متى وكيف ظهرت بهذا الشكل
قبل أن نتحدث عن المحاكم يجدر بنا أن نذكر نبذة عن أحوال الصومال قبل المحاكم الشرعية:
اعتنق أهل الصومال الإسلام في وقت مبكر نتيجة الصلة الوثيقة بين جزيرة العرب والصومال، وارتبط هذا الإقليم بالدولة الإسلامية في مراحلها كافة.. وعندما ضعف أمر الدولة الإسلامية وخف سلطانها عن الأقاليم البعيدة نشأت إمارات محلية يحكمها شيوخ القبائل، وزعماء لا يتجاوز سلطانهم المدن الكبرى وما يجاورها.
ووقع صراع بين الإمارات الإسلامية وبين دولة الحبشة النصرانية، ولم تعمل تلك الإمارات على وحدتها، ولا وحدت جهودها لمقاومة التسلط النصراني على بعض الإمارات التي احتلها، وعلى المسلمين الذين يعيشون في أرض الحبشة، مما جعل الصراع يطول أمده.
ووصل المستعمرون الصليبيون من البرتغاليين إلى أقصى جنوبي القارة الإفريقية والتفوا حولها عام 903هـ (1497م) وتوجهوا إلى سواحل إفريقية الشرقية، وسيطروا على الإمارات والمدن الإسلامية هناك، وأسرع ملك الحبشة يعرض على البرتغاليين التحالف معهم لقتال المسلمين.
وجاء العثمانيون إلى المنطقة ليقفوا في وجه المد الصليبي وحلوا محل المماليك بعد دخول القاهرة عام 923هـ (1517م)، ودانت لهم بلاد الصومال وشرقي إفريقيا، وأنشأوا أسطولاً في البحر الأحمر، وجعلوا قاعدته مدينة (زيلع)، وتبين لهم خطر الاتفاق بين البرتغاليين والأحباش فاتفقوا مع سلطان إمارة (عدل) الإسلامية أحمد إبراهيم وقدموا له المساعدات العسكرية فقام بالهجوم على الأحباش غير أنه هُزم وقتل قائده (محفوظ) حاكم زيلع، فانطلق السلطان بنفسه أمام الجيش وأعد الهجوم وانتصر بإذن الله، واسترجع كل ما فقده في جولته الأولى، واحتل عام 935هـ (1529م) قسماً من الحبشة. (1)
استنجد إمبراطور الحبشة (دنجل) بأوربا، وعرض أن تكون الكنيسة الحبشية مرتبطة بروما مع الاحتفاظ بالمذهب الأرثوذكسي.
ونزل البرتغاليون فجأة في مدينة (مصوع) عام 948هـ (1541م) غير أنهم هُزموا شر هزيمة وأبيد معظمهم، والتحقت فلول الفارين من المعركة بالأحباش الذين كانوا يقاتلون سلطان إمارة عدل في أعالي بلاد الحبشة قرب بحيرة (تانا) وقد انتصروا هناك وقتل السلطان أحمد إبراهيم.
وقامت سلطنة (هرر) في الجنوب تحمل على عاتقها نشر الإسلام ومحاربة نصارى الأحباش ولكنها لم تستطع توحيد السلطنات الإسلامية في دولة واحدة، وبعدما أخذت الدولة العثمانية بالضعف أصبح واليها على مصر (محمد علي) صاحب النفوذ مكانها في بلاد الصومال، وأخذت مصر تحكم تلك الأجزاء باسم الدولة العثمانية.
بدأ الصراع والاستعمار يدخل المنطقة واحتلت بريطانيا (عدن) عام 1255هـ (1839م) ودخلت فرنسا باب المنافسة وأرسلت عدة حملات استطلاعية لسواحل البحر الأحمر، إذ الحكم المصري ضعيف.. وعملت فرنسا على احتلال (زيلع) و(مصوع) وكانت نتيجة الحملات الاستطلاعية التي أرسلتها فرنسا إلى المنطقة أنها رأت أن المناطق الصومالية هي أحسن المناطق صلاحية لفرنسا.
وكان الحاكم المصري لبلاد الصومال يقيم في (هرر) التي تعد مركز الإقليم وتتبعها ثلاث محافظات هي (تاجورا) وهي أراضي (وبوك) وعقدت فرنسا معاهدة مع سلطان (تاجورا) –وهي اليوم تسمى جيبوتي- أحمد محمد في ذي القعدة 1301هـ (أيلول 1884م) رغم أن القوات المصرية لم تزل فيها.. وبعد احتلال بريطانيا لمصر إثر الحركة العربية دخلت بريطانيا الصومال وأخيراً قرر العميد البريطاني (هنتر) إخلاء الحاميات المصرية من زيلع في 10 محرم 1302هـ (29 تشرين الأول 1884م) على إنهاء الخلافات بينهما في هذه المناطق.
وفي العام نفسه اتفقت بريطانيا وفرنسا على إنهاء الخلاف في هذه المناطق واقتسام النفوذ في سلطنة زنجبار ومنطقة شمالي الصومال، وشاركتهما في الاقتسام كل من ألمانيا وإيطاليا، أخذت بريطانيا القسم الأوسط من شرقي إفريقيا (ساحل كينيا) وساحل الصومال على خليج عدن (الصومال الإنكليزي).
وأخذت ألمانيا الساحل الجنوبي من شرقي إفريقية (تانجا نيقيا).
وأخذت إيطاليا الساحل الشمالي من شرقي إفريقية (الصومال الإيطالي) واعترفت الدول الأخرى لها باحتلالها منطقة إرتيريا.
* الصومال بعد الاحتلال:
وقد بدأت حركة المقاومة الصومالية ضد الاستعمار البرتغالي عام 934هـ 1528م بواسطة سلطان (ممبسه) وفي عام 1264هـ 1741م اشتدت المقاومة حيث أرسل إليهم الإمام سيف بن سلطان أسطولاً بحرياً استطاع أن يطرد البرتغاليين من (ممبسه) وفي أوائل القرن الـ19 كانت عمان قد بسطت نفوذها على الساحل الشرقي لإفريقيا من مقديشو شمالاً حتى نهر روفوما جنوباً.. ولم يبق للبرتغاليين في هذا شيء.
وفي عام 1253هـ 1837م استطاع السيد سعيد بن سلطان أن يخضع (ممبسة) لسلطانه، وبذلك انتشر النفوذ العماني في كل ساحل إفريقيا الشرقي.
وفي عام 1317هـ 1899م ظهر محمد بن عبد الله حسن الشهير بالملا –الشيخ- ونادى بالجهاد المقدس، ونجح في السيطرة على داخل البلاد لمدة عشرين عاماً، مما أقض مضاجع البريطانيين الذين اضطروا إلى إخلاء الأقاليم الداخلية من عام 1318هـ إلى عام 1322هـ أي من عام 1900 إلى عام 1904م، وظل "الملا" شوكة في حلق بريطانيا حتى عام 1338هـ 1920م، وقد استطاع المجاهدون معه أن يوقعوا بالإنجليز هزائم متتالية في حوالي أربعين موقعة، وكان الإنجليز يطلقون على القائد محمد عبد الله حسن لقب "الشيخ المجنون" وعلى أنصاره "الدراويش" كيداً له وتشويهاً لسمعته وإيقاعاً بينه وبين شعبه الصومالي، وبعد موت الشيخ محمد عبد الله حسن استمر الجهاد ما يقرب من أربعين سنة، حيث قام الصوماليون بتشكيل جمعيات سرية في الثلاثينات أما في عام 1943م فقد برز في مقديشو حزب سياسي باسم "رابطة وحدة الشباب" ينادي بتحرير الصومال جزءً من الوطن العربي والوطن الإسلامي الكبير ووضع برنامجاً كبيراً لإلحاق مئات الدارسين الصوماليين بالمدارس المصرية، وفي أعوام 1948-1955م سلمت بريطانيا إلى الحبشة غدراً أقاليم "أوجادين" وهي المنطقة المحجوزة وفق اتفاقيات سرية بينهما مما أدى إلى سقوط أعداد كبيرة دفاعاً عن مطالبهم القومية.
وقد قام الاستعمار بتقسيم الصومال إلى خمس دول هي: إنجلترا وفرنسا وإيطاليا والحبشة وكينيا، فقبل أن تجلوا انجلترا سلمت إقليم "أوجادين" الصومالي إلى الحبشة ومساحته 310.800كم2 وعدد سكانه حوالي المليون مسلم.
هذا بالإضافة إلى الصومال الفرنسي والبريطاني والإيطالي. وفي عام 1379هـ 1960م استقل الصومال البريطاني وتلاه الصومال الإيطالي، ثم اتحد الاثنان في جمهورية واحدة عام 1380هـ 1961م. أما إقليم "أوجادين" فقد بقي تحت سيطرة الحبشة وبالمثل الأراضي التي تحتلها كينيا فقد بقيت تحت سيطرتها.
وفي عام 1971م قامت السلطات الصومالية بإلغاء الأحرف العربية وفرض الأحرف اللاتينية في الكتابة (لعزل الصوماليين عن القرآن الكريم وعلوم الإسلام وعن العالم العربي الإسلامي كما حدث في تركيا).
سقوط زياد بري وفشل نظامه العلماني:
أدى هذا الإجراء والإجراءات الأخرى التي مارسها زياد بري كفرض قوانين تتعارض مع الشريعة الإسلامية –وكقانون مساواة المرأة للرجل في جميع الأمور حتى في الإرث والدية وكذلك قانون الأسرة، والذي يقول: أن الرجل لا يجوز أن يتزوج أكثر من واحدة، ولكن ليكثر من الصديقات إلى ازدياد موجات الغضب إن شاء فعارض كثير من العلماء الكبار هذه القوانين ونصحوا الحكومة وطالبوا بإلغاء القوانين المصادمة للشريعة الإسلامية وقام بعض الشعب مع العلماء ووزعوا خطبة واحدة على جميع مساجد العاصمة تردُ وتوضح بطلان تلك القوانين فأصدرت الحكومة أحكاماً بإعدام الدعاة المعارضين، وتم تنفيذ هذه الأحكام بصورة فورية وعلنية، كما تم إحراق بعض هؤلاء الدعاة في الميادين العامة بهدف إرهاب كل من يفكر في معارضة السلطات القائمة ذات الاتجاه العلماني، وبعد سقوط (زياد بري) وهروبه أخذ الشعب الصومالي المسلم يعلن تخليه عن الوجه القبيح للصومال اللاتيني اللاديني الذي فرضه (زياد بري) مدة تزيد على 22 عاماً.
(وقد عانى الشعب الصومالي بعد ذلك من الحروب الأهلية، واشتدت المعاناة في العاصمة مقديشو، حيث أصبحت العصابات المسلحة ذات نفوذ يفوق نفوذ القوى السياسية المتصارعة على السلطة، وبخاصة القوتان الرئيسيتان (قوة على مهدي وقوة الجنرال عيديد) برغم انتمائهما إلى قبيلة واحدة وحزب واحد، وقد أدت المعارك بينهما إلى تهجير ما يقارب المليون ونصف من سكان العاصمة فقد استقلت الأقاليم بإدارة شئونها والأسباب المباشرة للصراع ترجع إلى التعصب القبلي، وشيوع الجهل، وفوضى المفاهيم الشيوعية التي سادت تحت سلطة الديكتاتور (زياد بري) لمدة تزيد على عشرين سنة متواصلة، تخرجت فيها أجيال لا تعرف شيئاً عن الإسلام وقيمه وأخلاقه.
