تحليل رسالة المؤتمر الخامس
رسالة المؤتمر الخامس
هذه محاولة تحليلية لرسالة المؤتمر الخامس لعلهاتعين على استيعاب ما جاء فيها من أفكار بشكل أفضل فرسائل الإمام البنا هي بحق الأسس الاستراتيجية للعمل الإسلامي المعاصر
فإلى الحلقة الأولى
من رسالة المؤتمر الخامس
" ألجموا نزوات العواطف بنظرات العقول وأنيروا أشعة العقول بلهب العواطف وألزموا الخيال صدق الحقيقة والواقع واكتشفوا الحقائق في أضواء الخيال الزاهية البراقة . ولا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة ولا تصادموا نواميس الكون فإنها غلابة ، ولكن غالبوها واستخدموها وحولوا تيارها واستعينوا ببعضها علي بعض ، وترقبوا ساعة النصر وما هي منكم ببعيد ."
****
إنكم تبتغون وجه الله وتحصيل مثوبته ورضوانه ، وذلك مكفول لكم ما دمتم مخلصين . ولم يكلفكم الله نتائج الأعمال ولكن كلفكم صدق التوجه وحسن الاستعداد ، ونحن بعد ذلك إما مخطئون فلنا أجر العاملين المجتهدين ، وإما مصيبون فلنا أجر الفائزين المصيبين
****
" قد وجب عليكم أن تبينوا للناس غايتكم ووسيلتكم وحدود فكرتكم ومنهاج أعمالكم , وأن تعلنوا هذه الأعمال على الناس لا للمباهاة بها ولكن للإرشاد إلى ما فيها من نفع للأمة وخير لأبنائها فاكتبوا إلى النذير وهي لسانكم , واكتبوا إلى الصحف اليومية وأظنها لا تقف في سبيلكم , واحرصوا على أن تكونوا صادقين لا تتجاوزون الحقيقة , وأن تكون دعايتكم في حدود الأدب الكامل والخلق الفاضل والحرص التام على جمع القلوب وتأليف الأرواح , واستشعروا كلما ظهرت دعوتكم أن الفضل في ذلك كله لله : (بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)"
****
إن طريقكم هذا مرسومة خطواته موضوعة حدوده . ولست مخالفاً هذه الحدود التي اقتنعت كل الاقتناع بأنها أسلم طريق للوصول ، أجل قد تكون طريقاً طويلة ولكن ليس هناك غيرها . إنما تظهر الرجولة بالصبر والمثابرة والجد والعمل الدائب ، فمن أراد منكم أن يستعجل ثمرة قبل نضجها أو يقتطف زهرة قبل أوانها فلست معه في ذلك بحال
مقدمــة
(1)بين القول والعمل
كنت أود أن نظل دائما نعمل ولا نتكلم , وأن نكل للأعمال وحدها الحديث عن الإخوان وخطوات الإخوان , وكنت أحب أن تتصل خطواتكم اللاحقة بخطواتكم السابقة في هدوء وسكون من غير هذا الفاصل الذي نحدد به جهاد عشر سنوات مضت لنستأنف مرحلة أخرى من مراحل الجهاد الدائب في سبيل تحقيق فكرتنا السامية .
(2) أهداف المؤتمر
ولكنكم أردتم هذا , وأحببتم أن تسعدونا بهذا الاجتماع الشامل فشكرا لكم , ولا بأس أن ننتهز هذه الفرصة الكريمة
أ- فنستعرض نتائجنا
ب- ونراجع فهرس أعمالنا
جـ - ونستوثق من مراحل طريقنا
د- ونحدد الغاية والوسيلة بهدف :
أولا : أن تتضح الفكرة المبهمة
ثانيا : أن تصحح النظرة الخاطئة
ثالثا: أن تعلم الخطوة المجهولة
رابعا: أن تتم الحلقة المفقودة
خامسا : أن يعرف الناس الإخوان المسلمين على حقيقة دعوتهم , من غير لبس ولا غموض .
(3)الرأي الآخر والنصيحة
لا بأس بأن يتقدم إلينا من وصلته هذه الدعوة ومن سمع أو قرأ هذا البيان , برأيه في غايتنا ووسيلتنا وخطواتنا فنأخذ الصالح من رأيه , وننزل على الحق من مشورته , فإن الدين النصيحة لله و لرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم
(4) عاطفة الأخوة والمحبة
أجدني في غنى عن تحيتكم وشكركم , وعن وصف ما يغمرني من السعادة بموقفي هذا بينكم , ومن السرور والفرح بلقائكم ومن الأمل العظيم بمؤازرتكم وتوفيق الله إياكم .
أجدني في غنى عن بيان هذا كله بهذا الفيض من العواطف النبيلة الذي يغمر هذا الاجتماع , فكل ما فيه ينطق :
أ- بالحب العميق
ب- الارتباط الوثيق
جـ - الأخوة الصادقة
د- التعاون المكين
ووفقكم الله لخير ما يحب ويرضى .
القسم الأول : الطلائع الأولى من الإخوان المسلمين
(5) بذور الفكرة الدعوية في نفس الإمام البنا
أ- خبرة ونتيجة حول مفهوم السعادة
طالعت كثيرا وجربت كثيرا وخالطت أوساطا كثيرة وشهدت حوادث عدة , فخرجت من هذه السياحة القصيرة المدى الطويلة المراحل بعقيدة ثابتة لا تتزلزل , هي أن :
السعادة التي ينشدها الناس جميعا إنما تفيض عليهم من نفوسهم وقلوبهم , ولا تأتيهم من خارج هذه القلوب أبدا , وأن الشقاء الذي يحيط بهم ويهربون منه إنما يصيبهم بهذه النفوس والقلوب كذلك , وإن القرآن الكريم يؤيد هذا المعنى ويوضحه , ذلك قول الله تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (الرعد:11) .
وما رأيت كلاما أعمق في فلسفة الاجتماع من قول ذلك القائل :
لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها ولكن أخلاق الرجال تضيق
ب- الإسلام سر السعادة البشرية
واعتقدت أنه ليست هناك نظم ولا تعاليم تكفل سعادة هذه النفوس البشرية وتهدي الناس إلى الطرق لهذه السعادة كتعاليم الإسلام الحنيف الفطرية الواضحة , وليس هنا مجال تفصيل هذه التعاليم , ولا مجال التدليل على أنها تتضمن هذه النتيجة , وتكفل سعادة البشرية جميعا فلذلك مجال آخر , فضلا عن أننا كلنا فيما أعتقد شركاء في التسليم بصحة هذه النظرية , على أن كثيرا من غير المسلمين يقر بها ويعترف بما في الإسلام من جمال وكمال .
