- آية الزينة:
قول الله تعالى: "وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها......."الآية
ونبدأ الآن في الآثار الصحيحة الواردة عن الصحابة عليهم الرضوان:
أولا:ما جاء عن سيدنا عبد الله بن عباس -رضي الله عنه-:
قال ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (3\546) :
حدثنا زياد بن الربيع، عن صالح الدهان، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس:
(ولا يبدين زينتهن) قال : الكف ورقعة الوجه.
وقد أخرجه أيضا عبد بن حميد وابن أبي حاتم كما ذكر السيوطي في الدر المنثور.
قال الشيخ الألباني في كتابه الرد المفحم:
وهذا إسناد صحيح، لا يضعفه إلا جاهل أو مُغرض، فإن رجاله ثقات ، فأبدأ بشيخ ابن أبي شيبة زياد بن الربيع، فهو ثقة دون أي خلاف يذكر ، وقد احتج به البخاري في "صحيحه".
وصالح الدهان ثقة أيضاً، كما قال ابن معين. وقال احمد في "العلل" (2/33):
" ليس به بأس ".
وذكره ابن حبان في "الثقات"(6/457).
وأما جابر بن زيد –وهو أبو الشعثاء الأزدي-فهو أشهر من أن يذكر ، ومن ثقات التابعين المشهورين بالأخذ عن ابن عباس، وخرَّج له الشيخان، وشهد له ابن عباس بأنه من العلماء بكتاب الله .انتهى كلامه.
وقد كتم هذا الأثر كل من تكلموا عن وجوب النقاب كالشيخ التويجري والشيخ المقدم والشيخ العدوي والسندي غيرهم.
وهذا الأثر لا يستطيع أي شخص أن يضعفه.
ثانيا: ما جاء عن سيدنا عبد الله بن عمر -رضي الله عنه-:
قال ابن أبي شيبة في ((المصنف)) ( 3\546) :
حدثنا شبابة بن سوار، قال: حدثنا هشام بن الغاز، قال : حدثنا نافع، قال ابن عمر: الزينة الظاهرة : الوجه والكفان.
ورواه أيضا يحي بن معين كما في (الجزء الثاني من حديث يحيى بن معين برواية المروزي عنه) ص 90 رقم (14) قال ابن معين ثنا يحيى بن يمان ثنا هشام بن الغاز عن نافع عن ابن عمر قال : الكف والوجه.
وهذا إسناد ظاهر الصحة صححه ابن حزم في المحلى والألباني في الرد المفحم.
ثالثا: ما جاء عن أمنا عائشة -رضي الله عنها-:
ذكر السيوطي في الدر المنثور:
أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد، وابن المنذر، والبيهقي في سننه، عن عائشة رضي الله عنها: أنها سئلت عن الزينة الظاهرة فقالت: القلب والَفَتخ، وضمت طرف كمها.
وأعلى هذه الأسانيد فيما أعرف سند ابن أبي شيبة حيث قال:
حدثنا وكيع عن حماد بن سلمة عن أم شبيب عن عائشة به.
وتابع وكيع (وهو لا يحتاج لمتابعة) عند البيهقي روح وهو بن عبادة وهو ثقة مصنف.
وهذا السند سند لا مطعن فيه:
فحماد بن سلمة إمام ثقة تغير حفظه بآخره ولا مخالف له هنا.
وأم شبيب صحابية راوية عن عائشة ذكرها ابن سعد في الطبقات في طبقات البدريين من الأنصار وذكرها أبو نعيم الأصبهاني في معرفة الصحابة.
وقد صحح هذا الأثر ابن حزم في المحلى.
رابعاً : ما جاء عن سيدنا عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-:
أخرج ابن جرير -وغيره- في تفسيره (18\92) من طريق : شعبة ، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، من عبد الله ، قال: (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) قال: الثياب.
وهذا إسناد صحيح لا مطعن فيه إلا ما جاء في تدليس أبي إسحاق ولكنه من رواية شعبة عنه، وشعبة لا يروي عن شيوخه الذين وصفوا بالتدليس إلا ما ثبت له أنهم سمعوه.
وهناك أثر عن سيدنا أنس بن مالك ذكر السيوطي في الدر المنثور أن ابن المنذر رواه وذكر الألباني أن البيهقي علقه عنه.
ولكن لم نقف على سنده حيث أن كتاب الأوسط لابن المنذر لم يطبع كاملا والجزء المطبوع منه لا يوجد به الأثر.
وتعليق البيهقي للأثر بلا سند.
فنحن متوقفون فيه حتى نرى السند.
وهذا هو الأثر كما ذكره السيوطي:
أخرج ابن المنذر عن أنس في قوله: (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) قال: الكحل والخاتم.
بعد أن انتيهنا من إيراد الآثار الصحيحة الواردة عن الصحابة وذكرنا أن ممن قالوا بأن الاستثناء الوارد في الآية راجع إلى جواز إبداء الوجه والكفين وزينتهما: سيدنا عبد الله بن عباس وأمنا عائشة وسيدنا عبد الله بن عمر -رضي الله عن الجميع-.
وممن قالوا بأن الاستثناء عائد على الثياب: سيدنا عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-.
نقول: بعد ان انتهينا من كل هذا سنورد هنا ما صح عن التابعين .
فنبدأ باسم الله:
أولا: ما ورد عن التابعين في أن المستثنى هو الثياب:
1- إبراهيم النخعي -رحمه الله-:
جاء في تفسير الإمام سفيان الثوري بسند صحيح عن إبراهيم النخعي في قوله تعالى "ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها" قال: هو ما فوق الذراع.
,وفي مصنف ابن أبي شيبة بسند صحيح عن إبراهيم قال: الثياب.
,وفي تفسير الطبري بسند صحيح عن إبراهيم قال: الثياب.
2-عبيدة السلماني -رحمه الله-:
في جزء يحيى بن معين بسند صحيح عن محمد بن سيرين عن عبيدة "ولا يبدين زينتهن غلا ما ظهر منها" قال: الثياب.
3-أبو الأحوص عوف بن مالك الجشمي -رحمه الله-:
أخرج ابن أبي شيبة في مصنفه بسند صحيح عنه في قوله تعالى "إلا ما ظهر منها" قال: الثياب.
4-أبو إسحاق السبيعي -رحمه الله-:
رواه ابن جرير [التفسير 17/257] بسنده: عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله بن مسعود قال: {إلا ما ظهر منها}، قال: الثياب.
قال أبو إسحاق: "ألا ترى أنه قال: {خذوا زينتكم عند كل مسجد}".
وهذا سند فيه تدليس أبي إسحاق وليس من رواية شعبة عنه فهذا السند ضعيف.
وإن كان الشاهد هو رأي أبي إسحاق الموافق لتفسير ابن مسعود -رضي الله عنه-.
هذا معظم ما صح ولم نقف على شئ صحيح غير هذا .
***وما ادعاه البعض من أنه ورد عن الحسن فهذا لم يصح عنه فإن في سنده مجهول وهو مخرج عند الطبري في التفسير وفوق هذا فقد صح عنه أن المستثنى هو الوجه والثياب وسيأتي.
وما ورد عن ابن سيرين فهو في غير هذه الآية وسيأتي كما أنه يروي عن غيره ولا يلزم أن يكون هذا رأيه كما هو معروف.
وأما ورد عن أبي الجوزاء لم نجد له أثر ولا سند فهل يدلنا أحد على سنده؟!!
ثانيا: ما ورد عن التابعين في أن المستثنى هو الوجه وزينته والكف وزينتها:
1-عطاء بن أبي رباح -رحمه الله-:
أخرج ابن أبي شيبة بسند صحيح عن هشام بن الغاز قال: سمعت عطاء يقول: الزينة الظاهرة الخضاب والكحل.
,وأخرج الطبري بسند صحيح عن عطاء أنه قال في قوله تعالى "إلا ما ظهر منها": الكفان والوجه.
2-قتادة بن دعامة -رحمه الله-:
أخرج عبد الرزاق في تفسيره بسند صحيح عن قتادة في قوله تعالى "إلا ما ظهر منها": المسكتان والكحل.
ورواه من طريقه ابن جرير في تفسيره بسند صحيح عنه.
,وأخرج الطبري في التفسير بسند صحيح عن قتادة في قوله تعالى "إلا ما ظهر منها": الكحل والسواران والخاتم.
3-عبد الرحمن الأوزاعي -رحمه الله-:
أخرج الطبري في تفسيره بسند حسن أن الأوزاعي سئل عن قوله تعالى "إلا ما ظهر منها" قال: الكفين والوجه.
4-عبد الرحمن بن زيد بن أسلم -رحمه الله-:
أخرج الطبري في تفسيره بسند صحيح عنه أنه قال في قوله تعالى "إلا ما ظهر منها" من الزينة الكحل، والخضاب والخاتم؛ هكذا كانوا يقولون وهذا يراه الناس.
وابن زيد بن اسلم وإن كان ضعيفا في روايته عن غيره كما هو معلوم إلا أنه صاحب تفسير كما قال الذهبي وصالح في نفسه كما قال أبو حاتم وهذا رأيه.
5-الحسن البصري -رحمه الله-:
أخرج ابن أبي الدنيا في العيال بسند صحيح عن الحسن قال: ما ظهر منها الوجه والثياب.
,وأخرج الطبري بسندين صحيحين عن الحسن أنه قال: الوجه والثياب.
والسند الأول لا خلاف فيه وقد احبننا أن نذكر السند الثاني فقد يتهور عليه بعض المتطفلين:
قال الطبري:حدثنا ابن بشار (وهو ثقة روى له الجماعة)، قال ثنا ابن أبي عدي (ثقة روى له الجماعة وشذ أبو حاتم في الحكم عليه)، وعبد الأعلى (وهو ابن عبد الأعلى وهو ثقة)، عن سعيد (هو ابن أبي عروبة ثقة معروف)، عن قتادة (وهو ثقة ربما دلس إلا أنه أعلم أصحاب الحسن كما قال أبو زرعة وأكبرهم كما قال أبو حاتم) ، عن الحسن، في قوله: {ولا تبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} قال: الوجه والثياب.
وهذا سند صحيح.
-الشعبي -رحمه الله-:
أخرج ابن أبي شيبة بسند صحيح عن الشعبي قال في قوله تعالى "إلا ما ظهر منها": الكحل والثياب.
7-مكحول -رحمه الله-:
أخرج ابن أبي شيبة بسند صحيح أن مكحول قال: الزينة الظاهرة الوجه والكفان.
8-وكيع -رحمه الله-:
أخرج ابن أبي شيبة بسند صحيح عن عكرمة قال: "ما ظهر منها" قال: الوجه وثغرة النحر.