هذا بالإضافة إلى وجود قوى صهيونية وصليبية تعمل من خلف الستار، بدليل أن بنادق (العوزي) الإسرائيلية تنتشر في أيدي الفريقين، ويوجد أفراد غربيون يعملون ضمن قيادات القوات المتقاتلة، كما يوجد بعض القيادات من المعروفين بعمالتهم للغرب، ومن المتحمسين لقيام علاقات مع إسرائيل، ولقد وجدت وثائق في السفارة الأمريكية بمقديشو تتناول توزيع القبائل في الصومال، وأماكن تواجدها، وكأنه تخطيط مسبق لإثارة الفتنة).
الحرب الأهلية والأصابع الخفية تحركها:
(بدأت الحرب الأهلية في العاصمة مقديشو يوم 17/11/1991م واستمرت سبعة أشهر، وراح ضحيتها نصف مليون، ولم يستجب لصرخاتها الأمريكان أو غيرهم، وقبل مجيء القوات الأمريكية كانت الأوضاع قد تحسنت كثيراً، حيث توقف القصف المدفعي، وهطلت الأمطار غزيرة، وزرعت الأراضي بالمحاصيل التي كانت موشكة على الحصاد، وبدأت التجارة في النشاط، ورغم هذا عرض الأمريكان على المجتمع الدولي الصور التي التقطت في فترة الشهور السبع العصيبة (2) من نوفمبر 1991م إلى يونيو عام 1992م لتبرر التدخل في الصومال.
وقد جاء التدخل الأمريكي بهدف وقف المد الإسلامي وتعطيل مسيرة الصحوة الإسلامية التي انتشرت هناك في الآونة الأخيرة، والتي تمثل عائقاً أمام الهيئات التنصيرية، وتهدد مستقبل الشركات الأمريكية بل والتواجد الأمريكي كله في المنطقة.
لذلك فإن التدخل الأمريكي يعمل على مراقبة الصحوة الإسلامية ومحاولة إعاقتها والبطش بها بدليل أن (هيرمان كوهين) مساعد وزير الخارجية الأمريكي أوصى الكونجرس بضرورة احتلال الصومال لقطع الطريق على الحركات الإسلامية التي تهدد الحلقة الصومالية في سلسلة القرن الإفريقي هذا بالإضافة إلى حماية أمريكا للهيئات التنصيرية التي دخلت الصومال تحت ستار الإغاثة، والتي بلغت نحو مائة هيئة مسجلة وخمسين هيئة غير مسجلة. منها هيئات يهودية وليس هناك بجانب هذه الهيئات إغاثة إسلامية، إلا الهيئة التابعة لرابطة العالم الإسلامي، بالإضافة إلى الهيئات المحلية والعربية الصغيرة التي لا تتجاوز عشر هيئات(3))، ولكن بفضل الله كان لهذه القلة من الهيئات الإسلامية دورها وتأثيرها فقد قامت بكفالة الأيتام وبناء المساجد وحفر الآبار وكفالة الدعاة والمعلمين، وبناء مدارس التحفيظ في مختلف المناطق حتى في القرى والريف بالتعاون مع الدعاة القدماء وذوي الخبرة السابقة في الدعوة، وقدمت تلك الهيئات الإسلامية أنواعاً من الإغاثة من كسوة ومواد غذائية نظيفة وتمور وما إلى ذلك، عكس الهيئات الغربية وما زالت آثار تلك الهيئات إلى اليوم.
(وعن دور الأمريكان في محاربة الصحوة الإسلامية في الصومال قالت أيضاً مجلة (الخير) لسان حال الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية في عدد نوفمبر 1993م إن التدخل الأمريكي الذي جاء لحماية قوافل الإغاثة وإيصال المعونات إلى مستحقيها لم يقم بشيء من هذا، حيث إن القوات التي دخلت الصومال لم تصل إلا إلى 40% من المحافظات كما لم تساهم هذه القوات في تقديم أي مساعدات، ولم تَحْمِ أي قوافل إغاثية، باستثناء بعض القوات وكما ثبت أن القوات الأمريكية كانت تقوم بنهب كل ما يقع تحت يدها من أموال ومصاغ وغيره.
هذا بالإضافة إلى قيام القوات الأمريكية في مقديشو على سبيل المثال بهدم المباني العامة كمجمع الإذاعة والتلفزيون، ومحطات الإرسال، وجزء كبير من مستشفى (دكفير) وهو أكبر مستشفى في عموم الصومال، وبعض مباني الجامعة بحجة أن القوات الأمريكية عندما تتمركز في مكان ما تدمر ما حوله من مبان عالية عامة وخاصة لتوفير الأمن لأفرادها.
هذا بالإضافة إلى طرد السكان من منازلهم وهدمها، وقتل المئات في الغارات الوحشية التي يشنونها على الأحياء.
* ذكرت المجلة بعض الأدلة على نوايا أمريكا المعلنة في الصومال وما هي إلا ستار لأهداف أخرى غير معلنة يفضح بعضها الكتيب الذي وزعته القيادة الأمريكية على جنودها، ويتحدث بالتفصيل عن أماكن تواجد الحركة الإسلامية وكثافة أتباعها في طول البلاد وعرضها وما تقوم به الحركة من أعمال إغاثية ودعوية في أوساط الشعب، مع التنبه على خطورتها، وأنها العدوة الحقيقية للخطة الأمريكية في الصومال –وليس عيديد- (4).
وفي التقرير اليومي عن الحالة الأمنية هناك يلاحظ أن الضابط الأمريكي ينبه بصورة مستمرة إلى خطورة رجال الحركة الإسلامية لأنها –كما قال- تستطيع أن توجه الشعب برمته ضد قوات الأمم المتحدة، ويقول بوجوب مراقبة مراكز هذه الحركة وأيضاً مراقبة خطباء المساجد.
وممن فضح الأهداف الأمريكية في الصومال أيضاً مبعوث مجلس الأمن (محمد سحنون) الذي صرح لهيئة الإذاعة البريطانية بقوله: "كان المعروض أن القوات الأمريكية جاءت إلى الصومال لتحمي طرق التموين والغذاء للذين طحنتهم المجاعة، إلا أنها تحولت إلى الانشغال بالبحث عن (عيديد) وفي إحدى هذه العمليات قتل 36 جندي للأمم المتحدة كما قتل في نفس العملية العسكرية –الفاشلة- ستة آلاف صومالي".
وأيضاً قال ماسون مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشئون الإنسانية عن أسباب استقالته: "إن كل 9 دولارات تنفقها الهيئة الدولية على الأسلحة والعمليات العسكرية يقابلها دولار واحد ينفق على الأحوال المعيشية" (5).
وهكذا اتضح للشعب أن غزو أمريكا غزو ديني واقتصادي تحت ستار الإغاثة ومما يبين ذلك قيام الأمريكان بسرقة كميات هائلة من اليورانيوم الصومالي بمنطقة (بور) جنوب الصومال بعد أن أوهمت السكان بضرورة إزالة الجبل لتقيم حديقة مكانه.
وترجع أهمية اليورانيوم إلى أن العالم يتجه الآن إلى استخدام هذا الوقود النووي بدلاً عن البترول، وذكرت المصادر أن سرقة أمريكا قد بلغ أكثر من خمسة آلاف طن من أكسيد اليورانيوم.
لقد قامت أمريكا بخداع رؤساء الجهات القبلية بوعود فارغة في مؤتمر أديس أبابا الثاني حتى وافقوا على تعديل الدستور، حيث أصر (روبرت أوكلي) على حذف عبارة "الإسلام هو الدستور الوحيد في البلاد" ليكتب بدلاً منها "الإسلام أحد مصادر دستور البلاد".
كما طلبت أمريكا أن يكون ثلث أعضاء المجلس الانتقالي المكون من 75 عضواً من النسا، وتهدف أمريكا من كل هذا إلى تكوين حكومة علمانية موالية للغرب لقطع الطريق على الصحوة الإسلامية المتنامية).(6)
وبعد خروج الأمم المتحدة من البلاد وأمريكا وقعت حروب أهلية عنيفة في مقديشوا قتل فيها الجنرال محمد فارح عيديد وفور توقف تلك الحروب هجمت قوات إثيوبية بغارات جوية وأرضية على محافظة (غده) جنوب غرب الصومال حيث كانت مقراً لحركة الاتحاد الإسلامي فقصفت المدن الرئيسية بالمحافظة وقامت بهدم بعض المساجد وإهانة المصاحف واغتصاب النساء، ومع الأسف كان معهم مليشات أغرتهم بوعود كاذبة وبأموال من قبائل تلك المحافظة بقيادة (عمر حاج مصله) والذي كان سابقاً وزير الدفاع الصومالي في حكومة (زياد بري) وكان أكثر ضحايا هذا القصف شعب المنطقة الذي مات فيه المئات من السكان وهاجر الآلاف إلى المحافظات الأخرى المجاورة وإلى العاصمة مقديشو.
تأسيس المحاكم الإسلامية:
ثم رأى بعض العلماء ذوي الجاه في البلاد مثل الشيخ (محمد معلم) وجماعة من أولي الحل والعقد أنه لا يمكن الخروج من أزمة الحروب الأهلية، وإعادة الأمن والاستقرار للبلاد إلا بتحكيم شريعة الله، وبعد المشاورة اقتنع الناس في العاصمة والمحافظات الجنوبية بالتحاكم إلى شريعة الله، وفتحت أول محكمة في شمال مقديشو (كاران) وذلك في مطلع عام 1996م ثم تتابعت المحاكم حتى وصلت إلى المحافظات، ولكن ما زالت الأيدي العميلة تسعى لإفساد جهد المحاكم أو تضعيفها على الأقل، وحاربها بعض زعماء الحرب في العاصمة فلم تتمكن من الظهور القوي إلا بعد 1998م، حيث فتحت محاكم أخرى جديدة، بالإضافة إلى المحاكم القديمة في العاصمة، وللظروف القبلية التي يعيش فيها الشعب قامت المحاكم بتشكيل قبلي، بأن يكون القضاة في كل محكمة من نفس القبيلة وكذلك جنودها. وبدأت المحاكم تتعاون فيما بينها من مختلف القبائل والبطون لإعادة الأمن والاستقرار ونجحوا بتلك الخطة وتجاوزوا الحواجز القبلية نوعاً ما وإن كانت كل محكمة تتلقى دعمها وتمويلها من قبيلتها، ومن الأسواق التي تقع تحت حكمها وسيطرتها وإن كان فيها تجار من غير (القبيلة صاحبة المحكمة".
والناس مسرورون بدعمهم المحاكم لأمور منها: كون المحاكم تقر أمنهم وتضمن لهم حريتهم، ثانياً: وفاء للمواثيق والعهود التي عقدوها مع المحاكم ممثلون بمشايخ القبائل منهم، ثالثاً: احتساب بعضهم في ذلك الدعم لاعتقاده بوجوب تحكيم شرع الله وتأييده للقائمين على ذلك.
ما زالت المحاكم تمارس أعمالها وواجباتها في مختلف المجالات كالمجال الأمني، والقضائي وأيضاً الاعتناء بالجانب الأخلاقي حتى إن أكثر المحاكم عندها سجون خاصة بتربية الأولاد السيئي الخلق والمتمردين على والديهم، وقد أفادني أحد قضاة محكمة (حررياله) بمقديشو أن محكمتهم فيها مدرسة تربوية يؤدب فيها الأولاد، ومن بينهم الأولاد الذين عادوا من أمريكا وأوربا للتربية والتأديب الشرعي.
