بقلم الحاج عزيز
إنه من الطبيعي في مسار التدرج في مراحل العمل الإسلامي الجماعي الموصوف بالشمول في الفهم والممارسة والنشاط التربوي والدعوي والثقافي والاقتصادي والسياسي والاجتماعي..أن يبتلى ويمتحن المنتمون لهذا التيار الوسطي والمعتدل في إطار السنن الإلهية في حق الجماعات المؤمنة قال تعالى((أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا أمنا وهم لا يفتنون))(العنكبوت 02)
"إعلان تأسيس الفضاءات القانونية للإحاطة بمنهج الشمول"
إنها ضريبة الالتزام بمنهج الوسطية والشمول الإسلامي في كل محطة من محطات مراحل الانتقال للاستيعاب والإحاطة بكل مجالات العمل التي يتضمنها شمول الإسلام، والاجتهاد في الدعوة إلى الالتزام به وتطبيقه في واقع موصوف بالانحراف والتغلب والفساد يهيمن حكامه فيه على كل المؤسسات والمجالات الحيوية في المجتمع، الأمر الذي يفرض جملة من التحديات التي تواجه الحركة في مسارها نحو استكمال الإحاطة بمنهج الشمول عموما، عند وصولها إلى مرحلة الجهاد السياسي وهي من مراحل الدعوة الأخيرة في استيعاب منهج الشمول وهذا في إطار المتاح من القوانين المنظمة لشؤون الدولة والمجتمع حيث يتضاعف الجهد وتتسع دائرة العمل والنشاط وتتعدد الرؤى في أساليب المعارضة ودفع الحكام إلى استكمال تطبيق مبادئ الإسلام وتعاليمه أو في كيفية إفتكاك الحكم سلميا وتدريجيا من الذين لا يستجيبون إلى مطالب الأغلبية من الشعب من خلال النضال الدستوري (البرلماني) والتعبوي للجماهير المسلمة لاستعادة حقها في إقامة دولتها على مبادئ الإسلام وفق منطق الوثيقة التاريخية المرجع (بيان أول نوفمبر) وفي إطار استكمال تطبيق تعاليم الإسلام وفق مناهج وبرامج تلتزم بتكريس مقاصد الإسلام وأصوله وقواعده كأولوية وتتجاوب مع التطور العلمي والاجتماعي والاقتصادي السياسي وتتكيف مع النظام الديمقراطي ألتعددي الذي يرفض الاستبداد ويكفل الحريات في إطار منهج الوسطية والاعتدال وفي إطار المتاح والمباح ومن منطلق سعة التشريع الإسلامي وقواعده الكلية التي تركت ((للمسلم بابا واسعا في الانتفاع بكل تشريع نافع مفيد لا يتعارض مع أصول الإسلام ومقاصده..))الرسائل.
هذه المرحلة للانفتاح السياسي أتاحت فرصة للحركة في الجزائر أن تؤسس حزبا وروافد تمثل في مجموعها الإحاطة بمنهج الشمول في العمل والممارسة الميدانية في الواقع المعاش في إطار فضاءات قانونية تحمي الأفراد من تبعات العمل السري الذي يثير الشكوك في عالم أصبح فيه كل عمل أو نشاط سري أو حركة خفية أصحابها متهمون سلفا من طرف أجهزة الأمن ومن المجتمع، وقبل ذلك متهمون في إطار القانون (قانون مكافحة الإرهاب)(وقانون مكافحة منظمات الإجرام)(والقوانين الأخرى المتعلقة بمنع النشاطات الغير المؤطرة قانونا والغير المرخصة)ومن نعمة الله على الحركة في الجزائر أن مؤسسها الشيخ محفوظ نحناح رحمه الله وإخوانه معه قد اغتنموا الفرصة وأسسوا فضاءات قانونية تتكيف مع المرحلة وتكرس أصلا من أصول الدعوة في الميدان وهو أنالأصل في دعوتنا، أنها علنية، فنحن نحب أن نصارح الناس بغايتنا، وأن نجلي أمامهم منهاجنا، وأن نوجه إليهم دعوتنا، في غير لبس ولا غموض، أضوء من فلق الصبح وأبين من غرة النهار..وهذا لا يقتصر على الدعوة إلى الإسلام..وإنما يشمل الدعوة إلى الجماعة نفسها..وأعمال الجماعة نفسها، وأعمال الجماعة يجب أن تكون جلية لإخفاء بها ولا سر فيها) (ثوابت العمل عند الإمام البنا ص14)
"الإحسان في اختيار وسائل الدعاية والحركة"
كما التزم رحمه الله تعالى هو وإخوانه بوسائل العصر التي يتحقق من خلالها الغرض المطلوب استنادا إلى القاعدة التي أشار إليها المؤسس للفكر الإسلامي الوسطي قدس الله سره القائل (أن وسائل الدعاية الآن غيرها بالأمس..لهذا كان من واجب أهل الدعوة أن يحسنوا تلك الوسائل جميعا حتى يأتي عملهم بثمرته المطلوبة)(دعوتنا ص17)
وقد أحسن الشيخ محفوظ رحمه الله وإخوانه معه في اختيار الوسائل المعاصرة المتاحة التي تحقق الإحاطة بمنهج الشمول في العمل المؤدي بإذن الله وعونه ولو طال الزمن إلى تحقيق استكمال عملية التمكين لتعاليم الإسلام في واقع الناس هذه المرحلة التي أتيحت فيها فرصة المشاركة في المجالس النيابية والمجالس التمثيلية المحلية والمشاركة في الحكومة والتحالف الرئاسي، والتفاف النخب والجماهير حول الفضاءات القانونية..التي أنشأتها الحركة..الأمر الذي جعل الحركة (حمس) رقما هاما في الخارطة والمعادلة السياسية والاجتماعية في الجزائر
"تحديات ذاتية وخارجية في مواجهة منهج الشمول"