جـ - الغاية السامية
ولهذا وقفت نفسي منذ نشأت على غاية واحدة هي إرشاد الناس إلى الإسلام حقيقة وعملا , ولهذا كانت فكرة الإخوان المسلمين إسلامية بحتة في غايتها وفي وسائلها , لا تتصل بغير الإسلام في شيء.
د- بذور الفكر والعمل
ظلت هذه الخواطر حديثا نفسانيا ومناجاة روحية بها في نفسي لنفسي , وقد أفضي بها إلى كثير ممن حولي , وقد تظهر في شكل :
أولا:- دعوة فردية
ثانيا : - أو خطابة وعظية
ثالثا : - أو درس في المساجد إذا سنحت فرصة التدريس ,
رابعا :- أو حث لبعض الأصدقاء والعلماء على بذل الهمة ومضاعفة المجهود , في إنقاذ الناس وإرشادهم إلى ما في الإسلام من خير .
هـ - أثر الحوادث في الانطلاق نحو العمل
ثم كانت في مصر وغيرها من بلدان العالم الإسلامي حوادث عدة ألهبت نفسي وأهاجت كوامن في قلبي , ولفتت نظري إلى وجوب الجد والعمل , وسلوك طريق التكوين بعد التنبيه , والتأسيس بعد التدريس .
(6)البذور الأولى للدعوة في البيئة المحيطة
أ- مواقف متابينة في النظر إلى الفكرة
ولقد أخذت أفاتح كثيرا من كبار القوم في وجوب النهوض والعمل وسلوك طريق الجد والتكوين , فكنت أجد التثبيط أحيانا والتشجيع أحيانا والتريث أحيانا , ولكني لم أجد ما أريد من الاهتمام بتنظيم الجهود العملية .
ب- أحمد باشا تيمور مثال للهمة العالية
ومن الوفاء أذكر في هذا المقام المرحوم أحمد باشا تيمور أفسح الله له في جنته , فما رأيته إلا مثالا للهمة المتوثبة والغيرة المتوقدة , وما تحدثت إليه في شأن من شؤون الأمة العامة إلا وجدت العقل الكامل والاستعداد التام والإلمام الشامل وترقب ساعة العمل , فرحمه الله و أجزل مثوبته .
جـ - نواة الدعوة الأولى
وليت وجهي شطر الأصدقاء والإخوان ممن جمعني وإياهم عهد الطلب وصدق الود والشعور بالواجب , فوجدت استعدادا حسنا , وكان أسرعهم إلى مشاركتي عبء التفكير وأكثرهم اقتناعا بوجوب العمل في إسراع وهمة , الإخوان الفضلاء :
* أحمد أفندي السكري
* والأخ المفضال المرحوم الشيخ حامد عسكرية أسكنه الله فسيح جنته , *والأخ الشيخ أحمد عبد الحميد وكثير غيرهم.
وكان عهد وكان موثق أن يعمل كل منا لهذه الغاية , حتى يتحول العرف العام في الأمة إلى وجهة إسلامية صالحة .
د- هموم الأمة عبء الدعوة
ليس يعلم أحد إلا الله كم من الليالي كنا نقضيها نستعرض حال الأمة ، وما وصلت إليه في مختلف مظاهر حياتها، ونحلل العلل والأدواء، ونفكر في العلاج وحسم الداء , ويفيض بنا التأثر لما وصلنا إليه إلى حد البكاء .
هـ - حال مجموع الأمة
وكم كنا نعجب إذ نرى أنفسنا في مثل هذه المشغلة النفسانية العنيفة والخليون هاجعون يتسكعون بين المقاهي ويترددون على أندية الفساد والإتلاف , فإذا سألت أحدهم عما يحمله على هذه الجلسة الفارغة المملة قال لك : أقتل الوقت , وما دري هذه المسكين أن من يقتل وقته إنما يقتل نفسه , فإنما الوقت هو الحياة .
كنا نعجب لهؤلاء الناس وكثير منهم من المثقفين , ومن هم أولى منا بحمل هذا العبء , ثم يقول بعضنا لبعض : أليس هذا داء من أدواء الأمة ولعله أخطرها , ألاّ تفكر في مرضها وألاّ تعمل لعلاج نفسها .
ولهذا و أمثاله نعمل ولإصلاح هذا الفساد , وقفنا أنفسنا فنتعزى ونحمد الله على أن جعلنا من الداعين إليه العاملين لدينه .
و- أول نواة تكوينية للدعوة
وعمل الزمن عمله فتفرقنا نحن الأربعة فكان أحمد أفندي السكري بالمحمودية , وكان المرحوم الشيخ حامد عسكرية بالزقازيق , وكان الشيخ أحمد عبد الحميد بكفر الدوار , وكنت بالإسماعيلية أذكر قول الشاعر :
بالشام أهلي وبغداد الهوى وأنا بالرقمتين وبالفسطاط جيراني
وفي الإسماعيلية أيها الإخوان وضعت أول نواة تكوينية للفكرة , وظهرت أول هيئة متواضعة نعمل ونحمل لوائها نعاهد الله على الجندية التامة في سبيلها تحت اسم (الإخوان المسلمون) وكان ذلك في ذي القعدة سنة 1347 هـ .
القسم الثاني : الفهم الصحيح للإسلام
(7) نظرة الناس إلى الإسلام
أ- إن كثيرا من المسلمين في كثير من العصور خلعوا عن الإسلام نعوتا وأوصافا ورسوما من عند أنفسهم , واستخدموا مرونته وسعته استخداما ضارا مع أنها لم تكن إلا للحكمة السامية , فاختلفوا في معنى الإسلام اختلافا , وانطبعت للإسلام في نفس أبنائه صور عدة تقرب أو تبعد أو تنطبق على الإسلام الأول الذي مثله رسول الله وأصحابه خير تمثيل .
ب- النظرات المختلفة للإسلام
أولا : المعنى الشائع عند عامة المسلمين
من الناس من لا يرى الإسلام شيئا غير حدود العبادة الظاهرة فإن أداها أو رأى من يؤديها اطمأن إلى ذلك ورضي به وحسبه قد وصل على لب الإسلام , وذلك هو المعنى الشائع عند عامة المسلمين .