سبب هذه الحروب الأخيرة بين اتحاد المحاكمة الشرعية وبين التحالف:
إن سبب هذه الحروب هو التدخل الخارجي الذي ما زال يعاني منه شعب الصومال منذ القدم، فالتدخلات الأمريكية والإثيوبية والإسرائيلية على الصومال وقد استخدمت أمريكا في الآونة الأخيرة بعض أمراء الحرب في الصومال لاغتيال الدعاة والعلماء واختطافهم أحياء إن أمكن، وبالفعل نفذ بعض الزعماء ذلك المشروع سرياً من عام 2003م باغتيال بعض الشخصيات البارزة من الدعاة إلا أن السياسيين وذوي الخبرة العسكرية من المحاكم الشرعية انتبهوا لذلك فقطعوا السبيل على المفسدين من أمراء الحرب فلم يظفروا بالكثير من مآربهم فلما علم زعماء الحرب انتباه الدعاة وتحرزهم أسسوا ما أسموه بالتحالف –تحالف السلام لمكافحة الإرهاب- وقالوا بأن المحاكم الإسلامية كلها إرهاب، وتارة يقولون تحمي أجانب من القاعدة ظلماً وعدواناً، وأعلن بعضهم بأنهم يشتغلون مع "الشرطة العالمية "–الإنتربول.
فتشاور اتحاد المحاكم الشرعية في العاصمة مع الشعب ومشايخ القبائل في هذا الأمر الخطير الذي أعلنه كبار زعماء الحرب في العاصمة وخارجها. (7)
وورد في مقدمة لـ (مجلة البيان) حول أحداث مقديشو ما يلي:
لم يكن خافياً في يوم من الأيام أن زعماء الحرب الأهلية في الصومال خصوصاً أولئك في مقديشو لهم علاقات مشبوهة مع أجهزة استخبارية عالمية وإقليمية، وكانت أبرز تلك العلاقات المشبوهة ما أشار إليه تقرير مجموعة الأزمات الدولية (IC.G) ernational Crisis Group التي ذكرت بأن مقديشو يتصارع فيها أجهزة استخبارات إثيوبية وأوربية وأمريكية، وبلغت العلاقات المشبوهة ذروتها بعد المواجهات الدامية بين زعيم الحرب (بشير راجي سيرار) وبين التاجر المعروف (أبي بكر عمر عدان) رئيس مرفأ عيل معان الواقع قرب العاصمة مقديشوا من ناحية الشمال وقد تمكن (بشير راجي) من الاستيلاء على معاقل التاجر المذكور، وبعض السيارات المصفحة وما عليها من أسلحة وذخائر، وبما أن الرجلين ينتميان إلى عشيرة واحدة فقد حاول الأعيان تدارك الموقف واحتوائه واتصلوا بـ (بشير) وطلبوا منه أن يرد ما استولى عليه، إلا أنه رفض معللاً: بأن الأمور قد خرجت من يديه، لأنه قد أبلغ الأمريكيين بأن هذه السيارات وما عليها لخلية تابعة للقاعدة وعوضاً عن ذلك فإنه على استعداد تام لدفع قيمة السيارات، وكان رد (أبي بكر عمر بأنه ليس في حاجة إلى تعويض مالي، وأنه قادر على استرداد كل ما فقده بعينه، إلا أنه يود أن يعطي فرصة لأعيان العشيرة، وبعد أن باءت جهود العشائر بالفشل الذريع لإصرار (بشير) بأن الولايات المتحدة هي التي ترفض ذلك توجه مندوب من (أبي بكر عمر) إلى السفارة الأمريكية في جيبوتي للوقوف على حقيقة تلك المزاعم، والتقى بمسئولين أمريكيين في السفارة الذين طلبوا منه بدورهم التنازل عن الأسلحة والسيارات لصالحها واعتبارها في حوزة أمريكا، ورفض المندوب ذلك قائلاً: بأن سياراته في يد (بشير) ولا يزال قادراً على استردادها وليست في يد أمريكا كما تزعمون، وعلى العموم رجع المندوب إلى مقديشو وقد تأكد لديه ضلوع السفارة الأمريكية في الحرب.
وفي 18/2/2006م أعلنت مجموعة من زعماء الحرب تتكون من تسعة عناصر عن تأسيس تحالف سموه بـ (تحالف محاربة الإرهاب وإعادة الأمن).. وأشار الإعلان إلى أن هذا التحالف كان قد بدأ معاركه حتى قبل تأسيسه وأن المواجهات التي حدثت بين (بشير راجي شيرار) عضو التحالف وبين (أبي بكر عمر عدان) كانت الشرارة الأولى للحرب، وفي اليوم نفسة شن التحالف حرباً على المحاكم الإسلامية، وهاجم معاقلها في الأجزاء الغربية من ا لعاصمة، وكان الصدام مروعاً وشديد الوطأة أسفر بعد حرب دامت أربعة أيام عن هزيمة ثقيلة للتحالف وانتصار كبير لقوات المحاكم الإسلامية، ولعل أبرز ما أدى إليه يتمثل في الآتي:
1- إغلاق مطار داينيلي التابع لـ (محمد قنبري أفرح) زعيم الحرب البارز ووزير الأمن الوطني والركن الركين للتحالف.
2- تشديد الخناق على مقره.
3- سيطرة المحاكم الإسلامية على معظم الطرق الرئيسية في مقديشو.
4- بروز الولاء الذي يكنه أهل العاصمة للمحاكم الإسلامية حيث تطوع الآلاف من أجل الدفاع عنها.
وكما هي عادة الحروب في البلاد فإن العشائر حاولت إخماد نار الحرب، وأعلن اتحاد المحاكم ترحيبه بأي مبادرة تؤدي إلى حقن الدماء بشرط أن يمتنع قادة التحالف عن محاولاتهم الفاضحة من قتل وتسليم قادة المحاكم الإسلامية وعلماء الإسلام في البلد إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
وعلى الرغم من السعي الحثيث من قبل زعماء العشائر نحو الصلح إلا أن جهودهم كلها باءت بالفشل، بسبب تعنت قادة التحالف الذين رفضوا مقترحات الحل وضربوا بها عرض الحائط... (
فأصدر مشائخ قبائل العاصمة ونواحيها تحذيراً لزعماء الحرب وأفصحوا بأن المحاكم الشرعية ليست إرهاباً ولا يضم أي عضو من القاعدة وأنها أسست من قبل مشايخ القبائل والعلماء، لصالح الأمة ولإعادة الأمن والاستقرار بعد أن أنهكتهم الحروب الأهلية وعمت الفوضى وفسدت الأخلاق(9) أسست هذه المحاكم لصالحنا –الشعب- وباختيارنا ورغبتنا ولا دخل لأي احد فيها، ونوجه للتحالف أن يتنازلوا عما أعلنوا عنهم قريباً من وصفهم الأمة بالإرهاب فهذا أمر خطير ومحاربة للدين فإن لم يتنازلوا ولم يتوبوا من هذه الجريمة فلسنا المسئولين مما سينتج عن ذلك(10) من عواقب وخيمة.
ولم يصدر من زعماء الحرب ما يشير إلى تراجعهم عما أعلنوه من محاربة المحاكم باسم محاربة الإرهاب، بل شنوا حرباً على المحاكم، وقامت المحاكم الشرعية بالدفاع عن نفسها تجاه هذا العدوان والظلم الصريح، وعندها وجد اتحاد المحاكم التأييد من الشعب وقاموا معه بالنفس والمال حماية لدينهم وأموالهم وأنفسهم، وما يدل على ذلك مجيء زعماء العشائر المقربون لـ (محمد قنيري) وتعهدوا بأنهم سيمارسون الضغط عليه، حتى لا يطلق ناراً تجاه قوات المحاكم، ووافقت المحاكم الإسلامية على ذلك، وحينما وصلت الأمور إلى طريق مسدود تشاور وجهاء العاصمة من مشائخ القبائل وزعماء العشائر والتجار ومؤسسات المجتمع المدني، وبعد لقاءات مطولة توصلوا إلى قرارين:
1- الاعتبار بأن هذه الحرب حرب بالوكالة، حيث إن الأموال الأمريكية هي السند الوحيد لزعماء الحرب لمواصلة حربهم.
2- تشكيل وفد رفيع من هذه الشرائح يتوجه إلى جيبوتي لعقد لقاء مع قائد القوات الأمريكية المتمركزة في جيبوتي.
وبناء على ذلك تم تشكيل هذا الوفد من ممثلي شركات الاتصالات، وشركات تحويل الأموال*، والمشائخ، وزعماء العشائر ومؤسسات المجتمع المدني، والتقوا بمسئولين أمريكيين ونقلوا إليهم تصور أهل مقديشو للأحداث الأخيرة وكانت كالتالي:
1- إننا نعتقد أنكم المشعلون هذه الحرب علينا بالوكالة.
2- إننا نطالبكم أن توقفوها، وتدفعوا تعويضاً عن الخسائر التي نتجت عنها.
3- إننا لا نعادي أمريكا، ولا نريد أن تتضرر مصالحنا في ذلك.
4- إن الجهة الوحيدة القادرة على ضبط الأمور في العاصمة هم الوجهاء، وليس زعماء الحرب المكروهين من قبل الشعب.
وقد أنكر الجانب الأمريكي هذه الحقائق كلها، وقالوا: إن الصومال لا تقع ضمن نطاق عملهم، ولا علاقة لهم بزعماء الحرب، ثم أردفوا بسؤالين هما: ما موقفكم من الحكومة الصومالية الانتقالية؟ وما الذي نستطيع أن نساعدكم عليه؟، وكان الرد بأن: الحكومة حكومة صومالية ونحن نؤيدها، وأن أفضل مساعدة يمكنكم أن تقدموها لنا هي تأييد حكومتنا، وتمكينها من بسط سيطرتها على ربوع البلاد حتى تتمكن من إعادة الأمن والاستقرار وقمع كل الخارجين على المجتمع.
والخلاصة: أن هذا اللقاء كان لتوضيح المواقف، وإن لم يؤد إلى نتائج ذات قيمة، وبعدها بأسابيع اندلع القتال بين المحاكم الإسلامية والتحالف في الضاحية الشمالية من العاصمة، وبعد مواجهات عنيفة ولمدة خمسة أيام مني التحالف بهزيمة نكراء لا تقارن بالسابق سواء من حيث الإصابات والعتاد والمواقع التي فقدها، وكان أبرز نتائجها:
1- إغلاق مطار زعيم الحرب (بشير راجي شيرار).
2- طرد التحالف من المواقع التي استولى عليها في المواجهة السابقة مع رجل الأعمال (أبي بكر عمر عدان).
3- تكبد التحالف خسائر في الأرواح غير مسبوقة، إلا أن هذه المواجهات حصدت من أرواح الأبرياء أعداد كثيرة بلغت المئات. هذا وقد اتضح للتحالف أن الموجهات التي تقع في المناطق المكشوفة ليست لصالحهم، وبالتالي اتخذوا استراتيجية مفادها القتال وسط المدنيين، اعتقاداً منهم بأن ضراوة الحرب ستؤدي إلى نفور الناس من المحاكم الإسلامية، ولكن خاب ظنهم إذ أن هذه المعارك ما زادت الناس إلى التفافاً حول المحاكم مما مكن المحاكم من بسط سيطرتها على معظم العاصمة (حوالي 80%)..
