حكم تعليق تمائم القرآن والذكر الدعاء دراسة فقهية مقارنة
عبد الفتاح بن صالح قُديش اليافعي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه وبعد:
فهذا بحث موجز في حكم تعليق تمائم القرآن والذكر الدعاء , وقد ذهب جمهور أهل العلم وعليه المذاهب الأربعة إلى جواز تعليق التمائم إذا كانت من القرآن أو الذكر أو الأدعية المشروعة, وذهب بعض أهل العلم إلى كراهة ذلك وهو قول ابن مسعود رضي الله عنه وأصحابه.
وإليك الآن بعض أقوال أهل العلم ضمن المباحث التالية :
المبحث الأول
حكم تعليق تمائم القرآن والذكر الدعاء عند الحنفية
في المغرب للمطرزي الحنفي ص62: ( قال القتبي: وبعضهم يتوهم أن المعاذات هي التمائم, وليس كذلك إنما التميمة هي الخرزة, ولا بأس بالمعاذات إذا كتب فيها القرآن أو أسماء الله عز وجل)اه
وفي حاشية ابن عابدين 6/363 : ( قوله التميمة المكروهة ) أقول : الذي رأيته في المجتبى: التميمة المكروهة ما كان بغير القرآن... قالوا : إنما تكره العوذة إذا كانت بغير لسان العرب, ولا يدرى ما هو ولعله يدخله سحر أو كفر أو غير ذلك , وأما ما كان من القرآن أو شيء من الدعوات فلا بأس به اه ) اه
وفي حاشية ابن عابدين أيضا 6/364 : (في المجتبى: اختلف في الاستشفاء بالقرآن بأن يقرأ على المريض أو الملدوغ الفاتحة أو يكتب في ورق ويعلق عليه أو في طست ويغسل ويسقي , وعن النبي أنه كان يعوذ نفسه, قال رضي الله عنه: وعلى الجواز عمل الناس اليوم وبه وردت الآثار, ولا بأس بأن يشد الجنب والحائض التعاويذ على العضد إذا كانت ملفوفة اه...
وفي الخانية : لا بأس بوضع الجماجم في الزرع والمبطخة لدفع ضرر العين لأن العين حتى تصيب المال والآدمي والحيوان ويظهر أثره في ذلك عرف بالآثار فإذا نظر الناظر إلى الزرع يقع نظره أولا على الجماجم لارتفاعها فنظره بعد ذلك إلى الحرث لا يضره, روي أن مرأة جاءت إلى النبي وقالت: نحن من أهل الحرث وإنا نخاف عليه العين فأمر النبي أن يجعل فيه الجماجم اه ) اه
المبحث الثاني
حكم تعليق تمائم القرآن والذكر الدعاء عند المالكية
في التمهيد لابن عبد البر 17 /161 وقد قال مالك رحمه الله : لا بأس بتعليق الكتب التي فيها أسماء الله عز وجل على أعناق المرضى على وجه التبرك بها إذا لم يرد معلقها بتعليقها مدافعة العين, وهذا معناه قبل أن ينزل به شيء من العين ولو نزل به شيء من العين جاز الرقي عند مالك وتعليق الكتب)اه
وفي التاج والإكليل 1/304 : ( وحرز بساتر وإن لحائض ) سمع أشهب: لا بأس بما تعلقه الحائض والحبلى والصبي من مرض أو عين والخيل والبهائم كذلك
ابن رشد: ظاهر قول مالك في هذه الرواية إجازة ذلك, واستخفه بالقرآن من أجل أن ذلك شيء يسير منه, وإنما شرط ذلك أي الحرز أن يكون في طهر من قصبة حديد وشبه ذلك صيانة من أن تصيبه نحاسة, لا أن ذلك يؤثر في مسه على غير طهارة, لأنه لا يجوز لغير الطاهر حمل المصحف بعلاقة
ومن ابن يونس : قال مالك: لا بأس أن يعلق على النفساء والمريض الشيء من القرآن إذا خرز عليه جلدا وكان في قصبة وأكره قصبة الحديد