ثانيا : من الناس من يرى في الإسلام إلا الخلق الفاضل والروحانية الفياضة , والغذاء الفلسفي الشهي للعقل والروح , والبعد بهما عن أدران المادة الطاغية الظالمة .
ثالثا : منهم من يقف إسلامه عند حد الإعجاب بهذه المعاني الحيوية العملية في الإسلام فلا يتطلب النظر إلى غيرها ولا يعجبه التفكير في سواها .
رابعا : معنى الإسلام عند المثقفين ثقافة أجنبية
منهم من يرى الإسلام نوعا من العقائد الموروثة والأعمال التقليدية التي لا غناء فيها ولا تقدم معها , فهو متبرم بالإسلام وبكل ما يتصل بالإسلام , وتجد هذا المعنى واضحا في نفوس كثير من الذين ثقفوا ثقافة أجنبية ولم تتح لهم فرص حسن الاتصال بالحقائق الإسلامية فهم لم يعرفوا عن الإسلام شيئا أصلا , أو عرفوه صورة مشوهة بمخالطة من لم يحسنوا تمثيله من المسلمين .
جـ - تحت هذه الأقسام جميعا تندرج أقسام أخرى يختلف نظر كل منها إلى الإسلام عن نظر الآخر قليلا أو كثيرا , وقليل من الناس أدرك الإسلام صورة كاملة واضحة تنتظم هذه المعاني جميعا .
( نظرة الناس إلى الإخوان
أ- هذه الصور المتعددة للإسلام الواحد في نفوس الناس جعلتهم يختلفون اختلافا بينا في فهم الإخوان المسلمون وتصور فكرتهم .
ب- نظرات مختلفة إلى الإخوان
أولا: النظرة الأولى
فمن الناس من يتصور الإخوان المسلمون جماعة وعظية إرشادية كل همها أن تقدم للناس العظات فتزهدهم في الدنيا وتذكرهم بالآخرة .
ثانيا: النظرة الثانية
ومنهم من يتصور الإخوان المسلمين طريقة صوفية تعني بتعليم الناس ضروب الذكر وفنون العبادة وفنون العبادة وما يتبع ذلك من تجرد وزهادة
ثالثا: النظرة الثالثة
ومنهم من يظنهم جماعة نظرية فقهية كل نظرهم أن تقف عند طائفة من الإحكام تجادل فيها وتناضل عنها , وتحمل الناس عليها وتخاصم أو تسالم من لم يسلم بها معها .
رابعا: النظرة الرابعة
قليل من الناس خالطوا الإخوان المسلمين وامتزجوا بهم ولم يقفوا عند حدود السماع ولم يخلعوا على الإخوان المسلمين إسلاما يتصورنه هم , فعرفوا حقيقتهم وأدركوا كل شيء عن دعوتهم علما وعملا .
(9)صورة الإسلام الماثلة في نفوس الإخوان المسلمين
ولهذا أحببت أن أتحدث لحضراتكم عن معنى الإسلام وصورته الماثلة في نفوس الإخوان, المسلمين , حتى يكون الأساس الذي ندعو إليه ونعتز بالانتساب له والاستمداد منه واضحا جليا.
أ- الإسلام نظام شامل
نحن نعتقد أن أحكام الإسلام وتعاليمه شاملة تنتظم شؤون الناس في الدنيا والآخرة , وأن الذين يظنون أن هذه التعاليم إنما تتناول الناحية العبادية أو الروحية دون غيرها من النواحي مخطئو ن في هذا الظن , فالإسلام عقيدة وعبادة , ووطن وجنسية , ودين ودولة , , وروحانية وعمل , ومصحف وسيف
أولا : الأدلة من القرآن
1- والقرآن الكريم ينطق بذلك كله ويعتبره من لب الإسلام ومن صميمه ويوصي بالإحسان فيه جميعه : (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ) (القصص:77)
2- وإنك لتقرأ في القرآن في الصلاة إن شئت قول الله تبارك وتعالي في العقيدة و العبادة : (وَمَا أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) (البينة:5) .
3- وتقرأ قوله تعالى في الحكم والقضاء والسياسة : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (النساء:65)
4- وتقرأ قوله تعالى في الدين والتجارة : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلا تَرْتَابُوا إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةَ تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ) (البقرة:282)
5-و تقرا قوله تعالى في الجهاد و القتال و الغزو وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ ) (النساء:102)
إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة البارعة في هذه الأغراض نفسها وفي غيرها من الآداب العامة وشؤون الاجتماع .
ثانيا :الأمة بين الأخذ بهذا الشمول أو التقليد
وهكذا اتصل الإخوان بكل بكتاب الله واستلهموه واسترشدوه فأيقنوا أن الإسلام هو هذا المعنى الكلي الشامل , وأنه يجب أن يهيمن على كل شؤون الحياة وأن تصطبغ جميعها به وأن تنزل على حكمه , وأن تساير قواعده وتعاليمه وتستمد منها ما دامت الأمة تريد أن تكون مسلمة إسلاما صحيحا , أما إذا أسلمت في عباداتها وقلدت غير المسلمين في بقية شؤونها , فهي أمة ناقصة الإسلام تضاهئ الذين قال تعالى فيهم : (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (البقرة:85)
ب- مصادر الفهم الشامل
يعتقد الإخوان المسلمون أن أساس التعاليم الإسلامية ومعينها هو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم , اللذان إن تمسكت بهما فلن تضل أبدا .
جـ- - الموقف من الفقه الاجتهادي
إن كثيرا من الآراء والعلوم التي اتصلت بالإسلام وتلونت بلونه تحمل لون العصور التي أوجدتها والشعوب التي عاصرتها , ولهذا يجب أن تستقي النظم الإسلامية التي تحمل عليها الأمة من هذا المعين الصافي معين السهولة الأولى , وأن نفهم الإسلام كما كان يفهمه الصحابة والتابعون من السلف الصالح رضوان الله عليهم , وأن تقف عند هذه الحدود الربانية النبوية حتى لا نقيد أنفسنا بغير ما قيدنا الله به , ولا نلزم عصرنا لون عصر لا يتفق معنا .
د- الموقف من القواعد الكلية والجزئيات
يعتقد الإخوان المسلمون أن الإسلام كدين عام انتظم كل شؤون الحياة في كل الشعوب والأمم لكل الأعصار والأزمان , وجاء أكمل وأسمى من أن يعرض لجزئيات هذه الحياة وخصوصا في الأمور الدنيوية البحتة , فهو إنما يضع القواعد الكلية في كل شأن من هذه الشؤون , ويرشد الناس إلى الطريق العملية للتطبيق عليها والسير في حدودها .
