الرد الشرعي على من قال بأن نكاح الكتابي للمسلمة صحيح
السلام عليكم و رحمة الله
الموضوع منقول للفائدة
بسم الله الرحمن الرحيم
الرد الشرعي على مَن قال بأن نكاح الكتابي للمسلمة صحيح
مقدمة :
الحمد لله رب العالمين , وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان وسار على طريقتهم ونهجهم , وبعد :
النكاح - وهو الزواج - أعمق وأقوى وأدوم رابطة تصل بين اثنين من بني الإنسان؛ وتشمل أوسع الاستجابات التي يتبادلها فردان . فلا بد إذن من توحد القلوب ، والتقائها في عقدة لا تحل . ولكي تتوحد القلوب يجب أن يتوحد ما تنعقد عليه ، وما تتجه إليه . والعقيدة الدينية هي أعمق وأشمل ما يعمر النفوس ، ويؤثر فيها ، ويكيف مشاعرها، ويحدد تأثيراتها واستجاباتها، ويعين طريقها في الحياة كلها . وإن كان الكثيرون يخدعهم أحيانا كمون العقيدة أو ركودها . فيتوهمون أنها شعور عارض يمكن الاستغناء عنه ببعض الفلسفات الفكرية ، أو بعض المذاهب الاجتماعية . وهذا وهم وقلة خبرة بحقيقة النفس الإنسانية ، ومقوماتها الحقيقية ،وتجاهل لواقع هذه النفس وطبيعتها .
وفي هذا البحث الصغير سأقوم ببحث مسألة تتصل بعقيدة المتزوجَين ، وبنفس الوقت تعتبر من المسلمات في الفقه الإسلامي ، ولكن خرج علينا بعضهم بخلاف ما هو معروف ومعهود ، فالمعروف والمعهود في كتب الفقه أن المسلم يحرم عليه أن ينكح الوثنية , وأما الكتابية فيحل للمسلم أن ينكحها عند أكثر العلماء ، فأما الكافر الوثني فلا يحل له نكاح المسلمة وذلك بنص القرآن الكريم ، أما الكتابي فلا يحل له أن ينكح المسلمة بإجماع الفقهاء , ولكن خرج علينا د.حسن الترابي بخلاف قول العلماء في المسألة الأخيرة فقال بجوازه مخالفا بذلك جمهور العلماء .
وادعى أن قول الفقهاء لا أصل له , ولا يوجد دليل عليه مخالفا بهذا القول جمهرة أهل العلم . ولكن بعيدا عن هذا الجانب , وبغض النظر عما هو معروف ومعهود ، لنضع هذا القول في الميزان العلمي الدقيق لنتبين درجة مصداقيته , وبعد ذلك نحكم عليه .
أما أدلة القائل بذلك فهي تقتصر على عدم وجود دليل على التحريم من القرآن أو السنة على حرمة ذلك ، وأن هذا القول لا أصل له , هذا مجمل قوله .
أما القائلين بالحرمة فهم جمهرة أهل العلم من الصحابة والتابعين والفقهاء , ودليلهم على ما ذهبوا إليه من القرآن والإجماع والقياس .
الدليل الأول - القرآن الكريم :
أ – قال تعالى : {وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللّهُ يَدْعُوَ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ
يَتَذَكَّرُونَ} (البقرة : 221)
وجه الاستدلال: أن الله سبحانه وتعالى خاطب الأولياء بألا يزوجوا بناتهم من المشركين بصيغة النهي ، وهو يدل على التحريم ، فكان نكاح المسلمة من المشرك محرّم بنص الآية القرآنية ، قال الإمام الطبري مبينا معنى الآية : ( ...أن الله قد حرم على المؤمنات أن ينكحن مشركا كائنا من كان المشرك من أي أصناف الشرك كان فلا تُنكحوهن أيها المؤمنون منهم فإن ذلك حرام عليكم ... )
وقال الإمام القرطبي في معنى الآية: ( أي لا تزوجوا المسلمة من المشرك ) والمشركين اسم يعم المشرك الوثني من مشركي العرب وغيرهم , ويضم أيضاً أهل الكتاب , وهو قول أكثر العلماء ، قال الإمام الرازي : ( والأكثرون من العلماء على أن لفظ المشرك يندرج فيه الكفار من أهل الكتاب وهو المختار) .
ومن العلماء من خص اسم الشرك على من ليس له كتاب , ومنهم من خصها بمشركي العرب فقط .
وحاصله أن في دخول أهل الكتاب تحت مسمى الشرك قولين ، ولكل منهما أدلته التي تدلل على قوله , وسأقوم بدوري بعرض أدلة كل فريق ، والغاية من كل ذلك تبين حكم أهل الكتاب في دخولهم تحت حكم هذه الآية أم لا ؟
أدلة القائلين بعدم دخول أهل الكتاب تحت مسمى الشرك:
1- أن الله فرّق بين أهل الكتاب وبين المشركين في محكم تنزيله في عدة آيات ، وذلك يدل على أن أهل الكتاب لا يدخلون تحت اسم المشرك , فدل ذلك أنهم مختلفون في المسمى , ومن هذه الآيات قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} [ الحج : 17 ] وقال أيضاً { لَمْ يَكُنِ الذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الكتاب والمشركين } [ البينة : 1 ] و { مَّا يَوَدُّ الذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الكتاب وَلاَ المشركين } [ البقرة : 5 10 ]
وجه الاستدلال بهذه الآيات أن الله تعالى في هذه الآيات فصل بين القسمين وعطف أحدهما على الآخر ،والعطف يقتضي المغايرة مما أوجب التغاير بينهم .
أدلة القائلين بدخول أهل الكتاب تحت مسمى الشرك:
أفاض الإمام الرازي في الاستدلال لهذا القول , وجملة ما استدل به خمس أدلة , وهي :
الدليل الأول- قوله تعالى:{وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ َ} [ التوبة : 30 ] ثم قال في الآية التي تليها : {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة : 31 ] وهذه الآية صريحة في أن اليهودي والنصراني مشرك .
الدليل الثاني : قوله تعالى : { إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء } [ النساء : 48 ] دلت هذه الآية على أن ما سوى الشرك قد يغفره الله تعالى في الجملة فلو كان كفر اليهودي والنصراني ليس بشرك لوجب بمقتضى هذه الآية أن يغفر الله تعالى في الجملة ،ولما كان ذلك باطلاً علمنا أن كفرهما شرك .
الدليل الثالث : قوله تعالى : { لَّقَدْ كَفَرَ الذين قَالُواْ إِنَّ الله ثالث ثلاثة } [المائدة : 73] فهذا التثليث إما أن يكون لاعتقادهم وجود صفات ثلاثة ، أو لاعتقادهم وجود ذوات ثلاثة ، والأول باطل ، لأن المفهوم من كونه تعالى عالماً غير المفهوم من كونه قادراً ومن كونه حياً ، وإذا كانت هذه المفهومات الثلاثة لا بد من الاعتراف بها ، كان القول بإثبات صفات ثلاثة من ضرورات دين الإسلام ، فكيف يمكن تكفير النصارى بسبب ذلك ، ولما بطل ذلك علمنا أنه تعالى إنما كفرهم لأنهم أثبتوا ذواتاً ثلاثة قديمة مستقلة ، ولذلك فإنهم جوزوا في أقنوم الكلمة أن يحل في عيسى ، وجوزوا في أقنوم الحياة أن يحل في مريم ولولا أن هذه الأشياء المسماة عندهم بالأقانيم ذوات قائمة بأنفسها ، لما جوزوا عليها الانتقال من ذات إلى ذات ، فثبت أنهم قائلون بإثبات ذوات قائمة بالنفس قديمة أزلية وهذا شرك ، وقول بإثبات الآلهة ،فكانوا مشركين ، وإذا ثبت دخولهم تحت اسم المشرك؛ وجب أن يكون اليهودي كذلك ضرورة أنه لا قائل بالفرق .
الدليل الرابع : ما روي أنه عليه الصلاة والسلام أمر أميراً وقال : إذا لقيت عدداً من المشركين فادعهم إلى الإسلام ، فإن أجابوك فاقبل منهم ، وإن أبوا فادعهم إلى الجزية وعقد الذمة ، فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ..... )، فالنبي عليه الصلاة والسلام سمى من يقبل منه الجزية وعقد الذمة بالمشرك ، فدل على أن الذمي يسمى بالمشرك .
الدليل الخامس : ما احتج به أبو بكر الأصم فقال : كل من جحد رسالته فهو مشرك ، من حيث إن تلك المعجزات التي ظهرت على يده كانت خارجة عن قدرة البشر ، وكانوا منكرين صدورها عن الله تعالى ، بل كانوا يضيفونها إلى الجن والشياطين ، لأنهم كانوا يقولون فيها : إنها سحر وحصلت من الجن والشياطين ، فالقوم قد أثبتوا شريكاً لله سبحانه في خلق هذه الأشياء الخارجة عن قدرة البشر ، فوجب القطع بكونهم مشركين لأنه لا معنى للإله إلا من كان قادراً على خلق هذه الأشياء .
ونوقش دليل القائلين بعدم الدخول بأن الله خص عبدة الأوثان في هذه الآيات بهذا الاسم تنبيهاً على كمال درجتهم في هذا الكفر , وذلك نظير قوله تعالى: { وإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النبيين مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِن نُّوحٍ } [ الأحزاب : 7 ] وبقوله تعالى : {مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ }( البقرة : 98) فإن الله خص بالذكر النبي عليه الصلاة والسلام ونوح عليه السلام في الآية الأولى وكذلك جِبْرِيلَ وميكال في الآية الثانية تنبيهاً على كمال درجتهم في ذلك الوصف المذكور .
من خلال عرض الأدلة , نتبين قوة أدلة القائلين بدخول أهل الكتاب تحت مسمى الشرك ، وبذلك تكون الآية نصاً في الدلالة على حرمة زواج الكتابي من المسلمة وعلى كل حال يجتمع القائلين بعدم دخول أهل الكتاب تحت مسمى الشرك مع القائلين بدخوله في حرمة زواج الكتابي من مسلمة بهذه الآية , ولكن من طريق القياس لا النص , وسأعرضه خلال دليل القياس إن شاء الله ، وبذلك يحصل الاتفاق على دلالة هذه الآية على حرمة هذا النكاح .