وانظر تعليق هذا الحرز هل في حال المرض أو يجوز للصحيح ليدفع ما يتوقع من مرض أو عين ؟ قال ابن رشد : ذلك جائز مطلقا على ظاهر هذا السماع
وانظر من هذا المعنى شم الريحان والخل في الحمى الوبائية نص الأطباء أن هذا من معالجة العليل فهل للصحيح أن يفعل ذلك لما يتوقع من الحمى يظهر أنه لا فرق بين هذا وتعليق الحرز ) اه
وفي شرح الخرشي على خليل 1/161 : (( ص ) وحرز بساتر وإن لحائض : ( ش ) يعني أن الحرز يجوز تعليقه على الشخص ولو بالغا مسلما أو كافرا صحيحا أو مريضا حاملا أو حائضا أو نفساء أو جنبا وكذا على البهيمة لعين حصلت لها أو لخوف حصولها بشرط أن يكون الحرز بساتر يكنه ويقيه من أن يصل إليه أذى, قال السنهوري: ولا ينبغي من غير ساتر ) اه
وفي كفاية الطالب لأبي الحسن المالكي 2/643 : ( ولا بأس بالمعاذة ) وهي التمائم والتمائم الحروز التي ( تعلق ) في العنق ( وفيها القرآن ) وسواء في ذلك المريض والصحيح والجنب والحائض والنفساء والبهائم بعد جعلها فيما يكنها ) اه
وفي حاشية العدوي عليه 2/643 : قوله ( بالمعاذة ) بذال معجمة قوله ( وهي لتمائم ) في العبارة حذف أي مفرد التمائم أي الذي هو تميمة, قوله ( وفيها القرآن ) أي أو الكلام الطيب قوله ( بعد جعلها فيما يكنها ) أي يسترها ولو كان كثيرا كما أفاده عج قوله ) اه
وفي الثمر الداني 1/712 : ( ولا بأس بالمعاذة ) وهي التمائم التي ( تعلق ) في العنق ( وفيها القرآن ) وسواء في ذلك المريض والصحيح بعد جعلها فيما يكنها ) اه
وفي الفواكه الدواني 2/ 340 : ( ولا باس بالمعاذة بالذال المعجمة وهي التميمة المعروفة عند العامة بالخرزة تعلق في عنق الشخص أو ذراعه وفيها بعض أسماء وشيء من القران وربما تعلق على بعض الحيوانات ويجوز حملها ولو كان الحامل لها حائضا أو جنبا ولو كثير ما فيها من القران حيث كانت مستورة واما بغير ساتر فلا يجوز إلا مع قلة ما فيها من القران كالآية ونحوها, ولا فرق في جميع ذلك بين المسلم والكافر حيث كانت بساتر يقيها من وصول الأذى
قال خليل : وحرز بساتر وان لحائض قال شراحه : ولو كافرا أو بهيمة لا ينبغي تعليقها من غير ساتر إلا مع قلة ما فيها من القران كما قدمنا وكان الحامل لها مسلما ) اه
المبحث الثالث
حكم تعليق تمائم القرآن والذكر الدعاء عند الشافعية
في المجموع للنووي 9/ 74 : ( روى البيهقي بإسناد صحيح عن سعيد بن المسيب أنه كان يأمر بتعليق القرآن , وقال : لا بأس به , قال البيهقي: هذا كله راجع إلى ما قلنا: إنه إن رقى بما لا يعرف, أو على ما كانت عليه الجاهلية من إضافة العافية إلى الرقى لم يجز وإن رقى بكتاب الله أو بما يعرف من ذكر الله تعالى متبركا به وهو يرى نزول الشفاء من الله تعالى لا بأس به والله تعالى أعلم)اه
وفيه أيضا 9/63 : (قال [ البيهقي ]: ويحتمل أن يكون ذلك وما أشبهه من النهي والكراهة فيمن يعلقها ، وهو يرى تمام العافية ، وزوال العلة بها ، على ما كانت عليه الجاهلية ، وأما من يعلقها متبركا بذكر الله تعالى فيها ، وهو يعلم أن لا كاشف له إلا الله ولا دافع عنه سواه ، فلا بأس بها إن شاء الله تعالى .