,وفي جزء يحيى بن معين بسند صحيح عن عكرمة في قوله تعالى "إلا ما ظهر منها" قال: ثيابها وكحلها وخضابها.
***وقد وقفت على آثار أخرى لا تصح في هذا الرأي عن مجاهد (وقد وهم بعضهم في تصحيحه ولم ينتبه لعلته) ,وسعيد بن جبير ,والضحاك وغيرهم ولكن كل هذا لا يصح عنهم.
بعد ان أوردنا أقوال الصحابة والتابعين -رضي الله عنهم- في الآية وأنهم على رأيين نلخص ما سبق:
أولا:
رأي جمهورهم على جواز إبداء الوجه والكفين زينتهما وهو رأي:
من الصحابة:
عبد الله بن عباس -عبد الله بن عمر -عائشة رضي الله عنهم.
ومن التابعين:
عطاء بن أبي رباح- قتادة بن دعامة -الأوزاعي-عبد الرحمن بن زيد بن أسلم-الحسن البصري -الشعبي- مكحول -وكيع رحمهم الله تعالى.
وقد أورد الحافظ ابن كثير أثرا رواه مالك عن الزهري ولم أقف على سنده وهناك أثران آخران أشار إليهما ابن كثير وغيره عن أبي الشعثاء وعن إبراهيم النخعي لم أقف على سندهما أيضا.
ثانيا:
رأي الآخرين على عدم جواز ما سبق وأن المقصود بالمستثنى هو الثياب:
من الصحابة:
عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-.
ومن التابعين:
إبراهيم النخعي -عبيدة السلماني-أبو الأحوص- أبو إسحاق السبيعي.رحمهم الله تعالى.
وهناك أثر عن أبي الجوزاء أشار إليه ابن كثير وغيره ولم أقف له على سند.
وسنبدأ من المشاركة القادمة في إيراد أقوال المفسرين -رحمهم الله- في هذه الآية.
أقوال المفسرين في الآية:
ونحن هنا سنذكر ما كان صريحا فلن نذكر من اكتفى بحكاية الأقوال فقط كابن أبي حاتم والسيوطي ولا من اكتفى بذكرها وقال بأن الجواز هو رأي الجمهور كابن كثير والشوكاني ولا من قال بالجواز ولكن منع الإبداء سدا للفتنة كما في الجلالين.
أولا: رأي من اجاز للمرأة أن تبدي وجهها وكفيها:
1- الطبري في تفسيره "جامع البيان":
بعد أن حكى الطبري الخلاف قال:
(( وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : عنى بذلك الوجه والكفين، يدخل في ذلك ـ إذا كان كذلك ـ الكحل والخاتم والسوار والخضاب، وإنما قلنا : ذلك أولى الأقوال في ذلك بالتأويل، لاجتماع الجميع على أن علىكل مصلٍّ أن يستر عورته في صلاته، وأن للمرأة أن تكشف وجهها وكفيها في صلاتها، وأن عليها أن تستر ماعدا ذلك من بدنها، إلا ما روي عن النبي e أنه أباح لها أن تبدي من ذراعها قدر النصف، فإذا كان ذلك من جميعهم إجماعاً، كان معلوماً بذلك أن لها أن تبدي من بدنها ما لم يكن عورة كما ذلك للرجال، لأن ما لم يكن عورة فغير حرام إظهاره ، وإذا كان لها إظهار ذلك؛ كان معلوماً أنه مما استثنى الله تعالى ذكره بقوله: {إلا ما ظهر منها } [ النور :31 ]، لأن كل ذلك ظاهر منها )) .
2- ويؤيده أيضاً ما في (( تفسير القرطبي )) "الجامع لأحكام القرآن" :
(( وقال ابن عطية : ويظهر لي بحكم ألفاظ الآية أن المرأة مأمورة بأن لا تبدي، وأن تجتهد في الإخفاء لكل ما هو زينة، ووقع الاستثناء فيما يظهر بحكم ضرورة حركة فيما لا بد منه، أو إصلاح شأن، ونحو ذلك فـ{ ما ظهر } على هذا الوجه مما تؤدي إليه الضرورة في النساء فهو المعفو عنه )) .
قال القرطبي :
(( قلت : هذا قول حسن، إلا أنه لما كان الغالب من الوجه والكفين ظهورهما عادة وعبادة، وذلك في الصلاة والحج، فيصلح أن يكون الاستثناء راجعاً إليهما، يدل على ذلك ما رواه أبو داود عن عائشة رضي الله عنها : أن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما دخلت عل رسول الله e وعليها ثياب رقاق، فأعرض عنها رسول الله e ، وقال لها : يا أسماء ! إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يُرَى منها إلا هذا، وأشار إلى وجهه وكفيه، فهذا أقوى في جانب الاحتياط ولمراعاة فساد الناس، فلا تبدي المرأة من زينتها إلا ما ظهر من وجهها وكفيها، والله الموفق لا رب سواه )) .
3-البغوي في تفسيره "معالم التنزيل":
واختلف أهل العلم في هذه الزينة الظاهرة التي استثناها الله تعالى قال سعيد بن جبير والضحاك والأوزاعي هو الوجه والكفان وقال ابن مسعود هي الثياب بدليل قوله تعالى ( خذوا زينتكم عند كل مسجد ) وأراد بها الثياب وقال الحسن الوجه والثياب وقال ابن عباس الكحل والخاتم والخضاب في الكف فما كان من الزينة الظاهرة جاز للرجل الأجنبي النظر إليه إذا لم يخف فتنة وشهوة فإن خاف شيئا منها غض البصر وإنما رخص في هذا القدر أن تبديه المرأة من بدنها لأنه ليس بعورة وتؤمر بكشفه في الصلاة وسائر بدنها عورة يلزمها ستره.
4- الزمخشري في "الكشاف":
الزينة: ما تزينت به المرأة من حلي أو كحل أو خضاب فما كان ظاهراً منها كالخاتم والفتخة والكحل والخضاب فلا بأس بإبدائه للأجانب وما خفي منها كالسوار والخلخال والدملج والقلادة والإكليل والوشاح والقرط فلا تبديه إلا لهؤلاء المذكورين.
وذكر الزينة دون مواقعها: للمبالغة في الأمر بالتصون والتستر لأن هذه الزين واقعة على مواضع من الجسد لا يحل النظر إليها لغير هؤلاء وهي الذراع والساق والعضد والعنق والرأس والصدر والأذن فنهى عن إبداء الزين نفسها. ليعلم أن النظر إذا لم يحل إليها لملابستها تلك المواقع - بدليل أن النظر إليها غير ملابسة لها لا مقال في حله - كان النظر إلى المواقع أنفسها متمكناً في الحظر ثابت القدم في الحرمة شاهداً على أن النساء حقهن أن يحتطن في سترها ويتقين الله في الكشف عنها. فإن قلت: ما تقول في القراميل هل يحل نظر هؤلاء إليها؟
قلت: نعم.
فإن قلت: أليس موقعها الظهر ولا يحل لهم النظر إلى ظهرها وبطنها وربما ورد الشعر فوقعت القراميل على ما يحاذي ما تحت السرة
قلت: الأمر كما قلت ولكن أمر القراميل خلاف أمر سائر الحلي لأنه لا يقع إلا فوق اللباس ويجوز النظر إلى الثوب الواقع على الظهر والبطن للأجانب فضلاً عن هؤلاء. إلا إذا كان يصف لرقته فلا يحل النظر إليه فلا يحل النظر إلى القراميل واقعة عليه. فإن قلت: ما المراد بموقع الزينة ذلك العضو كله أم المقدار الذي تلبسه الزينة منه قلت: الصحيح أنه العضو كله كما فسرت مواقع الزينة الخفية وكذلك مواقع الزينة الظاهرة: الوجه موقع الكحل في عينيه والخضاب بالوسمة في حاجبيه وشاربيه والغمرة في خديه والكف والقدم موقعا الخاتم والفتحة والخضاب بالحناء. فإن قلت: لم سومح مطلقاً في الزينة الظاهرة قلت: لأن سترها فيه حرج فإن المرأة لا تجد بداً من مزواولة الأشياء بيديها ومن الحاجة إلى كشف وجهها خصوصاً في الشهادة والمحاكمة والنكاح وتضطر إلى المشي في الطرقات وظهرو قدميها وخاصة الفقيرات منهن وهذا معنى قوله:
( إلا ما ظهر منها ) يعني إلا ما جرت العادة والجبلة على ظهوره والأصل فيه الظهور.
5- قال أبو بكر الجصاص رحمه الله في ( أحكام القرآن ) ( 3/316 ) :
( وقول ابن مسعود في أن ( مَا ظَهَرَ مِنْهَا ) هو الثياب؛ لا معنى له؛ لأنه معلوم أنه ذكر الزينة ، والمراد العضو الذي عليه الزينة ، ألا ترى أن سائر ما تتزين به من الحلي والقُلب والخلخال والقلادة يجوز أن تظهرها للرجال إذا لم تكن هي لابستها ، فعلمنا أن المراد مواضع الزينة ، كما قال في نسق الآية بعد هذا: ( ولا يُبْدِيْنَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ ) ، والمراد موضع الزينة ، فتأويلها على الثياب لا معنى له ، إذ كان مما يرى الثياب عليها دون شيء من بدنها كما يراها إذا لم تكن لابستها ) .
-الواحدي في تفسيره "الوجيز":
( ولا يبدين زينتهن ) يعني الخلخالين والقرطين والقلائد والدماليج ونحوها مما يخفى ، ( إلا ما ظهر منها ) وهو الثياب والكحل والخاتم والخضاب والسوار فلا يجوز للمرأة أن تظهر إلا وجهها ويديها إلى نصف الذراع .
7- في تفسير السمعاني :
على هذا يجوز النظر إلى وجه المرأة وكفيها من غير شهوة ، وإن خاف الشهوة غض البصر ، واعلم أن الزينة زينتان : زينة ظاهرة ، زينة باطنة، فالزينة الظاهرة هي الكحل والفتخة والخضاب إذا كان في الكف ، وأما الخضاب في القدم فهو الزينة الباطنية ، وأما السوار في اليد ، فعن عائشة أنه من الزينة الظاهرة ، والأصح أنه من الزينة الباطنة ، وهو قول أكثر أهل العلم ، وأما الدملج [والمخنقة] والقلادة ، وما أشبه ذلك فهو من الزينة الباطنة ، فما كان من الزينة الظاهرة يجوز للأجنبي النظر إليه من غير شهوة ، وما كان من الزينة الباطنة لا يجوز للأجنبي النظر إليها ، وأما الزوج ينظر ويتلذذ ، وأما المحارم ينظرون من غير تلذذ .