هـ - صياغة النفس الإنساتية هو أساس الإصلاح
ولضمان حق الصواب في التطبيق , عني الإسلام عناية تامة بعلاج النفس الإنسانية وهي مصدر النظم ومادة التفكير والتصوير والتشكل , فوصف لها من الأدوية الناجعة ما يطهرها من الهوى ويغسلها من أضرار الغرض والغاية ويهديها إلى الكمال والفضيلة , ويزجرها عن الجور والتهور و العدوان , وإذا استقامت النفس وصفت فقد أصبحت كل ما يصدر عنها صالحا جميلا .
و- مثال من الواقع : يقولون إن العدل ليس في نص القانون ولكنه في نفس القاضي , وقد تأتي بالقانون الكامل العادل إلى القاضي ذي الهوى والغاية فيطبقه تطبيقا جائرا لا عدل معه , وقد تأتي بالقانون الناقص والجائر إلى القاضي الفاضل العادل البعيد عن الأهواء والغايات فيطبقه تطبيقا فاضلا عادلا فيه كل الخير والبر والرحمة والإنصاف .
ز- النفس الإنسانية وكتاب الله
النفس الإنسانية محل عناية كبرى في كتاب الله , والنفوس الأولى التي صاغها هذا الإسلام مثال الكمال الإنساني .
ح- طبيعة الإسلام
طبيعة الإسلام تساير العصور والأمم , وتتسع لكل الأغراض والمطالب , ولهذا أيضا كان الإسلام لا يأبى أبدا الاستفادة من كل نظام صالح لا يتعارض مع قواعده الكلية وأصوله العامة .
(10) الفكرة الإصلاحية في نفوس الإخوان المسلمين .
كان من نتيجة هذا الفهم العام الشامل للإسلام عند الإخوان المسلمين أن شملت فكرة الإخوان كل نواحي الإصلاح في الأمة وتمثلت فيها كل عناصر غيرها من الفكر الإصلاحية ، وأصبح كل مصلح مخلص غيور يجد فيها أمنيته ، والتقت عندها آمال محبي الإصلاح الذين عرفوها وفهموا مراميها .
(11)عناصر الفكرة الإصلاحية كما يراها الإخوان المسلمون
تستطيع أن تقول ولا حرج عليك ، إن الإخوان المسلمين :
أ- دعوة سلفية :
لأنهم يدعون إلى العودة بالإسلام إلى معينه الصافي من كتاب الله وسنة رسوله.
ب- طريقة سنية :
لأنهم يحملون أنفسهم علي العمل بالسنة المطهرة في كل شيء ، وبخاصة في العقائد والعبادات ما وجدوا إلى ذلك سبيلا .
جـ- حقيقة صوفية :
لأنهم يعلمون أن أساس الخير طهارة النفس ، ونقاء القلب ، والمواظبة علي العمل ، و الإعراض عن الخلق ، والحب في الله ، والارتباط علي الخير .
د- هيئة سياسية :
لأنهم يطالبون بإصلاح الحكم في الداخل وتعديل النظر في صلة الأمة الإسلامية بغيرها من الأمم في الخارج ، وتربية الشعب علي العزة والكرامة والحرص علي قوميته إلي أبعد حد .
هـ - جماعة رياضية :
لأنهم يعنون بجسومهم ، ويعلمون أن المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف ، وأن النبي صلي الله عليه وسلم يقول : (إن لبدنك عليك حقاً) و إن تكاليف الإسلام كلها لا يمكن أن تؤدي كاملة صحيحة إلا بالجسم القوي ، فالصلاة والصوم والحج والزكاة لا بد لها من جسم يحتمل أعباء الكسب والعمل والكفاح في طلب الرزق ، ولأنهم تبعاً لذلك يعنون بتشكيلاتهم وفرقهم الرياضية عناية تضارع وربما فاقت كثيراً من الأندية المتخصصة بالرياضة البدنية وحدها .
و - رابطة علمية ثقافية : لأن الإسلام يجعل طلب العلم فريضة علي كل مسلم ومسلمة ، ولأن أندية الأخوان هي في الواقع مدارس للتعليم والتثقيف ومعاهد لتربية الجسم والعقل والروح .
ز- شركة اقتصادية :
لأن الإسلام يعني بتدبير المال و كسبه من وجهه وهو الذي يقول نبيه صلي الله عليه وسلم : (نعم المال الصالح للرجل الصالح) ويقول : (من أمسي كالاً من عمل يده أمسي مغفوراً له) ، (إن الله يحب المؤمن المحترف)
ح- فكرة اجتماعية : لأنهم يعنون بأدواء المجتمع الإسلامي ويحاولون الوصول إلي طرق علاجها وشفاء الأمة منها .
(12) سر شمول فكرة الإخوان
إن شمول معني الإسلام قد أكسب فكرة الإخوان شمولاً لكل مناحي الإصلاح ، ووجه نشاط الإخوان إلي كل هذه النواحي ، وهم في الوقت الذي يتجه فيه غيرهم إلي ناحية واحدة دون غيرها يتجهون إليها جميعاً ويعلمون أن الإسلام يطالبهم بها جميعاً .
(13)صورة الأخ المسلم
ومن هنا كان كثير من مظاهر أعمال الإخوان يبدو أمام الناس متناقضاً وما هو بمتناقض .
فقد يري الناس الأخ المسلم في المحراب خاشعاً متبتلاً يبكي ويتذلل ، وبعد قليل يكون هو بعينه واعظاً مدرساً يقرع الآذان بزواجر الوعظ ، وبعد قليل تراه نفسه رياضياً أنيقاً يرمي بالكرة أو يدرب علي العدو أو يمارس السباحة ، وبعد فترة يكون هو بعينه في متجره أو معمله يزاول صناعته في أمانة وفي إخلاص . هذه مظاهر قد يراها الناس متنافرة لا يلتئم بعضها ببعض ، ولو علموا أنها جميعاً يجمعها الإسلام ويأمر بها الإسلام ويحض عليها الإسلام لتحققوا فيها مظاهر الالتئام ومعاني الانسجام ، ومع هذا الشمول فقد اجتنب الإخوان كل ما يؤخذ علي هذه النواحي من المآخذ ومواطن النقد والتقصير.
(14) لقب الجماعة
كما اجتنبوا التعصب للألقاب إذ جمعهم الإسلام الجامع حول لقب واحد هو الإخوان المسلمون.