ثم روى البيهقي بإسناده عن عائشة رضي الله عنها قالت : ليست التميمة ما يعلق قبل البلاء ، إنما التميمة ما يعلق بعد البلاء لتدفع به المقادير وفي رواية عنها قالت : التمائم ما علق قبل نزول البلاء ، وما علق بعد نزول البلاء فليس بتميمة
قال البيهقي : هذه الرواية أصح ، ثم روى بإسناد صحيح عنها قالت : ليس بتميمة ما علق بعد أن يقع البلاء قال البيهقي : وهذه الرواية تدل على صحة التي قبلها) اه
وفي أسنى المطالب لزكريا الأنصاري 1/61 : ( و ) يجوز مس وحمل ( ما كتب ) من القرآن ( لغير دراسة كالتمائم ) جمع تميمة أي عوذة وهي ما يعلق على الصغير ) اه
وفي حاشية العبادي على التحفة 1/150 : ( وما كتب لدرس قرآن إلخ ) بخلاف ما كتب لغير ذلك كالتمائم المعهودة عرفا نهاية, عبارة المغني: أما ما كتب لغير دراسة كالتميمة , وهي ورقة يكتب فيها شيء من القرآن ويعلق على الرأس مثلا للتبرك والثياب التي يكتب عليها والدراهم كما سيأتي فلا يحرم مسها [ للمحدث ] ولا حملها
وتكره كتابة الحروز أي من القرآن وتعليقها [ للمحدث ] إلا إذا جعل عليها شمع أو نحوه ويستحب التطهر لحمل كتب الحديث ومسها اه قال ع ش, قوله كالتمائم الخ يؤخذ منه أنه لو جعل المصحف كله أو قريبا من الكل تميمة حرم لأنه لا يقال له حينئذ تميمة عرفا اه
وفي البجيرمي ما نصه : قال شيخنا الجوهري نقلا عن مشايخه: يشترط في كاتب التميمة+
- أن يكون على طهارة
- وأن يكون في مكان طاهر
- وأن لا يكون عنده تردد في صحتها
- وأن لا يقصد بكتابتها تجربتها
- وأن لا يتلفظ بما يكتب
- وأن يحفظها عن الأبصار بل وعن بصره بعد الكتابة وبصر ما لا يعقل
- وأن يحفظها عن الشمس
- وأن يكون قاصدا وجه الله في كتابتها
- وأن لا يشكلها وأن لا يطمس حروفها
- وأن لا ينقطها
- وأن لا يتربها
- وأن لا يمسها بحديد
- وزاد بعضهم شرطا للصحة وهو أن لا يكتبها بعد العصر
- وشرطا للجودة وهو أن يكون صائما اه ) اه
وفي حاشية الشبراملسي على النهاية 1/ 124: ( كالتمائم المعهودة عرفا ) يؤخذ منه أنه لو جعل المصحف كله أو قريبا من الكل تميمة حرم ; لأنه لا يقال له حينئذ تميمة عرفا . وعبارة الزيادي : والتميمة ورقة يكتب عليها شيء من القرآن , والتعبير به مشعر بتقليل الشيء الموصوف بكونه بعضا وهو ظاهر فيما ذكره . قال ابن حجر : والعبرة في قصد الدراسة والتبرك بحال الكتابة دون ما بعدها , وبالكاتب لنفسه أو غيره تبرعا وإلا فآمره أو مستأجره ) اه
المبحث الرابع
حكم تعليق تمائم القرآن والذكر الدعاء عند الحنابلة
في تصحيح الفروع للمرداوي 2/173 : ( قال في آداب الرعاية : ويكره تعليق التمائم ونحوها, ويباح تعليق قلادة فيها قرآن أو ذكر غيره , نص عليه , وكذا التعاويذ , ويجوز أن يكتب القرآن أو ذكر غيره بالعربية , ويعلق على مريض , ( وحامل ) , وفي إناء ثم يسقيان منه ويرقى من ذلك وغيره بما ورد من قرآن وذكر ودعاء , انتهى .
وقال في آداب المستوعب : ولا بأس بالقلادة يعلقها فيها القرآن , وكذا التعاويذ , ولا بأس بالكتابة للحمى , ولا بأس بالرقى من النملة , انتهى) اه
وفي الآداب لابن مفلح 2/455 : ( وتباح قلادة فيها قرآن أو ذكر غيره وتعليق ما هما فيه نص عليه , وكذا التعاويذ , ويجوز أن يكتب القرآن أو ذكر غيره في إناء خال بالعربي ثم يسقى منه المريض والمطلقة , وأن يكتب للحمى والنملة والعقرب والحية والصداع والعين ما يجوز , ويرقى من ذلك بقرآن وما ورد فيه من دعاء وذكر ويكره بغير العربية , وتحرم الرقى والتعوذ بطلسم وعزيمة ...
قال المروذي : شكت امرأة إلى أبي عبد الله أنها مستوحشة في بيت وحدها فكتب لها رقعة بخطه: بسم الله , وفاتحة الكتاب والمعوذتين وآية الكرسي
وقال كتب أبو عبد الله من الحمى : بسم الله الرحمن الرحيم بسم الله وبالله ومحمد رسول الله: {يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين } اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل اشف صاحب هذا الكتاب بحولك وقوتك وجبروتك إله الحق آمين .) اه
المبحث الخامس
بعض أقوال الكارهين لذلك :
في مصنف ابن أبي شيبة 5/428 :
- ( حدثنا أبو بكر قال حدثنا وكيع قال حدثنا سفيان عن إبراهيم بن المهاجر عن إبراهيم عن عبد الله أنه كره تعليق شيء من القرآن .