وبناء على ذلك تضاعفت التحديات التي تواجه (الحركة) من حيث نموها المتزايد والسريع في كسب المؤيدين والأنصار لمشروعها النهضوي الذي أصبح ينافس حزبي السلطة من خلال التسابق في إطار النظام الديمقراطي التعددي لكسب الرأي العام والشرعية الجماهيرية ومن حيث انفتاح أبواب الدنيا على مصراعيها المتمثلة في (الجاه والمال والسلطان) فاستهدفت الحركة في وحدتها وتماسك صفها وفي قوة طرح مشروعها الإسلامي الذي يتميز بشموله واستيعابه لمناحي الحياة كلها هذا من جهة ومن جهة أخرى تأثر أبناء الحركة كغيرهم من الناس في كل زمان بالانفتاح على الدنيا فبدأت الاختلافات تدب في صفوفها وبدأ التنافس يشتد بين قادتها وأتباعها وتباينت المقاصد والتوجهات بين عموم الإخوة إلا من رحم الله تعالى في هذا الجهاد السياسي والاجتماعي..في إطار الاستيعاب لمنهج الشمول في العمل والنشاط تماما كما تباينت إرادات الصحابة الكرام رضي الله عنهم مع الفارق في الاجتهادات والمقاصد في الجماعة الأولى عندما استكملت استيعاب منهج الشمول الإسلامي ووصولها إلى مرحلة الجهاد القتالي لإعلاء كلمة الله (والجهاد ذروة سنام (الإسلام)) فابتليت في مرحلة الفتوحات والانتصارات مرحلة الغنم بتغلب إرادة الدنيا عند البعض على إرادة الآخرة وقد بينت آيات القرآن الكريم وصف هذه الحالة في قوله عز وجل ((منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة..)) إلا أن الجماعة الأولى الموصوفة (بخير القرون) كانت تحت قيادة خير البرية محمد صلى الله عليه وسلم وكان الحكم فيها بما أنزل الله هو المعتمد وهو السائد وهو الروح التي تسري في جسد الجماعة الأولى المؤمنة وأيضا لكونها النموذج القدوة لمن سيأتي بعدها من الأمم والشعوب والجماعات لذلك اتصف أفرادها بالالتزام بالقيم والأخلاق والسلوكات التي جاء بها التوجيه القرآني والتوجيه النبوي حيث كانوا كلما مسهم طائف من الشيطان تذكروا ما أمرهم الله به فانتبهوا والتزموا قال تعالى ((إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون)) فهم رضي الله عنهم رغم إرادة بعضهم الدنيا إلا أنهم سرعان ما يتذكرون فيبصرون أما واقع الجماعة اليوم فإنه يختلف عن واقع الجماعة بالأمس فمثلا حركة حمس التي هي المظلة القانونية للجماعة رغم أنها تتمتع بالحرية في ممارسة فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في أعلى هرم المؤسسات الرسمية للسلطة كما أنها تقوم بنشاطات في مجالات عديدة تتم في عمومها في إطار الإحاطة بمنهج الشمول إلا أنها تتحرك في واقع مقيد بجملة من القوانين والنظم والقناعات الفكرية والسياسية والعادات التي تتزاحم معها في الواقع كل ذلك يمارس في إطار جمهورية دستورها يتبنى النظام الديمقراطي الذي يكفل الحريات العامة والخاصة للجميع، طبعا بنسب ما زالت لم ترق إلى المستوى المطلوب ولكنها أفضل من غيرها من الدول العربية التي بدأت شعوبها تفرض عليها موجة إصلاحات هامة والتي ستكون جمهورية الجزائر هي الأخرى في طور جديد من خلال الإصلاحات العميقة المعلن عنها، والتي تزامنت مع واقع الحركة الإسلامية في حالة انقسام وتناقض وزادها التعجل والتأويل وربما الإجتهاد الغير السليم من البعض تمزيقا للممزق بعدما جاء قرار مساعي الصلح والوحدة مؤكدا على (العمل على إعادة وحدة الجماعة)ولله في خلقه شؤون، ورغم أن هذا الدستور يؤكد في أهم مبادئه أن الإسلام دين الدولة إلا أن فهم النخب المتنفذة لذلك متباينة في فهم شمولية الإسلام، كما أن الأغلبية التي أفرزتها نتائج الانتخابات في أغلب المحطات وإن شابها ما شابها من التزوز...تؤكد أنها ما زالت محدودة في فهم منهج شمول الإسلام وبالخصوص في مجاله السياسي والاقتصادي..وهذا من أكبر التحديات التي تواجه الحركة، يضاف إلى ذلك واقع المجتمع الذي يتسم بالفتنة والفساد والانحراف وكذا الآثار المترتبة عن هيمنة الدول الغربية الكبرى على العديد من المجالات الحيوية من خلال قدرتها القوية على تصدير المنظومات التربوية والتعليمية والثقافية والاقتصادية والصناعية والتكنولوجية...مما جعل الكثير من النخب والشرائح تتأثر بها وتقلدها حتى في انحرافاتها وفسادها، كما أن الحركة ليس لها سلطان قوى حتى على أتباعها إلا سلطان القناعات والأدبيات التربوية والروابط التنظيمية على الالتزام بمنظومة القيم والأخوة والمحبة التي تزيد وتنقص حسب قوة الإيمان أو ضعفه..وبما أن التحديات التي تواجه الجماعات الإسلامية المعاصرة كثيرة إلا أنها تتضاعف بالنسبة للجماعة التي تلتزم بمنهج الشمول في أعمالها ونشاطاتها.
"تحديات الانقسام الداخلي وضرورة معالجته"
فإن حركة "حمس" تفاقمت أمامها التحديات حيث انتقلت إلى صفها الداخلي فاشتد الاختلاف بين قادتها وأفرادها حيث يظهر للمراقب أن هناك من يولي اهتمامه لإرادة الدنيا (غنيمة الجهاد السياسي) وبين من يولي اهتمامه لإيرادة الآخرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعدم الركون إلى الذين ظلموا وتشبثوا بمتاع الحياة الدنيا..وتطور هذا الاختلاف بعد وفاة القائد المؤسس الشيخ الرئيس محفوظ نحناح رحمه الله رحمة واسعة ليتحول إلى اختلاف على الزعامة حيث اشتد الغلو بين المتنافسين على زعامة الحركة فتشكلت التكتلات وبقي الاختلاف والتدافع والصراع ينخر وحدة الصف في أعلى مستويات الحركة حتى وقع الانقسام والانفصال وتمت الفرقة واتسعت هوة الخلاف وتبرم القادة في بداية الأمر من الطرفين المختلفين من خلال التأويل والتمنع عن تطبيق قرارات وتوصيات لجنة الصلح العليا المتكررة وتمسك الداعون إلى الصلح بوحدة الصف وجمع الكلمة وإصلاح ذات البين وتمسكت لجنة الصلح العليا هي الأخرى بأهم أصل من أصول منهجها وأكدته شفويا وكتابيا ((العمل على إعادة وحدة الجماعة والالتزام الكامل بمنهجها..))ورغم هذا فمازال التأويل والتملص من الالتزام بقرار توحيد الصف ولم الشمل وجمع الكلمة هو السلوك المنتهج والعائق الذي يمدد في عمر أزمة الفرقة والانقسام وهذا التعامل الغير السليم هو الذي عمق الابتلاء الذي كان في بداية الأمر ضريبة حتمية للإحاطة بمنهج الشمول في العمل والممارسة الميدانية.
