hmsain.ahlamontada.com

نشكرك على التسجيل فى هدا المنتدى زرنا باستمرار و شاركنا رايك فاليد الواحدة لا تصفق ورايك يهمنا كما ان حضورك الدائم يحفزنا

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

hmsain.ahlamontada.com

نشكرك على التسجيل فى هدا المنتدى زرنا باستمرار و شاركنا رايك فاليد الواحدة لا تصفق ورايك يهمنا كما ان حضورك الدائم يحفزنا

hmsain.ahlamontada.com

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
hmsain.ahlamontada.com

منتدى يهتم بنشاطات حركة مجتمع السلم بلدية عين بوزيان


    الغناء بين الحل والحرمة

    Admin
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 2093
    تاريخ التسجيل : 01/03/2010
    الموقع : hmsain.ahlamontada.com

    الغناء بين الحل والحرمة Empty الغناء بين الحل والحرمة

    مُساهمة  Admin الخميس 23 يونيو 2011 - 15:27

    أولا: مذهب المانعين:

    1-الأدلة من القرآن ومدى دلالتها على التحريم:

    الدليل الأول:
    قال تعالى: "ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولائك لهم عذاب مهين".

    الدليل الثاني:
    قوله تعالى: "وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه" في معرض مدح المؤمنين

    الدليل الثالث:
    قوله تعالى: "والذين لا يشهدون الزور".

    الدليل الرابع:
    قوله تعالى: "واستفزز من استطعت منهم بصوتك".

    الدليل الخامس:
    قوله تعالى: "وأنتم سامدون"


    الأدلة القرآنية لمحرمي الغناء ومدى دلالتها
    الدليل الأول:
    قال تعالى: "ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولائك لهم عذاب مهين".

    وجه الاستدلال:
    صح عن ابن مسعود وابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم أن: (لهو الحديث) في الآية هو الغناء ,وأقسم ابن مسعود على ذلك فقال: هو –والله- الغناء! ذكر ذلك ابن القيم وغيره ثم نقل عن الحاكم في التفسير من المستدرك قوله: ليعلم طالب هذا العلم أن تفسير الصحابي الذي شهد الوحي والتنزيل عند الشيخين حديث مسند.
    وقال في موضع آخر من كتابه: هو عندنا في حكم المرفوع.
    قال ابن القيم: وهذا –وإن كان فيه نظر- فلا ريب أنه أولى بالقبول من تفسير من بعدهم (انظر إغاثة اللهفان لابن القيم ج1 ص 258).
    وذكر الواحدي: أن أكثر المفسرين على أن المراد بلهو الحديث: الغناء وهو قول مجاهد وعكرمة (انظر المصدر السابق ص 257 وانظر سنن البيهقي (10/223) وقد زاد: إبراهيم النخعي).

    وقفات مع الاستدلال:
    الأولى:
    أن هذا ليس هو التفسير الوحيد للآية فقد فسره بعضهم بأن المراد به:أخبار وقصص الأعاجم وملوكهم وملوك الروم ونحو ذلك مما كان النضر بن الحارث –أحد مشركي قريش العتاة- يحدث به أهل مكة يشغلهم به عن القرآن وقد ذكر ذلك ابن القيم نفسه.

    الثانية:
    أننا لا نسلم أن تفسير الصحابي في حكم المرفوع إلا فيما كان من سبب نزول ونحوه بل هو في الغالب فهم له في القرآن كثيرا ما يعارضه غيره من الصحابة ولو كان كله مرفوعا ما تعارض ولا اختلف.

    الثالثة:
    أننا لو سلمنا بصحة هذا التفسير وأنه في حكم المرفوع بل لو كان مرفوعا فعلا لم يكن حجة في موضع النزاع هنا فالآية لا تذم مجرد من يشتغل بالغناء أو لهو الحديث بل تذم وتتوعد بالعذاب المهين من يشتريه ليضل عن سبيل الله ويتخذها هزوا وهذا غير ما نحن فيه.

    كلمة لابن حزم: وما أبلغ ما قاله ابن حزم في الرد على من احتج بقول ابن مسعود أو غيره هنا:
    قال أبو محمد‏:‏ لاَ حُجَّةَ فِي هَذَا كُلِّهِ لِوُجُوهٍ‏:
    أَحَدُهَا‏:‏ أَنَّهُ لاَ حُجَّةَ لأََحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏.‏

    وَالثَّانِي‏:‏ أَنَّهُ قَدْ خَالَفَ غَيْرَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ‏.‏
    وَالثَّالِثُ‏:‏ أَنَّ نَصَّ الآيَةِ يُبْطِلُ احْتِجَاجَهُمْ بِهَا؛ لأََنَّ فِيهَا " وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ" وَهَذِهِ صِفَةٌ مَنْ فَعَلَهَا كَانَ كَافِرًا، بِلاَ خِلاَفٍ، إذَا اتَّخَذَ سَبِيلَ اللَّهِ تَعَالَى هُزُوًا‏.‏
    وَلَوْ أَنَّ امْرَأً اشْتَرَى مُصْحَفًا لِيُضِلَّ بِهِ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَتَّخِذُهَا هُزُوًا لَكَانَ كَافِرًا،فَهَذَا هُوَ الَّذِي ذَمَّ اللَّهُ تَعَالَى، وَمَا ذَمَّ قَطُّ، عَزَّ وَجَلَّ، مَنْ اشْتَرَى لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيَلْتَهِيَ بِهِ وَيُرَوِّحَ نَفْسَهُ، لاَ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى، فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِقَوْلِ كُلِّ مَنْ ذَكَرْنَا‏.‏ وَكَذَلِكَ مَنْ اشْتَغَلَ عَامِدًا عَنْ الصَّلاَةِ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، أَوْ بِقِرَاءَةِ السُّنَنِ، أَوْ بِحَدِيثٍ يَتَحَدَّثُ بِهِ، أَوْ يَنْظُرُ فِي مَالِهِ، أَوْ بِغِنَاءٍ، أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ، فَهُوَ فَاسِقٌ، عَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى، وَمَنْ لَمْ يُضَيِّعْ شَيْئًا مِنْ الْفَرَائِضِ اشْتِغَالاً بِمَا ذَكَرْنَا فَهُوَ مُحْسِنٌ‏.‏(انظر المحلى 9/10).

    وما قاله ابن حزم أكده الإمام أبو حامد الغزالي فقال تعقيبا على من احتج بالآية على تحريم الغناء:
    وأما شراء لهو الحديث بالدين استبدالا به ليضل به عن سبيل الله فهو حرام مذموم وليس النزاع فيه وليس كل غناء بدلا عن الدين مشترى به ومضلا عن سبيل الله تعالى وهو المراد في الآية ولو قرأ القرآن ليضل به عن سبيل الله لكان حراما.
    وأيد هذا بما حكي عن بعض المنافقين: أنه كان يؤم الناس ولا يقرأ إلا سورة عبس لما فيها من العتاب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم عمر بقتله ورأى فعله حراما لما فيه من الإضلال فالإضلال بالشعر والغناء أولى بالتحريم.
    انظر الإحياء (2/260) وما بعدها.


    دلالة الوعيد الشديد في الآية:
    ومما يؤكد ما ذكره ابن حزم والغزالي: أن الآية تضمنت وعيدا شديدا على هذا الفعل مما يدل على أنه ليس مجرد لهو وترويح كما أن الآية التالية للآية المحتج بها تضمنت زيادة بيان لأوصاف هذا الصنف من الناس الذي عنته الآية إذ قال تعالى بعدها: "وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقرا فبشره بعذاب أليم".
    وهذا لا يوصف به مسلم يعتقد أن القرآن كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.
    ولذا نجد الإمام ابن القيم –وهو من أشد القائلين بتحريم الغناء- يعترف بأن الآيات تضمنت ذم من استبدل لهو الحديث بالقرآن ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا وإذا يتلى عليه القرآن ولى مستكبرا كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقرا –وهو الثقل والصمم- وإذا علم منه شيئا استهزأ به فمجموع هذا لا يقع إلا من أعظم الناس كفرا (انظر إغاثة اللهفان ج1 ص 259).
    ومن هنا نرى أن تطبيق الآيتين الكريمتين بما تضمنتا من أوصاف وما اشتملتا عليه من وعيد شديد على مجرد من اشتغل بالغناء تلهيا وترويحا للنفس في غاية البعد لمن أنصف وتدبر القرآن.
    يؤيد هذا ما نقله الإمام ابن جرير الطبري في تفسيره من طريق ابن وهب قال:قال ابن زيد في قوله تعالى "ومن الناس من يشتري لهو الحديث.."الآية. قال: هؤلاء أهل الكفر ألا ترى إلى قوله تعالى "وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقرا" فليس هكذا أهل الإسلام.
    قال: وناس يقولون: هي فيكم، وليس كذلك، قال: وهو الحديث الباطل الذي كانوا يلغون فيه.(انظر تفسير الطبري (10/41).
    وقال الإمام ابن عطية: والذي يترجح أن الآية نزلت في لهو الحديث مضاف إلى الكفر فلذلك اشتدت ألفاظ الآية بقوله: "ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا" وبالتوعد بالعذاب المهين (انظر تفسير ابن عطية ج11 ص 484).
    وهذا هو ما اختاره الإمام الفخر الرازي في تفسيره ولم يذكر غيره فانظره غير مأمور في التفسير الكبير للرازي ج 13 ص 141-142.

    الدليل الثاني:
    2- قوله تعالى: "وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه" في معرض مدح المؤمنين.
    وجه الاستدلال:
    قالوا: الغناء من اللغو فوجب الإعراض عنه.
    ويجاب عن ذلك بأن الظاهر من الآية الكريمة أن المراد من اللغو فيها هو سفه القول من السب والشتم ونحو ذلك وبقية الآية تنطق بذلك قال تعالى: "وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين" فهي شبيهة بقوله تعالى في وصف عباد الرحمن: "وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما".
    ولو سلمنا أن اللغو في الآية يشمل الغناء لوجدنا أن الآية تستحب الإعراض عن سماعه وتمدحه وليس فيها ما يوجب ذلك.
    وكلمة "اللغو" ككلمة "الباطل" تعني ما لا فائدة فيه وسماع ما لا فائدة فيه ليس محرما ما لم يضيع حقا أو يشغل عن واجب.
    روى عن ابن جريج أنه كان يرخص في السماع فقيل له أيؤتى يوم القيامة في جملة حسناتك أو سيئاتك فقال لا في الحسنات ولا في السيئات لأنه شبيه باللغو وقال الله تعالى لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم.

    قال الإمام الغزالي: (إذا كان ذكر اسم الله تعالى على الشيء على طريق القسم من غير عقد عليه ولا تصميم والمخالفة فيه مع أنه لا فائدة فيه لا يؤاخذ فكيف يؤاخذ به بالشعر والرقص؟)

    على أننا نقول: ليس كل غناء لغوا إنه يأخذ حكمه وفق نية صاحبه فالنية الصالحة تحيل اللهو قربة والمباح طاعة والنية الخبيثة تحبط العمل الذي ظاهره العبادة وباطنه الرياء وفي الصحيح: "إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم".

    وننقل هنا كلمة جيدة قالها الإمام ابن حزم في المحلى ردا على الذين يمنعون الغناء قال:
    (وَاحْتَجُّوا فَقَالُوا‏:‏ مِنْ الْحَقِّ الْغِنَاءُ أَمْ مِنْ غَيْرِ الْحَقِّ، وَلاَ سَبِيلَ إلَى قِسْمٍ ثَالِثٍ فَقَالُوا‏:‏ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏(‏فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ‏) فَجَوَابُنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏:‏
    أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ نَوَى بِاسْتِمَاعِ الْغِنَاءِ عَوْنًا عَلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ فَاسِقٌ، وَكَذَلِكَ كُلُّ شَيْءٍ غَيْرُ الْغِنَاءِ، وَمَنْ نَوَى بِهِ تَرْوِيحَ نَفْسِهِ لِيَقْوَى بِذَلِكَ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، وَيُنَشِّطَ نَفْسَهُ بِذَلِكَ عَلَى الْبِرِّ فَهُوَ مُطِيعٌ مُحْسِنٌ، وَفِعْلُهُ هَذَا مِنْ الْحَقِّ، وَمَنْ لَمْ يَنْوِ طَاعَةً، وَلاَ مَعْصِيَةً، فَهُوَ لَغْوٌ مَعْفُوٌّ عَنْهُ كَخُرُوجِ الْإِنْسَانِ إلَى بُسْتَانِهِ مُتَنَزِّهًا، وَقُعُودِهِ عَلَى بَابِ دَارِهِ مُتَفَرِّجًا وَصِبَاغِهِ ثَوْبَهُ لاَزَوَرْدِيًّا أَوْ أَخْضَرَ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، وَمَدِّ سَاقِهِ وَقَبْضِهَا وَسَائِرِ أَفْعَالِهِ) انظر المحلى (9/60) .

    الدليل الثالث:
    3-قوله تعالى: "والذين لا يشهدون الزور".

    وجه الاستدلال:جاء عن بعض السلف تفسير الزور بأنه الغناء.
    قال محمد بن الحنفية: الزور هنا: اللهو والغناء.
    وكذلك روي عن الحسن ومجاهد وأبي الجحاف. وتسمية الغناء زورا تدل على حرمته.
    وقال الكلبي:لا يحضرون مجالس الباطل أي والغناء منها (انظر هذا الأقوال في إغاثة اللهفان (1/260) وبعده).

    ولنا مع هذه الأقوال وقفات أيضا:
    أولاها: أن بعض المفسرين فسر "والذين لا يشهدون الزور" تفسيرا يبعد به عن مجال الغناء وأمثاله فجعله من الشهادة لا من الشهود يعني أنهم الذين لا تقع منهم شهادة الزور وإن كنت لا أرجح هذا التفسير فعن قتادة قال: الكذب وعن الضحاك قال: الشرك.
    ثانيتها:أن بعضهم فسر الزور بأعياد المشركين وما كان فيها من ضلالات الجاهلية وانحرافات الوثنية وتقرب إلى الأصنام ونحو ذلك. رواه الخطيب عن ابن عباس وقريب منه قول عكرمة: لعب كان في الجاهلية (انظر الدر المنثور ج5 ص 80) وقد يلحق بها ما كان في معناها مما يصنعه بعض المبتدعين والمنحرفين حول أضرحة الأولياء وما أشبه ذلك.
    والقاعدة:أن الدليل إذا تطرق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال.

    ثالثتها:إن صح تفسير الزور هنا بأنه الغناء فالمراد به: الغناء الذي يحرض على الفسق ويصد عن ذكر الله وعن الصلاة ويقترن بالمنكرات.
    رابعتها:أن ليس في الآية ما يدل على الوجوب إنما تمدح الآية من فعل ذلك من عباد الرحمن كما مدحتهم آية أخرى بأنهم: "يبيتون لربهم سجدا وقياما" وليس هذا من الواجبات المفروضات بل من الكمالات المستحبة.

    الدليل الرابع:
    4-قوله تعالى: "واستفزز من استطعت منهم بصوتك".
    وجه الاستدلال: ذهب بعض المفسرين إلى أن المراد بصوت الشيطان في الآية: الغناء.
    فعن مجاهد قال:صوته:الغناء والمزامير واللهو.
    وقال الضحاك:صوت المزمار.

    ويرد عليه بالآتي:
    هذا تفسير غير معصوم فلا يلزمنا وقد خالفه آخرون فعن ابن عباس:صوته: كل داع يدعو إلى معصية الله تعالى.
    وقيل:بصوتك: أي بوسوستك.(انظر تفسير القرطبي ج 10 ص 288)
    وعند وجود الاحتمال يسقط الاستدلال.
    والحقيقة:أن الذي يفهم من الآية ليس المعنى الظاهري من الألفاظ بل المقصود هنا أن يقال لإبليس اللعين:اشحذ كل أسلحتك لإضلال بني آدم واجمع عليهم ما تقدر عليه من جندك وكيدك فإنك لن تستطيع أن تضل المخلصين من عباد الله.

    الدليل الخامس:
    5-قوله تعالى: "وأنتم سامدون"
    وجه الاستدلال:
    روى عكرمة عن ابن عباس قال: هو الغناء بلغة حمير. يقال: سمد لنا أي غن لنا، فكانوا إذا سمعوا القرآن يتلى تغنوا ولعبوا حتى لا يسمعوا.

    ولكن رويت في معنى الكلمة تفسيرات أخرى:
    عن ابن عباس نفسه فقد روى عنه والوالبي والعوفي: سامدون أي لاهون معرضون.
    وقال القرطبي:المعروف في اللغة"سمد يسمد سمودا: إذا لها وأعرض.
    وقال الضحاك: سامدون شامخون متكبرون.
    وفي الصحاح: سمد سمودا رفع رأسه تكبرا وكل رافع رأسه فهو سامد.
    وروي عن علي رضي الله عنه أن معنى "سامدون" أن يجلسوا غير مصلين ولا منتظرين الصلاة.
    وقال الحسن: واقفون للصلاة قبل وقوف الإمام.
    وقال المبرد: سامدون خامدون؛ قال الشاعر:
    أتى الحدثان نسوة آل حرب بمقدور سمدن له سمودا
    (انظر في كل هذا تفسير القرطبي ج 18 ص 133).
    ومن المقرر أن كل دليل تطرق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال.
    قال الإمام الغزالي ردا على من احتجوا بالآية المذكورة:
    ينبغي أن يحرم الضحك وعدم البكاء أيضا لأن الآية تشتمل عليه (يقصد قوله تعالى: "وتضحكون ولا تبكون").
    فإن قيل إن ذلك مخصوص بالضحك على المسلمين لإسلامهم فهذا أيضا مخصوص بأشعارهم وغنائهم في معرض الاستهزاء بالمسلمين كما قال تعالى "والشعراء يتبعهم الغاوون" وأراد به شعراء الكفار ولم يدل ذلك على تحريم نظم الشعر في نفسه. (انظر الإحياء ج2 ص 285).
    وبهذا البيان نرى أنه لا توجد في القرآن الكريم آية واحدة تنهض للاحتجاج بها على تحريم الغناء.
    والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.
    انتهى بتصرف يسير من كتاب الشيخ القرضاوي فقه الغناء والموسيقى ص29-39.
    Admin
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 2093
    تاريخ التسجيل : 01/03/2010
    الموقع : hmsain.ahlamontada.com

    الغناء بين الحل والحرمة Empty رد: الغناء بين الحل والحرمة

    مُساهمة  Admin الخميس 23 يونيو 2011 - 15:32

    2-الأدلة من السنة ومدى قوتها سندا ومتنا:
    الدليل الأول: حديث المعازف في البخاري وطرقه والكلام عليها رواية ودلالة
    أحاديث تحريم الغناء في الميزان
    أقوال العلماء في أحاديث الغناء:

    قال ابن حزم في المحلى (9/59): ولا يصح في هذا الباب شئ أبدا وكل ما فيه فموضوع ومنقطع.
    وقال: والله لو أسند جميعه أو واحد منه فأكثر من طريق الثقات إلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- لما ترددنا في الأخذ به.

    وقد وافق ابن حزم على ذلك أبو بكر بن العربي المالكي (أحكام القرآن)(3/1494) وقال: لم يصح في التحريم شئ بحال.

    وكذلك قاله الغزالي (3/250) وابن النحوي في العمدة وهكذا ابن طاهر: إنه لم يصح منها حرف واحد (النيل 8/107).

    قال الشوكاني مقرا بذلك: والمراد ما هو مرفوع منها وإلا فحديث ابن مسعود في تفسير قوله تعالى: "ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله" قد تقدم أنه صحيح...أ.هـ

    وقال العلامة الفاكهاني: "لم أعلم في كتاب الله، ولا في السنة، حديثًا صحيحًا صريحًا في تحريم الملاهي، وإنما هي ظواهر وعمومات يُتأنّس بها، لا أدلة قطعية" نقله عنه الشوكاني في النيل.


    الحديث الأول:
    الحديث الذي رواه البخاري قال: وقال هشام بن عمار : حدثنا صدقة بن خالد : حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر : حدثنا عطية بن قيس الكلابي : حدثني عبد الرحمن بن غنم الأشعري قال : حدثني أبو عامر أو أبو مالك الأشعري - والله ما كذبني - سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف .
    ولينزلن أقوام إلى جنب علم يروح عليهم بسارحة لهم يأتيهم لحاجة فيقولون : ارجع إلينا غدا فيبيتهم الله ويضع العلم ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة".

    قال ابن حزم بأنه منقطع بين البخاري وبين صدقة بن خالد وقد رجح بعض العلماء أنه سقط قلم خاصة أن "هشام بن عمار" بينهما وقال بعضهم أنه كان يقصد أن الانقطاع بين البخاري وهشام بن عمار.

    وقد أجاب المانعون على هذه النقطة بأنه:
    قد وصل الحديث لهشام بن عمار في أماكن أخرى برواة ثقات كالآتي:

    أ-وصله الإسماعيلي في مستخرجه على صحيح البخاري عن الحسن بن سفيان حدثنا هشام بن عمار حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ حَدَّثَنَا عَطِيَّةُ بْنُ قَيْسٍ الْكِلَابِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غَنْمٍ الْأَشْعَرِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو عَامِرٍ أَوْ أَبُو مَالِكٍ الْأَشْعَرِيُّ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ.(الفتح 10/53).

    ب-وصله الحافظ أبو نعيم أيضا في مستخرجه على البخاري بلفظه من رواية عبدان بن محمد المروزي ومن رواية أبي بكر الباغندي كلاهما عن هشام بن عمار به (حاشية المعجم الكبير للطبراني 3/282).

    ج-وصله الطبراني في المعجم الكبير (3/282) حدثنا موسى بن سهل الجوني البصري ثنا هشام بن عمار ثنا صدقة بن خالد ثنا بن جابر ثنا عطية بن قيس الكلابي ثنا عبد الرحمن بن غنم حدثني أبو عامر أو أبو مالك الأشعري والله ما كذبني أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الحرير والخمر والمعازف...الحديث.

    د-ورواه الطبراني في مسند الشاميين (588) عن محمد بن يزيد بن عبد الصمد عن هشام بن عمار به.

    هـ-ورواه ابن حبان في صحيحه (8/265) أخبرنا الحسين بن عبد الله القطان ، قال : حدثنا هشام بن عمار ، قال : حدثنا صدقة بن خالد ، قال : حدثنا ابن جابر ، قال : حدثنا عطية بن قيس ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن غنم ، قال : حدثنا أبو عامر و أبو مالك الأشعريان سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الحرير والخمر والمعازف)) .

    و-في السنن الكبرى للبيهقي (10/221): أخبرنا أبو عمرو محمد بن عبد الله الأديب أنبأ أبو بكر الإسماعيلي أخبرني الحسن يعني ابن سفيان ثنا هشام بن عمار ثنا صدقة يعني ابن خالد ثنا ابن جابر عن عطية بن قيس عن عبد الرحمن بن غنم حدثني أبو عامر أو أبو مالك الأشعري ، والله يميناً أخرى ، ما كذبني : أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الحرير والخمر والمعازف ...الحديث".

    وكل ما سبق من إسناد هذه الروايات بعد هشام بن عمار بإسناد البخاري السابق عن أبي عامر أو أبي مالك الأشعري "بالشك" إلا من طريق ابن حبان فهو من روايتهما معا بالجزم.

    وقد رد المجيزون بالآتي:
    يرد بأن وصله بالاستخراج من جهة الإسماعيلي وأبي نعيم ومن جهة الطبراني من وجهين ومن جهة ابن حبان والبيهقي من وجه عن هشام بن عمار.

    نقول:وصله من هذه الوجوه كلها لا يفيد شيئا ولا يرفع الإشكال الحاصل في الحديث بل لا يقدم ولا يؤخر مثقال ذرة للآتي:

    *لأن مداره في هذه الطرق على هشام بن عمار والقول فيه:
    بأنه لا يسلم من ملابسة البدعة وقوله بخلاف ما عليه أهل السنة وفعله ما يعد من خوارم المروءة وربما يقع في حديثه غرائب عن شيوخ الشام وكان يلقن فيتلقن وله ما ينكر.

    وبيان ذلك:
    أن هشاما بن عمار قد حدث عن ابن لهيعة بالإجازة وعن سويد بن عبد العزيز وانتقد أحاديث عنه ابن معين.
    وروى عن الوليد بن مسلم وروى الوليد عنه وحدث عن اسماعيل بن عياش وسمع من معروف الحناط...وهم ضعاف.
    وعموما فحديثه القديم أصح كما ذكر الخليلي في الإرشاد (1/446).

    وذكر الحافظ المزي في "تهذيب الكمال" (3/1444) والحافظ ابن حجر في "هدي الساري" ص 448 والذهبي في الميزان (4/302) قالوا:
    قال أبو داود قد حدث هشام بأرجح من أربع مئة حديث ليس لها أصل مسنده كلها.

    قال أبو حاتم : هشام ابن عمار لما كبر تغير فكل ما دفع إليه قرأه ، و كلما لقن تلقن ، و كان قديما أصح ، كان يقرأ من كتابه .
    وكذلك قال ابن سبار.

    وأنكر عليه ابن وارة وغيره أخذه الأجرة على التحديث.
    قال ابن وارة: عزمت زمانا أن امسك عن حديث هشام بن عمار لأنه كان يبيع الحديث.
    وكان يأخذ على كل ورقة درهما ...ويشارط ويقول: إن كان الخط دقيقا فليس بيني وبين الدقيق عمل.

    قال الذهبي: قلت: ولم يكن محتاجا وله اجتهاده.. وقال: له ما ينكر.

    وقال الذهبي (السير 11/420-435):كان فضلك يدور على أحاديث أبي مسهر وغيره يلقنها هشاما فيحدثه بها وكنت أخشى أن يفتق في الإسلام فتقا.

    وقال الإمام أحمد عن هشام بن عمار: كان طياشا خفيفا ورماه بالتجهم وقال: قاتله الله وأمر بإعادة صلاة من صلى خلفه.

    وسبب قول الإمام أحمد ذلك في هشام ما رواه الحافظ الذهبي في السير (11/432) والميزان (4/304) قال:
    وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ المَرُّوْذِيُّ فِي كِتَابِ (القَصَصِ):
    وَرَدَ عَلَيْنَا كِتَابٌ مِنْ دِمَشْقَ: سَلْ لَنَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، فَإِنَّ هِشَاماً قَالَ: لَفْظُ جِبْرِيْلَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، وَمُحَمَّدٌ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالقُرْآنِ مَخْلُوْقٌ.
    فسَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ، فَقَالَ: أَعْرِفُهُ طَيَّاشاً، لَمْ يَجْتَرِ الكَرَابِيْسِيُّ أَنْ يَذْكُرَ جِبْرِيْلَ وَلاَ مُحَمَّداً.
    هَذَا قَدْ تَجَهَّمَ فِي كَلاَمٍ غَيْرِ هَذَا.

    وقال:إن صلوا خلفه فليعيدوا الصلاة.

    بالإضافة إلى أن الإمام أحمد بلغه عن هشام أنه قال في خطبته وكان إماما للجامع الأموي بدمشق بثلاث سنوات:
    "الحمد لله الذي تجلى لخلقه بخلقه".
    قال الذهبي: فهذه الكلمة لا ينبغي إطلاقها وإن كان لها معنى صحيح لكن يحتج بها الحلولي والاتحادي.

    ومما يعزز ذلك كله إن الإمام البخاري لم يسند هذا الحديث إلى أبي مالك أو أبي عامر إلا بلفظ "محتمل" ولم يعزه إليه إلا بصيغة التعليل بالانقطاع وهي "قال" التي هي ظاهرة للتدليس.
    وذلك رغم أنه قد رحل إلى الشام وتلقى عن حفاظها وأسند ما روي عنهم إليهم مما اطمأنت النفس إليه.

    ولو قيل: إنه سمع هذا من هشام أثناء رحلته تلك إلى الشام وهذا منتف في المعلقات.
    لرد على ذلك :إذا كيف يعزوه إليه بلفظ "محتمل" على غير عادته؟
    اللهم إلا لعلة عرفها قادحة في الحديث أو آفة مانعة في هشام لم يتحقق معهما أو أحدهما شرطه في هذا الحديث.

    ولا يمكن توفر مثل هذا في حديث هشام لأن الإمام البخاري إنما رواه بصيغة التعليق ولا يكون ذلك إلا في حديث سقط بينه وبين راويه من علق عنه.

    وإن قيل:ربما لم يسمع البخاري هذا الحديث من هشام وإنما بلغه أنه قاله.
    فالرد على ذلك أقوى: لأن هذا الحديث ليس متصلا وشرطه لوصله في الصحيح ولو بواسطة لم يتحقق فيه.

    ويحتمل أن يكون البخاري قد بلغه هذا الحديث عن هشام عندما تغير فيكون علمه به والحال على ذلك كعدمه وبذلك يبقى الانقطاع قائما فيه.

    وقد أحس الحافظ ابن حجر شارح البخاري بذلك الخلل وعبر عنه باندهاش وصرامة فقال (الفتح 10/53):
    "فهذا ما كان أشكل أمره علي والذي يظهر لي الآن أنه لقصور في سياقه وهو هنا تردد هشام في اسم الصحابي"أ.هـ

    وهنا أقول:بل ما خفي على الحافظ من الخلل الذي جعله مما كان أشكل عليه أمره أقوى مما ذكر لأن الشك في اسم الصحابي عند علماء الحديث لا يضر لأن الصحابة كلهم عدول.

    فلينتبه لهذا الحذاق فما وراء ذلك أعظم وليس غير الانقطاع الذي لم يتم وصله عند البخاري.


    وقد انقطعتم عن تفنيد ما قيل فيه مما يوجب إطراح حديثه إلا قولكم: البخاري لا يروي إلا عن الثقات وقد روى له في البيع وفي مناقب أبي بكر موصولا ومعلقه هنا بالجزم ولا يجزم إلا بما يصلح به القبول..إلخ.

    والرد عليهم:
    هذا كله لا يفيد لأن البخاري لم يخرج له إلا حديثين متصلين أولهما في البيوع (3/75):
    قال البخاري: حدثنا هشام بن عمار : حدثنا يحيى بن حمزة : حدثنا الزبيدي ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله : أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه ،
    عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (كان تاجر يدان الناس ، فإذا رأى معسراً قال لفتيانه : تجاوزا عنه ، لعل الله أن يتجاوز عنا ، فتجاوز الله عنه).

    والثاني: في مناقب أبي بكر حيث قال: حدثني هشام بن عمار : حدثنا صدقة بن خالد : حدثنا زيد بن واقد ، عن بسر بن عبيد الله ، عن عائذ الله أبي إدريس ، عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال:
    .....فهل أنتم تاركوا لي صاحبي؟).
    بمتابعة عبد الله بن العلاء بن زبر عن بسر بن عبيد الله بهذا الإسناد (هدي الساري 449).

    أقول: فكأن البخاري استدل بهشام في موضوع واحد فقط هو في البيوع متصلا.

    *والذي يبدو أن الإمام البخاري بحكم قصر مدة المعاصرة ولقيا هشام في الشام –وقد لقيه قبل وفاته بخمس عشرة سنة- لم يطلع على ما كان عليه هشام في باب التجلي واللفظ بالقرآن لأن هشاما لم يتول إمامة أهل دمشق بجامع بني أمية إلا بعد موت ابن ذكوان سنة 242هـ.

    وكان هشام أكبر من ابن ذكوان بعشرين عاما ومع فارق السن بينهما –لصالح هشام- كان الذي تولى إمامة أهل الشام ابن ذكوان بعد أيوب بن تميم إلى أن مات ابن ذكوان فأعطيت لهشام قبل وفاته بثلاث سنين (انظر السير للذهبي 11/425).

    *هذا من جهة ومن جهة أخرى:
    فقد نبه شارح البخاري في مقدمة شرحه (هدي الساري 17) فقال (بتصرف):
    ما لا يوجد فيه إلا معلقا ولا يلتحق بشرطه مما قال فيه "قال" لكونه لم يحصل عنده مسموعا أو سمعه وشك في سماعه له من شيخه أو سمعه من شيخه مذاكرة فما رأى أنه يسوقه مساق الأصل...
    قال:وما لا يلتحق بشرطه فقد يكون صحيحا على شرط غيره وقد يكون حسنا صالحا للحجة وقد يكون ضعيفا لا من جهة قدح في رجاله بل من جهة انقطاع يسير في إسناده.
    وهذا الأخير متحقق في حديث هشام هذا!

    وهنا يقال: فما بالك مع القدح في الراوي الذي مدار الحديث عليه في رواية البخاري وفي جميع الروايات التي تم وصله فيها إلى من علق الحديث عنه وهو هشام؟!

    وقد أجاب المانعون على كل هذا بقولهم:
    على فرض صحة كلامكم في هشام فقد وصل الحديث إلى أبي مالك الأشعري من طرق وأسانيد أخرى غير ما سبق ليس فيها هشام بن عمار وجميعها إلى أبي مالك سوى من وجه عند أبي داود عن أبي عامر أو أبي مالك الأشعري وكذلك روى من وجه عن عبادة بن الصامت ليس عن هؤلاء جميعا...وإليك ذلك كله:

    أ-روى ابن أبي شيبة (8/107) قال: حدثنا أبو بكر قال حدثنا زيد بن الحباب عن معاوية بن صالح قال حدثنا حاتم بن حريث عن مالك بن أبي مريم قال : تذاكرنا الطلاء فدخل علينا عبد الرحمن بن غنم فتذاكرناه فقال : حدثني أبو مالك الأشجعي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : يشرب أناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها يضرب على رؤوسهم بالمعازف و القينات يخسف الله بهم الأرض و يجعل منهم القردة و الخنازير .

    ب- وفي السنن الكبرى للبيهقي من وجه آخر (8/259): أخبرنا أبو عبد الله الحافظ و أبو عبد الرحمن السلمي و أبو زكريا بن أبي إسحق و أبو بكر بن الحسن قالوا ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب أنبأ محمد بن عبد الله بن عبد الحكم أنبأ ابن وهب أخبرني معاوية بن صالح عن حاتم بن حريث عن مالك بن أبي مريم عن عبد الرحمن بن غنم الأشعري عن أبي مالك الأشعري :
    عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : ليشربن أناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها ، و تضرب على رءوسهم المعازف ، يخسف الله بهم الأرض ، و يجعل منهم قردةً و خنازير.

    ج- وروى الإمام أحمد في مسنده (5/342) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا زيد بن الحباب ثنا معاوية بن صالح حدثني حاتم بن حريث عن مالك بن أبي مريم قال :
    كنا جلوساً مع ربيعة الجرشي فتذاكرنا الطلاء في خلافة الضحاك بن قيس ، فإنا لكذلك إذ دخل علينا عبد الرحمن بن غنم صاحب النبي صلى الله عليه و سلم فقلنا اذكروا الطلاء ، فتذاكرنا الطلاء ، قال أبو عبد الرحمن : كذا قال زيد بن الحباب ـ يعني عبد الرحمن بن غنم ـ صاحب النبي صلى الله عليه و سلم فقال : حدثني أبو مالك الأشعري أنه سمع النبي صلى الله عليه و سلم يقول : ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها.

    د- وروى أبو داود تحت ترجمة "باب في الداذي والباذق" (مع العون 10/152):حدثنا أحمد بن حنبل ، قال : ثنا زيد بن الحباب ، قال ثنا معاوية بن صالح ، عن حاتم بن حريث عن مالك بن أبي مريم قال :
    دخل علينا عبد الرحمن بن غنم فتذاكرنا الطلاء فقال : حدثني أبو مالك الأشعري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها .

    هـ- وفي سنن ابن ماجة (2/1333) حدثنا عبد الله بن سعيد ، حدثنا معن بن عيسى ، عن معاوية بن صالح ، عن حاتم بن حريث ، عن مالك بن أبي مريم ، عن عبد الرحمن بن غنم الأشعري ، عن أبي مالك الأشعري ، قال :
    قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها ، يعزف على رءوسهم بالمعازف و المغنيات ، يخسف الله بهم الأرض ، و يجعل منهم القردة و الخنازير .

    وقد رد المجيزون بالآتي:
    يرد بأن الروايات الخمس المذكورة بدون شك في اسم الصحابي مختلفة في ألفاظها عن الروايات التي رويت مع الشك في اسم الراوي وبدونه أحيانا وهذا اضطراب وسيأتي بيان هذه العلة في الحديث ككل.

    وفوق هذا كله لم تصح من وجه منها:
    فعند ابن أبي شيبة والبيهقي وأحمد وأبي داود وابن ماجة مدار الحديث فيها على ضعيف ومجهول:

    فأما الضعيف فهو معاوية بن صالح.
    وأما المجهول: فهو مالك بن أبي مريم.

    فأما معاوية بن صالح الحضرمي الحمصي:
    فكان يحيى بن سعيد لا يرضاه.
    وقال الرازي: لا يحتج به.
    وقال الأزدي: ضعيف. عن ابن الجوزي.
    وقال الذهبي: كان يحيى القطان يتعنت ولا يرضاه.
    وقال ابن أبي حاتم:قال أبي: لا يحتج به.
    وكذا لم يخرج له البخاري ولينه ابن معين.
    قال الذهبي في الميزان (4/135): ومن مفاريد معاوية بن صالح "ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها".
    لكن روى عنه مسلم وقال أحمد وأبو زرعة:خرج من حمص قديما وكان ثقة.

    ومن الغريب أن معاوية هذا ورد عنه ما يلي:
    جاء في الضعفاء الكبير (4/183): حدثنا حجاج بن عمران قال: حدثنا أحمد بن سعيد بن أبي مريم قال:سمعت خالي موسى بن سلمة قال: أتيت معاوية بن صالح لأكتب عنه فرأيت أداة الملاهي قال: فقلت: ما هذا؟ قال:شئ نهديه إلى ابن مسعود صاحب الأندلس قال:فتركته ولم اكتب عنه.

    وأما الراوي المجهول فهو مالك بن أبي مريم الحكمي:
    قال ابن حزم: لا يدرى من هو.
    وقال الذهبي: لا يعرف.
    أفادهما ابن حجر في تهذيب التهذيب (10/21).

    وقد رد المانعون بأن الحديث جاء في مكان آخر وليس فيها ذكر هؤلاء الرواة الضعاف ك(هشام بن عمار) و (معاوية بن صالح الحضرمي) والراوي المجهول -على الراجح- (مالك بن أبي مريم) كالآتي:

    أ- وفي سنن أبي داود (مع العون 11/83) تحت ترجمة "باب ما جاء في الخز" حدثنا عبد الوهاب بن نجدة ، ثنا بشر بن بكر ، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، قال : ثنا عطية بن قيس قال : سمعت عبد الرحمن بن غنم الأشعري قال : حدثني أبو عامر أو أبو مالك و الله يمين أخرى ما كذبني أنه سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الخز و الحرير و ذكر كلاماً قال : يمسخ منهم آخرون قردة و خنازير إلى يوم القيامة .
    قال أبو داود : و عشرون نفساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم أقل أو أكثر لبسوا الخز : منهم أنس و البراء بن عازب .

    يقول الشيخ الألباني في كتابه (تحريم آلات الطرب):
    (لكن ليس فيه التصريح بموضع الشاهد منه وإنما أشار إليه بقوله : " وذكر كلاما " وقد جاء مصرحا به في رواية ثقتين آخرين من الحفاظ وهو (قلت: الأزهري الأصلي: لعله تصحيف وأظنه يقصد "وهما"):
    عبد الرحمن بن إبراهيم الملقب ب ( دحيم ) قال : ثنا بشر بلفظ البخاري المتقدم :" يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف . . " الحديث .
    أخرجه أبو بكر الإسماعيلي في " المستخرج على الصحيح " كما في " الفتح " ( 10 / 56 ) و" التغليق " ( 5/19 ) ومن طريق الإسماعيلي البيهقي في " السنن " ( 3 / 272 ) .
    والآخر ( عيسى بن أحمد العسقلاني ) قال : نا بشر بن بكر به إلا أنه قال : " الخز " بالمعجمتين والراجح بالمهملتين كما في رواية البخاري وغيره . انظر " الفتح " ( 10 / 55 ) .
    أخرجه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " ( 19 / 152 ) من طريق الحافظ أبي سعيد الهيثم بن كليب الشاشي : نا عيسى بن أحمد العسقلاني به مطولا .
    وهذه الطريق مما فات الحافظ فلم يذكره في " الفتح " بل ولا في " التغليق " فالحمد لله على توفيقه وأسأله المزيد من فضله )انتهى كلام الشيخ الألباني.

    ما سبق كان الكلام عن سند الحديث ورواته من حيث ظاهرها والآن حان دور الكلام على الحديث من حيث علله الخفية ودرايته:

    العلة الأولى:
    عدم تسليم دلالته على التحريم مطلقا:
    وفي هذا عدة وجوه:

    الوجه الأول:
    لفظة "يستحلون" ليست نصا في التحريم "هذا على اعتبار صحة الحديث وصحة دلالته على مقتضاه لو كان ذلك موضع تسليم".
    فقد ذكر ابن العربي لذلك معنيين:
    أحدهما: أن المعنى يعتقدون أن ذلك حلال.
    ثانيهما:أن يكون مجازا عن الاسترسال في استعمال تلك الأمور كالاسترسال في الحلال. قال: وقد سمعنا ورأينا من يفعل ذلك (انظر فتح الباري (10/55) ونيل الأوطار (8/106)).

    وقد أجاب المحرمون على هذا بقولهم:
    بأن الوعيد على الاعتقاد يشعر بتحريم الملابسة بفحوى الخطاب وأما دعوى التجوز فالأصل الحقيقة ولا ملجأ إلى الخروج عنها (قلت: الأزهري الأصلي: ينبغي أن يقيد هذا بجملة: "إلا بدليل").

    ورد على ذلك المجوزون بأمرين:
    الأول: أن الاعتقاد الراجح هو الإباحة للغناء وآلاته وهو مأخوذ من دليل خارج هو أصح وأصرح وأقوى وأرجح.
    وهو: ما كان أقره المشرع الحكيم عليه أفضل الصلاة والسلام بعد سماعه للغناء مرات عديدة وإذنه فيه على ضوء ما تقدم فلا يصار إلى فحوى الخطاب مع وجود نص الخطاب.
    ولا سيما وأحاديث إباحة الغناء والضرب عليه أخرجها البخاري ومسلم وأصحاب السنن وأحمد وغيرهم وقد اشتهرت واستفاضت ولا معارض لها ولا معترض عليها.

    الثاني:إن الحقيقة إنما يصار إليها إذا تعينت وتعينها هنا ليس إلا من قبيل الدعوى ليس غير.

    الوجه الثاني:
    إن المعازف مختلف في مدلولها.
    فالمعازف: جمع معزفة –بفتح الزاي- وهي: آلات الملاهي.
    ونقل القرطبي عن الجوهري إن المعازف: الغناء والذي في صحاحه: إنها آلات اللهو.
    وقيل أصوات الملاهي.
    وفي حواشي الدمياطي: المعازف: الدفوف وغيرها مما يضرب به ويطلق على الغناء: عزف وعلى كل لعب: عزف.
    (انظر فتح الباري (10/55) وعمدة القاري (17/301))

    والذي في تاج العروس (6/197-198): المعازف: الملاهي التي يضرب بها العود والطنبور والدف وغيرها.
    وفي موضع آخر: كل لعب: عزف وتعازفوا أي تناشدوا الأراجيز أو هجا بعضهم بعضا وقيل: تفاخروا.
    والعازف: اللاعب بها –أي الملاهي- وأيضا: المغني.

    وإذا كان اللفظ محتملا لأن يكون للآلة ولغير الآلة لم ينتهض للاستدلال به على الآلة وحدها أو الغناء وحده أو الرجز أو الشعر فقط إلا بدليل مخصص (نيل الأوطار (8/106)) ولا يوجد دليل مخصص لأنه إما يكون مشتركا والراجح التوقف فيه أو حقيقة ومجازا ولا يعين المعنى الحقيقي.

    وقد أجاب المانعون بقولهم:
    يجاب بأنه يدل على تحريم استعمال ما صدق عليه الاسم.
    والظاهر: الحقيقة في الكل من المعاني المنصوص عليها من أهل اللغة وليس من قبيل المشترك لأن اللفظ لم يوضع لكل واحد على حدة بل وضع للجميع.
    على أن الراجح جواز استعمال المشترك في جميع معانيه مع عدم التضاد كما تقرر في الأصول قاله الشوكاني في النيل (8/106- 107).

    وقد رد المجوزون على هذا بالآتي:
    يرد عليهم بالنقض والمعارضة:
    فأما النقض:
    فإن الرسول –صلى الله عليه وسلم- أنكر على إنكار أبي بكر في قوله "مزمار الشيطان عند النبي –صلى الله عليه وسلم-؟ أو في بيت رسول الله –صلى الله عليه وسلم-؟" وانظر تسليم الخصوم بوقوع إقرارهم على أن ما أمضاه النبي –صلى الله عليه وسلم- كان مما هو كذلك.

    وكان قد قال ذلك عندما دخل على عائشة وعندهما جاريتان تغنيان وتضربان بالدف ورسول الله –صلى الله عليه وسلم- مضطجع وكان مغطيا وجهه وهو يسمع ذلك ولا ينكره بل أقره بإصغائه إليه.

    ولما قال الصديق ذلك كان جوابه له: دعهما يا أبا بكر فإن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا رواه الجماعة.

    وفي هذه النصوص الصحيحة والصريحة تجد أن استعمال كل ما يطلق عليه أحد أسماء تلك المعازف قد وقع بحضرة النبي –صلى الله عليه وسلم- وأنكر على من أنكرها بالرغم من كونه الصديق!

    وأما المعارضة:
    فسيأتي بسطها في العلة الثانية.

    وعلى القول بأن الظاهر الحقيقة في كل ما يندرج تحت المعازف وأن الراجح جواز استعمال المشترك في جميع معانيه...إلخ.
    فإن التشريع المحمدي قد أباح أكثر من اسم منها دفعة في آن واحد وهو الغناء والضرب عليه بآلاته ولم يسمع إنكار من أنكر ذلك بل زجره وأقر عليه.
    ثم علل ذلك عليه أفضل الصلاة والسلام وهو أعرف بالله وأتقى له من جميع أهل الأرض بقوله: هذا عيدنا.

    وزيادة على ذلك فقد عاتب من استمرأ عليه الترخيص والترخص في بعض المباحات الزائدة على حدود التكليف مما هو مباح وأعلم من تنزه عن فعل ما فعله بأنه ليس بأعلم وأخشى وأتقى لله منه –صلى الله عليه وسلم- ليرعوي عن إعطاء نفسه درجة أنزه وقدرا أعلى مما له –صلى الله عليه وسلم- عند ربه.

    وبيانه ما جاء في الحديث المتفق عليه عن مسروق قال: قالت عائشة رضي الله عنها قالت صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا فرخص فيه فتنزه عنه قوم فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطب فحمد الله ثم قال: "ما بال أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه فوالله إني لأعلمهم بالله وأشدهم له خشية".

    قلت: فإذا كان الظاهر الحقيقة وإذا كان الراجح جواز استعمال المشترك في جميع معانيه فليكن ذلك فيما شهدت به النصوص الصحيحة والصريحة لا فيما أفاده حديث مختلف فيه فرد طغى على تفرده ما شكك فيه بحيث لا يرقى بحال من الأحوال إلى مقابلة ما يعارضه.