8- رأي السمرقندي في تفسيره "بحر العلوم":
والنظر إلى النساء على أربع مراتب:
في وجه يجوز النظر إلى جميع أعضائها وهي النظر إلى زوجته وأمته
وفي وجه يجوز النظر إلى الوجه والكفين وهو النظر إلى المرأة التي لا يكون محرما لها ويأمن كل واحد منهما على نفسه فلا بأس بالنظر عند الحاجة
وفي وجه يجوز النظر إلى الصدر والساق والرأس والساعد وهو النظر إلى إمرأة ذي رحم أو ذات رحم محرم مثل الأخت والأم والعمة والخالة وأولاد الأخ والأخت وإمرأة الأب وإمرأة الإبن وأم المرأة سواء كان من قبل الرضاع أو من قبل النسب
وفي وجه لا يجوز النظر إلى شيء وهو أن يخاف أن يقع في الإثم إذا نظر.
انتهى كلامه .
9- رأي أبي السعود في تفسيره "إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم":
( ولا يبدين زينتهن ) كالحلى وغيرها مما يتزين به وفيه من المبالغة في النهي عن إبداء مواضعها ما لا يخفى ( إلا ما ظهر منها ) عند مزوالة الأمور التي لا بد منها عادة كالخاتم والكحل والخضاب ونحوها فإن في سترها حرجا بيننا وقيل المراد بالزينة مواضعها على حذف المضاف أو ما يعم المحاسن الخلقية والتزيينة والمستثنى هو الوجه والكفان لأنها ليست بعورة
انتهى كلامه .
10- رأي الرازي في تفسيره "مفاتيح الغيب":
اعلم أن العورات على أربعة أقسام عورة الرجل مع الرجل وعورة المرأة مع المرأة وعورة المرأة مع الرجل وعورة الرجل مع المرأة
ثم قال بعدها في عورة المرأة مع الرجل
ما يلي:
أما عورة المرأة مع الرجل فالمرأة إما أن تكون أجنبية أو ذات رحم محرم، أو مستمتعة، فإن كانت أجنبية فإما أن تكون حرة أو أمة فإن كانت حرة فجميع بدنها عورة، ولا يجوز له أن ينظر إلى شيء منها إلا الوجه والكفين، لأنها تحتاج إلى إبراز الوجه في البيع والشراء، وإلى إخراج الكف للأخذ والعطاء، ونعني بالكف ظهرها وبطنها إلى الكوعين، وقيل ظهر الكف عورة.
واعلم أنا ذكرنا أنه لا يجوز النظر إلى شيء من بدنها، ويجوز النظر إلى وجهها وكفها، وفي كل واحد من القولين استثناء.
أما قوله يجوز النظر إلى وجهها وكفها، فاعلم أنه على ثلاثة أقسام لأنه إما أن لا يكون فيه غرض ولا فيه فتنة، وإما أن يكون فيه فتنة ولا غرض فيه، وإما أن يكون فيه فتنة وغرض أما القسم الأول: فاعلم أنه لا يجوز أن يتعمد النظر إلى وجه الأجنبية لغير غرض وإن وقع بصره عليها بغتة يغض بصره، لقوله تعالى: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصـارهم }
وقيل يجوز مرة واحدة إذا لم يكن محل فتنة، وبه قال أبو حنيفة رحمه الله ولا يجوز أن يكرر النظر إليها لقوله تعالى: {إن السمع والبصر والفؤاد كل أولـائك كان عنه مسؤولا } (الإسراء: 36) ولقوله عليه السلام: «يا علي لا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليست لك الآخرة» وعن جابر قال: «سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة فأمرني أن أصرف بصري» ولأن الغالب أن الاحتراز عن الأولى لا يمكن فوقع عفوا قصد أو لم يقصد
أما القسم الثاني: وهو أن يكون فيه غرض ولا فتنة فيه فذاك أمور: أحدها: بأن يريد نكاح امرأة فينظر إلى وجهها وكفيها، روى أبو هريرة رضي الله عنه: «أن رجلا أراد أن يتزوج امرأة من الأنصار، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم انظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئا» وقال عليه الصلاة والسلام: «إذا خطب أحدكم المرأة فلا جناح عليه أن ينظر إليها إذا كان إنما ينظر إليها للخطبة»
وقال المغيرة بن شعبة «خطبت امرأة فقال عليه السلام نظرت إليها، فقلت لا، قال فانظر فإنها أحرى أن يدوم بينكما» فكل ذلك يدل على جواز النظر إلى وجهها وكفيها للشهوة إذا أراد أن يتزوجها، ويدل عليه أيضا قوله تعالى: {لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن } (الأحزاب: 52) ولا يعجبه حسنهن إلا بعد رؤية وجوههن
وثانيها: إذا أراد شراء جارية فله أن ينظر إلى ما ليس بعورة منها وثالثها: أنه عند المبايعة ينظر إلى وجهها متأملا حتى يعرفها عند الحاجة إليه ورابعها: ينظر إليها عند تحمل الشهادة ولا ينظر إلى غير الوجه لأن المعرفة تحصل به
أما القسم الثالث: وهو أن ينظر إليها للشهوة فذاك محظور، قال عليه الصلاة والسلام: «العينان تزنيان» وعن جابر قال: «سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجأة فأمرني أن أصرف بصري» وقيل: مكتوب في التوراة النظرة تزرع في القلب الشهوة، ورب شهوة أورثت حزنا طويلا. أما الكلام الثاني: وهو أنه لا يجوز للأجنبي النظر إلى بدن الأجنبية فقد استثنوا منه صورا
إحداها: يجوز للطبيب الأمين أن ينظر إليها للمعالجة، كما يجوز للختان أن ينظر إلى فرج المختون، لأنه موضع ضرورة. وثانيتها: يجوز أن يتعمد النظر إلى فرج الزانيين لتحمل الشهادة على الزنا، وكذلك ينظر إلى فرجها لتحمل شهادة الولادة، وإلى ثدي المرضعة لتحمل الشهادة على الرضاع،
وقال أبو سعيد الإصطخري لا يجوز للرجل أن يقصد النظر في هذه المواضع، لأن الزنا مندوب إلى ستره، وفي الولادة والرضاع تقبل شهادة النساء فلا حاجة إلى نظر الرجال للشهادة وثالثتها: لو وقعت في غرق أو حرق فله أن ينظر إلى بدنها ليخلصها
- رأي الثعلبي في تفسيره "الكشف والبيان" :
قال بعد أن حكى الخلاف مرجحا راي عائشة وابن عباس رضي الله عنهما:
وإنما رخص الله سبحانه ورخص رسوله في هذا القدر من بدن المرأة أن تبديها لأنه ليس بعورة فيجوز لها كشفه في الصلاة وسائر بدنها عورة فيلزمها ستره
انتهى كلامه وله كلام آخر في نفس الآية
فقد قال في تفسير "ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو..." الآية
قال:
ولا يبدين زينتهن الخفية التي أمرن بتغطيتها ولم يبح لهن كشفها في الصلاة وللأجنبيين وهي ما عدا الوجه والكفين وظهور القدمين إلا لبعولتهن أو آباء بعولتهن .........إلخ كلامه .
12- رأي ابن العربي في "أحكام القرآن" :
ذكر في الآية ثمانية مسائل ، قال في المسألة الرابعة
وَاخْتُلِفَ فِي الزِّينَةِ الظَّاهِرَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّهَا الثِّيَابُ يَعْنِي أَنَّهَا يَظْهَرُ مِنْهَا ثِيَابُهَا خَاصَّةً؛ قَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ. الثَّانِي: الْكُحْلُ وَالْخَاتَمُ؛ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْمِسْوَرُ. الثَّالِثُ: أَنَّهُ الْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ.
. وَهُوَ وَالْقَوْلُ الثَّانِي بِمَعْنًى، لِأَنَّ الْكُحْلَ وَالْخَاتَمَ فِي الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ، إلَّا أَنَّهُ يَخْرُجُ عَنْهُ بِمَعْنًى آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ الَّذِي يَرَى الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ هِيَ الزِّينَةُ الظَّاهِرَةُ يَقُولُ ذَلِكَ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا كُحْلٌ أَوْ خَاتَمٌ، فَإِنْ تَعَلَّقَ بِهَا الْكُحْلُ وَالْخَاتَمُ وَجَبَ سَتْرُهَا، وَكَانَتْ مِنْ الْبَاطِنَةِ.
. فَأَمَّا الزِّينَةُ الْبَاطِنَةُ فَالْقُرْطُ وَالْقِلَادَةُ وَالدُّمْلُجِ وَالْخَلْخَالِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ: الْخِضَابُ لَيْسَ مِنْ الزِّينَةِ الظَّاهِرَةِ. وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي السِّوَارِ؛ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: هِيَ مِنْ الزِّينَةِ الظَّاهِرَةِ؛ لِأَنَّهَا فِي الْيَدَيْنِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هِيَ مِنْ الزِّينَةِ الْبَاطِنَةِ؛ لِأَنَّهَا خَارِجَةٌ عَنْ الكفين وإنما تكون في الذراع. وَأَمَّا الْخِضَابُ فَهُوَ مِنْ الزِّينَةِ الْبَاطِنَةِ إذَا كَانَ فِي الْقَدَمَيْنِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ هِيَ الَّتِي فِي الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ، فَإِنَّهَا الَّتِي تَظْهَرُ فِي الصَّلَاةِ. وَفِي الْإِحْرَامِ عِبَادَةً، وَهِيَ الَّتِي تَظْهَرُ عَادَةً.
انتهى كلامه .
13- تفسير النسفي "مدارك التنزيل وحقائق التأويل":
في تفسيره لآية "إلا ما ظهر منها" قال:
( إلا ما ظهر منها ) إلا ماجرت العادة والجبلة على ظهوره وهو الوجه والكفان والقدمان ففى سترها حرج بين فإن المرأة لا تجديدا من مزاولة الأشياء بيديها ومن إلى كشف وجهها خصوصا فى الشهادة والمحاكمة والنكاح وتضطر إلى المشى فى الطرقات وظهور قدميها وخاصة الفقيرات منهن .
14-تفسير مراح لبيد "التفسير المنير لمعالم التنزيل" لنووي الجاوي:
{وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} وهي ثلاثة أمور:
أحدها: الثياب.
وثانيها: الحلي كالخاتم والسوار والخلخال، والدملج، والقلادة، والإكليل، والوشاح، والقرط.
وثالثها: الأصباغ كالحكل والخضاب بالوسمة في حاجبيها، والغمزة في خديها، والحناء في كفيها وقدميها.
{إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} عند مزاولة الأمور التي لا بد منها عادة كالخاتم والكحل، والخضاب في اليدين، والغمزة، والثياب. والسبب في تجويز النظر إليها إن في سترها حرجاً بيناً، لأن المرأة لا بد لها من مناولة الأشياء بيديها والحاجة إلى كشف وجهها في الشهادة، والمحاكمة والنكاح، وفي ذلك مبالغة في النهي عن إبداء مواضعها كما لا يخفى.