"المال والجاه هما أساس الخصومة وأصل النزاع"
وكان بالإمكان أن يؤثر التذكير والنصيحة في المختلفين والمتخاصمين إلا أن بعض القلوب ربما أصابها المرض الذي حذر منه الإمام المؤسس رحمه الله تعالى عندما قال ((إن الإخلاص أساس النجاح، وإن الله بيده الأمر كله، وإن أسلافكم الكرام لم ينتصروا إلا بقوة إيمانهم وطهارة أرواحهم، وذكاء نفوسهم وإخلاص قلوبهم...واعلموا والله يؤيدكم بالقدرة والنجاح، إن كان فيكم مريض القلب معلول الغاية مستور المطامع، مجروح الماضي فأخرجوه من بينكم فإنه حاجز للرحمة حائل دون التوفيق))(مجلة الدعوة ع50)
فإنه إن كانت (الجماعة رحمة) فإن مريض القلب معلول الغاية المندس هو الحاجز دون رحمة الألفة والاجتماع والاتحاد، وإذا كان النجاح له ارتباط بالإخلاص فإن مستور المطامع الذي ستكتشفه الأحداث طال الزمن أو قصر هو الحائل دون أي توفيق ولربما هذا من أهم الأسباب التي حالت دون التوافق بين الطرفين (لإعادة توحيد الجماعة) إلى يومنا هذا الذي كتبنا فيه هذه الكليمات، وبما أن الزمن جزء من العلاج فنسأل الله عز وجل أن يشفي هذه القلوب أو أن يبعدها من صف الجماعة ويريح الصف من مرضها المعدي والحاجز للرحمة. مع ملاحظة إن كل ذلك يؤكد أن ((المال والجاه هما دائما أساس الخصومة وأصل النزاع ومادة الشر في هذا الوجود))(المذكرات حسن البنا) والشواهد من تاريخنا الإسلامي في ذلك كثيرة ومتعددة عند غياب الحذر والحيطة والمتابعة والرقابة.
وإن الخلاف الذي أصبحت الفرقة عنوانه كان وما يزال من أهم أسبابه دسائس ومكر الخصوم من جانب ((والمال والجاه والسلطان)) من جانب آخر إذا طغى جانبه من خلال الغلو في الممارسة السياسية والإندماج فيها كلية بدون إمتلاك عدة ووسائل متكافئة لحزب السلطة وسلطة الحزب الواحد الأمر الذي سيؤدي إلى مسايرة سياسة القابلية لقرارات وتأثيرات القوي المهيمن ولو جزئيا وربما الدخول في المشاركة المفتوحة في بعض دوائر السلطة التي تحوم حولها الشبهات..لذلك اشتد الخلاف والتنافس والصراع بين القادة والتكتلات التي شكلت مسار الفرقة والانشقاق..وبناء على ذلك تحول ابتلاء المحنة والتمحيص إلى ابتلاء عذاب(..والفرقة عذاب) كما جاء في الحديث الشريف الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ((الجماعة رحمة والفرقة عذاب))وبما أن بعض صناع القرار في الطرفين لم يأخذوا بالنصيحة والتذكير إلا من رحم ربك مع ملاحظة أن قيادة حركة مجتمع السلم أكدت كتابيا وشفويا أنها تلتزم وتطبق بنود 13 نقطة لقرار الصلح السابق إلا أن الطرف المخالف اعتبر القرار تجاوزه الزمن واليوم يمكن التأكيد أن الحركة ما زال خيرها كثير، وما زالت تملك مقومات الصلاح والنمو، كما يمكن الجزم بأن الإخوة في حركة الدعوة والتغيير ما زالوا يتمتعون بخير وصلاح وحركة ونشاط، لذلك لا مناص من الجلوس على طاولة الحوار للوصول إلى توافق يتحقق من خلاله (إعادة وحدة الجماعة) وإن مواصلة عملية الصلح تتطلب صبرا جميلا وجهدا مضاعفا لتحقيق التغيير على مستوى النفوس أولا بناءا على قوله تعالى((لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم))
"خلاصة التجربة في إطار ضريبة الالتزام بمنهج الشمول"
وإن العبرة التي نستخلصها من هذه التجربة في إطار الحالة المتعلقة بضريبة الالتزام بمنهج الشمول في واقع متردي تتحكم فيه الأهواء وتهيمن على مؤسساته الأغلبية التي ما زالت في حاجة إلى فهم الإسلام ومبادئه وأحكامه ومقاصده، الأمر الذي ساد بسببه مخالفة تعاليمه، ومواجهة الدعاة الذين يعملون لتحقيق التمكين لمنهج الشمول الإسلامي في الميدان لذلك بات واضحا أن ضريبة الالتزام بهذا المنهج في مثل هذا الواقع الموصوف بالانحراف فضلا على أنها منهكة إلا أن هذه الضريبة تتعدد وتتفاقم وتتشعب، فللمخالطة ضريبة، وللمشاركة النيابية ضريبة، وللمشاركة في الحكومة ضريبة، وللنشاط السياسي ضريبة، وللتحالف الرئاسي ضريبة، ولفقدان التوازن بين الالتزام التربوي والنشاط الحركي والسياسي ضريبة، وللجاه والسلطان (المناصب العليا في الدولة) ضريبة، وللمال الذي يتيسر اكتسابه ضريبة...فلا بد من آليات تربوية ورقابية وتأديبية وردعية قوية ومنظمة ترشد وتسدد وتحمي الأفراد من الانحراف والانزلاق لمواكبة السير نحو الغاية والهدف ولنتقي الله في جماعتنا ولنقل لبعضنا البعض كفى...ونتدارك النقص والانزلاق والانحراف إن وجد ونتفق على جملة من الإصلاحات على غرار الإصلاحات التي نطالب بها غيرنا، ولنعدل الهيئة التنفيذية إذا اقتضى الأمر التي ربما عجزت عن تحقيق الوحدة والإصلاحات أو نشكل ما يحقق ذلك بكل صدق وشجاعة ومن الطرفين أما التفكير في التولي عن الجهاد السياسي والاقتصادي والاجتماعي فهو التراجع المبني على الانهزام أمام التحديات التي تواجه الحركة التي تتميز بمنهجها الشامل والمعتدل ولكل قطر ظروفه التي تؤهله للالتزام الكامل بالمنهج أو الالتزام بما يتيحه الواقع والدولة والمجتمع وكل ذلك في إطار الممكن)
"الانفتاح السياسي والمتناقضات الصعبة"
وسيدرك الذين دخلوا في الانفتاح السياسي من بابه الواسع في مرحلة انتفاضة الشعوب ضد الأنظمة المستبدة، صعوبة الانتقال من مرحلة الدعوة إلى مرحلة الدولة وأيضا سيدركون من خلال تجربتهم الجديدة بعد الإعلان عن تأسيسهم لأحزاب سياسة على سبيل المثال حركة النهضة بتونس وحزب الحرية والعدالة بمصر أن ضريبة الإحاطة بمنهج الشمول في الميدان والممارسة ومن خلال التعامل مع الطبيعة البشرية المعقدة والمكبوتة قرابة عقدين من الزمن والتي لم يسعفها الحظ للإعلان عن ما يختلج في صدورها من تطلعات وطموحات ربما للرئاسة والبروز من منطلق دوافع نفسية متحررة إلى أبعد الحدود وربما أخرى واقعية مقصودة ومبرمجة فضلا عن تحمل أمانة التمكين لمنهج الشمول المنهكة والثقيلة والتي تتداخل فيها جملة من التناقضات في واقع متباين في سياساته ومناهجه وممارساته كالتربية والدعوة، في تباين مع السياسة والتنمية، والممارسة الديمقراطية التي ليس لها ضوابط أخلاقية في الاختبار في تضاد مع رصيد ضوابط الأخلاق في إطار الشورى الملزمة، وإرادة الدنيا في تباين مع إرادة الآخرة، ووحدة المجتمع وتماسكه في تباين مع وحدة الجماعة والالتزام الكامل بمنهجها، والارتباط بالفكرة والمنهج في تضاد مع الارتباط بالأشخاص والتكتلات التي تصنعها الدعاية الحزبية والطموحات الجهوية والمصلحية، والعلاقات الفردية الاجتماعية الخاصة في تباين مع العلاقات العامة للمؤسسة والجماعة، والقناعات الشرعية المعتدلة الواقعية في تباين، مع القناعات الشرعية المتشددة المتناقضة مع الواقع، والتقديرات للمصلحة العامة المبنية على الفقهين الشرعي والواقعي مع التقديرات المبنية على المصلحة الحزبية المقيتة، واهتمام القيادة المرجع بكل الإخوان في الأقطار في تضاد مع الانغماس في هموم ومشكلات القطر الواحد...وقس على ذلك.