    ومما يشهد بهذا ويؤكده ما أشار إليه الشوكاني في النيل (8/107) في جواب المبيحين للسماع على أدلة المانعين بأنها لم تصح..إلخ فقال في جواب المانعين:
    بأنها تنتهض بمجموعها ولا سيما وقد حسن بعضها فأقل أحوالها: أن تكون من قسم الحسن لغيره.

    أقول:إذا كان قد ظهر تسليم المانعين للسماع بأن أدلتهم من باب الحسن لغيره رغم أن خصومهم يدحضونها بكاملها..!
    فهل يصلح الحسن لغيره لمعارضة الصحيح المستفيض؟!
    علما بأن ما صح واستفاض عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم-من عدة وجوه يعارض مقتضى دعواهم...فتبصر وتأمل!!

    العلة الثانية:
    المخالفة والمعارضة:
    هذه العلة هي مما يقوض دعائم أعتى الحصون الوطيدة البناء فكيف وحديث هشام هذا قد اعتراه مما رأيت ما أبطله إلى الحد الذي أفسده وبدده.

    فأما المخالفة: وينشأ عنها الشذوذ والنكارة...وتظهر فيما إذا روى الضابط الثقة العدل شيئا فرواه من هو أحفظ أو أضبط منه أو أكثر عددا بخلاف ما روى بحيث يتعذر الجمع على قواعد الجمع عند المحدثين فهذا شاذ.
    وقد تشتد المخالفة أو يضعف الحفظ فيحكم على ما يخالف بكونه منكرا.

    ونأخذ مثالا واحدا على الشذوذ وهو حديث الباب:
    ذكروا له أقوى شاهد زعموا أنه يشهد له وينجبر به وهو ما روى أبو داود (وكنا قد وعدنا بالحديث عنه) عن عبد الوهاب بن نجدة أخبرنا بشر بن بكر وذكر سنده عند البخاري إلى أبي عامر أو أبي مالك الأشعري أنه سمع رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يقول:
    "ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الخز والحرير".

    فالحديث يفيد تحريم "الخز" مع أن لبسه متفق على حله.
    وقد سبق أن رأيت أن مخرجه –وهو أبو داود- أشار إلى ذلك بآخر روايته له هناك وقد أردفناه في محله حيث قال أبو داود بعد الحديث:
    قال أبو داود : و عشرون نفساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم أقل أو أكثر لبسوا الخز : منهم أنس و البراء بن عازب .

    إلى جانب أن الخز والحرير لا صلة لهما بما ترجم له البخاري في تحريم الخمر ولا علاقة لهما بموضوع النزاع وهو الغناء والمعازف.

    فأي شذوذ وأي نكارة أقوى من هذا؟
    هذا إذا ما أضيف إليه أن الحديث تعتريه آفات أخرى (وسنذكرها بعد قليل)!

    ومن جهة أخرى:
    فحديث هشام روي عن شخص واحد هو عبد الرحمن بن غنم وهو مختلف في صحبته فإن رجح أنه صحابي فكيف يروي حديثا عن صحابي آخر مثله وهو لا يعرف من هو! ولا هو متأكد من كنيته.

    وإن قلنا إنه تابعي وروى الحديثين عن صحابيين فكيف يجهل مرة من رواه عنه ومرة يسمعه جازما به! والقصة واحدة؟!
    ذلك أن حديث هشام هذا رواه عبد الرحمن بن غنم من نحو أحد عشر وجها وكلها مختلفة ومتخالفة فلم يوافق لفظه عند البخاري لفظ واحدة من تلك الطرق عند غيره.
    فهل يعقل ألا يوافق لفظه لفظ واحد من تلك الطرق؟!

    هذا إلى جانب أنه مرة يرويه بالشك في اسم الصحابي ومرة بلا شك بل بالجزم باسمه ومرة بالجزم باسمي الراويين ومرة بالجزم باسم راو غيرهما كما عند ابن أبي شيبة حيث قال (أبو مالك الأشجعي).

    ثم يقال لمن يحتج به أو يعتد به:
    كيف يعرف الضبط من الخلط وبم يمكن التمييز بين الخطأ والصواب والكذب والصدق إن نحن قبلنا بهذا الحديث؟!
    الذي يمكن أن يقال عنه: إنه جاء يحمل عنصر المخالفة في أقوى صورها ومعانيها فلا تقوم بمثله حجة لمحتج..

    وبعد هذا وفوق ما ذكر:
    فإن الحديث معارض بما لم يقو على معارضته من الأحاديث الصحيحة والصريحة المجمع على صحتها وقبولها من النصوص التي فيها إذن من المصطفى باللهو وإباحته وسماعه وتصحيح بعض النصوص فيه بل وتجاوز الأمر ذلك إلى حد الإرشاد والحث على توفيره للأنصار وتعليل ذلك لأنهم يحبون اللهو وذلك ثابت في الصحيحين وسبق استيفاؤه...والله أعلم.

    يقول الشيخ القرضاوي:
    ومن أمانة الإمام البخاري وفقهه أنه ذكر الحديث معلقا ولم يرد في كتابه في أي موضع متصلا وجعل ترجمة الباب "باب ما جاء فيمن يستحل الخمر ويسميه بغير اسمه" فلم يذكره في باب النهي عن الغناء مثلا بل لم يذكر البخاري في صحيحه كله بابا في تحريم الغناء.

    ثم يقول:
    ولو سلمنا بدلالتها (يقصد لفظ "المعازف") علي الحرمة فهل يستفاد منها تحريم المجموع المذكور من الحر والحرير والخمر والمعازف أو كل فرد منها على حدة؟ والأول أرجح. فإن الحديث في الواقع ينعي علي أخلاق طائفة من الناس انغمسوا في الترف والليالي الحمراء وشرب الخمور. فهم بين خمر ونساء، ولهو وغناء، وخز وحرير. ولذا روي ابن ماجة هذا الحديث عن أبي مالك الأشعري بلفظ: "ليشربن أناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها يعزف علي رؤوسهم بالمعازف والمغنيات يخسف الله بهم الأرض ويجعل منهم القردة والخنازير"، وكذلك رواه ابن حبان في صحيحه (وقد ضعفه محققه لضعف أحد رواته وهو مالك بن أبي مريم...) (قلت"الأزهري الأصلي": لعل الدكتور يقصد جهالته وليس ضعفه والله أعلم) والبخاري في تاريخه.
    وكل من روى الحديث من غير طريق هشام بن عمار جعل الوعيد على شرب الخمر وما المعازف إلا مكملة وتابعة وبهذا لا يصلح للاستدلال على تحريم الغناء.
    Admin
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 2093
    تاريخ التسجيل : 01/03/2010
    الموقع : hmsain.ahlamontada.com

    الغناء بين الحل والحرمة Empty رد: الغناء بين الحل والحرمة

    مُساهمة  Admin الخميس 23 يونيو 2011 - 16:08

    هناك مباحث ونقاط لم يوفها الدكتور الثقفي والدكتور القرضاوي حقها وهي:

    أولا: بالنسبة للصحابي المشكوك فيه (أبو عامر) أو (أبو مالك) الأشعري:

    بالنسبة لأبي مالك:
    العلماء أنفسهم في حيرة من أمر هذا الصحابي والتفريق بينه وبين (أبي مالك الأشعري) آخر واسمه :الحارث بن الحارث الأشعري وكلاهما صحابي حتى قال ابن حجر في التهذيب(12/218): (والفصل بينهما في غاية الإشكال) ونقل في نفس الموضع عن أبي أحمد الحاكم قوله: (أبو مالك الأشعري أمره مشتبه جدا).
    حتى أن ابن حجر ذكر أنهما قد يكونا شخصا واحدا وقد يكونا مختلفين ورجح الثاني.

    وبالنسبة لأبي عامر:
    فقد قال ابن حزم في رسالته في السماع ( ص 97 ) :
    " ولم يورده البخاري مسندا وإنما قال فيه : قال هشام بن عمار : ثم هو إلى أبي عامر أو أبي مالك ولا يدرى أبو عامر هذا ".

    وسبب كلامه هذا أن هناك اثنين من الصحابة لهم هذه الكنية ولكن الراجح هنا أن راوي هذا الحديث –على الشك بينه وبين أبي مالك- هو أبو عامر الأشعري الذي توفي في خلافة عبد الملك وروى عنه عبد الرحمن بن غنم.

    ثانيا: قد اختلف العلماء فيمن شك في اسم الصحابي من الرواة فقد رجح بعضهم أنه عبد الرحمن بن غنم المختلف في صحبته ورجح بعضهم أنه صدقة بن خالد شيخ هشام بن عمار وذهب البعض إلى أنه عطية بن قيس.
    وفي هذا اضطراب أي اضطراب!!

    ثالثا: بالنسبة لهشام بن عمار فقد ضعف الشيخ الألباني نفسه حديثا في السلسلة الضعيفة وجعل هشاما أحد علله فقال فيه (4/312): (وهشام بن عمار كان يلقن فيتلقن) فسبحان الله!!

    هناك شئ يحتاج لتوضيح وهو أن الحديث المعلق كما يعلم الجميع مردود أماإن كان فى البخارى أو مسلم فله حكم خاص وهو :
    أ-ما ذكر بصيغةالجزم ( كقال)) و((ذكر))و((حكى)) فهو حكم بصحته عن المضاف اليه
    ب- ماذكر بصيغة التمريض: ك((قيل)) و ((روى)) فليس به حكم بصحته عن المضاف.ولكن فيه الصحيح والحسن والضعيف

    والإمام البخارى حين تحدث قال ((قال هشام بن عمار)) وعليه فهو ينطبق عليه حكم الصيغة التى أتى بها وكما نرى فهى صيغة الجزم وعليه فما أراه -ولست اهلا لأن يكون لى رأى- أن الحديث بتلك الصيغة متصل بشرط البخارى

    فنقول :

    ذهب كثير من العلماء إلى أن الحديث المعلق بصيغة الجزم الموجود في صحيح البخاري خاصة صحيح إلى من علق عنه (أو أضيف إليه بتعبيرك) ومعنى هذا في حديثنا هذا أن هشام بن عمار بالفعل حدث بهذا الحديث فصيغة التعليق تفيد الصحة إلى من علق عنه الحديث وهو في حديثنا هشام بن عمار ولكن النصف الآخر للقاعدة هو قولهم (ويبقى النظر فيما ظهر من رجال السند) وهم في حديثنا من أول هشام بن عمار إلى آخر السند.

    ومن امثلة ذلك في صحيح البخاري أن الإمام البخاري علق حديثاً بصيغة الجزم عن طاووس عن معاذ بن جبل المشهور في قبول القيمة في الزكاة فهذا الحديث صحيح حتى طاووس وبقى النظر في باقي الإسناد فوجدنا أن طاووس لم يرو عن معاذ بل لم يلقه فلا بد لنا من البحث عن سند آخر يصح به الحديث.

    قال الحافظ ابن كثير في شرح علوم الحديث لابن الصلاح :

    (التَّعْلِيقَاتُ الَّتِي فِي الصَّحِيحَيْنِ

    وَتَكَلَّمَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرٍو عَلَى التَّعْلِيقَاتِ الْوَاقِعَةِ فِي صَحِيحٍ الْبُخَارِيِّ، وَفِي مُسْلِمٍ أَيْضًا، لَكِنَّهَا قَلِيلَةٌ، قِيلَ إِنَّهَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ مَوْضُوعًا .

    وَحَاصِلُ الْأَمْرِ: أَنَّ مَا عَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ بِصِيغَةِ الْجَزْمِ فَصَحِيحٌ إِلَى مَنْ عَلَّقَهُ عَنْهُ، ثُمَّ النَّظَرُ فِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ .....)

    ويقول الإمام السيوطي في تدريب الراوي (1/118) معلقاً على قول الإمام النووي :
    ( فما كان منه بصيغة الجزم كقال وفعل وأمر وروى وذكر فلان فهو حكم بصحته عن المضاف إليه ) يقول :

    (لأنه لا يستجيز أن يجزم بذلك عنه إلا وقد صح عنده عنه لكن لا يحكم بصحة الحديث مطلقا بل يتوقف على النظر فيمن أبرز من رجاله وذلك أقسام ....)

    وهو معنى كلام الشيخ الطحان الذي تفضلت بنقله.

    وقال الحافظ ابن حجر في نكته على ابن الصلاح :

    (ما لا يوجد فيه إلا معلقا فهو على صورتين :
    - إما بصيغة الجزم وإما بصيغة التمريض :
    فأما الأول فهو صحيح إلى من علقه عنه وبقى النظر فيما أبرز من رجاله.......)

    ولفظه في هدي الساري ص 346:

    (.....يستفاد منها الصحة إلى من علق عنه لكن يبقى النظر فيمن أبرز من رجال ذلك الحديث ..)

    ويقول في تعليقه على أحد الأحاديث المعلقة في فتح الباري :

    (فعرف من هذا أن مجرد جزمه بالتعليق لا يدل على صحة الإسناد إلا إلى من علق عنه وأما ما فوقه فلا يدل وقد حققت ذلك فيما كتبته على ابن الصلاح وذكرت له أمثلة وشواهد ليس هذا موضع بسطها )

    وللتوضيح يقول الشيخ إبراهيم اللاحم في شرحه لاختصار علوم الحديث لابن الصلاح :

    (ما يعلقه بصيغة الجزم، ما معنى صيغة الجزم ؟ أن يقول: " قال فلان: كذا", أو ما معناه ، إذا قال البخاري: "قال فلان: كذا، أو قال فلان عن فلان عن فلان: كذا".
    يقول ابن الصلاح: فهذا محكوم بصحته إلى من علقه عنه، إلى من أبرزه من رجال الإسناد، ثم بعد ذلك يبقى النظر فيمن أبرز من رجال الإسناد.
    فإذا قال البخاري -مثلا-: "قال بهز بن حكيم عن أبيه عن جده" ؛ محكوم على هذا الإسناد بالصحة من من إلى من ؟ من البخاري إلى بهز، وبعد ذلك يبقى النظر في من ؟ في بهز, ومن بعده ؛ فهذا النوع الأول: ما هو مجزوم بصحته, يعني ما علقه بصيغة الجزم.
    إذن, إذا قال البخاري -رحمه الله-: "وقالت عائشة: قال النبي صلى الله عليه وسلم"، هذا الحديث ما حكمه الآن ؟ هذا الحديث علقه بصيغة الجزم، فإذن على كلام ابن الصلاح هذا حديث صحيح ؛ لأننا لا نحتاج إلى النظر بعدما أبرز من رجاله.
    وهكذا لو قال: "قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا" ؛ فهذا معلق بصيغة الجزم, وليس هناك من رجال الإسناد ما ينظر فيه) انتهى.

    من فتاوى الشيخ العلامة محمد رشيد رضا عن حديث البخاري دراية لا رواية :
    ( يؤخذ من لسان العرب وغيره من المعاجم أن العزف يطلق في اللغة على اللهو وعلى اللعب وعلى بعض الأصوات كالغناء والنواح والرعد والريح ،وصوت الرمل إذا هبت بها الريح ، وقيل إن هذا هو الذي كانت العرب تطلق كلمة ( عزيف الجن ) على ما يسمع منه في الليل . ويطلق بكثرة على الدف أو صوته ،والعزيف : الصوت . قال في اللسان : عزف يعزف عزفًا : لَهَا ، والمعازف :
    الملاهي ، واحدها معزف ومعزفة . وعزف الرجل يعزف إذا أقام في الأكل والشرب . وقيل واحد المعازف : عزفة ، على غير قياس ، ونظيره ملامح ومشابه في جمع شبهة ولمحة ، والملاعب التي يضرب بها يقولون للواحد والجمع : معازف ،رواية عن العرب . فإذا أفرد المعزف ضرب من الطنابير ويتخذه أهل اليمن .وغيرهم يجعل العود معزفًا ، وعزف الدف : صوته وفي حديث عمر أنه مر بعزف دف فقال ما هذا ؟ قالوا ختان ، فسكت . العزف : اللعب بالمعازف ، وهي
    الدفوف وغيرها مما يضرب به . وكل لعب عزف . اهـ المراد .فمن تأمل هذه المعاني يعلم أنها هي التي كانت تراد من العزف والمعازف في عصر النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يصح نص بتحريم شيء منها ، وكان أشهر آلات الملاهي في ذلك العصر الدف وقد ثبت في السنن العملية والقولية إباحته واستحبابه في بعض الأوقات كالعرس . وسائر آلات اللهو التي لم تكن في ذلك العصر معروفة أو مشهورة يصح إطلاق لفظ المعازف عليها كما يصح إطلاق لفظ الخمر على المسكرات التي حدثت بعد عصر الوحي وإن لم تكن تخطر هذه ولا تلك في بال من يطلق اللفظ قبل وجودها . ولو جاء في الكتاب أو السنة نص صريح في تحريم المعازف لكان أول ما يتبادر إلى فهم الصحابة منه تحريم ما كان ذائعًا في عصرهم منه كالدف . ثم يلحق به غير الذائع وغير المعروف عندهم بعموم اللفظ ذا كان الوضع اللغوي يساعد على ذلك ، أو بطريق القياس إذا اتحدت العلة .وقد علمنا من عبارة لسان العرب أن تسمية العود معزفًا ليس متفقًا عليها .ولو كان المشهور من المعازف التي كانت في عصره صلى الله عليه وسلم محرمًا لورد النص عليه في الكتاب أو السنة المشهورة لتوفر الدواعي على نقل ذلك واشتهاره ، ولم يصح حديث مشهور ولا دون المشهور في التنصيص على تحريم شئ منها ؛ بل صح ما يدل على الإباحة كما يعلم أخونا الباحث المنتقد . واشتهر عن بعض كبار الصحابة والتابعين وأئمة الحديث كرواة الصحيحين والسنن أنهم كانوا يبيحون الغناء والأوتار لا الدفوف فقط ! وكان جمهور هؤلاء من أهل المدينة لذين هم أجدر الناس بمعرفة السنن المتبعة في عصر النبي صلى الله عليه وسلم .ما الحديث الذي هو موضوع البحث والسؤال فليس نصًّا ولا ظاهرًا في إنشاء حكم تحريم المعازف ولا خبرًا بمعنى إنشاء ذلك . وإنما هو حديث آحادي في الإخبار عن شيء يقع في المستقبل كالأحاديث في أشراط الساعة وأماراتها الواردة في سياق الكلام عن الساعة . أو في مناسبات أخرى : كحديث أبي هريرة عند أحمد ومسلم : ( صنفان من أهل النار لم أرهما بعد : قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ، ونساء كاسيات عاريات ، مميلات مائلات ، على رؤوسهن
    كأسنمة البخت ، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا ) فهذا الحديث ليس إنشاء لتحريم حمل السياط التي تشبه أذناب البقر ( وهي التي نسميها الكرابيج ) وضرب الناس بها ، ولا لتحريم كل وصف من أوصاف النساء التي فيه ؛ ولكنه يدل ضمنًا على أن كلاًّ من الصنفين يتلبس بمحرم يستحق به عذاب الله تعالى . إن لم يكن في جزئيات ما وصف به ففي جملتها ومجموعها . ولا بد أن يكون لتلك المحرمات أدلة تدل عليها من شرع الله تعالى في غير هذا الحديث .فأنا أفهم حديث المعازف الذي نتكلم فيه كما أفهم هذا الحديث : أفهم أن حديث أبي هريرة يبين حال رجال من الظلمة يحملون نوعًا من السياط يضربون بها الناس بغير حق ، لأنهم أنشأوا لأنفسهم شريعة في عقاب المذنبين إليهم بذلك . فحمل السياط التي تشبه أذناب البقر ليس محرمًا ؛ إذ لا دليل على تحريمه ،وضرب الناس بها إذا كان في إقامة حد الله تعالى على الوجه المشروع ليس محرمًاأيضًا .ولكن ضرب الكرابيج الذي كان معهودًا بمصر محرم شرعًا لأنه من الظلم المبين ، وحرمته معلومة من الدين بالضرورة . وكذلك النساء الكاسيات العاريات بما يلبسن من الشفوف التي تحكي ما تحتها من البدن ، لا دليل في الشريعة على تحريم هذا منه إذا فعلنه أمام أزواجهن فقط ، ولك أن تقول مثل هذا في سائر أوصافهن في الحديث ، ولكن وجد في هذا العصر نساء يبرزن بهذه الصفات مع الأجانب ، وقد فسدن وأفسدن بذلك كثيرًا من الناس ، فكل أفعالهن هذه محرمة بلا ريب .وعلى هذا النحو ومثل هذا الفهم أفهم حديث أبي عامر أو أبي مالك : ( ليكونن من أمتي قوم يستحلون الحِر والحرير والخمر والمعازف ) ، معناه : سيوجد من أمتي قوم يغلب عليهم الجهل بالدين أو التأويل للنصوص حتى توافق أهوائهم ،فيقعون في الحرام معتقدين بالجهل بالدين أو التأويل للنصوص حتى توافق أهواءهم ،فيقعون في الحرام معتقدين بالجهل أو بالتأويل أنه حلال ، كاستحلالهم الفروج بالمحلل من الطلاق الثلاث ، وبالتسري بالحرائر اللواتي يبيعهن آباؤهن أو يُختطفن من بلادهن ، وكذلك يستحلون لبس الحرير الذي هو منتهى الزينة التي لا تليق إلا
    بالنساء باعتقاد أن المحرم منه ما كان حريرًا خالصًا ، وما يلبسونه مشوبًا بقطن أو كتان - مثلاً - ويستحلون الخمر التي يستحدثونها بدعوى أن المحرم لذاته منها ما كان من عصير العنب ، ولا يحرم من غيره إلا القدر المسكر الذي لا يميز شاربه السماء من الأرض - مثلاً - ويستحلون المعازف المستحدثة على الوجه الذي بُين في رواية الحديث الأخرى : ( يعزف على رؤوسهم بالمعازف والمغنيات ) والمراد بالمغنيات هنا القيان المشار إليهن في حديث علي وأبي هريرة عند الترمذي في الخصال الخمس عشرة التي يترتب عليها نزول البلاء بهذه الأمة قبل الساعة ومنها : ( وظهرت القيان والمعازف وشربت الخمور ) فالمراد من ذلك شيء لم يكن في زمنه صلى الله عليه وسلم مع العلم بأن كل هذه المفردات كانت موجودة ، وهو ما استحدثه بعض الفساق مع الجمع بين العزف والغناء وشرب الخمر ، ويدل عليه
    قول بعض علماء اللغة في تفسير القينة ؛ وهو أن المراد بها الجارية البيضاء التي تغني للرجال في مجلس الشرب . فاقتران المعازف بالقيان وشرب الخمر هو المخبر عنه بأنه من أسباب حلول البلاء وإن لم يذكر ذلك في كل رواية للحديث - وهو حديث واحد لا يعرف المراد منه إلا بعد معرفته كله - وكثيرًا ما يكون الاقتصار على بعض ألفاظ الحديث سببًا لجهل المراد منه . ومثله في هذا الحديث :
    ( وأَطَاعَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وَعَقَّ أمَّهُ وأَدْنَى صَدِيقَهُ وأَقْصَى أَبَاهُ ) فإطاعة المرأة وإدناء الصديق ليس منكرًا في الدين ؛ وإنما كان أنكر باعتبار اقترانه بعقوق الأم وإقصاء الأب . أو فهم منه أن إطاعة المرأة وإدناء الصديق في اتباع الهوى والمنكرات .
    وجملة القول أنني أفهم الحديث الذي نحن بصدد البحث فيه كما أفهم أمثاله مما ورد في أنباء المستقبل التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم ، فأجزم بأنها ليست تشريعًا ، وإنما هي إخبار بأشياء ستحدث بعده فما دل منها على تحريم شيء لا يعرف فيه دليل على تحريمه فلا بد أن يكون ما أخبر به صلى الله عليه وسلم سيقع على وجه محرّم ، وأن يكون عنى به وقوعه على ذلك الوجه ، كحديث الرجال الذين بأيديهم سياط كأذناب البقر إلخ وغيره .فهذه الأحاديث لا يقع التعارض والترجيح بينها وبين نصوص الكتاب والسنة
    في التحليل والتحريم كما فعل الباحث ؛ إذ جعل السنن العملية والقولية التي صحت في إباحة المعازف والغناء مخصصة لعموم لفظ المعازف في حديث : ( ليكونن أناس من أمتي ) كأنه هو الأصل في تحريم ما ذكر ، وكأن النبي صلى الله عليه وسلم أراد بما سمعه وما أجازه وأقره أو ندب إليه من سماع الدفوف والغناء في الوقائع المختلفة تخصيص ذلك العموم ، وجعل ما كان يقع في عصره من عزف
    الناس وسماعهم بسائق الفطرة استثناء من ذلك الأصل التشريعي العام ولا يفهم هذا لفهم ويقول هذا القول ذو ملكة عربية إلا إذا حصر نظره في تحكيم قواعد أصول الفقه في أمرين أحدهما : لفظ يدل على حرمة المعازف مطلقًا ، وثانيهما : لفظ أو عمل يدل على إباحة بعضها ، فهو يعد الأول بمعنى : ( حرمت عليكم المعازف ) أو ( اجتنبوا المعازف ) أما إذا نظر في أسلوب الحديث وسياقه الذي بيَّناه وقارنه بأمثاله من الأحاديث ، فإنه يجزم بما جزمنا به . ويعلم أن تحريم الشيئ ابتداء وجعله حكمًا شرعيًّا لا يكون بمثل تلك العبارة ، وناهيك بشيء من مقتضى الفطرة عهد من الناس في كل زمان ومكان .فلو أراد الشارع تحريم مثله لحرمه بنص صريح يبلغه جمهور الأمة ، وتتوفر الدواعي على نقله بالتواتر أو الاستفاضة . فعُلم مما شرحنا أن هذا الحديث لم يقصد به تحريم ما ذكر ؛ وإنما قصارى ما يدل عليه أنه سيوجد قوم يسرفون في ذلك إسرافًا مقترنًا بالفساد ، وبمنكرات قبيحة محرمة بنص الكتاب ، كشرب الخمر وتهتك القيان ، وأنهم يستحلون ذلك بِعدِّ معازفهم الإفسادية من قبيل المعازف التي أباحها الشرع لترويح النفس في بعض الأحايين ، أو السرور بنعمة الله في أيام الأعياد والأعراس وقدوم المسافرين ، من غير أن يقترن بها منكر من المنكرات المحرمة في الدين ، كما يستحلون بعض لخمور بعدها من قبيل النبيذ المباح الذي هو نقيع نحو التمر والزبيب في الماء الذي لم يختمر فيصير مسكرًا . وما شدد من شدد من الفقهاء في إطلاق تحريم السماع إلا فقهاء و الصوفية إلا تعميم التحل مثل هذه المفاسد التي فتن بها المغرمون به حتى صارت من لوازمه عندهم . وما أنكر عليهم مَن أنكر من المحدثين والريم ، وتكلف الاستدلال عليه بالآيات والأحاديث ، ولم يسلم لهم دليل مما استدلوا به . كما يعلم من الكتب المؤلفة في إباحته ، ومن مثل نيل الأوطار والإحياء وشرحه .والقول الفصل أن الأصل في العزف والمعازف ( ومنه الغناء واللعب ) الحل . وأنه ورد في السنة ما يؤيد هذا الأصل كلعب الحبشة في المسجد وغناء الجواري وسماع الدف والإذن به ، وإن الحرمة تعرض لبعض ذلك ، كما يعرض لبعضها الاستحباب ، ولا يبعد أن تصل معازف الحرب إلى درجة الوجوب إذا كانت الحرب شرعية ، فقد ثبت بالتجارب المتعددة المفيدة للقطع أن معازف الحرب التي يسمونها ( موسيقى ) تنشط المقاتلين وتحفز هممهم وتزيد في ثباتهم وإقدامهم وجرأتهم ، وتزيل الشعور بالتعب والمشقة أو تخففه عنهم ، كما يفعل الحداء بالإبل . فإذا كان الثبات والإقدام من الواجبات بنص قوله تعالى : { فَاثْبُتُوا } (الأنفال : 45) وبعموم الأدلة الأخرى فقد تكون المعازف في بعض الأحيان داخلة في قاعدة ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب .هذا وإن أصول دين الفطرة والشريعة السمحة ، الثابتة بالنصوص القطعية ،والمعلومة من الدين بالضرورة ، أصل اليسر ونفي الحرج ، وعدم تحريم شيء على الناس إلا لضرره ، ورفع الإصر والأغلال عن الأمم التي كانت قبله ، حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم علل أمره للحبشة باللعب في مسجده بإظهار هذه المزية في الإسلام .أفنهدم هذه الأصول الثابتة والقواعد الراسخة ، ونستنبط من حديث آحادي
    روي بالمعنى في سياق الإخبار عن المستقبل ، وذكر بعض الرواة من ألفاظه وقيوده ما لم يذكره غيره - أن الأصل في آلات اللهو أن تكون محرمة في الإسلام وإن وجدت بباعث الفطرة عند جميع الأمم ، ولم تحرمها قبله الأديان الإلهية في ملة من الملل ، ثم نفرع عن هذا الأصل أن إباحة كل آلة منها تحتاج إلى نص من الشارع يخصص ذلك الأصل العام ، إن لم يمكن تأويله وتطبيقه عليه كما فعل المشددون ؟كلا إن الأمر بالعكس كما تقدم ، ولا سبيل إلى تحريم شيء من ذلك بخصوصه ، وإنما نجزم بحرمة ما فيه مفسدة ظاهرة من سماع الفُسّاق وعزفهم الذي نراه في عصرنا مصداقًا للحديث ، وبهذا الشرح نستغني عن بيان رأينا في سائر مباحث هذه الرسالة . )

    انتهى من مجلة المنار عدد رمضان 1332 هـ .
    Admin
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 2093
    تاريخ التسجيل : 01/03/2010
    الموقع : hmsain.ahlamontada.com

    الغناء بين الحل والحرمة Empty رد: الغناء بين الحل والحرمة

    مُساهمة  Admin الخميس 23 يونيو 2011 - 16:13

    الدليل الثاني:حديث النهي عن الصوتين الفاجرين رواية ودلالة:

    الحديث الثاني:
    أ- روى الترمذي قال:حدثنا علي بن خشرم . أخبرنا عيسى بن يونس ، عن ابن أبي ليلى ، عن عطاء ، عن جابر بن عبد الله قال : أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيد عبد الرحمن بن عوف . فانطلق به إلى ابنه إبراهيم . فوجده يجود بنفسه . فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم فوضعه في حجره فبكى . فقال له عبد الرحمن : أتبكي ؟ أولم تكن نهيت عن البكاء ؟ قال لا . ولكن نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين : صوت عند مصيبة ، خمش وجوه وشق جيوب ورنة شيطان . وفي هذا الحديث كلام أكبر من هذا .
    قال أبو عيسى : هذا حديث حسن .

    ب-وبلفظ أكمل منه رواه البيهقي في السنن: أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان أنبأ أحمد بن عبيد الصفار ثنا محمد بن الفضل بن جابر ثنا شيبان ثنا أبو عوانة عن ابن أبي ليلى عن عطاء عن جابر بن عبد الله قال :
    خرج النبي صلى الله عليه وسلم بعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه إلى النخل ، فإذا ابنه إبراهيم يجود بنفسه فوضعه في حجره ففاضت عيناه ، فقال عبد الرحمن بن عوف : أتبكي وأنت تنهي الناس ، قال : إني لم أنه عن البكاء ، وإنما نهيت عن النوح ، صوتين أحمقين فاجرين ، صوت عند نغمة لهو ولعب ومزامير شيطان ، وصوت عند مصيبة خمش وجوه وشق جيوب ورنة ، وهذا هو رحمة ، ومن لا يرحم لا يرحم ، يا إبراهيم لولا أنه أمر حق ووعد صدق وأن آخرنا سيلحق بأولنا لحزنا عليك حزناً هو أشد من هذا ، وإنا بك لمحزونون ، تبكي العين ويحزن القلب ، ولا نقول ما يسخط الرب .

    قال العلامة ابن القيم: هذا الحديث من أجود ما يحتج به على تحريم الغناء كما في اللفظ الصحيح الآخر :"إنما نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند نغمة لهو ولعب ومزامير الشيطان وصت عند مصيبة:خمش وجوه وشق جيوب ورنة شيطان" وهو حديث حسن (انظر الكلام على مسألة السماع ص 318).

    قال ابن القيم:وأصله في الصحيحين.

    ج-وفي المستدرك: أخبرنا أبو عبد الله الأصبهاني ، ثنا أحمد بن مهران الأصبهاني ، ثنا عبد الله بن موسى ، أنبأ إسرائيل ، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن عطاء ، عن جابر ، عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال :
    أخذ النبي صلى الله عليه و سلم بيدي فانطلقت معه إلى إبراهيم ابنه و هو يجود بنفسه فأخذه النبي صلى الله عليه و سلم في حجره حتى خرجت نفسه قال : فوضعه و بكى قال فقلت : تبكي يا رسول الله صلى الله عليه و سلم و أنت تنهي عن البكاء ؟ قال : إني لم أنه عن البكاء و لكني نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين : صوت عند نغمة لهو و لعب و مزامير الشيطان ، و صوت عند مصيبة لطم وجوه و شق جيوب ، و هذه رحمة ، و من لا يرحم لا يرحم ، و لولا أنه وعد صادق ، و قول حق ، و أن يلحق أولانا بأخرانا لحزنا عليك حزناً أشد من هذا ، و إنا بك يا إبراهيم لمحزونون ، تبكي العني و يحزن القلب و لا نقول ما يسخط الرب .

    د-وعند ابن أبي شيبة من طريق ابن أبي ليلى بنحوه (انظر مصنف ابن أبي شيبة (3/393)).

    وجه الدلالة عند المانعين:
    يستفاد من قوله "ورنة الشيطان" أن المراد به الغناء والمزامير قاله النووي في الخلاصة.
    وقال:وكذا جاء مبينا في رواية البيهقي يعني قوله "صوت عند نغمة لهو ولعب ومزامير شيطان" ونقله في تحفة الأحوذي.
    قال ابن القيم:فانظر إلى هذا النهي المؤكد بتسمية صوت الغناء صوتا أحمقا ولم يقتصر على ذلك حتى وصفه بالفجور ولم يقتصر على ذلك حتى سماه من مزامير الشيطان.
    وقد أقر النبي –ص- أبا بكر الصديق على تسمية الغناء: مزمور الشيطان في الحديث الصحيح قال: فإن لم يستفد من هذا لم نستفد من نهي أبدا.

    اعتراض المجيزين:
    اعترض المجيزون للسماع على المانعين في هذا الحديث من جميع طرقه المذكورة عند كل من الترمذي والبيهقي والحاكم في المستدرك وابن أبي شيبة وعبد ابن حميد والطيالسي والبزار والموصلي من طريق محمد بن أبي ليلى بما يلي:

    أولا: الحديث لا يصح ولا يحتج به بمرة ولا يجوز لمن يخشى الله ويخاف عقابه "بهذا اللفظ والسند" أن يخدع به العامة وغير المختصين بالصناعة.

    وذلك أن مداره في طرقه المذكورة على محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى القاضي عن عطاء بن أبي رباح.
    وأحاديثه من هذا الوجه باطلة لا يحتج بها ولا يجوز خداع الناس بمثلها.
    قال الزيلعي فيما نقله عن النووي: محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ضعيف (3/84).

    و قال عمرو بن على ، عن أبى داود : سمعت شعبة يقول : ما رأيت أحدا أسوأ حفظا من ابن أبى ليلى .
    و قال روح بن عبادة ، عن شعبة : أفادني ابن أبى ليلى أحاديث فإذا هي مقلوبة .
    وعن يحيى بن معين قال: كان يحيى بن شعيب لا يحدث عن محمد بن أبي ليلى ما روى عن عطاء.
    و قال أبو زرعة : صالح ليس بأقوى ما يكون .
    و قال أبو حاتم : محله الصدق ، كان سىء الحفظ ، شغل بالقضاء فساء حفظه ، لا يتهم بشىء من الكذب إنما ينكر عليه كثرة الخطأ ، يكتب حديثه و لا يحتج به ، و ابن أبى ليلى و الحجاج بن أرطاة ما أقربهما .
    عن أحمد بن حنبل : كان يحيى بن سعيد يضعف ابن أبى ليلى .
    و قال عبد الله بن أحمد بن حنبل ، عن أبيه : كان سىء الحفظ ، مضطرب الحديث ، كان فقه ابن أبى ليلى أحب إلينا من حديثه ، فى حديثه اضطراب .
    و قال أحمد بن محمد بن حفص السعدى : ذكر أحمد بن حنبل حديث ابن أبى ليلى عن عطاء " فى الضرورة يحج عن الميت " فقال : ابن أبى ليلى ضعيف ، و فى عطاء أكثر خطأ .
    وقال أحمد:إنما دخل ابن أبي ليلى على عطاء وهو مريض.
    وقال إبراهيم:كان أحمد بن حنبل لا يحدث عنه.
    وقال ابن المديني: كان سئ الحفظ واهي الحديث.
    و قال أبو بكر بن أبى خيثمة ، عن يحيى بن معين : ليس بذاك .
    وقال يحيى بن معين: ابن أبي ليلى ضعيف روايته.
    و قال إبراهيم بن يعقوب الجوزجانى ، عن أحمد بن يونس : كان زائدة لا يروى عن ابن أبى ليلى ، و كان قد ترك حديثه .
    و قال النسائى : ليس بالقوى .

    قال الحافظ فى "تهذيب التهذيب" 9/302 :
    قال ابن حبان : كان فاحش الخطأ ، ردىء الحفظ ، فكثرت المناكير فى روايته ، تركه أحمد و يحيى .
    و قال الدارقطنى : كان ردىء الحفظ ، كثير الوهم .
    و قال ابن جرير الطبرى : لا يحتج به .
    و قال يعقوب بن سفيان : ثقة عدل ، فى حديثه بعض المقال ، لين الحديث عندهم .
    و قال صالح بن أحمد عن ابن المدينى : كان سىء الحفظ ; واهى الحديث .
    و قال أبو أحمد الحاكم : عامة أحاديثه مقلوبة .
    و قال الساجى : كان سىء الحفظ ، لا يتعمد الكذب ، فكان يمدح فى قضائه ، فأما فى الحديث فلم يكن حجة .
    و قال ابن خزيمة : ليس بالحافظ ، و إن كان فقيها عالما . اهـ .

    انظر في كل ما سبق العقيلي في الضعفاء الكبير (4/98) والذهبي في السير (6/310) وفي الكاشف (3/61) وابن حجر في التهذيب (9/301) وفي اللسان (7/500) وفي التقريب (2/184).

    فها أنت ترى أخي القارئ حكم العلماء في ابن أبي ليلى عامة وفي روايته عن عطاء خاصة.

    قال العلامة ابن القيم (ص 318): أخرجه الترمذي عن جابر بن عبد الله وأصله في الصحيحين وسنن أبي داود والبيهقي وابن ماجة.

    ملحوظة هامة جدا:
    بالرغم من أن ابن القيم –رحمه الله- عزا الحديث للترمذي إلا أن هذا غير صحيح فموضع الشاهد في الحديث ليس في جامع الترمذي وإنما الذي فيه مختصر بلفظ: "نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند مصيبة خمش وجوه وشق جيوب ورنة الشيطان وفي الحديث كلام أكثر من هذا" فانتبه!!

    أقول:وقد تتبعت ما ذكره الحافظ ابن القيم في الصحيحين وغيرهما فظهر على الوجه التالي:
    1-في صحيح البخاري :عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال :
    دخلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .........فقال له عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه : وأنت يا رسول الله ، فقال : ( يا ابن عوف ، إنها رحمة ) . ثم أتبعها بأخرى ، فقال صلى الله عليه وسلم : ( إن العين تدمع ، وإن القلب يحزن ، ولا نقول إلا ما يرضى ربنا ، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون ) .

    2- وفي صحيح مسلم عنه أيضا: ...فدمعت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال: ((تدمع العين ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، والله! يا إبراهيم ! إنا بك لمحزونون)).

    3-ورواه أبو داود بنحوه (مع العون (8/398)).

    4-وفي سنن ابن ماجة عن أسماء بنت يزيد ، قالت :
    لما توفي ابن رسول الله صلى الله عليه و سلم إبراهيم بكى رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فقال له المعزي إما أبو بكر و إما عمر أنت أحق من عظم الله حقه ، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : تدمع العين و يحزن القلب ، و لا نقول ما يسخط الرب ، لولا أنه وعد صادق ، و موعود جامع ، و أن الآخر تابع للأول ، لوجدنا عليك يا إبراهيم أفضل ما وجدنا ، و إنا بك لمحزونون .
    وإسناده حسن.

    5-وفي جامع الأصول لابن الأثير بنحوه (11/89) من طريق أنس بن مالك.
    6-ورواه البيهقي في شعب الإيمان بنحوه (7/241).

    أقول: بعد تتبع لفظ الحديث في البخاري ومسلم وأبي داود وابن ماجة وغيرها من الروايات الصحيحة وكذا في جامع الأصول لابن الأثير وشعب الإيمان للبيهقي فلم أجده باللفظ محل النزاع الذي روي من طريق ابن أبي ليلى وليس بالسند المذكور عن ابن أبي ليلى.

    وعليه:فالبريق والتنميق في قوله من قال:أصله في الصحيحين وعند من تقدم ذكرهم يوحي بصحة الحديث على أساس ورود اللفظ المتنازع فيه ضمنه وما ذلك إلا من قبيل التشويش والمصادرة على المطلوب فاللفظ موضع الشاهد لم يرد فيه من تلك الطرق الآنفة والسند مختلف فهو في الصحيحين عن أنس.

    وهذا كله لا يفيد من حاول الانتهاض براوية ابن أبي ليلى المتروكة التي أخرجها الترمذي والبيهقي والحاكم وابن أبي شيبة ومن وافقهم مثل: عبد بن حميد والطيالسي والبزار والموصلي لأن اللفظ مختلف بل لا يوجد في رواية الصحيحين وغيرهما مما صح!

    هذا إلى جانب أن راوية الترمذي ليست بالنص الكامل الذي يريده ابن القيم مع جلالته ومكانته من النزاهة والتثبت.
    ثم الأدهى والأمر أنه يزعم صحة الحديث من طريق ابن أبي ليلى رغم جزم الحفاظ بضعفه وتركه والحديث الضعيف لا يقوى بالصحيح إذا اختلف اللفظ والموضوع والسند.
    وزعمه تصحيح الحديث مخالف تماما لما عليه حفاظ الحديث قاطبة.
    وليته لم يفعل ولم يقل ذلك لما لقوله هذا من أثر وصدى على آرائه رحمه الله وفتاويه وأقواله التي ستصبح تحت المجهر بعد تجرؤه على الأصرار على ما قال في هذا الصدد.
    وهو جزمه بأن حديث ابن أبي ليلى "في الصوتين الأحمقين" هو أجود ما احتج به المانعون للسماع لكونه صحيحا.
    وذلك باعتبار أن أصله في الصحيحين وغيرهما.
    في حين أن الحديث في الصحيحين ليس من طريق ابن أبي ليلى عن عطاء عن جابر وإنما هو من طريق سليمان بن المغيرة عن ثابت البناني عن أنس بن مالك وفيه لم يتعرض الكلام من قريب ولا من بعيد للغناء ولا يقترب منه في شئ فكيف يحشر الكذب في الصدق ويحمل البخاري ومسلم تبعة أمر لم يتعرضا له.انتهى كلام الدكتور الثقفي على الحديث.

    ولكن الدكتور الثقفي لم ينتبه أو لم يطلع على روايات الحديث الأخرى التي خلا طريقها من ابن أبي ليلى وقد استدل بها الشيخ الألباني في رسالته (تحريم آلات الطرب) وقد تكلم عنها الدكتور القرضاوي –حفظه الله- كالآتي:

    عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " صوتان ملعونان في الدنيا والآخرة : مزمار عند نعمة ورنة عند مصيبة ".

    ذكره الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (427) وقال في تخريجه:
    (رواه أبو بكر الشافعي في "الرباعيات" (2/22/1): حدثنا محمد بن يونس ثنا الضحاك بن مخلد ثنا شبيب بن بشر ثنا أنس بن مالك مرفوعا.
    قلت (أي الألباني): وهذا إسناد رجاله موثقون غير محمد بن يونس وهو الكديمي وهو متهم بوضع الحديث لكنه توبع على هذا الحديث فأخرجه الضياء في "المختارة" (131/1) من طريقين آخرين عن الضحاك به. فالسند حسن إن شاء الله.
    وقال الهيثمي في المجمع (3/13) تبعا للمنذري في "الترغيب" (4/177):"رواه البزار ورجاله ثقات"
    قلت (أي الألباني): وله شاهد يزداد به قوة أخرجه الحاكم (4/40) من طريق محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عطاء عن جابر عن عبد الرحمن بن عوف قال :
    "أخذ النبي صلى الله عليه و سلم بيدي فانطلقت معه إلى إبراهيم ابنه و هو يجود بنفسه فأخذه النبي صلى الله عليه و سلم في حجره حتى خرجت نفسه قال : فوضعه و بكى قال فقلت : تبكي يا رسول الله صلى الله عليه و سلم و أنت تنهي عن البكاء ؟ قال : إني لم أنه عن البكاء و لكني نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين : صوت عند نغمة لهو و لعب و مزامير الشيطان ، و صوت عند مصيبة لطم وجوه و شق جيوب ، و هذه رحمة ، و من لا يرحم لا يرحم ، و لولا أنه وعد صادق ، و قول حق ، و أن يلحق أولانا بأخرانا لحزنا عليك حزناً أشد من هذا ، و إنا بك يا إبراهيم لمحزونون ، تبكي العني و يحزن القلب و لا نقول ما يسخط الرب" .

    سكت عليه الحاكم والذهبي ورجال إسناده ثقات إلا ابن أبي ليلى سئ الحفظ فمثله لا يستشهد به ويعتضد) أ.هـ كلام الألباني.

    يقول الشيخ القرضاوي:
    وإذا كان الشيخ هنا قد قال: فالحديث حسن إن شاء الله تعالى والعبارة توحي بشئ من التشكيك في حسن الحديث فأنه في صحيح الترغيب والترهيب جزم بحسنه وكذلك في كتابه "تحريم آلات الطرب".
    وكنت أود من مثل الشيخ الألباني في تمكنه وسعة إطلاعه وخبرته بأسانيد الحديث ورجاله ألا يعتمد على رباعيات أبي بكر الشافعي واعتبره الأساس مع أن في إسناده روايا متهما بوضع الحديث كما قال الشيخ نفسه فكيف يعتمد على حديث فيه متهم بالوضع والكذب على رسول الله وإن تابعه من تابع؟!