ثانيا: رأي المانعين من إبداء الوجه والكفين:
1-ابن الجوزي في زاد المسير:
قوله تعالى: {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ } أي: لا يظهرنها لغير مَحْرَم. وزينتهن على ضربين، خفية كالسوارين والقرطين والدملج والقلائد ونحو ذلك، وظاهر وهي المشار إليها بقوله {إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا } وفيه سبعة أقوال.
أحدهما: انها الثياب، رواه أبو الأحوص عن ابن مسعود، وفي لفظ آخر قال هو الرداء.
والثاني: أنها الكف والخاتم والوجه.
والثالث: الكحل والخاتم، رواهما سعيد بن جبير عن ابن عباس.
والرابع: القُلْبان، وهما السواران والخاتم والكحل، قاله المسور بن مخرمة.
والخامس: الكحل والخاتم والخضاب، قاله مجاهد.
والسادس: الخاتم والسوار، قاله الحسن.
والسابع: الوجه والكفان، قاله الضحاك.
قال القاضي أبو يعلى: والقول الاول أشبه، وقد نص عليه احمد، فقال: الزينة الظاهرة: الثياب، وكل شيء منها عورة حتى الظفر، ويفيد هذا تحريم النظر إلى شيء من الأجنبيات لغير عذر، فان كان لعذر مثل ان يريد أن يتزوجها أو يشهد عليها، فانه ينظر في الحالين إلى وجهها خاصة، فأما النظر إليها بغير عذر، فلا يجوز لا لشهوة ولا لغيرها وسواء في ذلك الوجه والكفان وغيرهما من البدن.
فان قيل: فلم لا تبطل الصلاة بكشف وجهها.
فالجواب: أن في تغطيته مشقة، فعفي عنه. انتهى.
2-البيضاوي في تفسيره "أنوار التنزيل وأسرار التأويل":
ولا يبدين زينتهن كالحلي والثياب والأصباغ فضلا عن مواضعها لمن لا يحل أن تبدى له إلا ما ظهر منها عند مزاولة الأشياء كالثياب والخاتم فإن في سترها حرجا وقيل المراد بالزينة مواضعها على حذف المضاف أو ما يعم المحاسن الخلقية والتزيينية والمستثنى هو الوجه والكفان لأنها ليست بعورة والأظهر أن هذا في الصلاة لا في النظر فإن كل بدن الحرة عورة لا يحل لغير الزوج والمحرم النظر إلى شيء منها إلا لضرورة كالمعالجة وتحمل الشهادة .انتهى.
*ابن أبي حاتم -عبد الرزاق- السيوطي وغيرهم ذكروا الخلاف فقط ولم يرجحوا شيئا وهذه طبيعة تفاسيرهم لمن يعرفها.
**ابن كثير -الشوكاني وغيرهما ذكرا أن راي الجمهور على جواز الإظهار ولكن لم يذكرا رأيهما ونحن هنا نتكلم عن موضع تفسير الآية .
***أبو حيان التوحيدي -الألوسي لم يتضح لهما رأي في المسألة في تفسيرهما لهذه الآية.
****لم نذكر آراء المفسرين المعاصرين كسيد قطب والشنقيطي وابن عاشور وغيرهم حتى لا يتعصب كل فريق لفريقه وندخل بوابة الانتقاص من العلماء.
ذكر بعض العلماء كالشيخ ابن عثيمين والشيخ إسماعيل المقدم بعض الاعتراضات على تفسير ابن عباس السابق وكان منها (نقلا عن رسالة الحجاب للشيخ ابن عثيمين):
أحدها: محتمل أن مراده أول الأمرين قبل نزول آية الحجاب كما ذكره شيخ الإسلام .
الثاني: يحتمل أن مراده الزينة التي نهى عن إبدائها كما ذكره ابن كثير في تفسيره ويؤيد هذين الاحتمالين تفسيره رضي الله عنه لقوله تعالى: {يأَيُّهَا النَّبِىُّ قُل لاَِزْوَجِكَ وَبَنَـتِكَ وَنِسَآءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَـبِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }.
الثالث: إذا لم نسلم أن مراده أحد هذين الاحتمالين فإن تفسيره لا يكون حجة يجب قبولها إلا إذا لم يعارضه صحابي آخر. فإن عارضه صحابي آخر أخذ بما ترجحه الأدلة الأخرى، وابن عباس رضي الله عنهما قد عارض تفسيره ابن مسعود رضي الله عنه حيث فسر قوله: {إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ ءَابَآئِهِنَّ أَوْ ءَابَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَآئِهِنَّ أَوْ أَبْنَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِى إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِى أَخَوَتِهِنَّ أَوْ نِسَآئِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَـنُهُنَّ أَوِ التَّـبِعِينَ غَيْرِ أُوْلِى الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُواْ عَلَى عَوْرَتِ النِّسَآءِ وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُواْ إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }. بالرداء والثياب وما لابد من ظهوره فوجب طلب الترجيح والعمل بما كان راجحاً في تفسيريهما.
الرد على هذه الاعتراضات:
الاعتراض الأول:
هذا مجرد احتمال لا يصح إلا بدليل خاصة إذا عرفنا أن ابن عباس يفتي متأخرا عن ابن مسعود -رضي الله عنهما-.
يقول الشيخ الألباني -رحمه الله- في كتابه جلباب المرأة المسلمة:
(ثم تأملت فبدا لي أن قول هؤلاء العلماء (الطبري والقرطبي) هو الصواب وأن ذلك من دقة نظرهم رحمهم الله وبيانه أن السلف اتفقوا على أن قوله تعالى (إلا ما ظهر منها) يعود إلى فعل يصدر من المرأة المكلفة غاية ما في الأمر أنهم اختلفوا فيما تظهره بقصد منها فابن مسعود يقول هو ثيابها أي جلبابها وابن عباس ومن معه من الصحابة وغيرهم يقول:هو الوجه والكفان منها. فمعنى الآية حينئذ: إلا ما ظهر عادة بإذن الشارع وأمره. ألست ترى أن المرأة لو رفعت من جلبابها حتى ظهر من تحته شيء من ثيابها وزينتها ـ كما يفعل ذلك بعض المتجلببات السعوديات ـ أنها تكون قد خالفت الآية باتفاق العلماء فقد التقى فعلها هذا مع فعلها الأول وكلاهما بقصد منها لا يمكن إلا هذا فمناط الحكم إذن في الآية ليس هو ما ظهر دون قصد من المرأة ـ فهذا مما لا مؤاخذة عليه في غير موضع الخلاف أيضا اتفاقا ـ وإنما هو فيما ظهر دون إذن من الشارع الحكيم فإذا ثبت أن الشرع سمح للمرأة بإظهار شيء من زينتها سواء كان كفا أو وجها أو غيرهما فلا يعترض عليه بما كنا ذكرناه من القصد لأنه مأذون فيه كإظهار الجلباب تماما كما بينت آنفا.
وقال أيضا في نفس الكتاب ( قلت : فابن عباس ومن معه من الأصحاب والتابعين والمفسرين إنما يشيرون بتفسيرهم لآية (إلا ما ظهر منها) إلى هذه العادة التي كانت معروفة عند نزولها وأقروا عليها فلا يجوز معارضة تفسيرهم بتفسير ابن مسعود الذي لم يتابعه عليه أحد من الصحابة لأمرين اثنين :
الأول: أنه أطلق الثياب ولا قائل بهذا الإطلاق لأنه يشمل الثياب الداخلية التي هي في نفسها زينة كما تفعله بعض السعوديات كما تقدم فإذن هو يريد منها الجلباب فقط الذي تظهره المرأة من ثيابها إذا خرجت من دارها.
الثاني: أن هذا التفسير ـ وإن تحمس له بعض المتشددين ـ لا ينسجم مع بقية الآية وهي : (ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن...)الآية فالزينة الأولى هي عين الزينة الثانية كما هو معروف في الأسلوب العربي : أنهم إذا ذكروا اسما معرفا ثم كرروه ، فهو هو ، فإذا كان الأمر كذلك ، فهل الآباء ومن ذكروا معهم في الآية لا يجوز لهم أن ينظروا إلا إلى ثيابهن الباطنة؟! ولذلك قال أبو بكر الجصاص رحمه الله في أحكام القرآن (3/316) :
"وقول ابن مسعود في أن (ما ظهر منها) هو الثياب ، لا معنى له ، لأنه معلوم أنه ذكر الزينة والمراد العضو الذي عليه الزينة ، ألا ترى أن سائر ما تتزين به من الحلي والقلب والخلخال والقلادة يجوز أن تظهرها للرجال إذا لم تكن هي لابستها ، فعلمنا أن المراد مواضع الزينة ، كما قال في نسق الآية بعد هذا : (ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن)، والمراد موضع الزينة ، فتأويلها على الثياب لا معنى له ، إذ كان مما يرى الثياب عليها دون شيء من بدنها كما يراها إذا لم تكن لابستها").
قال الشيخ أحمد بن محمد الشنقيطي في كتابه مواهب الجليل من أدلة خليل (1/148):
(من يتشبث بتفسير ابن مسعود : (إلا ما ظهر منها) يعني الملاية يجاب بأن خير ما يفسر به القرآن القرآن ، وأنه فسر زينة المرأة بالحلي ، قال تعالىولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن) ، فتعين حمل زينة المرأة على حليها).
ويقول الشيخ القرضاوي:
(الإستثناء في الآية يفهم منه قصد الرخصة والتيسير ، وظهور الثياب الخارجية كالعباءة والملاية ونحوهما أمر اضطراري لا رخصة فيه ولا تيسير).
الجواب على الاعتراض الثاني:
كونه يحتمل أنه أراد به الزينة التي نهين عن إبدائها احتمال غير صحيح ولو سلمناه في تفسير ابن عباس فما قولكم في تفسير ابن عمر -رضي الله عنهم- فقد قال إن الزينة الظاهرة هي الوجه والكفان؟ وقد مر في الآثار الواردة عن الصحابة وعد باقي الصحابة الاستثناء في الآية راجع إلى زينة الوجه والكفين (وقد قدمنا الآثار الواردة عن عائشة وأبي هريرة -رضي الله عنهما-) .
وكذا فسرها أكابر التابعين وقد قدمنا هذا.
أما الاعتراض بوجود تفسير لابن عباس يعارض ما ذهب إليه فهو أثر ضعيف لا يصح.
الجواب على الاعتراض الثالث:
نحيل فيه إلى ما قاله الشيخ الألباني والشيخ الشنقيطي والشيخ القرضاوي في الجواب على الاعتراض الأول.