- حدثنا أبو بكر قال حدثنا هشام عن مغيرة عن إبراهيم قال : كانوا يكرهون التمائم كلها, من القرآن وغير القرآن .
- حدثنا أبو بكر قال حدثنا هشيم قال أخبرنا يونس عن الحسن أنه كان يكره ذلك .
- حدثنا أبو بكر قال حدثنا هشيم عن مغيرة قال : قلت لإبراهيم : أعلق في عضدي هذه الآية : { يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم } من حمى كانت بي , فكره ذلك) اه
وفي فتح المجيد [1 / 120 ] : (اعلم أن العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم اختلفوا في جواز تعليق التمائم التي من القرآن أسماء الله وصفاته:
- فقالت طائفة: يجوز ذلك وهو قول عبد الله بن عمرو بن العاص وهو ظاهر ما روى عن عائشة وبه قال أبو جعفر الباقر وأحمد في رواية وحملوا الحديث على التمائم التي فيها شرك
- وقالت طائفة: لا يجوز ذلك وبه قال ابن مسعود وابن عباس وهو ظاهر قول حذيفة وعقبة بن عامر وابن عكيم وبه قال جماعة من التابعين منهم أصحاب ابن مسعود وأحمد في رواية اختارها كثير من أصحابه وحزم بها المتأخرون)اه
وعلى كلام صاحب فتح المجيد ملاحظتان:
الملاحظة الأولى:
قوله: (وقالت طائفة أخرى : لا يجوز ذلك وبه قال ابن مسعود..) قارن ذلك بما سبق من الروايات عن ابن مسعود وأصحابه ففيها الكراهة فقط, إلا أن يقال: إن الكراهة في عرف المتقدمين تعني التحريم, وفي المسالة بحث
الملاحظة الثانية:
قوله: (وكرهه أحمد في رواية اختارها كثير من أصحابه , وجزم به المتأخرون..) قارن هذا بما سبق ذكره عن متأخري الحنابلة ومتقدميهم وما نص عليه أحمد تعلم ما في هذا الكلام من النظر
المبحث السادس
الأدلة
استدل الجمهور على جواز ذلك:
1- بأن تمائم القرآن ونحوه هي نوع من الرقيا الشرعية وفي صحيح مسلم (4/1727): عن عوف بن مالك الأشجعي قال: كنا نرقي في الجاهلية فقلنا يا رسول الله كيف ترى في ذلك ؟ فقال: اعرضوا على رقاكم لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك)اه, والأحاديث في الرقيا الشرعية كثيرة, قال البيهقي: (هذا كله راجع إلى ما قلنا: إنه إن رقى بما لا يعرف, أو على ما كانت عليه الجاهلية من إضافة العافية إلى الرقى لم يجز وإن رقى بكتاب الله أو بما يعرف من ذكر الله تعالى متبركا به وهو يرى نزول الشفاء من الله تعالى لا بأس به والله تعالى أعلم)اه من المجموع للنووي 9/ 74
2- بورود ذلك عن الصحابة والسلف رضي الله عنهم كما تقدم عن عائشة وعن عبد الله بن عمرو والباقر وابن المسيب وغيرهم
واستدل الآخرون بأمور:
- الأول : عموم النهى عن التمائم ولا مخصص للعموم
- الثاني : سد الذريعة فإنه يفضى إلى تعليق ما ليس كذلك
- الثالث : أنه إذا علق فلابد أن يمتهنه المتعلق بحمله معه في حال قضاء الحاجة والاستنجاء ونحو ذلك)اه وانظر فتح المجيد [1 / 120 ]
- وأجيب عن الأول بأنه يلزم منه القول بأن من علق تمائم القرآن فهو مشرك لحديث : (من علق تميمة فقد أشرك ) وهو بعيد ولا قائل به
- وأجيب عن الثاني بأن سد الذريعة له ضوابط ومنها أن تفضي الذريعة إلى المحذور بيقين أو غلبة ظن ومنها أن المنع يختص بمن تفضي الذريعة في حقه إلى المحذور دون غيره, وهذا لا خلاف فيه
- وأجيب عن الثالث بأن الجمهور قد ذكروا لذلك ضوابط تمنع من الامتهان كما تقدم عند نقل أقوالهم
هذا آخر المطاف والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد
وعلى آله وأصحابه وأتباعه
عبد الفتاح بن صالح قُدَيش اليافعي
اليمن – صنعاء
تلفون سيار : 711456608/00967
بريد إلكتروني : afattah31@hotmail.com
الصفحة على الشبكة العالمية
http://www.manarahnet.net/container....erspage&uid=54
http://www.manarahnet.net/container....profile&uid=54
عبد الفتاح بن صالح قُديش اليافعي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه وبعد:
فهذا بحث موجز في حكم تعليق تمائم القرآن والذكر الدعاء , وقد ذهب جمهور أهل العلم وعليه المذاهب الأربعة إلى جواز تعليق التمائم إذا كانت من القرآن أو الذكر أو الأدعية المشروعة, وذهب بعض أهل العلم إلى كراهة ذلك وهو قول ابن مسعود رضي الله عنه وأصحابه.