    على أنه لم يذكر لنا الطريقين الآخرين المتابعين اللذين ذكرهما الضياء لننظر في أسانيدهما ورجالهما.
    لكن الشيخ قد تقوى بما ذكر الهيثمي تبعا للمنذري من رواية البزار للحديث بسند رجاله ثقات كما قالا.
    ومن المعلوم: أن كلمة (رواته ثقات) هذه لا تفيد بالضرورة تصحيح الحديث ولا تحسينه فقد تكون فيه علة انقطاع أو غير ذلك.
    وهذا ما دفعني أن استوثق من رجال السند عند البزار: هل هم جميعا ثقات متفق على توثيقهم؟
    فرجعت إلى الحديث في (كشف الأستار عن زوائد البزار) للهيثمي وهو يروي أحاديث الزوائد بأسانيدها –على خلاف صنعه في "مجمع الزوائد"- ووجدته يقول في الحديث (795): حدثنا عمرو بن علي ثنا أبو عاصم ثنا شبيب بن بشر البجلي قال: سمعت أنس بن مالك يقول......وذكر الحديث.

    وعمرو بن علي القلاس وأبو عاصم النبيل- وهو الضحاك بن مخلد- حافظتان ثقتان مشهوران.
    أما شبيب بن بشر فلا يرقى لهذه الدرجة وإن وثقه يحيى بن معين وذكره ابن شاهين في الثقات.
    فقد قال عنه أبو حاتم (4/1564): لين الحديث وحديثه حديث الشيوخ.
    وذكره ابن الجوزي في الضعفاء.
    وقال النسائي: لا نعلم أحدا روى عنه غير أبي عاصم وكان يخطئ.
    وذكره الذهبي في كتابه (المغني في الضعفاء) الترجمة (2735).

    انظر:تهذيب الكمال للمزي تحقيق بشار عود الترجمة رقم (2689) وحواشيها والجرح والتعديل لابن أبي حاتم ترجمة (1564) وميزان الاعتدال للذهبي (2/3657) والمغني في الضعفاء له ترجمة (2735) وتهذيب التهذيب لابن حجر (4/306) وتقريب التهذيب له ترجمة (2748).

    ثم يقول الدكتور القرضاوي: فمثل هذا الراوي المختلف فيه وخصوصا من قبل حفظه وأنه يخطئ كثيرا: لا يحتج به ولا يعتمد على حديثه في مواضع الخلاف ومعتركات النزاع.

    قلت (الأزهري الأصلي): وحتى ابن حبان الذي ذكره في الثقات قال عنه: "يخطئ كثيرا"! وقال عنه الحافظ ابن حجر ملخصا أقوال العلماء فيه: "صدوق يخطئ".
    وقال عنه الحافظ الهيثمي في المجمع بعد تخريجه لأحد الأحاديث: "وهو ثقة وفيه ضعف".
    وقال عنه الحافظ المناوي في الفيض بعد تحقيقه لأحد الأحاديث: "وشبيب لين".

    ولكن هناك إشكال في هذا الحديث وهو قول الشيخ الألباني في رسالته "تحريم آلات الطرب":
    وتابعه (يقصد شبيب بن بشر) عيسى بن طهمان عن أنس .
    أخرجه ابن سماك في " الأول من حديثه " ( ق 87 / 2 - مخطوط ) .
    وعيسى هذا ثقة من رجال البخاري كما في " مغني الذهبي " وقال العسقلاني : " صدوق أفرط فيه ابن حبان والذنب فيما استنكره من غيره " . فصح الحديث والحمد لله .

    فنحن نتوقف عند هذا حتى نرى هذا الإسناد كاملا خاصة أنه من كتاب غير منشور وما زال مخطوطا.
    وهناك سبب آخر لأن لفظ هذا الحديث مروي بإسناد صحيح عند الحسن البصري موقوفا عليه رواه ابن أبي الدنيا في كتابه "ذم الملاهي" برقمي 62 و 63 وصححهما الألباني. ولعل الموقوف أصح.

    كلام الدكتور الجديع عن الحديث حيث يقول:

    (( وعليه : فهذا حديث لم نجد له عليه متابعاً سمعه من أنس , ولا شاهداً معتبراً يصلح.

    فإن قلت: بلى , له متابع وشاهد.

    وذكرتَ المتابع ما أخرجة أبو عمرو عثمان بن أحمد ابن السماك في " الأول من حديثه" (ق:87/ب) من طريق عبيد بن عبد الرحمن التيمي , قال حدثني عيسى بن طهمان , عن أنس ,قال: (فذكر قصة موت إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم). وفيه :

    فدمعت عيناه , فقال له أصحابه : يانبي الله , ألم تنه عن البكاء ؟ فقال : " لم أنه , إنما نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين :صوت عند مصيبة , النوح , والغناء , وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون".

    وذكرتَ الشاهد حديث ابن عوف أو جابر المذكور قبل هذا.

    (وحديث ابن عوف قال عنه الشيخ حديث منكر بهذا السياق وهو حديث طويل فيه أن الرسول بكى وقال له أتبكي يارسول الله؟ أولم تنه عن البكاء؟ قال: إنما نهيت عن النوح ,عن صوتين أحمقين فاجرين :صوت عند نعمه لهو ولعب إلى آخر ماذكر , أما حديث جابر فقال عنه الشيخ حديث ضعيف جداً وفيه أن الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع) إنتهى كلامي

    قلتُ : كلا , فأما ما ذكرت من المتابعة , فإن التيمي راويها نسبه الحافظ المزي في "التهذيب" (22/618) في الرواة عن عيسى بن طهمان , فقال: "أبو محمد عبيد بن عبد الرحمن التيمي البزاز الأعور مولى الصلت بن بهرام" وهذا رجل مجهول , قال فيه أبو حاتم الرازي "لا أعرفه , والحديث الذي رواه كذب" (الجرح والتعديل 2/2/410).

    فإسناد هذه المتابعة واهٍ لا يعتبر به.

    وكنت في التأليف الأول. ويقصد كتابه(أحاديث ذم الغناء والمعازف في الميزان). قد عللت هذه الرواية بابن طهمان , لقول ابن حبان: " يتفرد بالمناكير عن أنس , ويأتي عنه بما لا يشبه حديثه , كأنه كان يدلس عن أبان بن أبي عياش , ويزيد الرقاشي , عنه , لا يجوز الاحتجاج بخبره , وإن اعتبر بما وافق الثقات من حديثه فلا ضير" (المجروحين2/117-118).
    مع أني ثبت ثقته , وأعملت قول ابن حبان في عنعنته , لما ذكره من وقوع المنكرات في حديثه , وكأن ذلك من جهة التدليس , لكن الذي تحرر لي من بعد أن مافي رواياته من المنكرات فليس من جهته , إنما هي من جهة الرواة عنه , كما هو الشأن هنا.

    وأما ما ذكرتَ من شاهد , فقد سبق أن بينت لك محله من الخبر منكر , تفرد به ابن أبي ليلى في قصة مشهورة محفوظة بدونه , والمنكر لا يصلح للاعتبار.

    فسقط بهذا ما يمكن التعلق به لتقوية الحديث , ولو كان حديث ابن أبي ليلى سالماً من المعارض , لكان صالحاً للاعتبار , ولحسنا به هذا الحديث لغيره , ولكن هيهات !

    وهذا التفسير الذي ذكرته هنا حول الحديث وما حال دون الحكم بثبوته , متضمن جواباً لما أورده علي الشيخ الألباني رحمه الله , وددت لو وقف عليه , فإنه ذهب في كتابة "تحريم آلات الطرب" (ص:51-55) إلى الحكم بصحته , فحسن إسناد شبيب بن بشر , وصححه بطريق عيسى بن طهمان , وقواه بحديث ابن أبي ليلى , وقد علمت ما في جميعها , فما أورده علي (ص : 38) ليس بواردٍ , لما بينته , فتأمل)) انتهى كلامه.

    نقلاً عن كتابه ( الموسيقى والغناء في ميزان الإسلام ) (ص:410– 411).

    نزيد هنا أمراً هاماً:

    شبيب بن بشر:

    ذكرنا من قبل كلام أبي حاتم الرازي والنسائي وابن حبان وابن الجوزي والذهبي والهيثمي وابن حجر والمناوي ونزيد هنا:

    ذكر الإمام الترمذي أن الإمام البخاري قال : (شبيب بن بشر منكر الحديث) (انظر ترتيب العلل الكبير ص 169).

    وقال المتقي الهندي في كنز العمال في تخريج أحد الأحاديث: (وفيه شبيب بن بشر لين الحديث).

    وقال الألباني في إرواء الغليل (ج 6 / ص 244): ((وشبيب بن بشر ضعيف ، قال الحافظ في " التقريب " : " صدوق ، يخطئ" وقال الذهبي في "الضعفاء": "قال أبو حاتم لين الحديث". قلت: فقول الهيثمي في المجمع (7/86): "رواه البزار والطبراني ورجالهما رجال الصحيح غير شبيب بن بشر وهو ثقة" ليس منه بجيد مع تضعيف من ذكرنا لشبيب هذا))انتهى كلامه.

    إذا علمت هذا علمت مدى تدليس صاحب كتاب "الرد على القرضاوي والجديع" حين ذكر من المضعفين أبو حاتم وابن حبان فقط وأتى بأقوال العلماء التي تدل على تعنتهما وجاء بقول فيه توثيق الهيثمي مع أنه قول واحد من ضمن ثلاثة أقوال للهيثمي في هذا الراوي اثنين منها فيها تضعيف الراوي ولكنه جاء بالتوثيق فقط.

    وجاء بكلام للألباني في شبيب هذا حيث يقول: "فيه كلام لا يضر" وترك كلامه السابق وفيه التضعيف الصريح.

    وفي مقابل ذكره لأبي حاتم وابن حبان في التضعيف نقل توثيق ابن معين وابن شاهين وابن خلفون فيما نقله عنه مغلطاي في إكمال تهذيب الكمال (6/211) ليكثر سواد الموثقين مع أن الجرح مفسر وعليه الأكثر والتوثيق مبهم وموجز.

    واعلم أيضاً أنه اهمل الكلام في رواية محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عامة والكلام في روايته عن عطاء خاصة -وهذا الحديث منها- وحاول جاهداً أن يجعل حديثه مقبولاً في الشواهد والمتابعات ويا ليته تابعه ثقة لهان الأمر! وإلا فقد تابعه شبيب ودونك ترجمته! فكيف يتابعان بعضهما وهما كما ترى؟؟

    على أنه ينبغي التنبيه لخطأ وقعت فيه وهو نقلي عن الشيخ الألباني من الصحيحة في ابن أبي ليلى هذا حيث نقلت: (فمثله لا يستشهد به ويعتضد) والصواب من قوله هو: (فمثله يستشهد به ويعتضد) فتنبه!

    وقد تكلم هذا الباحث عن هذا الحديث في كتابه هذا من صفحة 326 إلى صفحة 348.

    وفي الحقيقة صاحب هذا الكتاب يحسد على طول نفسه واعتماده على الإرهاب الفكري حيث يترك ما لا يسعفه ويأتي بما يحلو له وسأحاول بإذن الله تعالى تتبع كلامه في باقي الكتاب مما يخص بحثنا.

    Admin
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 2093
    تاريخ التسجيل : 01/03/2010
    الموقع : hmsain.ahlamontada.com

    الغناء بين الحل والحرمة Empty رد: الغناء بين الحل والحرمة

    مُساهمة  Admin الخميس 23 يونيو 2011 - 16:16

    الدليل الثالث:أحاديث تحريم اتخاذ القينات وبيعهن رواية ودلالة:
    أحاديث اتخاذ القينات أو المغنيات وبيعهن وشراؤهن وأن ذلك يسبب المسخ والقذف لهذه الأمة وهي بألفاظ مختلفة اضربنا عنها لكثرتها ووجه الدلالة فيها:

    1-في هذه الأحاديث :أن بيع الجواري من المغنيات وشراءهن وكسبهن: حرام.
    2-وفيها:أن اتخاذ القينات والاستماع إليهن من موجبات حصول الخسف والقذف والخنازير لما في ذلك من غضب الله وسخطه.
    3-وفيها: أن المنكر –وهو هنا الغناء والمعازف والاستماع إليها-لا يجوز أن يتوسل إلى ظهوره وتشجيعه ولو كان ذلك بأسلوب جائز كالبيع والشراء عند من يجوزهما في القينات وآلات المعازف.
    4-وفيها:التشديد على منع فشو بعض المظاهر لأنها ذريعة للوصول إلى الممنوع وسد الذرائع أولى من فتح باب الحيل.
    انظر في ذلك تحفة الأحوذي مع جامع الترمذي (2/259).

    اعترض المجيزون من ثلاثة أوجه:
    الوجه الأول: أن تلك الأحاديث من مختلف طرقها وألفاظها لا يصح منها شئ.
    الوجه الثاني:أن حديث الترمذي وما ورد على غراره من نحو عشرين وجها يعتريه الاضطراب سندا ومتنا.
    الوجه الثالث:إن تلك الأحاديث جميعا من كافة طرقها وألفاظها تعارض مبادئ الإسلام وما علم من الدين بالضرورة.

    أما الوجه الأول فهذا بيانه بالتفصيل:

    *الحديث عن أبي أمامة الباهلي:
    1-عند الترمذي (4/161 مع التحفة) والبيهقي في سننه من وجهين (6/15) وعند أحمد في مسنده (5/264) .

    كل هذه الطرق بمختلف ألفاظها فيها :
    عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبي أمامة.


    وهذه تراجمهم:
    -عبيد الله بن زحر الضمري الأفريقي:
    فقد عده ابن عدي من ضعفاء الرجال.وقال:يقع في حديثه ما لا يتابع عليه.
    وقال أبو مسهر: هو صاحب كل معضلة.
    وقال:يقع في حديثه ما لا يتابع عليه.
    وقال:ليس بشئ.
    وقال يحيى بن معين: كل حديثه عندي ضعيف قيل:عن علي بن يزيد وغيره؟قال:نعم.
    وقال مرة أخرى: عبيد الله بن زحر ليس بشئ.
    وقال ابن حبان:يروي الموضوعات عن الأثبات.
    وقال عنه في مرة أخرى: منكر الحديث جدا.
    وقال ابن المديني: منكر الحديث.
    وضعفه أحمد بن حنبل في رواية حرب بن إسماعيل.
    وقال أبو حاتم: لين الحديث.
    وقال الدارقطني:ضعيف.

    ووثقه أحمد بن صالح وقال عنه أبو زرعة:لا بأس به صدوق وقال النسائي: ليس به بأس وقال الخطيب: كان رجلا صالحا وفي حديثه لين.
    وقولهم هذا كلام مجمل قد لا يعني درجته في الحديث وإنما سلوكه فقط أما قول من سبقهم فجرح مفسر.
    ويؤيده قول البخاري في التاريخ :مقارب الحديث ولكن الشأن في علي بن يزيد.
    وقال ابن حزم:هو ضعيف (المحلى (9/58)).
    وقال الذهبي:فيه اختلاف وله مناكير وضعفه أحمد.
    وقال ابن حجر:صدوق يخطئ من السادسة.
    (انظر الكامل لابن عدي (4/1631) وتهذيب التهذيب (7/12) والتقريب (1/533) والضعفاء للعقيلي (3/120) والكاشف للذهبي (2/197)


    -علي بن يزيد بن أبي هلال الألهاني أبو عبد الملك الدمشقي:
    قال حرب بن إسماعيل : قلت لأحمد بن حنبل : على بن يزيد ؟ فقال : هو دمشقى .كأنه ضعفه .
    و قال يعقوب بن شيبة : حدثنى عبد الله بن شعيب ، قال : قرأ على يحيى بن معين : على بن يزيد الشامى ضعيف . قال : و حدثنى محمد بن عمر ، قال : قال يحيى بن معين : على بن يزيد عن القاسم عن أبى أمامة هى ضعاف كلها .
    و قال يعقوب : على بن يزيد : واهى الحديث ، كثير المنكرات .
    و قال الغلابى ، عن يحيى بن معين : أحاديث عبيد الله بن زحر و على بن يزيد عن القاسم عن أبى أمامة مرفوعة ضعيفة .
    و قال أبو زرعة الرازى : ليس بقوى .
    و قال عبد الرحمن بن أبى حاتم : سألت أبى عن على بن يزيد ، فقال : ضعيف الحديث ، أحاديثه منكرة ، فإن كان ما يروى على بن يزيد عن القاسم على الصحة فيحتاج أن ينظر فى أمر على بن يزيد .
    و قال محمد بن إبراهيم الكنانى الأصبهانى : قلت لأبى حاتم : ما تقول فى أحاديث على بن يزيد عن القاسم عن أبى أمامة ؟ قال : ليست بالقوية ، هى ضعاف .
    و قال البخارى : منكر الحديث ، ضعيف .
    و قال الترمذى و الحسن بن على بن نصر الطوسى : يضعف فى الحديث .
    و فى موضع آخر : و قد تكلم بعض أهل العلم فى على بن يزيد ، و ضعفه .
    و قال النسائى : ليس بثقة .
    و قال فى موضع آخر : متروك الحديث .
    و قال أبو سعيد بن يونس : فيه نظر .
    و قال أبو الفتح الأزدى ، و أبو الحسن الدارقطنى ، و أبو بكر البرقانى : متروك.
    و قال الحاكم أبو أحمد : ذاهب الحديث .
    و قال أبو أحمد بن عدى : و لعلى بن يزيد أحاديث و نسخ ، و عبيد الله بن زحر يروى عن على بن يزيد عن القاسم عن أبى أمامة أحاديث ، و هو فى نفسه صالح إلا أن يروى عن ضعيف فتؤتى من قبل ذلك الضعيف .

    وقال الحافظ فى "تهذيب التهذيب" 7/397 :
    و قال الساجى : اتفق أهل العلم على ضعفه .
    و قال أبو نعيم الأصبهانى : منكر الحديث .

    وقال في التقريب: صاحب القاسم بن عبد الرحمن ضعيف من السادسة.
    وقال ابن حزم: وعلي بن يزيد الدمشقي مطرح متروك الحديث.
    وذكر العقيلي قول أحمد في ترجمة القاسم بن عبد الرحمن قال: يروي عنه ابن يزيد هذا عجائب وتكلم عنها...


    -القاسم بن عبد الرحمن الدمشقي أبو عبد الرحمن:
    قال المزى فى "تهذيب الكمال" :
    و قال عبد الله بن أحمد بن حنبل : سمعت أبى ، و ذكر القاسم أبا عبد الرحمن ، فقال : قال بعض الناس : هذه الأحاديث المناكير التى يرويها عنه جعفر بن الزبير ، و بشر بن نمير ، و مطرح ، فقال أبى : على بن يزيد من أهل دمشق حدث عنه مطرح ، و لكن يقولون : هذه من قبل القاسم مناكير مما يرويها الثقات يقولون من قبل القاسم .
    و قال أبو بكر الأثرم : سمعت أبا عبد الله ، و ذكر له حديث عن القاسم الشامى عن أبى أمامة : أن الدباغ طهور . فأنكره و حمل على القاسم ، و قال : يروى على بن يزيد هذا عنه أعاجيب ، و تكلم فيها ، و قال : ما أرى هذا
    إلا من قبل القاسم : قال أبو عبد الله : إنما ذهبت رواية جعفر بن الزبير لأنه إنما كانت روايته عن القاسم .
    قال أبو عبد الله : لما حدث بشر بن نمير عن القاسم ، قال شعبة : ألحقوه به .
    و قال جعفر بن محمد بن أبان الحرانى : سمعت أحمد بن حنبل ومر حديث فيه ذكر القاسم بن عبد الرحمن مولى يزيد بن معاوية ، قال : هو منكر لأحاديثه متعجب منها ، قال : و ما أرى البلاء إلا من القاسم .
    و قال عباس الدورى ، و عبد الله بن شعيب الصابونى ، و المفضل بن غسان الغلابى ، و إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد عن يحيى بن معين : القاسم أبو عبد الرحمن ثقة .
    زاد إبراهيم : الثقات يروون عنه هذه الأحاديث و لا يرفعونها ، ثم قال : يجىء من المشايخ الضعفاء ما يدل حديثهم على ضعفهم .
    و قال فى موضع آخر : إذا روى عنه الثقات أرسلوا ما رفع هؤلاء .
    و قال أحمد بن عبد الله العجلى ، و يعقوب بن سفيان الفارسى ، و أبو عيسى الترمذى : ثقة .
    زاد العجلى : يكتب حديثه ، و ليس بالقوى .
    و قال إبراهيم بن يعقوب الجوزجانى : كان خيارا فاضلا أدرك أربعين رجلا من المهاجرين و الأنصار .
    و قال أبو حاتم : حديث الثقات عنه مستقيم ، لا بأس به ، و إنما ينكر عنه الضعفاء .
    و قال الغلابى : منكر الحديث .
    و قال يعقوب بن شيبة السدوسى : ثقة .
    و قال فى موضع آخر : قد اختلف الناس فيه ، فمنهم من يضعف روايته ، و منهم من يوثقه .

    قال الحافظ فى "تهذيب التهذيب" 8/324 :
    قال ابن حبان : كان يروى عن الصحابة المعضلات .
    و قال إبراهيم بن موسى الفراء : رأيت النبى صلى الله عليه وآله وسلم فى النوم ـ أو قال : حدثنى من رآه ـ : عرضت عليه أحاديث من أحاديث القاسم عن أبى أمامة ،فأنكرها .
    و قال أبو إسحاق الحربى : كان من ثقات المسلمين .
    و ذكر له العقيلى حديث : " لئن كنت خلقت للجنة لأن يطول عمرك و يحسن عملك ، خير لك " . لا يعرف إلا به . اهـ .


    فالقاسم مختلف فيه اختلافا كبيرا كما ترى ولعل أقرب الآراء فيه هو قول أبي حاتم : حديث الثقات عنه مستقيم ، لا بأس به ، و إنما ينكر عنه الضعفاء .

    وقد سمى الدكتور سالم الثقفي هذه السلسلة باسم طريف وهو "سلسلة العطب".

    2-وعن أبي أمامة في مسند الحميدي (2/405) وابن ماجة (2/733)...وغيرهما فيه:
    عبيد الله بن زحر والقاسم بن عبد الرحمن وهما حلقتان من السلسلة السابقة.

    وزيادة على ذلك ففيه عندهما: مطرح بن يزيد أبي المهلب.


    -مطرح بن يزيد أبو المهلب:
    قال عباس الدروى ، عن يحيى بن معين : ليس بشىء .
    و قال أبو زرعة : ضعيف الحديث .
    و قال أبو حاتم : ليس بقوى ، ضعيف الحديث ، يروى أحاديث ابن زحر عن على بن يزيد ، فلا أدرى من على بن يزيد أو منه .
    و قال أبو عبيد الآجرى : سألت أبا داود عن مطرح بن يزيد ، فقال : هو أبو المهلب روى عنه سفيان زعموا أن البلية من قبل على بن يزيد .
    و قال النسائى : ضعيف .
    و قال فى موضع آخر : ليس بشىء .
    و قال البخارى بعد ذكر مطرح بن يزيد : مطرح الأسدى ، عن أبى طاهر ، روى عنه عبد الله بن نمير .

    قال الحافظ فى "تهذيب التهذيب" 10/171 :
    و تبع ابن حبان البخارى ، فذكر ابن يزيد فى " الضعفاء " ، و ذكر مطرح الأسدى فى " ثقات " أتباع التابعين .
    و قال البخارى : منكر الحديث .
    و قال ابن حبان : مطرح بن يزيد ، لا يروى إلا عن ابن زحر و على بن يزيد ، و هما ضعيفان ، فكيف يتهيأ الجرح لمن لا يروى إلا عن الضعفاء ! و لكنه لا يحتج به لأنه يروى عن الضعفاء .
    و قال ابن عدى : و يجانب روايته عن ابن زحر ، و الضعف على حديثه بين . اهـ .



    3-عند أحمد (5/259) (5/329) من وجهين والحاكم (4/515) وفيه:

    -فرقد بن أبي يعقوب السبخي:
    قال المزى فى "تهذيب الكمال" :
    قال سليمان بن حرب عن حماد بن زيد : سألت أيوب عنه ، فقال : ليس بشىء .
    و فى رواية : ليس صاحب حديث .
    و قال على ابن المدينى ، عن يحيى بن سعيد القطان : ما يعجبنى الحديث عنه .
    و قال أبو طالب ، عن أحمد بن حنبل : رجل صالح ، ليس بقوى فى الحديث ، لم يكن صاحب حديث .
    و قال إبراهيم بن يعقوب الجوزجانى ، عن أحمد بن حنبل : يروى عن مرة منكرات .
    و قال أبو بكر بن أبى خيثمة ، عن يحيى بن معين : ليس بذاك .
    و قال عثمان بن سعيد الدرامى ، عن يحيى بن معين : ثقة .
    و قال البخارى : فى حديثه مناكير .
    و قال الترمذى : تكلم فيه يحيى بن سعيد ، و روى عنه الناس .
    و قال النسائى : ليس بثقة .
    و قال يعقوب بن شيبة : رجل صالح ، ضعيف الحديث جدا .
    و قال أبو حاتم : ليس بقوى فى الحديث .
    و قال أبو أحمد بن عدى : كان يعد من صالحى أهل البصرة ، و ليس هو كثير الحديث .

    قال الحافظ فى "تهذيب التهذيب" 8/263 :
    بقية كلام ابن سعد : و كان ضعيفا ، منكر الحديث .
    و قال العجلى : بصرى ، لا بأس به ، رجل صالح .
    و قال الخريبى : كان رجلا صالحا ، و غيره أثبت منه .
    و قال عبد الله بن أحمد : سألت أبى عنه ، فحرك يده كأنه لم يرضه .
    و قال الساجى : كان يحيى بن سعيد يكره الحديث عنه .
    و قال ابن المدينى : لم يكن بثقة .
    و قال ابن معين : ليس به بأس .
    و قال أحمد : ليس هو بقوى .
    قال الساجى : و قد اختلف فيه ، و ليس بحجة فى الأحكام و السنن .
    و قال ابن شاهين : قال أحمد : ليس بثقة .
    و قال الحاكم أبو أحمد : منكر الحديث .
    و قال ابن حبان : كانت فيه غفلة ، و رداءة حفظ ; فكان يرفع المراسيل و هو لا يعلم ، و يسند الموقوف من حيث لا يفهم ; فبطل الاحتجاج به .


    -عاصم بن عمرو البجلي:
    قال ابن أبي حاتم:صدوق ولم يعده أحد في الثقات ولم يوثقه كبير ولا صغير من المحدثين والنقاد.
    قال عبد الرحمن بن أبى حاتم : سألت أبى عنه ، فقال : صدوق . و كتبه البخاري في كتاب " الضعفاء " فسمعت أبى يقول : يحول من هناك .
    و ذكره ابن حبان فى كتاب " الثقات " .

    قال الحافظ فى "تهذيب التهذيب" 5/55 :
    قال البخارى : لم يثبت حديثه .
    و ذكره العقيلى فى " الضعفاء " . اهـ .

    -وفيه في الوجه الثاني عند أحمد :شهر بن حوشب .

    قال شبابة بن سوار ، عن شعبة : و لقد لقيت شهرا فلم أعتد به .
    و قال عمرو بن على : كان يحيى لا يحدث عن شهر بن حوشب و كان عبد الرحمن يحدث عنه .
    قال : و سمعت معاذ بن معاذ يقول : سألت ابن عون عن حديث هلال بن أبى زينب عن شهر ، عن أبى هريرة ، عن النبى صلى الله عليه وسلم : " لا يجف دم الشهيد حتى تبتدره زوجتاه من الحور العين " . فقال : ما نصنع بشهر ، إن شعبة نزك شهرا .
    و قال النضر بن شميل ، عن ابن عون : إن شهر نزكوه .
    قال النضر : نزكوه : أى طعنوا فيه .
    و قال إبراهيم بن يعقوب الجوزجانى : أحاديثه لا تشبه حديث الناس : عمرو بن خارجة : كنت آخذا بزمام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم . أسماء بنت يزيد :كنت أخذة بزمام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كأنه مولع بزمام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، و حديثه دال عليه فلا ينبغى أن يغتر به و بروايته .
    و قال موسى بن هارون : ضعيف .
    و قال النسائى : ليس بالقوى .
    و قال يعقوب بن شيبة : سمعت على ابن المدينى ، و قيل له : ترضى حديث شهر بن حوشب ؟ فقال : أنا أحدث عنه . قال : و كان عبد الرحمن بن مهدى يحدث عنه . قال :و أنا لا أدع حديث الرجل إلا أن يجتمعا عليه يحيى و عبد الرحمن ـ يعنى على تركه ـ قال : و سمعت على ابن المدينى يقول : كان يحيى بن سعيد لا يحدث عن شهر .
    و قال حرب بن إسماعيل الكرمانى ، عن أحمد بن حنبل : ما أحسن حديثه . و وثقه ،و هو شامى من أهل حمص ، و أظنه قال : هو كندى ، و روى عن أسماء بنت يزيد أحاديث حسانا .
    و قال حنبل بن إسحاق ، عن أحمد بن حنبل : ليس به بأس .
    و قال عثمان بن سعيد الدارمى : بلغنى أن أحمد بن حنبل كان يثنى على شهر بن حوشب.
    و قال الترمذى : قال أحمد بن حنبل : لا بأس بحديث عبد الحميد بن بهرام عن شهر ابن حوشب .
    و قال الترمذى أيضا ، عن البخارى : شهر حسن الحديث . و قوى أمره ، و قال : إنما تكلم فيه ابن عون ، ثم روى عن هلال بن أبى زينب عنه .
    و قال أبو بكر بن أبى خيثمة ، و معاوية بن صالح عن يحيى بن معين : ثقة .
    و قال عبد الله بن شعيب الصابونى ، و عباس الدورى ، و المفضل بن غسان الغلابى عن يحيى بن معين : ثبت .
    و قال أحمد بن عبد الله العجلى : شامى ، تابعى ، ثقة .
    و قال يعقوب بن شيبة : ثقة ، على أن بعضهم قد طعن فيه .
    و قال يعقوب بن سفيان : و شهر و إن قال ابن عون : إن شهرا نزكوه . فهو ثقة .
    و قال الحسين بن إدريس الهروى : أخبرنا محمد بن عبد الله بن عمار و سألته عن شهر بن حوشب ، فقال : روى عنه الناس ، و ما أعلم أحدا قال فيه غير شعبة .قلت : يكون حديثه حجة ؟ قال : لا .
    و قال أبو رزعة : لا بأس به ، و لم يلق عمرو بن عبسة .
    و قال أبو حاتم : شهر أحب إلى من أبى هارون و بشر بن حرب و ليس بدون أبى الزبير ، و لا يحتج به .
    و قال صالح بن محمد البغدادى : شهر بن حوشب شامى قدم العراق على الحجاج بن يوسف ، روى عنه الناس من أهل البصرة و أهل الكوفة و أهل الشام ، و لم يوقف منه على كذب . و كان رجلا يتسنك إلا أنه روى أحاديث يتفرد بها لم يشركه فيها أحدا مثل ....ومثل ببعض الأحاديث.
    روى له البخارى فى " الأدب " ، و مسلم مقرونا بغيره ، و الباقون . اهـ .

    قال الحافظ فى "تهذيب التهذيب" 4/371 :
    و قال أبو جعفر الطبرى : كان فقيها ، قارئا ، عالما .
    و قال أبو بكر البزار : لا نعلم أحدا ترك الرواية عنه غير شعبة ، و لم يسمع من معاذ بن جبل .
    و قال الساجى : فيه ضعف ، و ليس بالحافظ ، و كان شعبة يشهد عليه أنه رافق رجل من أهل الشام فخانه .
    و قال ابن حبان : كان ممن يروى عن الثقات المعضلات ، و عن الأثبات المقلوبات .
    و قال الحاكم أبو أحمد : ليس بالقوى عندهم .
    و قال ابن عدى : و عامة ما يرويه شهر و غيره من الحديث فيه من الإنكار ما فيه ، و شهر ليس بالقوى فى الحديث ، و هو ممن لا يحتج بحديثه و لا يتدين به .
    و قال الدارقطنى : يخرج حديثه .
    و قال البيهقى : ضعيف .
    و قال ابن حزم : ساقط .
    و قال أبو الحسن بن القطان الفاسى : لم أسمع لمضعفه حجة .....ثم قال: و شر ما قيل فيه أنه يروى منكرات عن ثقات ، و هذا إذا كثر منه سقطت الثقة به .
    و قال ابن عدى : ضعيف جدا ـ قال هذا فى ترجمة عبد الحميد بن بهرام ـ . اهـ .


    4- وعنه عند ابن حزم في المحلى (9/58) من طريق عبد الملك بن حبيب القرطبي فيها:

    -عبد الملك بن حبيب القرطبي:
    و قال ابن الفرضى : و كان حافظا للفقه نبيلا ، إلا أنه لم يكن له علم بالحديث ، و لا يعرف صحيحه من سقيمه .
    و قال أبو محمد بن حزم:روايته ساقطة مطرحة ، فمن ذلك أنه روى عن مطرف ، عن محمد بن كثير ، عن محمد بن حيان الأنصاري:أن امرأة قالت:يا رسول الله ، إن أبى شيخ كبير ، قال : فلتحجى عنه ، و ليس ذلك لأحد بعده .
    و قال أبو بكر بن أبى شيبة : ضعفه غير واحد ، و بعضهم اتهمه بالكذب .
    و فى " تاريخ أحمد بن سعيد بن حزم الصدفى " توهينه ، فإنه كان صحفيا لا يدرى ما الحديث .
    قلت (الإمام المزي) : هذا القول أعدل ما قيل فيه ، فلعله كان يحدث من كتب غيره فيغلط .
    و ذكر ابن الفرضى أنه كان يتسهل فى السماع ، و يحمل على سبيل الإجازة أكثر رواياته .
    و لما سئل أسد بن موسى ، عن رواية عبد الملك بن حبيب عنه ، قال : إنما أخذ من كتبى .
    فقال الأئمة : إقرار أسد بهذا هى الإجازة بعينها ، إذا كان قد دفع له كتبه كفى أن يرويها عنه على مذهب جماعة من السلف .
    و سئل وهب بن ميسرة عن كلام ابن وضاح فى عبد الملك بن حبيب ، فقال : ما قال فيه خيرا و لا شرا إنما قال : لم يسمع من أسد بن موسى .
    روى عنه ابن وضاح ، و بقى بن مخلد ، و لا يرويان إلا عن ثقة عندهما .
    و قد أفحش ابن حزم القول فيه ، و نسبه إلى الكذب ، و تعقبه جماعة بأنه لم يسبقه أحد إلى رميه بالكذب . اهـ .


    -إسماعيل بن عياش:

    قال يعقوب : و تكلم قوم فى إسماعيل ، و إسماعيل ثقة عدل ، أعلم الناس بحديث الشام ، و لا يدفعه دافع ، و أكثر ما تكلموا قالوا : يغرب عن ثقات المدنيين و المكيين .
    و قال محمد بن عثمان بن أبى شيبة : سمعت يحيى بن معين يقول : إسماعيل بن عياش ثقة فيما روى عن الشاميين ، و أما روايته عن أهل الحجاز ، فإن كتابه ضاع ، فخلط فى حفظه عنهم .
    و قال مضر بن محمد الأسدى ، عن يحيى : إذا حدث عن الشاميين ، و ذكر الخبر ، فحديثه مستقيم ، و إذا حدث عن الحجازيين و العراقيين ، خلط ما شئت .
    و قال أبو بكر المروذى : سألته ـ يعنى أحمد بن حنبل ـ عن إسماعيل بن عياش ، فحسن روايته عن الشاميين ، و قال : هو فيهم أحسن حالا مما روى عن المدنيين وغيرهم .
    و قال أبو داود : سألت أحمد عن إسماعيل بن عياش ، فقال : ما حدث عن مشايخهم . قلت : الشاميين ؟ قال : نعم . فأما ما حدث عن غيرهم ، فعنده مناكير .
    و قال عبد الله بن أحمد بن حنبل : سئل أبى عن إسماعيل بن عياش فقال : نظرت فى كتابه عن يحيى بن سعيد أحاديث صحاح ، و فى " المصنف " أحاديث مضطربة .
    و قال محمد بن عثمان بن أبى شيبة ، عن على ابن المدينى : كان يوثق فيما روى عن أصحابه أهل الشام ، فأما ما روى عن غير أهل الشام ، ففيه ضعف .
    و قال عثمان بن سعيد الدارمى ، عن دحيم : إسماعيل بن عياش فى الشاميين غاية ، و خلط عن المدنيين .
    و قال عمرو بن على : إذا حدث عن أهل بلاده فصحيح ، و إذا حدث عن أهل المدينة ، مثل هشام بن عروة ، و يحيى بن سعيد ، و سهيل بن أبى صالح ، فليس بشىء .
    و قال فى موضع آخر : كان عبد الرحمن لا يحدث عن إسماعيل بن عياش .
    و قال محمد بن المثنى : ما سمعت عبد الرحمن يحدث عن إسماعيل بن عياش شيئا قط .
    و قال يعقوب بن سفيان ، عن على ابن المدينى : ضرب عبد الرحمن على حديث إسماعيل ابن عياش ، و على حديث المبارك بن فضالة .
    و قال عبد الله بن على ابن المدينى : و سألته ـ يعنى أباه ـ عن إسماعيل بن عياش ، قلت : إن يحيى بن معين يقول : إنه ثقة فيما يروى عن أهل الشام ، فأما ما روى عن غير أهل الشام ، ففيه شىء ، فضعفه فيما روى عن أهل الشام و غيرهم .
    و قال فى موضع آخر : سمعت أبى يقول : ما كان أحد أعلم بحديث أهل الشام من إسماعيل بن عياش ، لو ثبت على حديث أهل الشام ، و لكنه خلط فى حديثه عن أهل العراق ، و حدثنا عنه عبد الرحمن ، ثم ضرب على حديثه ، قال : و سمعت أبى يقول : إسماعيل بن عياش عندى ضعيف ، و حدث عنه عبد الرحمن بن مهدى قديما و تركه .
    و قال يعقوب بن شيبة : إسماعيل بن عياش ، ثقة عند يحيى بن معين و أصحابنا فيما روى عن الشاميين خاصة ، و فى روايته عن أهل العراق و اهل المدينة اضطراب كبير ، و كان عالما بناحيته .
    و قال البخارى : إذا حدث عن أهل بلده فصحيح ، و إذا حدث عن غير أهل بلده ، ففيه نظر .
    و قال فى موضع آخر : ما روى عن الشاميين فهو أصح .
    و كذلك قال أبو بشر الدولابى .
    و قال عبد الرحمن بن أبى حاتم : سألت أبى عن إسماعيل بن عياش ، فقال : هو لين ، يكتب حديثه ، لا أعلم أحدا كف عنه إلا أبو إسحاق الفزارى .
    و قال مسلم : حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن الدارمى ، قال : أخبرنا زكريا بن عدى ، قال : قال لى أبو إسحاق الفزارى : اكتب عن بقية ماروى عن المعروفين ، ولا تكتب عنه ما روى عن غير المعروفين ، و لا تكتب عن إسماعيل بن عياش ، ما روى عن المعروفين و لا غيرهم .

    قال الحافظ فى "تهذيب التهذيب" 1/325 :
    و قال محمد بن المثنى : ما سمعت عبد الرحمن يحدث عن إسماعيل بن عياش قط .
    و قال النسائى : صالح فى حديث أهل الشام .
    و قال عبد الله بن أحمد : عرضت على أبى حديثا حدثناه الفضل بن زياد حدثنا ابن عياش عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر مرفوعا " لا تقرأ الحائض و لا الجنب شيئا من القرآن " ، فقال أبى : هذا باطل .
    و قال ابن خزيمة : لايحتج به .
    و قد صحح له الترمذى غير ما حديث عن الشاميين .
    و قال ابن المبارك : لا استحلى حديثه .
    و ضعف روايته عن غير الشاميين أيضا النسائى و أبو أحمد الحاكم و البرقى و الساجى .
    و ذكره الفسوى فى باب من يرغب عن الرواية عنهم .
    و قال أبو داود : بقية أقل مناكير ، و إسماعيل أحب إلى من فرج بن فضالة .
    و قال الحاكم : هو مع جلالته إذا انفرد بحديث لم يقبل منه لسوء حفظه .
    و روى عن على بن حجر أنه قال : ابن عياش حجة لولا كثرة وهمه .
    و قال ابن حبان : كان إسماعيل من الحفاظ المتقنين فى حديثهم ، فلما كبر تغير حفظه ، فما حفظ فى صباه و حداثته أتى به على جهته ، و ما حفظ على الكبر من حديث الغرباء خلط فيه ، و أدخل الإسناد فى الإسناد ، و ألزق المتن بالمتن ، و هو لا يعلم ، فمن كان هذا نعته حتى صار الخطأ فى حديثه يكثر خرج عن حد الاحتجاج به . اهـ .


    -وفيه علي بن يزيد عن القاسم بن عبد الرحمن وقد تقدما.

    5-وعنه أيضا عند ابن حزم (9/58) من طريق ابن حبيب فيه:

    -ابن حبيب وقد تقدم.
    -القاسم بن عبد الرحمن وقد تقدم.


    *رواية علي بن أبي طالب:
    1-عند أبي يعلى الموصلي (1/401) فيها:

    -علي بن يزيد وقد تقدم.
    -الحارث بن نبهان:
    قال أبو طالب : سألت أحمد بن حنبل عنه ، فقال : رجل صالح ، لم يكن يعرف الحديث ولا يحفظه ، منكر الحديث .
    و قال عباس الدورى ، عن يحيى بن معين : ليس بشىء .
    و قال فى موضع آخر : لا يكتب حديثه .
    و قال أبو زرعة : ضعيف الحديث فى حديثه وهن ، و تعجب من قول يحيى أنه ليس بشىء.
    و قال أبو حاتم : متروك الحديث ، ضعيف الحديث ، منكر الحديث .
    و قال البخارى : منكر الحديث .
    و قال النسائى : متروك الحديث ، و قال فى موضع آخر : ليس بثقة .
    و قال أبو أحمد بن عدى : و للحارث غير ما ذكرت أحاديث حسان و هو ممن يكتب حديثه .

    قال الحافظ فى "تهذيب التهذيب" 2/159 :
    و قال ابن المدينى : كان ضعيفا ضعيفا .
    و قال الحربى : غيره أوثق منه .
    و قال الترمذى فى " العلل الكبير " ، عن البخارى : منكر الحديث ، لا يبالى ما حدث . و ضعفه جدا .
    و قال العجلى و يعقوب بن شيبة : ضعيف الحديث .
    و قال العقيلى ، و روى حديث : " خيركم من تعلم القرآن ... " ، و حديث : " قراءة تنزيل السجدة ... " ، و حديث : " النهى عن الإنتعال قائما " : لا يتابع على أسانيدها ، و المتون معروفة .
    و ذكره أبو العرب فى " الضعفاء " ، و ذكر فى " تاريخ القيروان " أنه قدم عليهم .
    و قال الساجى : عنده مناكير .
    و قال الآجرى ، عن أبى داود : ليس بشى ء .
    و قال أبو أحمد الحاكم : حديثه ليس بالمستقيم .
    و قال يعقوب بن سفيان : بصرى منكر الحديث .
    و قال الدارقطنى : ليس بالقوى .
    و قال ابن حبان : كان من الصالحين الذين غلب عليهم الوهم حتى فحش خطؤه ، و خرج عن حد الاحتجاج به .

    -وفيه الحارث الأعور:
    و قال مسلم بن الحجاج : حدثنا قتيبة بن سعيد قال : حدثنا جرير عن مغيرة ، عن الشعبى قال : حدثنى الحارث الأعور الهمدانى و كان كذابا .
    و به ، قال : حدثنا قتيبة بن سعيد ، قال : حدثنا جرير ، عن حمزة الزيات ، قال : سمع مرة الهمدانى من الحارث شيئا ، زاد غيره : فأنكره ، فقال له : اقعد بالباب ، قال : فدخل مرة ، و أخذ سيفه ، قال : و أحس الحارث بالشر فذهب .
    و به ، قال : حدثنى حجاج بن الشاعر ، قال : حدثنى أحمد و هو ابن يونس ، قال : حدثنا زائدة ، عن منصور و المغيرة ، عن إبراهيم : أن الحارث اتهم .
    و قال أبو معاوية الضرير ، عن محمد بن شيبة الضبى ، عن أبى إسحاق : زعم الحارث الأعور و كان كذابا .
    و قال أبو بكر بن أبى خيثمة : قال أبو بكر بن عياش : لم يكن الحارث بأرضاهم كان غيره أرضى منه ، و كانوا يقولون : إنه صاحب كتب كذاب .
    و قال يوسف بن موسى ، عن جرير : كان الحارث الأعور زيفا .
    و قال يحيى بن سعيد ، عن سفيان : كنا نعرف فضل حديث عاصم بن ضمرة على حديث الحارث .
    و قال أبو بكر بن أبى خيثمة : سمعت أبى يقول : كان يحيى بن سعيد يحدث من حديث الحارث ما قال فيه أبو إسحاق : " سمعت الحارث " ، و كان ابن مهدى قد ترك حديث الحارث .
    وقال بندار: أخذ يحيى ، و عبد الرحمن العلم من يدى ، فضربا على نحو أربعين حديثا من حديث الحارث عن على .
    و قال إبراهيم بن يعقوب الجوزجانى : سألت على ابن المدينى عن عاصم و الحارث ، فقال : يا أبا إسحاق ، مثلك يسأل عن ذا ! الحارث كذاب .
    و قال أبو بكر بن أبى خيثمة : سمعت أبى يقول : الحارث الأعور كذاب .
    و قال أيضا : قيل ليحيى بن معين : الحارث صاحب على ؟ فقال : ضعيف .
    و قال عباس الدورى ، عن يحيى بن معين : قد سمع من ابن مسعود ، و ليس به بأس .
    و قال عثمان بن سعيد الدارمى : سألت يحيى بن معين ، قلت : أى شىء حال الحارث فى على ؟ قال : ثقة ، قال عثمان : ليس يتابع عليه .
    و قال أبو زرعة : لا يحتج بحديثه .
    و قال أبو حاتم : ليس بقوى ، و لا ممن يحتج بحديثه .
    و قال النسائى : ليس بالقوى .
    و قال فى موضع آخر : ليس به بأس .
    و قال شريك ، عن جابر الجعفى ، عن عامر الشعبى : لقد رأيت الحسن و الحسين يسألان الحارث الأعور عن حديث على .