فهذا هو الواقع الصحيح(11) في حروب (مقديشو) وأما ما تروجه وكالات الأنباء الغربية أو المتأثرة بالغرب فأكثره غير صحيح.
ولنضرب لذلك مثلاً فقد كتبت مجلة (نيوزويك) في عددها الصادر بتاريخ 13/6/2006م تحت عنوان: "المعارك في الصومال تستعر بالقرب من موقع سقوط البلاك هوك(12)، وتعمل يد أمريكية في الخفاء مع أمراء الحرب" بقلم مايكل هيرش وجيفير بارثوليت:
مقديشو مكان يفضل معظم الأمريكيين أن ينسوه، فخلال التسعينات من القرن الماضي كانت محنة "سقوط البلاك هوك" رمزاً لمخاطر الخوض في بقاع نائية لا نفهمها. فالمشاهد التلفزيونية لجندي أمريكي يجره الصوماليون المنتشون على الأرض وهو نصف عار –كان واحداً من 18 جندياً من قوات الاستطلاع بالجيش الأمريكي قتلوا في محاولة خرقاء للإمساك بأحد أمراء الحرب- أصبحت رمزاً للضعف الأمريكي لكن يبدو أن مقديشو لن تنسى. فالعنف يتفجر من جديد في الصومال ودون سابق إنذار يجد الأمريكيون أنفسهم مرة أخرى وسط معارك لا يفهمون عنها الكثير وربما يخسرونها.
في الشهر الماضي وللمرة الأولى منذ التسعينات من القرن الماضي غرق جزء كبير من مقديشو في معارك دامية بالنيران. وكانت مليشيات جهادية تابعة لما يسمى اتحاد المحاكم الإسلامية تحقق انتصارات بكل المقاييس على تحالف أمراء الحرب العلمانيين الذين تلقوا دعماً أمريكياً. يقول المراقبون إن الاتحاد كان يكسب المزيد من الأتباع بوصم أعدائه بأنهم عملاء لواشنطن خاصة منذ أن شكل أمراء الحرب من أصدقاء أمريكا جماعة تسمى التحالف من أجل إعادة السلام ومكافحة الإرهاب خلال الشتاء الماضي.
وأما تجدد القتال داخل الصومال –وهي دولة في القرن الإفريقي يغيب فيها القانون ليس بها حكومة مركزية- وطوال سنوات عديدة ظل أمراء الحرب الصوماليون والزعماء الثلاثة المعادون للإسلاميين يتلقون أموالاً من أمريكا وبعض التجهيزات للمساعدة على العمليات الاستخباراتية وذلك في العديد من المصادر غير الرسمية من بينها (جون بريندر جاست) من مجموعة الأمن الدولية، ولم يشأ أي من المسئولين الحكوميين الأمريكيين الذين سألتهم نيوزويك تأكيد أو نفي وجود هذا البرنامج، يقول فيلب جيرالدي المسئول السابق في مكافحة الإرهاب بوكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) الذي ما زال يتواصل مع زملائه السابقين: إن الكثير من الأموال يتم توزيعها من خلال فريق عمل مشترك يتألف من 1800رجل مقره جيبوتي في القرن الإفريقي، تقارير أخرى تشير إلى وكالة الاستخبارات المركزية وقد طلب من أمراء الحرب –محمد ضيرى وبشير راغي ومحمد قانياري- جمع معلومات عن المتطرفين الإسلاميين الذين لهم علاقة بتنظيم القاعدة وفي إحدى الحالات تمكن رجال طيري من الإمساك بأحد أعضاء خلايا القاعدة(13) في شرق إفريقيا وسلموه.
وأثارت هذه السياسة انشقاقاً داخل كل من وكالة الاستخبارات المركزية ووزارة الخارجية الأمريكية وكذلك في أوروبا، إذ يخشى بعض المسئولين من أن الولايات ربما تخلق من غير قصد ملاذاً جديداً للجهاديين في الصومال من خلال استثارة رد فعل مضاد ضد الأمريكيين، فقد كان الإسلاميون يمثلون جزءاً صغيراً من السكان قبل بداية البرنامج الأمريكي.
تقول ماريكافالن –السفيرة السويدية والمبعوثة الخاصة للقرن الإفريقي-: "لا نعرف الأساس المنطقي للتدخل الأمريكي ولا نطاقه، فما نراه هو العواقب. فالقتال يزداد تعقيداً. وقد تحولت جماعات [إسلامية] معينة إلى مقاتلين بعد أن كانت بعيدة عن القتال من قبل".
أما جيرالدي فكان أكثر صراحة يقول: "إننا نثير فوضى جديدة. كل شيء تفعله هذه الإدارة هو تكتيكي وكل همها: الإمساك بشخص. لا أرى أن أي شخص قد فكر في القضية الاستراتيجية المتمثلة في فقدان التأييد".
كما أن واشنطن تنفق المال على مشروعات كسب قلوب وعقول الناس في القرن الإفريقي من بناء المدارس إلى تقديم خدمات صحية ورعاية إنسانية مجانية في بعض الأماكن. لكن من المستحيل للغربيين أن ينفذوا هذه البرامج في الصومال التي ينعدم فيها القانون، والسؤال هل يكسب الإسلاميون قلوب وعقول الصوماليين بشكل أسرع. (وفي اتصال هاتفي للولايات المتحدة نفى قنياري أحد أمراء الحرب الموالين للولايات المتحدة تلقيه أموالاً أمريكية لكنه قال إنه على اتصال "بعملاء أمريكيين، وأنه يشعر بقلق شديد حيال هجمات الإسلاميين. وقال قنياري: إنهم يريدون إقامة حكومة خاصة بهم على شاكلة طالبان. يشعرون بأنهم أقوياء وبأن هذا هو الوقت المناسب لكي يفعلوا شيئا.. إنهم يقومون بتجنيد الأفراد في تنظيم القاعدة، فهم ينظمون في المدارس والتعليم والخدمات. وهم يجمعون أموالاً كثيرة من الناس".
والاستراتيجية الأمريكية لدعم أمراء الحرب هي جزء من سلسلة من العمليات السرية حول العالم التي يتم تنفيذها بقليل من المساءلة في الوطن. ويدير حرب الظل الواسعة النطاق هذه وكالةُ الاستخبارات المركزية.
(1) تاريخ الإسلام لمحمود شاكر.
(2) لأن الهدف هو تمزيق الصومال وقد تحقق ذلك على يد الأمريكان.
(3) جريدة الشعب في 19/7/1993م ومجلة الدعوة لسان حال الإخوان في 29/7/1993م.
المجتمع الإسلامي المعاصر في إفريقيا الدكتور جمال عبد الهادي محمد مسعود. الأستاذ علي لبن.
(4) لذلك ما زال الأمريكان يقولون حاربنا الإرهاب في الصومال، والهزائم التي بلغتهم ينسبونها إلى الحركة الجهادية في الصومال سيما العمليات العسكرية الليلية ضد المواقع الأمريكية.
(5) تقرير صحفي في أغسطس 1994م.
(6) المجتمع الإسلامي المعاصر (ب) إفريقيا ص (106).
(7) وكان عدد زعماء الحرب أحد عشر زعيماً منهم أربعة وزراء من الحكومة الانتقالية:
محمد قنبره أفراح (وزير الأمن القومي)، موسى سودي يلحو (وزير التجارة)، عمر فنسن (وزير الأوقاف)، عبد حسن عواله قيب دله (عضو في التحالف)، بشير راعه (عضو في التحالف)، عبده نوره أحمد (عضو في التحالف)، بوتان عيسى عالن (وزير نزع السلاح وتأهيل المليشيات)، محمد طبره (عضو في التحالف)، عبدوال (عضو في التحالف)، عيسى عثمان (عضو في التحالف)، برى هيرالي (عضو في التحالف).
( البيان صـ (70-73) العدد 226 جمادي الآخرة 1427هـ يوليو 2006م.
(9) من أعمال المحاكم محاربة المخدرات والخمور والأفلام الخليعة، والتبرج وكل الأخلاقيات الفاسدة المستوردة حفاظاً على الدين والعرف الإسلامي.
(10) هذا ما أعلنته إذاعة (هون أمريك) بمقديشو بداية التحالف.
* الحوالات المالية سواء في داخل البلاد أو خارجها، وأكثر هذه الشركات تابعة لمغتربين صوماليين.
(11) وفي مقال ذكرته مجلة (البيان) ما يلخص الموضوع وتفاصيله وهو كما يلي: وكانت مقترحات الحل كالتالي:
1- حل التحالف الذي لم يود إلا إراقة الدماء، 2- الموافقعة على المصالحة مع المحاكم الإسلامية، 3- إعلان وقف إطلاق النار مشافهة عبر الإذاعات أو الكتابة في الصحف، وكل هذه المقترحات رفضها التحالف قائلاً: إنه لا يمكن حل هذا التحالف أو نقضه بحجة أنه اتفاق مع الولايات المتحدة، كما أنهم لا يستطيعون إعلان الصلح مع من سموهم بـ (الإرهابيين)، وإن إعلان وقف إطلاق النار لا يمكن لأنه يتناقض مع أهداف التحالف، وبطبيعة الحال فإن الحروب توقفت بعد أن عجز التحالف عن الاستمرار فيها.
(12) البلاك هوك: هو الفيلم الذي مثل بالحروب الأمريكية مع الصومال عام 1993م.
(13) زعماء الحرب بشكل عام قد قاموا بعمليات اغتيالية للأجانب سواء من العرب أو من غيرهم فكل من ظفروا به ورأو عليه مظهراً إسلامياً سلموه لأمريكا وإلى إثيوبيا إذا كان من الأروميين أو حتى من صومال الغرب فقد قتلوا عالماً من علماء الأروميين في العاصمة (الشيخ أحمد سعيد) ومرة أمسكوا برجل يمني تاجر يعيش في الصومال بعد أن جرحوه وسلموه لأمريكا زاعمين أنه من تنظيم القاعدة وبعد ما حققت معه أمريكا أطلقت سراحة لأنه لم يكن إلا شخصاً يعيش في الصومال لا صلة له بالقاعدة نهائياً، والأمريكان يعلمون بكذب أصدقائهم من زعماء الحرب، قال أحدهم: "يعتقدون أن علينا أن نأخذ نفساً عميقاً وأن نستريح، نحن نغدق المال لكل من قال إنه يحارب الإرهاب" وقد تبين بالفعل أن بعض المشتبه بهم الذين اعتقلوا في السنوات الأخيرة من قبل قادة المليشيات الصديقة ليسوا سوى أشخاص هائمين على وجوههم، ففي إحدى الحالات اختطف عراقي تعيس الحظ من مقهى للانترنت في مقديشو وخضع لتحقيقات استمرت شهراً ثم أطلق سراحه. يقول مسئولون أمريكيون إنهم في موقف حرج: فإما أن يتركوا الصومال يتحول إلى ملاذ للإرهاب أو يحاولون إقامة علاقات مع المليشيات الصديقة حتى ولو كانت غير جديرة بالثقة، نقلاً من (نيوزويك) في العدد الصادر بتاريخ 13/6/2006م.