ب – قوله تعالى : { وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} (النساء: 141)
وجه الاستدلال : أن الزوج عادة يكون له السلطة على زوجته , وذلك شائع في جميع الأعراف و الأديان لا يماري في ذلك إلا جاهل أو مبتدع ، والله سبحانه وتعالى منع أن يكون للكافر سلطة على المؤمنين مهما كانت نوع تلك السلطة والزواج من أهم العلاقات التي يحرم فيها أن يكون للكافر سلطة على المؤمن وعلى المؤمنة من باب أولى , والكافرين اسم يدخل فيه أهل الكتاب بنص القرآن , وباتفاق العلماء , فيحرم تبعاً لذلك أن يتزوج كتابي بمؤمنة .
قال الإمام الكاساني رحمه الله في موضع الاستدلال على عدم زواج الكافر من المسلمة : ( ولأن الشرع قطع ولاية الكافرين عن المؤمنين بقوله تعالى : { ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا } فلو جاز إنكاح الكافر المؤمنة لثبت له عليها سبيل , وهذا لا يجوز . )
والأدلة التي تدلل على كفر أهل كثيرة , ونظرا لما نقل عن د. حشن الترابي بأنه قال بأن أهل الكتاب ليسوا كفارا, لذا رأيت أنه من المناسب أن أورد الآيات التي تدلل على كفر أهل الكتاب دفعا للشك والريبة .
الآيات التي تدلل على كفر أهل الكتاب :
1- {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّة ِ(6) } سورة البينة قال الإمام الطبري في تفسيره مبينا معنى الآيةإن الذين كفروا بالله ورسوله محمد عليه الصلاة والسلام، فجحدوا نبوّته، من اليهود والنصارى والمشركين جميعهم(فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ) يقول: ماكثين لابثين فيها( أَبَدًا ) لا يخرجون منها، ولا يموتون فيها( أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ ) يقول جل ثناؤه: هؤلاء الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين، هم شرّ من برأه الله وخلقه .)
2- {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ(1)} سورة البينة
3- {أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا و
(11)} سورة الحشر
4- {مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَاللّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ ذُو
الْفَضْلِ الْعَظِيم(105) ِ} سورة البقرة
5- {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ
فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَار(2)ِ} سورة الحشر
6- {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِين(85)َ} سورة آل عمران
فالناس في نظر الإسلام قسمان لا ثالث لهما ؛ إما مسلم ومؤمن بما نزل على النبي عليه الصلاة والسلام جملة وتفصيلا ، وإما كافر به سواء كان كفره بكل ما أنزل على النبي عليه الصلاة والسلام , أو ببعض ما أنزل إن كان مما علم من الدين بالضرورة , فعليه فلا يقبل من أي إنسان غير دين الإسلام مهما كان هذا الدين قريبا من الإسلام أو بعيد , كما تشير إليه الكريمة .
قال الإمام الرازي معقبا على هذه الآية : (أن كل من له دين سوى الإسلام فكما أنه لا يكون مقبولاً عند الله ، فكذلك يكون من الخاسرين ، والخسران في الآخرة يكون بحرمان الثواب ، وحصول العقاب ، ويدخل فيه ما يلحقه من التأسف والتحسر على ما فاته في الدنيا من العمل الصالح وعلى ما تحمله من التعب والمشقة في الدنيا في تقريره ذلك الدين الباطل .)
7- {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ
ذَلِكَ سَبِيلاً(150) أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا(151)} سورة النساء
قال القرطبي رحمه الله في تفسيره : }فيه ثلاث مسائل: الأولى - قوله تعالى: (إن الذين يكفرون) لما ذكر المشركين والمنافقين ذكر الكفار من أهل الكتاب، اليهود والنصارى، إذ كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم، وبين أن الكفر به كفر بالكل، لأنه ما من نبي إلا وقد أمر قومه بالأيمان بحمد صلى الله عليه وسلم وبجميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
ومعنى (يريدون أن يفرقوا بين الله ورسله) أي بين الإيمان بالله ورسله، فنص سبحانه على أن التفريق بين الله ورسله كفر، وإنما كان كفرا لان الله سبحانه فرض على الناس أن يعبدوه بما شرع لهم على ألسنة الرسل، فإذا جحدوا الرسل ردوا عليهم شرائعهم ولم يقبلوها منهم، فكانوا ممتنعين من التزام العبودية التي أمروا بالتزامها، فكان كجحد الصانع سبحانه، وجحد الصانع كفر لما فيه من ترك التزام الطاعة والعبودية, وكذلك التفريق بين رسله في الإيمان بهم كفر.
المسألة الثانية - لقوله تعالى: (ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض) وهم اليهود آمنوا بموسى وكفروا بعيسى ومحمد ........ .
الثالثة - قوله تعالى: (أولئك هم الكافرين حقا) تأكيد يزيل التوهم في إيمانهم حين وصفهم بأنهم يقولون نؤمن ببعض، وأن ذلك لا ينفعهم إذا كفروا برسوله، وإذا كفروا برسوله فقد كفروا به عز وجل، وكفروا بكل رسول مبشر بذلك الرسول، فلذلك صاروا الكافرين حقا .{8- {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ (72)} سورة المائدة
9- {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(73)} سورة المائدة
10- {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ(31)} سورة التوبة
11- {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأَنتُمْ تَشْهَدُون(70)َ} سورة آل عمران
قال الآلوسي في معنى هذه الآية أي لم تكفرون بما يتلى عليكم من آيات القرآن وأنتم تعلمون ما يدل على صحتها ووجوب الإقرار بها من التوراة والإنجيل ، وقيل : المراد : لم تكفرون بما في كتبكم من الآيات الدالة على نبوته صلى الله عليه وسلم وأنتم تشهدون الحجج الدالة على ذلك ، أو : لم تكفرون بما في كتبكم من أن الدين عند الله الإسلام وأنتم تشاهدون ذلك ، أو : لم تكفرون بالحجج الدالة على نبوته صلى الله عليه وسلم وأنتم تشهدون أن ظهور المعجزة يدل على صدق مدعي الرسالة أو أنتم تشهدون إذا خلوتم بصحة دين الإسلام ، أو : لم تكفرون بآيات الله جميعاً وأنتم تعلمون حقيتها بلا شبهة بمنزلة علم المشاهدة .)
12- {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَاللّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ(98)} سورة آل عمران وغيرها من الآيات الكثيرة التي تبين كفر أهل الكتاب والتي لا مجال في الشك فيها أدنى شك حتى قال العلماء بكفر من شك بذلك , قال القاضي عياض في سياق ذكره لما هو كفر بالإجماع : (ولهذا نُكفّر من لا يُكفّر من دان بغير ملّة المسلمين من الملل أو وقف فيهم أو شك أو صحّح مذهبهم، وإن أظهر بعد ذلك الإسلام واعتقده واعتقد إبطال كل مذهب سواه، فهو كافر بإظهاره ما أظهر من خلاف ذلك .)
وقال القرضاوي في هذا السياق : (فإن كُفر اليهود والنصارى من أوضح الواضحات بالنسبة لأي مسلم عنده ذرَّة من علم الإسلام، وممَّا أجمعتْ عليه الأمة على اختلاف مذاهبها وطوائفها، طوال العصور، لم يُخالف في ذلك سُنِّيٌّ ولا شِيعيٌّ ولا مُعتزلي ولا خارجي، وكل طوائف الأمة الموجودة اليوم من أهل السنة والزيدية والجعفرية والإباضية، لا يَشُكُّون في كفر اليهود والنصارى وكل مَن لا يُؤمن برسالة محمد عليه الصلاة والسلام .
فهذا من المسلمات الدينية المتَّفق عليها نظرًا وعملاً، بل هي مِن (المعلوم من الدين بالضرورة) أي ممَّا يتفق على معرفته الخاص والعام، ولا يحتاج إلى إقامة دليل جزئي للبَرْهَنَةِ على صحته.
وسر ذلك: أن كُفر اليهود والنصارى لا يدل عليه آيةٌ أو آيتان أو عشرة أو عشرون، بل عشرات الآيات من كتاب الله، وعشرات الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .)
وإسباغ كلمة الكفر على أهل الكتاب لا يتناقض مع كلمة أهل الذمة , لأن كلمة أهل الذمة تعني أن لأهل الكتاب أحكام خاصة دون باقي الكفار لأسباب خاصة , منها وجود نقطة التقاء بيننا وببينهم وهي كون دينهم ذا أصل سماوي , وهذا لا يعني أنهم ليسوا كفار , والآيات التي ذكرتها تدل على ذلك والله أعلم بالصواب.
أما كلام الفقهاء في هذا الجانب فإنهم تكلموا فيه ولكن بشكل عرضي , أي أثناء الحديث عن أحكام الزواج والطلاق والجزية وما شابه ذلك ،أما بشكل صريح فلم أجد أحداً قد خص بابا يتكلم فيه عن كفر أهل الكتاب مستطردا فيه ببيان الأدلة من الكتاب والسنة وسواهما من المصادر الشرعية , وعدم التصريح ليس شكا منهم وإنما لكون هذا الأمر أصبح بديهة لديهم حتى أضحى الجاهل لا يشك في ذلك , فتراهم يثبتون عنوان أهل الشرك أو أهل الكفر ثم يسردون فيه الكتابي وغيره من الكفار , وما ذلك إلا يقينا منهم بكفر أهل الكتاب , ولم يعرفوا أنه سيأتي زمانا تصبح الأمور المسلمة مثارا للشك , وأنه سيأتي قائل ما ليقول بعدم كفر أهل الكتاب , و حسبنا الله ونعم الوكيل .