    قال الحافظ فى "تهذيب التهذيب" 2/146 :
    و فى " مسند أحمد " عن وكيع عن أبيه : قال حبيب بن أبى ثابت لأبى إسحاق حين حدث عن الحارث عن على فى الوتر : يا أبا إسحاق ، يساوى حديثك هذا ملء مسجدك ذهبا .
    و قال الدارقطنى : الحارث ضعيف .
    و قال ابن عدى : عامة ما يرويه غير محفوظ .
    و قال ابن حبان : كان الحارث غاليا فى التشيع واهيا فى الحديث ، مات سنة خمس وستين .
    و قال ابن أبى خيثمة : قيل ليحيى : يحتج بالحارث ، فقال : مازال المحدثون يقبلون حديثه .
    و قال ابن عبد البر فى كتاب " العلم " له لما حكى عن إبراهيم أنه كذب الحارث : أظن الشعبى عوقب بقوله فى الحارث كذاب ، و لم يبن من الحارث كذبه ، و إنما نقم عليه إفراطه فى حب على .
    و قال ابن سعد : كان له قول سوء ، و هو ضعيف فى رأيه ، توفى أيام ابن الزبير .
    و قال ابن شاهين فى " الثقات " : قال أحمد بن صالح المصرى : الحارث الأعور ثقة ما أحفظه ، و ما أحسن ما روى عن على ، و أثنى عليه . قيل له : فقد قال الشعبى : كان يكذب ، قال : لم يكن يكذب فى الحديث إنما كان كذبه فى رأيه .
    و قرأت بخط الذهبى فى " الميزان " : و النسائى مع تعنته فى الرجال قد احتج به ، و الجمهور على توهينه مع روايتهم لحديثه فى الأبواب ، و هذا الشعبى يكذبه ، ثم يروى عنه ، و الظاهر أنه يكذب حكاياته لا فى الحديث .
    قلت : لم يحتج به النسائى ، و إنما أخرج له فى " السنن " حديثا واحدا مقرونا بابن ميسرة ، و آخر فى " اليوم و الليلة " متابعة ، هذا جميع ما له عنده .
    و ذكر الحافظ المنذرى أن ابن حبان احتج به فى " صحيحه " ، و لم أر ذلك لابن حبان ، و إنما أخرج من طريق عمرو بن مرة عن الحارث بن عبد الله الكوفى عن ابن مسعود حديثا ، و الحارث بن عبد الله الكوفى هذا هو عند ابن حبان رجل ثقة غير الحارث الأعور ، كذا ذكر فى " الثقات " ، و إن كان قوله هذا ليس بصواب ، و الله
    أعلم . اهـ .


    2-عنه عند الترمذي (3/224) فيه:

    -الفرج بن فضالة:
    قال معاوية بن صالح ، عن أحمد بن حنبل : ثقة .
    و قال النسائى ، عن أبى داود ، عن أحمد بن حنبل : إذا حدث عن الشاميين فليس به بأس ، و لكنه حدث عن يحيى بن سعيد مناكير .
    و قال الحسين بن إدريس الأنصارى ، عن أبى داود : سمعت أحمد بن حنبل سئل عن إسماعيل بن عياش : هو أثبت أو أبو فضالة ؟ قال : أبو فضالة يحدث عن ثقات أحاديث مناكير .
    و قال أبو بكر بن أبى خيثمة ، عن يحيى بن معين : ضعيف الحديث .
    و قال إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد : قال رجل ليحيى بن معين و أنا أسمع : أيما أعجب إليك : إسماعيل بن عياش أو فرج بن فضالة ؟ قال : لا بل إسماعيل ثم قال : فرج ضعيف الحديث ، و أيش عند فرج ؟! .
    و قال عثمان بن سعيد الدارمى ، عن يحيى بن معين : ليس به بأس .
    و قال المفضل بن غسان الغلابى ، عن يحيى بن معين : صالح .
    و قال محمد بن عثمان بن أبى شيبة ، عن على ابن المدينى : هو وسط و ليس بالقوى .
    و قال عبد الله ابن على بن المدينى ، عن أبيه : ضعيف لا أحدث عنه .
    و قال البخارى ، و مسلم : فرج بن فضالة عن يحيى بن سعيد ، منكر الحديث .
    و قال النسائى : ضعيف .
    و قال أبو حاتم : صدوق ، يكتب حديثه و لا يحتج به ، حديثه عن يحيى بن سعيد فيه إنكار ، و هو فى غيره أحسن حالا ، و روايته عن ثابت لا تصح .
    و قال الحاكم أبو أحمد : حديثه ليس بالقائم .
    و قال أبو أحمد بن عدى بعد أن روى له أحاديث : و هذه الأحاديث التى أمليتها له عن لقمان بن عامر عن أبى أمامة غير محفوظة . و حديث يحيى بن سعيد عن عمرة لا يرويها عن يحيى غير فرج و له عن يحيى غيرها مناكير ، و قد ذكرت رواية شعبة عن فرج بن فضالة حديث عوف بن مالك ، و له غير ما أمليت أحاديث صالحة ، و هو مع
    ضعفه يكتب حديثه .
    و قال القاضى أبو الطيب الطبرى ، عن الدارقطنى : ضعيف الحديث ; يروى عن يحيى ابن سعيد أحاديث لا يتابع عليها .
    و قال أبو بكر البرقانى : سألت الدارقطنى عنه ، فقال : ضعيف . فقلت : حديثه عن يحيى بن سعيد الأنصارى ، عن محمد بن على ، عن على ، عن النبى صلى الله عليه وسلم : " إذا عملت أمتى خمس عشرة خصلة " ؟ قال : هذا باطل . قلت : من جهة الفرج ؟ قال : نعم . قلت : تخرج هذا الحديث ؟ قال : لا . قلت : فحديثه عن لقمان
    ابن عامر عن أبى أمامة ؟ قال : هذا كأنه قريب يخرج .
    و قال عمرو بن على : كنا عند يحيى بن سعيد و معنا معاذ ، فقال معاذ : حدثنا فرج ابن فضالة فرأيت يحيى كلح وجهه .قال : و سمعت عبد الرحمن بن مهدى يقول : حدث فرج بن فضالة عن أهل الحجاز بأحاديث مقلوبة منكرة .
    و قال زكريا بن يحيى الساجى : ضعيف الحديث ، روى عن يحيى بن سعيد أحاديث مناكير كان يحيى بن سعيد و عبد الرحمن بن مهدى لا يحدثان عنه .
    و قال أبو حاتم عن سليمان بن أحمد الدمشقى : سمعت يزيد بن هارون يقول : رأيت شعبة بن الحجاج عند الفرج بن فضالة يسأله عن حديث من حديث إسماعيل بن عياش .
    و قال على بن عبد العزيز البغوى ، عن سليمان بن أحمد : سمعت عبد الرحمن بن مهدى يقول : ما رأيت شاميا أثبت من الفرج بن فضالة و ما حدثت عنه و أنا أستخير الله فى الحديث عنه . فقلت : يا أبا سعيد حدثنى . فقال : أكتب : حدثنى فرج بن فضالة.

    و قال محمد بن سعد : قدم بغداد ، و ولى بيت المال فى أول خلافة المهدى و كان يسكن مدينة أبى جعفر ، و مات بها سنة ست و سبعين و مئة فى خلافة هارون ، و كان ضعيفا .

    قال الحافظ فى "تهذيب التهذيب" 8/262 :
    لا يغتر أحد بالحكاية المروية فى توثيقه عن ابن مهدى فإنها من رواية سليمان بن أحمد ، و هو الواسطى ، و هو كذاب .
    و قد قال البخارى : تركه ابن مهدى .
    و قد ذكره يعقوب بن سفيان فى باب من يرغب عن الرواية عنهم ، و البرقى فى باب من نسب إلى الضعف ، لا يكاد حديثه ممن احتملت روايته .
    و قال ابن حبان : يقلب الأسانيد ، و يلزق المتون الواهية بالأسانيد الصحيحة ،لا يحل الاحتجاج به .
    و قال الخليلى فى " الإرشاد " : ضعفوه ، و منهم من يقويه ، و ينفرد بأحاديث .
    و قال مسعود السجزى ، عن الحاكم : هو ممن لا يحتج به . اهـ .


    -محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب:
    قال ابن حبان :روى عن علي.
    ولكن قال الحافظ ابن حجر في التقريب: روايته عن جده مرسلة.

    *رواية عمر بن الخطاب:
    وهي عند الطبراني في الكبير (1/73) وفيه:
    -يزيد بن عبد الملك النوفلي:
    قال أبو حاتم ، عن أحمد بن حنبل : ضعيف الحديث .
    و قال البخارى : لينه يحيى ، و قال أحمد : عنده مناكير .
    و قال معاوية بن صالح ، عن يحيى بن معين : ليس حديثه بذاك .
    و قال عثمان بن سعيد الدارمى ، عن يحيى بن معين : ما كان به بأس .
    و قال غيره ، عن يحيى : ضعيف .
    و قال أحمد بن صالح المصرى : ليس حديثه بشىء .
    و قال أبو زرعة : ضعيف الحديث .
    و قال فى موضع آخر : واهى الحديث . و غلظ فيه القول جدا .
    و قال أبو حاتم : ضعيف الحديث ، منكر الحديث جدا .
    و قال البخارى : أحاديثه شبه لا شىء . و ضعفه جدا .
    و قال النسائى : متروك الحديث .
    و قال فى موضع آخر : ليس بثقة .
    و قال أبو أحمد بن عدى : له غير ما ذكرت من الحديث ، و ليس بالكثير ، و عامة ما يرويه غير محفوظ .

    قال الحافظ فى "تهذيب التهذيب" 11/348 :
    و قال ابن سعد : كان جلدا صارما ثقة ، و له أحاديث ، و توفى بالمدينة سنة سبع و ستين و مئة .
    و قال الساجى : فيه ضعف و عنده مناكير .
    و قال ابن حبان لما أخرج له فى " صحيحه " مقرونا بغيره : أما يزيد بن عبد الملك فقد تبرأنا من عهدته فى كتاب " الضعفاء " .
    و قال الدارقطنى : ضعيف .
    و قال أبو العرب : قال مالك بن عيسى : يزيد النوفلى ضعيف .
    و قال الحاكم : روى عن سهيل و سعيد و ابن خصيفة مناكير .
    و قال أبو عمر بن عبد البر : أجمع على تضعيفه .
    كذا قال ، و تبعه عبد الحق فقال : لا أعلم أحدا وثقه ، و ليس ذاك بجيد . اهـ .


    *رواية عائشة بنت الصديق:
    وهي عند الطبراني في الأوسط (مجمع الزوائد (4/91)) فيه:

    -فيه مجهولان لا يعرفان.
    -وفيه ليث بن أبي سليم :
    قال عبد الله بن أحمد بن حنبل : سمعت أبى يقول : ليث بن أبى سليم مضطرب الحديث ، و لكن حدث عنه الناس .
    و قال أيضا : سمعت أبى يقول : ما رأيت يحيى بن سعيد أسوأ رأيا فى أحد منه فى ليث ، و محمد بن إسحاق ، و همام ، لا يستطيع أحد أن يراجعه فيهم .
    و قال أيضا : سمعت عثمان بن أبى شيبة ، قال : سألت جريرا عن ليث ، و عن عطاء ابن السائب ، و عن يزيد بن أبى زياد ، فقال : كان يزيد أحسنهم استقامة فى الحديث ثم عطاء ، و كان ليث أكثر تخليطا .
    قال عبد الله : و سألت أبى عن هذا ، فقال : أقول كما قال جرير .
    و قال أيضا : قلت ليحيى بن معين : ليث بن أبى سليم أضعف من يزيد بن أبى زياد ، وعطاء بن السائب ؟ قال : نعم .
    قال : و قال لى يحيى مرة أخرى : ليث أضعف من يزيد بن أبى زياد ، و يزيد فوقه فى الحديث .
    و قال معاوية بن صالح عن يحيى بن معين : ليث بن أبى سليم ضعيف إلا أنه يكتب حديثه .
    و قال إبراهيم بن سعيد الجوهرى : حدثنا يحيى بن معين ، عن يحيى بن سعيد القطان أنه كان لايحدث عن ليث بن أبى سليم .
    و قال عمرو بن على : كان يحيى لا يحدث عن ليث بن أبى سليم ، و لا عن حجاج بن أرطاة ، و كان عبد الرحمن يحدث عن سفيان و غيره عنهما .
    و قال محمد بن المثنى نحو ذلك إلا أنه لم يذكر حجاج بن أرطاة .
    و قال على ابن المدينى : سمعت يحيى يقول : مجالد أحب إلى من ليث ، و حجاج بن أرطاة .
    و قال أيضا : قلت لسفيان إن ليثا روى عن طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده رأى النبى صلى الله عليه وسلم يتوضأ ، فأنكر ذلك ، و عجب منه أن يكون جد طلحة لقى النبى صلى الله عليه وسلم .
    و قال أبو معمر القطيعى : كان ابن عيينة يضعف ليث بن أبى سليم .
    و قال على بن محمد الطنافسى : سألت وكيعا عن حديث من حديث ليث بن أبى سليم ،فقال : ليث ليث ; كان سفيان لا يسمى ليثا .
    و قال أحمد بن سنان القطان : سمعت عبد الرحمن بن مهدى يقول : ليث بن أبى سليم ، وعطاء بن السائب ، و يزيد بن أبى زياد ، ليث أحسنهم حالا عندى .
    و قال يحيى بن سليمان الجعفى ، عن عبد الله بن إدريس : ما جلست إلى ليث بن أبى سليم إلا سمعت منه ما لم أسمع منه .
    و قال أبو حاتم : سمعت أبا نعيم ، قال : قال شعبة لليث بن أبى سليم :أين اجتمع لك هؤلاء الثلاثة : عطاء ، و طاووس ، و مجاهد ؟ فقال : سل عن هذا خف أبيك !! .
    وقال محمد بن خلف التيمى ، عن قبيصة : قال شعبة لليث بن أبى سليم : أين اجتمع لك عطاء ، و طاووس ، و مجاهد ؟ فقال : إذ أبوك يضرب بالخف ليلة عرسه .
    قال قبيصة : فقال رجل كان جالسا لسفيان : فما زال متقا لليث مذ يومئذ .
    و قال عبد الملك بن عبد الحميد الميمونى : سمعت يحيى ذكر ليث بن أبى سليم ، فقال : ضعيف الحديث عن طاووس ، فإذا جمع طاووس و غيره ، فالزيادة هو ضعيف .
    و قال أحمد بن سليمان الرهاوى ، عن مؤمل بن الفضل : قلنا لعيسى بن يونس : لم لم تسمع من ليث بن أبى سليم ؟
    قال : قد رأيته و كان قد اختلط ، و كان يصعد المنارة ارتفاع النهار فيؤذن .
    و قال عبد الرحمن بن أبى حاتم : سمعت أبى يقول : ليث بن أبى سليم أحب إلى من يزيد بن أبى زياد ، كان أبرأ ساحة يكتب حديثه ، و كان ضعيف الحديث .
    قال : فذكرت له قول جرير بن عبد الحميد فيه ، فقال : أقول كما قال جرير .
    وقال أيضا : سمعت أبى ، و أبا زرعة يقولان : ليث لايشتغل به ، هو مضطرب الحديث .
    و قال أيضا : سمعت أبا زرعة يقول : ليث بن أبى سليم لين الحديث ، لا تقوم به الحجة عند أهل العلم بالحديث .
    و قال أيضا : سمعت أبى يقول : ليث عن طاووس أحب إلى من سلمة بن وهرام ، عن طاووس .
    قلت : أليس تكلموا فى ليث ؟ قال : ليث أشهر من سلمة ، و لا نعلم روى عن سلمة إلا ابن عيينة و زمعة .
    و قال أبو عبيد الآجرى ، عن أبى داود ، عن أحمد بن يونس ، عن فضيل بن عياض : كان ليث بن أبى سليم أعلم أهل الكوفة بالمناسك .
    قال : و سمعت أبا داود يقول : سألت يحيى عن ليث ، فقال : ليس به بأس ، قال :
    و سمعت يحيى يقول : عامة شيوخ ليث لا يعرفون .
    و قال أبو أحمد بن عدى : له أحاديث صالحة غير ما ذكرت ، و قد روى عنه شعبة ، و الثورى ، و غيرهما من ثقات الناس ، و مع الضعف الذى فيه يكتب حديثه .
    و قال أبو بكر البرقانى : سألته ـ يعنى الدارقطنى ـ عن ليث بن أبى سليم ، فقال : صاحب سنة ، يخرج حديثه ، ثم قال : إنما أنكروا عليه الجمع بين عطاء ،و طاووس ، و مجاهد حسب .

    قال الحافظ فى "تهذيب التهذيب" 8/468 :
    و قال ابن سعد : كان رجلا صالحا عابدا ، و كان ضعيفا فى الحديث ، يقال : كان يسأل عطاء و طاووسا و مجاهدا عن الشىء فيختلفون فيه فيروى أنهم اتفقوا ، من غير تعمد .
    و قال ابن حبان : اختلط فى آخر عمره فكان يقلب الأسانيد و يرفع المراسيل و يأتى عن الثقات بما ليس من حديثهم ، تركه القطان و ابن مهدى و ابن معين ، و أحمد .كذا قال .
    و قال الترمذى فى " العلل الكبير " : قال محمد : كان أحمد يقول : ليث لا يفرح بحديثه ، قال محمد : و ليث صدوق يهم .
    و قال الحاكم أبو أحمد : ليس بالقوى عندهم .
    و قال الحاكم أبو عبد الله : مجمع على سوء حفظه .
    و قال الجوزجانى : يضعف حديثه .
    و قال البزار : كان أحد العباد إلا أنه أصابه اختلاط فاضطرب حديثه ، و إنما تكلم فيه أهل العلم بهذا ، و إلا فلا نعلم أحدا ترك حديثه .
    و قال يعقوب بن شيبة : هو صدوق ، ضعيف الحديث .
    و قال ابن شاهين فى " الثقات " : قال عثمان بن أبى شبيبة : ليث صدوق ، و لكن ليس بجحة .
    و قال الساجى : صدوق فيه ضعف ، كان سىء الحفظ كثير الغلط ، كان يحيى القطان بآخره لا يحدث عنه . و قال ابن معين : منكر الحديث ، و كان صاحب سنة ، روى عن الناس ـ إلى أن قال الساجى : و كان أبو داود لا يدخل حديثه فى كتاب " السنن "الذى ( صنفه ) .
    كذا قال ، و حديثه ثابت فى " السنن " لكنه قليل ، والله أعلم . اهـ .


    *رواية عبادة بن الصامت –رضي الله عنه- عند أحمد في المسند (5/329) فيه:

    -فرقد السبخي وقد تقدم.
    -صدقة بن موسى:
    قال مسلم بن إبراهيم : حدثنا صدقة الدقيقى و كان صدوقا .
    و قال أبو بكر بن أبى خيثمة ، عن يحيى بن معين : ليس حديثه بشىء .
    و قال معاوية بن صالح عن يحيى بن معين ، و أبو داود ، و النسائى ، و أبو بشر الدولابى : ضعيف .
    و قال أبو أحمد بن عدى : ما أقرب صورته و صورة حديثه من حديث صدقة بن عبد الله الذى أمليته قبله ، و بعض حديثه يتابع عليه ، و بعضه لا يتابع عليه .
    قال الترمذي:و صدقة ليس عندهم بذاك القوى .

    قال الحافظ فى "تهذيب التهذيب" 4/418 :
    و قال أبو حاتم : لين الحديث ، يكتب حديثه و لا يحتج به ، ليس بقوى .
    و قال أبو أحمد الحاكم : ليس بالقوى عندهم .
    و قال ابن حبان : كان شيخا صالحا إلا أن الحديث لم يكن من صناعته فكان إذا روى
    قلب الأخبار حتى خرج عن حد الاحتجاج به .
    و قال البزار : ليس بالحافظ عندهم .
    و قال فى موضع آخر : ليس به بأس .
    و قال الساجى : ضعيف الحديث . اهـ .


    *رواية أبي هريرة –رضي الله عنه-عند الترمذي (3/225) وفيها:

    -رميح الجذامي:
    قال الحافظ فى "تهذيب التهذيب" 3/288 :
    و قال ابن القطان : رميح لا يعرف .
    وقال ابن حجر:مجهول وكذلك قال الذهبي.

    وقد ضعف الشيخ الألباني هذه الرواية في سنن الترمذي (4/495) برقم 2211 وفي ضعيف الجامع برقم 287 وفي المشكاة برقم 5450 وفي ضعيف الترغيب والترهيب برقم 1774 وفي السلسلة الضعيفة برقم 1727 .

    *رواية عمران بن حصين –رضي الله عنه- عند الترمذي (3/225) وفيها:

    -عبد الله بن عبد القدوس التميمي:
    قال عبد الله بن أحمد بن حنبل : سألت يحيى بن معين عنه ، فقال : ليس بشيء ، رافضي خبيث .
    و قال أحمد بن على الأبار : سألت زنيجا عنه ، فقال : تركته ، لم أكتب عنه شيئا، و لم يرضه .
    و قال أبو معمر : حدثنا عبد الله بن عبد القدوس و كان خشبيا .
    و قال محمد بن مهران الجمال : لم يكن بشيء ، كان يسخر منه ، يشبه المجنون ، يصيح الصبيان في أثره .
    و حكى عن محمد بن عيسى أنه قال : هو ثقة .
    و قال البخاري : هو في الأصل صدوق ، إلا أنه يروى عن أقوام ضعاف .
    و قال أبو عبيد الآجري ، عن أبى داود : ضعيف الحديث ، حدث بحديث القبر .
    و قال في موضع آخر : كان يرمى بالرفض . قال : و بلغني عن يحيى أنه قال : ليس بشيء .
    و قال النسائي : ضعيف .
    و قال في موضع آخر : ليس بثقة .
    و ذكره ابن حبان في كتاب " الثقات " ، و قال : ربما أغرب .

    قال الحافظ فى "تهذيب التهذيب" 5/303 :
    و قال الدارقطني : ضعيف .
    و قال أبو أحمد الحاكم : فى حديثه بعض المناكير .
    و قال يحيى بن المغيرة : أمرني جرير أن أكتب عنه حديثا . اهـ .

    فلا أدري أنى للحديث الصحة التي أعطاه إياها الشيخ الألباني.
    Admin
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 2093
    تاريخ التسجيل : 01/03/2010
    الموقع : hmsain.ahlamontada.com

    الغناء بين الحل والحرمة Empty رد: الغناء بين الحل والحرمة

    مُساهمة  Admin الخميس 23 يونيو 2011 - 16:22

    الوجه الثاني:الاضطراب سندا ومتنا:
    أما سندا:
    لأن الحديث قد روي عن صحابي واحد هو أبي أمامة الباهلي من أكثر طرقه ومداره على راو واحد هو عبيد الله بن زحر ولكنه مرة يرويه عن علي بن يزيد عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبي أمامة.
    ومرة يرويه عن القاسم مباشرة.
    ومرة يرويه عن أبي أمامة مباشرة مرسلا.

    نعم قد يقع الحديث لبعض الرواة بعلو إسناد ولكن الرواية الأخيرة هذه مستحيلة لماذا؟
    لأنه عبيد الله بن زحر من الطبقة السادسة وهذه الطبقة لم يثبت لها لقاء مع أحد من الصحابة.قال ذلك الحافظ ابن حجر في مقدمة تقريب التهذيب (1/6).

    أما متنا:
    فهو الاختلاف الكبير بين ألفاظ الحديث عن الراوي الواحد وفيها مخالفات كما سيأتي في الوجه الثالث.

    الوجه الثالث:
    أن هذا الحديث يعارض ما ثبت حله من الدين بالضرورة ويخالف أصوله ويناقضها.
    من حيث إن بيع القينات وشراءهن واتخاذهن ثبت حله بالنصوص الصحيحة الصريحة وبإجماع المسلمين وبيان ذلك على النحو التالي:
    1-فأما أن ذلك يعارض أصول التشريع ويعارض أصوله وما علم منه بالضرورة:
    فقد قال سبحانه وتعالى في سورة البقرة (و أحل الله البيع و حرم الربا)....و من جملة ما يباح بيعه الرقيق...ذكراناً و إناثاً.

    و قال تعالى في سورة المائدة (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم....) و ملك اليمين من طيبات ما أحل الله سبحانه للمؤمنين.

    و قال تعالى في سورة النور (و الذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا...)......و لم يحرم ذلك.
    و قد جعل تحرير الرقيق كفارة من الذنوب و لم يفصل كونها مغنية أم لا ، لأنها ملك يمينه الحلال...فقال تعالى (فتحرير رقبة) كما جاء في سورة النساء 92 و في سورة المائدة آية 89 و في سورة المجادلة آية 3 .

    و قال تعالى في سورة المؤمنون آية 6،5 (إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين).

    و لم يفصل ملك اليمين ، هن ممن يغنين و يعزفن لأسيادهن ، أو لغيرهم أم لا.
    و لم يفصل : هن ممن تعاطى الغناء أم لا...علاوة على أن الأمة ليس النظر إليها محرماً،لأن عورتها كعورة الرجل.

    و كذلك لأن غناء الأمة لسيدها أو الزوجة لزوجها مما لم تختلف الأمة في حله، بل أحل الله بينهما ما لم يحله لغيرهما مما وراء ذلك...حتى عند جميع من يمنع الغناء فلا يمنعونه من الأمة لسيدها و ممن المرأة لزوجها.

    و قد أباح الله تجارة الرقيق بيعاً و شراء و أجمع على ذلك المسلمون قديماً و حديثاً و لم يعلم من يمنع ذلك.
    و لم يفصل كونهن ممن يغنى أو لا يغنى.
    بل ثبت ثبوتاً لا لبس فيه أن الصحابة كانوا يتعاطون بيع القيان المغنيات و إهدائهن كما ثبت ذلك عن عبد الله بن جعفر مع بعض خلفاء بنى أمية و ابن عمر كما سبق..

    و قد جاء في الفقه الإسلامي أن الجارية التي تعرف الغناء إذا اشتريت و ظهرت مغنية فليس ذلك عيبا يوجب الرد.

    قال في الشرح الكبير (للمغنى المسمى بالشافي لابن أبي عمر الحنبلي) و معرفة الغناء و الحجامة ليس بعيب و في المغنى (4/138) لا نسلم بأن الغناء محرم.

    و حكى عن مالك في الجارية المغنية أنه عيب فيها ، لأنه محرم و هو محجوج.

    قال ابن عمر في الشافي:ولنا انه ليس بنقص في عينها و لا قيمتها فهو كالصناعة.

    و قال في المهذب (9/276):فرع:في بيع القينة فإذا كانت تساوى ألفا بغير الغناء أو ألفين مع الغناء فإن باعها بألف صح البيع بلا خلاف.

    و إن باعها بألفين ففيها ثلاثة أوجه ذكرها إمام الحرمين و غيره أصحها يصح بيعها .

    و به قال أبو بكر الأزدي لأنها عين طاهرة منتفع بها فجاز بيعها بأكثر من قيمتها كسائر الأعيان.

    قال الشيخ أبو زيد المروزي:قال إمام الحرمين: القياس السديد هو الجزم بالصحة ذكره في فروع مبتورة عند كتاب الصداق.

    وقال الماوردي في الحاوي (3/870): وإذا اشترى جارية فوجدها تحسن الغناء وتضرب بالعود وتنفخ بالمزمار لم يكن عيبا ولا رد له.
    وانظر المهذب مع شرحه "المجموع" (1/293) والروضة للنووي (3/462) وفتح الباري (8/329).

    وذكر الماوردي قول مالك وقال: لأن ذلك يخلفها ويدل على قلة صيانتها.
    وانظر الخرشي على خليل (5/126) ومنح الجليل (2/632) وحاشية الدسوقي (3/97).

    ثم قال الماوردي: وهذا خطأ لأن الغناء صفة تزيد في ثمنها والمبتغي من الرقيق توفير الأثمان..فإن كره ذلك منها أمكن أن يكفها ويمنعها منه.

    ومن خلال كل هذا يتبين أن بيع القيان وشراءهن واتخاذهن حلال كما رأينا.

    قال ابن حزم في المحلى (9/55) وكذلك بيع المغنيات وابتياعهن حلال. قال تعالى "هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا" وقال: "وقد فصل لكم ما حرم عليكم" ولم يأت نص بتحريم بيع شئ من ذلك.

    2-وأما مناقضته لنصوص الشريعة الصحيحة الصريحة:
    فقد صح وثبت ثبوتا عمت شهرته كما جاءت به كتب الجماعة: البخاري ومسلم وأصحاب السنن وأحمد وغيرهم مما أوردناه في أدلة المجيزين.

    ويقول الشيخ القرضاوي:
    وقد احتفى المحرمون بما جاء من أحاديث في تحريم القيان وبيعهن وثمنهن وحاولوا أن يقووها بكثرة الطرق والجواب عن ذلك:
    أولا:أن الأحاديث كلها ضعيفة كما رأينا وكل ما جاء في تحريم بيع القيان أو اتخاذها ضعيف (انظر المحلى (9/56-59)).صحيح أن بعضهم حسنها ولكن آخرين ضعفوها.
    قال العلامة الشوكاني:أحاديث النهي عن القينات المغنيات ثابتة من طرق كثيرة أي يقوي بعضها بعضا فتكون من قسم الحسن لغيره.
    والحق أنه لا يغني الحسن لغيره في هذا المعترك العلمي فالحسن لغيره هو مجموعة من الطرق الضعيفة.

    ثانيا:قال الغزالي في الإحياء: أما القينة فالمراد بها الجارية التي تغني للرجال في مجلس الشرب وقد ذكرنا أن غناء الأجنبية للفساق ومن يخاف عليهم الفتنة حرام وهم لا يقصدون بالفتنة إلا ما هو محظور فأما غناء الجارية لمالكها فلا يفهم تحريمه من هذا الحديث بل لغير مالكها سماعها عند عدم الفتنة بدليل ما روي في الصحيحين من غناء الجاريتين في بيت عائشة رضي الله عنها وسيأتي.

    ثالثا:كان هؤلاء القيان المغنيات يكون عنصرا هاما من نظام الرقيق الذي جاء الإسلام بتصفيته تدريجيا فلم يكن يتفق وهذه الحكمة:إقرار بقاء هذه الطبقة في المجتمع الإسلامي فإذا جاء حديث بالنعي على امتلاك "القينة" وبيعها والمنع منه فذلك لهدم ركن من بناء "نظام الرق"العتيد.

    رابعا:كان هؤلاء القيان –بحكم نشأتهن وتربيتهن ووظيفتهن قبل الإسلام وبعده- عنصرا من عناصر إشاعة الفساد في المجتمع وترويج جانب الميوعة والطراوة على جانب الجد والخشونة والإغراء بالفواحش ما ظهر منها وما بطن وقد ألف الجاحظ في ذلك رسالة وضح فيها آثار هؤلاء القيان في انحلال المجتمع.
    وقد عرض الكاتب والباحث والداعية الإسلامي المعروف الدكتور محمد فتحي عثمان في أحد كتبه نماذج خطيرة ومثيرة لهؤلاء الجواري ودورهن في التأثير على المجتمع وقيمه الإيمانية والأخلاقية وعرضه موثق بالأدلة والمصادر فليرجع إليه (انظر كتاب "الدين في موقف الدفاع ص 258-265 ).

    وهذا سر تشديد الأئمة في موضوع الجواري والمغنيات حتى إن الإمام مالكا اعتبر ذلك عيبا فيها ترد به في البيع وأصر الإمام أحمد على أن تباع الجارية المغنية على أنها ساذجة وقد كانت ليتامى فقيل له: إنها إذا بيعت ساذجة تساوي ألفين وإذا بيعت مغنية تساوي ثلاثين ألفا؟ فلم يبال بذلك وأصر على أن تباع ساذجة.







    الدليل الرابع:حديث تحريم الكوبة ومدى دلالته:
    حديث تحريم الكوبة ومدى دلالته
    طرقه:
    1-عبد الله بن عمرو بن العاص:
    أ- روى أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل ، قال : ثنا حماد ، عن محمد بن إسحاق ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن الوليد بن عبدة ، عن عبد الله بن عمرو أن نبي الله صلى الله عليه و سلم نهى عن الخمر و الميسر و الكوبة و الغبيراء ، و قال : كل مسكر حرام .

    ب-وفي المسند: حدثنا عبد الله ، حدثني أبي ، ثنا يزيد ، أنا فرج بن فضالة ، عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن رافع ، عن أبيه ، عن عبد الله بن عمرو قال :
    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله حرم على أمتي الخمر ، و الميسر ، و المزر ، و الكوبة ، و القنين ، و زادني : صلاة الوتر . قال يزيد : القنين البرابط .

    ج-وفي المسند: حدثنا عبد الله ، حدثني أبي ، ثنا أبو عاصم ـ و هو النبيل ـ أنا عبد الحميد بن جعفر ، ثنا يزيد بن أبي حبيب ، عن عمرو بن الوليد ، عن عبد الله بن عمرو
    أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من قال علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من جهنم ، قال : و سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن الله عز و جل ، حرم الخمر و الميسر ، و الكوبة ، و الغبيراء و كل مسكر حرام .

    د-وفي المسند: حدثنا عبد الله ، حدثني أبي ، ثنا أبو النضر ، ثنا الفرج ، ثنا إبراهيم بن عبد الرحمن بن رافع ، عن أبيه ، عن عبد الله بن عمرو قال :
    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله حرم على أمتي الخمر ، و الميسر ، و المزر ، و القنين ، و الكوبة ، و زاد لي صلاة الوتر .


    هـ-وفي المسند: حدثنا عبد الله ،حدثني أبي ، ثنا يحيى بن إسحاق ، أخبرني ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن عمرو بن الوليد ، عن عبد الله بن عمرو قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من قال علي ما لم أقل ، فليتبوأ مقعده من النار . و نهى عن الخمر ، و الميسر ، و الكوبة ، و الغبيراء ، قال : و كل مسكر حرام.

    و-وفي المسند: حدثنا عبد الله ، حدثني أبي ، ثنا يحيى ، ثنا ابن لهيعة ، عن عبد الله بن هبيرة عن أبي هبيرة الكلاعي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال :
    خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فقال : إن ربي حرم علي الخمر ، و الميسر ، و المزر ، و الكوبة ، و القنين .


    ز- وعند البيهقي: أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان ببغداد أنبأ عبد الله بن جعفر ثنا يعقوب بن سفيان ثنا الحجاج بن منهال ثنا حماد عن محمد بن اسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن الوليد بن عبدة عن عبد الله بن عمرو :
    أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى عن الخمر و الميسر و الكوبة و الغبيراء ، و قال : كل مسكر حرام .
    خالفه عبد الحميد بن جعفر في اسم من روى عنه يزيد بن أبي حبيب .

    ح-وعند البيهقي: أخبرنا أبو الحسن محمد بن أبي المعروف الفقيه الإسفرايني بها أنبأ أبو عمرو إسمعيل بن نجيد السلمي أنبأ أبو مسلم ابراهيم بن عبد الله ثنا أبو عاصم عن عبد الحميد بن جعفر عن يزيد بن أبي حبيب عن عمرو بن الوليد عن عبد الله بن عمرو :
    قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ، ثم قال : إن الله و رسوله حرما الخمر و الميسر و الكوبة و الغبيراء .
    و قال غيره عن عبد الحميد : عن يزيد عن عمرو بن الوليد بن عبدة .


    ط-وعند البيهقي: و أخبرنا أبو زكريا بن أبي اسحاق المزكي و أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي قالا ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب أنبأ محمد بن عبد الله بن عبد الحكم أنبأ ابن وهب أخبرني ابن لهيعة عن عبد الله بن هبيرة عن أبي هريرة أو هبيرة العجلاني عن مولى لعبد الله بن عمرو عن عبد الله بن عمرو بن العاص :
    أن رسول الله صلى الله عليه و سلم خرج إليهم ذات يوم و هم في المسجد فقال : إن ربي حرم علي الخمر و الميسر و الكوبة و القنين ، و الكوبة الطبل .



    ي-وفي مسند البزار: وأخبرنا الحسن بن أحمد بن أبي شعيب الحراني قال : أخبرنا محمد بن سلمة الحراني عن محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن الوليد بن عبدة قال : سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص يقول :
    (( سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهى عن الخمر والميسر والكوبة والغبيراء وقال : كل مسكر حرام .


    الاعتراض من جهة السند:
    1-حديث عبد الله بن عمرو:
    *عند أبي داود (أ) وعند البيهقي (ز) وعند البزار (ي) فيه:

    -الوليد بن عبدة:
    وهو مجهول ومختلف في اسمه قاله أبو حاتم الرازي.
    وقال المنذري: والحديث معلول (تقريب التهذيب (2/334)).

    -محمد بن إسحاق:
    قال عنه الشيخ الألباني نفسه في تخريجه لهذا الحديث في "تحريم آلات الطرب" ص 57:
    محمد بن إسحاق لو صرح بالتحديث فليس بحجة عند المخالفة فكيف وهو قد عنعنه ؟
    وإذا كان الأمر كذلك فما حال عمرو بن الوليد هذا ؟ مقتضى قول الذهبي في " الميزان " : " وما روى عنه سوى يزيد بن أبي حبيب " أنه مجهول.
    ثم اعتمد الشيخ على توثيق ابن حبان له وقال بأن الحديث حسن لذاته على الأقل أو حسن لغيره!!!

    *وعند أحمد (هـ) ,(و) والبيهقي (ط) فيه:

    -ابن لهيعة "عبد الله بن لهيعة بن عقبة أبو عبد الرحمن الحضرمي ويقال الغافقي قاضي مصر".

    كان يحيى بن سعيد لا يراه شيئا.
    وقال البخاري:تركه يحيى بن سعيد.
    وقال ابن مهدي:لا أحمل عنه شيئا.
    وقال الجوزجاني:لا ينبغي أن يحتج به ولا يغتر بروايته.
    قال أبو زرعة:كان لا ينضبط.
    و قال ابن أبى حاتم : سألت أبى ، و أبا زرعة ، عن الإفريقى ، و ابن لهيعة : أيهما أحب إليك ؟ فقالا : جميعا ضعيفان ، و ابن لهيعة أمره مضطرب ، يكتب حديثه على الاعتبار .
    و قال مسلم فى " الكنى " : تركه ابن مهدى ، و يحيى بن سعيد ، و وكيع .
    و قال الحاكم أبو أحمد : ذاهب الحديث .
    و قال ابن حبان : سيرت أخباره فرأيته يدلس عن أقوام ضعفاء ، على أقوام ثقات قد رآهم ، ثم كان لا يبالى ، ما دفع إليه قرأه سواء كان من حديثه أو لم يكن ، فوجب التنكب عن رواية المتقدمين عنه قبل احتراق كتبه لما فيها من الأخبار المدلسة عن المتروكين ، و وجب ترك الاحتجاج برواية المتأخرين بعد احتراق كتبه لما فيها مما ليس من حديثه .
    وقال يحيى بن معين: أنكر أهل مصر...ضعيف قبل أن تحترق كتبه وبعد احتراقها.
    وابن المبارك وابن وهب كانا يتتبعان أصوله وليس ممن يحتج به.
    وقال النسائي:ضعيف.
    وقال السعدي:لا ينبغي أن يحتج بروايته ولا يعتد بها.
    وقد روى عن يزيد بن أبي حبيب وهو ثقة لكن كان يرسل.
    وقال الذهبي: العمل على تضعيف حديثه.
    (انظر الضعفاء والمتروكين لابن الجوزي (2/136) وميزان الاعتدال (2/457) وتهذيب التهذيب (5/377) وتقريب التهذيب (1/444) وقال في التقريب: كان يرسل وهو ثقة).


    -وفيه أيضا عند أحمد (و) والبيهقي (ط):
    عند البيهقي (أبو هريرة أو هبيرة العجلاني):
    وهو مجهول كما في تعجيل المنفعة (أفاده الألباني ص 58 من رسالته المشار إليها).
    وهو في رواية أحمد (أبو هبيرة الكلاعي).

    -وفي رواية البيهقي من رواية أبي هبيرة عن مولى لعبد الله بن عمرو عن عبد الله بن عمرو: والمولى مجهول.
    وقد رجح الشيخ الألباني أن المولى هو أبو هبيرة نفسه لأنها رواية أحمد.

    *وعند أحمد (ب) , (د) فيه ثلاثة رواه لا يؤخذ بروايتهم:
    -أولهم: الفرج بن فضالة التنوخي الحمصي يكنى أبا فضالة:
    كان من يقلب الأسانيد ويلزق المتون الواهية بالأسانيد الصحيحة لا يحل الاحتجاج به "فهو كذاب" وأحدايثه منكرة ومقلوبة.
    قال البخاري: منكر الحديث.
    و قال الحسين بن إدريس الأنصارى ، عن أبى داود : سمعت أحمد بن حنبل سئل عن إسماعيل بن عياش : هو أثبت أو أبو فضالة ؟ قال : أبو فضالة يحدث عن ثقات أحاديث مناكير .
    و قال أبو بكر بن أبى خيثمة ، عن يحيى بن معين : ضعيف الحديث .
    و قال إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد : قال رجل ليحيى بن معين و أنا أسمع : أيما أعجب إليك : إسماعيل بن عياش أو فرج بن فضالة ؟ قال : لا بل إسماعيل ثم قال : فرج ضعيف الحديث ، و أيش عند فرج ؟! .
    و قال محمد بن عثمان بن أبى شيبة ، عن على ابن المدينى : هو وسط و ليس بالقوى .
    و قال عبد الله ابن على بن المدينى ، عن أبيه : ضعيف لا أحدث عنه .
    و قال البخارى ، و مسلم : فرج بن فضالة عن يحيى بن سعيد ، منكر الحديث .
    و قال النسائى : ضعيف .
    و قال أبو حاتم : صدوق ، يكتب حديثه و لا يحتج به ، حديثه عن يحيى بن سعيد فيه إنكار ، و هو فى غيره أحسن حالا ، و روايته عن ثابت لا تصح .
    و قال الحاكم أبو أحمد : حديثه ليس بالقائم .
    و قال القاضى أبو الطيب الطبرى ، عن الدارقطنى : ضعيف الحديث ; يروى عن يحيى ابن سعيد أحاديث لا يتابع عليها .
    و قال أبو بكر البرقانى : سألت الدارقطنى عنه ، فقال : ضعيف
    و قال زكريا بن يحيى الساجى : ضعيف الحديث ، روى عن يحيى بن سعيد أحاديث مناكير كان يحيى بن سعيد و عبد الرحمن بن مهدى لا يحدثان عنه .
    وقد حكي توثيقه عن ابن مهدي ولكن قال ابن حجر في تهذيب التهذيب (8/262):
    لا يغتر أحد بالحكاية المروية فى توثيقه عن ابن مهدى فإنها من رواية سليمان بن أحمد ، و هو الواسطى ، و هو كذاب .
    و قد قال البخارى : تركه ابن مهدى .
    و قد ذكره يعقوب بن سفيان فى باب من يرغب عن الرواية عنهم ، و البرقى فى باب من نسب إلى الضعف ، لا يكاد حديثه ممن احتملت روايته .
    و قال ابن حبان : يقلب الأسانيد ، و يلزق المتون الواهية بالأسانيد الصحيحة ،لا يحل الاحتجاج به .
    و قال الخليلى فى " الإرشاد " : ضعفوه ، و منهم من يقويه ، و ينفرد بأحاديث .
    و قال مسعود السجزى ، عن الحاكم : هو ممن لا يحتج به . اهـ .

    انظر المجروحين لابن حبان (2/206) والضعفاء الكبير للعقيلي (3/462) والكامل في الضعفاء لابن عدي (6/2054) والكاشف للذهبي (2/326).

    -ثانيهم: إبراهيم بن عبد الرحمن بن رافع:
    وهو مجهول (انظر مجمع الزوائد (2/240)).

    -ثالثهم: عبد الرحمن بن رافع التنوخي أبو الجهم ويقال: أبو الحجر المصري قاضي أفريقية:
    قال البخاري: في حديثه مناكير.
    وقال أبو حاتم: حديثه منكر.
    وذكره ابن حبان في الثقات وقال: لا يحتج بخبره ، إذا كان من رواية عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقى ، و إنما وقع المناكير فى حديثه من أجله .
    قال الساجي:فيه نظر.
    وقال البناني:فيه نظر وهو غير مشهور.

    انظر تهذيب التهذيب (6/168) وتقريبه (1/479) وميزان الاعتدال (2/560).

    وقد ضعف الألباني نفسه هذا الطريق فقال في رسالته:
    قلت : وهذا إسناد ضعيف لضعف عبد الرحمن بن رافع وهو التنوخي القاضي - والفرج بن فضالة وشيخه إبراهيم بن عبد الرحمن ذكروه في الرواة عن أبيه ولم أجد له ترجمة. انتهى كلامه على هذا الطريق.

    *قلت (الأزهري الأصلي): وهناك طريقان لم يتكلم عنها الدكتوران وهما:
    عند أحمد (ج) والبيهقي (ح) وفيه اضطراب في سنده:
    -حيث رواه يزيد بن أبي حبيب عن عمرو بن الوليد ولكن التحقيق أنه عن الوليد بن عبدة المجهول كما قدمنا عندما ذكرنا الاختلاف في اسمه.
    قال الدارقطنى : اختلف على يزيد بن أبى حبيب في اسمه ، فقيل : عمرو بن الوليد و قيل : الوليد بن عبدة .انظر تهذيب التهذيب (11/141).
    2 -عبد الله بن عباس:
    أ-روى أبو داود: حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا أبو أحمد ، قال : ثنا سفيان ، عن علي بن بذيمة ، قال : حدثني قيس بن حبتر النهشلي ، عن ابن عباس: أن وفد عبد القيس قالوا : يا رسول الله فيم نشرب ؟ قال : لا تشربوا في الدباء ، و لا في المزفت ، و لا في النقير ، و انتبدوا في الأسقية قالوا : يا رسول الله ، فإن اشتد في الأسقية ؟ قال : فصبوا عليه الماء قالوا : يا رسول الله ، فقال لهم في الثالثة أو الرابعة أهريقوه ثم قال : إن الله حرم علي ، أو حرم الخمر و الميسر و الكوبة قال : و كل مسكر حرام قال سفيان : فسألت علي بن بذيمة عن الكوبة قال : الطبل .


    ب-روى ابن حبان:أخبرنا أبو يعلى ، حدثنا أبو خيثمة ، حدثنا محمد بن عبد الله الأسدي ، حدثنا سفيان ، عن علي بن بذيمة ، حدثنا قيس بن حبتر ، قال : سألت ابن عباس عن الجر الأخضر ، والجر الأبيض ، والجر الأحمر ، فقال : إن أول من سأل النبي صلى الله عليه وسلم عنه وفد عبد القيس ، فقال : ( لا تشربوا في الدباء والمزفت والحنتم ، ولا تشربوا في الجر ، واشربوا في الأسقية ) قالوا : فإن اشتد في الأسقية ؟ قال : وإن اشتد في الأسقية ، فصبوا عليها الماء ، قالوا : فإن اشتد ؟ قال : ( فأهريقوه ) ثم قال : ( إن الله جل وعلا حرم علي ، أو حرم الخمر والميسر والكوبة وكل مسكر حرام ) .
    قال سفيان : قلت لعلي بن بذيمة : ما الكوبة ؟ قال : الطبل .

    ج-وفي مسند أحمد:حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أبو أحمد ثنا سفيان عن علي بن بذيمة حدثني قيس بن حبتر قال : سألت ابن عباس عن الجر الأبيض والجر الأخضر والجر الأحمر ؟ فقال : إن أول من سأل النبي صلى الله عليه وسلم وفد عبد القيس ، فقالوا : إنا نصيب من الثفل فأي الأسقية ؟ فقال : لا تشربوا في الدباء والمزفت والنقير والحنتم ، واشربوا في الأسقية ثم قال : إن الله حرم علي أو حرم الخمر والميسر والكوبة ، وكل مسكر حرام . قال سفيان : قلت لعلي بن بذيمة :ما الكوبة؟ قال : الطبل .


    د-وفي مسند أحمد: حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أحمد بن عبد الملك و عبد الجبار بن محمد قالا : ثنا عبيد الله ـ يعني ابن عمرو ـ عن عبد الكريم عن قيس بن حبتر عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : إن الله حرم عليكم الخمر والميسر والكوبة ، و قال : كل مسكر حرام .