قول الله تعالى: "وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها......."الآية
ونبدأ الآن في الآثار الصحيحة الواردة عن الصحابة عليهم الرضوان:
أولا:ما جاء عن سيدنا عبد الله بن عباس -رضي الله عنه-:
قال ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (3\546) :
حدثنا زياد بن الربيع، عن صالح الدهان، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس:
(ولا يبدين زينتهن) قال : الكف ورقعة الوجه.
وقد أخرجه أيضا عبد بن حميد وابن أبي حاتم كما ذكر السيوطي في الدر المنثور.
قال الشيخ الألباني في كتابه الرد المفحم:
وهذا إسناد صحيح، لا يضعفه إلا جاهل أو مُغرض، فإن رجاله ثقات ، فأبدأ بشيخ ابن أبي شيبة زياد بن الربيع، فهو ثقة دون أي خلاف يذكر ، وقد احتج به البخاري في "صحيحه".
وصالح الدهان ثقة أيضاً، كما قال ابن معين. وقال احمد في "العلل" (2/33):
" ليس به بأس ".
وذكره ابن حبان في "الثقات"(6/457).
وأما جابر بن زيد –وهو أبو الشعثاء الأزدي-فهو أشهر من أن يذكر ، ومن ثقات التابعين المشهورين بالأخذ عن ابن عباس، وخرَّج له الشيخان، وشهد له ابن عباس بأنه من العلماء بكتاب الله .انتهى كلامه.
وقد كتم هذا الأثر كل من تكلموا عن وجوب النقاب كالشيخ التويجري والشيخ المقدم والشيخ العدوي والسندي غيرهم.
وهذا الأثر لا يستطيع أي شخص أن يضعفه.
ثانيا: ما جاء عن سيدنا عبد الله بن عمر -رضي الله عنه-:
قال ابن أبي شيبة في ((المصنف)) ( 3\546) :
حدثنا شبابة بن سوار، قال: حدثنا هشام بن الغاز، قال : حدثنا نافع، قال ابن عمر: الزينة الظاهرة : الوجه والكفان.
ورواه أيضا يحي بن معين كما في (الجزء الثاني من حديث يحيى بن معين برواية المروزي عنه) ص 90 رقم (14) قال ابن معين ثنا يحيى بن يمان ثنا هشام بن الغاز عن نافع عن ابن عمر قال : الكف والوجه.
وهذا إسناد ظاهر الصحة صححه ابن حزم في المحلى والألباني في الرد المفحم.
ثالثا: ما جاء عن أمنا عائشة -رضي الله عنها-:
ذكر السيوطي في الدر المنثور:
أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد، وابن المنذر، والبيهقي في سننه، عن عائشة رضي الله عنها: أنها سئلت عن الزينة الظاهرة فقالت: القلب والَفَتخ، وضمت طرف كمها.
وأعلى هذه الأسانيد فيما أعرف سند ابن أبي شيبة حيث قال:
حدثنا وكيع عن حماد بن سلمة عن أم شبيب عن عائشة به.
وتابع وكيع (وهو لا يحتاج لمتابعة) عند البيهقي روح وهو بن عبادة وهو ثقة مصنف.
وهذا السند سند لا مطعن فيه:
فحماد بن سلمة إمام ثقة تغير حفظه بآخره ولا مخالف له هنا.
وأم شبيب صحابية راوية عن عائشة ذكرها ابن سعد في الطبقات في طبقات البدريين من الأنصار وذكرها أبو نعيم الأصبهاني في معرفة الصحابة.
وقد صحح هذا الأثر ابن حزم في المحلى.
رابعاً : ما جاء عن سيدنا عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-:
أخرج ابن جرير -وغيره- في تفسيره (18\92) من طريق : شعبة ، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، من عبد الله ، قال: (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) قال: الثياب.
وهذا إسناد صحيح لا مطعن فيه إلا ما جاء في تدليس أبي إسحاق ولكنه من رواية شعبة عنه، وشعبة لا يروي عن شيوخه الذين وصفوا بالتدليس إلا ما ثبت له أنهم سمعوه.
وهناك أثر عن سيدنا أنس بن مالك ذكر السيوطي في الدر المنثور أن ابن المنذر رواه وذكر الألباني أن البيهقي علقه عنه.
ولكن لم نقف على سنده حيث أن كتاب الأوسط لابن المنذر لم يطبع كاملا والجزء المطبوع منه لا يوجد به الأثر.
وتعليق البيهقي للأثر بلا سند.
فنحن متوقفون فيه حتى نرى السند.
وهذا هو الأثر كما ذكره السيوطي:
أخرج ابن المنذر عن أنس في قوله: (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) قال: الكحل والخاتم.
بعد أن انتيهنا من إيراد الآثار الصحيحة الواردة عن الصحابة وذكرنا أن ممن قالوا بأن الاستثناء الوارد في الآية راجع إلى جواز إبداء الوجه والكفين وزينتهما: سيدنا عبد الله بن عباس وأمنا عائشة وسيدنا عبد الله بن عمر -رضي الله عن الجميع-.
وممن قالوا بأن الاستثناء عائد على الثياب: سيدنا عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-.
نقول: بعد ان انتهينا من كل هذا سنورد هنا ما صح عن التابعين .
فنبدأ باسم الله:
أولا: ما ورد عن التابعين في أن المستثنى هو الثياب:
1- إبراهيم النخعي -رحمه الله-:
جاء في تفسير الإمام سفيان الثوري بسند صحيح عن إبراهيم النخعي في قوله تعالى "ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها" قال: هو ما فوق الذراع.
,وفي مصنف ابن أبي شيبة بسند صحيح عن إبراهيم قال: الثياب.
,وفي تفسير الطبري بسند صحيح عن إبراهيم قال: الثياب.
2-عبيدة السلماني -رحمه الله-:
في جزء يحيى بن معين بسند صحيح عن محمد بن سيرين عن عبيدة "ولا يبدين زينتهن غلا ما ظهر منها" قال: الثياب.
3-أبو الأحوص عوف بن مالك الجشمي -رحمه الله-:
أخرج ابن أبي شيبة في مصنفه بسند صحيح عنه في قوله تعالى "إلا ما ظهر منها" قال: الثياب.
4-أبو إسحاق السبيعي -رحمه الله-:
رواه ابن جرير [التفسير 17/257] بسنده: عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله بن مسعود قال: {إلا ما ظهر منها}، قال: الثياب.
قال أبو إسحاق: "ألا ترى أنه قال: {خذوا زينتكم عند كل مسجد}".
وهذا سند فيه تدليس أبي إسحاق وليس من رواية شعبة عنه فهذا السند ضعيف.
وإن كان الشاهد هو رأي أبي إسحاق الموافق لتفسير ابن مسعود -رضي الله عنه-.
هذا معظم ما صح ولم نقف على شئ صحيح غير هذا .
***وما ادعاه البعض من أنه ورد عن الحسن فهذا لم يصح عنه فإن في سنده مجهول وهو مخرج عند الطبري في التفسير وفوق هذا فقد صح عنه أن المستثنى هو الوجه والثياب وسيأتي.
وما ورد عن ابن سيرين فهو في غير هذه الآية وسيأتي كما أنه يروي عن غيره ولا يلزم أن يكون هذا رأيه كما هو معروف.
وأما ورد عن أبي الجوزاء لم نجد له أثر ولا سند فهل يدلنا أحد على سنده؟!!
ثانيا: ما ورد عن التابعين في أن المستثنى هو الوجه وزينته والكف وزينتها:
1-عطاء بن أبي رباح -رحمه الله-:
أخرج ابن أبي شيبة بسند صحيح عن هشام بن الغاز قال: سمعت عطاء يقول: الزينة الظاهرة الخضاب والكحل.
,وأخرج الطبري بسند صحيح عن عطاء أنه قال في قوله تعالى "إلا ما ظهر منها": الكفان والوجه.
2-قتادة بن دعامة -رحمه الله-:
أخرج عبد الرزاق في تفسيره بسند صحيح عن قتادة في قوله تعالى "إلا ما ظهر منها": المسكتان والكحل.
ورواه من طريقه ابن جرير في تفسيره بسند صحيح عنه.
,وأخرج الطبري في التفسير بسند صحيح عن قتادة في قوله تعالى "إلا ما ظهر منها": الكحل والسواران والخاتم.
3-عبد الرحمن الأوزاعي -رحمه الله-:
أخرج الطبري في تفسيره بسند حسن أن الأوزاعي سئل عن قوله تعالى "إلا ما ظهر منها" قال: الكفين والوجه.
4-عبد الرحمن بن زيد بن أسلم -رحمه الله-:
أخرج الطبري في تفسيره بسند صحيح عنه أنه قال في قوله تعالى "إلا ما ظهر منها" من الزينة الكحل، والخضاب والخاتم؛ هكذا كانوا يقولون وهذا يراه الناس.
وابن زيد بن اسلم وإن كان ضعيفا في روايته عن غيره كما هو معلوم إلا أنه صاحب تفسير كما قال الذهبي وصالح في نفسه كما قال أبو حاتم وهذا رأيه.
5-الحسن البصري -رحمه الله-:
أخرج ابن أبي الدنيا في العيال بسند صحيح عن الحسن قال: ما ظهر منها الوجه والثياب.
,وأخرج الطبري بسندين صحيحين عن الحسن أنه قال: الوجه والثياب.
والسند الأول لا خلاف فيه وقد احبننا أن نذكر السند الثاني فقد يتهور عليه بعض المتطفلين:
قال الطبري:حدثنا ابن بشار (وهو ثقة روى له الجماعة)، قال ثنا ابن أبي عدي (ثقة روى له الجماعة وشذ أبو حاتم في الحكم عليه)، وعبد الأعلى (وهو ابن عبد الأعلى وهو ثقة)، عن سعيد (هو ابن أبي عروبة ثقة معروف)، عن قتادة (وهو ثقة ربما دلس إلا أنه أعلم أصحاب الحسن كما قال أبو زرعة وأكبرهم كما قال أبو حاتم) ، عن الحسن، في قوله: {ولا تبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} قال: الوجه والثياب.
وهذا سند صحيح.
-الشعبي -رحمه الله-:
أخرج ابن أبي شيبة بسند صحيح عن الشعبي قال في قوله تعالى "إلا ما ظهر منها": الكحل والثياب.
7-مكحول -رحمه الله-:
أخرج ابن أبي شيبة بسند صحيح أن مكحول قال: الزينة الظاهرة الوجه والكفان.
8-وكيع -رحمه الله-:
أخرج ابن أبي شيبة بسند صحيح عن عكرمة قال: "ما ظهر منها" قال: الوجه وثغرة النحر.