ويمكن القول أن ميدان العمل في إطار التعددية والديمقراطية سيفتح أمام الحركات الإسلامية المعتدلة مشكلات عديدة ومتشعبة ربما تسببت في تصدع الصف إن لم تنتصب أمامها القدوات وفي كل المجالات وتوضع لها المحددات والضوابط والضمانات التي تستوعب كل التطلعات التي يسمح بها الفقه الإسلامي في مجاله الواسع وكذا القوانين المعتمدة في المجتمع، كما يجب أن تستوعب المشكلات من خلال الحوار والرفق والاستماع كل ذلك ربما سيحقق نسبا مقبولة من النجاح، ونؤكد أنه في خضم الأحداث خاصة الداخلية يومها سيدرك البعض الذين لم يفهموا إلى الآن مشكلة حركة مجتمع السلم في معاناتها في دفع ضريبة ثقيلة لاجتهادها من خلال المشاركة السياسية الإحاطة بمنهج الشمول في واقع يتناقض مع القيم والأخلاق وحتى الثوابت أحيانا، وتتزاحم فيه الإرادات بالألسن والمناكب، وتتكالب فيه القوى المناوئة للتيار الإسلامي المعتدل بكل ما تملك من قوة وستأتيه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله لإجهاض مشروعه وتحجيمه وتقزيمه وتفكيكه، ورحم الله الشيخ محفوظ نحناح كان كلما ذكر موضوع التنافس على الحكم وبأي شكل كان كرر مقولة العلامة ابن خلدون قصد تحذيرنا وتنبيهنا فيقول ((الحكم دونه قطع الرقاب))لذلك فأمر إفتكاك الحكم من الذين ظلموا في إطار المنهج السلمي والديمقراطي معركة حقيقية اعتبرها العلماء (جهادا سياسيا) بكل ما تحمل كلمة جهاد من معاني وعليه فإن ذلك يتطلب إعداد عدة قوية من الرجال الأكفاء والخطط والسياسات، والمال والوسائل ورص الصفوف..
ولذلك فمن العجب العجاب أن يقوم من فقد صوابه لأسباب لا ترقى إلى مستوى خرق سفينة الحركة وإجهاض مشروعها نيابة عن خصومها الذين عجزوا عن فعل ذلك ربما من حيث لا يدري وكيف لا يدري وهو مولع إلا بهدم الحركة والرجوع بها إلى نقطة الصفر ولا يهمه رصيد أربعين سنة من العمل والبناء ولا يهمه مصير عشرات الآلاف من رجالها ونسائها الذين يرفضون التقسيم والتفكيك وجرهم إلى الفتنة والتيه والمجهول، فإما خيار لتوحيد صف الجماعة يستفتى فيه كل الإخوة والأخوات وإما إرتجال لا يغني من الحق شيئا، والزمن جزء من العلاج، وفي كل الحالات فإن العاصم من الفتن ومؤامرات الخصوم هو الله سبحانه، قال تعالى (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل) وفي كل الأمور فإن الأخذ بالحيطة والحذر مطلوب...
لأن بعض الأنظمة بعد ثورة الشعوب غيرت إستراتيجية تعاملها مع تيار الإخوان ربما تركت إستراتيجيتي الإقصاء والتهميش واعتمدت إستراتيجية الإدماج مع الحركة الإسلامية وهي الإستراتيجية التي تعامل بها النظام الجزائري مع جمعية العلماء المسلمين بعد الاستقلال ثم تركها ثم رجع إلى التعامل بها بعد فوز الجبهة الإسلامية للإنقاذ ففتح المجال السياسي وترك للأحزاب الإسلامية من بينهم حركة مجتمع السلم الباب واسعا للاندماج والمشاركة الحتمية حفاظا على وحدة الوطن في الائتلاف الحكومي ثم في التحالف الرئاسي والحكومي والبرلماني معا ثم سلب منها كل ما تملك من الأفكار ووسائل الاستقطاب بشكل ديمقراطي ومن خلال الاستدراج وتفكيك الصف بأيديهم وبأيدي بعض أبناء الحركة من الطرفين للأسف ثم قاموا بتشويه القادة ومن كل الأطراف، الأمر الذي نجح فيه حزب السلطة أو النظام كمنافس قوي في إضعاف الحركة والسماح لها بهامش من التحرك والنشاط له فيه مآرب محلية ودولية..وهذا هو المخطط الإستراتيجي الذي ربما سينتهج مع الحركات الإسلامية الإخوانية لوضعها على المحك وإنهاكها وإضعافها تدريجيا (فخذوا حذركم)
سائلين الله العلي القدير أن يوفق الحركة الإسلامية الأم التي ما زالت تعتبر أنها أمل الشعوب التواقة إلى الحرية والعدالة الإسلامية أن تحقق النجاح في الخروج بتجربة نموذجية متوازنة تستوعب جميع التجارب وتمثل خط أهل السنة والجماعة في إطار منهج الوسطية والاعتدال والشمول والتكامل والسلم والتنمية (وما ذلك على الله بعزيز)(ولله الأمر من قبل ومن بعد..).
والله المستعان.