    هـ-وفي المسند: حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا زكريا بن عدي أنا عبيد الله عن عبد الكريم عن قيس بن حبتر عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله حرم عليكم الخمر والميسر والكوبة وقال كل مسكر حرام .

    و-وفي مسند أبي يعلى: حدثنا زهير ، حدثنا محمد بن عبد الله الأسدي ، حدثنا سفيان ، عن علي بن بذيمة ، عن قيس بن حبتر قال :
    سألت ابن عباس عن الجر الأبيض والأخضر والأحمر ، فقال : إن أول من سأل النبي صلى الله عليه وسلم وفد عبد القيس فقال : لا تشربوا في الدباء ، والمزفت ، والنقير، والحنتم. ولا تشربوا في الجر، واشربوا في الأسقية . قال : فصبوا عليها الماء . فقال له في الثالثة أو في الرابعة : أهريقوه . ثم قال : إن الله حرم علي ـ أو حرم ـ الخمر والميسر والكوبة ، وكل مسكر حرام .
    حدثنا سفيان قال : قلت لعلي بن بذيمة : ما الكوبة ؟ قال : الطبل.

    ز-وعند البيهقي: و أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان أنبأ أحمد بن عبيد الصفار ثنا عثمان بن عمر ثنا ابن رجاء ثنا إسرائيل عن علي بن بذيمة عن قيس بن حبتر عن عبد الله بن عباس قال :
    إن أول من سأل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن النبيذ عبد القيس ، أتوه فقالوا : يا رسول الله إنا بأرض ريف ، و إنا نصيب من البقل فأمرنا بشراب ، فقال : اشربوا في الأسقية و لا تشربوا في الجر و لا في الدباء و لا المزفت و لا النقير ، و إني نهيت عن الخمر و الميسر و الكوبة و هي الطبل ، وكل مسكر حرام ، قالوا : يا رسول الله فإذا اشتد قال : فقال : صبوا عليه الماء ، قال : فإذا اشتد ، قال : صبوا عليه الماء ، قال في الثالثة أو الرابعة : فإذا اشتد فأهريقوه . خالفه أبو جمرة عن ابن عباس فذكر الكسر بالماء من قول ابن عباس .

    ح-وعند البيهقي: أخبرنا أبو الحسين بن بشران ببغداد أنبأ حمزة بن محمد بن العباس ثنا ابراهيم بن دنوقا ثنا زكريا بن أبي عدي ثنا عبيد الله بن عمرو ح و أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان أنبأ أحمد بن عبيد الصفار ثنا أحمد بن محمد السيوطي و عباس بن الفضل قالا ثنا جندل بن والق ثنا عبيد الله بن عمرو الرقي عن عبد الكريم عن قيس بن حبتر عن ابن عباس رضي الله عنهما :
    عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : إن الله حرم عليكم الخمر و الميسر و الكوبة ، و قال : كل مسكر حرام .

    ط-وعند البيهقي: أخبرنا أبو الحسين بن بشران أنبأ الحسين بن صفوان ثنا عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا ثنا يحيى بن يوسف الزمي ثنا عبيد الله بن عمرو عن عبد الكريم هو الجزري عن قيس بن حبتر عن ابن عباس :
    عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : إن الله تبارك و تعالى حرم عليكم الخمر ، و الميسر ، و الكوبة ، و هو الطبل ، و قال : كل مسكر حرام .

    ي-وعند البيهقي: و أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد المقرىء أنبأ الحسن بن محمد بن اسحاق ثنا يوسف بن يعقوب ثنا محمد بن أبي بكر ثنا محمد بن عبد الله الزبيري ثنا سفيان عن علي بن بذيمة عن قيس بن حبتر قال :سألت ابن عباس عن الجر ، فذكر قصة عبد القيس ، قال : ثم قال يعني النبي صلى الله عليه و سلم : إن الله حرم علي ، أو : حرم الخمر و الميسر و الكوبة ، و قال : كل مسكر حرام ، و قال سفيان : قلت لعلي : ما الكوبة ، قال : الطبل .


    ك-وعند البيهقي: أخبرنا أبو نصر بن قتادة أنبأ أبو منصور العباس بن الفضل النضروي ثنا أحمد بن نجدة ثنا سعيد بن منصور ثنا أبو عوانة عن عبد الكريم الجزري عن أبي هاشم الكوفي عن ابن عباس قال :
    الدف حرام ، و المعازف حرام ، و الكوبة حرام ، و المزمار حرام .

    ل-وعند الدارقطني: ثنا أحمد بن محمد بن إبراهيم بن أبي الرجال نا أبو فروة يزيد بن محمد بن يزيد نا أبي نا معقل بن عبيد الله ، عن عبد الكريم عن قيس بن حبتر الربعي ، عن ابن عباس :عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ثمن الخمر حرام ، ومهر البغي حرام ، وثمن الكلب حرام وأن أتاك صاحب الكلب يلتمس ثمنه ، فاملأ يديه تراباً ، والكوبة حرام ، وثمن الكلب حرام والخمر حرام ، والميسر وكل مسكر حرام .

    م-وفي المعجم الكبير للطبراني: حدثنا عثمان بن عمر الضبي ثنا عبد الله بن رجاء أنا إسرائيل عن علي بن بذيمة عن قيس بن حبتر عن ابن عباس أنه سئل عن الجر ، فقال : إن أول من سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النبيذ عبد القيس أتوه فقالوا : يا رسول الله إنا بأرض ريف وإنا نصيب من البقل فائمرنا بشراب ، فقال : ( انتبذوا في الأسقية ولا تنبذوا في الجر ولا الدباء ولا المزفت ولا النقير ، فإني نهيت عن الخمر والميسر والكوبة - وهي الطبل - ( وكل مسكر حرام ) قالوا : يارسول الله فإذا اشتد ، قال : ( صبوا عليه الماء ) قالوا : يارسول الله فإذا اشتد ، قال : ( صبوا عليه الماء ) قال في الثالثة أو في الرابعة ( فإذا اشتد فأهرقوه ) .


    الاعتراض من جهة السند:

    2-حديث عبد الله بن عباس:
    ملحوظة:لم يتكلم الدكتور الثقفي والدكتور القرضاوي على شئ مما سيأتي سوى رواية علي بن بذيمة ولله الحمد والمنة:

    *في رواية أبي داود (أ) وابن حبان (ب) وأحمد (ج) وأبي يعلى (و) والبيهقي (ي) فيها:
    -محمد بن عبد الله بن الزبير الأسدي (أبو أحمد الزبيري) وهو وإن كان ثقة ففي روايته عن سفيان الثوري شئ.
    قال الإمام أحمد: كان كثير الخطأ في حديث سفيان.
    وقال عنه ابن حجر:ثقة ثبت إلا أنه كان يخطأ في حديث الثوري.

    -وكذا فيها علي بن بذيمة فقد وثق ولكن ليس توثيقا مطلقا فقد رمي بالتشيع حتى قال فيه أحمد: ثقة وفيه شئ.
    -وفيها قيس بن حبتر وسيأتي الكلام عنه.

    *في رواية البيهقي (ز) فيه:
    -علي بن بذيمة وقد سبق الكلام عنه.
    -وفيه كذلك: إسرائيل بن يونس الراوي عنه ابن بذيمة وهو وإن وثقه أكثر العلماء فقد كان يحيى القطان يحمل عليه ولا يروي عنه كما روى يحيى بن معين.
    وقال يعقوب بن شيبة:صالح الحديث وفي حديثه لين.
    وقال في موضع آخر ثقة صدوق وليس بالقوي في الحديث ولا بالساقط.
    وضعفه ابن المديني.
    وكان عبد الرحمن بن مهدي يقول عنه أنه يسرق الحديث.

    ومع كل هذا فقد وثقه جمهور العلماء.

    -وفيه عثمان بن عمر الضبي:
    -وفيه: قيس بن حبتر وسيأتي.

    *في رواية البيهقي (ح) فيه:
    -جندل بن والق:
    قال عنه الإمام مسلم في "الكنى": متروك.
    وقال عنه البزار في كتاب السنن:ليس بالقوي.
    وقال عنه أبو حاتم الرازي:صدوق (وهذا ليس بتعديل مطلق).
    ووثقه ابن حبان على قاعدته.
    ولخص ابن حجر أقوال العلماء فيه بقوله: صدوق يغلط ويصحف.

    -وفيه قيس بن حبتر وسيأتي.

    *وفي رواية الدارقطني (ل) فيه:
    -معقل بن عبيد الله:
    وثقه الجمهور توثيقا ليس بمطلق وضعفه ابن معين في إحدى الروايتين عنه.
    وذكره ابن حبان في الثقات وقال:كان يخطئ ولم يفحش خطؤه فيستحق الترك.

    -وفيه:محمد بن يزيد:
    قال عبد الرحمن بن أبى حاتم : سألت أبى عنه ، فقال : ليس بالمتين هو أشد غفلة من أبيه مع أنه كان رجلا صالحا لم يكن من أحلاس الحديث صدوق ، و كان يرجع إلى ستر و صلاح ، و كان النفيلى يرضاه .
    و قال البخارى : أبو فروة مقارب الحديث إلا أن ابنه محمدا يروى عنه مناكير .
    وقال أبو عبيد الآجرى عن أبى داود : أبو فروة الجزرى ليس بشىء ، و ابنه ليس بشىء .
    و قال النسائى : ليس بالقوى .
    و ذكره ابن حبان فى كتاب " الثقات " .
    قال الحافظ فى "تهذيب التهذيب" 9/525 :
    و قال الترمذى : لا يتابع على روايته ، و هو ضعيف .
    و قال الدارقطنى : ضعيف .
    و قال مسلمة : ثقة .
    و كذا الحاكم وثقه فيما رواه عنه مسعود . اهـ .

    وقال الغرياني في مختصره: وفيه يزيد بن محمد عن أبيه لم أجدهما (أفاده المناوي في فيض القدير).

    -وفيه قيس بن حبتر وسيأتي.

    *وفي رواية الطبراني (م) فيه:
    -إسرائيل وقد قدمنا الكلام عنه.
    -وفيه: عثمان الضبي.
    -وفيه:قيس بن حبتر وسيأتي.

    *وفي رواية أحمد (د),(هـ) والبيهقي (ط) وعليه مدار الحديث في كل الطرق فيه:
    -قيس بن حبتر:
    وثقه النسائي وأبو زرعة وابن حبان ويعقوب الفسوي في المعرفة (3/194).
    قال الحافظ فى "تهذيب التهذيب" 8/389 :
    ( بعد أن أشار لحديث الأسقية وحديث النهى عن ثمن الخمر وغيره ) :
    قال مهنا : سألت أبا عبد الله عنه : ما عندك ، كيف هو ؟ و من أين هذا ؟ فقال :لا أدرى .
    و قال ابن حزم : مجهول ، و هو نهشلى من بنى تميم . اهـ .

    والطريق الأخير هذا من الواضح أنه أقوى الطرق ولا عبرة بمن جهل قيس فيها فقد وثقه الأكثرون ولكن ما زال في دلالة الحديث شئ سنسرده فيما بعد.

    3 -قيس بن ساعدة:
    أ-وفي المسند: حدثنا عبد الله ، حدثني أبي ، ثنا يحيى بن إسحاق قال : أخبرني يحيى بن أيوب ، عن عبيد الله بن زحر ، عن بكر بن سوادة ، عن قيس بن سعد بن عبادة ،
    أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : إن ربي تبارك و تعالى حرم علي الخمر ، و الكوبة ، و القنين ، و إياكم و الغبيراء فإنها ثلث خمر العالم .


    ب-وعند ابن أبي شيبة: حدثنا أبو بكر قال حدثنا محمد بن إسحاق قال أخبرنا يحيى بن أيوب عن عبيد الله بن زحر عن بكر بن سوادة عن قيس بن سعد بن عبادة
    أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : إن ربي حرم علي الخمر و الكوبة و القنين يعني العود ، ثم قال : إياكم و الغبيراء فإنها ثلث خمر العالم .


    ج-وعند البيهقي: أخبرنا أبو الحسين بن بشران أنبأ الحسين بن صفوان ثنا عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا حدثني أبي ثنا يحيى بن اسحاق السالحيني عن يحيى بن أيوب عن عبيد الله بن زحر عن بكر بن سوادة عن قيس بن سعد بن عبادة :
    أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : إن ربي حرم علي الخمر و الميسر و القنين و الكوبة ، قال أبو زكريا : القنين : العود .

    د-وفي المعجم الكبير للطبراني: حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح ثنا عمرو بن الربيع بن طارق ثنا يحيى بن أيوب عن عبيد الله بن زحر عن بكر بن سوادة عن قيس بن سعد بن عبادة قال:
    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ان ربي حرم علي الخمر والكوبة والقيان )) ثم قال: (( إياكم والغبيراء فإنها خمر )).

    هـ-أخرج البيهقي ( 10 / 222 ) من طريق محمد بن عبد الله بن عبد الحكم : أنبا ابن وهب : أخبرني الليث بن سعد وابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن عمرو بن الوليد بن عبدة عن قيس بن سعد رضي الله عنه - وكان صاحب راية النبي صلى الله عليه وسلم - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك - يعني حديث مولى ابن عمرو المتقدم - قال : " والغبيراء وكل مسكر حرام ".
    وكذا رواه الطبراني في " الكبير " ( 13 / 15 / 20 ) من طريق آخر عن يزيد.

    الاعتراض من جهة السند:
    3-حديث قيس بن ساعدة:
    *من الطرق الأربعة الأولى جميعا فيه:
    -يحيى بن أيوب الغافقي المصري أبو العباس:
    فهو وإن كان صالح الحديث وصدوقا إلا أنه كان سئ الحفظ كما قال أحمد ولا يحتج بحديثه كما قال ذلك أبو حاتم.
    وقال النسائي:ليس بالقوي.
    وقال ابن القطان:هو ممن علمت حاله وأنه لا يحتج به.
    وذكره العقيلي في الضعفاء.
    وقال الدارقطني: في بعض حديثه اضطراب وله مناكير وإذا حدث عن الضعفاء فلا يقبل حديثه.

    (انظر الكامل في الضعفاء لابن عدي (7/2671) وميزان الاعتدال (4/362) وتهذيب التهذيب (2/343)).

    وهو هنا يروي عن أحد المتروكين وهو:
    -عبيد الله بن زحر الضمري الأفريقي:
    فقد عده ابن عدي من ضعفاء الرجال.وقال:يقع في حديثه ما لا يتابع عليه.
    وقال أبو مسهر: هو صاحب كل معضلة.
    وقال:يقع في حديثه ما لا يتابع عليه.
    وقال:ليس بشئ.
    وقال يحيى بن معين: كل حديثه عندي ضعيف قيل:عن علي بن يزيد وغيره؟قال:نعم.
    وقال مرة أخرى: عبيد الله بن زحر ليس بشئ.
    وقال ابن حبان:يروي الموضوعات عن الأثبات.
    وقال عنه في مرة أخرى: منكر الحديث جدا.
    وقال ابن المديني: منكر الحديث.
    وضعفه أحمد بن حنبل في رواية حرب بن إسماعيل.
    وقال أبو حاتم: لين الحديث.
    وقال الدارقطني:ضعيف.

    ووثقه أحمد بن صالح وقال عنه أبو زرعة:لا بأس به صدوق وقال النسائي: ليس به بأس وقال الخطيب: كان رجلا صالحا وفي حديثه لين.
    وقولهم هذا كلام مجمل قد لا يعني درجته في الحديث وإنما سلوكه فقط أما قول من سبقهم فجرح مفسر.
    ويؤيده قول البخاري في التاريخ :مقارب الحديث ولكن الشأن في علي بن يزيد.
    وقال ابن حزم:هو ضعيف (المحلى (9/58)).
    وقال الذهبي:فيه اختلاف وله مناكير وضعفه أحمد.
    وقال ابن حجر:صدوق يخطئ من السادسة.

    (انظر الكامل لابن عدي (4/1631) وتهذيب التهذيب (7/12) والتقريب (1/533) والضعفاء للعقيلي (3/120) والكاشف للذهبي (2/197)

    وقد ضعف الحافظ العراقي حديث قيس بن ساعدة في تخريج أحاديث الإحياء.
    وقال الشيخ الألباني فيه ص 61 من رسالته:
    وهذا إسناد ضعيف لضعف عبيد الله بن زحر ولذلك ضعفه الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء " ( 2 / 272 ).
    قلت (الأزهري الأصلي): وفاته الإشارة إلى الضعفاء الآخرين في الحديث.

    *من الطريق الخامس عند البيهقي والطبراني:
    فعند البيهقي فيه ابن لهيعة وعمرو بن الوليد بن عبدة وقد قدمنا الكلام عنهما.
    وعند الطبراني فيه الاختلاف على يزيد بن أبي حبيب وروايته عن الوليد وقد قدمناه في آخر طرق حديث عبد الله بن عمرو.

    وقد أفاد الشيخ الألباني علة في هذا الطريق غير ما تقدم وهي:
    أن هذا الحديث أخرجه عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم في " فتوح مصر " ( ص 273 ) رواه عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن عمرو بن الوليد بن عبدة عن قيس بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إليهم . . . الحديث قال : حدثني أبي عبد الله بن عبد الحكم وربما أدخل فيما بين عمرو بن الوليد وبين ( قيس ) : " أنه بلغه " .
    قلت (أي الألباني) : فاختلف محمد بن عبد الله بن عبد الحكم مع عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم وهما أخوان صدوقان لكن الأول أشهر وقد جعل الانقطاع بين عمرو بن الوليد وعبد الله بن عمرو وجعله الآخر بين عمرو بن الوليد وقيس بن عبادة ولعل الأول أرجح لأنه قرن مع ابن لهيعة الليث بن سعد وهذا ثقة حافظ بينما أخوه لم يذكر إلا ابن لهيعة وفيه ضعف معروف

    هذه تقريبا كل الأحاديث والأسانيد الواردة في تحريم الكوبة:

    وجه الدلالة من هذا الحديث من مختلف طرقه وألفاظه:
    نهي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الخمر والميسر –وهو القمار- والكوبة: وهي بضم أوله في "النهاية". قيل: هي النرد وقيل الطبل الصغير وقيل البربط.
    ويدخل في معناه كل وتر ومزهر ونحو ذلك من الملاهي والنهي يقتضي التحريم.

    الاعتراض:
    يعترض باعتراضين أساسيين:
    أحدهما: من جهة الرواية والدراية.
    وثانيهما:من جهة فقهها ومفادها.

    أما الاعتراض من جهة الرواية:
    فقد تقدم فليراجع.

    وأما الاعتراض من جهة الفقه والدلالة:
    فالكوبة مختلف في دلالتها على المعازف أو على شراب المسكر وورودها ضمن أحاديث النهي عن المسكرات يقوي الجانب الثاني وهو كونها من المسكرات لاختصاص الرواية بالكلام على المسكرات.

    ومن جهة أخرى:فالكوبة لم يتحقق موضوعها في اللغة.
    قال الزمخشري في الفائق: الكوبة:النرد وقيل :الطبل وقال ابن فارس في المجمل: الكوبة:الطبل على ما قيل ويقال:النرد.
    وحكى البيهقي عن أبي عبيدة أن الكوبة: النرد بلغة اليمن.
    وقال ابن الأعرابي: الكوبة: النرد ويقال:الطبل وقيل:البربط وهذا أظهر.
    وقال الخطابي:غلط من قال الكوبة:الطبل بل هي النرد.

    وعليه فما دام الخلاف في تعيينها قائما عند أهل اللغة فلا مجال للحكم عليها فيسقط الاحتجاج بتلك الأحاديث التي وردت بذكرها لو صحت وإن كانت لم تصح (الإمتاع ص 318).
    Admin
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 2093
    تاريخ التسجيل : 01/03/2010
    الموقع : hmsain.ahlamontada.com

    الغناء بين الحل والحرمة Empty رد: الغناء بين الحل والحرمة

    مُساهمة  Admin الخميس 23 يونيو 2011 - 16:25

    كنت قد ذكرت أن لهذا الحديث طريق واحد صحيح وهو ما رواه الإمام أحمد والبيهقي من طريق عبد الكريم الجزري عن قيس بن حبتر عن ابن عباس -رضي الله عنه-.

    وتكلمت عن متن الحديث وهو أنه لا يسلم بأن معنى الكوبة هو الطبل وذكرت أقوال: أبو عبيدة وابن فارس والزمخشري وابن الأعرابي وذكرت تغليط الخطابي لمن رأى أن الكوبة هي الطبل!

    وأزيد هنا:
    قال الملا علي القاري في شرح مسند أبي حنيفة: ((والكوبة بضم الكاف وهي النرد والشطرنج)).
    ونقل الفيروز آبادي في عون المعبود شرح سنن أبي داود عن ابن الأعرابي قوله: ((الكوبة النرد)).
    ونقله الشوكاني في النيل قائلاً: ((وقال ابن الأعرابي: الكوبة: النرد وقيل البربط)).
    وقال ابن سيده كما في المخصص: ((والكوبة: الشِّطْرَنْجَة وقد تقَدَّمَ أنّها الطَّبْل والنّرْد: شيء يُلعب به فارسي مُعَرَّب وهو النَّرْدَشير والكوبة عند بعضهم)).
    ويقول أيضاً كما في المحكم والمحيط الأعظم: ((والكُوبة: الطَّبل والنَّرد)).

    قال ابن حجر الهيتمي في الزواجر عن اقتراف الكبائر:
    ((وَتَفْسِيرُهُ ؛ الْكُوبَةُ بِمَا ذُكِرَ تَبِعَ فِيهِ الْإِمَامَ وَالْغَزَالِيَّ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْإِسْنَوِيِّ تَفَرَّدَ هَؤُلَاءِ بِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، وَمِمَّنْ فَسَّرَهَا بِالطَّبْلِ أَحَدُ رُوَاةِ الْحَدِيثِ عَلِيُّ بْنُ بَذِيمَةَ كَمَا ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْهُ ، وَتَفْسِيرُ الرَّاوِي مُقَدَّمٌ عَلَى تَفْسِيرِ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِمَرْوِيِّهِ ، وَكَذَا الْجَوْهَرِيُّ فَقَالَ هِيَ الطَّبْلُ الصَّغِيرُ الْمُخَصَّرُ ، وَكَذَا عَبْدُ اللَّطِيفِ الْبَغْدَادِيُّ فِي لُغَةِ الْحَدِيثِ وَكَذَا الْمَاوَرْدِيُّ ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَهُوَ مُرَادُ الْفُقَهَاءِ .
    وَقَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيبِ : الصَّحِيحُ أَنَّهَا الطَّبْلُ الْمَذْكُورُ كَانَ يَلْعَبُ بِهِ شَبَابُ قُرَيْشٍ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ .
    وَقَالَ آخَرُونَ : هِيَ النَّرْدُ مِنْهُمْ الْخَطَّابِيُّ ، وَغَلِطَ مَنْ قَالَ إنَّهَا الطَّبْلُ ، وَذَكَرَ مِثْلَهُ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ وَالزَّمَخْشَرِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ .
    قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَفِيمَا سَبَقَ عَنْ الْجَوْهَرِيِّ وَغَيْرِهِ مَا يَدْفَعُ التَّغْلِيظَ نَعَمْ إطْلَاقُهَا عَلَى كُلِّ مَا يُسَمَّى طَبْلًا لَيْسَ بِجَيِّدٍ انْتَهَى)) انتهى نقله للخلاف.


    وأزيد هنا ما ذكره الدكتور الجديع في كتابه "الموسيقى والغناء في ميزان الإسلام" ص 127-132:
    قال أبو عبيد القاسم بن سلام: ((وأما الكوبة فإن محمد بن كثير أخبرني أن الكوبة النرد في كلام أهل اليمن وقال غيره: الطبل)) غريب الحديث (4/278)

    قال ابن الأثير كما في النهاية (4/207): ((هي النرد وقيل: الطبل وقيل: البربط))

    ثبت عن فضالة بن عبيد وكان بجمع من المجامع وبلغه أن أقواماً يلعبون الكوبة.......يعني بالكوبة النرد.

    إذا ثبت كل هذا فكيف يكون القول بأن الكوبة قد يراد بها النرد -بل هو المقدم عند أهل اللغة كما رأيت- وقد يراد بها الطبل قولاً فاسداً في اللغة؟؟

    أما أنه قول غير مراد في الحديث ذاته لأن النرد ميسر والميسر ذكر في الحديث فلا داعي لإعادته!!

    فالقول بأن كل النرد ميسر هكذا مطلقاً قول فاسد تكفي حكايته لبيان فساده!! فالنرد قد يكون للميسر وقد لا يكون.

    إذا علمت هذا ونظرت لعبارات ابن الأعرابي وابن سيده وابن فارس التي نقلتها لك ثم نظرت للنقولات المجتزأة لصاحب "الرد على القرضاوي والجديع" لهؤلاء العلماء وإذا نظرت لمدى التكلف الذي يفعله عند دس قواعد أصولية لا علاقة لها بالنص أصلاً ونظرت لمدى التعالم الذي يتكلم به هذا المجهول عن العلماء ووصفهم بالجهل والتدليس...

    كلمة أخيرة بالنسبة لأحاديث تحريم الكوبة:

    1-الأحاديث كما ترى لا تخلو من ضعف ولا يحتج بضعيف على تحريم كما هو معلوم.
    اللهم إلا الطريق الأخير عن عبد الله بن عباس وقد أشرنا إليه هناك فانظره غير مأمور.

    2-لا يسلم أن المقصود من الكوبة آلة من آلات المعازف وقد قدمنا أقوال العلماء في معنى "الكوبة".
    ونزيد هنا قول الإمام الأسنوي في المهمات : تفسير الكوبة بالطبل خلاف المشهور في كتب اللغة .

    وكما تعلمنا في أصول الفقه أن الدليل إذا تطرق إليه الاحتمال بطل به الاستدلال وطبعاً إذا كان هذا الاحتمال مستدلاً له بدليل ظاهر غير متكلف.

    3-على فرض أن أقوال العلماء في تفسير الكوبة بالطبل قولا واحدا -وهو بعيد كما رأيت- وعلى فرض أن المقصود من الكوبة آلة اللهو "الطبل" فقد قال الإمام النووي في الروضة : "....ولا يحرم ضرب الطبول إلا الكوبة ...."

    وكما يقول الأخ محاور أمين:
    والسؤال لماذا حرم الكوبة دون باقي الطبول ؟
    يجيب الأمام الغزالي في الإحياء : "خوفا من التشبه بهم وبهذه العلة يحرم ضرب الكوبة وهو طبل مستطيل دقيق الوسط واسع الطرفين وضربها عادة المخنثين ولولا ما فيه من التشبه لكان مثل طبل الحجيج والغزو ".

    والله تعالى اعلم.






    الدليل الخامس:حديث زمارة الراعي رواية ودلالة:

    حديث زمارة الراعي
    حديث زمارة الراعي لم يرد إلا عن نافع عن ابن عمر –رضي الله عنه- في سنن أبي داود:
    1-حدثنا أحمد بن عبيد الله الغداني ، ثنا الوليد بن مسلم ، ثنا سعيد بن عبد العزيز ، عن سليمان بن موسى ، عن نافع قال :
    سمع ابن عمر مزماراً قال : فوضع إصبعيه على أذنيه ، و نأى عن الطريق ، و قال لي : يا نافع هل تسمع شيئاً ؟ قال : فقلت : لا : فرفع إصبعيه من أذنيه و قال : كنت مع النبي صلى الله عليه و سلم فسمع مثل هذا فصنع مثل هذا .
    قال أبو علي اللؤلؤي : سمعت أبو داود يقول : هذا حديث منكر .

    2- حدثنا محمود بن خالد ، ثنا أبي ، ثنا مطعم بن المقدام قال : ثنا نافع قال :
    كنت ردف ابن عمر ، إذ مر براع يزمر ذكر نحوه .
    قال أبو داود : أدخل بين مطعم و نافع سليمان بن موسى .

    3-حدثنا أحمد بن إبراهيم ، قال : ثنا عبد الله بن جعفر الرقى ، قال ثنا أبو المليح ، عن ميمون ،عن نافع قال : كنا مع ابن عمر فسمع صوت زامر فذكر نحوه .
    قال أبو داود : و هذا أنكرها .

    وجه الدلالة فيه:
    قال محمد بن نصر السلامي: وهذا من الشارع –صلى الله عليه وسلم-ليعرف أمته أن استماع الزمارة والشبابة وما يقوم مقامهما محرم عليهم استماعه.

    ورخص لابن عمر لأنه حالة ضرورة ولا يمكن إلا ذاك .....واعتمد على هذا الحديث وصححه.

    قال:ومن رخص في ذلك فهو مخالف للسنة (نقله الهيثمي في كف الرعاع (2/302)).

    وقال الهيثمي:وبهذا الحديث استدل أصحابنا على تحريم المزامير وعليه بنوا التحريم في الشبابة التي هي من جملة المزامير بل أشدها طربا.

    الاعتراض:
    أولا: من جهة الرواية:
    فالحديث منكر كما ذيل عليه مخرجه بذلك وهو أبو داود حيث قال: إنه منكر ,ثم من الطريق الثاني انتقده ,وقال في الثالث: هو أنكرها (سنن أبي داود بشرحه 13/266).

    وأما قول شارح سنن أبي داود: قول أبي داود هذا منكر لا يعلم وجه النكارة فإن هذا الحديث رواته كلهم ثقات وليس بمخالف لرواية أوثق الناس .

    فيقال له:
    إن ابن عدي ذكر هذا الحديث ضمن أحاديث الضعفاء والمجروحين (الضعفاء والمجروحون (3/1118)).
    وقال في التقريب (1/231) عن رواته: سليمان بن موسى الزهري الكوفي لين الحديث.
    وقال البخاري: منكر الحديث (ميزان الاعتدال (2/226)).
    ونقل نحوه عن البخاري العقيلي في الضعفاء (2/141)
    قال أبو حاتم : محله الصدق ، و فى حديثه بعض الاضطراب و لا أعلم أحدا من أصحاب مكحول أفقه منه و لا أثبت منه .
    و قال النسائي : أحد الفقهاء ، و ليس بالقوى في الحديث .
    و قال في موضع آخر : في حديثه شئ .
    و قال أبو أحمد بن عدى : سليمان بن موسى فقيه راو . حدث عنه الثقات من الناس ،و هو أحد علماء أهل الشام ، و قد روى أحاديث ينفرد بها يرويها ، و لا يرويها غيره ، و هو عندي ثبت صدوق .
    مع أنه قد وثقه غير واحد من العلماء.

    قلت (الأزهري الأصلي): إلا أنه لم يتبين لي وجه نكارة الرواية الثالثة اللهم إلا أن فيها عبد الله بن جعفر الرقي وقد اختلط بآخره اختلاطا لم يكن فاحشا.والله أعلم.

    يقول الشيخ القرضاوي في كتابه (فقه الغناء والموسيقى) ص 57:
    والحديث قال عنه أبو داود:حديث منكر وسكت على إنكاره الحافظ المنذري في مختصره للسنن ولا يعلم من المتقدمين من انتقد أبا داود في إنكاره للحديث وإن كان صاحب عون المعبود في عصرنا قال: ولا يعلم وجه النكارة بل إسناده قوي وليس بمخالف رواية الثقات.
    ثانيا:من جهة الفقه والمفاد:
    وذلك أن زمارة الراعي لا اختلاف في جوازها وإباحتها حتى عند من يمنع جميع المزامير.
    كما نص على ذلك: الماوردي في الحاوي (2/557) وتابعه على أنها –أي الشبابة- مباحة للمسافر والراعي ابن حجر الهيثمي وكل من منع المزامير.

    قال الهيثمي وهو ممن يمنع المزامير: الشبابة في الأسفار والمراعي مباحة (كف الرعاع (2/302)).
    متابعة للماوردي والروياني والخطابي ومحمد بن يحيى والغزالي والرافعي والأسنوي وغيرهم.

    وقال الشوكاني في النيل (8/108): لو كان سماعه –أي المزمار- حراما لما أباحه –صلى الله عليه وسلم- لابن عمر ولا ابن عمر لنافع ولنهى عنه وأمر بكسر الآلة لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز.
    قال:وأما سده –صلى الله عليه وسلم-لسمعه فيحتمل أنه تجنبه كما يتجنب كثيرا من المباحات كما تجنب أن يبيت وفي بيته درهم أو دينار وأمثال ذلك.
    ثم قال: لا يقال يحتمل أن تركه –صلى الله عليه وسلم- للإنكار على الراعي إنما كان لعدم القدرة على التغيير لأنا نقول: ابن عمر إنما صاحب النبي –صلى الله عليه وسلم- وهو بالمدينة بعد ظهور الإسلام وقوته –ولابن عمر يومئذ سبع عشرة سنة- فترك الإنكار فيه دليل على عدم التحريم. انتهى كلام الشوكاني (8/108).


    تناقض غريب للمانعين:
    ذهب المانعون إلى تحريم جميع أنواع المزامير مستدلين بهذا الحديث فقط كما صرحوا بذلك وجعلوه معولهم الوحيد وقد قدمنا قول ابن حجر الهيتمي.

    بينما من جهة أخرى ذهب الجمهور إلى جواز زمارة الراعي والمتشدد فيهم يقول بأنها ليست في حرمة سائر المزامير والملاهي.

    وهذا منتهى التناقض والانقطاع.
    فكيف يعطى حكم القياس أثرا في الحرمة وهو فرع يكون أقوى من أثر حكم المقيس عليه وهو أصل؟!!
    ثم زيادة على ذلك يجعل القياس من قياس الأولى في حين المقيس عليه يقتضي حل المزمار في حديث ابن عمر.

    وتأكيدا لإثبات التناقض عند المانعين نقول:
    قال المانعون: بفرض عدم دلالة الحديث وعدم صحته فالقياس حجة وقد سبق في كلام الأئمة أنه دال بالأولى على تحريم الشبابة ومن ثم قال الشمس الجوجري عقب ما مر عن البلقيني:
    ويمكن أن يستدل بالقياس على الآلات المذكورة لاشتراكه معها في كونه مطربا بل ربما كان الطرب الذي فيه أشد من الطرب الذي في نحو الكمنجة والربابة ونحوهما فهو إما قياس الأولى أو المساواة بالنسبة إلى المذكورين وهما حرام بلا خلاف. (كف الرعاع (2/304)).

    وهنا يقال للمانعين:
    أنتم حرمتم آلات المعازف مثل الكمنجة والزمارة والرباب وجميع آلات الطرب قياسا بالأولى أو المساواة على الشبابة والشبابة حرمتموها بالقياس على زمارة الراعي في حديث ابن عمر.
    وفي القياس على الشبابة قلتم هذا على اعتبار عدم دلالة الحديث وعدم صحته.
    إذا: على ماذا يكون قياس الشبابة؟
    فإن قلتم: على الزمارة في حديث ابن عمر.

    قلنا:كيف وقد افترضتم عدم دلالته وعدم صحته ؟! وهل يجوز القياس على غير أصل؟!!

    وإن قلتم:قسنا على كلام عدد من الأئمة المعتبرين بأن هذه الآلات حرام.

    قلنا:من أين وعلى ماذا اعتمدوا في تحريمهم لتلك الآلات؟
    لأن مثل هذا القول لا يكون إلا على مستند شرعي ولا تشريع لهذا خلاف ما ذكر وما ذكر واه لا يستقيم.
    وقد عارض قولهم بالتحريم قول مناظريهم بالحل والجواز مثل الماوردي والخطابي والروياني والغزالي وتلميذه محمد بن يحيى والرافعي والإسنوي والتاج السبكي ومن لا يمكن حصرهم.

    وانظر إلى قول الرافعي وتابعه عليه البلقيني: لا يثبت التحريم إلا بدليل معتبر ولم يقم النووي دليلا على ذلك (كف الرعاع (2/303)).
    وقال التاج السبكي في توشيحه: لم يقم عندي دليل على تحريم اليراع مع كثرة التتبع والذي أراه الحل فإن انضم إليه محرم فلكل منهما حكمه. (كف الرعاع (2/303-304)).
    Admin
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 2093
    تاريخ التسجيل : 01/03/2010
    الموقع : hmsain.ahlamontada.com

    الغناء بين الحل والحرمة Empty رد: الغناء بين الحل والحرمة

    مُساهمة  Admin الخميس 23 يونيو 2011 - 16:27

    أدلة حديثية متنوعة:

    *حديث اللهو الباطل.
    *حديث النهي عن الغناء والنوح.
    *حديث الغناء ينبت النفاق في القلب.

    الحديث السادس:

    عن عقبة بن عامر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : كل شيء يلهو به الرجل باطل إلا رمي الرجل بقوسه أو تأديبه فرسه أو ملاعبته امرأته فإنهن من الحق.

    أخرجه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والحاكم كلهم عن عقبة بن عامر.

    أما الراوي عن عقبة فهو: خالد بن يزيد أوعبد الله بن يزيد أو خالد بن زيد أوعبد الله بن زيد بن الأزرق أو الأزرق وكل هؤلاء شخص واحد مختلف في اسمه واسم أبيه على النحو المذكور وهو مجهول كما ذكر ابن حزم في المحلى وقال فيه الذهبي: فيه اضطراب (يعني في اسمه) وقد فرق بينهم البخاري في التاريخ وخطأه في ذلك الخطيب البغدادي في "الموضح لأوهام الجمع والتفريق" وكذا ابن عساكر في تاريخه ورجح الحافظ المزي في تهذيب الكمال التفريق.

    قلت (الأزهري الأصلي):قال الترمذي عن الحديث: حسن وفي بعض النسخ: حسن صحيح وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم ووافقه الذهبي وأشار السيوطي لحسنه في الجامع.
    قال الحافظ العراقي في تخريج الإحياء:في سنده اضطراب.
    وضعفه الألباني في تخريج فقه السيرة للغزالي (225) وفي ضعيف الجامع (1732) وضعيف أبي داود (232) وغيرها.
    وقد روي من هذا الطريق مرسلا قال الترمذي:
    حَدَّثَنَا أحمدُ بنُ منيعٍ حَدَّثَنَا يزيدُ بنُ هارونَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إسحاقَ عن عبدِ اللهِ بنِ عبدِ الرَّحمَنِ بنِ أبي حسينٍ:
    أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وسَلَّم قال: (إنَّ اللهَ ليُدخلُ بالسَّهمِ الواحدِ ثلاثةً الجنَّةَ صانعهُ يحتسبُ في صنعتهِ الخيرَ والرَّامي بهِ والمُمدَّ بهِ قال: ارموا واركَبوا ولأنْ تَرموا أحبُّ إليَّ من أنْ تَركبوا كلُّ ما يَلهو بهِ الرَّجُلُ المسلمُ باطلٌ إلاَّ رميهُ بقوسٍ وتأديبهُ فرسهُ وملاعبتهُ أهلهُ فإنَّهُنَّ من الحقِّ).

    قلت (الأزهري الأصلي): مع كونه مرسلا ففيه عنعنة محمد بن إسحاق وهو مدلس.
    طريق آخر:
    قال ابن حزم في المحلى:
    وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا سَعِيدٌ، أَخْبَرَنَا ابْنُ حَفْصٍ أَنَا مُوسَى بْنُ أَعْيَنَ عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحِيمِ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ رَأَيْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، وَجَابِرَ بْنَ عُبَيْدٍ الأَنْصَارِيَّيْنِ يَرْمِيَانِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلآخَرِ ‏"‏ أَمَا سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ‏:‏ كُلُّ شَيْءٍ لَيْسَ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ فَهُوَ لَعِبٌ، لاَ يَكُونُ أَرْبَعَةً‏:‏ مُلاَعَبَةُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ، وَتَأْدِيبُ الرَّجُلِ فَرَسَهُ، وَمَشْيُ الرَّجُلِ بَيْنَ الْغَرَضَيْنِ، وَتَعْلِيمُ الرَّجُلِ السِّبَاحَةَ‏.‏
    هَذَا حَدِيثٌ مَغْشُوشٌ مُدَلَّسٌ دُلْسَةَ سُوءٍ؛ لأََنَّ الزُّهْرِيَّ الْمَذْكُورَ فِيهِ لَيْسَ هُوَ ابْنَ شِهَابٍ، لَكِنَّهُ رَجُلٌ زُهْرِيٌّ مَجْهُولٌ اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحِيمِ‏.‏
    رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَهْبٍ الْحَرَّانِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ الْحَرَّانِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحِيمِ، هُوَ خَالِدُ بْنُ أَبِي يَزِيدَ، وَهُوَ خَالُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحِيمِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَطَاءٍ‏:‏ رَأَيْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، وَجَابِرَ بْنَ عُبَيْدٍ الأَنْصَارِيَّيْنِ يَرْمِيَانِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلآخَرِ‏:‏ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ‏:‏ كُلُّ شَيْءٍ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ لَهْوٌ وَلَعِبٌ، إِلاَّ أَرْبَعَةً‏:‏ مُلاَعَبَةُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ، وَتَأْدِيبُ الرَّجُلِ فَرَسَهُ، وَمَشْيُهُ بَيْنَ الْغَرَضَيْنِ، وَتَعْلِيمُ الرَّجُلِ السِّبَاحَةَ‏.‏ فَسَقَطَ هَذَا الْخَبَرُ‏.‏

    قال الزيلعي في نصب الراية:
    وأما حديث أبي هريرة: فرواه الحاكم في "المستدرك - في الجهاد" عن سويد بن عبد العزيز ثنا محمد بن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، قال: كل شيء من لهو الدنيا باطل، إلا ثلاثة: انتضالك بقوسك، وتأديبك فرسك، وملاعبتك أهلك، فإنهن من الحق، مختصر.
    وقال: حديث صحيح على شرط مسلم، انتهى.
    وتعقبه الذهبي في "مختصره"، فقال: سويد بن عبد العزيز متروك، انتهى.
    قال ابن أبي حاتم في "كتاب العلل" سألت أبي، وأبا زرعة عن حديث رواه سويد بن عبد العزيز عن ابن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: فذكره، فقالا: هذا خطأ، وهم فيه سويد إنما هو عن ابن عجلان عن عبد اللّه بن عبد الرحمن بن أبي حسين، قال: بلغني أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال، فذكره، هكذا رواه الليث، وحاتم بن إسماعيل، وجماعة، وهو الصحيح مرسلاً، قال أبي: ورواه ابن عيينة عن ابن أبي حسين عن رجل عن أبي الشعثاء عن النبي صلى اللّه عليه وسلم، وهو أيضاً مرسل، انتهى كلامه.
    -وأما حديث عمر، فرواه الطبراني في "معجمه الوسط" من حديث المنذر بن زياد الطائي عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: كل لهو يكره، إلا ملاعبة الرجل امرأته، ومشيه بين الهدفين، وتعليمه فرسه، انتهى.
    ورواه ابن حبان في "كتاب الضعفاء"، وأعله بالمنذر، وقال: إنه يقلب الأسانيد، وينفرد بالمناكير عن المشاهير، لا يحتج به إذا انفرد، انتهى.

    قال ابن حزم:
    وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا‏:‏ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيم أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ أَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحِيمِ عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ بُخْتٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ رَأَيْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، وَجَابِرَ بْنَ عُبَيْدٍ، فَذَكَرَهُ، وَفِيهِ كُلُّ شَيْءٍ لَيْسَ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ فَهُوَ لَغْوٌ وَسَهْوٌ
    عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ بُخْتٍ غَيْرُ مَشْهُورٍ بِالْعَدَالَةِ، ثُمَّ لَيْسَ فِيهِ إِلاَّ أَنَّهُ سَهْوٌ وَلَغْوٌ وَلَيْسَ فِيهِ تَحْرِيمٌ‏.‏
    قلت (الأزهري الأصلي):كلام ابن حزم في عبد الوهاب بن بخت ليس بصواب فقد وثقه ابن معين وأبو زرعة الرازي ويعقوب بن سفيان والنسائي والهيثمي وابن حجر وغيرهم وقد عرض ابن حجر بمقولة ابن حزم هذه في تهذيب التهذيب.
    وهذا الإسناد الأخير رجاله رجال الصحيح كما قال الهيثمي غير عبد الوهاب بن بخت وهو ثقة.



    يقول الشيخ القرضاوي:
    ذكر الغزالي في الإحياء:أن كلمة باطل لا تدل على التحريم بل تدل على عدم الفائدة.
    قال الشوكاني: وهو جواب صحيح لأن ما لا فائدة فيه في قسم المباح (النيل (2/270)).
    وقد ورد عن أبي الدرداء قوله : « إني لأستجم نفسي بالشيء من الباطل ليكون أقوى لها على الحق » .
    على أن الحصر في الثلاثة غير مراد ، فإن التلهي بالنظر إلى الحبشة و هم يرقصون في المسجد النبوي خارج عن تلك الأمور الثلاثة ، و قد ثبت في الصحيح.
    قال الغزالي:بل يلحق بالمحصور غير المحصور قياسا كحديث " لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث.."فإنه يلحق به رابع وخامس.
    وكذلك ملاعبته امرأته لا فائدة له إلا التلذذ وفي هذا (أي الغناء) تلذذ فأشبهها على أن التفرج في البساتين و سماع أصوات الطيور ، و أنواع المداعبات مما يلهو به الرحل ، لا يحرم عليه شيء منها ،و إن جاز و صفه بأنه باطل .انتهى (الإحياء مع شرحه للزبيدي (7/675-676).

    الحديث السابع:

    قال ابن حزم:
    وَمِنْ طَرِيقِ قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ أَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ النَّيْسَابُورِيُّ أَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ أَنَا أَبُو سَعِيدٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْعَلاَءِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُهَاجِرِ عَنْ كَيْسَانَ مَوْلَى مُعَاوِيَةَ أَنَا مُعَاوِيَةُ قَالَ‏:‏ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ تِسْعٍ وَأَنَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُنَّ الآنَ فَذَكَرَ فِيهِنَّ‏:‏ الْغِنَاءَ، وَالنَّوْحَ‏.‏

    قلت (الأزهري الأصلي): روى الحديث ابن ماجه باختصار والطبراني بإسنادين قال الهيثمي عن أحدهما: رجاله ثقات.
    قال ابن حزم: مُحَمَّدُ بْنُ الْمُهَاجِرِ ضَعِيفٌ، وَكَيْسَانُ مَجْهُولٌ‏.‏

    قلت (الأزهري الأصلي): أخطأ ابن حزم في تضعيفه لمحمد بن مهاجر فقد قال عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه ، و عثمان بن سعيد الدارمى عن يحيى بن معين ، و عن دحيم ، و أبو زرعة الدمشقى ، و أبو داود ، و يعقوب بن سفيان : ثقة
    زاد يعقوب : و أخوه عمرو ثقة ، و لهما أحاديث كثار حسان .
    و قال النسائى : ليس به بأس .
    و ذكره ابن حبان فى كتاب " الثقات " ، و قال : كان متقنا .
    قال الحافظ فى "تهذيب التهذيب" 9/478 :
    و قال العجلى : شامى ، ثقة ، و أخوه عمرو شامى . اهـ .

    أما كيسان مولى معاوية فقد اختلف فيه اختلافا كثيرا على أنه حريز أو أبو حريز وقد رجح أنهما واحد غير واحد من أهل العلم وعلى رأسهم الطبراني الذي روى الحديث وقد أفاد الدارقطني بأنه مجهول وقال ابن حجر في التقريب: مجهول.