جميع الحقوق محفوظة لموقع مركز الجزيرة العربية للدراسات والبحوث 1429 هـ
تصميم وتطوير راية للدعاية والإعلان
قبل أن نتحدث عن المحاكم يجدر بنا أن نذكر نبذة عن أحوال الصومال قبل المحاكم الشرعية:
اعتنق أهل الصومال الإسلام في وقت مبكر نتيجة الصلة الوثيقة بين جزيرة العرب والصومال، وارتبط هذا الإقليم بالدولة الإسلامية في مراحلها كافة.. وعندما ضعف أمر الدولة الإسلامية وخف سلطانها عن الأقاليم البعيدة نشأت إمارات محلية يحكمها شيوخ القبائل، وزعماء لا يتجاوز سلطانهم المدن الكبرى وما يجاورها.
ووقع صراع بين الإمارات الإسلامية وبين دولة الحبشة النصرانية، ولم تعمل تلك الإمارات على وحدتها، ولا وحدت جهودها لمقاومة التسلط النصراني على بعض الإمارات التي احتلها، وعلى المسلمين الذين يعيشون في أرض الحبشة، مما جعل الصراع يطول أمده.
ووصل المستعمرون الصليبيون من البرتغاليين إلى أقصى جنوبي القارة الإفريقية والتفوا حولها عام 903هـ (1497م) وتوجهوا إلى سواحل إفريقية الشرقية، وسيطروا على الإمارات والمدن الإسلامية هناك، وأسرع ملك الحبشة يعرض على البرتغاليين التحالف معهم لقتال المسلمين.
وجاء العثمانيون إلى المنطقة ليقفوا في وجه المد الصليبي وحلوا محل المماليك بعد دخول القاهرة عام 923هـ (1517م)، ودانت لهم بلاد الصومال وشرقي إفريقيا، وأنشأوا أسطولاً في البحر الأحمر، وجعلوا قاعدته مدينة (زيلع)، وتبين لهم خطر الاتفاق بين البرتغاليين والأحباش فاتفقوا مع سلطان إمارة (عدل) الإسلامية أحمد إبراهيم وقدموا له المساعدات العسكرية فقام بالهجوم على الأحباش غير أنه هُزم وقتل قائده (محفوظ) حاكم زيلع، فانطلق السلطان بنفسه أمام الجيش وأعد الهجوم وانتصر بإذن الله، واسترجع كل ما فقده في جولته الأولى، واحتل عام 935هـ (1529م) قسماً من الحبشة. (1)
استنجد إمبراطور الحبشة (دنجل) بأوربا، وعرض أن تكون الكنيسة الحبشية مرتبطة بروما مع الاحتفاظ بالمذهب الأرثوذكسي.
ونزل البرتغاليون فجأة في مدينة (مصوع) عام 948هـ (1541م) غير أنهم هُزموا شر هزيمة وأبيد معظمهم، والتحقت فلول الفارين من المعركة بالأحباش الذين كانوا يقاتلون سلطان إمارة عدل في أعالي بلاد الحبشة قرب بحيرة (تانا) وقد انتصروا هناك وقتل السلطان أحمد إبراهيم.
وقامت سلطنة (هرر) في الجنوب تحمل على عاتقها نشر الإسلام ومحاربة نصارى الأحباش ولكنها لم تستطع توحيد السلطنات الإسلامية في دولة واحدة، وبعدما أخذت الدولة العثمانية بالضعف أصبح واليها على مصر (محمد علي) صاحب النفوذ مكانها في بلاد الصومال، وأخذت مصر تحكم تلك الأجزاء باسم الدولة العثمانية.
بدأ الصراع والاستعمار يدخل المنطقة واحتلت بريطانيا (عدن) عام 1255هـ (1839م) ودخلت فرنسا باب المنافسة وأرسلت عدة حملات استطلاعية لسواحل البحر الأحمر، إذ الحكم المصري ضعيف.. وعملت فرنسا على احتلال (زيلع) و(مصوع) وكانت نتيجة الحملات الاستطلاعية التي أرسلتها فرنسا إلى المنطقة أنها رأت أن المناطق الصومالية هي أحسن المناطق صلاحية لفرنسا.
وكان الحاكم المصري لبلاد الصومال يقيم في (هرر) التي تعد مركز الإقليم وتتبعها ثلاث محافظات هي (تاجورا) وهي أراضي (وبوك) وعقدت فرنسا معاهدة مع سلطان (تاجورا) –وهي اليوم تسمى جيبوتي- أحمد محمد في ذي القعدة 1301هـ (أيلول 1884م) رغم أن القوات المصرية لم تزل فيها.. وبعد احتلال بريطانيا لمصر إثر الحركة العربية دخلت بريطانيا الصومال وأخيراً قرر العميد البريطاني (هنتر) إخلاء الحاميات المصرية من زيلع في 10 محرم 1302هـ (29 تشرين الأول 1884م) على إنهاء الخلافات بينهما في هذه المناطق.
وفي العام نفسه اتفقت بريطانيا وفرنسا على إنهاء الخلاف في هذه المناطق واقتسام النفوذ في سلطنة زنجبار ومنطقة شمالي الصومال، وشاركتهما في الاقتسام كل من ألمانيا وإيطاليا، أخذت بريطانيا القسم الأوسط من شرقي إفريقيا (ساحل كينيا) وساحل الصومال على خليج عدن (الصومال الإنكليزي).
وأخذت ألمانيا الساحل الجنوبي من شرقي إفريقية (تانجا نيقيا).
وأخذت إيطاليا الساحل الشمالي من شرقي إفريقية (الصومال الإيطالي) واعترفت الدول الأخرى لها باحتلالها منطقة إرتيريا.
* الصومال بعد الاحتلال:
وقد بدأت حركة المقاومة الصومالية ضد الاستعمار البرتغالي عام 934هـ 1528م بواسطة سلطان (ممبسه) وفي عام 1264هـ 1741م اشتدت المقاومة حيث أرسل إليهم الإمام سيف بن سلطان أسطولاً بحرياً استطاع أن يطرد البرتغاليين من (ممبسه) وفي أوائل القرن الـ19 كانت عمان قد بسطت نفوذها على الساحل الشرقي لإفريقيا من مقديشو شمالاً حتى نهر روفوما جنوباً.. ولم يبق للبرتغاليين في هذا شيء.
وفي عام 1253هـ 1837م استطاع السيد سعيد بن سلطان أن يخضع (ممبسة) لسلطانه، وبذلك انتشر النفوذ العماني في كل ساحل إفريقيا الشرقي.
وفي عام 1317هـ 1899م ظهر محمد بن عبد الله حسن الشهير بالملا –الشيخ- ونادى بالجهاد المقدس، ونجح في السيطرة على داخل البلاد لمدة عشرين عاماً، مما أقض مضاجع البريطانيين الذين اضطروا إلى إخلاء الأقاليم الداخلية من عام 1318هـ إلى عام 1322هـ أي من عام 1900 إلى عام 1904م، وظل "الملا" شوكة في حلق بريطانيا حتى عام 1338هـ 1920م، وقد استطاع المجاهدون معه أن يوقعوا بالإنجليز هزائم متتالية في حوالي أربعين موقعة، وكان الإنجليز يطلقون على القائد محمد عبد الله حسن لقب "الشيخ المجنون" وعلى أنصاره "الدراويش" كيداً له وتشويهاً لسمعته وإيقاعاً بينه وبين شعبه الصومالي، وبعد موت الشيخ محمد عبد الله حسن استمر الجهاد ما يقرب من أربعين سنة، حيث قام الصوماليون بتشكيل جمعيات سرية في الثلاثينات أما في عام 1943م فقد برز في مقديشو حزب سياسي باسم "رابطة وحدة الشباب" ينادي بتحرير الصومال جزءً من الوطن العربي والوطن الإسلامي الكبير ووضع برنامجاً كبيراً لإلحاق مئات الدارسين الصوماليين بالمدارس المصرية، وفي أعوام 1948-1955م سلمت بريطانيا إلى الحبشة غدراً أقاليم "أوجادين" وهي المنطقة المحجوزة وفق اتفاقيات سرية بينهما مما أدى إلى سقوط أعداد كبيرة دفاعاً عن مطالبهم القومية.
وقد قام الاستعمار بتقسيم الصومال إلى خمس دول هي: إنجلترا وفرنسا وإيطاليا والحبشة وكينيا، فقبل أن تجلوا انجلترا سلمت إقليم "أوجادين" الصومالي إلى الحبشة ومساحته 310.800كم2 وعدد سكانه حوالي المليون مسلم.
هذا بالإضافة إلى الصومال الفرنسي والبريطاني والإيطالي. وفي عام 1379هـ 1960م استقل الصومال البريطاني وتلاه الصومال الإيطالي، ثم اتحد الاثنان في جمهورية واحدة عام 1380هـ 1961م. أما إقليم "أوجادين" فقد بقي تحت سيطرة الحبشة وبالمثل الأراضي التي تحتلها كينيا فقد بقيت تحت سيطرتها.
وفي عام 1971م قامت السلطات الصومالية بإلغاء الأحرف العربية وفرض الأحرف اللاتينية في الكتابة (لعزل الصوماليين عن القرآن الكريم وعلوم الإسلام وعن العالم العربي الإسلامي كما حدث في تركيا).
سقوط زياد بري وفشل نظامه العلماني:
أدى هذا الإجراء والإجراءات الأخرى التي مارسها زياد بري كفرض قوانين تتعارض مع الشريعة الإسلامية –وكقانون مساواة المرأة للرجل في جميع الأمور حتى في الإرث والدية وكذلك قانون الأسرة، والذي يقول: أن الرجل لا يجوز أن يتزوج أكثر من واحدة، ولكن ليكثر من الصديقات إلى ازدياد موجات الغضب إن شاء فعارض كثير من العلماء الكبار هذه القوانين ونصحوا الحكومة وطالبوا بإلغاء القوانين المصادمة للشريعة الإسلامية وقام بعض الشعب مع العلماء ووزعوا خطبة واحدة على جميع مساجد العاصمة تردُ وتوضح بطلان تلك القوانين فأصدرت الحكومة أحكاماً بإعدام الدعاة المعارضين، وتم تنفيذ هذه الأحكام بصورة فورية وعلنية، كما تم إحراق بعض هؤلاء الدعاة في الميادين العامة بهدف إرهاب كل من يفكر في معارضة السلطات القائمة ذات الاتجاه العلماني، وبعد سقوط (زياد بري) وهروبه أخذ الشعب الصومالي المسلم يعلن تخليه عن الوجه القبيح للصومال اللاتيني اللاديني الذي فرضه (زياد بري) مدة تزيد على 22 عاماً.
(وقد عانى الشعب الصومالي بعد ذلك من الحروب الأهلية، واشتدت المعاناة في العاصمة مقديشو، حيث أصبحت العصابات المسلحة ذات نفوذ يفوق نفوذ القوى السياسية المتصارعة على السلطة، وبخاصة القوتان الرئيسيتان (قوة على مهدي وقوة الجنرال عيديد) برغم انتمائهما إلى قبيلة واحدة وحزب واحد، وقد أدت المعارك بينهما إلى تهجير ما يقارب المليون ونصف من سكان العاصمة فقد استقلت الأقاليم بإدارة شئونها والأسباب المباشرة للصراع ترجع إلى التعصب القبلي، وشيوع الجهل، وفوضى المفاهيم الشيوعية التي سادت تحت سلطة الديكتاتور (زياد بري) لمدة تزيد على عشرين سنة متواصلة، تخرجت فيها أجيال لا تعرف شيئاً عن الإسلام وقيمه وأخلاقه.