أتى هذا المقال من حركة مجتمع السلم
http://www.hmsalgeria.net/ar
إنه من الطبيعي في مسار التدرج في مراحل العمل الإسلامي الجماعي الموصوف بالشمول في الفهم والممارسة والنشاط التربوي والدعوي والثقافي والاقتصادي والسياسي والاجتماعي..أن يبتلى ويمتحن المنتمون لهذا التيار الوسطي والمعتدل في إطار السنن الإلهية في حق الجماعات المؤمنة قال تعالى((أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا أمنا وهم لا يفتنون))(العنكبوت 02)
"إعلان تأسيس الفضاءات القانونية للإحاطة بمنهج الشمول"
إنها ضريبة الالتزام بمنهج الوسطية والشمول الإسلامي في كل محطة من محطات مراحل الانتقال للاستيعاب والإحاطة بكل مجالات العمل التي يتضمنها شمول الإسلام، والاجتهاد في الدعوة إلى الالتزام به وتطبيقه في واقع موصوف بالانحراف والتغلب والفساد يهيمن حكامه فيه على كل المؤسسات والمجالات الحيوية في المجتمع، الأمر الذي يفرض جملة من التحديات التي تواجه الحركة في مسارها نحو استكمال الإحاطة بمنهج الشمول عموما، عند وصولها إلى مرحلة الجهاد السياسي وهي من مراحل الدعوة الأخيرة في استيعاب منهج الشمول وهذا في إطار المتاح من القوانين المنظمة لشؤون الدولة والمجتمع حيث يتضاعف الجهد وتتسع دائرة العمل والنشاط وتتعدد الرؤى في أساليب المعارضة ودفع الحكام إلى استكمال تطبيق مبادئ الإسلام وتعاليمه أو في كيفية إفتكاك الحكم سلميا وتدريجيا من الذين لا يستجيبون إلى مطالب الأغلبية من الشعب من خلال النضال الدستوري (البرلماني) والتعبوي للجماهير المسلمة لاستعادة حقها في إقامة دولتها على مبادئ الإسلام وفق منطق الوثيقة التاريخية المرجع (بيان أول نوفمبر) وفي إطار استكمال تطبيق تعاليم الإسلام وفق مناهج وبرامج تلتزم بتكريس مقاصد الإسلام وأصوله وقواعده كأولوية وتتجاوب مع التطور العلمي والاجتماعي والاقتصادي السياسي وتتكيف مع النظام الديمقراطي ألتعددي الذي يرفض الاستبداد ويكفل الحريات في إطار منهج الوسطية والاعتدال وفي إطار المتاح والمباح ومن منطلق سعة التشريع الإسلامي وقواعده الكلية التي تركت ((للمسلم بابا واسعا في الانتفاع بكل تشريع نافع مفيد لا يتعارض مع أصول الإسلام ومقاصده..))الرسائل.
هذه المرحلة للانفتاح السياسي أتاحت فرصة للحركة في الجزائر أن تؤسس حزبا وروافد تمثل في مجموعها الإحاطة بمنهج الشمول في العمل والممارسة الميدانية في الواقع المعاش في إطار فضاءات قانونية تحمي الأفراد من تبعات العمل السري الذي يثير الشكوك في عالم أصبح فيه كل عمل أو نشاط سري أو حركة خفية أصحابها متهمون سلفا من طرف أجهزة الأمن ومن المجتمع، وقبل ذلك متهمون في إطار القانون (قانون مكافحة الإرهاب)(وقانون مكافحة منظمات الإجرام)(والقوانين الأخرى المتعلقة بمنع النشاطات الغير المؤطرة قانونا والغير المرخصة)ومن نعمة الله على الحركة في الجزائر أن مؤسسها الشيخ محفوظ نحناح رحمه الله وإخوانه معه قد اغتنموا الفرصة وأسسوا فضاءات قانونية تتكيف مع المرحلة وتكرس أصلا من أصول الدعوة في الميدان وهو أنالأصل في دعوتنا، أنها علنية، فنحن نحب أن نصارح الناس بغايتنا، وأن نجلي أمامهم منهاجنا، وأن نوجه إليهم دعوتنا، في غير لبس ولا غموض، أضوء من فلق الصبح وأبين من غرة النهار..وهذا لا يقتصر على الدعوة إلى الإسلام..وإنما يشمل الدعوة إلى الجماعة نفسها..وأعمال الجماعة نفسها، وأعمال الجماعة يجب أن تكون جلية لإخفاء بها ولا سر فيها) (ثوابت العمل عند الإمام البنا ص14)
"الإحسان في اختيار وسائل الدعاية والحركة"
كما التزم رحمه الله تعالى هو وإخوانه بوسائل العصر التي يتحقق من خلالها الغرض المطلوب استنادا إلى القاعدة التي أشار إليها المؤسس للفكر الإسلامي الوسطي قدس الله سره القائل (أن وسائل الدعاية الآن غيرها بالأمس..لهذا كان من واجب أهل الدعوة أن يحسنوا تلك الوسائل جميعا حتى يأتي عملهم بثمرته المطلوبة)(دعوتنا ص17)
وقد أحسن الشيخ محفوظ رحمه الله وإخوانه معه في اختيار الوسائل المعاصرة المتاحة التي تحقق الإحاطة بمنهج الشمول في العمل المؤدي بإذن الله وعونه ولو طال الزمن إلى تحقيق استكمال عملية التمكين لتعاليم الإسلام في واقع الناس هذه المرحلة التي أتيحت فيها فرصة المشاركة في المجالس النيابية والمجالس التمثيلية المحلية والمشاركة في الحكومة والتحالف الرئاسي، والتفاف النخب والجماهير حول الفضاءات القانونية..التي أنشأتها الحركة..الأمر الذي جعل الحركة (حمس) رقما هاما في الخارطة والمعادلة السياسية والاجتماعية في الجزائر
"تحديات ذاتية وخارجية في مواجهة منهج الشمول"