وإليك الآن بعض أقوال أهل العلم ضمن المباحث التالية :
المبحث الأول
حكم تعليق تمائم القرآن والذكر الدعاء عند الحنفية
في المغرب للمطرزي الحنفي ص62: ( قال القتبي: وبعضهم يتوهم أن المعاذات هي التمائم, وليس كذلك إنما التميمة هي الخرزة, ولا بأس بالمعاذات إذا كتب فيها القرآن أو أسماء الله عز وجل)اه
وفي حاشية ابن عابدين 6/363 : ( قوله التميمة المكروهة ) أقول : الذي رأيته في المجتبى: التميمة المكروهة ما كان بغير القرآن... قالوا : إنما تكره العوذة إذا كانت بغير لسان العرب, ولا يدرى ما هو ولعله يدخله سحر أو كفر أو غير ذلك , وأما ما كان من القرآن أو شيء من الدعوات فلا بأس به اه ) اه
وفي حاشية ابن عابدين أيضا 6/364 : (في المجتبى: اختلف في الاستشفاء بالقرآن بأن يقرأ على المريض أو الملدوغ الفاتحة أو يكتب في ورق ويعلق عليه أو في طست ويغسل ويسقي , وعن النبي أنه كان يعوذ نفسه, قال رضي الله عنه: وعلى الجواز عمل الناس اليوم وبه وردت الآثار, ولا بأس بأن يشد الجنب والحائض التعاويذ على العضد إذا كانت ملفوفة اه...
وفي الخانية : لا بأس بوضع الجماجم في الزرع والمبطخة لدفع ضرر العين لأن العين حتى تصيب المال والآدمي والحيوان ويظهر أثره في ذلك عرف بالآثار فإذا نظر الناظر إلى الزرع يقع نظره أولا على الجماجم لارتفاعها فنظره بعد ذلك إلى الحرث لا يضره, روي أن مرأة جاءت إلى النبي وقالت: نحن من أهل الحرث وإنا نخاف عليه العين فأمر النبي أن يجعل فيه الجماجم اه ) اه
المبحث الثاني
حكم تعليق تمائم القرآن والذكر الدعاء عند المالكية
في التمهيد لابن عبد البر 17 /161 وقد قال مالك رحمه الله : لا بأس بتعليق الكتب التي فيها أسماء الله عز وجل على أعناق المرضى على وجه التبرك بها إذا لم يرد معلقها بتعليقها مدافعة العين, وهذا معناه قبل أن ينزل به شيء من العين ولو نزل به شيء من العين جاز الرقي عند مالك وتعليق الكتب)اه
وفي التاج والإكليل 1/304 : ( وحرز بساتر وإن لحائض ) سمع أشهب: لا بأس بما تعلقه الحائض والحبلى والصبي من مرض أو عين والخيل والبهائم كذلك
ابن رشد: ظاهر قول مالك في هذه الرواية إجازة ذلك, واستخفه بالقرآن من أجل أن ذلك شيء يسير منه, وإنما شرط ذلك أي الحرز أن يكون في طهر من قصبة حديد وشبه ذلك صيانة من أن تصيبه نحاسة, لا أن ذلك يؤثر في مسه على غير طهارة, لأنه لا يجوز لغير الطاهر حمل المصحف بعلاقة
ومن ابن يونس : قال مالك: لا بأس أن يعلق على النفساء والمريض الشيء من القرآن إذا خرز عليه جلدا وكان في قصبة وأكره قصبة الحديد
وانظر تعليق هذا الحرز هل في حال المرض أو يجوز للصحيح ليدفع ما يتوقع من مرض أو عين ؟ قال ابن رشد : ذلك جائز مطلقا على ظاهر هذا السماع