,وفي جزء يحيى بن معين بسند صحيح عن عكرمة في قوله تعالى "إلا ما ظهر منها" قال: ثيابها وكحلها وخضابها.
***وقد وقفت على آثار أخرى لا تصح في هذا الرأي عن مجاهد (وقد وهم بعضهم في تصحيحه ولم ينتبه لعلته) ,وسعيد بن جبير ,والضحاك وغيرهم ولكن كل هذا لا يصح عنهم.
بعد ان أوردنا أقوال الصحابة والتابعين -رضي الله عنهم- في الآية وأنهم على رأيين نلخص ما سبق:
أولا:
رأي جمهورهم على جواز إبداء الوجه والكفين زينتهما وهو رأي:
من الصحابة:
عبد الله بن عباس -عبد الله بن عمر -عائشة رضي الله عنهم.
ومن التابعين:
عطاء بن أبي رباح- قتادة بن دعامة -الأوزاعي-عبد الرحمن بن زيد بن أسلم-الحسن البصري -الشعبي- مكحول -وكيع رحمهم الله تعالى.
وقد أورد الحافظ ابن كثير أثرا رواه مالك عن الزهري ولم أقف على سنده وهناك أثران آخران أشار إليهما ابن كثير وغيره عن أبي الشعثاء وعن إبراهيم النخعي لم أقف على سندهما أيضا.
ثانيا:
رأي الآخرين على عدم جواز ما سبق وأن المقصود بالمستثنى هو الثياب:
من الصحابة:
عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-.
ومن التابعين:
إبراهيم النخعي -عبيدة السلماني-أبو الأحوص- أبو إسحاق السبيعي.رحمهم الله تعالى.
وهناك أثر عن أبي الجوزاء أشار إليه ابن كثير وغيره ولم أقف له على سند.
وسنبدأ من المشاركة القادمة في إيراد أقوال المفسرين -رحمهم الله- في هذه الآية.
أقوال المفسرين في الآية:
ونحن هنا سنذكر ما كان صريحا فلن نذكر من اكتفى بحكاية الأقوال فقط كابن أبي حاتم والسيوطي ولا من اكتفى بذكرها وقال بأن الجواز هو رأي الجمهور كابن كثير والشوكاني ولا من قال بالجواز ولكن منع الإبداء سدا للفتنة كما في الجلالين.
أولا: رأي من اجاز للمرأة أن تبدي وجهها وكفيها:
1- الطبري في تفسيره "جامع البيان":
بعد أن حكى الطبري الخلاف قال:
(( وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : عنى بذلك الوجه والكفين، يدخل في ذلك ـ إذا كان كذلك ـ الكحل والخاتم والسوار والخضاب، وإنما قلنا : ذلك أولى الأقوال في ذلك بالتأويل، لاجتماع الجميع على أن علىكل مصلٍّ أن يستر عورته في صلاته، وأن للمرأة أن تكشف وجهها وكفيها في صلاتها، وأن عليها أن تستر ماعدا ذلك من بدنها، إلا ما روي عن النبي e أنه أباح لها أن تبدي من ذراعها قدر النصف، فإذا كان ذلك من جميعهم إجماعاً، كان معلوماً بذلك أن لها أن تبدي من بدنها ما لم يكن عورة كما ذلك للرجال، لأن ما لم يكن عورة فغير حرام إظهاره ، وإذا كان لها إظهار ذلك؛ كان معلوماً أنه مما استثنى الله تعالى ذكره بقوله: {إلا ما ظهر منها } [ النور :31 ]، لأن كل ذلك ظاهر منها )) .
2- ويؤيده أيضاً ما في (( تفسير القرطبي )) "الجامع لأحكام القرآن" :
(( وقال ابن عطية : ويظهر لي بحكم ألفاظ الآية أن المرأة مأمورة بأن لا تبدي، وأن تجتهد في الإخفاء لكل ما هو زينة، ووقع الاستثناء فيما يظهر بحكم ضرورة حركة فيما لا بد منه، أو إصلاح شأن، ونحو ذلك فـ{ ما ظهر } على هذا الوجه مما تؤدي إليه الضرورة في النساء فهو المعفو عنه )) .
قال القرطبي :
(( قلت : هذا قول حسن، إلا أنه لما كان الغالب من الوجه والكفين ظهورهما عادة وعبادة، وذلك في الصلاة والحج، فيصلح أن يكون الاستثناء راجعاً إليهما، يدل على ذلك ما رواه أبو داود عن عائشة رضي الله عنها : أن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما دخلت عل رسول الله e وعليها ثياب رقاق، فأعرض عنها رسول الله e ، وقال لها : يا أسماء ! إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يُرَى منها إلا هذا، وأشار إلى وجهه وكفيه، فهذا أقوى في جانب الاحتياط ولمراعاة فساد الناس، فلا تبدي المرأة من زينتها إلا ما ظهر من وجهها وكفيها، والله الموفق لا رب سواه )) .
3-البغوي في تفسيره "معالم التنزيل":
واختلف أهل العلم في هذه الزينة الظاهرة التي استثناها الله تعالى قال سعيد بن جبير والضحاك والأوزاعي هو الوجه والكفان وقال ابن مسعود هي الثياب بدليل قوله تعالى ( خذوا زينتكم عند كل مسجد ) وأراد بها الثياب وقال الحسن الوجه والثياب وقال ابن عباس الكحل والخاتم والخضاب في الكف فما كان من الزينة الظاهرة جاز للرجل الأجنبي النظر إليه إذا لم يخف فتنة وشهوة فإن خاف شيئا منها غض البصر وإنما رخص في هذا القدر أن تبديه المرأة من بدنها لأنه ليس بعورة وتؤمر بكشفه في الصلاة وسائر بدنها عورة يلزمها ستره.
4- الزمخشري في "الكشاف":
الزينة: ما تزينت به المرأة من حلي أو كحل أو خضاب فما كان ظاهراً منها كالخاتم والفتخة والكحل والخضاب فلا بأس بإبدائه للأجانب وما خفي منها كالسوار والخلخال والدملج والقلادة والإكليل والوشاح والقرط فلا تبديه إلا لهؤلاء المذكورين.
وذكر الزينة دون مواقعها: للمبالغة في الأمر بالتصون والتستر لأن هذه الزين واقعة على مواضع من الجسد لا يحل النظر إليها لغير هؤلاء وهي الذراع والساق والعضد والعنق والرأس والصدر والأذن فنهى عن إبداء الزين نفسها. ليعلم أن النظر إذا لم يحل إليها لملابستها تلك المواقع - بدليل أن النظر إليها غير ملابسة لها لا مقال في حله - كان النظر إلى المواقع أنفسها متمكناً في الحظر ثابت القدم في الحرمة شاهداً على أن النساء حقهن أن يحتطن في سترها ويتقين الله في الكشف عنها. فإن قلت: ما تقول في القراميل هل يحل نظر هؤلاء إليها؟
قلت: نعم.
فإن قلت: أليس موقعها الظهر ولا يحل لهم النظر إلى ظهرها وبطنها وربما ورد الشعر فوقعت القراميل على ما يحاذي ما تحت السرة
قلت: الأمر كما قلت ولكن أمر القراميل خلاف أمر سائر الحلي لأنه لا يقع إلا فوق اللباس ويجوز النظر إلى الثوب الواقع على الظهر والبطن للأجانب فضلاً عن هؤلاء. إلا إذا كان يصف لرقته فلا يحل النظر إليه فلا يحل النظر إلى القراميل واقعة عليه. فإن قلت: ما المراد بموقع الزينة ذلك العضو كله أم المقدار الذي تلبسه الزينة منه قلت: الصحيح أنه العضو كله كما فسرت مواقع الزينة الخفية وكذلك مواقع الزينة الظاهرة: الوجه موقع الكحل في عينيه والخضاب بالوسمة في حاجبيه وشاربيه والغمرة في خديه والكف والقدم موقعا الخاتم والفتحة والخضاب بالحناء. فإن قلت: لم سومح مطلقاً في الزينة الظاهرة قلت: لأن سترها فيه حرج فإن المرأة لا تجد بداً من مزواولة الأشياء بيديها ومن الحاجة إلى كشف وجهها خصوصاً في الشهادة والمحاكمة والنكاح وتضطر إلى المشي في الطرقات وظهرو قدميها وخاصة الفقيرات منهن وهذا معنى قوله:
( إلا ما ظهر منها ) يعني إلا ما جرت العادة والجبلة على ظهوره والأصل فيه الظهور.
5- قال أبو بكر الجصاص رحمه الله في ( أحكام القرآن ) ( 3/316 ) :
( وقول ابن مسعود في أن ( مَا ظَهَرَ مِنْهَا ) هو الثياب؛ لا معنى له؛ لأنه معلوم أنه ذكر الزينة ، والمراد العضو الذي عليه الزينة ، ألا ترى أن سائر ما تتزين به من الحلي والقُلب والخلخال والقلادة يجوز أن تظهرها للرجال إذا لم تكن هي لابستها ، فعلمنا أن المراد مواضع الزينة ، كما قال في نسق الآية بعد هذا: ( ولا يُبْدِيْنَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ ) ، والمراد موضع الزينة ، فتأويلها على الثياب لا معنى له ، إذ كان مما يرى الثياب عليها دون شيء من بدنها كما يراها إذا لم تكن لابستها ) .
-الواحدي في تفسيره "الوجيز":
( ولا يبدين زينتهن ) يعني الخلخالين والقرطين والقلائد والدماليج ونحوها مما يخفى ، ( إلا ما ظهر منها ) وهو الثياب والكحل والخاتم والخضاب والسوار فلا يجوز للمرأة أن تظهر إلا وجهها ويديها إلى نصف الذراع .
7- في تفسير السمعاني :
على هذا يجوز النظر إلى وجه المرأة وكفيها من غير شهوة ، وإن خاف الشهوة غض البصر ، واعلم أن الزينة زينتان : زينة ظاهرة ، زينة باطنة، فالزينة الظاهرة هي الكحل والفتخة والخضاب إذا كان في الكف ، وأما الخضاب في القدم فهو الزينة الباطنية ، وأما السوار في اليد ، فعن عائشة أنه من الزينة الظاهرة ، والأصح أنه من الزينة الباطنة ، وهو قول أكثر أهل العلم ، وأما الدملج [والمخنقة] والقلادة ، وما أشبه ذلك فهو من الزينة الباطنة ، فما كان من الزينة الظاهرة يجوز للأجنبي النظر إليه من غير شهوة ، وما كان من الزينة الباطنة لا يجوز للأجنبي النظر إليها ، وأما الزوج ينظر ويتلذذ ، وأما المحارم ينظرون من غير تلذذ .