وبناء على ذلك تضاعفت التحديات التي تواجه (الحركة) من حيث نموها المتزايد والسريع في كسب المؤيدين والأنصار لمشروعها النهضوي الذي أصبح ينافس حزبي السلطة من خلال التسابق في إطار النظام الديمقراطي التعددي لكسب الرأي العام والشرعية الجماهيرية ومن حيث انفتاح أبواب الدنيا على مصراعيها المتمثلة في (الجاه والمال والسلطان) فاستهدفت الحركة في وحدتها وتماسك صفها وفي قوة طرح مشروعها الإسلامي الذي يتميز بشموله واستيعابه لمناحي الحياة كلها هذا من جهة ومن جهة أخرى تأثر أبناء الحركة كغيرهم من الناس في كل زمان بالانفتاح على الدنيا فبدأت الاختلافات تدب في صفوفها وبدأ التنافس يشتد بين قادتها وأتباعها وتباينت المقاصد والتوجهات بين عموم الإخوة إلا من رحم الله تعالى في هذا الجهاد السياسي والاجتماعي..في إطار الاستيعاب لمنهج الشمول في العمل والنشاط تماما كما تباينت إرادات الصحابة الكرام رضي الله عنهم مع الفارق في الاجتهادات والمقاصد في الجماعة الأولى عندما استكملت استيعاب منهج الشمول الإسلامي ووصولها إلى مرحلة الجهاد القتالي لإعلاء كلمة الله (والجهاد ذروة سنام (الإسلام)) فابتليت في مرحلة الفتوحات والانتصارات مرحلة الغنم بتغلب إرادة الدنيا عند البعض على إرادة الآخرة وقد بينت آيات القرآن الكريم وصف هذه الحالة في قوله عز وجل ((منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة..)) إلا أن الجماعة الأولى الموصوفة (بخير القرون) كانت تحت قيادة خير البرية محمد صلى الله عليه وسلم وكان الحكم فيها بما أنزل الله هو المعتمد وهو السائد وهو الروح التي تسري في جسد الجماعة الأولى المؤمنة وأيضا لكونها النموذج القدوة لمن سيأتي بعدها من الأمم والشعوب والجماعات لذلك اتصف أفرادها بالالتزام بالقيم والأخلاق والسلوكات التي جاء بها التوجيه القرآني والتوجيه النبوي حيث كانوا كلما مسهم طائف من الشيطان تذكروا ما أمرهم الله به فانتبهوا والتزموا قال تعالى ((إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون)) فهم رضي الله عنهم رغم إرادة بعضهم الدنيا إلا أنهم سرعان ما يتذكرون فيبصرون أما واقع الجماعة اليوم فإنه يختلف عن واقع الجماعة بالأمس فمثلا حركة حمس التي هي المظلة القانونية للجماعة رغم أنها تتمتع بالحرية في ممارسة فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في أعلى هرم المؤسسات الرسمية للسلطة كما أنها تقوم بنشاطات في مجالات عديدة تتم في عمومها في إطار الإحاطة بمنهج الشمول إلا أنها تتحرك في واقع مقيد بجملة من القوانين والنظم والقناعات الفكرية والسياسية والعادات التي تتزاحم معها في الواقع كل ذلك يمارس في إطار جمهورية دستورها يتبنى النظام الديمقراطي الذي يكفل الحريات العامة والخاصة للجميع، طبعا بنسب ما زالت لم ترق إلى المستوى المطلوب ولكنها أفضل من غيرها من الدول العربية التي بدأت شعوبها تفرض عليها موجة إصلاحات هامة والتي ستكون جمهورية الجزائر هي الأخرى في طور جديد من خلال الإصلاحات العميقة المعلن عنها، والتي تزامنت مع واقع الحركة الإسلامية في حالة انقسام وتناقض وزادها التعجل والتأويل وربما الإجتهاد الغير السليم من البعض تمزيقا للممزق بعدما جاء قرار مساعي الصلح والوحدة مؤكدا على (العمل على إعادة وحدة الجماعة)ولله في خلقه شؤون، ورغم أن هذا الدستور يؤكد في أهم مبادئه أن الإسلام دين الدولة إلا أن فهم النخب المتنفذة لذلك متباينة في فهم شمولية الإسلام، كما أن الأغلبية التي أفرزتها نتائج الانتخابات في أغلب المحطات وإن شابها ما شابها من التزوز...تؤكد أنها ما زالت محدودة في فهم منهج شمول الإسلام وبالخصوص في مجاله السياسي والاقتصادي..وهذا من أكبر التحديات التي تواجه الحركة، يضاف إلى ذلك واقع المجتمع الذي يتسم بالفتنة والفساد والانحراف وكذا الآثار المترتبة عن هيمنة الدول الغربية الكبرى على العديد من المجالات الحيوية من خلال قدرتها القوية على تصدير المنظومات التربوية والتعليمية والثقافية والاقتصادية والصناعية والتكنولوجية...مما جعل الكثير من النخب والشرائح تتأثر بها وتقلدها حتى في انحرافاتها وفسادها، كما أن الحركة ليس لها سلطان قوى حتى على أتباعها إلا سلطان القناعات والأدبيات التربوية والروابط التنظيمية على الالتزام بمنظومة القيم والأخوة والمحبة التي تزيد وتنقص حسب قوة الإيمان أو ضعفه..وبما أن التحديات التي تواجه الجماعات الإسلامية المعاصرة كثيرة إلا أنها تتضاعف بالنسبة للجماعة التي تلتزم بمنهج الشمول في أعمالها ونشاطاتها.
"تحديات الانقسام الداخلي وضرورة معالجته"
فإن حركة "حمس" تفاقمت أمامها التحديات حيث انتقلت إلى صفها الداخلي فاشتد الاختلاف بين قادتها وأفرادها حيث يظهر للمراقب أن هناك من يولي اهتمامه لإرادة الدنيا (غنيمة الجهاد السياسي) وبين من يولي اهتمامه لإيرادة الآخرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعدم الركون إلى الذين ظلموا وتشبثوا بمتاع الحياة الدنيا..وتطور هذا الاختلاف بعد وفاة القائد المؤسس الشيخ الرئيس محفوظ نحناح رحمه الله رحمة واسعة ليتحول إلى اختلاف على الزعامة حيث اشتد الغلو بين المتنافسين على زعامة الحركة فتشكلت التكتلات وبقي الاختلاف والتدافع والصراع ينخر وحدة الصف في أعلى مستويات الحركة حتى وقع الانقسام والانفصال وتمت الفرقة واتسعت هوة الخلاف وتبرم القادة في بداية الأمر من الطرفين المختلفين من خلال التأويل والتمنع عن تطبيق قرارات وتوصيات لجنة الصلح العليا المتكررة وتمسك الداعون إلى الصلح بوحدة الصف وجمع الكلمة وإصلاح ذات البين وتمسكت لجنة الصلح العليا هي الأخرى بأهم أصل من أصول منهجها وأكدته شفويا وكتابيا ((العمل على إعادة وحدة الجماعة والالتزام الكامل بمنهجها..))ورغم هذا فمازال التأويل والتملص من الالتزام بقرار توحيد الصف ولم الشمل وجمع الكلمة هو السلوك المنتهج والعائق الذي يمدد في عمر أزمة الفرقة والانقسام وهذا التعامل الغير السليم هو الذي عمق الابتلاء الذي كان في بداية الأمر ضريبة حتمية للإحاطة بمنهج الشمول في العمل والممارسة الميدانية.