    وهناك اختلاف في ألفاظ الحديث فقد رواه الطبراني بأن المنهي عنه تسعة أشياء ونقله عنه الهيثمي في المجمع بأنها سبعة أشياء وكذا رواه أحمد في مسنده ورواه المزي بإسناد عال بأنها ستة أشياء.
    ورواية أحمد في المسند خالية من ذكر الغناء وكذا رواية الطبراني.

    الحديث الثامن:
    َمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد أَنَا مُسْلِمُ بْنُ إبْرَاهِيمَ أَنَا سَلاَمُ بْنُ مِسْكِينٍ عَنْ شَيْخٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا وَائِلٍ يَقُولُ‏:‏ سَمِعْت ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ‏:‏ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ‏:‏ إنَّ الْغِنَاءَ يُنْبِتُ النِّفَاقَ فِي الْقَلْبِ .

    قلت (الأزهري الأصلي): فيه شيخ مجهول وقد رواه البيهقي مرفوعا عن جابر بن عبد الله ولكن فيه تدليس أبي الزبير وتغريب إبراهيم بن طهمان وفيه مجهولون.
    وقد ثبت موقوفا عن بعض الصحابة أو التابعين وقد رواه البيهقي عن ابن مسعود موقوفا (انظر سنن البيهقي (10/223) وابن أبي الدنيا في ذم الملاهي موقوفا عليه برقم 12)ولن نتوقف طويلا حول الأسانيد التي وردت حول الصحابة بالرغم مما فيها من مقال وسيأتي الحاكم في هذا الأمر عن الكلام على قوله تعالى: "ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله".
    على أن هناك من الناس من قال – وبخاصة الصوفية - : إن الغناء يرقق القلب ، ويبعث الحزن والندم علي المعصية ،‌ و يهيج الشوق إلى الله تعالى ، و لهذا اتخذوه وسيلة‌ لتجديد نفوسهم ، و تنشيط عزائمهم ، و إثارة أشوقهم . قالوا : و هذا أمر لا يعرف إلا بالذوق و التجربة و الممارسة ، و من ذاق عرف ، و ليس الخبر كالعيان !
    على أن الإمام الغزالي جعل حكم هذه الكلمة بالنسبة للمغني لا للسامع ، إذ كان غرض المغني أن يعرض نفسه على غيره ، و يروج صوته عليه ، و لا يزال ينافق ويتودد إلى الناس ليرغبوا في غنائه . و مع هذا قال الغزالي : « و ذلك لا يوجب تحريماً ، فإن لبس الثياب الجميلة ، و ركوب الخيل المهملجة ، و سائر أنواع الزينة ، و لا يطلق القول بتحريم ذلك كله ، فليس السبب في ظهور النفاق في القلب : المعاصي ، بل إن المباحات ، التي هي مواقع نظر الخلق ، أكثر تأثيراً »

    وهناك أحاديث أخرى لكنها متفق على ضعفها فأردنا ألا يطول الموضوع واكتفينا بما اشتهر منها.

    Admin
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 2093
    تاريخ التسجيل : 01/03/2010
    الموقع : hmsain.ahlamontada.com

    الغناء بين الحل والحرمة Empty ثانيا: مذهب المجيزين بشروط

    مُساهمة  Admin الخميس 23 يونيو 2011 - 16:31

    1 -أدلتهم من السنة وآثار الصحابة والتابعين ومن بعدهم:

    الدليل الأول: حديث الجاريتين في بيت السيدة عائشة ومدى دلالته.

    الدليل الثاني:حديث غناء الجاريات في زفاف الربيع بنت معوذ ودلالته.

    الدليل الثالث:حديث طلب النبي -صلى الله عليه وسلم من عائشة إرسال من يغني فيب عض الأفراح واقتراحه بعض الأبيات.

    الدليل الرابع:طلب النبي -صلى الله عليه وسلم- من المرأة التي نذرت أن تضرب بالدف عند قدومه أن توفي بنذرها ودلالته.

    الدليل الخامس:سماع بعض الصحابة للغناء من الجواري في بعض الأفراح وإنكارهم على من انكر عليهم.

    الدليل السادس:عرض النبي -صلى الله عليه وسلم- على السيدة عائشة أن تغني لها قينة من القينات.

    الدليل السابع:فصل ما بين الحلال والحرام ضرب الدف.

    ,وأدلتهم من أقوال وأفعال كبار الصحابة والتابعين ومن بعدهم.

    أدلة مجيزي الغناء -بشروطه- من السنة وآثار الصحابة والتابعين ومن بعدهم
    أولا: أدلتهم من سنة النبي -صلى الله عليه وسلم-:

    1-عن عائشة قالت إن أبا بكر دخل عليها وعندها جاريتان في أيام منى تدففان وتضربان وفي رواية تغنيان بما تقاولت الأنصار يوم بعاث والنبي صلى الله عليه وسلم متغش بثوبه فانتهرهما أبو بكر فكشف النبي صلى الله عليه وسلم عن وجهه فقال دعهما يا أبا بكر فإنها أيام عيد وفي رواية يا أبا بكر إن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا. متفق عليه.

    وجه الدلالة من الحديث بطرقه ورواياته:
    أن هناك غناء مصحوبا بضرب الدف قد وقع من الجاريتين وفي بيت النبوة وأن عائشة سمعته وكذلك النبي –صلى الله عليه وسلم- وقد أنكر على أبي بكر انتهاره للجاريتين.

    وقال بعض المانعين: إن الجاريتين كانتا صغيرتين ولا يوجد في النص ما يدل على ذلك بل إن غضب أبي بكر وانتهاره لهما وقوله ما قال وتخريقه الدفين في بعض الروايات كل هذا يدل على أنهما لم تكونا صغيرتين فلو صح ذلك لم تستحقا كل هذا الغضب والإنكار من أبي بكر إلى هذا الحد الذي ذكرته الروايات.

    وقال بعض المانعين: جاء في بعض الروايات في وصف الجاريتين بقوله "وليستا بمغنيتين".
    وهذا في الواقع لا يدل على أكثر من أنهما غير محترفتين أي ليستا من القيان اللائي يتكسبن بالغناء ولكنهما غنتا وضربتا بالدف فقد وقع منهما الغناء والضرب بالدف وليس كل مغن محترف.

    وقال بعض المانعين: الحديث يدل على إباحة الغناء بمناسبة العيد فبقى ما عدا العيد على المنع.

    الرد من وجهين:
    أولهما:أن العيد لا يباح فيه ما كان محرما إنما يتوسع فيه في بعض المباحات كالتزين وأكل الطيبات ونحوها.
    ثانيهما: أن العيد يستحب فيه إدخال السرور على النفس وعلى الناس فيشعر الناس فيه بالبهجة والفرح ويقاس على العيد كل مناسبة سارة ولو كانت مجرد اجتماع الأصدقاء على طعام أو نحوه.

    2-روى البخاري عن الربيع بنت معوذ قالت: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل علي صبيحة بني بي فجلس على فراشي كمجلسك مني فجعلت جويريات يضربن بدف لهن ويندبن من قتل من آبائي يوم بدر إلى أن قالت إحداهن وفينا نبي يعلم ما في الغد فقال دعي هذه وقولي الذي كنت تقولين.

    وفي رواية ابن ماجة عن الحسن المدني قال كنا بالمدينة يوم عاشوراء والجواري يضربن بالدف ويتغنين فدخلنا على الربيع بنت معوذ فذكرنا ذلك لها فقالت دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم صبيحة عرسي وعندي جاريتان يتغنيان وتندبان آبائي الذين قتلوا يوم بدر وتقولان فيما تقولان وفينا نبي يعلم ما في غد فقال أما هذا فلا تقولوه ما يعلم ما في غد إلا الله.

    وصحح الألباني هذه الرواية الأخيرة في سنن ابن ماجة برقم 1897 والتي أضافت ضربهم الدفوف في يوم عاشوراء.

    3-روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها أنها زفت امرأة إلى رجل من الأنصار فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا عائشة ما كان معهم من لهو ؟ فإن الأنصار يعجبهم اللهو.

    وعن عائشة قالت كانت عندي جارية من الأنصار زوجتها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عائشة ألا تغنين ؟ فإن هذا الحي من الأنصار يحبون الغناء . رواه ابن حبان في صحيحه

    وعن ابن عباس قال أنكحت عائشة ذات قرابة لها من الأنصار فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أهديتم الفتاة قالوا نعم قال أرسلتم معها من يغني قالت لا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الأنصار قوم فيهم غزل فلو بعثتم معها من يقول ( أتيناكم أتيناكم فحيانا وحياكم) رواه ابن ماجة

    حسنه الألباني في غاية المرام برقم 398 وفي تحريم آلات الطرب ص 133 وفي الإرواء برقم 1995 .

    4-عن بريدة خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض مغازيه فلما انصرف جاءت جارية سوداء فقالت يا رسول الله إني نذرت إن ردك الله سالما أن أضرب بين يديك بالدف وأتغنى . فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم :"إن كنت نذرت فاضربي وإلا فلا". فجعلت تضرب فدخل أبو بكر وهي تضرب ثم دخل علي وهي تضرب ثم دخل عثمان وهي تضرب ثم دخل عمر فألقت الدف تحت أستها ثم قعدت عليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الشيطان ليخاف منك يا عمر إني كنت جالسا وهي تضرب فدخل أبو بكر وهي تضرب ثم دخل علي وهي تضرب ثم دخل عثمان وهي تضرب فلما دخلت أنت يا عمر ألقت الدف .رواه أحمد والترمذي وصححه.

    وصححه الألباني في الصحيحة برقم 2261 وغيرها.

    يقول الشيخ القرضاوي: والقائلون بالتحريم يخصون مثل ذلك من عموم الأدلة على المنع.
    أما المجوزون فيستدلون به على مطلق الجواز لما سلف وقد دلت الأدلة على أنه لا نذر في معصية الله فالإذن منه –ص- لهذه المرأة بالضرب يدل على أن ما فعلته ليس بمعصية في ذلك الموطن.

    5-عن عامر بن سعد قال دخلت على قرظة بن كعب وأبي مسعود الأنصاري في عرس وإذا جوار يغنين فقلت أي صاحبي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل بدر يفعل هذا عندكم ؟ فقالا اجلس إن شئت فاسمع معنا وإن شئت فاذهب فإنه قد رخص لنا في اللهو عند العرس . رواه النسائي.

    وصححه الألباني في المشكاة برقم 3159 وحسنه في سنن النسائي برقم 3383

    وقد توقف بعضهم عند كلمة "رخص لنا" في الحديث ليأخذ منها أن الأصل هو المنع وأن الرخصة جاءت على خلاف الأصل وهي مخصوصة بالعرس فتقتصر عليه.
    ونسى هؤلاء أن مثل هذا التعبير يأتي فيما يراد به التيسير ولازمه في أمر كان يتوقع فيه التشديد والمنع.
    فهو من باب قوله تعالى: "فلا جناح عليه أن يطوف بهما" مع أن الطواف فرض أو ركن.

    6- روى النسائي عن السائب بن يزيد أن امرأة جاءت إلى رسول الله-صلى الله عليه وسلم- فقال: يا عائشة أتعرفين هذه؟ قالت لا يا نبي الله . فقال هذه قينة بني فلان تحبين أن تغنيك قالت نعم قال فأعطاها طبقا فغنتها فقال النبي صلى الله عليه وسلم قد نفخ الشيطان في منخريها.

    قال الأدفوي: وسنده صحيح وكذا قال الشوكاني والكتاني.
    وصححه الألباني في الصحيحة برقم 3281

    يقول الشيخ القرضاوي:دل هذا على إباحة الغناء من القينة لأنه-ص- لا يأذن في حرام.
    كما يدل على وجود القينات المغنيات في العصر النبوي ولم ينكر وجودهن.
    ودل على إباحة الغناء في غير العيد وفي غير العرس على خلاف ما يقوله دعاة التحريم.

    7-وأخرج النسائي وغيره عن النبي-صلى الله عليه وسلم- قال: "فصل ما بين الحلال والحرام الدف والصوت في النكاح".

    وحسنه الترمذي وقال الحاكم: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي ورجح الألباني أنه حسن فقط انظر الإرواء برقم 1994

    ثانيا: أقوال الصحابة وأفعالهم -رضوان الله عليهم-:

    1-عبد الله بن جعفر:

    قال ابن عبد البر في الاستيعاب (2/276) :كان عبد الله لا يرى بسماع الغناء بأسا.

    وقال الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (3/456) ترجمة 93:
    "كان –أي عبد الله- وافر الحشمة كثير التنعم وممن يستمع الغناء".

    وقال العلامة الأدفوي في كتابه الإمتاع:
    "وأما عبد الله بن جعفر بن أبي طالب فسماع الغناء عنه مشهور مستفيض نقله عنه الفقهاء والحفاظ وأهل التاريخ الأثبات... "


    2-عبد الله بن الزبير وبلال بن رباح :

    قال أبو نعيم في أماليه :
    حدثنا محمد بن علي ثنا محمد بن الحسن بن قتيبه ثنا ابن أبي السري ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن هشام بن عروة عن وهب بن كيسان قال سمعت عبدالله بن الزبير يترنم بالغناء وقال ما سمعت رجلا من المهاجرين إلا وهو يترنم .

    ورواه البيهقي وابن دقيق العيد بسنديهما عنه.

    وروى نحوه الفاكهي في "أخبار مكة" (3/27) بسند صحيح بلفظ :
    « وأي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم أسمعه يتغنى بالنصب » ؟!

    وعن وهب بن كيسان قال : قال عبد الله بن الزبير - وكان متكئا - : " تغنى بلال "
    قال : فقال له رجل : " تغنى ؟ " فاستوى جالسا ثم قال :
    وأي رجل من المهاجرين لم أسمعه يتغنى النصب ؟

    قال الألباني في تحريم آلات الطرب :
    رواه عبد الرزاق ( 19741 ) مختصرا والبيهقي ( 10 / 230 ) والسياق له وإسناده صحيح على شرط الشيخين .

    وقال الجديع في كتابه :
    (أثر صحيح أخرجه البيهقي (10/225)، و عبد الرازق في "المصنف"(11/5-6) ، و الفاكهي (3/27 رقم:1735) بإسناد صحيح).

    3-حمزة بن عبد المطلب:
    ثبت في صحيح مسلم (4/658) أنه كان عنده قينة تغنيه.

    4-عمر بن الخطاب وعبد الرحمن بن عوف :

    روى البيهقي في سننه (5/68) أن الحارث بن عبد الله بن عياش أخبر أن عبد الله بن عباس أخبره أنه بينا هو يسير مع عمر رضي الله عنه في طريق مكة في خلافته و معه المهاجرون و الأنصار ، فترنم عمر رضي الله عنه ببيت ، فقال له رجل من أهل العراق ليس معه عراقي غيره : غيرك فليقلها يا أمير المؤمنين ، فاستحيا عمر رضي الله عنه من ذلك و ضرب راحلته حتى انقطعت من الموكب .

    والشاهد: لعل استحياء عمر –رضي الله عنه- بسبب لفظ قاله في ترنمه وإلا لقال له العراقي: غيرك فليفعلها.
    وقد رواها الحافظ ابن طاهر بسنده وقال فيها: وإسناد هذه الحكاية كالأخذ باليد أي في الصحة.
    قال الجديع : (أثر صحيح أخرجه البيهقي (5/69) بإسناد صحيح)

    وروى كذلك (10/224) عن الزهري قال : قال السائب بن يزيد :
    بينا نحن مع عبد الرحمن بن عوف في طريق الحج و نحن نؤم مكة ، اعتزل عبد الرحمن رضي الله عنه الطريق ، ثم قال لرباح بن المغترف : غننا يا أبا حسان ، وكان يحسن النصب ، فبينا رباح يغنيهم أدركهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه في خلافته ، فقال : ما هذا ، فقال عبد الرحمن : ما بأس بهذا نلهو ونقصر عنا ، فقال عمر رضي الله عنه : فإن كنت آخذا فعليك بشعر ضرار بن الخطاب .

    جود إسناده الألباني في تحريم آلات الطرب ص 129.
    وقال الجديع : (أثر صحيح أخرجه البيهقي (10/224) و ابن عساكر في "تاريخه" (24/400) بإسناد صحيح).

    وَرَوى عَبدُالرحمن بن حاطبِ بن أبي بَلْتَعَةَ، قالَ:
    خَرَجْنا مَعَ عُمَرَ بن الخطابِ في الحج الأكبَرِ، حتى إذا كُنا بالروحاءِ ، كَلمَ القَومُ رَباحَ بنَ المغتَرِفِ، وَكانَ حَسَنَ الصوت بغِناءِ العَرَبِ ، فَقالُوا: أسمِعنا يا رَباحُ، وَقَصر عَنا المسيرَ، قالَ: إني أفرَقُ من عُمَرَ، فكلَمَ القَومُ عُمَرَ، فَقالُوا: إنا كلمنا رَباحاً يُسمِعُنا وبُقصرُ عنا المسيرَ، فأبى إلا أن تأذَنَ لهُ، فَقالَ: يا رَباحُ، أسمِعْهُم، وقصر عنهُم المسيرَ، فإذا أسحَرْتَ (بلغت وقت السَحَر) فارْفَع. قالَ: وَحَدا لهُم من شِعرِ ضِرارِ بن الخطَّابِ، فرَفَعَ عَقيرَتَهَ يتغنى وهُم مُحرِمُونَ.

    قال الجديع : (أثر حسن أخرجه الخطابي في "غريب الحديث"(1/658))


    قال القاضي المعافى بن زكريا في كتابه (الجليس الصالح) :
    حدثنا محمد بن الحسين بن دريد ، قال أخبرنا أبو حاتم، عن أبي عبيدة، عن يونس، قال: جاء عبد الرحمن بن عوف إلى باب عمر بن الخطاب فسمعه وهو يتمثل في بيته:
    وكيف مقامي بالمدينة بعدما ... قضى وطرا منها جميل بن معمر
    قال القاضي أبو الفرج: ويروي كيف ثوائي بالمدينة، ثم قال: يا يرفأ! من بالباب؟ قال: عبد الرحمن بن عوف، قال: أدخله، فلما دخل قال: أسمعت؟ قال: نعم قال: إنا إذا خلونا في منازلنا قلنا ما يقول الناس. قال القاضي أبو الفرج: هذا جميل بن معمر الجمحي من مسلمة الفتح، قتل على عهد عمر، وليس بجميل بن عبد الله بن معمر العذري الشاعر.

    قلت : ومحمد بن الحسين بن دريد هذا وقع في كتاب المتفق والمفترق للخطيب البغدادي باسم : محمد بن الحسن بن دينار وقد روى الخطيب الأثر من الطريق السابق والله اعلم.

    قال ابن الأثير في أسد الغابة :
    وروى محمد بن يزيد هذا الخبر، فقلبه، فجعل المتغني: عمر، والداخل عبد الرحمن، والزبير أعلم بهذا الشأن.
    أخرجه أبو عمر وأبو موسى، وزاد أبو موسى في نسبه، فقال: جميل بن معمر بن الحارث بن معمر بن حبيب، والأول أصح.

    وَعَن أسلَمَ مَولى عُمَرَ بنِ الخطابِ، قالَ: سَمِعَ عُمَرُ رَجُلاً يَتَغنى بفَلاة مِنَ الأرضِ (وفىِ رِوايَة: وَهُوَ يَحدو بغِناءِ الركبانِ)، فَقالَ: الغِناءُ من زادِ الراكبِ.

    قال الجديع : (أثر حسن أخرجه البيهقي (10/68) بإسناد حسن)

    5-سعد بن أبي وقاص:
    روى ابن قتيبة بسنده إلى سليمان بن يسار أنه سمع سعد بن أبي وقاص يتغنى بين مكة والمدينة فقال سليمان: سبحان الله أتفعل هذا وأنت محرم؟ فقال سعد: يا ابن أخي وهل تسمعني أقول هجرا؟
    الرخصة في السماع لابن قتيبة ونقله عنه في الإمتاع ص 96 والتراتيب الإدارية للكتاني (2/134) وإيضاح الدلالات ص 13

    6-أبو مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري وزيد بن ثابت وقرظة بن كعب الأنصاري:
    روى البيهقي بسنده عن الزهري أنه سمع أبو مسعود وهو على راحلته وهو أمير الجيش رافعا عقيرته يتغنى النصب.
    السنن الكبرى للبيهقي (10/225) .

    وروى الحاكم (1/201) والنسائي (6/135) : أنه كان مع زيد بن ثابت وقرظة بن كعب الأنصاري في عرس لهم وجوار يتغنين فلما سئلوا؟ أجابوا:أنه قد رخص لهم في الغناء في العرس.

    (الروايتان جزء من حديث صحيح أخرجه النسائي و الطبراني و الحاكم و غيرهم)


    7-بلال بن أبي رباح:
    روى البيهقي (10/225) وعبد الرزاق (11/5) بسنديهما إلى عبد الله بن الزبير قال :تغنى بلال وكان متكئا فقال له رجل:تغني؟فاستوى جالسا ثم قال: وأي رجل من المهاجرين لم أسمعه يتغنى النصب؟!
    وصححه الألباني في تحريم آلات الطرب ص 128

    8-عبد الله بن الأرقم:
    روى البيهقي بسنده إلى الزهري قال:أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن أباه أخبره أنه سمع عبد الله بن الأرقم رافعا عقيرته يتغنى.
    قال عبد الله بن عتبة:ولا والله ما رأيت رجلا قط ممن رأيت وأدركت أراه قال:كان أخشى لله من عبد الله بن الأرقم.

    قال الجديع : (أثر صحيح أخرجه البيهقي (10/225) بإسناد صحيح)

    9-عامر بن الأكوع وسلمة بن الأكوع:
    روى الشيخان وغيرهما حدثنا عبد الله بن مسلمة : حدثنا حاتم بن إسماعيل ، عن يزيد بن أبي عبيد ، عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال :
    خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر ، فسرنا ليلاً ، فقال رجل من القوم لعامر : يا عامر ألا تسمعنا من هنيهاتك؟ وكان عامر رجلاً شاعراً حداء ، فنزل يحدو بالقوم يقول :
    اللهم لولا أنت ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا
    فاغفر فداء لك ما اتقينا وثبت الأقدام إن لاقينا
    وألقين سكينة علينا إنا إذا صيح بنا أبينا
    وبالصياح عولوا علينا
    فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من هذا السائق ) . قالوا : عامر بن الأكوع ، قال : ( يرحمه الله ) . قال رجل من القوم : وجبت يا نبي الله ، لولا أمتعتنا به....الحديث.

    10-عبد الله بن عمر:
    روى ابن قتيبة بسنده أنه كان يدعو عبد الله بن أسلم وخالد بن أسلم فيغنيان له. (الإمتاع ص 10)

    وذكر ابن حزم بسنده إلى ابن سيرين إن رجلا قدم المدينة بجوار فنزل على عبد الله بن عمر وفيهن جارية تضرب فجاء رجل فساومه فلم يهو منهن شيئا قال : انطلق إلى رجل هو أمثل لك بيعا من هذا قال : من هو ؟ قال : عبد الله بن جعفر فعرضهن عليه فأمر جارية منهن فقال : " خذي العود " فأخذته فغنت فبايعه ثم جاء إلى ابن عمر . . . إلى آخر القصة .
    على اختلاف في اسم الآلة التي عزفت بها وصحح إسناده ابن حزم وغلب على ظن الشيخ الألباني أنه صحيح كما قال في رسالته في تحريم آلات الطرب ص 103

    11-البراء بن مالك:
    روى أبو نعيم والحاكم بسنديهما إلى أنس بن مالك قال: كان البراء بن مالك رجلا حسن الصوت فكان يرجز لرسول الله –صلى الله عليه وسلم-.
    صححه الحاكم ووافقه الذهبي.


    12-أنجشة:
    روى البخاري ومسلم وغيرهما عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه و سلم كان له حاد جيد الحداء ، و كان حادي الرجال ، و كان أنجشة يحدو بأزواج النبي صلى الله عليه و سلم ، فلما حدا أعنقت الأبل ، فقال النبي صلى الله عليه و سلم : ويحك يا أنجشة رويداً سوقك بالقوارير .


    13-حسان بن ثابت:
    جاء في السير للذهبي عن الأَصْمَعِيُّ، وَغَيْرُهُ: عَنِ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ خَارِجَةَ بنِ زَيْدٍ، قَالَ:
    كَانَ الغِنَاءُ يَكُوْنُ فِي العُرَيْسَاتِ، وَلاَ يَحْضُرُهُ شَيْءٌ مِنَ السَّفَهِ كَاليَوْمِ، كَانَ فِي بَنِي نُبَيْطٍ مَدْعَاةٌ، كَانَ فِيْهَا حَسَّانُ بن ثَابِتٍ، وَابْنُهُ - وَقَدْ عَمِيَ - وَجَارِيَتَانِ تُنْشِدَانِ:

    انْظُرْ خَلِيْلَيَّ بِبَابِ جِلِّقَ هَلْ * تُؤْنِسُ دُوْنَ البَلْقَاءِ مِنْ أَحَدِ
    أَجْمَالَ شَعْثَاءَ إِذْ ظَعَنَّ مِنَ الـ * ـمَحْبِسِ بَيْنَ الكُثْبَانِ وَالسَّنَدِ
    فَجَعَلَ حَسَّانُ يَبْكِي، وَهَذَا شِعْرُهُ، وَابْنُهُ يَقُوْلُ لِلجَارِيَةِ: زِيْدِيْ.
    وَفِيْهِ:
    يَحْمِلْنَ حُوْرَ العُيُوْنِ تَرْفُلُ فِي الرَّ * يْطِ حِسَانَ الوُجُوْهِ كَالبَرَدِ
    مِنْ دُوْنِ بُصْرَى وَخَلْفَهَا جَبَلُ الثَّلْـ * ـجِ عَلَيْهِ السَّحَابُ كَالقِدَدِ
    وَالبُدْنُ إِذْ قُرِّبَتْ لِمَنْحَرِهَا * حِلْفَةَ بَرِّ اليَمِيْنِ مُجْتَهِدِ
    مَا حُلْتُ عَنْ عَهْدِ مَا عَلِمْتِ وَلاَ * أَحْبَبْتُ حُبِّي إِيَّاكِ مِنْ أَحَدِ
    أَهْوَى حَدِيْثَ النُّدْمَانِ فِي وَضَحِ الفَجْـ * ـرِ وَصَوْتَ المُسَامِرِ الغَرِدِ
    فَطَرِبَ حَسَّانُ، وَبَكَى. (2/521)

    وجاء في رسالة الشوكاني (إبطال دعوى الإجماع ص2) عن صالح بن حسان الأنصاري قال: كانت عزة الميلاء مولاة لنا وكانت عفيفة جميلة وكان عبد الله بن جعفر وابن أبي عتيق وعمر بن أبي ربيعة يغشونها في منزلها فتغنيهم وكان حسان معجبا بعزة الميلاء وكان يقدمها على سائر قيان المدينة.

    وجاء في الكامل للمبرد وذكره الزبيدي في شرح الإحياء وقال:ذكر ذلك أيضا صاحب التذكرة الحمدونية وابن المرزبان (7/569) عن خارجة بن زيد قال: دعينا إلى مأدبة فحضرنا وحضر حسان بن ثابت وكان قد ذهب بصره ومعه ابنه عبد الرحمن فجلسنا جميعا على مأدبة فلما فرغ الطعام أتونا بجاريتين مغنيتين إحداهما: ربعة والأخرى عزة الميلاء فجلست وأخذت بمزهريهما وضربتا ضربا عجيبا وغنتا بشعر حسان:
    فلا زال قصر بين بصرى وجلق عليه من الوسمى جود ووابل.

    فأسمع حسان يقول: قد أراني هناك سميعا بصيرا وعيناه تدمعان فإذا سكتتا سكنت عينه وإذا غنتا بكى! وكنت أرى عبد الرحمن ابنه إذا سكنتا يشير إليهما أن غنيا!

    14-معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص:
    روى ابن قتيبة بسنده: أن معاوية سمع عند ابنه يزيد الغناء على العود فطرب لذلك.


    15-أسامة بن زيد:
    روى البيهقي (10/224) وكذلك عبد الرزاق (11/5) بسنده عن الزهري عن عمر بن عبد العزيز عن عبد الله بن الحارث بن نوفل قال: رأيت أسامة بن زيد جالسا في المجلس رافعا إحدى رجليه على الأخرى رافعا عقيرته قال: حسبته قال:يتغنى النصب.

    وصححه الألباني في "تحريم آلات الطرب" ص 128 وقال:إسناده صحيح على شرط الشيخين.

    وفي رواية أخرى عند البيهقي: أنه رأى أسامة بن زيد في مسجد رسول الله –صلى الله عليه وسلم- مضجعا رافعا إحدى رجليه على الأخرى يتغنى النصب.

    قال الجديع : (أثر صحيح أخرجه البيهقي (10/225) و ابن عبد البر في "التمهيد" (22/197) و إسناده صحيح)

    قال مسلم بن الحجاج: والحديث كما قال القوم غير معمر. ذيل بهذا القول البيهقي على الحديث .
    وانظر كذلك التراتيب (2/134).

    16-عمران بن حصين:
    روى البخاري في الأدب المفرد عن مطرف بن عبد الله قال:صحبت عمران من الكوفة إلى البصرة فقل منزل بنزلة إلا أنشدنا فيه الشعر وقال إن في معاريض الكلام لمندوحة عن الكذب.
    صححه الألباني في صحيح الأدب المفرد برقمي 857 و885

    ثالثا: أقوال التابعين وأفعالهم -رضوان الله عليهم-:

    1-سعيد بن المسيب:
    روى ابن عبد البر: أنه سمع الغناء واستلذ به وضرب برجله وقال: هذا والله ما يلذ سماعه.
    نقله عنه الشوكاني في النيل (8/106) والأدفوي ص 106 وأورد القصة كذلك ابن الجوزي في تلبيس إبليس ص 251 وابن السمعاني في الذيل والطبراني.

    وروى ابن سعد في الطبقات (5/134) والذهبي في السير (4/241) أن سعيد بن المسيب كان يرخص لبنته في الكبر –يعني في الطبل الكبير- المدور المجلد من وجهين.

    2-القاضي شريح:
    نقل القاضي أبو منصور البغدادي في مؤلفه السماع قال: كان يصوغ الألحان ويسمعها من القيان.

    وقال الغزالي في الإحياء (2/249) والشوكاني في النيل (8/106):
    كان يسمع الغناء ويعزف الألحان وكان يصوغ الألحان ويميز بين البسيط والمديد والخفيف.

    3-الشعبي:
    نقل القاضي أبو منصور البغدادي قال: كان يقسم الأصوات إلى الثقيل الأول وإلى الثقيل الثاني وما بعدهما من المراتب.
    نقله عنه أبو منصور النابلسي في إيضاح الدلالات ص 17 والشوكاني في النيل (8/106).

    وذكر الحافظ ابن طاهر في كتابه (صفوة التصوف) بسنده أن الشعبي مر بجارية تغني:
    فتن الشعبي لما....
    فلما رأت الشعبي سكتت.
    فقال الشعبي قولي:رفع الطرف إليها.
    وساقه ابن السمعاني بأسانيده.

    4-عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق المعروف بابن أبي عتيق:
    روى الأستاذ أبو منصور البغدادي (نقله عنه النابلسي في إيضاح الدلالات ص 17) بسنده أنه:
    رغم كونه فقيها ناسكا كان يعلم القيان الغناء وسماعه كثير مشهور لا يختلف فيه أهل الأخبار بالأسانيد الجياد وكان كثير البسط والخلاعة مع فقه وزهد ونسك وعبادة.
    يقول الشيخ القرضاوي:لا يقصد بالخلاعة ما هو شائع اليوم من الميل إلى الفسق والفجور وإنما يقصد بها التبسط في اللهو والتوسع في رفاهية العيش.

    وقال الزبير بن بكار في الموفقيات:
    حدثتنا طيبة مولاة فاطمة بنت عمر بن مصعب بن الزبير عن أم سليمان بنت نافع أن ابن أبي عتيق دخل على جارية بالمدينة فسمعها تغني لابن سريج:
    ذكر القلب ذكره أم زيد والمطايا بالشهب شهب الركاب
    وبنعمان طاف منها خيال يا لقومي من طيفها المنتاب
    عللته وقربته بوعد ذاك منها إلى مشيب الغراب
    بت في نعمه وبات وسادي بين كف حديثة بخضاب

    فسألها ابن عتيق أن تعيده فأبت فخرج من عندها وركب نجيبا فقد مكة وأخذ ابن سريج وأدخله حماما وهيأه ثم جاء به إليها وقال:هذا يغني أحب أن تسمعني منه وتسمعيه قالت:نعم فأمر بالغناء فغنى أبياتا ذكرها الزبير فسألته أن يعيدها فقال له ابن أبي عتيق:خذ نعليك. أتعرفين ابن سريج؟......

    ونقل مذهبه في هذا الشوكاني في النيل (8/106).

    5-عطاء بن أبي رباح:
    روى البيهقي عن ابن جريج أنه سأل عطاء عن الغناء بالشعر؟ فقال: لا أرى به بأسا ما لم يكن فحشا.
    السنن الكبرى (10/225) والفتح (/539)

    ونقل ابن قتيبة عن عطاء :أنه ختن ولده وعنده الأبجر يغني.
    نقله عنه الشوكاني في النيل (8/106) وصاحب إيضاح الدلالات ص 18
    وقد روى هذا الفاكهي في أخبار مكة (3/23) مع زيادة في القصة.

    وقال الغزالي: وكان لعطاء جاريتان يلحنان فكان إخوته يستمعون إليهما.
    الإحياء (2/248) وذكره ابن الجوزي في تلبيس إبليس ص 234.

    وقال الأستاذ أبو منصور: إنه كان يقسم الأصوات إلى الثقيل الأول وإلى الثقيل الثاني وما بعدهما من المراتب.
    وروى ابن قتيبة بسنده إلى إبراهيم المخزومي قال:أرسلني أبي إلى عطاء بن أبي رباح أسأله عن مسألة فأتيته فوجدته في دار العقبى وعليه ملحفة معصفرة فقالوا له:يا أبا محمد لو أذنت لنا أرسلنا إلى العريض وابن سريج فقال:افعلوا ما شئتم...فيعثوا إليهما فحضرا وغنيا وعطاء يسمعهما حتى إذا مالت الشمس قام إلى منزله.

    6-عمر بن عبد العزيز:
    روى ابن قتيبة أنه كان قبل الخلافة يسمع من جواريه خاصة ولا يظهر منه إلا الجميل وربما صفق بيديه وتمرغ على فراشه طربا وضرب برجليه.
    انظر النيل (8/106) وإيضاح الدلالات ص 18

    وقد أثبت أمثال الذهبي في السير (5/370) وتاريخ الإسلام (5/19) والمزي في تهذيب الكمال (3/1551) وابن حجر في تهذيب التهذيب (11/311) أنه إبان إمرته على المدينة كان يجالس ويأنس بيعقوب بن دينار الماجشون المشهور بتعليم الغناء واتخاذ القيان.

    7-يعقوب بن دينار بن أبي سلمة "أبو يوسف الماجشون":
    روى الذهبي في السير(5/370) وتاريخ الإسلام (5/19) والمزي في تهذيب الكمال (3/1551) وابن خلكان في وفيات الأعيان (6/276) وابن حجر في تهذيب التهذيب (11/388) عن مصعب بن عبد الله قال: كان يعلم الغناء ويتخذ القيان ظاهرا أمره في ذلك مع صدقه في الرواية.

    وقال مصعب الزبيري: إنما سمي الماجشون لكونه كان يعلم الغناء ويتخذ القيان وكان يجالس عروة بن الزبير وعمر بن عبد العزيز في إمرته للمدينة.

    وأورد ابن خلكان بعض أسماء المعازف التي كان يستعملها ومنها الكبر والبربط.

    8-وقد نقل الشوكاني في النيل (8/105-106) عن عدد آخر من التابعين مثل سالم بن عمر وعبد الرحمن بن حسان وخارجة بن زيد وسعيد بن جبير ومحمد بن شهاب الزهري وإبراهيم بن سعد الزهري وطاوس بن كيسان.

    وعن ابن السمعاني: أنه –أي طاوس- رخص في الغناء.

    9-عكرمة مولى عبد الله بن عباس:
    ذكر الذهبي في السير (5/27) قال: قال يزيد بن هارون قدم عكرمة البصرة فأتاه أيوب وسليمان التيمي ويونس فبينا هو يحدثهم إذ سمع صوت غناء فقال: امسكوا ثم قال: قاتله الله لقد أجاد.
    فأما سليمان ويونس فما عادا إليه وعاد إليه أيوب فأحسن أيوب.

    10-سالم بن عبد الله بن عمر:
    ذكر الحافظ ابن طاهر بسنده أن سالم سمع الغناء من أشعب وساقه ابن السمعاني بأسانيده في أوائل الذيل.

    11-سعيد بن جبير:
    ذكر ابن طاهر بسنده عن امرأة عمرو بن الأصم قالت: مررنا ونحن جوار بسعيد بن جبير ومعنا جارية تغني ومعها دف وهي تقول:
    لئن فتنتني فهي بالأمس أفتنت سعيدا فأضحى قد قلى كل مسلم
    وألقى مفاتيح القراءة واشترى وصال الغواني بالكتاب المنمنم.

    فقال سعيد:تكذبين تكذبين!!
    ورواه الفاكهي في تاريخ مكة وابن السمعاني في الذيل.

    12-سعد بن إبراهيم:
    حكاه عنه ابن حزم وابن قدامة الحنبلي وغيرهما.

    رابعا: أقوال تابعي التابعين ومن بعدهم وأفعالهم -رحم الله الجميع-:

    *قال الشوكاني في النيل (8/105):
    فيما نقله عن ابن النحوي: فهم قوم لا يحصون.

    *وذكر منهم الشيخ عبد الغني النابلسي في إيضاح الدلالات عن ابن قتيبة ص 18 في الرخصة:
    عبد الملك بن جريج وهو من العلماء الحفاظ والفقهاء العباد المجمع على عدالته وجلالته وكان يسمع الغناء ويعرف الألحان ويميز بين البسيط والمديد والخفيف وكان يسمع الغناء فتسيل دموعه على لحيته ثم يقول: إن من الغناء لما يذكر بالجنة.

    ونقل ذلك عن الإمام الغزالي في الإحياء (2/249) وذكر ذلك أيضا الأستاذ أبو منصور.

    قال صاحب التذكرة الحمدونية:قال داود المكي: كنا في حلقة ابن جريج وهو يحدثنا وعنده جماعة منهم عبد الله بن المبارك وجماعة من العراقيين إذ مر به مغن فقال له: أحب أن تسمعني فقال له:إني مستعجل فألح عليه فغناه فقال له: أحسنت أحسنت ثلاث مرات ثم التفت إلينا فقال:لعلكم أنكرتم فقالوا: إنا ننكره في العراق فقال:ما تقولون في الرجز يعني الحداء؟ قالوا: لا بأس به. قال: وأي فرق بينه وبين الغناء!

    *أما محمد بن علي بن أبي طالب فقال ابن قتيبة: أنه سئل عن الغناء فقال: ما أحب أن أمضي إليه ولو دخل علي ما خرجت منه ولو كان في موضع لي فيه حاجة ما امتنعت من الدخول.

    *أما محمد بن سيرين فقد روى ابن أبي شيبة عن ابن عون قال: كان في آل محمد (يعني ابن سيرين) ملاك (أي زواج) فلما أن فرغوا ورجع محمد إلى منزله قال لهن (أي للنساء): أين طعامكن؟ قال ابن عون:يعني الدف.

    *وأما عبيد الله بن الحسن: فكان من مذهبه إباحة الغناء اتفقت النقلة على ذلك ونصب الفقهاء الخلاف عنه فيه وممن حكاه عنه الساجي في كتابه في الخلاف وابن المنذر في الإشراف والقاضي أبو الطيب وغيرهم.

    *إسحاق بن إبراهيم الموصلي:
    ترجم له الذهبي في السير (11/118-121)فقال:
    الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، الحَافِظُ، ذُو الفُنُوْنِ، أَبُو مُحَمَّدٍ إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مَيْمُوْنٍ التَّمِيْمِيُّ، المَوْصِلِيُّ، الأَخْبَارِيُّ، صَاحِبُ المُوْسِيقَى، وَالشِّعْرِ الرَّائِقِ، وَالتَّصَانِيْفِ الأَدَبِيَّةِ، مَعَ الفِقْهِ، وَاللُّغَةِ، وَأَيَّامِ النَّاسِ، وَالبَصَرِ بِالحَدِيْثِ، وَعُلُوِّ المَرْتَبَةِ.

    وبعد أن ذكر شيوخه وتلاميذه وبعض وقائع حياته وثناء العلماء عليه قال:
    عَنْ إِسْحَاقَ: أَنَّهُ كَانَ يَكرَهُ أَنْ يُنسَبَ إِلَى الغِنَاءِ، وَيَقُوْلُ: لأَنْ أُضرَبَ عَلَى رَأْسِي بِالمَقَارِعِ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يُقَالَ عَنِّي: مُغَنِّي.
    وَقَالَ المَأْمُوْنُ: لَوْلاَ شُهْرَةُ إِسْحَاقَ بِالغِنَاءِ، لَوَلَّيْتُهُ القَضَاءَ.

    وفي ترجمته في تاريخ بغداد (6/338-345):
    حدثني أبو سعيد مسعود بن ناصر السجزي حدثنا علي بن أحمد بن إبراهيم السرخاباذى حدثنا أحمد بن فارس بن حبيب حدثني محمد بن عبد الله الدوري بمدينة السلام حدثني علي بن الحسين بن الهيثم حدثنا الحسين بن علي المرداسى قال حدثنا حماد بن إسحاق بن إبراهيم الموصلي قال قال لي أبي قلت ليحيى بن خالد أريد ان تكلم لي سفيان بن عيينة ليحدثنى أحاديث فقال نعم إذ جاءنا فأذكرنى قال فجاءه سفيان بن عيينة فلما جلس أومأت الى يحيى فقال له يا أبا محمد إسحاق بن إبراهيم من أهل العلم والأدب وهو مكره على ما تعلمه منه فقال سفيان ما تريد بهذا الكلام فقال تحدثه بأحاديث قال فتكره ذلك فقال يحيى أقسمت عليك إلا ما فعلت قال نعم فليبكر الى قال فقلت ليحيى افرض لي عليه شيئا فقال له يا أبا محمد افرض له شيئا قال نعم قد جعلت له خمسة أحاديث قال زده قال قد جعلتها سبعة قال هل لك ان تجعلها عشرة قال نعم قال إسحاق فبكرت اليه واستأذنت ودخلت فجلست بين يديه واخرج كتابه فأملى علي عشرة أحاديث فلما فرغ قلت له يا أبا محمد ان المحدث يسهو ويغفل والمحدث أيضا كذلك فان رأيت أن اقرأ عليك ما سمعته منك قال اقرأ فديتك فقرأت عليه وقلت له أيضا ان القارىء ربما اغفل طرفه الحرف والمقروء عليه ربما ذهب عنه الحرف فانا في حل ان أروى جميع ما سمعته منك قال نعم فديتك أنت والله فوق ان تستشفع أو يشفع لك فتعال كل يوم فلوددت ان سائر أصحاب الحديث كانوا مثلك


    وقال: حدثنا حسن بن علي المقنعى عن محمد بن موسى الكاتب قال أخبرني يوسف بن يحيى بن علي المنجم عن أبيه عن جده عن إسحاق قال بقيت دهرا من دهرى اغلس في كل يوم الى هشيم أو غيره من المحدثين فاسمع منه ثم اصير الى الكسائي أو الفراء أبو بن غزالة فاقرا عليه جزءا من القرآن ثم آتى الى منصور زلزل فيضاربنى طريقين أو ثلاثة ثم آتى عاتكة بنت شهدة فآخذ منه صوتا أو صوتين ثم آتى الأصمعي وأبا عبيدة فأناشدهما وأحدثهما وأستفيد منهما ثم اصير الى أبي فاعلمه ما صنعت ومن لقيت وما أخذت وأتغدى معه فإذا كان العشى رحلت الى أمير المومنين الرشيد.

    وانظر كامل ترجمته في تاريخ بغداد.



    *إبراهيم بن سعد بن إبراهيم الزهري (شيخ الشافعي وقد روى له الجماعة):
    روى الخطيب البغدادي في تاريخه (6/84) أنه سئل عن الغناء فأفتي بتحليله وأتاه بعض أصحاب الحديث ليسمع منه أحاديث الزهري فسمعه يتغنى فقال لقد كنت حريصا على أن أسمع منك فأما الآن فلا سمعت منك حديثا أبدا فقال إذا لا أفقد إلا شخصك علي وعلى أن حدثت ببغداد ما أقمت حديثا حتى أغني قبله وشاعت هذه عنه ببغداد فبلغت الرشيد فدعا به فسأله عن حديث المخزومية التي قطعها النبي صلى الله عليه وسلم في سرقة الحلى فدعا بعود فقال الرشيد أعود المجمر قال لا ولكن عود الطرب فتبسم ففهمها إبراهيم بن سعد فقال لعله بلغك يا أمير المؤمنين حديث السفيه الذي آذاني بالأمس وألجأني إلى أن حلفت قال نعم ودعا له الرشيد بعود فغناه
    يا أم طلحة إن البين فد أفدا قل الثواء لئن كان الرحيل غدا
    فقال الرشيد من كان من فقهائكم يكره السماع قال من ربطه الله قال فهل بلغك عن مالك بن أنس في هذا شيء قال لا والله إلا أن أبي أخبرني أنهم اجتمعوا في مدعاة كانت في بني يربوع وهم يومئذ جلة ومالك أقلهم من فقهه وقدره ومعهم دفوف ومعازف وعيدان يغنون ويلعبون ومع مالك دف مربع وهو يغنيهم
    سليمى أجمعت بينا
    فأين لقاؤها أينا
    وقد قالت لأتراب
    لها زهر تلاقينا
    تعالين فقد طاب
    لنا العيش تعالينا
    فضحك الرشيد ووصله بمال عظيم.

    *المنهال بن عمرو الأسدي مولاهم الكوفي:
    وهو ثقة من رجال الحديث المعروفين وكان حسن الصوت وكان له لحن يقال له: وزن سبعة.
    وكان يأذن لبناته بضرب الطنبور.
    قال شعبة بن الحجاج: أتيت منزل المنهال فسمعت منه صوت الطنبور فرجعت ولم أسأله.
    قال ابن أبي حازم بعد ذكر هذه الحكاية: فإن هذا ليس بجرح إلا إن تجاوز إلى حد التحريم ولم يصح ذلك عنه وجرحه بهذا تعسف ظاهر.
    ذكر ذلك كله ابن عدي في الكامل (6/233) والذهبي في الميزان (4/193) وابن حجر في تهذيب التهذيب (10/319).وقال الألباني في تحريم آلات الطرب: وإسناده إلى شعبة صحيح.
    وقال الذهبي: وهو لا يوجب غمز الشيخ وقال مثله الحافظ ابن حجر.