8- رأي السمرقندي في تفسيره "بحر العلوم":
والنظر إلى النساء على أربع مراتب:
في وجه يجوز النظر إلى جميع أعضائها وهي النظر إلى زوجته وأمته
وفي وجه يجوز النظر إلى الوجه والكفين وهو النظر إلى المرأة التي لا يكون محرما لها ويأمن كل واحد منهما على نفسه فلا بأس بالنظر عند الحاجة
وفي وجه يجوز النظر إلى الصدر والساق والرأس والساعد وهو النظر إلى إمرأة ذي رحم أو ذات رحم محرم مثل الأخت والأم والعمة والخالة وأولاد الأخ والأخت وإمرأة الأب وإمرأة الإبن وأم المرأة سواء كان من قبل الرضاع أو من قبل النسب
وفي وجه لا يجوز النظر إلى شيء وهو أن يخاف أن يقع في الإثم إذا نظر.
انتهى كلامه .
9- رأي أبي السعود في تفسيره "إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم":
( ولا يبدين زينتهن ) كالحلى وغيرها مما يتزين به وفيه من المبالغة في النهي عن إبداء مواضعها ما لا يخفى ( إلا ما ظهر منها ) عند مزوالة الأمور التي لا بد منها عادة كالخاتم والكحل والخضاب ونحوها فإن في سترها حرجا بيننا وقيل المراد بالزينة مواضعها على حذف المضاف أو ما يعم المحاسن الخلقية والتزيينة والمستثنى هو الوجه والكفان لأنها ليست بعورة
انتهى كلامه .
10- رأي الرازي في تفسيره "مفاتيح الغيب":
اعلم أن العورات على أربعة أقسام عورة الرجل مع الرجل وعورة المرأة مع المرأة وعورة المرأة مع الرجل وعورة الرجل مع المرأة
ثم قال بعدها في عورة المرأة مع الرجل
ما يلي:
أما عورة المرأة مع الرجل فالمرأة إما أن تكون أجنبية أو ذات رحم محرم، أو مستمتعة، فإن كانت أجنبية فإما أن تكون حرة أو أمة فإن كانت حرة فجميع بدنها عورة، ولا يجوز له أن ينظر إلى شيء منها إلا الوجه والكفين، لأنها تحتاج إلى إبراز الوجه في البيع والشراء، وإلى إخراج الكف للأخذ والعطاء، ونعني بالكف ظهرها وبطنها إلى الكوعين، وقيل ظهر الكف عورة.
واعلم أنا ذكرنا أنه لا يجوز النظر إلى شيء من بدنها، ويجوز النظر إلى وجهها وكفها، وفي كل واحد من القولين استثناء.
أما قوله يجوز النظر إلى وجهها وكفها، فاعلم أنه على ثلاثة أقسام لأنه إما أن لا يكون فيه غرض ولا فيه فتنة، وإما أن يكون فيه فتنة ولا غرض فيه، وإما أن يكون فيه فتنة وغرض أما القسم الأول: فاعلم أنه لا يجوز أن يتعمد النظر إلى وجه الأجنبية لغير غرض وإن وقع بصره عليها بغتة يغض بصره، لقوله تعالى: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصـارهم }
وقيل يجوز مرة واحدة إذا لم يكن محل فتنة، وبه قال أبو حنيفة رحمه الله ولا يجوز أن يكرر النظر إليها لقوله تعالى: {إن السمع والبصر والفؤاد كل أولـائك كان عنه مسؤولا } (الإسراء: 36) ولقوله عليه السلام: «يا علي لا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليست لك الآخرة» وعن جابر قال: «سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة فأمرني أن أصرف بصري» ولأن الغالب أن الاحتراز عن الأولى لا يمكن فوقع عفوا قصد أو لم يقصد
أما القسم الثاني: وهو أن يكون فيه غرض ولا فتنة فيه فذاك أمور: أحدها: بأن يريد نكاح امرأة فينظر إلى وجهها وكفيها، روى أبو هريرة رضي الله عنه: «أن رجلا أراد أن يتزوج امرأة من الأنصار، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم انظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئا» وقال عليه الصلاة والسلام: «إذا خطب أحدكم المرأة فلا جناح عليه أن ينظر إليها إذا كان إنما ينظر إليها للخطبة»
وقال المغيرة بن شعبة «خطبت امرأة فقال عليه السلام نظرت إليها، فقلت لا، قال فانظر فإنها أحرى أن يدوم بينكما» فكل ذلك يدل على جواز النظر إلى وجهها وكفيها للشهوة إذا أراد أن يتزوجها، ويدل عليه أيضا قوله تعالى: {لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن } (الأحزاب: 52) ولا يعجبه حسنهن إلا بعد رؤية وجوههن
وثانيها: إذا أراد شراء جارية فله أن ينظر إلى ما ليس بعورة منها وثالثها: أنه عند المبايعة ينظر إلى وجهها متأملا حتى يعرفها عند الحاجة إليه ورابعها: ينظر إليها عند تحمل الشهادة ولا ينظر إلى غير الوجه لأن المعرفة تحصل به
أما القسم الثالث: وهو أن ينظر إليها للشهوة فذاك محظور، قال عليه الصلاة والسلام: «العينان تزنيان» وعن جابر قال: «سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجأة فأمرني أن أصرف بصري» وقيل: مكتوب في التوراة النظرة تزرع في القلب الشهوة، ورب شهوة أورثت حزنا طويلا. أما الكلام الثاني: وهو أنه لا يجوز للأجنبي النظر إلى بدن الأجنبية فقد استثنوا منه صورا
إحداها: يجوز للطبيب الأمين أن ينظر إليها للمعالجة، كما يجوز للختان أن ينظر إلى فرج المختون، لأنه موضع ضرورة. وثانيتها: يجوز أن يتعمد النظر إلى فرج الزانيين لتحمل الشهادة على الزنا، وكذلك ينظر إلى فرجها لتحمل شهادة الولادة، وإلى ثدي المرضعة لتحمل الشهادة على الرضاع،
وقال أبو سعيد الإصطخري لا يجوز للرجل أن يقصد النظر في هذه المواضع، لأن الزنا مندوب إلى ستره، وفي الولادة والرضاع تقبل شهادة النساء فلا حاجة إلى نظر الرجال للشهادة وثالثتها: لو وقعت في غرق أو حرق فله أن ينظر إلى بدنها ليخلصها
- رأي الثعلبي في تفسيره "الكشف والبيان" :
قال بعد أن حكى الخلاف مرجحا راي عائشة وابن عباس رضي الله عنهما:
وإنما رخص الله سبحانه ورخص رسوله في هذا القدر من بدن المرأة أن تبديها لأنه ليس بعورة فيجوز لها كشفه في الصلاة وسائر بدنها عورة فيلزمها ستره
انتهى كلامه وله كلام آخر في نفس الآية
فقد قال في تفسير "ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو..." الآية
قال:
ولا يبدين زينتهن الخفية التي أمرن بتغطيتها ولم يبح لهن كشفها في الصلاة وللأجنبيين وهي ما عدا الوجه والكفين وظهور القدمين إلا لبعولتهن أو آباء بعولتهن .........إلخ كلامه .
12- رأي ابن العربي في "أحكام القرآن" :
ذكر في الآية ثمانية مسائل ، قال في المسألة الرابعة
وَاخْتُلِفَ فِي الزِّينَةِ الظَّاهِرَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّهَا الثِّيَابُ يَعْنِي أَنَّهَا يَظْهَرُ مِنْهَا ثِيَابُهَا خَاصَّةً؛ قَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ. الثَّانِي: الْكُحْلُ وَالْخَاتَمُ؛ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْمِسْوَرُ. الثَّالِثُ: أَنَّهُ الْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ.
. وَهُوَ وَالْقَوْلُ الثَّانِي بِمَعْنًى، لِأَنَّ الْكُحْلَ وَالْخَاتَمَ فِي الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ، إلَّا أَنَّهُ يَخْرُجُ عَنْهُ بِمَعْنًى آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ الَّذِي يَرَى الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ هِيَ الزِّينَةُ الظَّاهِرَةُ يَقُولُ ذَلِكَ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا كُحْلٌ أَوْ خَاتَمٌ، فَإِنْ تَعَلَّقَ بِهَا الْكُحْلُ وَالْخَاتَمُ وَجَبَ سَتْرُهَا، وَكَانَتْ مِنْ الْبَاطِنَةِ.
. فَأَمَّا الزِّينَةُ الْبَاطِنَةُ فَالْقُرْطُ وَالْقِلَادَةُ وَالدُّمْلُجِ وَالْخَلْخَالِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ: الْخِضَابُ لَيْسَ مِنْ الزِّينَةِ الظَّاهِرَةِ. وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي السِّوَارِ؛ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: هِيَ مِنْ الزِّينَةِ الظَّاهِرَةِ؛ لِأَنَّهَا فِي الْيَدَيْنِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هِيَ مِنْ الزِّينَةِ الْبَاطِنَةِ؛ لِأَنَّهَا خَارِجَةٌ عَنْ الكفين وإنما تكون في الذراع. وَأَمَّا الْخِضَابُ فَهُوَ مِنْ الزِّينَةِ الْبَاطِنَةِ إذَا كَانَ فِي الْقَدَمَيْنِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ هِيَ الَّتِي فِي الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ، فَإِنَّهَا الَّتِي تَظْهَرُ فِي الصَّلَاةِ. وَفِي الْإِحْرَامِ عِبَادَةً، وَهِيَ الَّتِي تَظْهَرُ عَادَةً.
انتهى كلامه .
13- تفسير النسفي "مدارك التنزيل وحقائق التأويل":
في تفسيره لآية "إلا ما ظهر منها" قال:
( إلا ما ظهر منها ) إلا ماجرت العادة والجبلة على ظهوره وهو الوجه والكفان والقدمان ففى سترها حرج بين فإن المرأة لا تجديدا من مزاولة الأشياء بيديها ومن إلى كشف وجهها خصوصا فى الشهادة والمحاكمة والنكاح وتضطر إلى المشى فى الطرقات وظهور قدميها وخاصة الفقيرات منهن .
14-تفسير مراح لبيد "التفسير المنير لمعالم التنزيل" لنووي الجاوي:
{وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} وهي ثلاثة أمور:
أحدها: الثياب.
وثانيها: الحلي كالخاتم والسوار والخلخال، والدملج، والقلادة، والإكليل، والوشاح، والقرط.
وثالثها: الأصباغ كالحكل والخضاب بالوسمة في حاجبيها، والغمزة في خديها، والحناء في كفيها وقدميها.
{إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} عند مزاولة الأمور التي لا بد منها عادة كالخاتم والكحل، والخضاب في اليدين، والغمزة، والثياب. والسبب في تجويز النظر إليها إن في سترها حرجاً بيناً، لأن المرأة لا بد لها من مناولة الأشياء بيديها والحاجة إلى كشف وجهها في الشهادة، والمحاكمة والنكاح، وفي ذلك مبالغة في النهي عن إبداء مواضعها كما لا يخفى.