"المال والجاه هما أساس الخصومة وأصل النزاع"
وكان بالإمكان أن يؤثر التذكير والنصيحة في المختلفين والمتخاصمين إلا أن بعض القلوب ربما أصابها المرض الذي حذر منه الإمام المؤسس رحمه الله تعالى عندما قال ((إن الإخلاص أساس النجاح، وإن الله بيده الأمر كله، وإن أسلافكم الكرام لم ينتصروا إلا بقوة إيمانهم وطهارة أرواحهم، وذكاء نفوسهم وإخلاص قلوبهم...واعلموا والله يؤيدكم بالقدرة والنجاح، إن كان فيكم مريض القلب معلول الغاية مستور المطامع، مجروح الماضي فأخرجوه من بينكم فإنه حاجز للرحمة حائل دون التوفيق))(مجلة الدعوة ع50)
فإنه إن كانت (الجماعة رحمة) فإن مريض القلب معلول الغاية المندس هو الحاجز دون رحمة الألفة والاجتماع والاتحاد، وإذا كان النجاح له ارتباط بالإخلاص فإن مستور المطامع الذي ستكتشفه الأحداث طال الزمن أو قصر هو الحائل دون أي توفيق ولربما هذا من أهم الأسباب التي حالت دون التوافق بين الطرفين (لإعادة توحيد الجماعة) إلى يومنا هذا الذي كتبنا فيه هذه الكليمات، وبما أن الزمن جزء من العلاج فنسأل الله عز وجل أن يشفي هذه القلوب أو أن يبعدها من صف الجماعة ويريح الصف من مرضها المعدي والحاجز للرحمة. مع ملاحظة إن كل ذلك يؤكد أن ((المال والجاه هما دائما أساس الخصومة وأصل النزاع ومادة الشر في هذا الوجود))(المذكرات حسن البنا) والشواهد من تاريخنا الإسلامي في ذلك كثيرة ومتعددة عند غياب الحذر والحيطة والمتابعة والرقابة.
وإن الخلاف الذي أصبحت الفرقة عنوانه كان وما يزال من أهم أسبابه دسائس ومكر الخصوم من جانب ((والمال والجاه والسلطان)) من جانب آخر إذا طغى جانبه من خلال الغلو في الممارسة السياسية والإندماج فيها كلية بدون إمتلاك عدة ووسائل متكافئة لحزب السلطة وسلطة الحزب الواحد الأمر الذي سيؤدي إلى مسايرة سياسة القابلية لقرارات وتأثيرات القوي المهيمن ولو جزئيا وربما الدخول في المشاركة المفتوحة في بعض دوائر السلطة التي تحوم حولها الشبهات..لذلك اشتد الخلاف والتنافس والصراع بين القادة والتكتلات التي شكلت مسار الفرقة والانشقاق..وبناء على ذلك تحول ابتلاء المحنة والتمحيص إلى ابتلاء عذاب(..والفرقة عذاب) كما جاء في الحديث الشريف الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ((الجماعة رحمة والفرقة عذاب))وبما أن بعض صناع القرار في الطرفين لم يأخذوا بالنصيحة والتذكير إلا من رحم ربك مع ملاحظة أن قيادة حركة مجتمع السلم أكدت كتابيا وشفويا أنها تلتزم وتطبق بنود 13 نقطة لقرار الصلح السابق إلا أن الطرف المخالف اعتبر القرار تجاوزه الزمن واليوم يمكن التأكيد أن الحركة ما زال خيرها كثير، وما زالت تملك مقومات الصلاح والنمو، كما يمكن الجزم بأن الإخوة في حركة الدعوة والتغيير ما زالوا يتمتعون بخير وصلاح وحركة ونشاط، لذلك لا مناص من الجلوس على طاولة الحوار للوصول إلى توافق يتحقق من خلاله (إعادة وحدة الجماعة) وإن مواصلة عملية الصلح تتطلب صبرا جميلا وجهدا مضاعفا لتحقيق التغيير على مستوى النفوس أولا بناءا على قوله تعالى((لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم))
"خلاصة التجربة في إطار ضريبة الالتزام بمنهج الشمول"
وإن العبرة التي نستخلصها من هذه التجربة في إطار الحالة المتعلقة بضريبة الالتزام بمنهج الشمول في واقع متردي تتحكم فيه الأهواء وتهيمن على مؤسساته الأغلبية التي ما زالت في حاجة إلى فهم الإسلام ومبادئه وأحكامه ومقاصده، الأمر الذي ساد بسببه مخالفة تعاليمه، ومواجهة الدعاة الذين يعملون لتحقيق التمكين لمنهج الشمول الإسلامي في الميدان لذلك بات واضحا أن ضريبة الالتزام بهذا المنهج في مثل هذا الواقع الموصوف بالانحراف فضلا على أنها منهكة إلا أن هذه الضريبة تتعدد وتتفاقم وتتشعب، فللمخالطة ضريبة، وللمشاركة النيابية ضريبة، وللمشاركة في الحكومة ضريبة، وللنشاط السياسي ضريبة، وللتحالف الرئاسي ضريبة، ولفقدان التوازن بين الالتزام التربوي والنشاط الحركي والسياسي ضريبة، وللجاه والسلطان (المناصب العليا في الدولة) ضريبة، وللمال الذي يتيسر اكتسابه ضريبة...فلا بد من آليات تربوية ورقابية وتأديبية وردعية قوية ومنظمة ترشد وتسدد وتحمي الأفراد من الانحراف والانزلاق لمواكبة السير نحو الغاية والهدف ولنتقي الله في جماعتنا ولنقل لبعضنا البعض كفى...ونتدارك النقص والانزلاق والانحراف إن وجد ونتفق على جملة من الإصلاحات على غرار الإصلاحات التي نطالب بها غيرنا، ولنعدل الهيئة التنفيذية إذا اقتضى الأمر التي ربما عجزت عن تحقيق الوحدة والإصلاحات أو نشكل ما يحقق ذلك بكل صدق وشجاعة ومن الطرفين أما التفكير في التولي عن الجهاد السياسي والاقتصادي والاجتماعي فهو التراجع المبني على الانهزام أمام التحديات التي تواجه الحركة التي تتميز بمنهجها الشامل والمعتدل ولكل قطر ظروفه التي تؤهله للالتزام الكامل بالمنهج أو الالتزام بما يتيحه الواقع والدولة والمجتمع وكل ذلك في إطار الممكن)
"الانفتاح السياسي والمتناقضات الصعبة"
وسيدرك الذين دخلوا في الانفتاح السياسي من بابه الواسع في مرحلة انتفاضة الشعوب ضد الأنظمة المستبدة، صعوبة الانتقال من مرحلة الدعوة إلى مرحلة الدولة وأيضا سيدركون من خلال تجربتهم الجديدة بعد الإعلان عن تأسيسهم لأحزاب سياسة على سبيل المثال حركة النهضة بتونس وحزب الحرية والعدالة بمصر أن ضريبة الإحاطة بمنهج الشمول في الميدان والممارسة ومن خلال التعامل مع الطبيعة البشرية المعقدة والمكبوتة قرابة عقدين من الزمن والتي لم يسعفها الحظ للإعلان عن ما يختلج في صدورها من تطلعات وطموحات ربما للرئاسة والبروز من منطلق دوافع نفسية متحررة إلى أبعد الحدود وربما أخرى واقعية مقصودة ومبرمجة فضلا عن تحمل أمانة التمكين لمنهج الشمول المنهكة والثقيلة والتي تتداخل فيها جملة من التناقضات في واقع متباين في سياساته ومناهجه وممارساته كالتربية والدعوة، في تباين مع السياسة والتنمية، والممارسة الديمقراطية التي ليس لها ضوابط أخلاقية في الاختبار في تضاد مع رصيد ضوابط الأخلاق في إطار الشورى الملزمة، وإرادة الدنيا في تباين مع إرادة الآخرة، ووحدة المجتمع وتماسكه في تباين مع وحدة الجماعة والالتزام الكامل بمنهجها، والارتباط بالفكرة والمنهج في تضاد مع الارتباط بالأشخاص والتكتلات التي تصنعها الدعاية الحزبية والطموحات الجهوية والمصلحية، والعلاقات الفردية الاجتماعية الخاصة في تباين مع العلاقات العامة للمؤسسة والجماعة، والقناعات الشرعية المعتدلة الواقعية في تباين، مع القناعات الشرعية المتشددة المتناقضة مع الواقع، والتقديرات للمصلحة العامة المبنية على الفقهين الشرعي والواقعي مع التقديرات المبنية على المصلحة الحزبية المقيتة، واهتمام القيادة المرجع بكل الإخوان في الأقطار في تضاد مع الانغماس في هموم ومشكلات القطر الواحد...وقس على ذلك.