رسالة المؤتمر الخامس
هذه محاولة تحليلية لرسالة المؤتمر الخامس لعلهاتعين على استيعاب ما جاء فيها من أفكار بشكل أفضل فرسائل الإمام البنا هي بحق الأسس الاستراتيجية للعمل الإسلامي المعاصر
فإلى الحلقة الأولى
من رسالة المؤتمر الخامس
" ألجموا نزوات العواطف بنظرات العقول وأنيروا أشعة العقول بلهب العواطف وألزموا الخيال صدق الحقيقة والواقع واكتشفوا الحقائق في أضواء الخيال الزاهية البراقة . ولا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة ولا تصادموا نواميس الكون فإنها غلابة ، ولكن غالبوها واستخدموها وحولوا تيارها واستعينوا ببعضها علي بعض ، وترقبوا ساعة النصر وما هي منكم ببعيد ."
****
إنكم تبتغون وجه الله وتحصيل مثوبته ورضوانه ، وذلك مكفول لكم ما دمتم مخلصين . ولم يكلفكم الله نتائج الأعمال ولكن كلفكم صدق التوجه وحسن الاستعداد ، ونحن بعد ذلك إما مخطئون فلنا أجر العاملين المجتهدين ، وإما مصيبون فلنا أجر الفائزين المصيبين
****
" قد وجب عليكم أن تبينوا للناس غايتكم ووسيلتكم وحدود فكرتكم ومنهاج أعمالكم , وأن تعلنوا هذه الأعمال على الناس لا للمباهاة بها ولكن للإرشاد إلى ما فيها من نفع للأمة وخير لأبنائها فاكتبوا إلى النذير وهي لسانكم , واكتبوا إلى الصحف اليومية وأظنها لا تقف في سبيلكم , واحرصوا على أن تكونوا صادقين لا تتجاوزون الحقيقة , وأن تكون دعايتكم في حدود الأدب الكامل والخلق الفاضل والحرص التام على جمع القلوب وتأليف الأرواح , واستشعروا كلما ظهرت دعوتكم أن الفضل في ذلك كله لله : (بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)"
****
إن طريقكم هذا مرسومة خطواته موضوعة حدوده . ولست مخالفاً هذه الحدود التي اقتنعت كل الاقتناع بأنها أسلم طريق للوصول ، أجل قد تكون طريقاً طويلة ولكن ليس هناك غيرها . إنما تظهر الرجولة بالصبر والمثابرة والجد والعمل الدائب ، فمن أراد منكم أن يستعجل ثمرة قبل نضجها أو يقتطف زهرة قبل أوانها فلست معه في ذلك بحال
مقدمــة
(1)بين القول والعمل
كنت أود أن نظل دائما نعمل ولا نتكلم , وأن نكل للأعمال وحدها الحديث عن الإخوان وخطوات الإخوان , وكنت أحب أن تتصل خطواتكم اللاحقة بخطواتكم السابقة في هدوء وسكون من غير هذا الفاصل الذي نحدد به جهاد عشر سنوات مضت لنستأنف مرحلة أخرى من مراحل الجهاد الدائب في سبيل تحقيق فكرتنا السامية .
(2) أهداف المؤتمر
ولكنكم أردتم هذا , وأحببتم أن تسعدونا بهذا الاجتماع الشامل فشكرا لكم , ولا بأس أن ننتهز هذه الفرصة الكريمة
أ- فنستعرض نتائجنا
ب- ونراجع فهرس أعمالنا
جـ - ونستوثق من مراحل طريقنا
د- ونحدد الغاية والوسيلة بهدف :
أولا : أن تتضح الفكرة المبهمة
ثانيا : أن تصحح النظرة الخاطئة
ثالثا: أن تعلم الخطوة المجهولة
رابعا: أن تتم الحلقة المفقودة
خامسا : أن يعرف الناس الإخوان المسلمين على حقيقة دعوتهم , من غير لبس ولا غموض .
(3)الرأي الآخر والنصيحة
لا بأس بأن يتقدم إلينا من وصلته هذه الدعوة ومن سمع أو قرأ هذا البيان , برأيه في غايتنا ووسيلتنا وخطواتنا فنأخذ الصالح من رأيه , وننزل على الحق من مشورته , فإن الدين النصيحة لله و لرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم
(4) عاطفة الأخوة والمحبة
أجدني في غنى عن تحيتكم وشكركم , وعن وصف ما يغمرني من السعادة بموقفي هذا بينكم , ومن السرور والفرح بلقائكم ومن الأمل العظيم بمؤازرتكم وتوفيق الله إياكم .
أجدني في غنى عن بيان هذا كله بهذا الفيض من العواطف النبيلة الذي يغمر هذا الاجتماع , فكل ما فيه ينطق :
أ- بالحب العميق
ب- الارتباط الوثيق
جـ - الأخوة الصادقة
د- التعاون المكين
ووفقكم الله لخير ما يحب ويرضى .
القسم الأول : الطلائع الأولى من الإخوان المسلمين
(5) بذور الفكرة الدعوية في نفس الإمام البنا
أ- خبرة ونتيجة حول مفهوم السعادة
طالعت كثيرا وجربت كثيرا وخالطت أوساطا كثيرة وشهدت حوادث عدة , فخرجت من هذه السياحة القصيرة المدى الطويلة المراحل بعقيدة ثابتة لا تتزلزل , هي أن :
السعادة التي ينشدها الناس جميعا إنما تفيض عليهم من نفوسهم وقلوبهم , ولا تأتيهم من خارج هذه القلوب أبدا , وأن الشقاء الذي يحيط بهم ويهربون منه إنما يصيبهم بهذه النفوس والقلوب كذلك , وإن القرآن الكريم يؤيد هذا المعنى ويوضحه , ذلك قول الله تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (الرعد:11) .
وما رأيت كلاما أعمق في فلسفة الاجتماع من قول ذلك القائل :
لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها ولكن أخلاق الرجال تضيق
ب- الإسلام سر السعادة البشرية
واعتقدت أنه ليست هناك نظم ولا تعاليم تكفل سعادة هذه النفوس البشرية وتهدي الناس إلى الطرق لهذه السعادة كتعاليم الإسلام الحنيف الفطرية الواضحة , وليس هنا مجال تفصيل هذه التعاليم , ولا مجال التدليل على أنها تتضمن هذه النتيجة , وتكفل سعادة البشرية جميعا فلذلك مجال آخر , فضلا عن أننا كلنا فيما أعتقد شركاء في التسليم بصحة هذه النظرية , على أن كثيرا من غير المسلمين يقر بها ويعترف بما في الإسلام من جمال وكمال .