    *سفيان بن عيينة:
    ذكر ذلك عنه الشيخ الماوردي في "الحاوي" (2/548).
    وكذلك نقل عنه الحافظ الزبير بن بكار –وهو تلميذه- في الموفقيات (نقله عنه الحافظ النابلسي في إيضاح الدلالات ص 22) في قصة قدوم ابن جامع مكة بمال كثير فقال سفيان لأصحابه: علام يعطي ابن جامع هذه الأموال؟ قالوا :على الغناء .
    قال:ما يقول؟ قالوا: يقول:
    أطوف بالبيت مع من يطوف وأرفع من مئزري للعمل
    وأسجد بالليل حتى الصباح وأتلوا من المحكم المنزل

    قال: أحسن وأصلح ثم ماذا؟ قالوا: يقول:

    عسى فارج الهم عن يوسف يسخر لي ربة المحمل

    قال:أفسد الخبيث ما أصلح لا سخرها الله له.

    وساقه المبرد في الكامل إلا أنه قال: حلالا حلالا.

    *الحافظ إياس بن معاوية:
    روى ذلك عنه الفاكهي في أخبار مكة (3/24) بإسناد حسن: حدثنا محمد بن إدريس بن عمر قال: ثنا الحميدي قال: ثنا سفيان عن هشام بن حجير عن إياس بن معاوية قال: إنه ذكر الغناء فقال: هو بمنزلة الريح يدخل من هذه ويخرج من هذه.
    قال سفيان: يذهب إلى أنه لا بأس به.

    * وقد ذكر الحافظ ابن دقيق العيد في كتابه "اقتناص السوانح" نبذة من ذلك وساق بأسانيده عن الصحابة رضوان الله عليهم ممن قدمنا ذكره ثم قال:

    بعد ذكرنا هذه الجملة من الحجة لما بلغني من إنكار جاهل بمعرفة الآثار وما درج عليه المهاجرون والأنصار..
    إلى قوله سئل محمد بن كعب القرظي: ما حد الخزلان؟ فقال:أن يقبح الرجل ما كان مستحسنا ويستحسن ما كان قبيحا (انظر إيضاح الدلالات ص22).

    *وقال الشوكاني في رسالته في السماع ص 18:
    إن السماع بآلة وغيرها من مواطن الخلاف بين أهل العلم ومن المسائل التي ينبغي التشديد في النكير على فاعلها.
    وهذا الغرض هو الذي حملنا على جمع هذه الرسالة لأن في الناس من يزعم لقلة عرفانه بعلوم الاستدلال وتعطل جوابه عن الدراية بالأقوال: إن تحريم الغناء بآلة وغيرها من القطعيات المجمع على تحريمها.
    وقد علمت أن هذه الفرية ما فيها مرية وجهالة لا محالة وقصر باع بغير نزاع.
    فهذا هو الأمر الباعث على جمع هذه المباحث:
    لما لا يخفى على عارف أن رمي من ذكرنا من الصحابة والتابعين وتابعيهم وجماعة من أئمة المسلمين بارتكاب محرم قطعا من أشنع الشنع وأبدع البدع وأوحش الجهالات وأفحش الضلالات فقصدنا الذب عن أعراضهم الشريفة والدفع عن هذا الجناب للعقول السخيفة..أ.هـ

    *ويقول ابن كنانة في شرح الخرشي على خليل (3/304): تجوز الزمارة والبوق التي لا تلهي كل اللهو.
    ويقول الونشريسي في المعيار (11/108): لما سئل عن الضرب بالطار المزنج والأكف؟ هل ذلك مما يجوز سماعه أو هو مكروه أو محرم.
    فأجاب:الطار المزنج والضرب بالأكف لا يقال في ذلك إنه حرام بمجرده إلا أن يقترن به محرم فيحرم بسبب ما صحبه لكن ضرب الأكف من باب اللهو يفتقر ذلك في العرس الذي أباح الشرع فيه بعض اللهو وأما في غير ذلك فهو لعب ولهو ولا يتعاطى ذلك مهتم بدينه أ.هـ

    *مسعود الكاساني الحنفي:
    جاء في بدائع الصنائع (9/4030) أنه قال في شهادة المغني:
    و إن كان يفعل ذلك مع نفسه لدفع الوحشة لا تسقط عدالته لأن ذلك مما لا بأس به ، لأن السماع مما يرقق القلوب ، لكن لا يحل الفسق به .
    و أما الذي يضرب شيئاً من الملاهي فإنه ينظر إن لم يكن مستشنعاً كالقصب و الدف و نحوه لا بأس به و لا تسقط عدالته ، و إن كان مستشنعاً كالعود و نحوه سقطت عدالته ، لأنه لا يحل بوجه من الوجوه .

    *الإمام أبو حنيفة:
    نقل ابن قتيبة في الرخصة: عن الإمام أبي حنيفة أنه كان له رجل وكان في كل ليلة يغني وكان يستمع إليه وذات مرة فقد صوته فسأل عنه؟ فقيل: إنه وجد بالليل فسجن فلبس أبو حنيفة عمامته وتوجه إلى الأمير ابن عيسى فشفع فيه فأخرج من سجنه. أ.هـ باختصار. وذكرها ابن عبد ربه في العقد الفريد وكذلك أوردها بزيادات كثيرة الحافظ أبو محمد عبد الواحد بن علي التميمي المراكشي صاحب كتاب (المعجب في أخبار أهل المغرب)

    يقول الشيخ عبد الغني النابلسي في إيضاح الدلالات ص 20 بتصرف:
    تضمنت الحكاية أنه كان يستمع ومع ذلك لم ينكر عليه وما ذلك إلا لأن الغناء مباح وإلا فمقام المفتي والمرشد لا يقر على الخطأ ويشفع لأهله وما ورد عن أبي حنيفة بخلافه يحمل على الغناء المقترن بشئ من الفحش أو المنكر جمعا بين القول والفعل. وذكر هذه الفائدة الكمال الأدفوي في الإمتاع.

    حكى صاحب التذكرة الحمدونية أنه سئل هو وسفيان الثوري عن الغناء فقالا: ليس من الكبائر ولا من أسوأ الصغائر.

    *الإمام مالك بن أنس:
    قال القرطبي في تفسيره (14/55): حكى عنه –أي عن مالك- زكريا الساجي أنه كان لا يرى بالغناء بأسا.
    قال الونشريسي في المعيار (11/80): قال معن بن عيسى: أتى ابن سرجون الشاعر إلى مالك وقال له :قلت شعرا وأردت أن تراه وتسمعه فقال مالك: لا –وظن أنه هجاه- فقال: لتسمعنه فقال:هات فأنشده:

    سلوا مالك المفتي عن اللهو والغنا وحب الحسان المعجبات العواتك
    فيفتيكم أني مصيب وإنما أسلي هموم النفس عني بذلك
    فهل محب يكتم الحب والنوى أثام وهل في صحة المتهالك
    قال:فضحك مالك وكان قليل الضحك.

    وقال مالك: إن اللهو الخفيف مثل الدف والكبر فإني أراه خفيفا. قاله ابن القاسم والخرشي على مختصر خليل (3/304) وانظر التمهيد لابن عبد البر (10/180).
    ونقل الشوكاني عن القفال أن مالكا أباح الغناء والمعازف.
    وحكى الإباحة عنه أبو القاسم القشيري والأستاذ أبو منصور وغيرهما.

    ويقول الزبيدي في الإتحاف (7/575) بعد أن ذكر أنه سأل فضلاء المالكية عن نص عن مالك في الحرمة فأخبروه أنه لا يوجد فقال ما ملخصه:
    وبالجملة:فإذا لم يكن له نص في المسألة فما استنبطوه غير متجه إذ هو محتمل وما نقل عنه بالإسناد أنه سئل عنه فقال: إنما يفعله عندنا الفساق محتمل وأنه لا يجوز: محمول على غناء يقترن به منكر ونحوه جمعا بين النقول التي قدمناها التي هي صريحة وأيضا فقوله: إنما يفعله عندنا الفساق محتمل أن الذين نعهدهم أو نعرفهم يسمعونه عندنا وصفهم كذا فلا يدل على التحريم كما إذا قلت: ما قولك في المتفرجين في البحر؟ فتقول: إنما يفعله عندنا أهل اللعب والفساد فلا دلالة على تحريم فرجة البحر.

    *الإمام الشافعي:
    يقول في الأم (6/209): إذا كان يرضى بالغناء لنفسه كان مستخفا وإن لم يكن محرما بين التحريم.
    وقال الإمام الغزالي في الإحياء: ليس تحريم الغناء من مذهبه أصلا.

    وقال يونس بن عبد الأعلى: سألت الشافعي رحمه الله عن إباحة أهل المدينة للسماع؟ فقال:لا أعلم أحدا من علماء الحجاز كره السماع إلا ما كان منه في الأوصاف فأما الحداء وذكر الأطلال والمرابع وتحسين الصوت بألحان الشعر فمباح. ذكره الزبيدي في شرح الإحياء (2/284).

    *الإمام أحمد:
    يقول ابن الجوزي في تلبيس إبليس ص 221 :
    وقد روينا أن أحمد سمع قوالا عند ابنه صالح فلم ينكر عليه . فقال له صالح : يا أبت أليس كنت تنكر هذا ؟ فقال : إنما قيل لي أنهم يستعملون المنكر فكرهته ، فأما هذا فإني لا أكرهه .
    قال المصنف رحمه الله : قلت ، وقد ذكر أصحابنا عن أبي بكر الخلال وصاحبه عبد العزيز إباحة الغناء .

    وقال بن عقيل في كتابه المسمى بالفصول: صحت الرواية عن أحمد أنه سمع الغناء عن ابنه صالح وذكر ذلك شارح المقفى.

    *ترجم البخاري في صحيحه باب سنة العيدين لأهل الإسلام حيث جعل الغناء يوم العيد من سنن الإسلام كما فعل ذلك وقاله رسول الله –ص-.

    وترجم الإمام مسلم باب الرخصة في اللعب الذي لا معصية فيه في أيام العيد.

    وعددا في صحيحيهما من تلك السنن: غناء الجاريتين في بيت رسول الله –ص-عند عائشة.

    ,وترجم الحافظ النسائي في سننه "باب الرخصة في الاستماع إلى الغناء وضرب الدف يوم العيد" وترجم في النكاح ب"اللهو والغناء عند العرس".

    ,وترجم ابن ماجة "باب إعلان النكاح"وذكر الضرب الدف ثم ترجم "باب الغناء والدف".

    ,ترجم البيهقي في السنن الكبرى باب ما لا ينهى عنه من اللعب وباب لا بأس باستماع الحداء ونشيد الأعراب كثر أو قل.
    ,ترجم الحاكم في مستدركه بعنوان :"رخصة الغناء في العرس" رواه عنه ابن الجوزي قال: وقد أنبأنا زاهر بن طاهر قال أنبأنا أبو عثمان الصابوني وأبو بكر البيهقي قالا أنبأنا الحاكم أبو عبد الله النيسابوري قال : أكثر ما التقيت أنا وفارس بن عيسى الصوفي في دار أبي بكر الابريسمي للسماع من هزارة رحمها الله فإنها كانت من مستورات القوالات .
    وعزاه ابن الجوزي لكتاب "تاريخ نيسابور".
    Admin
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 2093
    تاريخ التسجيل : 01/03/2010
    الموقع : hmsain.ahlamontada.com

    الغناء بين الحل والحرمة Empty تعقيبات وملاحظات: *هل مسالة الغناء بآلة وغيرها من المختلف فيه أم من المجمع عليه؟ *المؤلفات التي تكلمت عن موضوع الغناء إفرادا وضمنا على مر العصور.

    مُساهمة  Admin الخميس 23 يونيو 2011 - 16:39

    هل مسألة الغناء -بآلة وغيرها- مسألة خلافية أم هي من المجمع عليه؟
    هنا جواب السؤال المذكور في العنوان:

    1-ثمانية أقوال ذكرها الإمام ابن جماعة:
    سئل الإمام بدر الدين بن جماعة عن الغناء وحكمه فقال:
    هذه مسألة خلافية تباينت فيها الطرق تباينا لا يوجد في غيرها وصنف العلماء فيها تصانيف ولم يتركوا فيها لقائل مقالا وملخص القول أن الناس على أربعة أقسام فرقة استحسنت أي استحبت وفرقة أباحت وفرقة كرهت وفرقة حرمت وكل واحدة من هذه الفرق على قسمين:
    فمنهم من أطلق القول ومنهم من قيده بشرط (انظر الإتحاف للزبيدي (7/7).

    يقول الشيخ القرضاوي:
    ومعنى هذا أن لدينا في موضوع الغناء ثمانية أقوال:
    الأول: قول من استحب بإطلاق.
    الثاني:قول من استحب بقيود وتفصيل.
    الثالث: قول من أباح بإطلاق.
    الرابع: قول من أباح بقيود وتفصيل (وأنا من أصحاب هذا القول).
    الخامس:قول من كره بإطلاق.
    السادس:قول من كره بقيود وتفصيل.
    السابع: قول من حرم بإطلاق.
    الثامن:قول من حرم بقيود وتفصيل.

    2-أحد عشر قولا ذكرها ابن حجر الهيتمي:
    ذكر ابن حجر الهيتمي في "كف الرعاع" (2/277-278) أحد عشر قولا في حكم القسم الثاني من الغناء الذي أصبح صناعة يتفنن فيها المتفنون ويدخلها التلحين والتحسين وهو الذي اختلف فيها إذ الغناء الفطري الذي يترنم به الإنسان لنفسه أو غناء الأم لطفلها أو حداء الأعراب ونحو ذلك لا يشك أنه مباح.

    أحدها: أنه حرام:
    قال القرطبي:وهو مذهب مالك. قال أبو إسحاق: سألت مالكا عما يرخص فيه أهل المدينة من الغناء؟ فقال: إنما يفعله عندنا الفساق. فهو مذهب سائر أهل المدينة إلا إبراهيم ابن سعد وحده فإنه لم ير به بأسا.
    وهو أيضا مذهب أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه وسائر أهل الكوفة: إبراهيم النخعي والشعبي وحماد وسفيان الثوري وغيرهم لا خلاف بينهم فيه وهو أحد قولي الشافعي وأحمد رضي الله عنهما.
    وقال الحارث المحاسبي: الغناء حرام كالميتة ووقع لإمام مذهبنا الرافعي في الشرح الكبير أنه في موضعين منه في البيوع والغصب أطلق أن الغناء حرام وتابعه النووي في الروضة على الثاني.
    قال الأذرعي: وظاهر مذهب مالك ما قاله القرطبي أي لا يأتي عن الماوردي.

    ثانيها:أنه مكروه:
    وهو الأظهر عند الشافعي وأحمد وأكثر أصحابهما وقول أهل البصرة.
    وقال غير واحد من العلماء:لا يعرف عن أهل البصرة خلاف في كراهته.
    وقال الماوردي: حرم الغناء قوم وأباحه آخرون وكرهه مالك والشافعي وأبو حنيفة في أصح ما قيل عنهم ومر أن سماعه من أجنبية مع أمن الفتنة مكروه لكنه شديد الكراهة ومع خوفها حرام بلا خلاف.

    ثالثها:الإباحة:
    وهو المروي عن إبراهيم بن سعد والعنبري وهما شاذان. على أن العنبري مبتدع في اعتقاده غير مرضي عنه وإبراهيم بن سعد ليس من أهل الاجتهاد.
    وحكاية أبو طالب المكي لذلك عن جماعة من الصحابة والتابعين وأن الحجازيين لم يزالوا يسمعون السماع في أفضل أيام السنة: الأيام المعدودات إن صحت هذه الحكاية فهي من القسم الأول دون الثاني.
    قال: وقد حكى جمع من الشافعية كالقشيري عن مالك الإباحة ولا يصح عنه بوجه.

    رابعها:يحرم كثيره دون قليله:
    ذكره بعض شراح المنهاج وقال: ذكره الرافعي رحمه الله تعالى عن رواية السرخسي واقتضى إيراد ابن أبي هريرة أنه المذهب فإنه قال:قال الشافعي : لا نبيحه مطلقا ونقول: إن كان كثيرا دخل في باب السفه أ.هـ ونازعه الأذرعي في دلالة هذا على التحريم وإنما يدل على ترك المروءة أ.هـ.
    والحق أنه ظاهر في التحريم إذ سلب الإباحة وعده من السفه إنما يليقان بالتحريم دون خرم المروءة كما يعرف من كلامهم فيها.

    خامسها:يحرم فعله وسماعه إلا إذا كان في بيت خال:
    على أحد وجهين ذكره بعض تلامذة البغوي ونظر فيه الأذرعي ثم قال: وأحسبه راجعا لرد الشهادة بالمجاهرة دون إخفائه.
    ويجاب بأن هذا لا ينافي الحرمة لتصريحهم بأن من تحمل شهادة يحرم عليه فعل خارم لمروءته وإن أبيح في نفسه لأن فعله إبطال لحق الغير.

    سادسها:يحرم إن كان من امرأة لرجل أو لرجال أو من رجل لامرأة أو نساء أو إن اقترن به نحو مسكر أو أكثر منه أو انقطع إليه ذكره الحليمي من أكابر أصحابنا.

    سابعها:إن صحت النية فيه لم يكره وإلا كره.
    قاله الخوارزمي في كافيه ونازع الأذرعي في عد هذا بأن صاحب الكافي ليس من أصحاب الوجوه.

    ثامنها:يجوز الغناء وسماعه إن سلم من تضييع فرض أو حرمة مبيح وكان من رجل أو محرم لرجل ولم يسمعه على قارعة طريق ولم يقترن به مكروه ذكره الأستاذ أبو منصور.

    تاسعها: يحرم إن كان بجعل كما نقل الأستاذ عن نص الشافعي رضي الله عنه.

    عاشرها: هو طاعة إن نوى به نزوع القلب على الطاعة ومعصية إن نوى به التقوية على المعصية فإن لم ينو طاعة ولا معصية فهو معفو عنه كخروج الإنسان إلى بستان وقعوده على بابه متفرجا.
    ذكره ابن حزم ونحا نحوه الغزالي وغيره.

    حادي عشرها:إن كان ما استعمل يحتمل وجهين: جائزا ومحرما فسماعه جائز وإن لم يحتمل إلا وجها واحدا وهو وجه الفسق فحرام.
    ذكره الروياني في بحره عن بعض أصحابنا الخراسيين وهو صحيح وبه يتأيد ما قدمته آخر التنبيه الأول.

    هذا جملة ما يتحصل للعلماء في الغناء من الأقوال.

    وهذا ذكر المؤلفات التي تناولت موضوع الغناء -بآلة وغيرها- بشكل منفرد او وسط مباحث أخرى وسنرى أن معظمها مع المبيحين بشروط:

    ذكر العلامة الكتاني في كتابه القيم (التراتيب الإدارية) طائفة لا بأس بها ممن ألفوا في الغناء قال:
    الإمام ابن قتيبة (ت:276 هـ) حيث ألف كتاب " الرخصة في السماع " .
    الإمام أبو منصور التميمي البغدادي (ت:429 هـ) واسمه عبد القاهر .
    الإمام أبو محمد بن حزم الأندلسي (ت: 456 هـ) .
    الإمام أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد بن أحمد بن حبيب العامري البغدادي.
    وفي الميزان الكبرى للشعراني بعد كلام: صنف الإمام الحافظ أبو الفضل محمد بن طاهر بن علي المقدسي (ت:507 هـ) كتابا نقض فيه أقوال من قال بتحريم السماع وجرح النقلة للحديث الذي أوهم التحريم وذكر من جرحهم من الحفاظ واستدل على إباحة السماع واليراع والدف والأوتار بالأحاديث الصحيحة وجعل الدف سنة. ومؤلفه وصف بأنه واسع البحث وقد تداوله أجلاء .
    قال الشيخ ابن غفار القوصي: وقد قرأت ذلك على الحافظ شرف الدين الدمياطي وأجازني به الحافظ أبي طاهر السلفي الأصبهاني بسماعه من المصنف.وقال: لا فرق بين سماع الأوتار وسماع صوت الهزار والبلبل وكل طير حسن الصوت فكما أن صوت الطير مباح سماعه فكذلك الأوتار. أ.هـ

    وكتاب المقدسي المذكور تأليف عجيب نادر الوجود واسع البحث وقفت على نسخة منه بزاوية الهامل ببوسعادة من القطر الجزائري.
    يقول الشيخ القرضاوي في إشارة لهذا الكتاب الأخير:
    قد نشر في مصر من سنين بتحقيق أبي الوفا المراغي نشره المجلس الأعلى للشئون الإسلامية وقد يحتاج إلى إعادة نشره وتحقيقه فليستفد من هذه النسخة الجزائرية لعلها باقية ولم تضع.

    الإمام محمد بن عمر بن محمد البستي المعروف بالدرَّاح ومؤلفه سماه : " الكفاية والغناء في أحكام الغناء " .
    الإمام المؤرخ المطلع أبو الفضل كمال الدين جعفر الأدفوى الشافعي (ت:748 هـ) ، ومؤلفه سماه : " الإمتاع بأحكام السماع " وهو نفيس .
    وقد قال الإمام الأسنوي في طبقات الشافعية عن كتاب الأدفوي: كتاب نفيس أنبأ فيه إطلاع كثير. أ.هـ
    وقال عنه الحافظ الشوكاني: لم يؤلف مثله في بابه.
    ويقول الكتاني: لم أر له نظيرا فيما ألف في المسألة ولا أعلى نقلا وأجود بحثا. أ.هـ
    يقول الشيخ القرضاوي:
    ومن العجيب أن هذا الكتاب المهم الذي نقل عنه الناف=قلون ونوه به الكثيرون لم يطبع إلى الآن على أهميته ولعل بعض شبابنا النابهين يقومون بتحقيقه وإعداده للنشر وهو يستحق أن يكون محل أطروحة أكاديمية.
    وقد لخصه الحافظ الذهبي في رسالة مختصره نشرت أخيرا بعنوان (الرخصة في الغناء والطرب) بتعليق وتخريج د.كمال الجمل دار الكلة بالمنصورة بمصر.
    ومخطوطة الإمتاع توجد في مكتبة الإسكوربال وتوجد مصورة منها في مكتبة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة رقم (3704) فيلم ولعله يوجد في المغرب فقد نوه به الكتاني ولعله رآه في بلده.
    ولا أدري لماذا لم توجد نسخة منه في مصر ومؤلفه عالم فقيه مصري صعيدي من أدفو؟!!


    الإمام أبو القاسم القشيري (ت: 465 هـ).
    الإمام تاج الدين الفزارى .
    الإمام العز بن عبدالسلام سلطان العلماء .
    الإمام تقي الدين ابن دقيق العيد (ت:703 هـ) له تأليف في الجواز مسميا كتاب الأخير ب (اقتناص السوانح).
    الإمام أبو المواهب التونسي (محمد الشاذلي) ، وقد سمي مؤلفه " فرح الإسماع برخص السماع " . وهو الذي رد عليه ابن حجر الهيتمي بكتابه "كف الرعاع".
    الإمام أبو الفتوح أحمد الغزالي ، وقد سمي مؤلفه " بوارق الإجماع في تكفير من يحرم مطلق السماع " .
    الحافظ محمد بن على الشوكاني (ت:1250 هـ) ، ومؤلفه هو " بطلان الإجماع على تحريم مطلق السماع "
    القاضي أبو عيسى عبد الرحيم الكجراتي أحد شارحي خطبة القاموس.
    الأستاذ عبدالغني النابلسي ، وقد سمى مؤلفه : " إيضاح الدلالات في سماع الآلات " .
    الإمام أبو زيد عبد الرحمن بن مصطفى العيدروس اليمني ، وقد سمى مؤلفه : " تشنيف الأسماع ببعض أسرار السماع " .
    الإمام الحافظ ابن رجب الحنبلي ، وقد سمي مؤلفه : " نزهة الإسماع في مسألة السماع " .
    الأستاذ جعفر بن إدريس الكتاني ، ومؤلفه في مجلد ،واسمه (مواهب الأرب المبرأة من الجرب في السماع وآلات الطرب)
    وله مختصر لأبي العباس أحمد بن الخياط الزكاري الفاس.
    انتهى ما ذكره العلامة الكتاني بتصرف.
    ونزيد على هؤلاء الذين ذكرهم صاحب (التراتيب الإدارية) أخرين منهم:
    الحافظ الذهبي في رسالة (رسالة الرخصة في الغناء والطرب بشرطه) وقد طبع أخيرا محققا وقد أشرنا إليه سابقا.
    العلامة ابن حجر الهيتمي في مؤلفه (كف الرعاع عن محرمات اللهو والسماع).
    ومنهم شيخ الأزهر في عصره: الشيخ حسن العطار.

    وقد نقل الباحث السعودي أ.د./ سالم بن علي الثقفي في كتابه (أحكام الغناء والمعازف) عدة مؤلفات أخرى نذكرها فيما يلي:
    أحاديث ذم الغناء والمعازف في الميزان لعبد الله بن يوسف الجديع.
    أحكام الملاهي لأبي الحسين بن المنادي.
    الاعتناء بالغناء وفي أحكام السماع لعلي القاري (مخطوط).
    تحريم النرد والشطرنج والملاهي لمحمد بن حسين الآجري.
    تنزيه الشريعة عن إباحة الأغاني الخليعة لأحمد بن يحيى النجمي.
    جزء جمع فيه الأحاديث والآثار المروية في ذم الغناء لإسماعيل بن عمر بن كثير.
    حرمة الغناء والسماع لعصمة الله السهانفوري (مخطوط).
    حكم الإسلام في الغناء لابن القيم.
    ذم الملاهي لأبي بكر عبد الله بن محمد بن سفيان بن أبي الدنيا.
    رسالة في الغناء الملهي أمباح أم محظور؟ لابن حزم.
    رسالة في ذم الشبابه والرقص والسماع لأبي عبد الله بن قدامة المقدسي.
    رسالة في تحقيق مسألة السماع لمحمد بن إبراهيم بن جماعة (مخطوط).
    رسالة في حكم السماع لعلي النووي.
    رسالة في مسألة السماع لأحمد بن إبراهيم الواسطي (ت:964 هـ).
    الرهص والوقص لمستحل الرقص لإبراهيم بن محمد الحلبي المتوفي سنة 926 هـ.
    الشهب المرمية لمحق المعازف والمزامير وسائر الملاهي بالأدلة النقلية والعقلية.
    فتاوى في الغناء لأبي العباس أحمد بن الحسن بن عبد ربه بن أبي عمر الحنبلي المعروف بابن قاضي الجبل.
    فصل الخطاب في الرد على أبي تراب لمحمود بن عبد الله التويجري.
    القيان والغناء في العصر الجاهلي للدكتور ناصر الدين الأسد.
    الكاشف لحديث تحريم المعازف لعلي حسن عبد الحميد الحلبي.
    كتاب الغناء وتحريمه لأحمد بن عبد الله الطبري المتوفي 294 هـ.
    كتاب اللهو والملاهي لابن خرداذبة المتوفى 300 هـ.
    كتاب اللهو واللعب والملاهي ونزهة الفكر الساهي لأحمد بن محمد الشرخي المتوفي 286 هـ.
    كتاب تجويز السماع لأبي محمد عطية بن سعيد الأندلسي المتوفى 407 هـ أشار إليه الحافظ في "تذكرة الحفاظ" (3/1088).
    كتاب تحريم السماع لأبي بكر الطرطوشي.
    اليراع في تحريم السماع لأبي القاسم الدولقي.

    يقول الدكتور القرضاوي: وأضيف إلى ذلك:
    الغناء والموسيقى فقه مقارن للدكتور عبد الفتاح إدريس.
    تحريم آلات اللهو والطرب للشيخ الألباني.
    أحكام الغناء والمعازف وأنواع الترويح الهادف للدكتور سالم بن علي الثقفي.

    وهناك كتب أخرى قديمة وحديثة تحدثت عن الغناء ضمن أمور أخرى مثل:
    كتاب السماع من ربع العادات من كتاب (إحياء علوم الدين) للإمام الغزالي وشرحه للزبيدي (إتحاف السادة المتقين).
    كتاب (إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان) لابن القيم وفيه كلام طويل عن الغناء.
    الإسلام والفنون الجميلة للدكتور محمد عمارة وفيه فصل خاص عن الغناء.
    هذا بالإضافة إلى ما كتب الفقهاء القدماء والمحدثون في كتبهم الفقهية وفي كتب الفتاوى والنوازل عن الغناء أو السماع بمناسبات شتى.
    ومن ذلك فتاوى المحدثين مثل فتاوى رشيد رضا وشلتوت وحسنين مخلوف وغيرهم.

    قلت (الأزهري الأصلي): ويضاف إلى ذلك كلام الشيخ القرضاوي في (فتاوى معاصرة) الجزء الثاني وفي فصل كامل في كتابه (ملامح المجتمع الإسلامي) ورسالته المستقلة (الإسلام والفن) وأخيرا كتابه الماتع (فقه الغناء والموسيقى).
    وغيرهم كثير من أهل العلم والورع والفضل ممن شهدت لهم الأمة بوفور الصلاح وعلو الهمة ، ورصانة العلم حتى قال سلطان العلماء العز بن عبدالسلام : من كان عنده هوى من مباح كعشق زوجته وأمته فسماعه لا بأس به ، ومن قال : لا أجد في نفسي شيئاً فالسماع في حقه ليس بمحرم .
    وقد قال " السهروردي " : " المنكر للسماع إما جاهل بالسنن والآثار وإما مغتر بما حرمه من أحوال الأخيار ، وإما جامد الطبع لا ذوق له فيصر على الإنكار ".






    *قواعد للتعامل مع هذا النوع من المسائل.
    *مآخذ على المانعين ومنها عنف الحملة على المخالفين من الأئمة الأعلام كابن حزم وابن طاهر والعنبري وإبراهيم بن سعد.
    *تحرير محل النزاع (مهم).

    تعقيبات وملاحظات ومآخذ على الخائضين في موضوع الغناء
    يحسن بنا أن نعقب على هذه المعركة المحتدمة بين الفريقين بهذه الفقرات أو هذه النظرات:


    أولا:التحريم لا يكون إلا بنص صحيح صريح ولم يوجد:
    لا تحريم إلا بنص صحيح صريح لأن الله وحده هو المحلل والمحرم وليس لأحد حق في أن يحلل ويحرم على هواه فما لم يبلغنا عن الله عز وجل في كتابه أو على لسان رسوله نص بين تطمئن قلوبنا إلى ثبوته ودلالته فإن ذمتنا بريئة من أي تكليف وتبقى الأشياء على أصل الإباحة وإلا كان هذا قولا على الله بغير علم وهو من خطوات الشيطان "إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون" وقد صح عن ابن مسعود قوله: محرم الحلال كمستحل الحرام وروي مرفوعا أيضا ويتأكد هذا في الأمور التي تعم بها البلوى وتمس حياة الناس ومشاعرهم وسلوكهم وموضوع الغناء –بآلة وغيرها- منها:فقد كان هذا أمرا شائعا لدى العرب والعجم قبل الإسلام وبعده وللناس به ولع وتعلق وله سوق رائجة وإن كان للدين موقف في منعه فلا بد أن يكون واضحا وحاسما تقوم به الحجة وينقطع العذر.
    إن الله تعالى حين أراد تحريم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به حرمها بلفظ صريح "حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به..."
    وحين أراد تحريم الزنى حرمه بلفظ صريح "ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا"
    وحين أراد تحريم الخمر والميسر قال "إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون"
    فلماذا لم يأت في الغناء نص مبين مثل هذه النصوص مع شيوعه وانتشاره وابتلاء الناس به من قديم؟!!
    إن الصحابة لم يكتفوا في تحريم الخمر بقوله تعالى: "يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس ولإثمهما أكبر من نفعهما" وظلوا يقولون: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا برغم التصريح بأن فيهما إثما كبيرا حتى أنزل الله آيات المائدة المذكورة متضمنة البيان الشافي وفيها: "فهل أنتم منتهون" قالوا: انتهينا يا رب.

    ولهذا كان السلف لا يطلقون كلمة "حرام" إلا على ما علم تحريمه جزما وبعبارة أخرى ما وجد فيه "البيان الشافي" اقتداءا بالصحابة.

    وهذا هو الذي نبحث عنه ونسعى إليه في القضايا التي تعم بلواها الناس أعني (البيان الشافي) وهو ما نفتقده هنا.
    فكل ما يروى في الموضوع إما صريح غير صحيح أو صحيح غير صريح ودعوى أنها يقوي بعضها بعضا غير مسلمة على إطلاقها وخصوصا في مسائل الإيجاب والتحريم التي يجب التشديد فيها حتى لا يقال لمن حرم بلا نص محكم: آلله أذن لكم أم على الله تفترون؟

    قال العلامة ابن رجب الحنبلي في جامع العلوم والحكم في شرح الحديث الثلاثين:
    والمحرمات المقطوع بها مذكورة في القرآن والسنة كقوله تعالى: "قل تعالوا اتل ما حرم ربكم عليكم..."

    ومنها أشياء نهى عنها فهي أدب. انتهى (انظر جامع العلوم والحكم ج2 ص 158-160).



    ثانيا:لا يحرم الله طيبا في الإسلام:
    يؤكد هذا أن الأصل في الطيبات الحل ذلك لأن الله تعالى خلقها لمنفعة عباده ولذتهم وقد ذكرها في كتابه ممتنا بها عليهم وما كان الله ليمتن بها عليهم ثم يحول بينهم وبينها بتحريمها عليهم.

    يقول تعالى:"ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات" فجعل هذه الطيبات من لوازم التكريم لبني آدم وتوابعه وقال تعالى: "الله الذي جعل لكم الأرض قرارا والسماء بناءا وصوركم فأحسن صوركم ورزقكم من الطيبات ذلكم الله ربكم فتبارك الله رب العالمين" فجعل رزق هذه الطيبات من دلائل ربوبيته تعالى للعالمين.
    ولهذا قرر القرآن إحلال الطيبات بصراحة ووضوح مجيبا عن تساؤل المتسائلين بقوله: "يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات".
    بل جعل القرآن إحلال الطيبات وتحريم الخبائث من السمات المميزة لرسالة محمد –صلى الله عليه وسلم- ومن أبرز أوصافه لدى أهل الكتاب: "يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم".

    و (الطيبات): ما تستطيبه الأنفس وتستلذه وهو يشمل طيبات المأكولات والمشروبات والملبوسات والمشمومات والمرئيات والمسموعات فلكل حاسة نصيبها من الطيبات كسائر أخواتها إذ لا معنى لأن يستمتع الأنف بشم طيبات الروائح من المسك والعنبر والورد والعود ولا تستمتع الأذن بطيبات الأصوات ولا معنى للاستمتاع بصوت الهزاز والبلبل والعندليب دون صوت الآلات التي هي تقليد من الإنسان لصنع الله في الطبيعة.

    إن لفظ (الطيبات) جمع محلى ب (ال) وهو يفيد العموم كما يقول علماء الأصول. قال الشوكاني:
    فيشمل كل طيب والطيب يطلق بإزاء المستلذ وهو الأكثر المتبادر إلى الفهم عند التجرد عن القرائن ويطلق بإزاء الطاهر والحلال وصيغة العموم كلية تتناول كل فرد من أفراد العام فتدخل أفراد المعاني الثلاثة كلها ولو قصرنا العام على بعض أفراده لكان قصره على المتبادر الظاهر وقد صرح ابن عبد السلام في دلائل الأحكام أن المراد في الآية بالطيبات المستلذات.

    وإذا ثبت حل الطيبات بعمومها فلا يخص من هذا العموم إلا ماخصه الشارع بنصه الثابت الواضح مثل الغناء المشتمل على معصية وما عداه يبقى على الأصل في حل الطيبات.

    ثالثا: مآخذ وملاحظات على القائلين بالتحريم:
    وأود أن أذكر هنا جملة ملاحظات على القائلين بالتحريم:

    أولاها:إغفالهم للأدلة المبيحة للغناء سواء كانت من نصوص الشرع أم من قواعده ومقاصده واعتمادهم على أدلة أقل ما يقال فيها: إنها لا تثبت على النقد فليس فيها نص واحد صحيح الثبوت صريح الدلالة.
    كما أن المعاصرين منهم أغفلوا ظروف العصر وواقع الناس وتطور حاجاتهم وعموم البلوى بأمر الغناء والموسيقى وخصوصا لدى الأمم والشعوب الأوروبية والأمريكية والأفريقية وقد جاء الإسلام رسالة عامة لكل العالمين من شرق وغرب ومن عجم وعرب.

    وثانيتها:أن بعضهم بالغ في التحريم حتى انتهى به إلى درجة (الكبيرة) وهذه مبالغة غير مقبولة في أمر اختلف فيه الفقهاء حتى قال من قال بكراهته مجرد كراهة ومن قال بإباحته بل من قال باستحسانه واستحبابه.

    ومن قال بحرمته فلا يتصور أن يصل به إلى درجة الكبائر الموبقات مثل القتل والزنى وشرب الخمر وأكل الربا وأكل مال اليتيم وو...

    وقد سئل الإمام أبو حنيفة –وهو من المشددين في الغناء- عن حكم الغناء فقال: ليس من الكبائر ولا هو بأسوأ الصغائر.(ذكره صاحب التذكرة الحمدونية عن أبي حنيفة وسفيان الثوري).

    وهذا صحيح وقد نص عليه عدد من العلماء المعتبرين وأنكر الماوردي على من عد الغناء من الكبائر وهذا ما يفهم من ذكر الفقيه الشافعي العلامة ابن حجر الهيتمي للغناء في كتابه (الزواجر عن اقتراف الكبائر).

    وهذا غلو عظيم وإعنات لخلق الله في أمر ابتلي به جماهيرهم ولم يعرض عنه إلا القليل.
    فانظر إلى الفرق الكبير والبون الشاسع بين من يقول بإباحة الغناء بله أن يقول: إن ضرب الدف سنة ومن يقول: إنه كبيرة من كبائر الذنوب فبين القولين مراحل ومسافات.

    فالقول بأنه سنة دونه القول بأنه مباح دونه القول بأنه مشتبه فيه دونه القول بأنه حرام من الصغائر دونه القول بأنه حرام من الكبائر.
    بل هناك من حكم على من استحل الغناء بالكفر والعياذ بالله!

    ولو قيل:أنه حرام ولكنه من الصغائر لكان الأمر أهون فإن الصغائر تكفرها الحسنات مثل الصلوات الخمس وصلاة الجمعة وصيام رمضان وقيامه والصدقات ونحوها.
    وفي الحديث الصحيح: "الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتبت الكبائر"
    وفي القرآن الكريم: "وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات"
    بل القرآن الكريم مصرح بأن مجرد اجتناب كبائر المنهيات يكفر صغائر السيئات ولا حرج على فضل الله قال تعالى: "إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما".
    وهذا يتفق مع تغليب جانب الرحمة الإلهية على جانب العدل الإلهي فرحمته سبقت غضبه ورحمته وسعت كل شئ ولهذا كانت الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف أو يزيد والسيئة بواحدة أو يعفو ومن هم بحسنة ولم يعملها كتبت له حسنة وإن عملها سيئة كتبت له سيئة.

    رابعا: مراعاة أنواع الناس واتجاهاتهم والفوارق بينهم:
    ينبغي أن نذكر دائما أن الإسلام رسالة عالمية جاءت تخاطب الناس كافة من كل جنس وكل لون وكل إقليم وكل طبقة فليست رسالة للعرب دون العجم ولا للشرق دون الغرب ولا للأقاليم الحارة دون الباردة ولا للإنطوائيين من الناس دون المنبسطين ولا للأقوياء منهم دون الضعفاء ولا للرجال دون النساء ولا للشيوخ دون الشباب.

    ومن هنا راعى الإسلام أن هناك فوارق بين الناس يجب أن تلحظ وأن الناس يختلفون في اتجاهاتهم وفي قدراتهم وفي مستوى التزامهم وتحملهم وقد قال تعالى: "ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله" فهذه مستويات متفاوتة من الظالم لنفسه إلى السابق بالخيرات وكلهم من الأمة المصطفاة الوارثة للكتاب فقد مدحهم الله في الآية الكريمة من وجوه ثلاثة: أنه أورثهم الكتاب ولا يورث كتابه إلا من يحبه ثم قال: "الذين اصطفينا" وهذا مدح عظيم ثم إضافتهم إلى نفسه وقال "من عبادنا"وهو تشريف بعد تشريف.

    ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يراعي هذه الفروق بين الناس ويوصي أصحابه برعايتها وعدم إهمالها.
    ولهذا رأيناه يفسح المجال للحبشة ليرقصوا أو يلعبوا بحرابهم في مسجده الشريف لما علم من ولعهم بذلك ونشأتهم عليه وحين أنكر عليهم رجل قوي شديد الالتزام مثل عمر وحصبهم بالحصى قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: "دعهم يا عمر".
    ورأيناه عليه الصلاة والسلام ينكر على أم المؤمنين عائشة حين زفت عروسا من قرابتها إلى رجل من الأنصار وقال لها: "ما كان معهم لهو؟ فإن الأنصار يعجبهم اللهو". فإذا كان القرشيون المهاجرون لا يهتمون باللهو فإن الأنصار من أبناء الأوس والخزرج يعجبهم اللهو ومنه الغناء وقد جاء في بعض روايات الحديث: "هلا كان معهم غناء؟ فإن الأنصار يعجبهم الغناء".
    ولا يجوز أن ننسى التفرقة بين الشباب والشيوخ في الميل إلى اللهو وكذلك بين الرجال والنساء فالنساء أميل إلى اللهو والغناء ولا سيما في المناسبات السارة كالأعراس والأعياد.
    وهذا سر إقرار النبي –صلى الله عليه وسلم-لغناء الجاريتين في بيته عند عائشة وسماعها لهما ورده إنكار أبي بكر عليهما وقوله له: دعهما يا أبا بكر. وذلك حتى لا يفرض أبو بكر طبيعته الجادة على المجتمع كله وعلى الناس كافة وفي كل الأوقات وإن كانت أوقات فرح وسرور.
    لقد راعى النبي الكريم –صلى الله عليه وسلم-حداثة سن عائشة وحرصها على اللهو فسمح لها أن تستمع إلى الجاريتين تغنيان وتضربان الدفوف في بيته وأتاح لها ما يعتبره أبوها أبو بكر خروجا عن الجادة حتى سماه (مزمور الشيطان) ولكن الرسول المصطفى لم يقره على تشدده ونظرته القاسية مراعيا نفسية زوجته الشابة وتطلعاتها.
    كما أذن لها أن تنظر إلى الحبشة وهم يلعبون بأسلحتهم في المسجد وهو يشجعهم ويقول: دونكم يا بني أرفدة.
    وروى النسائي عنها أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال لها حين دخل الحبشة المسجد يلعبون: يا حميراء تحبين أن تنظري إليهم؟ قالت: فقلت: نعم. فقام بالباب وجئته فوضعت ذقني على عاتقه فأسندت وجهي إلى خده...الحديث (قال الحافظ: إسناده صحيح).
    وقالت في ذلك معلمة للأمة ومنبهة إلى التأسي بالرسول في مراعاة الظروف والمستويات:
    (رأيت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يسترني بردائه وأنا أنظر إلى الحبشة وهم يلعبون –وأنا جارية- في المسجد فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن والحريصة على اللهو) (متفق عليه).

    ومن هنا:ينبغي للأقوياء وأهل العزائم والآخذين أنفسهم بالشدة والخشونة ألا يحملوا الناس كلهم على نهجهم هذا فإن الناس يتفاوتون في احتمالهم كما يختلفون في أمزجتهم وميولهم ففيهم القوي والضعيف والصبور والهلوع والمنبسط والمنطوي وذو المزاج الفني وذو المزاج العملي.والشارع الحكيم راعى في تشريعه وتوجيهه الجميع فلم يغلق الباب في وجه فئة من الناس بل فتحه للجميع فشمل درجة الأقوياء من المقربين السابقين بالخيرات بإذن الله ولكن لم ينس الأبرار من المقتصدين من أصحاب اليمين بل لم يغفل المقصرين الظالمين لأنفسهم من عوام الناس.

    ولهذا لم يرض الرسول الكريم للصحابة أن يواصلوا الصيام وإن كان هو يواصل وقال: وأيكم مثلي؟ وغضب النبي –صلى الله عليه وسلم-غضبا شديدا على من أطال الصلاة إطالة تنفر الناس وقال لأبي بن كعب وهو من هو منزلة من رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "إن منكم منفرين من أم بالناس فليتجوز فإن وراءه الكبير والمريض وذا الحاجة".
    وكذلك قال لمعاذ: "أفتان أنت يا معاذ؟" وهو الذي قال له: "والله إني أحبك".
    وكما يقال هذا في جانب المأمورات يقال مثله في جانب المنهيات.

    خامسا:مراعاة تحسن صورة الإسلام في أعين الآخرين:
    ينبغي للذين يعرضون الإسلام على الناس ألا يغفلوا صورته في أعين الآخرين من المخالفين من أصحاب الديانات الأخرى وليحرصوا أن تكون صورة مبشرة لا منفرة وصرة تجذب الآخرين إلى الإسلام وتحببه إليهم لما يرون فيه من السماحة واليسر لا صورة تخوفهم منه وتبعدهم عنه لما يرون فيه من الشدة والعسر.
    وهذا ما تلمسه بوضوح من تعليل النبي –صلى الله عليه وسلم- لإقرار الجاريتين في بيته عند عائشة ورده لإنكار أبي بكر الشديد عليهما وعلى ابنته عائشة رضي الله عنها وذلك في قوله عليه الصلاة والسلام:
    "حتى تعلم يهود أن في ديننا فسحة وإني بعثت بحنيفية سمحة"
    ونحن اليوم نريد أن نعرض الإسلام على العالم وأن تبلغ دعوته إلى الأمم كافة ومنها أمم وشعوب ترى الغناء والموسيقى والرقص والطرب جزءا لا يتجزأ من حياتها لا تعيش بدونه ولا تهنأ لها حياة إذا حرمت منه يستوي في ذلك الأمم المتقدمة التي غزت الفضاء وفجرت الذرة وصنعت الكمبيوتر والهندسة الوراثية وثورة الاتصالات والمعلومات: مثل أمم الغرب في أوربا وأمريكا ,والأمم التي ما زالت في دائرة التخلف من العالم الثالث أو الرابع في أفريقيا وآسيا. فكيف نرغبهم في الإسلام ونحن نحرم عليهم الغناء والموسيقى ونتوعدهم بالرصاص المذاب يصب في آذانهم يوم القيامة وبغيره من ألوان العذاب المهين في حين أنهم يعتبرون الموسيقى غذاء الروح ودلالة ارتقاء الإنسان وسمو الوجدان؟
    لا أعني بهذا:أن علينا أن نحرف الإسلام ونحلل الحرام حتى نحبب غير المسلمين في الإسلام فالناس يجب أن يخضعوا للإسلام وليس هو الذي يخضع للناس لأنه كلمة الله وكلمة الله هي العليا.
    إنما أعني ألا ننسى –ونحن نعرض الإسلام- عالميته وشموله وصلاحيته لكل زمان ومكان فإذا رأينا من الأحكام ما لا يصلح إلا لفئة معينة ولبيئة خاصة ولا يمكن تعميمه فلنعلم أنه ليس من صميم الإسلام وإنما أدخل فيه بالرأي والتأويل كما قال العلامة ابن القيم رحمه الله في كل مسألة أدخلت في الشريعة وليست من العدل ولا الحكمة ولا الرحمة ولا المصلحة فهي ليست من الشريعة في شئ وإن أدخلت فيها بالتأويل كما قال رحمه الله.