فمثلا هذا ابن قدامة يتحدث عن ولي الذمية إذا نكحها مسلم في معرض حديثه عن الأولياء ، ففيه يصرح بأن الذمية كافرة وكذا وليها، فيقول : ( فصل : إذا تزوج المسلم ذمية , فوليها الكافر يزوجها إياه . ذكره أبو الخطاب . وهو قول أبي حنيفة , والشافعي ; لأنه وليها , فصح تزويجه لها , كما لو زوجها كافرا , ولأن هذه امرأة لها ولي مناسب , فلم يجز أن يليها غيره , كما لو تزوجها ذمي وقال القاضي : لا يزوجها إلا الحاكم ; لأن أحمد قال : لا يعقد يهودي ولا نصراني عقدة نكاح لمسلم ولا مسلمة . ووجهه أنه عقد يفتقر إلى شهادة مسلمين , فلم يصح بولاية كافر , كنكاح المسلمين , والأول أصح , والشهود يرادون لإثبات النكاح عند الحاكم , بخلاف الولاية . )
وهذا السرخسي أيضا يعلل عدم جواز زواج الكافر من مسلمة بالكفر فيقول : ( وإذا تزوج الذمي مسلمة حرة فرق بينهما لقوله تعالى { ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا } ; ولقوله صلى الله عليه وسلم { الإسلام يعلو , ولا يعلى } فاستقر الحكم في الشرع على أن المسلمة لا تحل للكافر )
وهذا الإمام القرافي أيضا يعلل عدم صحة أي أمر فيه تسلط لأهل الذمة على المسلمين لكفرهم فيقول رحمه الله : (الفصل الثاني في أنكحتهم وهي عندنا فاسدة وإنما الإسلام يصححها خلافا لابن حنبل وفي الكتاب لا يطأ الذمي مسلمة بنكاح ولا ملك وليقدم في ذلك إلى الذمة ويعاقبون بعد التقدم ولا يحدون ويعفى عن الجاهل وتباع الأمة عليه نفيا لاستيلاء الكفر على الإسلام ويفسخ النكاح وإن أسلم الزوج لفساد العقد . )
وفي كتاب الأم للشافعي يسرد الإمام الشافعي أحكام أهل الكتاب تحت مسمى الفسخ بالكفر : (الفسخ بين الزوجين بالكفر ولا يكون إلا بعد انقضاء العدة ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ولو أن نصرانيين أو يهوديين من بني إسرائيل كانا زوجين فأسلم الزوج كان النكاح كما هو لأن اليهودية والنصرانية حلال للمسلم لا يحرم عليه ابتداء نكاحها .)
ولا داعي للإطالة في هذا الجانب وسأكتفي بما ورد من نصوص لا لقلتها ولكن اكتفاءاً بما ورد من آيات القرآن مصرحة بذلك , ولعمري فإن الذي لا ينحني لما تدلل عليه الآيات , لابد أن يستكبر على نقول الفقهاء ولو بلغت الملايين ، فلا داعي لكثرة السرد ، لأن من أراد الحق فإنه لاشك قد وصل إليه من خلال آيات الذكر الحكيم , أما من أراد الزيغ والفتنة والتمرد على الدين فسيلقي أقوال الفقهاء عرض الحائط ولو بلغت جموع الأمة من سلفها إلى حاضرها بفقهائها وعلمائها و زهادها لأن غرضه الباطل , وحسبنا الله ونعم الوكيل .
ج - قوله تعالى : { فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ } (الممتحنة :10)
وجه الاستدلال بهذه الآية أن الله سبحانه وتعالى حرم إعادة المسلمات إلى الكفار لأن المسلمة لا تحل لكافر , وهذه الآية وإن نزلت في كفار أهل مكة , ولكن عمم الله الحكم بالكفر ، وأطلق عليه عدم الحلية , وقد سبق في الدليل السابق أن أهل الكتاب كفار ، فيدخلون في الحكم تحت مسمى الكفر .
الدليل الثاني- الإجماع :
وهو أقوى الأدلة التي تقطع دابر الخلاف وتحيله إلى سراب وكأنه لم يكن ، ومفاده ما يلي :
أجمعت الأمة منذ أن سطع نورها إلى وقتنا المعاصر على حرمة نكاح المسلمة من الكتابي ، ولم ينقل في ذلك خلاف , أو قول لعَلَمٍ من هذه الأمة بخلاف ذلك ، وإليك النصوص الدالة على ذلك :
قال القرطبي في هذا المقام وأجمعت الأمة على أن المشرك لا يطأ المؤمنة بوجه، لما في ذلك من الغضاضة على الإسلام.)
قال ابن حيان الأندلسي : ( وأجمعت الأمة على أن المشرك لا يطأ المؤمنة بوجه مّا. )
قال الخازن : ( وانعقد الإجماع على أنه لا يجوز للمسلمة أن تتزوج كافر . )
قال الشافعي رحمه الله: ( قد اجتمع الناس على أن لا يحل لرجل منهم- في سياق حديثه عن أهل الكتاب - أن ينكح مسلمة. )
حتى أن العلماء نصوا على أن المسلمة العاصية لا تحل لكافر ، قال الشافعي : (ولم يختلف الناس فيما علمنا في أن الزانية المسلمة لا تحل لمشرك وثني ولا كتابي . )
و أجمع العلماء أيضا على أنه لا ولاية لكافر على مسلمة بحال من الأحوال ، فكيف بالزواج منها ، قال ابن قدامة: (أما الكافر فلا ولاية له على مسلمة بحال , بإجماع أهل العلم , منهم, مالك , والشافعي , وأبو عبيد , وأصحاب الرأي . وقال ابن المنذر : أجمع على هذا كل من نحفظ عنه من أهل العلم . )
قال الإمام السرخسي : ( وإذا تزوج الذمي مسلمة حرة فرق بينهما لقوله تعالى { ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا } ; ولقوله صلى الله عليه وسلم { الإسلام يعلو , ولا يعلى } فاستقر الحكم في الشرع على أن المسلمة لا تحل للكافر .)
ومعلوم أن العلماء إن اجتمعوا على قول في عصر من العصور يحرم على أي عالم أن يقول بخلافه حتى لو اجتمع العلماء في عصر بعد عصر المجمعين الأوائل على خلاف قولهم فإن ذلك غير جائز ولا عبرة به ، فكيف إذا اجتمعت الأمة من فجر بزوغها إلى وقتنا المعاصر على ذلك !!!!.
الدليل الثالث - القياس - اتحاد العلة :
ذكرت في موضع استدلالي بقوله تعالى (ولا تنكحوا المشركين ... ) أن بعض العلماء ذهبوا إلى أن أهل الكتاب لا يدخلون تحت مسمى أهل الشرك ، وعلى ذلك قالوا إن حرمة نكاح المسلمة من الكتابي لا تؤخذ من نص هذا الآية ، إنما استدلوا على ذلك إلحاقا بالآية من طريق القياس , فالحقوا الكتابي بالمشرك في الحكم وهو حرمة نكاح المسلمة بجامع اجتماعهما-الكتابي و المشرك - في الدعوة إلى النار , المأخوذة من قوله تعالى: (أولئك يدعون إلى النار) التي جاءت عقب الآية السابقة ، وقد ثبت بالقول القاطع كفر أهل الكتاب
وبالإجماع ، ومعلوم أن مآل الكفر إلى النار ، فكان اعتقاد الكتابي مؤدٍّ إلى النار ، وهي علة المنع في حرمة المسلمة على الحربي ، فألحق الكتابي بالمشرك لاشتراكهما في علة المنع .
قال الكاساني في موضع استدلاله على حرمة المسلمة على الكتابي : ( والنص وإن ورد في المشركين لكن العلة , وهي الدعاء إلى النار يعم الكفرة أجمع, فيتعمم الحكم بعموم العلة , فلا يجوز إنكاح المسلمة الكتابي , كما لا يجوز إنكاحها الوثني والمجوسي .
الدليل الرابع – المعقول(كل ما يؤدي إلى حرام فهو حرام ) :
مختصر هذا الدليل أن في نكاح الكتابي للمسلمة تعريض للمسلمة للفتنة في دينها وقد يؤدي بها الأمر إلى الخروج عن ملة الإسلام إلى ملة زوجها وذلك حرام فما يؤدي إليه حرام فكان نكاح المسلمة من الكافر حرام.
قال الإمام الكاساني رحمه الله مبينا ذلك فقال : (ولأن في إنكاح المؤمنة الكافر خوف وقوع المؤمنة في الكفر ; لأن الزوج يدعوها إلى دينه , والنساء في العادات يتبعن الرجال فيما يؤثرون من الأفعال ويقلدونهم في الدين و إليه وقعت الإشارة في آخر الآية بقوله عز وجل : { أولئك يدعون إلى النار } لأنهم يدعون المؤمنات إلى الكفر , والدعاء إلى الكفر دعاء إلى النار ; لأن الكفر يوجب النار , فكان نكاح الكافر المسلمة سببا داعيا إلى الحرام فكان حراما .)
وبين ذلك سيد قطب فقال : ( أما الأمر في زواج الكتابي من مسلمة فهو محظور؛ لأنه يختلف في واقعه عن زواج المسلم بكتابية - غير مشركة - ومن هنا يختلف في حكمه . . إن الأطفال يدعون لآبائهم بحكم الشريعة الإسلامية . كما أن الزوجة هي التي تتنقل إلى أسرة الزوج وقومه وأرضه بحكم الواقع . فإذا تزوج المسلم من الكتابية ( غير المشركة ) انتقلت هي إلى قومه ، ودعي أبناؤه منها باسمه ، فكان الإسلام هو الذي يهيمن ويظلل جو المحصن . ويقع العكس حين تتزوج المسلمة من كتابي ، فتعيش بعيداً عن قومها ، وقد يفتنها ضعفها ووحدتها هنالك عن إسلامها كما أن أبناءها يدعون إلى زوجها ، ويدينون بدين غير دينها . والإسلام يجب أن يهيمن دائماً . )
الحكمة الشرعية من تحريم نكاح الكافر للمسلمة :
بعد بيان زيف هذا القول وعدم صحته لا نقلا ولا عقلا و أن ما ادعاه صاحبه من عدم وجود أصل له لا حقيقة له أبدا , وقد أثبتُّ أدلة الفقهاء في هذه المسألة بما لا يترك مجالا للشك .