ثانيا: رأي المانعين من إبداء الوجه والكفين:
1-ابن الجوزي في زاد المسير:
قوله تعالى: {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ } أي: لا يظهرنها لغير مَحْرَم. وزينتهن على ضربين، خفية كالسوارين والقرطين والدملج والقلائد ونحو ذلك، وظاهر وهي المشار إليها بقوله {إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا } وفيه سبعة أقوال.
أحدهما: انها الثياب، رواه أبو الأحوص عن ابن مسعود، وفي لفظ آخر قال هو الرداء.
والثاني: أنها الكف والخاتم والوجه.
والثالث: الكحل والخاتم، رواهما سعيد بن جبير عن ابن عباس.
والرابع: القُلْبان، وهما السواران والخاتم والكحل، قاله المسور بن مخرمة.
والخامس: الكحل والخاتم والخضاب، قاله مجاهد.
والسادس: الخاتم والسوار، قاله الحسن.
والسابع: الوجه والكفان، قاله الضحاك.
قال القاضي أبو يعلى: والقول الاول أشبه، وقد نص عليه احمد، فقال: الزينة الظاهرة: الثياب، وكل شيء منها عورة حتى الظفر، ويفيد هذا تحريم النظر إلى شيء من الأجنبيات لغير عذر، فان كان لعذر مثل ان يريد أن يتزوجها أو يشهد عليها، فانه ينظر في الحالين إلى وجهها خاصة، فأما النظر إليها بغير عذر، فلا يجوز لا لشهوة ولا لغيرها وسواء في ذلك الوجه والكفان وغيرهما من البدن.
فان قيل: فلم لا تبطل الصلاة بكشف وجهها.
فالجواب: أن في تغطيته مشقة، فعفي عنه. انتهى.
2-البيضاوي في تفسيره "أنوار التنزيل وأسرار التأويل":
ولا يبدين زينتهن كالحلي والثياب والأصباغ فضلا عن مواضعها لمن لا يحل أن تبدى له إلا ما ظهر منها عند مزاولة الأشياء كالثياب والخاتم فإن في سترها حرجا وقيل المراد بالزينة مواضعها على حذف المضاف أو ما يعم المحاسن الخلقية والتزيينية والمستثنى هو الوجه والكفان لأنها ليست بعورة والأظهر أن هذا في الصلاة لا في النظر فإن كل بدن الحرة عورة لا يحل لغير الزوج والمحرم النظر إلى شيء منها إلا لضرورة كالمعالجة وتحمل الشهادة .انتهى.
*ابن أبي حاتم -عبد الرزاق- السيوطي وغيرهم ذكروا الخلاف فقط ولم يرجحوا شيئا وهذه طبيعة تفاسيرهم لمن يعرفها.
**ابن كثير -الشوكاني وغيرهما ذكرا أن راي الجمهور على جواز الإظهار ولكن لم يذكرا رأيهما ونحن هنا نتكلم عن موضع تفسير الآية .
***أبو حيان التوحيدي -الألوسي لم يتضح لهما رأي في المسألة في تفسيرهما لهذه الآية.
****لم نذكر آراء المفسرين المعاصرين كسيد قطب والشنقيطي وابن عاشور وغيرهم حتى لا يتعصب كل فريق لفريقه وندخل بوابة الانتقاص من العلماء.
ذكر بعض العلماء كالشيخ ابن عثيمين والشيخ إسماعيل المقدم بعض الاعتراضات على تفسير ابن عباس السابق وكان منها (نقلا عن رسالة الحجاب للشيخ ابن عثيمين):
أحدها: محتمل أن مراده أول الأمرين قبل نزول آية الحجاب كما ذكره شيخ الإسلام .
الثاني: يحتمل أن مراده الزينة التي نهى عن إبدائها كما ذكره ابن كثير في تفسيره ويؤيد هذين الاحتمالين تفسيره رضي الله عنه لقوله تعالى: {يأَيُّهَا النَّبِىُّ قُل لاَِزْوَجِكَ وَبَنَـتِكَ وَنِسَآءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَـبِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }.
الثالث: إذا لم نسلم أن مراده أحد هذين الاحتمالين فإن تفسيره لا يكون حجة يجب قبولها إلا إذا لم يعارضه صحابي آخر. فإن عارضه صحابي آخر أخذ بما ترجحه الأدلة الأخرى، وابن عباس رضي الله عنهما قد عارض تفسيره ابن مسعود رضي الله عنه حيث فسر قوله: {إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ ءَابَآئِهِنَّ أَوْ ءَابَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَآئِهِنَّ أَوْ أَبْنَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِى إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِى أَخَوَتِهِنَّ أَوْ نِسَآئِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَـنُهُنَّ أَوِ التَّـبِعِينَ غَيْرِ أُوْلِى الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُواْ عَلَى عَوْرَتِ النِّسَآءِ وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُواْ إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }. بالرداء والثياب وما لابد من ظهوره فوجب طلب الترجيح والعمل بما كان راجحاً في تفسيريهما.
الرد على هذه الاعتراضات:
الاعتراض الأول:
هذا مجرد احتمال لا يصح إلا بدليل خاصة إذا عرفنا أن ابن عباس يفتي متأخرا عن ابن مسعود -رضي الله عنهما-.
يقول الشيخ الألباني -رحمه الله- في كتابه جلباب المرأة المسلمة:
(ثم تأملت فبدا لي أن قول هؤلاء العلماء (الطبري والقرطبي) هو الصواب وأن ذلك من دقة نظرهم رحمهم الله وبيانه أن السلف اتفقوا على أن قوله تعالى (إلا ما ظهر منها) يعود إلى فعل يصدر من المرأة المكلفة غاية ما في الأمر أنهم اختلفوا فيما تظهره بقصد منها فابن مسعود يقول هو ثيابها أي جلبابها وابن عباس ومن معه من الصحابة وغيرهم يقول:هو الوجه والكفان منها. فمعنى الآية حينئذ: إلا ما ظهر عادة بإذن الشارع وأمره. ألست ترى أن المرأة لو رفعت من جلبابها حتى ظهر من تحته شيء من ثيابها وزينتها ـ كما يفعل ذلك بعض المتجلببات السعوديات ـ أنها تكون قد خالفت الآية باتفاق العلماء فقد التقى فعلها هذا مع فعلها الأول وكلاهما بقصد منها لا يمكن إلا هذا فمناط الحكم إذن في الآية ليس هو ما ظهر دون قصد من المرأة ـ فهذا مما لا مؤاخذة عليه في غير موضع الخلاف أيضا اتفاقا ـ وإنما هو فيما ظهر دون إذن من الشارع الحكيم فإذا ثبت أن الشرع سمح للمرأة بإظهار شيء من زينتها سواء كان كفا أو وجها أو غيرهما فلا يعترض عليه بما كنا ذكرناه من القصد لأنه مأذون فيه كإظهار الجلباب تماما كما بينت آنفا.
وقال أيضا في نفس الكتاب ( قلت : فابن عباس ومن معه من الأصحاب والتابعين والمفسرين إنما يشيرون بتفسيرهم لآية (إلا ما ظهر منها) إلى هذه العادة التي كانت معروفة عند نزولها وأقروا عليها فلا يجوز معارضة تفسيرهم بتفسير ابن مسعود الذي لم يتابعه عليه أحد من الصحابة لأمرين اثنين :
الأول: أنه أطلق الثياب ولا قائل بهذا الإطلاق لأنه يشمل الثياب الداخلية التي هي في نفسها زينة كما تفعله بعض السعوديات كما تقدم فإذن هو يريد منها الجلباب فقط الذي تظهره المرأة من ثيابها إذا خرجت من دارها.
الثاني: أن هذا التفسير ـ وإن تحمس له بعض المتشددين ـ لا ينسجم مع بقية الآية وهي : (ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن...)الآية فالزينة الأولى هي عين الزينة الثانية كما هو معروف في الأسلوب العربي : أنهم إذا ذكروا اسما معرفا ثم كرروه ، فهو هو ، فإذا كان الأمر كذلك ، فهل الآباء ومن ذكروا معهم في الآية لا يجوز لهم أن ينظروا إلا إلى ثيابهن الباطنة؟! ولذلك قال أبو بكر الجصاص رحمه الله في أحكام القرآن (3/316) :
"وقول ابن مسعود في أن (ما ظهر منها) هو الثياب ، لا معنى له ، لأنه معلوم أنه ذكر الزينة والمراد العضو الذي عليه الزينة ، ألا ترى أن سائر ما تتزين به من الحلي والقلب والخلخال والقلادة يجوز أن تظهرها للرجال إذا لم تكن هي لابستها ، فعلمنا أن المراد مواضع الزينة ، كما قال في نسق الآية بعد هذا : (ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن)، والمراد موضع الزينة ، فتأويلها على الثياب لا معنى له ، إذ كان مما يرى الثياب عليها دون شيء من بدنها كما يراها إذا لم تكن لابستها").
قال الشيخ أحمد بن محمد الشنقيطي في كتابه مواهب الجليل من أدلة خليل (1/148):
(من يتشبث بتفسير ابن مسعود : (إلا ما ظهر منها) يعني الملاية يجاب بأن خير ما يفسر به القرآن القرآن ، وأنه فسر زينة المرأة بالحلي ، قال تعالىولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن) ، فتعين حمل زينة المرأة على حليها).
ويقول الشيخ القرضاوي:
(الإستثناء في الآية يفهم منه قصد الرخصة والتيسير ، وظهور الثياب الخارجية كالعباءة والملاية ونحوهما أمر اضطراري لا رخصة فيه ولا تيسير).
الجواب على الاعتراض الثاني:
كونه يحتمل أنه أراد به الزينة التي نهين عن إبدائها احتمال غير صحيح ولو سلمناه في تفسير ابن عباس فما قولكم في تفسير ابن عمر -رضي الله عنهم- فقد قال إن الزينة الظاهرة هي الوجه والكفان؟ وقد مر في الآثار الواردة عن الصحابة وعد باقي الصحابة الاستثناء في الآية راجع إلى زينة الوجه والكفين (وقد قدمنا الآثار الواردة عن عائشة وأبي هريرة -رضي الله عنهما-) .
وكذا فسرها أكابر التابعين وقد قدمنا هذا.
أما الاعتراض بوجود تفسير لابن عباس يعارض ما ذهب إليه فهو أثر ضعيف لا يصح.
الجواب على الاعتراض الثالث:
نحيل فيه إلى ما قاله الشيخ الألباني والشيخ الشنقيطي والشيخ القرضاوي في الجواب على الاعتراض الأول.