وانظر من هذا المعنى شم الريحان والخل في الحمى الوبائية نص الأطباء أن هذا من معالجة العليل فهل للصحيح أن يفعل ذلك لما يتوقع من الحمى يظهر أنه لا فرق بين هذا وتعليق الحرز ) اه
وفي شرح الخرشي على خليل 1/161 : (( ص ) وحرز بساتر وإن لحائض : ( ش ) يعني أن الحرز يجوز تعليقه على الشخص ولو بالغا مسلما أو كافرا صحيحا أو مريضا حاملا أو حائضا أو نفساء أو جنبا وكذا على البهيمة لعين حصلت لها أو لخوف حصولها بشرط أن يكون الحرز بساتر يكنه ويقيه من أن يصل إليه أذى, قال السنهوري: ولا ينبغي من غير ساتر ) اه
وفي كفاية الطالب لأبي الحسن المالكي 2/643 : ( ولا بأس بالمعاذة ) وهي التمائم والتمائم الحروز التي ( تعلق ) في العنق ( وفيها القرآن ) وسواء في ذلك المريض والصحيح والجنب والحائض والنفساء والبهائم بعد جعلها فيما يكنها ) اه
وفي حاشية العدوي عليه 2/643 : قوله ( بالمعاذة ) بذال معجمة قوله ( وهي لتمائم ) في العبارة حذف أي مفرد التمائم أي الذي هو تميمة, قوله ( وفيها القرآن ) أي أو الكلام الطيب قوله ( بعد جعلها فيما يكنها ) أي يسترها ولو كان كثيرا كما أفاده عج قوله ) اه
وفي الثمر الداني 1/712 : ( ولا بأس بالمعاذة ) وهي التمائم التي ( تعلق ) في العنق ( وفيها القرآن ) وسواء في ذلك المريض والصحيح بعد جعلها فيما يكنها ) اه
وفي الفواكه الدواني 2/ 340 : ( ولا باس بالمعاذة بالذال المعجمة وهي التميمة المعروفة عند العامة بالخرزة تعلق في عنق الشخص أو ذراعه وفيها بعض أسماء وشيء من القران وربما تعلق على بعض الحيوانات ويجوز حملها ولو كان الحامل لها حائضا أو جنبا ولو كثير ما فيها من القران حيث كانت مستورة واما بغير ساتر فلا يجوز إلا مع قلة ما فيها من القران كالآية ونحوها, ولا فرق في جميع ذلك بين المسلم والكافر حيث كانت بساتر يقيها من وصول الأذى
قال خليل : وحرز بساتر وان لحائض قال شراحه : ولو كافرا أو بهيمة لا ينبغي تعليقها من غير ساتر إلا مع قلة ما فيها من القران كما قدمنا وكان الحامل لها مسلما ) اه
المبحث الثالث
حكم تعليق تمائم القرآن والذكر الدعاء عند الشافعية
في المجموع للنووي 9/ 74 : ( روى البيهقي بإسناد صحيح عن سعيد بن المسيب أنه كان يأمر بتعليق القرآن , وقال : لا بأس به , قال البيهقي: هذا كله راجع إلى ما قلنا: إنه إن رقى بما لا يعرف, أو على ما كانت عليه الجاهلية من إضافة العافية إلى الرقى لم يجز وإن رقى بكتاب الله أو بما يعرف من ذكر الله تعالى متبركا به وهو يرى نزول الشفاء من الله تعالى لا بأس به والله تعالى أعلم)اه
وفيه أيضا 9/63 : (قال [ البيهقي ]: ويحتمل أن يكون ذلك وما أشبهه من النهي والكراهة فيمن يعلقها ، وهو يرى تمام العافية ، وزوال العلة بها ، على ما كانت عليه الجاهلية ، وأما من يعلقها متبركا بذكر الله تعالى فيها ، وهو يعلم أن لا كاشف له إلا الله ولا دافع عنه سواه ، فلا بأس بها إن شاء الله تعالى .