وفي ختام هذه المسألة أريد أن أبين وجه الحكمة من منع المسلمة من أن ترتبط بكافر (وثني أو أهل كتاب ) , و وجه الفرق بين جواز نكاح المسلم للكتابية مع عدم جواز المسلمة للكتابي ، وقد وجدت الدكتور مصطفى السباعي قد أفاد في هذا الموضوع وأجاد فأحببت أن أثبت قوله كما هو لتمام الفائدة , فقال رحمه الله :
( وينبغي لنفهم وجه الحكمة في هذا التفريق أن نذكر الحقائق التالية :
1- إن الإسلام يعترف بالديانتين اليهودية والنصرانية كديانتين منزلتين في الأصل من الله تعالى وإن كانتا قد نسختا بعد نزول الإسلام , وقد أمر الله المسلمين في القرآن الكريم أن يؤمنوا بجميع أنبياء الله ورسله , قال تعالى : {قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى
إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} (البقرة :136) كما جاء في القرآن أن الله تعالى أنزل التوراة والإنجيل على موسى وعيسى عليهما السلام , وإن تغيرا فيما بعد ، فأصلهما معترف ي نظر الإسلام أنهما منزلان من عند الله تبارك و تعالى , وعلى هذا فلا يجوز للمسلم أن يسب التوراة والإنجيل ككتابين منزلين من عند الله تعالى , وهو إن فعل ذلك كفر وكان عليه أن يجدد إسلامه وإلا كان مرتدا تطبق عليه أحكام المرتد ، ومنها طلاق زوجته وعدم حلها له بعد ذلك .
2- إن اليهودية والنصرانية لا تعترفان بالإسلام دينا منزلا من عند الله , ولا بمحمد عليه الصلاة والسلام نبيا مرسلا كسائر أنبياء الله , ولا بالقرآن كتابا إلهيا موحى به من عند الله إلى رسوله محمد , فلو سب اليهودي أو النصراني دين الإسلام ورسوله و كتابه وأعلن تكذيبه لذلك ، لم يكن عليه حرج في نظر ديانته ، بل إن تمام إيمانه بدينه أن يعتقد أن الإسلام دين باطل ، وأن محمدا مدع للنبوة وأن القرن من تأليف محمد لا من عند الله ، و إن اعقد غير ذلك كان كافرا في نظر دينه ، أي لم يكن يهوديا و لا نصرانيا.
3- واستقرار الحياة الزوجية وسعادتها إنما يكون بحرص الزوج على شعور زوجته وخاصة بما يتعلق بعقيدتها وشعائرها الدينية , فكل إهانة من الزوج لزوجته في شعورها وعواطفها بشكل عام وعقيدتها ودينها بشكل خاص ، يعرض الحياة الزوجية للانفصام قطعا.
4- وللزوج رئاسة الأسرة و القوامة على الزوجة والسيطرة الأدبية عليها في كل شرائع العالم وقوانينه , وله القدرة على التأثير عليها في أفكارها واتجاهاتها أكثر مما للمرأة على الرجل في الأغلب الأعم النابع من طبيعة الرجل وطبيعة المرأة على السواء .
فإذا وجدت زوجات ذات قدرة على التأثير على الزوج أو الوقوف في وجهه فهذا نادر لا يقام له وزن .
5- والرجل بطبيعته أقدر على التطاول على زوجته عند الغضب والخصام اللذين كثيرا ما يقعان في الحياة الزوجية, بل قل أن تخلو منهما الحياة الزوجية , وحين يحتدم الخصام يندفع الزوج من لا يدري إلى التلفظ بكلمات تجرح شعور المرأة , ومن أهم ما تحرص عليه الزوجة أن لا تجرح في شعورها الديني و مقدساتها العقائدية فلابد للمتشرع الحريص على إقامة بناء الأسرة على دعائم وطيدة من الحب والتعاون , من إيجاد الضمانات القوية التي تحول دون تصدع الأسرة وشقاء الحياة الزوجية بين الزوجين .
6- وفي عقيدة الزوج المسلم ضمان ليس بعده ضمان بالنسبة إلى زوجته الكتابية ، فهو يعتقد بأصل دينها وبأنبيائها وبكتابها ، مهما غضب منها فهو ممنوع من أن يجرح شعورها الديني بسب أو احتقار , وإلا ارتد عن دينه وبانت منه امرأته , وليس في عقيدة غير المسلم مثل هذا الضمان بالنسبة إلى زوجته لو أبيح له أن تكون مسلمة .
هذا هو التحليل الصحيح للفرق بين زواج المسلم من الكتابية وهو ما أجازه الإسلام , وبين زواج غير المسلم بالمسلمة وهو ما لم يجزه الإسلام .
ومنه يتضح أن الإسلام كان في موقفه من زواج المسلم بالكتابية متفقا مع مبدئه في التسامح الديني , وهو ما لم تفعله الديانات الأخرى قط , وكان في موقفه من زواج غير المسلم بالمسلمة متفقا مع واقعيته وحرصه على استقرار كيان الأسرة من العواصف الهوجاء التي لا علاج لها إلا موقفه الحكيم من منع مثل هذا الزواج . )
والحمد لله رب العالمين ... .
أسعد
الهوامش
في ظلال القرآن 1\219 .
الطبري في تفسيره: 2 \379 .
ينظر الرازي في التفسير الكبير: 3\289-290, الآلوسي في روح المعاني :2\216-218 , ابن العربي قي أحكام القرآن:1\219.
الرازي في التفسير الكبير: 3\289-291 ، وينظر البحر المحيط لابن حيان الأندلسي :2\385 .
قال الإمام الرازي في تفسير قوله تعالى (لَّقَدْ كَفَرَ الذين قَالُواْ إِنَّ الله ثالث ثلاثة):
(المسألة الثانية : في تفسير قول النصارى { ثالث ثلاثة } طريقان : الأول : قول بعض المفسرين ، وهو أنهم أرادوا بذلك أن الله ومريم وعيسى آلهة ثلاثة ، والذي يؤكد ذلك قوله تعالى للمسيح { { أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ } [ المائدة : 116 ] فقوله { ثالث ثلاثة } أي أحد ثلاثة آلهة ، أو واحد من ثلاثة آلهة ، والدليل على أن المراد ذلك قوله تعالى في الرد عليهم { وَمَا مِنْ إله إِلاَّ إله واحد } وعلى هذا التقدير ففي الآية إضمار ، إلا أنه حذف ذكر الآلهة لأن ذلك معلوم من مذاهبهم .............. والطريق الثاني : أن المتكلمين حكوا عن النصارى أنهم يقولون : جوهر واحد ، ثلاثة أقانيم أب ، وابن ، وروح القدس ، وهذه الثلاثة إله واحد ، كما أن الشمس اسم يتناول القرص والشعاع والحرارة ، وعنوا بالأب الذات ، وبالابن الكلمة ، وبالروح الحياة ، وأثبتوا الذات والكلمة والحياة ، وقالوا : إن الكلمة التي هي كلام الله اختلطت بجسد عيسى اختلاط الماء بالخمر ، واختلاط الماء باللبن ، وزعموا أن الأب إلهة ، والابن إله ، والروح إله ، والكل إله واحد . واعلم أن هذا معلوم البطلان ببديهة العقل ، فإن الثلاثة لا تكون واحداً ، والواحد لا يكون ثلاثة ، ولا يرى في الدنيا مقالة أشد فساداً وأظهر بطلاناً من مقالة النصارى .) 6\124.
أخرجه الإمام مسلم في صحيحه : رقم :1731 ، 3| 1357 , قال الزيلعي : ( أخرجه الجماعة إلا البخاري )
, نصب الراية 3\380, قال الإمام الترمذي في سننه عن هذا الحديث: ( وفي الباب عن النعمان بن مقرن وحديث بريدة حديث حسن صحيح ) : 4 \162 .
ولقد ذكر الإمام الرازي حول هذا الدليل نقاشاً فقال رحمه الله : (واعترض القاضي فقال : إنما يلزم هذا إذا سلم اليهودي أن ما ظهر على يد محمد صلى الله عليه وسلم من الأمور الخارجة عن قدرة البشر ، فعند ذلك إذا أضافه إلى غير الله تعالى كان مشركاً ، أما إذا أنكر ذلك وزعم أن ما ظهر على يد محمد صلى الله عليه وسلم من جنس ما يقدر العباد عليه لم يلزم أن يكون مشركاً بسبب ذلك إلى غير الله تعالى .
والجواب : أنه لا اعتبار بإقراره أن تلك المعجزات خارجة عن مقدور البشر أم لا ، إنما الاعتبار يدل على أن ذلك المعجز خارج عن قدرة البشر ، فمن نسب ذلك إلى غير الله تعالى كان مشركاً ، كما أن إنساناً لو قال : إن خلق الجسم والحياة من جنس مقدور البشر ثم أسند خلق الحيوان والنبات إلى الأفلاك والكواكب كان مشركاً فكذا ههنا ، فهذا مجموع ما يدل على أن اليهودي والنصراني يدخلان تحت اسم المشرك ) التفسير الكبير: 3\390 .
بدائع الصنائع : 2\271-272
الطبري في تفسيره : 24 / 542 .
الرازي في تفسيره : 4\287 .
القرطبي في تفسيره : 6/ 5-6 .
الآلوسي في تفسيره : 3 / 89 .
الشفاء : 2/286
نقلا عن موقع القرضاوي .
المغني : 7/ 5180 .
المبسوط : 5/46 .
الذخيرة : 4 /325 .
الأم : 5/53 .
البحر المحيط لابن حيان الأندلسي : 2\260 .
لباب التأويل في معاني التنزيل : 1\218-219 .
الأم : 5\170.
الأم : 5\160.
المغني: 7\518 .
المبسوط 5/46
بدائع الصنائع : 2\271-272 .
بدائع الصنائع : 2\271-272.