هذا بالإضافة إلى وجود قوى صهيونية وصليبية تعمل من خلف الستار، بدليل أن بنادق (العوزي) الإسرائيلية تنتشر في أيدي الفريقين، ويوجد أفراد غربيون يعملون ضمن قيادات القوات المتقاتلة، كما يوجد بعض القيادات من المعروفين بعمالتهم للغرب، ومن المتحمسين لقيام علاقات مع إسرائيل، ولقد وجدت وثائق في السفارة الأمريكية بمقديشو تتناول توزيع القبائل في الصومال، وأماكن تواجدها، وكأنه تخطيط مسبق لإثارة الفتنة).
الحرب الأهلية والأصابع الخفية تحركها:
(بدأت الحرب الأهلية في العاصمة مقديشو يوم 17/11/1991م واستمرت سبعة أشهر، وراح ضحيتها نصف مليون، ولم يستجب لصرخاتها الأمريكان أو غيرهم، وقبل مجيء القوات الأمريكية كانت الأوضاع قد تحسنت كثيراً، حيث توقف القصف المدفعي، وهطلت الأمطار غزيرة، وزرعت الأراضي بالمحاصيل التي كانت موشكة على الحصاد، وبدأت التجارة في النشاط، ورغم هذا عرض الأمريكان على المجتمع الدولي الصور التي التقطت في فترة الشهور السبع العصيبة (2) من نوفمبر 1991م إلى يونيو عام 1992م لتبرر التدخل في الصومال.
وقد جاء التدخل الأمريكي بهدف وقف المد الإسلامي وتعطيل مسيرة الصحوة الإسلامية التي انتشرت هناك في الآونة الأخيرة، والتي تمثل عائقاً أمام الهيئات التنصيرية، وتهدد مستقبل الشركات الأمريكية بل والتواجد الأمريكي كله في المنطقة.
لذلك فإن التدخل الأمريكي يعمل على مراقبة الصحوة الإسلامية ومحاولة إعاقتها والبطش بها بدليل أن (هيرمان كوهين) مساعد وزير الخارجية الأمريكي أوصى الكونجرس بضرورة احتلال الصومال لقطع الطريق على الحركات الإسلامية التي تهدد الحلقة الصومالية في سلسلة القرن الإفريقي هذا بالإضافة إلى حماية أمريكا للهيئات التنصيرية التي دخلت الصومال تحت ستار الإغاثة، والتي بلغت نحو مائة هيئة مسجلة وخمسين هيئة غير مسجلة. منها هيئات يهودية وليس هناك بجانب هذه الهيئات إغاثة إسلامية، إلا الهيئة التابعة لرابطة العالم الإسلامي، بالإضافة إلى الهيئات المحلية والعربية الصغيرة التي لا تتجاوز عشر هيئات(3))، ولكن بفضل الله كان لهذه القلة من الهيئات الإسلامية دورها وتأثيرها فقد قامت بكفالة الأيتام وبناء المساجد وحفر الآبار وكفالة الدعاة والمعلمين، وبناء مدارس التحفيظ في مختلف المناطق حتى في القرى والريف بالتعاون مع الدعاة القدماء وذوي الخبرة السابقة في الدعوة، وقدمت تلك الهيئات الإسلامية أنواعاً من الإغاثة من كسوة ومواد غذائية نظيفة وتمور وما إلى ذلك، عكس الهيئات الغربية وما زالت آثار تلك الهيئات إلى اليوم.
(وعن دور الأمريكان في محاربة الصحوة الإسلامية في الصومال قالت أيضاً مجلة (الخير) لسان حال الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية في عدد نوفمبر 1993م إن التدخل الأمريكي الذي جاء لحماية قوافل الإغاثة وإيصال المعونات إلى مستحقيها لم يقم بشيء من هذا، حيث إن القوات التي دخلت الصومال لم تصل إلا إلى 40% من المحافظات كما لم تساهم هذه القوات في تقديم أي مساعدات، ولم تَحْمِ أي قوافل إغاثية، باستثناء بعض القوات وكما ثبت أن القوات الأمريكية كانت تقوم بنهب كل ما يقع تحت يدها من أموال ومصاغ وغيره.
هذا بالإضافة إلى قيام القوات الأمريكية في مقديشو على سبيل المثال بهدم المباني العامة كمجمع الإذاعة والتلفزيون، ومحطات الإرسال، وجزء كبير من مستشفى (دكفير) وهو أكبر مستشفى في عموم الصومال، وبعض مباني الجامعة بحجة أن القوات الأمريكية عندما تتمركز في مكان ما تدمر ما حوله من مبان عالية عامة وخاصة لتوفير الأمن لأفرادها.
هذا بالإضافة إلى طرد السكان من منازلهم وهدمها، وقتل المئات في الغارات الوحشية التي يشنونها على الأحياء.
* ذكرت المجلة بعض الأدلة على نوايا أمريكا المعلنة في الصومال وما هي إلا ستار لأهداف أخرى غير معلنة يفضح بعضها الكتيب الذي وزعته القيادة الأمريكية على جنودها، ويتحدث بالتفصيل عن أماكن تواجد الحركة الإسلامية وكثافة أتباعها في طول البلاد وعرضها وما تقوم به الحركة من أعمال إغاثية ودعوية في أوساط الشعب، مع التنبه على خطورتها، وأنها العدوة الحقيقية للخطة الأمريكية في الصومال –وليس عيديد- (4).
وفي التقرير اليومي عن الحالة الأمنية هناك يلاحظ أن الضابط الأمريكي ينبه بصورة مستمرة إلى خطورة رجال الحركة الإسلامية لأنها –كما قال- تستطيع أن توجه الشعب برمته ضد قوات الأمم المتحدة، ويقول بوجوب مراقبة مراكز هذه الحركة وأيضاً مراقبة خطباء المساجد.
وممن فضح الأهداف الأمريكية في الصومال أيضاً مبعوث مجلس الأمن (محمد سحنون) الذي صرح لهيئة الإذاعة البريطانية بقوله: "كان المعروض أن القوات الأمريكية جاءت إلى الصومال لتحمي طرق التموين والغذاء للذين طحنتهم المجاعة، إلا أنها تحولت إلى الانشغال بالبحث عن (عيديد) وفي إحدى هذه العمليات قتل 36 جندي للأمم المتحدة كما قتل في نفس العملية العسكرية –الفاشلة- ستة آلاف صومالي".
وأيضاً قال ماسون مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشئون الإنسانية عن أسباب استقالته: "إن كل 9 دولارات تنفقها الهيئة الدولية على الأسلحة والعمليات العسكرية يقابلها دولار واحد ينفق على الأحوال المعيشية" (5).
وهكذا اتضح للشعب أن غزو أمريكا غزو ديني واقتصادي تحت ستار الإغاثة ومما يبين ذلك قيام الأمريكان بسرقة كميات هائلة من اليورانيوم الصومالي بمنطقة (بور) جنوب الصومال بعد أن أوهمت السكان بضرورة إزالة الجبل لتقيم حديقة مكانه.
وترجع أهمية اليورانيوم إلى أن العالم يتجه الآن إلى استخدام هذا الوقود النووي بدلاً عن البترول، وذكرت المصادر أن سرقة أمريكا قد بلغ أكثر من خمسة آلاف طن من أكسيد اليورانيوم.
لقد قامت أمريكا بخداع رؤساء الجهات القبلية بوعود فارغة في مؤتمر أديس أبابا الثاني حتى وافقوا على تعديل الدستور، حيث أصر (روبرت أوكلي) على حذف عبارة "الإسلام هو الدستور الوحيد في البلاد" ليكتب بدلاً منها "الإسلام أحد مصادر دستور البلاد".
كما طلبت أمريكا أن يكون ثلث أعضاء المجلس الانتقالي المكون من 75 عضواً من النسا، وتهدف أمريكا من كل هذا إلى تكوين حكومة علمانية موالية للغرب لقطع الطريق على الصحوة الإسلامية المتنامية).(6)
وبعد خروج الأمم المتحدة من البلاد وأمريكا وقعت حروب أهلية عنيفة في مقديشوا قتل فيها الجنرال محمد فارح عيديد وفور توقف تلك الحروب هجمت قوات إثيوبية بغارات جوية وأرضية على محافظة (غده) جنوب غرب الصومال حيث كانت مقراً لحركة الاتحاد الإسلامي فقصفت المدن الرئيسية بالمحافظة وقامت بهدم بعض المساجد وإهانة المصاحف واغتصاب النساء، ومع الأسف كان معهم مليشات أغرتهم بوعود كاذبة وبأموال من قبائل تلك المحافظة بقيادة (عمر حاج مصله) والذي كان سابقاً وزير الدفاع الصومالي في حكومة (زياد بري) وكان أكثر ضحايا هذا القصف شعب المنطقة الذي مات فيه المئات من السكان وهاجر الآلاف إلى المحافظات الأخرى المجاورة وإلى العاصمة مقديشو.
تأسيس المحاكم الإسلامية:
ثم رأى بعض العلماء ذوي الجاه في البلاد مثل الشيخ (محمد معلم) وجماعة من أولي الحل والعقد أنه لا يمكن الخروج من أزمة الحروب الأهلية، وإعادة الأمن والاستقرار للبلاد إلا بتحكيم شريعة الله، وبعد المشاورة اقتنع الناس في العاصمة والمحافظات الجنوبية بالتحاكم إلى شريعة الله، وفتحت أول محكمة في شمال مقديشو (كاران) وذلك في مطلع عام 1996م ثم تتابعت المحاكم حتى وصلت إلى المحافظات، ولكن ما زالت الأيدي العميلة تسعى لإفساد جهد المحاكم أو تضعيفها على الأقل، وحاربها بعض زعماء الحرب في العاصمة فلم تتمكن من الظهور القوي إلا بعد 1998م، حيث فتحت محاكم أخرى جديدة، بالإضافة إلى المحاكم القديمة في العاصمة، وللظروف القبلية التي يعيش فيها الشعب قامت المحاكم بتشكيل قبلي، بأن يكون القضاة في كل محكمة من نفس القبيلة وكذلك جنودها. وبدأت المحاكم تتعاون فيما بينها من مختلف القبائل والبطون لإعادة الأمن والاستقرار ونجحوا بتلك الخطة وتجاوزوا الحواجز القبلية نوعاً ما وإن كانت كل محكمة تتلقى دعمها وتمويلها من قبيلتها، ومن الأسواق التي تقع تحت حكمها وسيطرتها وإن كان فيها تجار من غير (القبيلة صاحبة المحكمة".
والناس مسرورون بدعمهم المحاكم لأمور منها: كون المحاكم تقر أمنهم وتضمن لهم حريتهم، ثانياً: وفاء للمواثيق والعهود التي عقدوها مع المحاكم ممثلون بمشايخ القبائل منهم، ثالثاً: احتساب بعضهم في ذلك الدعم لاعتقاده بوجوب تحكيم شرع الله وتأييده للقائمين على ذلك.
ما زالت المحاكم تمارس أعمالها وواجباتها في مختلف المجالات كالمجال الأمني، والقضائي وأيضاً الاعتناء بالجانب الأخلاقي حتى إن أكثر المحاكم عندها سجون خاصة بتربية الأولاد السيئي الخلق والمتمردين على والديهم، وقد أفادني أحد قضاة محكمة (حررياله) بمقديشو أن محكمتهم فيها مدرسة تربوية يؤدب فيها الأولاد، ومن بينهم الأولاد الذين عادوا من أمريكا وأوربا للتربية والتأديب الشرعي.