جـ - الغاية السامية
ولهذا وقفت نفسي منذ نشأت على غاية واحدة هي إرشاد الناس إلى الإسلام حقيقة وعملا , ولهذا كانت فكرة الإخوان المسلمين إسلامية بحتة في غايتها وفي وسائلها , لا تتصل بغير الإسلام في شيء.
د- بذور الفكر والعمل
ظلت هذه الخواطر حديثا نفسانيا ومناجاة روحية بها في نفسي لنفسي , وقد أفضي بها إلى كثير ممن حولي , وقد تظهر في شكل :
أولا:- دعوة فردية
ثانيا : - أو خطابة وعظية
ثالثا : - أو درس في المساجد إذا سنحت فرصة التدريس ,
رابعا :- أو حث لبعض الأصدقاء والعلماء على بذل الهمة ومضاعفة المجهود , في إنقاذ الناس وإرشادهم إلى ما في الإسلام من خير .
هـ - أثر الحوادث في الانطلاق نحو العمل
ثم كانت في مصر وغيرها من بلدان العالم الإسلامي حوادث عدة ألهبت نفسي وأهاجت كوامن في قلبي , ولفتت نظري إلى وجوب الجد والعمل , وسلوك طريق التكوين بعد التنبيه , والتأسيس بعد التدريس .
(6)البذور الأولى للدعوة في البيئة المحيطة
أ- مواقف متابينة في النظر إلى الفكرة
ولقد أخذت أفاتح كثيرا من كبار القوم في وجوب النهوض والعمل وسلوك طريق الجد والتكوين , فكنت أجد التثبيط أحيانا والتشجيع أحيانا والتريث أحيانا , ولكني لم أجد ما أريد من الاهتمام بتنظيم الجهود العملية .
ب- أحمد باشا تيمور مثال للهمة العالية
ومن الوفاء أذكر في هذا المقام المرحوم أحمد باشا تيمور أفسح الله له في جنته , فما رأيته إلا مثالا للهمة المتوثبة والغيرة المتوقدة , وما تحدثت إليه في شأن من شؤون الأمة العامة إلا وجدت العقل الكامل والاستعداد التام والإلمام الشامل وترقب ساعة العمل , فرحمه الله و أجزل مثوبته .
جـ - نواة الدعوة الأولى
وليت وجهي شطر الأصدقاء والإخوان ممن جمعني وإياهم عهد الطلب وصدق الود والشعور بالواجب , فوجدت استعدادا حسنا , وكان أسرعهم إلى مشاركتي عبء التفكير وأكثرهم اقتناعا بوجوب العمل في إسراع وهمة , الإخوان الفضلاء :
* أحمد أفندي السكري
* والأخ المفضال المرحوم الشيخ حامد عسكرية أسكنه الله فسيح جنته , *والأخ الشيخ أحمد عبد الحميد وكثير غيرهم.
وكان عهد وكان موثق أن يعمل كل منا لهذه الغاية , حتى يتحول العرف العام في الأمة إلى وجهة إسلامية صالحة .
د- هموم الأمة عبء الدعوة
ليس يعلم أحد إلا الله كم من الليالي كنا نقضيها نستعرض حال الأمة ، وما وصلت إليه في مختلف مظاهر حياتها، ونحلل العلل والأدواء، ونفكر في العلاج وحسم الداء , ويفيض بنا التأثر لما وصلنا إليه إلى حد البكاء .
هـ - حال مجموع الأمة
وكم كنا نعجب إذ نرى أنفسنا في مثل هذه المشغلة النفسانية العنيفة والخليون هاجعون يتسكعون بين المقاهي ويترددون على أندية الفساد والإتلاف , فإذا سألت أحدهم عما يحمله على هذه الجلسة الفارغة المملة قال لك : أقتل الوقت , وما دري هذه المسكين أن من يقتل وقته إنما يقتل نفسه , فإنما الوقت هو الحياة .
كنا نعجب لهؤلاء الناس وكثير منهم من المثقفين , ومن هم أولى منا بحمل هذا العبء , ثم يقول بعضنا لبعض : أليس هذا داء من أدواء الأمة ولعله أخطرها , ألاّ تفكر في مرضها وألاّ تعمل لعلاج نفسها .
ولهذا و أمثاله نعمل ولإصلاح هذا الفساد , وقفنا أنفسنا فنتعزى ونحمد الله على أن جعلنا من الداعين إليه العاملين لدينه .
و- أول نواة تكوينية للدعوة
وعمل الزمن عمله فتفرقنا نحن الأربعة فكان أحمد أفندي السكري بالمحمودية , وكان المرحوم الشيخ حامد عسكرية بالزقازيق , وكان الشيخ أحمد عبد الحميد بكفر الدوار , وكنت بالإسماعيلية أذكر قول الشاعر :
بالشام أهلي وبغداد الهوى وأنا بالرقمتين وبالفسطاط جيراني
وفي الإسماعيلية أيها الإخوان وضعت أول نواة تكوينية للفكرة , وظهرت أول هيئة متواضعة نعمل ونحمل لوائها نعاهد الله على الجندية التامة في سبيلها تحت اسم (الإخوان المسلمون) وكان ذلك في ذي القعدة سنة 1347 هـ .
القسم الثاني : الفهم الصحيح للإسلام
(7) نظرة الناس إلى الإسلام
أ- إن كثيرا من المسلمين في كثير من العصور خلعوا عن الإسلام نعوتا وأوصافا ورسوما من عند أنفسهم , واستخدموا مرونته وسعته استخداما ضارا مع أنها لم تكن إلا للحكمة السامية , فاختلفوا في معنى الإسلام اختلافا , وانطبعت للإسلام في نفس أبنائه صور عدة تقرب أو تبعد أو تنطبق على الإسلام الأول الذي مثله رسول الله وأصحابه خير تمثيل .
ب- النظرات المختلفة للإسلام
أولا : المعنى الشائع عند عامة المسلمين
من الناس من لا يرى الإسلام شيئا غير حدود العبادة الظاهرة فإن أداها أو رأى من يؤديها اطمأن إلى ذلك ورضي به وحسبه قد وصل على لب الإسلام , وذلك هو المعنى الشائع عند عامة المسلمين .