في ظلال القرآن : . 1\220
مصطفى السباعي في شرح قانون الأحوال الشخصية 1/ 174- 175
السلام عليكم و رحمة الله
الموضوع منقول للفائدة
بسم الله الرحمن الرحيم
الرد الشرعي على مَن قال بأن نكاح الكتابي للمسلمة صحيح
مقدمة :
الحمد لله رب العالمين , وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان وسار على طريقتهم ونهجهم , وبعد :
النكاح - وهو الزواج - أعمق وأقوى وأدوم رابطة تصل بين اثنين من بني الإنسان؛ وتشمل أوسع الاستجابات التي يتبادلها فردان . فلا بد إذن من توحد القلوب ، والتقائها في عقدة لا تحل . ولكي تتوحد القلوب يجب أن يتوحد ما تنعقد عليه ، وما تتجه إليه . والعقيدة الدينية هي أعمق وأشمل ما يعمر النفوس ، ويؤثر فيها ، ويكيف مشاعرها، ويحدد تأثيراتها واستجاباتها، ويعين طريقها في الحياة كلها . وإن كان الكثيرون يخدعهم أحيانا كمون العقيدة أو ركودها . فيتوهمون أنها شعور عارض يمكن الاستغناء عنه ببعض الفلسفات الفكرية ، أو بعض المذاهب الاجتماعية . وهذا وهم وقلة خبرة بحقيقة النفس الإنسانية ، ومقوماتها الحقيقية ،وتجاهل لواقع هذه النفس وطبيعتها .
وفي هذا البحث الصغير سأقوم ببحث مسألة تتصل بعقيدة المتزوجَين ، وبنفس الوقت تعتبر من المسلمات في الفقه الإسلامي ، ولكن خرج علينا بعضهم بخلاف ما هو معروف ومعهود ، فالمعروف والمعهود في كتب الفقه أن المسلم يحرم عليه أن ينكح الوثنية , وأما الكتابية فيحل للمسلم أن ينكحها عند أكثر العلماء ، فأما الكافر الوثني فلا يحل له نكاح المسلمة وذلك بنص القرآن الكريم ، أما الكتابي فلا يحل له أن ينكح المسلمة بإجماع الفقهاء , ولكن خرج علينا د.حسن الترابي بخلاف قول العلماء في المسألة الأخيرة فقال بجوازه مخالفا بذلك جمهور العلماء .
وادعى أن قول الفقهاء لا أصل له , ولا يوجد دليل عليه مخالفا بهذا القول جمهرة أهل العلم . ولكن بعيدا عن هذا الجانب , وبغض النظر عما هو معروف ومعهود ، لنضع هذا القول في الميزان العلمي الدقيق لنتبين درجة مصداقيته , وبعد ذلك نحكم عليه .
أما أدلة القائل بذلك فهي تقتصر على عدم وجود دليل على التحريم من القرآن أو السنة على حرمة ذلك ، وأن هذا القول لا أصل له , هذا مجمل قوله .
أما القائلين بالحرمة فهم جمهرة أهل العلم من الصحابة والتابعين والفقهاء , ودليلهم على ما ذهبوا إليه من القرآن والإجماع والقياس .
الدليل الأول - القرآن الكريم :
أ – قال تعالى : {وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللّهُ يَدْعُوَ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ
يَتَذَكَّرُونَ} (البقرة : 221)
وجه الاستدلال: أن الله سبحانه وتعالى خاطب الأولياء بألا يزوجوا بناتهم من المشركين بصيغة النهي ، وهو يدل على التحريم ، فكان نكاح المسلمة من المشرك محرّم بنص الآية القرآنية ، قال الإمام الطبري مبينا معنى الآية : ( ...أن الله قد حرم على المؤمنات أن ينكحن مشركا كائنا من كان المشرك من أي أصناف الشرك كان فلا تُنكحوهن أيها المؤمنون منهم فإن ذلك حرام عليكم ... )
وقال الإمام القرطبي في معنى الآية: ( أي لا تزوجوا المسلمة من المشرك ) والمشركين اسم يعم المشرك الوثني من مشركي العرب وغيرهم , ويضم أيضاً أهل الكتاب , وهو قول أكثر العلماء ، قال الإمام الرازي : ( والأكثرون من العلماء على أن لفظ المشرك يندرج فيه الكفار من أهل الكتاب وهو المختار) .
ومن العلماء من خص اسم الشرك على من ليس له كتاب , ومنهم من خصها بمشركي العرب فقط .
وحاصله أن في دخول أهل الكتاب تحت مسمى الشرك قولين ، ولكل منهما أدلته التي تدلل على قوله , وسأقوم بدوري بعرض أدلة كل فريق ، والغاية من كل ذلك تبين حكم أهل الكتاب في دخولهم تحت حكم هذه الآية أم لا ؟
أدلة القائلين بعدم دخول أهل الكتاب تحت مسمى الشرك:
1- أن الله فرّق بين أهل الكتاب وبين المشركين في محكم تنزيله في عدة آيات ، وذلك يدل على أن أهل الكتاب لا يدخلون تحت اسم المشرك , فدل ذلك أنهم مختلفون في المسمى , ومن هذه الآيات قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} [ الحج : 17 ] وقال أيضاً { لَمْ يَكُنِ الذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الكتاب والمشركين } [ البينة : 1 ] و { مَّا يَوَدُّ الذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الكتاب وَلاَ المشركين } [ البقرة : 5 10 ]
وجه الاستدلال بهذه الآيات أن الله تعالى في هذه الآيات فصل بين القسمين وعطف أحدهما على الآخر ،والعطف يقتضي المغايرة مما أوجب التغاير بينهم .
أدلة القائلين بدخول أهل الكتاب تحت مسمى الشرك:
أفاض الإمام الرازي في الاستدلال لهذا القول , وجملة ما استدل به خمس أدلة , وهي :
الدليل الأول- قوله تعالى:{وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ َ} [ التوبة : 30 ] ثم قال في الآية التي تليها : {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة : 31 ] وهذه الآية صريحة في أن اليهودي والنصراني مشرك .
الدليل الثاني : قوله تعالى : { إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء } [ النساء : 48 ] دلت هذه الآية على أن ما سوى الشرك قد يغفره الله تعالى في الجملة فلو كان كفر اليهودي والنصراني ليس بشرك لوجب بمقتضى هذه الآية أن يغفر الله تعالى في الجملة ،ولما كان ذلك باطلاً علمنا أن كفرهما شرك .
الدليل الثالث : قوله تعالى : { لَّقَدْ كَفَرَ الذين قَالُواْ إِنَّ الله ثالث ثلاثة } [المائدة : 73] فهذا التثليث إما أن يكون لاعتقادهم وجود صفات ثلاثة ، أو لاعتقادهم وجود ذوات ثلاثة ، والأول باطل ، لأن المفهوم من كونه تعالى عالماً غير المفهوم من كونه قادراً ومن كونه حياً ، وإذا كانت هذه المفهومات الثلاثة لا بد من الاعتراف بها ، كان القول بإثبات صفات ثلاثة من ضرورات دين الإسلام ، فكيف يمكن تكفير النصارى بسبب ذلك ، ولما بطل ذلك علمنا أنه تعالى إنما كفرهم لأنهم أثبتوا ذواتاً ثلاثة قديمة مستقلة ، ولذلك فإنهم جوزوا في أقنوم الكلمة أن يحل في عيسى ، وجوزوا في أقنوم الحياة أن يحل في مريم ولولا أن هذه الأشياء المسماة عندهم بالأقانيم ذوات قائمة بأنفسها ، لما جوزوا عليها الانتقال من ذات إلى ذات ، فثبت أنهم قائلون بإثبات ذوات قائمة بالنفس قديمة أزلية وهذا شرك ، وقول بإثبات الآلهة ،فكانوا مشركين ، وإذا ثبت دخولهم تحت اسم المشرك؛ وجب أن يكون اليهودي كذلك ضرورة أنه لا قائل بالفرق .
الدليل الرابع : ما روي أنه عليه الصلاة والسلام أمر أميراً وقال : إذا لقيت عدداً من المشركين فادعهم إلى الإسلام ، فإن أجابوك فاقبل منهم ، وإن أبوا فادعهم إلى الجزية وعقد الذمة ، فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ..... )، فالنبي عليه الصلاة والسلام سمى من يقبل منه الجزية وعقد الذمة بالمشرك ، فدل على أن الذمي يسمى بالمشرك .
الدليل الخامس : ما احتج به أبو بكر الأصم فقال : كل من جحد رسالته فهو مشرك ، من حيث إن تلك المعجزات التي ظهرت على يده كانت خارجة عن قدرة البشر ، وكانوا منكرين صدورها عن الله تعالى ، بل كانوا يضيفونها إلى الجن والشياطين ، لأنهم كانوا يقولون فيها : إنها سحر وحصلت من الجن والشياطين ، فالقوم قد أثبتوا شريكاً لله سبحانه في خلق هذه الأشياء الخارجة عن قدرة البشر ، فوجب القطع بكونهم مشركين لأنه لا معنى للإله إلا من كان قادراً على خلق هذه الأشياء .
ونوقش دليل القائلين بعدم الدخول بأن الله خص عبدة الأوثان في هذه الآيات بهذا الاسم تنبيهاً على كمال درجتهم في هذا الكفر , وذلك نظير قوله تعالى: { وإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النبيين مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِن نُّوحٍ } [ الأحزاب : 7 ] وبقوله تعالى : {مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ }( البقرة : 98) فإن الله خص بالذكر النبي عليه الصلاة والسلام ونوح عليه السلام في الآية الأولى وكذلك جِبْرِيلَ وميكال في الآية الثانية تنبيهاً على كمال درجتهم في ذلك الوصف المذكور .
من خلال عرض الأدلة , نتبين قوة أدلة القائلين بدخول أهل الكتاب تحت مسمى الشرك ، وبذلك تكون الآية نصاً في الدلالة على حرمة زواج الكتابي من المسلمة وعلى كل حال يجتمع القائلين بعدم دخول أهل الكتاب تحت مسمى الشرك مع القائلين بدخوله في حرمة زواج الكتابي من مسلمة بهذه الآية , ولكن من طريق القياس لا النص , وسأعرضه خلال دليل القياس إن شاء الله ، وبذلك يحصل الاتفاق على دلالة هذه الآية على حرمة هذا النكاح .