ويمكن القول أن ميدان العمل في إطار التعددية والديمقراطية سيفتح أمام الحركات الإسلامية المعتدلة مشكلات عديدة ومتشعبة ربما تسببت في تصدع الصف إن لم تنتصب أمامها القدوات وفي كل المجالات وتوضع لها المحددات والضوابط والضمانات التي تستوعب كل التطلعات التي يسمح بها الفقه الإسلامي في مجاله الواسع وكذا القوانين المعتمدة في المجتمع، كما يجب أن تستوعب المشكلات من خلال الحوار والرفق والاستماع كل ذلك ربما سيحقق نسبا مقبولة من النجاح، ونؤكد أنه في خضم الأحداث خاصة الداخلية يومها سيدرك البعض الذين لم يفهموا إلى الآن مشكلة حركة مجتمع السلم في معاناتها في دفع ضريبة ثقيلة لاجتهادها من خلال المشاركة السياسية الإحاطة بمنهج الشمول في واقع يتناقض مع القيم والأخلاق وحتى الثوابت أحيانا، وتتزاحم فيه الإرادات بالألسن والمناكب، وتتكالب فيه القوى المناوئة للتيار الإسلامي المعتدل بكل ما تملك من قوة وستأتيه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله لإجهاض مشروعه وتحجيمه وتقزيمه وتفكيكه، ورحم الله الشيخ محفوظ نحناح كان كلما ذكر موضوع التنافس على الحكم وبأي شكل كان كرر مقولة العلامة ابن خلدون قصد تحذيرنا وتنبيهنا فيقول ((الحكم دونه قطع الرقاب))لذلك فأمر إفتكاك الحكم من الذين ظلموا في إطار المنهج السلمي والديمقراطي معركة حقيقية اعتبرها العلماء (جهادا سياسيا) بكل ما تحمل كلمة جهاد من معاني وعليه فإن ذلك يتطلب إعداد عدة قوية من الرجال الأكفاء والخطط والسياسات، والمال والوسائل ورص الصفوف..
ولذلك فمن العجب العجاب أن يقوم من فقد صوابه لأسباب لا ترقى إلى مستوى خرق سفينة الحركة وإجهاض مشروعها نيابة عن خصومها الذين عجزوا عن فعل ذلك ربما من حيث لا يدري وكيف لا يدري وهو مولع إلا بهدم الحركة والرجوع بها إلى نقطة الصفر ولا يهمه رصيد أربعين سنة من العمل والبناء ولا يهمه مصير عشرات الآلاف من رجالها ونسائها الذين يرفضون التقسيم والتفكيك وجرهم إلى الفتنة والتيه والمجهول، فإما خيار لتوحيد صف الجماعة يستفتى فيه كل الإخوة والأخوات وإما إرتجال لا يغني من الحق شيئا، والزمن جزء من العلاج، وفي كل الحالات فإن العاصم من الفتن ومؤامرات الخصوم هو الله سبحانه، قال تعالى (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل) وفي كل الأمور فإن الأخذ بالحيطة والحذر مطلوب...
لأن بعض الأنظمة بعد ثورة الشعوب غيرت إستراتيجية تعاملها مع تيار الإخوان ربما تركت إستراتيجيتي الإقصاء والتهميش واعتمدت إستراتيجية الإدماج مع الحركة الإسلامية وهي الإستراتيجية التي تعامل بها النظام الجزائري مع جمعية العلماء المسلمين بعد الاستقلال ثم تركها ثم رجع إلى التعامل بها بعد فوز الجبهة الإسلامية للإنقاذ ففتح المجال السياسي وترك للأحزاب الإسلامية من بينهم حركة مجتمع السلم الباب واسعا للاندماج والمشاركة الحتمية حفاظا على وحدة الوطن في الائتلاف الحكومي ثم في التحالف الرئاسي والحكومي والبرلماني معا ثم سلب منها كل ما تملك من الأفكار ووسائل الاستقطاب بشكل ديمقراطي ومن خلال الاستدراج وتفكيك الصف بأيديهم وبأيدي بعض أبناء الحركة من الطرفين للأسف ثم قاموا بتشويه القادة ومن كل الأطراف، الأمر الذي نجح فيه حزب السلطة أو النظام كمنافس قوي في إضعاف الحركة والسماح لها بهامش من التحرك والنشاط له فيه مآرب محلية ودولية..وهذا هو المخطط الإستراتيجي الذي ربما سينتهج مع الحركات الإسلامية الإخوانية لوضعها على المحك وإنهاكها وإضعافها تدريجيا (فخذوا حذركم)
سائلين الله العلي القدير أن يوفق الحركة الإسلامية الأم التي ما زالت تعتبر أنها أمل الشعوب التواقة إلى الحرية والعدالة الإسلامية أن تحقق النجاح في الخروج بتجربة نموذجية متوازنة تستوعب جميع التجارب وتمثل خط أهل السنة والجماعة في إطار منهج الوسطية والاعتدال والشمول والتكامل والسلم والتنمية (وما ذلك على الله بعزيز)(ولله الأمر من قبل ومن بعد..).
والله المستعان.
أتى هذا المقال من حركة مجتمع السلم
http://www.hmsalgeria.net/ar