سبب هذه الحروب الأخيرة بين اتحاد المحاكمة الشرعية وبين التحالف:
إن سبب هذه الحروب هو التدخل الخارجي الذي ما زال يعاني منه شعب الصومال منذ القدم، فالتدخلات الأمريكية والإثيوبية والإسرائيلية على الصومال وقد استخدمت أمريكا في الآونة الأخيرة بعض أمراء الحرب في الصومال لاغتيال الدعاة والعلماء واختطافهم أحياء إن أمكن، وبالفعل نفذ بعض الزعماء ذلك المشروع سرياً من عام 2003م باغتيال بعض الشخصيات البارزة من الدعاة إلا أن السياسيين وذوي الخبرة العسكرية من المحاكم الشرعية انتبهوا لذلك فقطعوا السبيل على المفسدين من أمراء الحرب فلم يظفروا بالكثير من مآربهم فلما علم زعماء الحرب انتباه الدعاة وتحرزهم أسسوا ما أسموه بالتحالف –تحالف السلام لمكافحة الإرهاب- وقالوا بأن المحاكم الإسلامية كلها إرهاب، وتارة يقولون تحمي أجانب من القاعدة ظلماً وعدواناً، وأعلن بعضهم بأنهم يشتغلون مع "الشرطة العالمية "–الإنتربول.
فتشاور اتحاد المحاكم الشرعية في العاصمة مع الشعب ومشايخ القبائل في هذا الأمر الخطير الذي أعلنه كبار زعماء الحرب في العاصمة وخارجها. (7)
وورد في مقدمة لـ (مجلة البيان) حول أحداث مقديشو ما يلي:
لم يكن خافياً في يوم من الأيام أن زعماء الحرب الأهلية في الصومال خصوصاً أولئك في مقديشو لهم علاقات مشبوهة مع أجهزة استخبارية عالمية وإقليمية، وكانت أبرز تلك العلاقات المشبوهة ما أشار إليه تقرير مجموعة الأزمات الدولية (IC.G) ernational Crisis Group التي ذكرت بأن مقديشو يتصارع فيها أجهزة استخبارات إثيوبية وأوربية وأمريكية، وبلغت العلاقات المشبوهة ذروتها بعد المواجهات الدامية بين زعيم الحرب (بشير راجي سيرار) وبين التاجر المعروف (أبي بكر عمر عدان) رئيس مرفأ عيل معان الواقع قرب العاصمة مقديشوا من ناحية الشمال وقد تمكن (بشير راجي) من الاستيلاء على معاقل التاجر المذكور، وبعض السيارات المصفحة وما عليها من أسلحة وذخائر، وبما أن الرجلين ينتميان إلى عشيرة واحدة فقد حاول الأعيان تدارك الموقف واحتوائه واتصلوا بـ (بشير) وطلبوا منه أن يرد ما استولى عليه، إلا أنه رفض معللاً: بأن الأمور قد خرجت من يديه، لأنه قد أبلغ الأمريكيين بأن هذه السيارات وما عليها لخلية تابعة للقاعدة وعوضاً عن ذلك فإنه على استعداد تام لدفع قيمة السيارات، وكان رد (أبي بكر عمر بأنه ليس في حاجة إلى تعويض مالي، وأنه قادر على استرداد كل ما فقده بعينه، إلا أنه يود أن يعطي فرصة لأعيان العشيرة، وبعد أن باءت جهود العشائر بالفشل الذريع لإصرار (بشير) بأن الولايات المتحدة هي التي ترفض ذلك توجه مندوب من (أبي بكر عمر) إلى السفارة الأمريكية في جيبوتي للوقوف على حقيقة تلك المزاعم، والتقى بمسئولين أمريكيين في السفارة الذين طلبوا منه بدورهم التنازل عن الأسلحة والسيارات لصالحها واعتبارها في حوزة أمريكا، ورفض المندوب ذلك قائلاً: بأن سياراته في يد (بشير) ولا يزال قادراً على استردادها وليست في يد أمريكا كما تزعمون، وعلى العموم رجع المندوب إلى مقديشو وقد تأكد لديه ضلوع السفارة الأمريكية في الحرب.
وفي 18/2/2006م أعلنت مجموعة من زعماء الحرب تتكون من تسعة عناصر عن تأسيس تحالف سموه بـ (تحالف محاربة الإرهاب وإعادة الأمن).. وأشار الإعلان إلى أن هذا التحالف كان قد بدأ معاركه حتى قبل تأسيسه وأن المواجهات التي حدثت بين (بشير راجي شيرار) عضو التحالف وبين (أبي بكر عمر عدان) كانت الشرارة الأولى للحرب، وفي اليوم نفسة شن التحالف حرباً على المحاكم الإسلامية، وهاجم معاقلها في الأجزاء الغربية من ا لعاصمة، وكان الصدام مروعاً وشديد الوطأة أسفر بعد حرب دامت أربعة أيام عن هزيمة ثقيلة للتحالف وانتصار كبير لقوات المحاكم الإسلامية، ولعل أبرز ما أدى إليه يتمثل في الآتي:
1- إغلاق مطار داينيلي التابع لـ (محمد قنبري أفرح) زعيم الحرب البارز ووزير الأمن الوطني والركن الركين للتحالف.
2- تشديد الخناق على مقره.
3- سيطرة المحاكم الإسلامية على معظم الطرق الرئيسية في مقديشو.
4- بروز الولاء الذي يكنه أهل العاصمة للمحاكم الإسلامية حيث تطوع الآلاف من أجل الدفاع عنها.
وكما هي عادة الحروب في البلاد فإن العشائر حاولت إخماد نار الحرب، وأعلن اتحاد المحاكم ترحيبه بأي مبادرة تؤدي إلى حقن الدماء بشرط أن يمتنع قادة التحالف عن محاولاتهم الفاضحة من قتل وتسليم قادة المحاكم الإسلامية وعلماء الإسلام في البلد إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
وعلى الرغم من السعي الحثيث من قبل زعماء العشائر نحو الصلح إلا أن جهودهم كلها باءت بالفشل، بسبب تعنت قادة التحالف الذين رفضوا مقترحات الحل وضربوا بها عرض الحائط... (
فأصدر مشائخ قبائل العاصمة ونواحيها تحذيراً لزعماء الحرب وأفصحوا بأن المحاكم الشرعية ليست إرهاباً ولا يضم أي عضو من القاعدة وأنها أسست من قبل مشايخ القبائل والعلماء، لصالح الأمة ولإعادة الأمن والاستقرار بعد أن أنهكتهم الحروب الأهلية وعمت الفوضى وفسدت الأخلاق(9) أسست هذه المحاكم لصالحنا –الشعب- وباختيارنا ورغبتنا ولا دخل لأي احد فيها، ونوجه للتحالف أن يتنازلوا عما أعلنوا عنهم قريباً من وصفهم الأمة بالإرهاب فهذا أمر خطير ومحاربة للدين فإن لم يتنازلوا ولم يتوبوا من هذه الجريمة فلسنا المسئولين مما سينتج عن ذلك(10) من عواقب وخيمة.
ولم يصدر من زعماء الحرب ما يشير إلى تراجعهم عما أعلنوه من محاربة المحاكم باسم محاربة الإرهاب، بل شنوا حرباً على المحاكم، وقامت المحاكم الشرعية بالدفاع عن نفسها تجاه هذا العدوان والظلم الصريح، وعندها وجد اتحاد المحاكم التأييد من الشعب وقاموا معه بالنفس والمال حماية لدينهم وأموالهم وأنفسهم، وما يدل على ذلك مجيء زعماء العشائر المقربون لـ (محمد قنيري) وتعهدوا بأنهم سيمارسون الضغط عليه، حتى لا يطلق ناراً تجاه قوات المحاكم، ووافقت المحاكم الإسلامية على ذلك، وحينما وصلت الأمور إلى طريق مسدود تشاور وجهاء العاصمة من مشائخ القبائل وزعماء العشائر والتجار ومؤسسات المجتمع المدني، وبعد لقاءات مطولة توصلوا إلى قرارين:
1- الاعتبار بأن هذه الحرب حرب بالوكالة، حيث إن الأموال الأمريكية هي السند الوحيد لزعماء الحرب لمواصلة حربهم.
2- تشكيل وفد رفيع من هذه الشرائح يتوجه إلى جيبوتي لعقد لقاء مع قائد القوات الأمريكية المتمركزة في جيبوتي.
وبناء على ذلك تم تشكيل هذا الوفد من ممثلي شركات الاتصالات، وشركات تحويل الأموال*، والمشائخ، وزعماء العشائر ومؤسسات المجتمع المدني، والتقوا بمسئولين أمريكيين ونقلوا إليهم تصور أهل مقديشو للأحداث الأخيرة وكانت كالتالي:
1- إننا نعتقد أنكم المشعلون هذه الحرب علينا بالوكالة.
2- إننا نطالبكم أن توقفوها، وتدفعوا تعويضاً عن الخسائر التي نتجت عنها.
3- إننا لا نعادي أمريكا، ولا نريد أن تتضرر مصالحنا في ذلك.
4- إن الجهة الوحيدة القادرة على ضبط الأمور في العاصمة هم الوجهاء، وليس زعماء الحرب المكروهين من قبل الشعب.
وقد أنكر الجانب الأمريكي هذه الحقائق كلها، وقالوا: إن الصومال لا تقع ضمن نطاق عملهم، ولا علاقة لهم بزعماء الحرب، ثم أردفوا بسؤالين هما: ما موقفكم من الحكومة الصومالية الانتقالية؟ وما الذي نستطيع أن نساعدكم عليه؟، وكان الرد بأن: الحكومة حكومة صومالية ونحن نؤيدها، وأن أفضل مساعدة يمكنكم أن تقدموها لنا هي تأييد حكومتنا، وتمكينها من بسط سيطرتها على ربوع البلاد حتى تتمكن من إعادة الأمن والاستقرار وقمع كل الخارجين على المجتمع.
والخلاصة: أن هذا اللقاء كان لتوضيح المواقف، وإن لم يؤد إلى نتائج ذات قيمة، وبعدها بأسابيع اندلع القتال بين المحاكم الإسلامية والتحالف في الضاحية الشمالية من العاصمة، وبعد مواجهات عنيفة ولمدة خمسة أيام مني التحالف بهزيمة نكراء لا تقارن بالسابق سواء من حيث الإصابات والعتاد والمواقع التي فقدها، وكان أبرز نتائجها:
1- إغلاق مطار زعيم الحرب (بشير راجي شيرار).
2- طرد التحالف من المواقع التي استولى عليها في المواجهة السابقة مع رجل الأعمال (أبي بكر عمر عدان).
3- تكبد التحالف خسائر في الأرواح غير مسبوقة، إلا أن هذه المواجهات حصدت من أرواح الأبرياء أعداد كثيرة بلغت المئات. هذا وقد اتضح للتحالف أن الموجهات التي تقع في المناطق المكشوفة ليست لصالحهم، وبالتالي اتخذوا استراتيجية مفادها القتال وسط المدنيين، اعتقاداً منهم بأن ضراوة الحرب ستؤدي إلى نفور الناس من المحاكم الإسلامية، ولكن خاب ظنهم إذ أن هذه المعارك ما زادت الناس إلى التفافاً حول المحاكم مما مكن المحاكم من بسط سيطرتها على معظم العاصمة (حوالي 80%)..