ب – قوله تعالى : { وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} (النساء: 141)
وجه الاستدلال : أن الزوج عادة يكون له السلطة على زوجته , وذلك شائع في جميع الأعراف و الأديان لا يماري في ذلك إلا جاهل أو مبتدع ، والله سبحانه وتعالى منع أن يكون للكافر سلطة على المؤمنين مهما كانت نوع تلك السلطة والزواج من أهم العلاقات التي يحرم فيها أن يكون للكافر سلطة على المؤمن وعلى المؤمنة من باب أولى , والكافرين اسم يدخل فيه أهل الكتاب بنص القرآن , وباتفاق العلماء , فيحرم تبعاً لذلك أن يتزوج كتابي بمؤمنة .
قال الإمام الكاساني رحمه الله في موضع الاستدلال على عدم زواج الكافر من المسلمة : ( ولأن الشرع قطع ولاية الكافرين عن المؤمنين بقوله تعالى : { ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا } فلو جاز إنكاح الكافر المؤمنة لثبت له عليها سبيل , وهذا لا يجوز . )
والأدلة التي تدلل على كفر أهل كثيرة , ونظرا لما نقل عن د. حشن الترابي بأنه قال بأن أهل الكتاب ليسوا كفارا, لذا رأيت أنه من المناسب أن أورد الآيات التي تدلل على كفر أهل الكتاب دفعا للشك والريبة .
الآيات التي تدلل على كفر أهل الكتاب :
1- {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّة ِ(6) } سورة البينة قال الإمام الطبري في تفسيره مبينا معنى الآيةإن الذين كفروا بالله ورسوله محمد عليه الصلاة والسلام، فجحدوا نبوّته، من اليهود والنصارى والمشركين جميعهم(فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ) يقول: ماكثين لابثين فيها( أَبَدًا ) لا يخرجون منها، ولا يموتون فيها( أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ ) يقول جل ثناؤه: هؤلاء الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين، هم شرّ من برأه الله وخلقه .)
2- {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ(1)} سورة البينة
3- {أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا و
(11)} سورة الحشر
4- {مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَاللّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ ذُو
الْفَضْلِ الْعَظِيم(105) ِ} سورة البقرة
5- {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ
فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَار(2)ِ} سورة الحشر
6- {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِين(85)َ} سورة آل عمران
فالناس في نظر الإسلام قسمان لا ثالث لهما ؛ إما مسلم ومؤمن بما نزل على النبي عليه الصلاة والسلام جملة وتفصيلا ، وإما كافر به سواء كان كفره بكل ما أنزل على النبي عليه الصلاة والسلام , أو ببعض ما أنزل إن كان مما علم من الدين بالضرورة , فعليه فلا يقبل من أي إنسان غير دين الإسلام مهما كان هذا الدين قريبا من الإسلام أو بعيد , كما تشير إليه الكريمة .
قال الإمام الرازي معقبا على هذه الآية : (أن كل من له دين سوى الإسلام فكما أنه لا يكون مقبولاً عند الله ، فكذلك يكون من الخاسرين ، والخسران في الآخرة يكون بحرمان الثواب ، وحصول العقاب ، ويدخل فيه ما يلحقه من التأسف والتحسر على ما فاته في الدنيا من العمل الصالح وعلى ما تحمله من التعب والمشقة في الدنيا في تقريره ذلك الدين الباطل .)
7- {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ
ذَلِكَ سَبِيلاً(150) أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا(151)} سورة النساء
قال القرطبي رحمه الله في تفسيره : }فيه ثلاث مسائل: الأولى - قوله تعالى: (إن الذين يكفرون) لما ذكر المشركين والمنافقين ذكر الكفار من أهل الكتاب، اليهود والنصارى، إذ كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم، وبين أن الكفر به كفر بالكل، لأنه ما من نبي إلا وقد أمر قومه بالأيمان بحمد صلى الله عليه وسلم وبجميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
ومعنى (يريدون أن يفرقوا بين الله ورسله) أي بين الإيمان بالله ورسله، فنص سبحانه على أن التفريق بين الله ورسله كفر، وإنما كان كفرا لان الله سبحانه فرض على الناس أن يعبدوه بما شرع لهم على ألسنة الرسل، فإذا جحدوا الرسل ردوا عليهم شرائعهم ولم يقبلوها منهم، فكانوا ممتنعين من التزام العبودية التي أمروا بالتزامها، فكان كجحد الصانع سبحانه، وجحد الصانع كفر لما فيه من ترك التزام الطاعة والعبودية, وكذلك التفريق بين رسله في الإيمان بهم كفر.
المسألة الثانية - لقوله تعالى: (ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض) وهم اليهود آمنوا بموسى وكفروا بعيسى ومحمد ........ .
الثالثة - قوله تعالى: (أولئك هم الكافرين حقا) تأكيد يزيل التوهم في إيمانهم حين وصفهم بأنهم يقولون نؤمن ببعض، وأن ذلك لا ينفعهم إذا كفروا برسوله، وإذا كفروا برسوله فقد كفروا به عز وجل، وكفروا بكل رسول مبشر بذلك الرسول، فلذلك صاروا الكافرين حقا .{8- {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ (72)} سورة المائدة
9- {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(73)} سورة المائدة
10- {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ(31)} سورة التوبة
11- {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأَنتُمْ تَشْهَدُون(70)َ} سورة آل عمران
قال الآلوسي في معنى هذه الآية أي لم تكفرون بما يتلى عليكم من آيات القرآن وأنتم تعلمون ما يدل على صحتها ووجوب الإقرار بها من التوراة والإنجيل ، وقيل : المراد : لم تكفرون بما في كتبكم من الآيات الدالة على نبوته صلى الله عليه وسلم وأنتم تشهدون الحجج الدالة على ذلك ، أو : لم تكفرون بما في كتبكم من أن الدين عند الله الإسلام وأنتم تشاهدون ذلك ، أو : لم تكفرون بالحجج الدالة على نبوته صلى الله عليه وسلم وأنتم تشهدون أن ظهور المعجزة يدل على صدق مدعي الرسالة أو أنتم تشهدون إذا خلوتم بصحة دين الإسلام ، أو : لم تكفرون بآيات الله جميعاً وأنتم تعلمون حقيتها بلا شبهة بمنزلة علم المشاهدة .)
12- {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَاللّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ(98)} سورة آل عمران وغيرها من الآيات الكثيرة التي تبين كفر أهل الكتاب والتي لا مجال في الشك فيها أدنى شك حتى قال العلماء بكفر من شك بذلك , قال القاضي عياض في سياق ذكره لما هو كفر بالإجماع : (ولهذا نُكفّر من لا يُكفّر من دان بغير ملّة المسلمين من الملل أو وقف فيهم أو شك أو صحّح مذهبهم، وإن أظهر بعد ذلك الإسلام واعتقده واعتقد إبطال كل مذهب سواه، فهو كافر بإظهاره ما أظهر من خلاف ذلك .)
وقال القرضاوي في هذا السياق : (فإن كُفر اليهود والنصارى من أوضح الواضحات بالنسبة لأي مسلم عنده ذرَّة من علم الإسلام، وممَّا أجمعتْ عليه الأمة على اختلاف مذاهبها وطوائفها، طوال العصور، لم يُخالف في ذلك سُنِّيٌّ ولا شِيعيٌّ ولا مُعتزلي ولا خارجي، وكل طوائف الأمة الموجودة اليوم من أهل السنة والزيدية والجعفرية والإباضية، لا يَشُكُّون في كفر اليهود والنصارى وكل مَن لا يُؤمن برسالة محمد عليه الصلاة والسلام .
فهذا من المسلمات الدينية المتَّفق عليها نظرًا وعملاً، بل هي مِن (المعلوم من الدين بالضرورة) أي ممَّا يتفق على معرفته الخاص والعام، ولا يحتاج إلى إقامة دليل جزئي للبَرْهَنَةِ على صحته.
وسر ذلك: أن كُفر اليهود والنصارى لا يدل عليه آيةٌ أو آيتان أو عشرة أو عشرون، بل عشرات الآيات من كتاب الله، وعشرات الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .)
وإسباغ كلمة الكفر على أهل الكتاب لا يتناقض مع كلمة أهل الذمة , لأن كلمة أهل الذمة تعني أن لأهل الكتاب أحكام خاصة دون باقي الكفار لأسباب خاصة , منها وجود نقطة التقاء بيننا وببينهم وهي كون دينهم ذا أصل سماوي , وهذا لا يعني أنهم ليسوا كفار , والآيات التي ذكرتها تدل على ذلك والله أعلم بالصواب.
أما كلام الفقهاء في هذا الجانب فإنهم تكلموا فيه ولكن بشكل عرضي , أي أثناء الحديث عن أحكام الزواج والطلاق والجزية وما شابه ذلك ،أما بشكل صريح فلم أجد أحداً قد خص بابا يتكلم فيه عن كفر أهل الكتاب مستطردا فيه ببيان الأدلة من الكتاب والسنة وسواهما من المصادر الشرعية , وعدم التصريح ليس شكا منهم وإنما لكون هذا الأمر أصبح بديهة لديهم حتى أضحى الجاهل لا يشك في ذلك , فتراهم يثبتون عنوان أهل الشرك أو أهل الكفر ثم يسردون فيه الكتابي وغيره من الكفار , وما ذلك إلا يقينا منهم بكفر أهل الكتاب , ولم يعرفوا أنه سيأتي زمانا تصبح الأمور المسلمة مثارا للشك , وأنه سيأتي قائل ما ليقول بعدم كفر أهل الكتاب , و حسبنا الله ونعم الوكيل .