ثم روى البيهقي بإسناده عن عائشة رضي الله عنها قالت : ليست التميمة ما يعلق قبل البلاء ، إنما التميمة ما يعلق بعد البلاء لتدفع به المقادير وفي رواية عنها قالت : التمائم ما علق قبل نزول البلاء ، وما علق بعد نزول البلاء فليس بتميمة
قال البيهقي : هذه الرواية أصح ، ثم روى بإسناد صحيح عنها قالت : ليس بتميمة ما علق بعد أن يقع البلاء قال البيهقي : وهذه الرواية تدل على صحة التي قبلها) اه
وفي أسنى المطالب لزكريا الأنصاري 1/61 : ( و ) يجوز مس وحمل ( ما كتب ) من القرآن ( لغير دراسة كالتمائم ) جمع تميمة أي عوذة وهي ما يعلق على الصغير ) اه
وفي حاشية العبادي على التحفة 1/150 : ( وما كتب لدرس قرآن إلخ ) بخلاف ما كتب لغير ذلك كالتمائم المعهودة عرفا نهاية, عبارة المغني: أما ما كتب لغير دراسة كالتميمة , وهي ورقة يكتب فيها شيء من القرآن ويعلق على الرأس مثلا للتبرك والثياب التي يكتب عليها والدراهم كما سيأتي فلا يحرم مسها [ للمحدث ] ولا حملها
وتكره كتابة الحروز أي من القرآن وتعليقها [ للمحدث ] إلا إذا جعل عليها شمع أو نحوه ويستحب التطهر لحمل كتب الحديث ومسها اه قال ع ش, قوله كالتمائم الخ يؤخذ منه أنه لو جعل المصحف كله أو قريبا من الكل تميمة حرم لأنه لا يقال له حينئذ تميمة عرفا اه
وفي البجيرمي ما نصه : قال شيخنا الجوهري نقلا عن مشايخه: يشترط في كاتب التميمة+
- أن يكون على طهارة
- وأن يكون في مكان طاهر
- وأن لا يكون عنده تردد في صحتها
- وأن لا يقصد بكتابتها تجربتها
- وأن لا يتلفظ بما يكتب
- وأن يحفظها عن الأبصار بل وعن بصره بعد الكتابة وبصر ما لا يعقل
- وأن يحفظها عن الشمس
- وأن يكون قاصدا وجه الله في كتابتها
- وأن لا يشكلها وأن لا يطمس حروفها
- وأن لا ينقطها
- وأن لا يتربها
- وأن لا يمسها بحديد
- وزاد بعضهم شرطا للصحة وهو أن لا يكتبها بعد العصر
- وشرطا للجودة وهو أن يكون صائما اه ) اه
وفي حاشية الشبراملسي على النهاية 1/ 124: ( كالتمائم المعهودة عرفا ) يؤخذ منه أنه لو جعل المصحف كله أو قريبا من الكل تميمة حرم ; لأنه لا يقال له حينئذ تميمة عرفا . وعبارة الزيادي : والتميمة ورقة يكتب عليها شيء من القرآن , والتعبير به مشعر بتقليل الشيء الموصوف بكونه بعضا وهو ظاهر فيما ذكره . قال ابن حجر : والعبرة في قصد الدراسة والتبرك بحال الكتابة دون ما بعدها , وبالكاتب لنفسه أو غيره تبرعا وإلا فآمره أو مستأجره ) اه
المبحث الرابع
حكم تعليق تمائم القرآن والذكر الدعاء عند الحنابلة
في تصحيح الفروع للمرداوي 2/173 : ( قال في آداب الرعاية : ويكره تعليق التمائم ونحوها, ويباح تعليق قلادة فيها قرآن أو ذكر غيره , نص عليه , وكذا التعاويذ , ويجوز أن يكتب القرآن أو ذكر غيره بالعربية , ويعلق على مريض , ( وحامل ) , وفي إناء ثم يسقيان منه ويرقى من ذلك وغيره بما ورد من قرآن وذكر ودعاء , انتهى .
وقال في آداب المستوعب : ولا بأس بالقلادة يعلقها فيها القرآن , وكذا التعاويذ , ولا بأس بالكتابة للحمى , ولا بأس بالرقى من النملة , انتهى) اه
وفي الآداب لابن مفلح 2/455 : ( وتباح قلادة فيها قرآن أو ذكر غيره وتعليق ما هما فيه نص عليه , وكذا التعاويذ , ويجوز أن يكتب القرآن أو ذكر غيره في إناء خال بالعربي ثم يسقى منه المريض والمطلقة , وأن يكتب للحمى والنملة والعقرب والحية والصداع والعين ما يجوز , ويرقى من ذلك بقرآن وما ورد فيه من دعاء وذكر ويكره بغير العربية , وتحرم الرقى والتعوذ بطلسم وعزيمة ...
قال المروذي : شكت امرأة إلى أبي عبد الله أنها مستوحشة في بيت وحدها فكتب لها رقعة بخطه: بسم الله , وفاتحة الكتاب والمعوذتين وآية الكرسي
وقال كتب أبو عبد الله من الحمى : بسم الله الرحمن الرحيم بسم الله وبالله ومحمد رسول الله: {يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين } اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل اشف صاحب هذا الكتاب بحولك وقوتك وجبروتك إله الحق آمين .) اه
المبحث الخامس
بعض أقوال الكارهين لذلك :
في مصنف ابن أبي شيبة 5/428 :
- ( حدثنا أبو بكر قال حدثنا وكيع قال حدثنا سفيان عن إبراهيم بن المهاجر عن إبراهيم عن عبد الله أنه كره تعليق شيء من القرآن .