فهذا هو الواقع الصحيح(11) في حروب (مقديشو) وأما ما تروجه وكالات الأنباء الغربية أو المتأثرة بالغرب فأكثره غير صحيح.
ولنضرب لذلك مثلاً فقد كتبت مجلة (نيوزويك) في عددها الصادر بتاريخ 13/6/2006م تحت عنوان: "المعارك في الصومال تستعر بالقرب من موقع سقوط البلاك هوك(12)، وتعمل يد أمريكية في الخفاء مع أمراء الحرب" بقلم مايكل هيرش وجيفير بارثوليت:
مقديشو مكان يفضل معظم الأمريكيين أن ينسوه، فخلال التسعينات من القرن الماضي كانت محنة "سقوط البلاك هوك" رمزاً لمخاطر الخوض في بقاع نائية لا نفهمها. فالمشاهد التلفزيونية لجندي أمريكي يجره الصوماليون المنتشون على الأرض وهو نصف عار –كان واحداً من 18 جندياً من قوات الاستطلاع بالجيش الأمريكي قتلوا في محاولة خرقاء للإمساك بأحد أمراء الحرب- أصبحت رمزاً للضعف الأمريكي لكن يبدو أن مقديشو لن تنسى. فالعنف يتفجر من جديد في الصومال ودون سابق إنذار يجد الأمريكيون أنفسهم مرة أخرى وسط معارك لا يفهمون عنها الكثير وربما يخسرونها.
في الشهر الماضي وللمرة الأولى منذ التسعينات من القرن الماضي غرق جزء كبير من مقديشو في معارك دامية بالنيران. وكانت مليشيات جهادية تابعة لما يسمى اتحاد المحاكم الإسلامية تحقق انتصارات بكل المقاييس على تحالف أمراء الحرب العلمانيين الذين تلقوا دعماً أمريكياً. يقول المراقبون إن الاتحاد كان يكسب المزيد من الأتباع بوصم أعدائه بأنهم عملاء لواشنطن خاصة منذ أن شكل أمراء الحرب من أصدقاء أمريكا جماعة تسمى التحالف من أجل إعادة السلام ومكافحة الإرهاب خلال الشتاء الماضي.
وأما تجدد القتال داخل الصومال –وهي دولة في القرن الإفريقي يغيب فيها القانون ليس بها حكومة مركزية- وطوال سنوات عديدة ظل أمراء الحرب الصوماليون والزعماء الثلاثة المعادون للإسلاميين يتلقون أموالاً من أمريكا وبعض التجهيزات للمساعدة على العمليات الاستخباراتية وذلك في العديد من المصادر غير الرسمية من بينها (جون بريندر جاست) من مجموعة الأمن الدولية، ولم يشأ أي من المسئولين الحكوميين الأمريكيين الذين سألتهم نيوزويك تأكيد أو نفي وجود هذا البرنامج، يقول فيلب جيرالدي المسئول السابق في مكافحة الإرهاب بوكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) الذي ما زال يتواصل مع زملائه السابقين: إن الكثير من الأموال يتم توزيعها من خلال فريق عمل مشترك يتألف من 1800رجل مقره جيبوتي في القرن الإفريقي، تقارير أخرى تشير إلى وكالة الاستخبارات المركزية وقد طلب من أمراء الحرب –محمد ضيرى وبشير راغي ومحمد قانياري- جمع معلومات عن المتطرفين الإسلاميين الذين لهم علاقة بتنظيم القاعدة وفي إحدى الحالات تمكن رجال طيري من الإمساك بأحد أعضاء خلايا القاعدة(13) في شرق إفريقيا وسلموه.
وأثارت هذه السياسة انشقاقاً داخل كل من وكالة الاستخبارات المركزية ووزارة الخارجية الأمريكية وكذلك في أوروبا، إذ يخشى بعض المسئولين من أن الولايات ربما تخلق من غير قصد ملاذاً جديداً للجهاديين في الصومال من خلال استثارة رد فعل مضاد ضد الأمريكيين، فقد كان الإسلاميون يمثلون جزءاً صغيراً من السكان قبل بداية البرنامج الأمريكي.
تقول ماريكافالن –السفيرة السويدية والمبعوثة الخاصة للقرن الإفريقي-: "لا نعرف الأساس المنطقي للتدخل الأمريكي ولا نطاقه، فما نراه هو العواقب. فالقتال يزداد تعقيداً. وقد تحولت جماعات [إسلامية] معينة إلى مقاتلين بعد أن كانت بعيدة عن القتال من قبل".
أما جيرالدي فكان أكثر صراحة يقول: "إننا نثير فوضى جديدة. كل شيء تفعله هذه الإدارة هو تكتيكي وكل همها: الإمساك بشخص. لا أرى أن أي شخص قد فكر في القضية الاستراتيجية المتمثلة في فقدان التأييد".
كما أن واشنطن تنفق المال على مشروعات كسب قلوب وعقول الناس في القرن الإفريقي من بناء المدارس إلى تقديم خدمات صحية ورعاية إنسانية مجانية في بعض الأماكن. لكن من المستحيل للغربيين أن ينفذوا هذه البرامج في الصومال التي ينعدم فيها القانون، والسؤال هل يكسب الإسلاميون قلوب وعقول الصوماليين بشكل أسرع. (وفي اتصال هاتفي للولايات المتحدة نفى قنياري أحد أمراء الحرب الموالين للولايات المتحدة تلقيه أموالاً أمريكية لكنه قال إنه على اتصال "بعملاء أمريكيين، وأنه يشعر بقلق شديد حيال هجمات الإسلاميين. وقال قنياري: إنهم يريدون إقامة حكومة خاصة بهم على شاكلة طالبان. يشعرون بأنهم أقوياء وبأن هذا هو الوقت المناسب لكي يفعلوا شيئا.. إنهم يقومون بتجنيد الأفراد في تنظيم القاعدة، فهم ينظمون في المدارس والتعليم والخدمات. وهم يجمعون أموالاً كثيرة من الناس".
والاستراتيجية الأمريكية لدعم أمراء الحرب هي جزء من سلسلة من العمليات السرية حول العالم التي يتم تنفيذها بقليل من المساءلة في الوطن. ويدير حرب الظل الواسعة النطاق هذه وكالةُ الاستخبارات المركزية.
(1) تاريخ الإسلام لمحمود شاكر.
(2) لأن الهدف هو تمزيق الصومال وقد تحقق ذلك على يد الأمريكان.
(3) جريدة الشعب في 19/7/1993م ومجلة الدعوة لسان حال الإخوان في 29/7/1993م.
المجتمع الإسلامي المعاصر في إفريقيا الدكتور جمال عبد الهادي محمد مسعود. الأستاذ علي لبن.
(4) لذلك ما زال الأمريكان يقولون حاربنا الإرهاب في الصومال، والهزائم التي بلغتهم ينسبونها إلى الحركة الجهادية في الصومال سيما العمليات العسكرية الليلية ضد المواقع الأمريكية.
(5) تقرير صحفي في أغسطس 1994م.
(6) المجتمع الإسلامي المعاصر (ب) إفريقيا ص (106).
(7) وكان عدد زعماء الحرب أحد عشر زعيماً منهم أربعة وزراء من الحكومة الانتقالية:
محمد قنبره أفراح (وزير الأمن القومي)، موسى سودي يلحو (وزير التجارة)، عمر فنسن (وزير الأوقاف)، عبد حسن عواله قيب دله (عضو في التحالف)، بشير راعه (عضو في التحالف)، عبده نوره أحمد (عضو في التحالف)، بوتان عيسى عالن (وزير نزع السلاح وتأهيل المليشيات)، محمد طبره (عضو في التحالف)، عبدوال (عضو في التحالف)، عيسى عثمان (عضو في التحالف)، برى هيرالي (عضو في التحالف).
( البيان صـ (70-73) العدد 226 جمادي الآخرة 1427هـ يوليو 2006م.
(9) من أعمال المحاكم محاربة المخدرات والخمور والأفلام الخليعة، والتبرج وكل الأخلاقيات الفاسدة المستوردة حفاظاً على الدين والعرف الإسلامي.
(10) هذا ما أعلنته إذاعة (هون أمريك) بمقديشو بداية التحالف.
* الحوالات المالية سواء في داخل البلاد أو خارجها، وأكثر هذه الشركات تابعة لمغتربين صوماليين.
(11) وفي مقال ذكرته مجلة (البيان) ما يلخص الموضوع وتفاصيله وهو كما يلي: وكانت مقترحات الحل كالتالي:
1- حل التحالف الذي لم يود إلا إراقة الدماء، 2- الموافقعة على المصالحة مع المحاكم الإسلامية، 3- إعلان وقف إطلاق النار مشافهة عبر الإذاعات أو الكتابة في الصحف، وكل هذه المقترحات رفضها التحالف قائلاً: إنه لا يمكن حل هذا التحالف أو نقضه بحجة أنه اتفاق مع الولايات المتحدة، كما أنهم لا يستطيعون إعلان الصلح مع من سموهم بـ (الإرهابيين)، وإن إعلان وقف إطلاق النار لا يمكن لأنه يتناقض مع أهداف التحالف، وبطبيعة الحال فإن الحروب توقفت بعد أن عجز التحالف عن الاستمرار فيها.
(12) البلاك هوك: هو الفيلم الذي مثل بالحروب الأمريكية مع الصومال عام 1993م.
(13) زعماء الحرب بشكل عام قد قاموا بعمليات اغتيالية للأجانب سواء من العرب أو من غيرهم فكل من ظفروا به ورأو عليه مظهراً إسلامياً سلموه لأمريكا وإلى إثيوبيا إذا كان من الأروميين أو حتى من صومال الغرب فقد قتلوا عالماً من علماء الأروميين في العاصمة (الشيخ أحمد سعيد) ومرة أمسكوا برجل يمني تاجر يعيش في الصومال بعد أن جرحوه وسلموه لأمريكا زاعمين أنه من تنظيم القاعدة وبعد ما حققت معه أمريكا أطلقت سراحة لأنه لم يكن إلا شخصاً يعيش في الصومال لا صلة له بالقاعدة نهائياً، والأمريكان يعلمون بكذب أصدقائهم من زعماء الحرب، قال أحدهم: "يعتقدون أن علينا أن نأخذ نفساً عميقاً وأن نستريح، نحن نغدق المال لكل من قال إنه يحارب الإرهاب" وقد تبين بالفعل أن بعض المشتبه بهم الذين اعتقلوا في السنوات الأخيرة من قبل قادة المليشيات الصديقة ليسوا سوى أشخاص هائمين على وجوههم، ففي إحدى الحالات اختطف عراقي تعيس الحظ من مقهى للانترنت في مقديشو وخضع لتحقيقات استمرت شهراً ثم أطلق سراحه. يقول مسئولون أمريكيون إنهم في موقف حرج: فإما أن يتركوا الصومال يتحول إلى ملاذ للإرهاب أو يحاولون إقامة علاقات مع المليشيات الصديقة حتى ولو كانت غير جديرة بالثقة، نقلاً من (نيوزويك) في العدد الصادر بتاريخ 13/6/2006م.
جميع الحقوق محفوظة لموقع مركز الجزيرة العربية للدراسات والبحوث 1429 هـ
تصميم وتطوير راية للدعاية والإعلان