فمثلا هذا ابن قدامة يتحدث عن ولي الذمية إذا نكحها مسلم في معرض حديثه عن الأولياء ، ففيه يصرح بأن الذمية كافرة وكذا وليها، فيقول : ( فصل : إذا تزوج المسلم ذمية , فوليها الكافر يزوجها إياه . ذكره أبو الخطاب . وهو قول أبي حنيفة , والشافعي ; لأنه وليها , فصح تزويجه لها , كما لو زوجها كافرا , ولأن هذه امرأة لها ولي مناسب , فلم يجز أن يليها غيره , كما لو تزوجها ذمي وقال القاضي : لا يزوجها إلا الحاكم ; لأن أحمد قال : لا يعقد يهودي ولا نصراني عقدة نكاح لمسلم ولا مسلمة . ووجهه أنه عقد يفتقر إلى شهادة مسلمين , فلم يصح بولاية كافر , كنكاح المسلمين , والأول أصح , والشهود يرادون لإثبات النكاح عند الحاكم , بخلاف الولاية . )
وهذا السرخسي أيضا يعلل عدم جواز زواج الكافر من مسلمة بالكفر فيقول : ( وإذا تزوج الذمي مسلمة حرة فرق بينهما لقوله تعالى { ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا } ; ولقوله صلى الله عليه وسلم { الإسلام يعلو , ولا يعلى } فاستقر الحكم في الشرع على أن المسلمة لا تحل للكافر )
وهذا الإمام القرافي أيضا يعلل عدم صحة أي أمر فيه تسلط لأهل الذمة على المسلمين لكفرهم فيقول رحمه الله : (الفصل الثاني في أنكحتهم وهي عندنا فاسدة وإنما الإسلام يصححها خلافا لابن حنبل وفي الكتاب لا يطأ الذمي مسلمة بنكاح ولا ملك وليقدم في ذلك إلى الذمة ويعاقبون بعد التقدم ولا يحدون ويعفى عن الجاهل وتباع الأمة عليه نفيا لاستيلاء الكفر على الإسلام ويفسخ النكاح وإن أسلم الزوج لفساد العقد . )
وفي كتاب الأم للشافعي يسرد الإمام الشافعي أحكام أهل الكتاب تحت مسمى الفسخ بالكفر : (الفسخ بين الزوجين بالكفر ولا يكون إلا بعد انقضاء العدة ( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : ولو أن نصرانيين أو يهوديين من بني إسرائيل كانا زوجين فأسلم الزوج كان النكاح كما هو لأن اليهودية والنصرانية حلال للمسلم لا يحرم عليه ابتداء نكاحها .)
ولا داعي للإطالة في هذا الجانب وسأكتفي بما ورد من نصوص لا لقلتها ولكن اكتفاءاً بما ورد من آيات القرآن مصرحة بذلك , ولعمري فإن الذي لا ينحني لما تدلل عليه الآيات , لابد أن يستكبر على نقول الفقهاء ولو بلغت الملايين ، فلا داعي لكثرة السرد ، لأن من أراد الحق فإنه لاشك قد وصل إليه من خلال آيات الذكر الحكيم , أما من أراد الزيغ والفتنة والتمرد على الدين فسيلقي أقوال الفقهاء عرض الحائط ولو بلغت جموع الأمة من سلفها إلى حاضرها بفقهائها وعلمائها و زهادها لأن غرضه الباطل , وحسبنا الله ونعم الوكيل .
ج - قوله تعالى : { فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ } (الممتحنة :10)
وجه الاستدلال بهذه الآية أن الله سبحانه وتعالى حرم إعادة المسلمات إلى الكفار لأن المسلمة لا تحل لكافر , وهذه الآية وإن نزلت في كفار أهل مكة , ولكن عمم الله الحكم بالكفر ، وأطلق عليه عدم الحلية , وقد سبق في الدليل السابق أن أهل الكتاب كفار ، فيدخلون في الحكم تحت مسمى الكفر .
الدليل الثاني- الإجماع :
وهو أقوى الأدلة التي تقطع دابر الخلاف وتحيله إلى سراب وكأنه لم يكن ، ومفاده ما يلي :
أجمعت الأمة منذ أن سطع نورها إلى وقتنا المعاصر على حرمة نكاح المسلمة من الكتابي ، ولم ينقل في ذلك خلاف , أو قول لعَلَمٍ من هذه الأمة بخلاف ذلك ، وإليك النصوص الدالة على ذلك :
قال القرطبي في هذا المقام وأجمعت الأمة على أن المشرك لا يطأ المؤمنة بوجه، لما في ذلك من الغضاضة على الإسلام.)
قال ابن حيان الأندلسي : ( وأجمعت الأمة على أن المشرك لا يطأ المؤمنة بوجه مّا. )
قال الخازن : ( وانعقد الإجماع على أنه لا يجوز للمسلمة أن تتزوج كافر . )
قال الشافعي رحمه الله: ( قد اجتمع الناس على أن لا يحل لرجل منهم- في سياق حديثه عن أهل الكتاب - أن ينكح مسلمة. )
حتى أن العلماء نصوا على أن المسلمة العاصية لا تحل لكافر ، قال الشافعي : (ولم يختلف الناس فيما علمنا في أن الزانية المسلمة لا تحل لمشرك وثني ولا كتابي . )
و أجمع العلماء أيضا على أنه لا ولاية لكافر على مسلمة بحال من الأحوال ، فكيف بالزواج منها ، قال ابن قدامة: (أما الكافر فلا ولاية له على مسلمة بحال , بإجماع أهل العلم , منهم, مالك , والشافعي , وأبو عبيد , وأصحاب الرأي . وقال ابن المنذر : أجمع على هذا كل من نحفظ عنه من أهل العلم . )
قال الإمام السرخسي : ( وإذا تزوج الذمي مسلمة حرة فرق بينهما لقوله تعالى { ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا } ; ولقوله صلى الله عليه وسلم { الإسلام يعلو , ولا يعلى } فاستقر الحكم في الشرع على أن المسلمة لا تحل للكافر .)
ومعلوم أن العلماء إن اجتمعوا على قول في عصر من العصور يحرم على أي عالم أن يقول بخلافه حتى لو اجتمع العلماء في عصر بعد عصر المجمعين الأوائل على خلاف قولهم فإن ذلك غير جائز ولا عبرة به ، فكيف إذا اجتمعت الأمة من فجر بزوغها إلى وقتنا المعاصر على ذلك !!!!.
الدليل الثالث - القياس - اتحاد العلة :
ذكرت في موضع استدلالي بقوله تعالى (ولا تنكحوا المشركين ... ) أن بعض العلماء ذهبوا إلى أن أهل الكتاب لا يدخلون تحت مسمى أهل الشرك ، وعلى ذلك قالوا إن حرمة نكاح المسلمة من الكتابي لا تؤخذ من نص هذا الآية ، إنما استدلوا على ذلك إلحاقا بالآية من طريق القياس , فالحقوا الكتابي بالمشرك في الحكم وهو حرمة نكاح المسلمة بجامع اجتماعهما-الكتابي و المشرك - في الدعوة إلى النار , المأخوذة من قوله تعالى: (أولئك يدعون إلى النار) التي جاءت عقب الآية السابقة ، وقد ثبت بالقول القاطع كفر أهل الكتاب
وبالإجماع ، ومعلوم أن مآل الكفر إلى النار ، فكان اعتقاد الكتابي مؤدٍّ إلى النار ، وهي علة المنع في حرمة المسلمة على الحربي ، فألحق الكتابي بالمشرك لاشتراكهما في علة المنع .
قال الكاساني في موضع استدلاله على حرمة المسلمة على الكتابي : ( والنص وإن ورد في المشركين لكن العلة , وهي الدعاء إلى النار يعم الكفرة أجمع, فيتعمم الحكم بعموم العلة , فلا يجوز إنكاح المسلمة الكتابي , كما لا يجوز إنكاحها الوثني والمجوسي .
الدليل الرابع – المعقول(كل ما يؤدي إلى حرام فهو حرام ) :
مختصر هذا الدليل أن في نكاح الكتابي للمسلمة تعريض للمسلمة للفتنة في دينها وقد يؤدي بها الأمر إلى الخروج عن ملة الإسلام إلى ملة زوجها وذلك حرام فما يؤدي إليه حرام فكان نكاح المسلمة من الكافر حرام.
قال الإمام الكاساني رحمه الله مبينا ذلك فقال : (ولأن في إنكاح المؤمنة الكافر خوف وقوع المؤمنة في الكفر ; لأن الزوج يدعوها إلى دينه , والنساء في العادات يتبعن الرجال فيما يؤثرون من الأفعال ويقلدونهم في الدين و إليه وقعت الإشارة في آخر الآية بقوله عز وجل : { أولئك يدعون إلى النار } لأنهم يدعون المؤمنات إلى الكفر , والدعاء إلى الكفر دعاء إلى النار ; لأن الكفر يوجب النار , فكان نكاح الكافر المسلمة سببا داعيا إلى الحرام فكان حراما .)
وبين ذلك سيد قطب فقال : ( أما الأمر في زواج الكتابي من مسلمة فهو محظور؛ لأنه يختلف في واقعه عن زواج المسلم بكتابية - غير مشركة - ومن هنا يختلف في حكمه . . إن الأطفال يدعون لآبائهم بحكم الشريعة الإسلامية . كما أن الزوجة هي التي تتنقل إلى أسرة الزوج وقومه وأرضه بحكم الواقع . فإذا تزوج المسلم من الكتابية ( غير المشركة ) انتقلت هي إلى قومه ، ودعي أبناؤه منها باسمه ، فكان الإسلام هو الذي يهيمن ويظلل جو المحصن . ويقع العكس حين تتزوج المسلمة من كتابي ، فتعيش بعيداً عن قومها ، وقد يفتنها ضعفها ووحدتها هنالك عن إسلامها كما أن أبناءها يدعون إلى زوجها ، ويدينون بدين غير دينها . والإسلام يجب أن يهيمن دائماً . )
الحكمة الشرعية من تحريم نكاح الكافر للمسلمة :
بعد بيان زيف هذا القول وعدم صحته لا نقلا ولا عقلا و أن ما ادعاه صاحبه من عدم وجود أصل له لا حقيقة له أبدا , وقد أثبتُّ أدلة الفقهاء في هذه المسألة بما لا يترك مجالا للشك .