ثانيا : من الناس من يرى في الإسلام إلا الخلق الفاضل والروحانية الفياضة , والغذاء الفلسفي الشهي للعقل والروح , والبعد بهما عن أدران المادة الطاغية الظالمة .
ثالثا : منهم من يقف إسلامه عند حد الإعجاب بهذه المعاني الحيوية العملية في الإسلام فلا يتطلب النظر إلى غيرها ولا يعجبه التفكير في سواها .
رابعا : معنى الإسلام عند المثقفين ثقافة أجنبية
منهم من يرى الإسلام نوعا من العقائد الموروثة والأعمال التقليدية التي لا غناء فيها ولا تقدم معها , فهو متبرم بالإسلام وبكل ما يتصل بالإسلام , وتجد هذا المعنى واضحا في نفوس كثير من الذين ثقفوا ثقافة أجنبية ولم تتح لهم فرص حسن الاتصال بالحقائق الإسلامية فهم لم يعرفوا عن الإسلام شيئا أصلا , أو عرفوه صورة مشوهة بمخالطة من لم يحسنوا تمثيله من المسلمين .
جـ - تحت هذه الأقسام جميعا تندرج أقسام أخرى يختلف نظر كل منها إلى الإسلام عن نظر الآخر قليلا أو كثيرا , وقليل من الناس أدرك الإسلام صورة كاملة واضحة تنتظم هذه المعاني جميعا .
( نظرة الناس إلى الإخوان
أ- هذه الصور المتعددة للإسلام الواحد في نفوس الناس جعلتهم يختلفون اختلافا بينا في فهم الإخوان المسلمون وتصور فكرتهم .
ب- نظرات مختلفة إلى الإخوان
أولا: النظرة الأولى
فمن الناس من يتصور الإخوان المسلمون جماعة وعظية إرشادية كل همها أن تقدم للناس العظات فتزهدهم في الدنيا وتذكرهم بالآخرة .
ثانيا: النظرة الثانية
ومنهم من يتصور الإخوان المسلمين طريقة صوفية تعني بتعليم الناس ضروب الذكر وفنون العبادة وفنون العبادة وما يتبع ذلك من تجرد وزهادة
ثالثا: النظرة الثالثة
ومنهم من يظنهم جماعة نظرية فقهية كل نظرهم أن تقف عند طائفة من الإحكام تجادل فيها وتناضل عنها , وتحمل الناس عليها وتخاصم أو تسالم من لم يسلم بها معها .
رابعا: النظرة الرابعة
قليل من الناس خالطوا الإخوان المسلمين وامتزجوا بهم ولم يقفوا عند حدود السماع ولم يخلعوا على الإخوان المسلمين إسلاما يتصورنه هم , فعرفوا حقيقتهم وأدركوا كل شيء عن دعوتهم علما وعملا .
(9)صورة الإسلام الماثلة في نفوس الإخوان المسلمين
ولهذا أحببت أن أتحدث لحضراتكم عن معنى الإسلام وصورته الماثلة في نفوس الإخوان, المسلمين , حتى يكون الأساس الذي ندعو إليه ونعتز بالانتساب له والاستمداد منه واضحا جليا.
أ- الإسلام نظام شامل
نحن نعتقد أن أحكام الإسلام وتعاليمه شاملة تنتظم شؤون الناس في الدنيا والآخرة , وأن الذين يظنون أن هذه التعاليم إنما تتناول الناحية العبادية أو الروحية دون غيرها من النواحي مخطئو ن في هذا الظن , فالإسلام عقيدة وعبادة , ووطن وجنسية , ودين ودولة , , وروحانية وعمل , ومصحف وسيف
أولا : الأدلة من القرآن
1- والقرآن الكريم ينطق بذلك كله ويعتبره من لب الإسلام ومن صميمه ويوصي بالإحسان فيه جميعه : (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ) (القصص:77)
2- وإنك لتقرأ في القرآن في الصلاة إن شئت قول الله تبارك وتعالي في العقيدة و العبادة : (وَمَا أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) (البينة:5) .
3- وتقرأ قوله تعالى في الحكم والقضاء والسياسة : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (النساء:65)
4- وتقرأ قوله تعالى في الدين والتجارة : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلا تَرْتَابُوا إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةَ تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ) (البقرة:282)
5-و تقرا قوله تعالى في الجهاد و القتال و الغزو وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ ) (النساء:102)
إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة البارعة في هذه الأغراض نفسها وفي غيرها من الآداب العامة وشؤون الاجتماع .
ثانيا :الأمة بين الأخذ بهذا الشمول أو التقليد
وهكذا اتصل الإخوان بكل بكتاب الله واستلهموه واسترشدوه فأيقنوا أن الإسلام هو هذا المعنى الكلي الشامل , وأنه يجب أن يهيمن على كل شؤون الحياة وأن تصطبغ جميعها به وأن تنزل على حكمه , وأن تساير قواعده وتعاليمه وتستمد منها ما دامت الأمة تريد أن تكون مسلمة إسلاما صحيحا , أما إذا أسلمت في عباداتها وقلدت غير المسلمين في بقية شؤونها , فهي أمة ناقصة الإسلام تضاهئ الذين قال تعالى فيهم : (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (البقرة:85)
ب- مصادر الفهم الشامل
يعتقد الإخوان المسلمون أن أساس التعاليم الإسلامية ومعينها هو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم , اللذان إن تمسكت بهما فلن تضل أبدا .
جـ- - الموقف من الفقه الاجتهادي
إن كثيرا من الآراء والعلوم التي اتصلت بالإسلام وتلونت بلونه تحمل لون العصور التي أوجدتها والشعوب التي عاصرتها , ولهذا يجب أن تستقي النظم الإسلامية التي تحمل عليها الأمة من هذا المعين الصافي معين السهولة الأولى , وأن نفهم الإسلام كما كان يفهمه الصحابة والتابعون من السلف الصالح رضوان الله عليهم , وأن تقف عند هذه الحدود الربانية النبوية حتى لا نقيد أنفسنا بغير ما قيدنا الله به , ولا نلزم عصرنا لون عصر لا يتفق معنا .
د- الموقف من القواعد الكلية والجزئيات
يعتقد الإخوان المسلمون أن الإسلام كدين عام انتظم كل شؤون الحياة في كل الشعوب والأمم لكل الأعصار والأزمان , وجاء أكمل وأسمى من أن يعرض لجزئيات هذه الحياة وخصوصا في الأمور الدنيوية البحتة , فهو إنما يضع القواعد الكلية في كل شأن من هذه الشؤون , ويرشد الناس إلى الطريق العملية للتطبيق عليها والسير في حدودها .