    سادسا:تحرير محل النزاع:
    يجب أن نذكر أن هناك جملة عناصر ومؤثرات دخلت حلبة النزاع فزادت من حدة الصراع وصبت على النار زيتا وهي لا تلزمنا في معركتنا اليوم بل يلزمنا أن نخرجها من دائرة النزاع حتى نتخلص من المؤثرات الغريبة والتي تنضح على الباحث وتؤثر في حكمه.

    من هذه العناصر المؤثرة:

    (أ)النزاع بين الصوفية وغيرهم حول اتخاذ الغناء أو السماع قربة وعبادة وجعله في المساجد وهو ما أثار خصومهم عليهم وأوقد جذوة الحماسة في نقدهم لهم أو قل: في هجومهم عليهم.
    وهذا ما نلحظه بوضوح في حرارة إمام كابن القيم في مقاومة الغناء وحملته على أهله وإجلابه بخيله ورجله على المبيحين له حتى تكاد تحسبه مقاتلا في حلبة لا مجادلا في مسألة وتراه يستدل بالضعيف والواهي وما ليس بدليل أصلا على غير المعهود من مثله.
    وقد عرفت سر ذلك وأساسه عنده وهو أنه يحارب في الأصل غناء الصوفية الذي يعدونه جزءا من عمل السالكين في الطريق إلى الله فهو يرى أنهم يتقربون إلى الله بما لم يشرعه وأنهم أحدثوا في الدين بدعة وكل بدعة ضلالة.
    اقرأ أقواله ونقوله وأشعاره في إغاثة اللهفان تستيقن من ذلك.
    فهو يبدأ الفصل بقوله:
    "ومن مكايد عدو الله ومصايده التي كاد بها من قل نصيبه من العلم والعقل والدين سماع المكاء والتصدية كاد به النفوس المبطلة وحسنها لها مكرا منه وغرورا وأوحى إليها الشبه الباطلة على حسنه فقبلت وحيه واتخذت لأجله القرآن مهجورا..."إلخ ما ذكره.
    وينقل عن الفقيه المالكي أبي بكر الطرطوشي ما يؤيد رأيه.
    ويتمثل بأشعار وينقل قصائد كلها تعبر عن هذا السخط على أرباب السماع من الصوفية.
    قال: ولقد أحسن القائل (وأظنه ابن القيم نفسه):
    تلى الكتاب فأطرقوا لا خيفة لكنه إطراق ساه لاهي
    وأتى الغناء فالكحمير تناهقوا والله ما رقصوا لأجل الله
    دف ومزمار ونغمة شادن فمتى رأيت عبادة بملاهي؟
    ثقل الكتاب عليهمو لما رأوه تقييده بأوامر ونواه
    وأتى السماع موافقا أغراضها فلأجل ذاك عدا عظيم الجاه

    وقال آخر:
    برئنا إلى الله من معشر بهم مرض من سماع الغنا
    وتكرارنا النصح منا لهم لنعذر فيهم إلى ربنا
    فعشنا على سنة المصطفى وماتوا على (تنتنا....تنتنا).

    انظر إغاثة اللهفان (2/242-285).

    فحقيقة المعركة عنده مع هؤلاء الصوفية الذين شغلوا بسماع الغناء عن سماع القرآن الذي هو مأدبة المؤمنين وقرة عيون المتقين.
    وفي كتابه المستقل عن الغناء الذي نشر بعنوان (كشف الغطاء عن حكم مسألة الغناء) نجد التركيز فيه على غناء الصوفية والرد على دعواهم التقرب إلى الله به وتفنيد شبهاتهم وكذا أجرى فيه محاورة طويلة على هذا النحو:
    قال صاحب الغناء........ وقال صاحب القرآن.....يرد عليه ويفند دعواه.

    وأرى أن نخرج هذا العنصر من معترك النزاع لنحصره في الغناء الذي هو لهو فبحثنا الآن ليس عن الغناء الذي يتعبد به بل عن الغناء الذي يتلهى به الغناء لترويح القلب لا للتقرب إلى الرب وسنعرض للغناء الديني فيما بعد.

    (ب)كما يجب أن خرج من معترك النزاع الغناء الذي اشتمل على معصية من المعاصي أو اقترن بمنكر من المنكرات كالغناء الذي يخالف مضمونه عقيدة الإسلام أو شريعته أو قيمه وأخلاقياته أو اقترن بخلاعة أو مجون أو تبرج أو شرب مسكر أو نحو ذلك مما لا يخالف فقيه في تحريمه لما فيه من إثم أو تحريض عليه ولما يترتب عليه من فساد الدين والدنيا.
    ومثل ذلك الموسيقى المثيرة المهيجة التي نراها الآن تصاحب غناء الفنانين الغربيين وتحول المشاهدين والمستمعين منهم إلى قطيع هائج.
    وكذلك الرقص الذي تقوم به بنات عابثات متبرجات يتراقصن حول المغني مما أصبح ملازما للغناء التلفزيوني المعاصر فهذا لا شك في تحريمه.
    وسنبين إن شاء الله الضوابط التي لا بد منها ليكون الغناء أو الموسيقى في دائرة الإباحة.

    سابعا:وجوب النظرة الموضوعية بعيدا عن العاطفة والانفعال:
    يجب أن نخرج الجوانب الشخصية والذاتية من ساحة النزاع وننظر في القضية في ضوء الأدلة وحدها فقد لاحظت أن البحث فيها فقد كثيرا من الموضوعية وتطرق إلى النواحي الشخصية البحتة وامتزج النقد العلمي بالطعن والتجريح واتهام الخصوم في دينهم وأخلاقهم.
    كما بدا فيها الغضب والانفعال واضحا وظهر أثره في حدة اللهجة وخصوصا من جانب المحرمين وغلب الأسلوب الخطابي على الأسلوب البرهاني وخرجت الكلمات أحيانا كأنها قذائف تدمير لا أدوات تعبير.
    وهذا ما جعل بعضهم يتهمون كل من دافع عن إباحة الغناء والآلات بأبشع التهم مثل ما قالوا في:إبراهيم بن سعد وعبيد الله بن الحسن العنبري وأبي الفضل الحافظ بن طاهر وأبي محمد بن حزم وغيرهم (فقد قال بعضهم عن ابن حزم:الضال المضل وقال عن ابن طاهر:النجس والإباحي ومثل هذا لا ينبغي أن يصدر من العلماء بعضهم في بعض وإن اختلفوا في الرأي واشتد اختلافهم) مما لا يجوز أن يقوله عالم في عالم مثله وربما كان أعلم منه وأفضل منه.
    ولكن المنصفين وأهل الاعتدال لم تجرفهم هذه الموجة الهادرة وأعطوا كل ذي حق حقه فما ينبغي للمؤمن إذا غضب أن يخرجه غضبه عن الحق وإذا رضي أن يدخله رضاه في الباطل.
    والأصل هو افتراض حسن النية وحمل حال المسلم على الصلاح وإحسان الظن بالمسلمين كافة فكيف بعلمائهم المبرزين منهم؟!
    وهب أن هؤلاء العلماء أخطأوا أليسوا معذورين؟ بل أليسوا مأجورين؟أليس من المتفق عليه أن العالم إذا اجتهد فأخطأ أجر أجرا واحدا؟
    وأخطر ما في الموضوع أن يجرح العالم بسبب رأيه لا بسبب آخر. وهذا لون من الإرهاب الفكري ينتهي بتخويف كل ذي رأي مستقل –وإن كان من أهل الاجتهاد- أن يحجب رأيه عن الناس ويحتفظ به لنفسه وإلا تعرض لحملات القدح والتشهير وبهذا تحرم الأمة من كثير من الآراء القوية وتظل سجينة في ضمائر أصحابها حتى تموت بموتهم نتيجة الخوف من غضب المحافظين وتهييج العامة عليهم والخاسر في هذا هو العلم والأمة ويقال:لم يوجد من قال بهذا الرأي مع أنه وجد ولكن لم يصرح.


    ثامنا:مراعاة المخففات في الموضوع:
    كما أن على أهل الفتوى عموما وفي عصرنا خصوصا أن يراعوا المخففات عن الناس والميسرات على الخلق ومن المعروف فقها: أن (عموم البلوى) من أسباب التخفيف في الأحكام وكثيرا ما نجد الفقهاء يقولون: هذا أمر عمت به البلوى فيفتون في هذه الحالة بما هو أيسر وأخف لا بما هو أحوط وأشد ولهم عبارة مأثورة في ذلك وهي قولهم:هذا أرفق بالناس.
    ولا ريب أن عموم البلوى بالشيء كثيرا ما ينشأ من حاجتهم إليه ولولا ذلك ما تجاوبوا معه على نطاق واسع والحاجة لها اعتبارها ولا سيما إذا عمت وانتشرت وقد قالوا: الحاجة تنزل منزلة الضرورة خاصة أو عامة وقالوا:ما حرم لسد الذريعة يباح للحاجة كما أن ما حرم لذاته يباح للضرورة ومن القواعد التي نذكرها هنا:قاعدة "إذا ضاق الأمر اتسع" وقاعدة: "المشقة تجلب التيسير" وقاعدة:" الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان" وقاعدة :"لا حرج في الدين".

    ومن المخففات هنا أيضا:أن الذي يريد أن يسمع الغناء في العصور الماضية كان يتحتم عليه أن يذهب إلى (مجلس الغناء) أو (مجلس الطرب) ويشهد ما فيه وقلما كانت تخلو هذه المجالس من محرمات ومنكرات: من خمر وخلاعة ومجون وتهتك ولا نزاع في أن حضور هذا النوع من المجلس محرم شرعا.

    وفي عصرنا لم يعد مستمع الغناء في حاجة إلى شئ من ذلك فهو يستطيع أن يستمع إلى الغناء من شريط كاسيت أو من المذياع (الراديو) أو من التلفاز وإن كان التلفاز كثيرا ما يقترن بصورة غير مقبولة شرعا.
    فلا بد من وضع هذا الفارق في الاعتبار عند الإفتاء في حكم الغناء.

    تاسعا:التعويل على فقه المتقدمين:
    يلاحظ أن المتأخرين من علماء الفقه –بصفة عامة- كانوا أكثر تشديدا وتغليظا في أمر الغناء أو السماع ولا سيما مع الآلات من المتقدمين من الفقهاء ولعل الدارس المراقب بتعمق في التراث الفقهي يجد هذه الظاهرة عامة في الموقف من شئون الحياة كلها فالمتقدمون أكثر تيسيرا من المتأخرين.

    وهذا واضح في قضيتنا هنا قضية الغناء للأسباب التالية:

    الأخذ بالأحوط لا بالأيسر:
    1-أن المتقدمين كانوا أكثر أخذا بالأيسر والمتأخرين أكثر أخذا بالأحوط والأحوط يعني:الأثقل والأشد ومن تتبع الخط البياني للفقه والفتوى منذ عهد الصحابة فمن بعدهم يجد ذلك واضحا والأمثلة عليه لا تحصر وهذا في كل جوانب الحياة:فردية وأسرية واجتماعية.

    الاغترار بالأحاديث الضعيفة والموضوعة:
    2-أن كثيرا من الفقهاء المتأخرين أرهبهم سيل الأحاديث الضعيفة والموضوعة التي امتلأت بها الكتب ولم يكونوا من أهل تمحيص الروايات وتحقيق الأسانيد فراجت هذه الأحاديث ولا سيما مع شيوع القول بأن تعدد الطرق الضعيفة يقوي بعضها بعضا.
    ومن ذلك ما رواه أبو يعقوب النيسابوري عن أنس مرفوعا: "من قعد إلى فئة يسمع صب في أذنه الآنك وهو الرصاص المذاب" وعن ابن مسعود أن النبي –صلى الله عليه وسلم- سمع رجلا يتغنى من الليل فقال: "لا صلاة له لا صلاة له" وروى أيضا عن أبي هريرة مرفوعا: "استماع الملاهي معصية والجلوس إليها فسق والتلذذ بها كفر".

    ضغط الواقع الغنائي المنحرف:
    3-ضغط الواقع الغنائي بما يلامسه من انحراف وتجاوز كان له أثره في ترجيح المنع والتحريم وهذا الواقع له صورتان أثرت كل واحدة منهما على جماعة من الفقهاء.

    الصورة الأولى: غناء المجون والخلاعة:
    صورة الغناء الماجن الذي غدا جزءا لا يتجزأ من حياة الطبقة المترفة التي غرقت في الملذات وأضاعت الصلوات واتبعت الشهوات واختلط فيها الغناء بملابسة الفجور وشرب الخمور وقول الزور وتلاعب الجواري الحسان المغنيات (القيان) بعقول الحضور كما شاع ذلك في حقب معروفة في العصر العباسي وكان سماع الغناء يقتفي شهود شهود هذه المجالس بما فيها من خلاعة ومجانة وفسوق عن أمر الله.
    ومن المؤسف أن البيئة الفنية –كما يسمونها اليوم- لا زالت مشربة بهذه الروح ملوثة بهذا الوباء وهذا ما يضطر كل عائد أو عائدة إلى الله من الفنانين أو الفنانات –الذين أكرمهم الله بالهداية والتوبة- أن ينسحب من ذلك الوسط ويفر بدينه بعيدا عنه.

    والصورة الثانية:صورة "الغناء الديني" الذي اتخذه الصوفية وسيلة لإثارة الأشواق وتحريك القلوب في السير إلى الله مثلما يفعل الحداة مع الإبل فينشطونها ويستحثون خطاها حين تسمع نغم الحداء الموزون بصوت جميل فتستخف الحمل الثقيل وتستقصر الطريق الطويل وهم يعتبرون ذلك السماع عبادة وقربة إلى الله أو –على الأقل- عونا على العبادة والقربة.
    وهذا ما أنكره عليهم أمثال شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم اللذين شنا على الغناء هجوما عنيفا حادا وخصوصا ابن القيم في (إغاثة اللهفان) الذي شحذ كل أسلحته لتحريم الغناء واحتج –على غير عادته- بغير الصحيح وغير الصريح إذ كان نصب عينيه ذاك النوع من الغناء وقد رأى فيه وشيخه أنه تقرب إلى الله بما لم يشرع وإحداث أمر في الدين لم يكن على عهد النبوة ولا عهد الصحابة وربما لابسه بعض البدع والمخالفات ولا سيما إذا وقع في المساجد.
    أنشد ابن القيم مشنعا عليهم:
    تلى الكتاب فأطرقوا لا خيفة لكنه إطراق ساه لاهي
    وأتى الغناء فالكحمير تناهقوا والله ما رقصوا لأجل الله
    دف ومزمار ونغمة شادن فمتى رأيت عبادة بملاهي؟


    عاشرا:ونختم بحثنا هذا بكلمة أخيرة نوجهها إلى السادة العلماء الذين يستخفون بكلمة (حرام) ويطلقون لها العنان في فتاواهم إذا أفتوا وفي بحوثهم إذا كتبوا عليهم أن يراقبوا الله في قولهم ويعلموا أن هذه الكلمة (حرام) كلمة خطيرة:
    إنها تعني عقوبة الله على الفعل وهذا أمر لا يعرف بالتخمين ولا بموافقة المزاج ولا بالأحاديث الضعيفة ولا بمجرد النص عليه في كتاب قديم إنما يعرف من نص ثابت صريح أو إجماع معتبر صحيح وإلا فدائرة العفو والإباحة واسعة ولهم في السلف الصالح أسوة حسنة.
    قال الإمام مالك رضي الله عنه: ما شئ أشد علي من أن أسأل عن مسألة من الحلال والحرام, لأن هذا هو القطع في حكم الله ولقد أدركت أهل العلم والفقه ببلدنا وإن أحدهم إذا سئل مسألة كأن الموت أشرف عليه ورأيت أهل زماننا هذا يشتهون الكلام في الفتيا ولو وقفوا على ما يصيرون إليه غدا لقللوا من هذا وإن عمر بن الخطاب وعليا وعامة خيار الصحابة كانت ترد عليهم المسائل –وهو خير القرون الذين بعث فيهم النبي –صلى الله عليه وسلم—فكانوا يجمعون أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم- ويسألون ثم حينئذ يفتون فيها وأهل زماننا هذا قد صار فخرهم فبقدر ذلك يفتح لهم من العلم قال: ولم يكن من أمر الناس ولا من مضى من سلفنا الذين يقتدى بهم ومعول الإسلام عليهم أن يقولوا: هذا حلال وهذا حرام ولكن يقولوا:أنا أكره كذا وأرى كذا وأما حلال وحرام فهذا الافتراء على الله أما سمعت قول الله تعالى: "قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون" لأن الحلال ما حلله الله ورسوله والحرام ما حرمه الله ورسوله.

    ونقل الإمام الشافعي في "الأم" عن الإمام أبي يوسف صاحب أبي حنيفة قال: "أدركت مشايخنا من أهل العلم يكرهون في الفتيا أن يقولوا: هذا حلال وهذا حرام إلا ما كان في كتاب الله عز وجل بينا بلا تفسير
    وحدثنا ابن السائب عن الربيع بن خيثم –وكان أفضل التابعين- أنه قال: إياكم أن يقول الرجل:إن الله أحل هذا أو رضيه فيقول الله له:لم أحل هذا ولم أرضه ويقول:إن الله حرم هذا فيقول الله: كذبت لم أحرمه ولم أنه عنه!
    وحدثنا بعض أصحابنا عن إبراهيم النخعي أنه حدث عن أصحابه أنهم كانوا إذا أفتوا بشيء أو نهوا عنه قالوا: هذا مكروه وهذا لا بأس به فأما أن يقول:هذا حلال وهذا حرام فما أعظم هذا".

    قواعد هامة:
    أولا:
    لا إنكار في المسائل الخلافية:
    ومن القواعد المهمة والنافعة هنا قاعدة: عدم الإنكار على المخالف في المسائل الاجتهادية الخلافية.
    وخصوصا إذا كان الخلاف فيها قويا وله حظ من النظر والاستدلال وليس قولا شاذا كما قال القائل:
    وليس كل خلاف جاء معتبرا***إلا خلافا له حظ من النظر

    على أن بعض الأقوال التي اعتبرت في وقت من الأوقات شاذة وأوذي أصحابها وقاسوا المحن الشداد بسببها (كآراء ابن تيمية في الطلاق ونحوه) قد تبناها الناس بعد ذلك واعتبروها من الفقه الرشيد.
    ولا يخفى على الدارس:أن الغناء قد اختلف فيه اختلافا لا يكاد يوجد له نظير في مسألة أخرى.

    1-ثمانية أقوال ذكرها الإمام ابن جماعة:
    ولقد سئل الإمام بدر الدين بن جماعة عن الغناء وحكمه فقال:
    هذه مسألة خلافية تباينت فيها الطرق تباينا لا يوجد في غيرها وصنف العلماء فيها تصانيف ولم يتركوا فيها لقائل مقالا وملخص القول أن الناس على أربعة أقسام فرقة استحسنت أي استحبت وفرقة أباحت وفرقة كرهت وفرقة حرمت وكل واحدة من هذه الفرق على قسمين:
    فمنهم من أطلق القول ومنهم من قيده بشرط (انظر الإتحاف للزبيدي (7/7).

    ومعنى هذا أن لدينا في موضوع الغناء ثمانية أقوال:
    الأول: قول من استحب بإطلاق.
    الثاني:قول من استحب بقيود وتفصيل.
    الثالث: قول من أباح بإطلاق.
    الرابع: قول من أباح بقيود وتفصيل (وأنا من أصحاب هذا القول).
    الخامس:قول من كره بإطلاق.
    السادس:قول من كره بقيود وتفصيل.
    السابع: قول من حرم بإطلاق.
    الثامن:قول من حرم بقيود وتفصيل.

    2-أحد عشر قولا ذكرها ابن حجر الهيتمي:
    وقد ذكر ابن حجر الهيتمي في "كف الرعاع" (2/277-278) أحد عشر قولا في حكم القسم الثاني من الغناء الذي أصبح صناعة يتفنن فيها المتفنون ويدخلها التلحين والتحسين وهو الذي اختلف فيها إذ الغناء الفطري الذي يترنم به الإنسان لنفسه أو غناء الأم لطفلها أو حداء الأعراب ونحو ذلك لا يشك أنه مباح.

    أحدها: أنه حرام:
    قال القرطبي:وهو مذهب مالك. قال أبو إسحاق: سألت مالكا عما يرخص فيه أهل المدينة من الغناء؟ فقال: إنما يفعله عندنا الفساق. فهو مذهب سائر أهل المدينة إلا إبراهيم ابن سعد وحده فإنه لم ير به بأسا.
    وهو أيضا مذهب أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه وسائر أهل الكوفة: إبراهيم النخعي والشعبي وحماد وسفيان الثوري وغيرهم لا خلاف بينهم فيه وهو أحد قولي ال
    Admin
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 2093
    تاريخ التسجيل : 01/03/2010
    الموقع : hmsain.ahlamontada.com

    الغناء بين الحل والحرمة Empty *ضوابط إباحة الغناء وعوارض تعرض له تنقله من الحل إلى الحرمة

    مُساهمة  Admin الخميس 23 يونيو 2011 - 16:42

    ضوابط إباحة الغناء وعوارض تنقله من الإباحة إلى الحرمة
    اعتدال فقه الإمام الغزالي في قضية الغناء:

    أعتقد أن ما عرضناه من موقف الإمام الغزالي من قضية الغناء وبيان أسراره النفسية ومناقشته الفقهية العميقة لحجج القائلين بتحريم السماع والجواب عنها بالإجابات الشافية ونصرته لأدلة المجيزين وتحديده للعوارض التي تعرض للسماع المباح فتنقله إلى دائرة الحرمة يعتبر هذا من أعدل المواقف المعبرة عن وسطية الشريعة وسماحتها وصلاحيتها لكل البيئات والأعصار.
    إن فقه الغزالي في الإحياء –بصفة عامة-فقه تحرر من قيود المذهبية فهو لم يعد شافعيا مقيدا بل مجتهدا طليقا ينظر إلى الشريعة من أفق واسع وقد تجلى هذا في مواضع كثيرة من موسوعته الإحيائية تحتاج إلى دراسة خاصة تصلح لأطروحة جامعية.
    أجل إن أبا حامد الغزالي كان في تناول هذا الموضوع إماما بحق وفقيها مستقلا بجدارة ونظراته العميقة وتحليلاته الدقيقة في الموضوع تشهد بعبقريته وأصالة اجتهاده سواء في تفسيره للنصوص أم في بيانه للقياس المعقول المفهوم من النصوص وهو ما نعبر عنه اليوم ب"مقاصد الشريعة" وقد سبق إلى ذلك الإمام الشاطبي وغيره.
    فمن أراد أن يعرف الغزالي الفقيه الشافعي فليقرأ كتبه الفقهية الأربعة الشهيرة والتي نظمها بعض الشافعية فقال:
    خدم المذهب حبر***أحسن الله خلاصه
    ببسيط ووسيط***ووجيز وخلاصة
    أما من أراد أن يعرف الغزالي الفقيه المجتهد المستقل الفكر فليعرفه في الإحياء في مواقع مختلفة -لاسيما معتركات النزاع-التي يدخل فيها ممحصا ومحققا ومرجحا ومن أبرز هذه المواقع أو المواقف: موقفه من قضية الغناء أو السماع وتحقيقه القول فيه.
    كل ما كان ينقصه من أسلحة في هذه المعركة الفقهية هو التبحر في علوم الحديث ومعرفة الأسانيد ورجالها وما قيل فيهم من جرح أو تعديل.
    ولو قدر الله له هذه المعرفة –وما كان أيسرها عليه لو اتجه إليها-لعلم أن الأحاديث التي اعتمد عليها المائلون إلى تحريم الغناء والتي حرموا بها استخدام الآلات والأوتار كلها ليس فيها حديث صحيح واحد صريح الدلالة على حرمة الأوتار.
    ولكنه أخذ هذه الأحاديث مسلمة تقليدا لقول من صححها ومع هذا عللها –كما سنرى- تعليلا رائعا يجعل تحريمها مرتبطا بعلة أو علل معينة بحيث لو زالت هذه العلل لزال معها الحكم المترتب عليها إذ المعلول يدور مع عليته وجودا وعدما كما هو معلوم.

    العوارض التي تنقل السماع المباح إلى الحرمة:
    ذكر الغزالي عوارض خمسة تجعل السماع المباح محظورا تتحدد فيما يلي:
    1-عارض في المسمع بأن يكون امرأة لا يحل النظر إليها ، و تخشى الفتنة من سماعها . و الحرمة فيه لخوف الفتنة لا لذات الغناء .
    ورجح الغزالي قصر التحريم على مظنة خوف الفتنة . . و أيد ذلك بحديث الجاريتين المغنيتين في بيت عائشة ، إذ يعلم أنه ( صلي الله عليه و آله وسلم ) كان يسمع أصواتهما ، ولم يحترز منه . و لكن لم تكن الفتنة مخوفة عليها ، فلذلك لم يحترز . فإذن يختلف هذا بأحوال المرأة ، و أحوال الرجل في كونه شاباً و شيخاً ، و لا يبعد أن يختلف الأمر في مثل هذا بالأحوال . فإنا نقول : للشيخ إن يقبل زوجته ، و هو صائم ، و ليس للشاب ذلك .

    2-عارض في الآلة بأن تكون من شعار أهل الشرب أو المخنثين ، و هي : المزامير و الأوتار و طبل الكوبة . فهذه ثلاثة أنواع ممنوعة ، وما عدا ذلك يبقى على أصل الإباحة ، كالدف ، و إن كان فيه الجلاجل ، و كالطبل ، و الشاهين ، و الضرب بالقضيب . . . و سائر الآلات .

    3-عارض في نظم الصوت ، و هو الشعر ، فإن كان فيه شيء‌ من الخنا و الفحش و الهجو ، أو ما هو كذب على الله تعالي و على رسوله ، أو على الصحابة و غيرهم ، فسماع ذلك حرام ، بألحان و غير ألحان ، و المستمع شريك للقائل . و كذلك ما فيه و صف امرأة‌ بعينها ، فإنه لا يجوز و صف المرأة بين يدي الرجال . . فأما التشبيب بوصف الخدود و القد و القمة . . و سائر أوصاف النساء ، فالصحيح أنه لا يحرم نظمه و إنشاده ، بلحن و بغير لحن ، و على المستمع ألا ينزله على‌ امرأة معينة ، فإن نزله فينزله على من تحل له ، فإن نزله على أجنبية ، فهو العاصي بالتنزيل ، و إجالة الفكر فيه ، و من هذا و صفه ، فينبغي أن يجتنب السماع رأساً . .

    4-عارض في المستمع ، و هو أن تكون الشهوة ‌غالبة ‌عليه ، وكان في غزة الشباب ، و كانت هذه الصفة أغلب عليه من غيرها ، فالسماع حرام عليه ، سواء غلب على قلبه حب شخص معين أم لم يغلب ، فإنه كيفما كان ، فلا يسمع و صف الصدغ و الخد ،‌ و الفراق و الوصال ، إلا و يحرك ذلك شهوته و ينزله على صورة معينة ، ينفخ الشيطان بها في قلبه ، فتشتعل نار الشهوة ، و تمتد بواعث الشر .

    5-أن يكون الشخص من عوام الخلق ، و لم يغلب عليه حب الله تعالى ، فيكون السماع له محبوباً ، و لا غلبت عليه شهوة ، فيكون في حقه محظوراً ، و لكنه أبيح في حقه كسائر أنواع اللذات المباحة إلا أنه اتخذه ديدنه و هجيراه ، و قصر عليه اكثر أوقاته فهذا هو السفيه الذي ترد شهادة ، فإن المواظبة علي اللهو جناية ، وكما أن الصغيرة بالإصرار والمداومة تصير كبيرة ، فكذلك بعض المباحات بالمداومة يصير صغيرة . . . و من هذا القبيل : اللعب بالشطرنج ، فإنه مباح ، و لكن المواظبة عليه مكروهة كراهية شديدة . . وما كل مباح يباح كثيرة . بل الخبز مباح ، والاستكثار منه حرام ، كسائر المباحات .انتهى (انظر الإحياء كتاب السماع (ص 1142 –1145).

    ويلاحظ في هذه العوارض التي ذكرها الغزالي : أنه اعتبر الأوتار والمزامير من عوارض التحريم ، بناء علي أن الشرع ورد بالمنع منها .
    و قد اجتهد في تعليل هذا المنع ، فأبدع وأجاد في التعليل والتفسير ، إذ قال : أن الشرع لم يمنع منها لذاتها : إذ لو كان للذة لقيس عليها كل ما يلتذ به الإنسان ، و لكن حرمت الخمور ، واقتضت ضراوة الناس بها المبالغة في الفطام عنها ، حتى انتهي الأمر في الابتداء إلي كسر الدنان ، فحرم معها كل ما هو من شعار أهل الشرب ، و هي الأوتار والمزامير فقط ، وكان تحريمهما من فبل الاتباع ، كما حرمت الخلوة بأجنبية ، لأنها مقدمة الجماع ، وحرم النظر إلي الفخذ ،‌لاتصاله بالسوأتين ، وحرم قليل الخمر ، و إن كان لا يسكر ، و ما من حرام إلا وله حريم يطيف به ، و حكم الحرمة ينسحب علا حريمه ، ليكون حمي للحرام و وقاية له ، وحظاراً مانعاً حوله .

    فهي (أي الأوتار والمزامير ) محرمة تبعاً‌ لتحريم الخمر لثلاث علل :
    إحداها : أنها تدعو إلى ‌شرب الخمر ، فإن اللذات الحاصلة بها إنما تتم بالخمر . .
    الثانية : أنها في حق قريب العهد بشرب الخمر تذكر مجالس الأنس بالشرب . . . و الذكر سبب انبعاث الشوق ، و هو سبب الإقدام . .
    الثالثة : الاجتماع عليها ، لما أن صادر من عادة أهل الفسق ، فيمنع من التشبه بهم ؛ لأن من تشبه بقوم فهو منهم . .

    و بعد تحليل جيد ، قال الغزالي : و بهذا نتبين أنه ليست العلة‌ في تحريمها :‌مجرد اللذة الطيبة ،‌ بل القياس تحليل الطيبات كلها ،‌ إلا ما في تحليله فساد . قال الله تعالى : ( قلُ مَنُ حَرَّمَ زِينةَ الّلَهِ الَتِي أَخُرَجَ لِعِبِادَهِ وَالُطَيِبَاتِ مِنُ الرِزُقِ ) ؟. (انظر الإحياء ص 1128).

    ورحم الله الإمام الغزالي ، فالحقيقة : أنه لم يرد نص صحيح الثبوت صريح الدلالة ، يمنع من هذه الأوتار و المزامير كما ظن ،‌ و لكنه – رضي الله عنه – أخذ الأحاديث المروية‌ في الموضوع قضية مسلمة ، ثم حاول تفسيرها بما ذكرناه ، ولو عرف و هن أسانيد المرويات في هذا الأمر ، ما جشم نفسه عناء هذا التعليل . و هو على كل حال تعليل مفيد لمن لا يسلم بضعف هذه الأحاديث .

    قيود و شروط لابد من مراعاتها :
    و لا ننسى أن نضيف إلى هذا الحكم : قيوداً وضوابط لا بد من مراعاتها في سماع الغناء حتى يأخذ حكم الحل:

    1-سلامة مضمون الغناء من المخالفة الشرعية:
    نؤكد : ما أشرنا إليه أنه ليس كل غناء مباحاً ،‌ فلا بد أن يكون موضوعة متفقاً مع الإسلام و تعاليمه غير مخالفة لعقيدته ولا أخلاقياته .
    فلا يجوز التغني بقول أبي نواس :

    و داوني بالتي كانت هي الداء ! دع عنك لومي ، فإن اللوم إغراء

    ولا بقول شوقي :‌
    مشتاقة تسعى إلى مشتاق رمضان ولي هاتها يا ساقي
    لما فيها من دعوة إلى شرب الخمر وهي أم الخبائث في الإسلام.

    و أخطرها منها : قول إيليا أبي ماضي في قصيدته « الطلاسم » :
    جئت لا أعلم من أين ، و لكنى أتيت !
    ولقد أبصرت قدامي طريقاً فمشيت !
    كيف جئت ؟ كيف أبصرت طريقي ؟ لست أدري !
    ولماذا لست أدري؟لست أدري!

    لأنها تشكيك في أصول الأيمان : المبدأ ،‌ و المعاد ،‌و النبوة .
    و مثلها : ما عبر عنه بالعامية‌ في أغنية « من غير ليه » و ليست أكثر من ترجمة من شك أبي ماضي إلى العامية ، ليصبح تأثيرا أوسع دائرة .
    و مثل ذلك الأغنية التي تقول : « الدنيا سيجارة و كاس » . فكل هذه مخالفة لتعاليم الإسلام الذي يجعل الخمر رجساً من عمل الشيطان ، ويلعن شارب « الكأس » و عاصرها و بائعها وحملها و كل من أعان فيها بعمل . و التدخين أيضاً آفة ليس وراءها إلا ضرر الجسم و النفس و المال وهي داخلة في دائرة الخبائث المحرمة.
    و الأغاني التي تمدح الظلمة و الطغاة و الفسقة من الحكام الذين ابتليت بهم أمتنا ، مخالفة لتعاليم الإسلام ،‌ الذي يلعن الظالمين ، و كل من يعينهم ، بل من يسكت عليهم ،‌ فكيف بمن يمجدهم ؟!
    و الأغنية التي تمجد صاحب العيون الجريئة – أو صاحبة العيون الجريئة – أغنية تخالف أدب الإسلام الذي ينادي كتابه : ( قل لِلُمؤمِنينَ يَقُضواُ مِنُ أَبُصَارِهِمُ . . . . ) ، ( وَقل لِلُمؤُمِنَاتِ يَغُضضُنَ مِنُ أَبُصَارِهِنَ )، و يقول ( صلي الله عليه و آله و سلم ) : « يا علي ؛ لا تتبع النظرة النظرة ، فإن لك الأولى وليست لك الآخرة » .

    2-سلامة طريقة الأداء من التكسر والإغراء:
    ثم إن طريقة الأداء لها أهميتها ، فقد يكون الموضوع لا بأس به و لا غبار عليه ، و لكن طريقة المغني أو المغنية في أدائه بالتكسر في القول ، و تعمر الإثارة ، و القصد إلى إيقاظ الغرائز الهاجعة ، و إغراء‌ القلوب المرضية – ينقل الأغنية من دائرة الإباحة إلى دائرة الحرمة أو الشبهة أو الكراهة من مثل ما يذاع على الناس و يطلبه المستمعون و المستمعات من الأغاني التي تلح على جانب واحد ، هو جانب الغريزة الجنسية و ما يتصل بها من الحب والغرام ، و إشعالها بكل أساليب الإثارة و التهيج ، و خصوصاً لدى الشباب و الشابات .والغريز الجنسية غريزة عاتية بطبيعتها حتى أن بعض علماء النفس يفسر بها السلوك البشري كله وهي تحتاج إلى إعلاء وتسام بها لا إلى تحريكها وتهييجها بالمثيرات.
    إن القرآن يخاطب نساء النبي ( صلي الله عليه و آل و سلم ) فيقول : ( فَلَا تَخُضَعُنَ بِالُقَوُلِ فَيَطُمَعَ الَذِي فِي قَلُبِهِ مَرَض ). فكيف إذا كان مع الخصوص في القول الوزن و النغم و التطريب و التأثير .

    3-عدم اقتران الغناء بأمر بمحرم:
    ومن ناحية ثالثة يجب ألا يقترن الغناء بشيء محرم ، كشرب الخمر أو التبرج أو الاختلاط الماجن بين الرجال و النساء ، بلا قيود ولا حدود، و هذا هو المألوف في مجالس الغناء ‌و الطرب من قديم . و هي الصورة الماثلة في الأذهان عندما يذكر الغناء ، و بخاصة غناء الجواري و النساء .
    و هذا ما يدل عليه الحديث الذي رواه ابن ماجه و غيره : « ليشربن ناس من أمتي الخمر ، يسمونها بغير اسمها يعزف على رؤوسهم بالمعازف و المغنيات ، يخسف الله بهم الأرض و يجعل منهم القردة و الخنازير » .
    و أود أن أنبه هنا على قضية مهمة ،‌ و هي : أن الاستماع إلى الغناء‌ في الأزمنة الماضية كان يقتضي حضور مجلس الغناء ، و مخالطة المغنيين و المغنيات و حواشيهم ، و قلما كانت تسلم هذه المجالس من أشياء ينكرها الشرع ، ويحرمها الدين .
    أما اليوم فيستطيع المرء أن يستمع إلى الأغاني و هو بعيد عن أهلها و مجالسها ،‌ و هذا لا ريب عنصر مخفف في القضية ،‌ ويميل بها إلى جانب الإذن و التيسير .


    4-تجنب الإسراف في السماع:
    الغناء – ككل المباحات – يجب أن يقيد بعدم الإسراف فيه وقد قال تعالى:"يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين" وفي الحديث: "كلوا واشربوا وتصدقوا والبسوا في غير إسراف ولا مخيلة" فقيد الاستماع بالحلال بقيدين:قيد ظاهري يتعلق بالكم وهو اجتناب الإسراف وقيد باطن يتعلق بالكيف وهو البعد عن المخيلة أي الاختيال والفخر على الناس فإن الله لا يحب من كان مختالا فخورا.
    وإن كان عدم الإسراف مطلوبا في كل المباحات فهو أشد ما يكون طلبا في مجال اللهو وفي مقدمته الغناء بآلة وبغير آلة و بخاصة الغناء العاطفي الذي يتحدث عن الحب والشوق فالإنسان ليس عاطفة فحسب والعاطفة ليست حباً فقط ، و الحب لا يختص بالمرأة وحرها ، و المرأة ليست جسداً و شهوة لا غير ، لهذا يجب أن نقلل من هذا السيل الغامر من الأغاني العاطفية الغرامية ، و أن يكون لدينا من أغانينا و برامجنا و حياتنا كلها توزيع عادل ، و موازنة مقسطة بين الدين و الدنيا ، و في الدنيا بين حق الفرد و حقوق المجتمع ، و في الفرد بين عقله و عاطفته ،‌ و في مجال العاطفة بين العواطف الإنسانية كلها من حب و كره و غيره و حماسة و أبوة و أمومة و بنوة و أخوة و صداقة . . . الخ ، فلكل عاطفة حقها .
    أما الغلو و الإسراف و المبالغة‌ في إبراز عاطفة خاصة ، فذلك على حساب العواطف الأخرى ، و على حساب عقل الفرد و روحه و إرادته ، و على حساب المجتمع و خصائصه و مقوماته ،‌ و على حساب الدين و مثله و توجيهاته .
    إن الدين حرم الغلو و الإسراف في كل شيء حتى في العبادة ، فما بالك بالإسراف في اللهو ،‌ و شغل الوقت به و لو كان مباحاً ؟!
    إن هذا دليل على فراغ العقل و القلب من الواجبات الكبيرة ، و الأهداف العظيمة و دليل على إهدار حقوق كثيرة كان يجب أن تأخذ حظها من وقت الإنسان المحدود و عمره القصير ، و ما أصدق و أعمق ما قال ابن المقفع : « ما رأيت إسرافاً إلا و بجانبه حق مضيع » ، و في الحديث الذي رواه ابن حبان من صحف إبراهيم (وهو ضعيف جدا ولكنا نأخذخ باعتباره حكمة مأثورة) :‌ « لا يكون العاقل ظاعناً إلا لثلاث : مرمة لمعاش ،‌ أو تزود لمعاد ،‌أو لذة في غير محرم » ،‌ فلنقسم أوقاتنا بين هذه الثلاثة بالقسط ، و لنعلم أن الله سائل كل إنسان عن عمره :‌فيم أفناه ،‌ و عن شبابه : فيم أبلاه ؟

    وللإمام الغزالي هنا كلام جيد ذكره في الإحياء في العوارض التي تعرض للإباحة فتغير حكمها:
    فقد ذكر العارض الخامس وقال فيه:أن يكون الشخص من عوام الخلق ولم يغلب عليه حب الله تعالى فيكون السماع له محبوبا ولو غلبت عليه شهوة فيكون في حقه محظورا ولكنه أبيح في حقه كسائر أنواع اللذات المباحة إلا أنه إذا اتخذه ديدنه وهجيراه وقصر عليه أكثر أوقاته فهذا هو السفيه الذي ترد شهادته فإن المواظبة على اللهو جناية وكما أن الصغيرة بالإصرار والمداومة تصير كبيرة فكذلك بعض المباحات بالمداومة تصير صغيرة وهو كالمواظبة على متابعة الزنوج والحبشة والنظر إلى لعبهم على الدوام فإنه ممنوع وإن لم يكن أصله ممنوعا إذ فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن هذا القبيل اللعب بالشطرنج فإنه مباح ولكن المواظبة عليه مكروهة كراهة شديدة ومهما كان الغرض اللعب والتلذذ باللهو فذلك إنما يباح لما فيه من ترويح القلب إذ راحة القلب معالجة له في بعض الأوقات لتنبعث دواعيه فيشتغل في سائر الأوقات بالجد الدنيا كالكسب والتجارة أو في الدين كالصلاة والقراءة واستحسان ذلك فيما بين تضاعيف الجد كاستحسان الخال على الخد ولو استوعبت الخيلان في الوجه لشوهته فما أقبح ذلك فيعود الحسن قبحا بسبب الكثرة فما كل حسن يحسن كثيره ولا كل مباح يباح كثيره بل الخبز مباح والاستكثار منه حرام فهذا المباح كسائر المباحات.انتهى (الإحياء (2/283).

    ويقول العلامة النابلسي في كتابه (إيضاح الدلالات):
    (إن اقترن سماع هذه الآلات وهذا السماع المذكور بأنواعه بالخمر أو الزنى أو اللواط أو دواعي ذلك من اللمس بشهوة والتقبيل أو النظر بشهوة لغير الزوجة أو لم يكن شيء منذ لك في المجلس بل كان في المقصد والنية للشهوات المحرمة بأن تصور في نفسه شيئا من ذلك واستحسن أن يكون موجودا في المجلس فهذا السماع حرام حينئذ على كل من سمعه بعينه في حقه هو في نفسه باعتبار قصده ونيته لأنه داع في حقه إلى الوقوع في المحرمات الموجودة في المجلس أو المقصودة التي تصورها في نفسه واستحسنها أن تكون في ذلك المجلس وكل ما يدعو إلى الحرام فهو حرام.
    وإذا كان هذا المعنى هو الغالب الكثير في أهل هذا الزمان فلا نحكم به نحن في كل أحد بالفراسة والتخمين وننسب الفسق بسبب ذلك إلى أمة محمد –صلى الله عليه وسلم-ما لم تكن المحرمات المذكورة ظاهرة في ذلك المجلس من غير احتمال ولا تأويل.
    وربما يقول قائل:خواطر الشهوات المحرمة كشهوة الزنى أو شرب الخمر ونحو ذلك إذا خطرت في القلب كانت مرفوعة لا يأثم بها صاحبها في الشرع كما صرح به العلماء في موضعه فكيف تكون إباحة السماع المذكور مشروطة بزوال هذه الخواطر المباحة في الشرع عن القلب؟وهل لذلك نظير في الشرع؟
    فالجواب:
    نعم هذه الخواطر المذكورة لا تكتب على العبد ولا يأثم بها إذا وقعت في قلبه وإن بقيت فيه وترددت عنده ما لم تصر عزما مصمما ولكن إذا ورد السماع المطرب على العبد وهو في قلبه تحركت وقوي عزمه عليها وهاجت فيه نيران الطبيعة لطلبها فلا يقدر العبد حينئذ على دفعها فتحمله على إنفاذها في الخارج إن كان له قدرة على ذلك.
    وإنما قيدنا الشهوات بالمحرمة فيما سبق للاحتراز من الشهوات المباحة كشهوة الطعام اللذيذ أو الشرب الحلال اللذيذ أو النكاح كنكاح امرأته ونحو ذلك فإن هذه الخواطر لهذه الشهوات المباحة إذا وقعت في القلوب في وقت السماع لا توجب حرمته بل يبقى على الإباحة.انتهى (انظر إيضاح الدلالات في سماع الآلات ص 37-40-61


    4-ما يتعلق بالمستمع:
    و بعد هذا الإيضاح تبقى هناك أشياء خاصة أو دائرة معينة تتعلق بالمستمع نفسه لا تحيط بها الفتاوى المفتين ولا يستطاع ضبطها بدقة بل توكل إلى ضمير المسلم وتقواه ويكون كل مستمع فيها فقيه نفسه ومفتيها فهو أعرف بها من غيره وأدرى باتجاهاتها وخلجاتها من كل فقيه ويسبح به في شطحات الخيال ويطغى فيه الجانب الحيواني على الجانب الروحاني فعليه أن يتجند حينئذ ويسد الباب الذي تهب منه رياح الفتنة على قلبه ودينه وخلقه فيستريح وفي مثل هذا جاء الحديث النبوي: "البر ما سكنت إليه النفس واطمأن إليه القلب والإثم ما لم تسكن إليه النفس ولم يطمئن إليه القلب وإن أفتاك المفتون".

    وهذا ما نبه إليه الإمام الغزالي في الإحياء فقد ذكر أدلة الإباحة من نصوص الشريعة ومقاصدها ثم ذكر العوارض التي تعرض للغناء فتنقله من الإباحة إلى التحريم فقال رحمه الله:

    العارض الرابع: في المستمع ، و هو أن تكون الشهوة ‌غالبة ‌عليه ، وكان في غزة الشباب ، و كانت هذه الصفة أغلب عليه من غيرها ، فالسماع حرام عليه ، سواء غلب على قلبه حب شخص معين أم لم يغلب ، فإنه كيفما كان ، فلا يسمع و صف الصدغ و الخد ،‌ و الفراق و الوصال ، إلا و يحرك ذلك شهوته و ينزله على صورة معينة ، ينفخ الشيطان بها في قلبه ، فتشتعل نار الشهوة ، و تمتد بواعث الشر . وذلك هو النصرة لحزب الشيطان والتخذيل للعقل المانع منه الذي هو حزب اللهتعالى والقتال في القلب دائم جنود الشيطان وهي الشهوات وبين حزب الله تعالى وهو نور العقل إلا في قلب قد فتحه أحد الجندين واستولى عليه بالكلية وغالب القلوب الآن قد فتحها جند الشيطان وغلب عليها فتحتاج حينئذ إلى أن تستأنف أسباب القتال لإزعاجها فكيف يجوز تكثير أسلحتها وتشحيذ سيوفها وأسنتها والسماع مشحذ لأسلحة جند الشيطان في حق مثل هذا الشخص فليخرج مثل هذا عن مجمع السماع فإنه يستضر به.

    إلى هنا ينتهي الموضوع -مع وعد بالمزيد إن شاء الله تعالى-.

    فما كان من خطأ فمن نفسي ومن الشيطان الرجيم وما كان من توفيق فمن الله وحده وليس لي فيه نصيب.

    والله تعالى أعلى وأعلم.

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة 15 نوفمبر 2024 - 5:27