وفي ختام هذه المسألة أريد أن أبين وجه الحكمة من منع المسلمة من أن ترتبط بكافر (وثني أو أهل كتاب ) , و وجه الفرق بين جواز نكاح المسلم للكتابية مع عدم جواز المسلمة للكتابي ، وقد وجدت الدكتور مصطفى السباعي قد أفاد في هذا الموضوع وأجاد فأحببت أن أثبت قوله كما هو لتمام الفائدة , فقال رحمه الله :
( وينبغي لنفهم وجه الحكمة في هذا التفريق أن نذكر الحقائق التالية :
1- إن الإسلام يعترف بالديانتين اليهودية والنصرانية كديانتين منزلتين في الأصل من الله تعالى وإن كانتا قد نسختا بعد نزول الإسلام , وقد أمر الله المسلمين في القرآن الكريم أن يؤمنوا بجميع أنبياء الله ورسله , قال تعالى : {قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى
إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} (البقرة :136) كما جاء في القرآن أن الله تعالى أنزل التوراة والإنجيل على موسى وعيسى عليهما السلام , وإن تغيرا فيما بعد ، فأصلهما معترف ي نظر الإسلام أنهما منزلان من عند الله تبارك و تعالى , وعلى هذا فلا يجوز للمسلم أن يسب التوراة والإنجيل ككتابين منزلين من عند الله تعالى , وهو إن فعل ذلك كفر وكان عليه أن يجدد إسلامه وإلا كان مرتدا تطبق عليه أحكام المرتد ، ومنها طلاق زوجته وعدم حلها له بعد ذلك .
2- إن اليهودية والنصرانية لا تعترفان بالإسلام دينا منزلا من عند الله , ولا بمحمد عليه الصلاة والسلام نبيا مرسلا كسائر أنبياء الله , ولا بالقرآن كتابا إلهيا موحى به من عند الله إلى رسوله محمد , فلو سب اليهودي أو النصراني دين الإسلام ورسوله و كتابه وأعلن تكذيبه لذلك ، لم يكن عليه حرج في نظر ديانته ، بل إن تمام إيمانه بدينه أن يعتقد أن الإسلام دين باطل ، وأن محمدا مدع للنبوة وأن القرن من تأليف محمد لا من عند الله ، و إن اعقد غير ذلك كان كافرا في نظر دينه ، أي لم يكن يهوديا و لا نصرانيا.
3- واستقرار الحياة الزوجية وسعادتها إنما يكون بحرص الزوج على شعور زوجته وخاصة بما يتعلق بعقيدتها وشعائرها الدينية , فكل إهانة من الزوج لزوجته في شعورها وعواطفها بشكل عام وعقيدتها ودينها بشكل خاص ، يعرض الحياة الزوجية للانفصام قطعا.
4- وللزوج رئاسة الأسرة و القوامة على الزوجة والسيطرة الأدبية عليها في كل شرائع العالم وقوانينه , وله القدرة على التأثير عليها في أفكارها واتجاهاتها أكثر مما للمرأة على الرجل في الأغلب الأعم النابع من طبيعة الرجل وطبيعة المرأة على السواء .
فإذا وجدت زوجات ذات قدرة على التأثير على الزوج أو الوقوف في وجهه فهذا نادر لا يقام له وزن .
5- والرجل بطبيعته أقدر على التطاول على زوجته عند الغضب والخصام اللذين كثيرا ما يقعان في الحياة الزوجية, بل قل أن تخلو منهما الحياة الزوجية , وحين يحتدم الخصام يندفع الزوج من لا يدري إلى التلفظ بكلمات تجرح شعور المرأة , ومن أهم ما تحرص عليه الزوجة أن لا تجرح في شعورها الديني و مقدساتها العقائدية فلابد للمتشرع الحريص على إقامة بناء الأسرة على دعائم وطيدة من الحب والتعاون , من إيجاد الضمانات القوية التي تحول دون تصدع الأسرة وشقاء الحياة الزوجية بين الزوجين .
6- وفي عقيدة الزوج المسلم ضمان ليس بعده ضمان بالنسبة إلى زوجته الكتابية ، فهو يعتقد بأصل دينها وبأنبيائها وبكتابها ، مهما غضب منها فهو ممنوع من أن يجرح شعورها الديني بسب أو احتقار , وإلا ارتد عن دينه وبانت منه امرأته , وليس في عقيدة غير المسلم مثل هذا الضمان بالنسبة إلى زوجته لو أبيح له أن تكون مسلمة .
هذا هو التحليل الصحيح للفرق بين زواج المسلم من الكتابية وهو ما أجازه الإسلام , وبين زواج غير المسلم بالمسلمة وهو ما لم يجزه الإسلام .
ومنه يتضح أن الإسلام كان في موقفه من زواج المسلم بالكتابية متفقا مع مبدئه في التسامح الديني , وهو ما لم تفعله الديانات الأخرى قط , وكان في موقفه من زواج غير المسلم بالمسلمة متفقا مع واقعيته وحرصه على استقرار كيان الأسرة من العواصف الهوجاء التي لا علاج لها إلا موقفه الحكيم من منع مثل هذا الزواج . )
والحمد لله رب العالمين ... .
أسعد
الهوامش
في ظلال القرآن 1\219 .
الطبري في تفسيره: 2 \379 .
ينظر الرازي في التفسير الكبير: 3\289-290, الآلوسي في روح المعاني :2\216-218 , ابن العربي قي أحكام القرآن:1\219.
الرازي في التفسير الكبير: 3\289-291 ، وينظر البحر المحيط لابن حيان الأندلسي :2\385 .
قال الإمام الرازي في تفسير قوله تعالى (لَّقَدْ كَفَرَ الذين قَالُواْ إِنَّ الله ثالث ثلاثة):
(المسألة الثانية : في تفسير قول النصارى { ثالث ثلاثة } طريقان : الأول : قول بعض المفسرين ، وهو أنهم أرادوا بذلك أن الله ومريم وعيسى آلهة ثلاثة ، والذي يؤكد ذلك قوله تعالى للمسيح { { أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ } [ المائدة : 116 ] فقوله { ثالث ثلاثة } أي أحد ثلاثة آلهة ، أو واحد من ثلاثة آلهة ، والدليل على أن المراد ذلك قوله تعالى في الرد عليهم { وَمَا مِنْ إله إِلاَّ إله واحد } وعلى هذا التقدير ففي الآية إضمار ، إلا أنه حذف ذكر الآلهة لأن ذلك معلوم من مذاهبهم .............. والطريق الثاني : أن المتكلمين حكوا عن النصارى أنهم يقولون : جوهر واحد ، ثلاثة أقانيم أب ، وابن ، وروح القدس ، وهذه الثلاثة إله واحد ، كما أن الشمس اسم يتناول القرص والشعاع والحرارة ، وعنوا بالأب الذات ، وبالابن الكلمة ، وبالروح الحياة ، وأثبتوا الذات والكلمة والحياة ، وقالوا : إن الكلمة التي هي كلام الله اختلطت بجسد عيسى اختلاط الماء بالخمر ، واختلاط الماء باللبن ، وزعموا أن الأب إلهة ، والابن إله ، والروح إله ، والكل إله واحد . واعلم أن هذا معلوم البطلان ببديهة العقل ، فإن الثلاثة لا تكون واحداً ، والواحد لا يكون ثلاثة ، ولا يرى في الدنيا مقالة أشد فساداً وأظهر بطلاناً من مقالة النصارى .) 6\124.
أخرجه الإمام مسلم في صحيحه : رقم :1731 ، 3| 1357 , قال الزيلعي : ( أخرجه الجماعة إلا البخاري )
, نصب الراية 3\380, قال الإمام الترمذي في سننه عن هذا الحديث: ( وفي الباب عن النعمان بن مقرن وحديث بريدة حديث حسن صحيح ) : 4 \162 .
ولقد ذكر الإمام الرازي حول هذا الدليل نقاشاً فقال رحمه الله : (واعترض القاضي فقال : إنما يلزم هذا إذا سلم اليهودي أن ما ظهر على يد محمد صلى الله عليه وسلم من الأمور الخارجة عن قدرة البشر ، فعند ذلك إذا أضافه إلى غير الله تعالى كان مشركاً ، أما إذا أنكر ذلك وزعم أن ما ظهر على يد محمد صلى الله عليه وسلم من جنس ما يقدر العباد عليه لم يلزم أن يكون مشركاً بسبب ذلك إلى غير الله تعالى .
والجواب : أنه لا اعتبار بإقراره أن تلك المعجزات خارجة عن مقدور البشر أم لا ، إنما الاعتبار يدل على أن ذلك المعجز خارج عن قدرة البشر ، فمن نسب ذلك إلى غير الله تعالى كان مشركاً ، كما أن إنساناً لو قال : إن خلق الجسم والحياة من جنس مقدور البشر ثم أسند خلق الحيوان والنبات إلى الأفلاك والكواكب كان مشركاً فكذا ههنا ، فهذا مجموع ما يدل على أن اليهودي والنصراني يدخلان تحت اسم المشرك ) التفسير الكبير: 3\390 .
بدائع الصنائع : 2\271-272
الطبري في تفسيره : 24 / 542 .
الرازي في تفسيره : 4\287 .
القرطبي في تفسيره : 6/ 5-6 .
الآلوسي في تفسيره : 3 / 89 .
الشفاء : 2/286
نقلا عن موقع القرضاوي .
المغني : 7/ 5180 .
المبسوط : 5/46 .
الذخيرة : 4 /325 .
الأم : 5/53 .
البحر المحيط لابن حيان الأندلسي : 2\260 .
لباب التأويل في معاني التنزيل : 1\218-219 .
الأم : 5\170.
الأم : 5\160.
المغني: 7\518 .
المبسوط 5/46
بدائع الصنائع : 2\271-272 .
بدائع الصنائع : 2\271-272.
في ظلال القرآن : . 1\220
مصطفى السباعي في شرح قانون الأحوال الشخصية 1/ 174- 175