هـ - صياغة النفس الإنساتية هو أساس الإصلاح
ولضمان حق الصواب في التطبيق , عني الإسلام عناية تامة بعلاج النفس الإنسانية وهي مصدر النظم ومادة التفكير والتصوير والتشكل , فوصف لها من الأدوية الناجعة ما يطهرها من الهوى ويغسلها من أضرار الغرض والغاية ويهديها إلى الكمال والفضيلة , ويزجرها عن الجور والتهور و العدوان , وإذا استقامت النفس وصفت فقد أصبحت كل ما يصدر عنها صالحا جميلا .
و- مثال من الواقع : يقولون إن العدل ليس في نص القانون ولكنه في نفس القاضي , وقد تأتي بالقانون الكامل العادل إلى القاضي ذي الهوى والغاية فيطبقه تطبيقا جائرا لا عدل معه , وقد تأتي بالقانون الناقص والجائر إلى القاضي الفاضل العادل البعيد عن الأهواء والغايات فيطبقه تطبيقا فاضلا عادلا فيه كل الخير والبر والرحمة والإنصاف .
ز- النفس الإنسانية وكتاب الله
النفس الإنسانية محل عناية كبرى في كتاب الله , والنفوس الأولى التي صاغها هذا الإسلام مثال الكمال الإنساني .
ح- طبيعة الإسلام
طبيعة الإسلام تساير العصور والأمم , وتتسع لكل الأغراض والمطالب , ولهذا أيضا كان الإسلام لا يأبى أبدا الاستفادة من كل نظام صالح لا يتعارض مع قواعده الكلية وأصوله العامة .
(10) الفكرة الإصلاحية في نفوس الإخوان المسلمين .
كان من نتيجة هذا الفهم العام الشامل للإسلام عند الإخوان المسلمين أن شملت فكرة الإخوان كل نواحي الإصلاح في الأمة وتمثلت فيها كل عناصر غيرها من الفكر الإصلاحية ، وأصبح كل مصلح مخلص غيور يجد فيها أمنيته ، والتقت عندها آمال محبي الإصلاح الذين عرفوها وفهموا مراميها .
(11)عناصر الفكرة الإصلاحية كما يراها الإخوان المسلمون
تستطيع أن تقول ولا حرج عليك ، إن الإخوان المسلمين :
أ- دعوة سلفية :
لأنهم يدعون إلى العودة بالإسلام إلى معينه الصافي من كتاب الله وسنة رسوله.
ب- طريقة سنية :
لأنهم يحملون أنفسهم علي العمل بالسنة المطهرة في كل شيء ، وبخاصة في العقائد والعبادات ما وجدوا إلى ذلك سبيلا .
جـ- حقيقة صوفية :
لأنهم يعلمون أن أساس الخير طهارة النفس ، ونقاء القلب ، والمواظبة علي العمل ، و الإعراض عن الخلق ، والحب في الله ، والارتباط علي الخير .
د- هيئة سياسية :
لأنهم يطالبون بإصلاح الحكم في الداخل وتعديل النظر في صلة الأمة الإسلامية بغيرها من الأمم في الخارج ، وتربية الشعب علي العزة والكرامة والحرص علي قوميته إلي أبعد حد .
هـ - جماعة رياضية :
لأنهم يعنون بجسومهم ، ويعلمون أن المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف ، وأن النبي صلي الله عليه وسلم يقول : (إن لبدنك عليك حقاً) و إن تكاليف الإسلام كلها لا يمكن أن تؤدي كاملة صحيحة إلا بالجسم القوي ، فالصلاة والصوم والحج والزكاة لا بد لها من جسم يحتمل أعباء الكسب والعمل والكفاح في طلب الرزق ، ولأنهم تبعاً لذلك يعنون بتشكيلاتهم وفرقهم الرياضية عناية تضارع وربما فاقت كثيراً من الأندية المتخصصة بالرياضة البدنية وحدها .
و - رابطة علمية ثقافية : لأن الإسلام يجعل طلب العلم فريضة علي كل مسلم ومسلمة ، ولأن أندية الأخوان هي في الواقع مدارس للتعليم والتثقيف ومعاهد لتربية الجسم والعقل والروح .
ز- شركة اقتصادية :
لأن الإسلام يعني بتدبير المال و كسبه من وجهه وهو الذي يقول نبيه صلي الله عليه وسلم : (نعم المال الصالح للرجل الصالح) ويقول : (من أمسي كالاً من عمل يده أمسي مغفوراً له) ، (إن الله يحب المؤمن المحترف)
ح- فكرة اجتماعية : لأنهم يعنون بأدواء المجتمع الإسلامي ويحاولون الوصول إلي طرق علاجها وشفاء الأمة منها .
(12) سر شمول فكرة الإخوان
إن شمول معني الإسلام قد أكسب فكرة الإخوان شمولاً لكل مناحي الإصلاح ، ووجه نشاط الإخوان إلي كل هذه النواحي ، وهم في الوقت الذي يتجه فيه غيرهم إلي ناحية واحدة دون غيرها يتجهون إليها جميعاً ويعلمون أن الإسلام يطالبهم بها جميعاً .
(13)صورة الأخ المسلم
ومن هنا كان كثير من مظاهر أعمال الإخوان يبدو أمام الناس متناقضاً وما هو بمتناقض .
فقد يري الناس الأخ المسلم في المحراب خاشعاً متبتلاً يبكي ويتذلل ، وبعد قليل يكون هو بعينه واعظاً مدرساً يقرع الآذان بزواجر الوعظ ، وبعد قليل تراه نفسه رياضياً أنيقاً يرمي بالكرة أو يدرب علي العدو أو يمارس السباحة ، وبعد فترة يكون هو بعينه في متجره أو معمله يزاول صناعته في أمانة وفي إخلاص . هذه مظاهر قد يراها الناس متنافرة لا يلتئم بعضها ببعض ، ولو علموا أنها جميعاً يجمعها الإسلام ويأمر بها الإسلام ويحض عليها الإسلام لتحققوا فيها مظاهر الالتئام ومعاني الانسجام ، ومع هذا الشمول فقد اجتنب الإخوان كل ما يؤخذ علي هذه النواحي من المآخذ ومواطن النقد والتقصير.
(14) لقب الجماعة
كما اجتنبوا التعصب للألقاب إذ جمعهم الإسلام الجامع حول لقب واحد هو الإخوان المسلمون.