تبن)، (13/71).
([31]) مجموع الفتاوى (26/109).
([32]) شرح العمدة (3/34).
([33]) (7/229).
([34]) (3/231).
([35]) وبهذا يتضح جواز أن يلبس المحرم النظارة والساعة والحزام الذي يشد به إزاره ويحفظ فيه نفقته.
([36]) أخرجه البخاري، في كتاب الحج، باب لبس الخفين للمحرم إذا لم يجد النعلين (2/654)، رقم (1744)، ومسلم في كتاب الحج، باب ما يباح للمحرم بحج أو عمرة وما لا يباح وبيان تحريم الطيب عليه (2/835)، رقم (4).
([37]) المبسوط (4/126)،
([38]) بداية المجتهد (1/239)، التاج والإكليل (3م141).
([39]) الآية رقم (196)، من سورة البقرة.
([40]) الشرح الممتع (7/76)
([41]) أخرجه البخاري في كتاب الحج، باب ما لا يلبس المحرم من الثياب (2/559)، رقم (1468)، ومسلم في كتاب الحج، باب ما يباح للمحرم بحج أو عمرة، وما لا يباح، وبيان تحريم الطيب عليه (2/833)، رقم (1177).
([42]) المغني (3/231).
([43]) المبسوط (4/126).
([44]) الآية رقم (196)، من سورة البقرة.
([45])كابن كثير في تفسيره (1/312)، وغيره.
([46]) وما يحتاجه هذا المار نقطة المراقبة أقل من ساعة.
([47]) أي صاحب المبسوط السرخسي.
([48])حاشية العدوي على شرح كفاية الطالب الرباني (1/694).
([49]) وهي رِبَاطُ السَّرَاويل. انظر لسان العرب، مادة (تكك) (10/406).
([50]) من أن المراد منه كل ما فُصل على البدن، وليس كل ما احتوى مخيطًا، انظر: ص (311-312).
([51]) الأم (2/203)، المهذب (1/208)، فتح الوهاب (1/262).
([52]) المغني (3/275)، الفروع (3/273)، الروض المربع (1/476).
([53]) الأم (2/203).
([54])أخرجه البخاري في كتاب الحج، باب ما لا يلبس المحرم من الثياب (2/559)، رقم (1468)، ومسلم في كتاب الحج، باب ما يباح للمحرم بحج أ