- حدثنا أبو بكر قال حدثنا هشام عن مغيرة عن إبراهيم قال : كانوا يكرهون التمائم كلها, من القرآن وغير القرآن .
- حدثنا أبو بكر قال حدثنا هشيم قال أخبرنا يونس عن الحسن أنه كان يكره ذلك .
- حدثنا أبو بكر قال حدثنا هشيم عن مغيرة قال : قلت لإبراهيم : أعلق في عضدي هذه الآية : { يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم } من حمى كانت بي , فكره ذلك) اه
وفي فتح المجيد [1 / 120 ] : (اعلم أن العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم اختلفوا في جواز تعليق التمائم التي من القرآن أسماء الله وصفاته:
- فقالت طائفة: يجوز ذلك وهو قول عبد الله بن عمرو بن العاص وهو ظاهر ما روى عن عائشة وبه قال أبو جعفر الباقر وأحمد في رواية وحملوا الحديث على التمائم التي فيها شرك
- وقالت طائفة: لا يجوز ذلك وبه قال ابن مسعود وابن عباس وهو ظاهر قول حذيفة وعقبة بن عامر وابن عكيم وبه قال جماعة من التابعين منهم أصحاب ابن مسعود وأحمد في رواية اختارها كثير من أصحابه وحزم بها المتأخرون)اه
وعلى كلام صاحب فتح المجيد ملاحظتان:
الملاحظة الأولى:
قوله: (وقالت طائفة أخرى : لا يجوز ذلك وبه قال ابن مسعود..) قارن ذلك بما سبق من الروايات عن ابن مسعود وأصحابه ففيها الكراهة فقط, إلا أن يقال: إن الكراهة في عرف المتقدمين تعني التحريم, وفي المسالة بحث
الملاحظة الثانية:
قوله: (وكرهه أحمد في رواية اختارها كثير من أصحابه , وجزم به المتأخرون..) قارن هذا بما سبق ذكره عن متأخري الحنابلة ومتقدميهم وما نص عليه أحمد تعلم ما في هذا الكلام من النظر
المبحث السادس
الأدلة
استدل الجمهور على جواز ذلك:
1- بأن تمائم القرآن ونحوه هي نوع من الرقيا الشرعية وفي صحيح مسلم (4/1727): عن عوف بن مالك الأشجعي قال: كنا نرقي في الجاهلية فقلنا يا رسول الله كيف ترى في ذلك ؟ فقال: اعرضوا على رقاكم لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك)اه, والأحاديث في الرقيا الشرعية كثيرة, قال البيهقي: (هذا كله راجع إلى ما قلنا: إنه إن رقى بما لا يعرف, أو على ما كانت عليه الجاهلية من إضافة العافية إلى الرقى لم يجز وإن رقى بكتاب الله أو بما يعرف من ذكر الله تعالى متبركا به وهو يرى نزول الشفاء من الله تعالى لا بأس به والله تعالى أعلم)اه من المجموع للنووي 9/ 74
2- بورود ذلك عن الصحابة والسلف رضي الله عنهم كما تقدم عن عائشة وعن عبد الله بن عمرو والباقر وابن المسيب وغيرهم
واستدل الآخرون بأمور:
- الأول : عموم النهى عن التمائم ولا مخصص للعموم
- الثاني : سد الذريعة فإنه يفضى إلى تعليق ما ليس كذلك
- الثالث : أنه إذا علق فلابد أن يمتهنه المتعلق بحمله معه في حال قضاء الحاجة والاستنجاء ونحو ذلك)اه وانظر فتح المجيد [1 / 120 ]
- وأجيب عن الأول بأنه يلزم منه القول بأن من علق تمائم القرآن فهو مشرك لحديث : (من علق تميمة فقد أشرك ) وهو بعيد ولا قائل به
- وأجيب عن الثاني بأن سد الذريعة له ضوابط ومنها أن تفضي الذريعة إلى المحذور بيقين أو غلبة ظن ومنها أن المنع يختص بمن تفضي الذريعة في حقه إلى المحذور دون غيره, وهذا لا خلاف فيه
- وأجيب عن الثالث بأن الجمهور قد ذكروا لذلك ضوابط تمنع من الامتهان كما تقدم عند نقل أقوالهم
هذا آخر المطاف والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد
وعلى آله وأصحابه وأتباعه
عبد الفتاح بن صالح قُدَيش اليافعي
اليمن – صنعاء
تلفون سيار : 711456608/00967
بريد إلكتروني : afattah31@hotmail.com
الصفحة على الشبكة العالمية
http://www.manarahnet.net/container....erspage&uid=54
http://www.manarahnet.net/container....profile&uid=54