*هل يجب علي إذا عرفت شخصا بعينه، هرب من السجن في أعقاب الانفلات الأمني الذي صاحب اندلاع الثورة المصرية، هل يجب علي أن أبلغ عنه السلطات؟ وماذا لو كنت متأكدا أنه أودع السجن ظلما؟
د. عماد الدين مصطفى
مدرس الفقه وأصوله بجامعة الأزهر
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
لا يجوز التستر على الهاربين من السجون؛ لأن في هذا إعانة لهم على الإثم، وقد نهى الله تعالى عن التعاون على الإثم فقال سبحانه: "وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ" [المائدة/2]، كما أن في هذا افتياتا على حق المجتمع، فمن جملة ما شرعت له العقوبة في الإسلام حق المجتمع في أن يزجر من يفكر في الجريمة بعقوبة من مارس الجريمة بالفعل.
ولذلك روعي في الفقه الإسلامي أن تكون العقوبة رادعة بحيث تمنع الكافة من التفكير في الجريمة فضلا عن اقترافها والوقوع في براثنها، فإذا ما وقعت الجريمة كانت العقوبة، بحيث تؤدب الجاني على جنايته وتزجر غيره من التشبه به وسلوك طريقه، وفي هذا يقول بعض الفقهاء عن العقوبات: "إنها موانع قبل الفعل، زواجر بعده، أي العلم بشريعتها يمنع الإقدام على الفعل، وإيقاعها بعده يمنع العود إليه".
كما أن العقوبة هي الجزاء المقرر لمصلحة الجماعة على عصيان أمر الشارع.
والمقصود من فرض عقوبة على عصيان أمر الشارع هو إصلاح حال البشر، وحمايتهم من المفاسد، واستنقاذهم من الجهالة، وإرشادهم من الضلالة، وكفهم عن المعاصي، وبعثهم على الطاعة، ولم يرسل الله رسوله للناس ليسيطر عليهم أو ليكون عليهم جباراً، وإنما أرسله رحمة للعالمين، وذلك مصداق قوله تعالى: "لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُسَيْطِرٍ" [الغاشية: 22]، وقوله: "وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ" [ق: 45]، وقوله: "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ".
فالله أنزل شريعته للناس وبعث رسوله فيهم لتعليم الناس وإرشادهم، وقد فرض العقاب على مخالفة أمره لحمل الناس على ما يكرهون ما دام أنه يحقق مصالحهم، ولصرفهم عما يشتهون ما دام أنه يؤدي إلى فسادهم، فالعقاب مقرر لإصلاح الأفراد ولحماية الجماعة وصيانة نظامها، والله الذي شرع لنا هذه الأحكام وأمرنا بها لا تضره معصية عاصٍ ولو عصاه أهل الأرض جميعاً، ولا تنفعه طاعة مطيع ولو أطاعه أهل الأرض جميعاً.
وقد يتيقن بعض الناس من أن الهارب من السجن بريء، وأنه أخذ خطأ، فقد يجوز في حق من تيقن من ذلك ألا يبلغ عنه السلطات؛ وأما مجرد الظن والشك فلا يسوغ ذلك، ويحمل التبعة في ذلك من حكم عليه ظلما.
والله أعلم.
د. عماد الدين مصطفى
مدرس الفقه وأصوله بجامعة الأزهر
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
لا يجوز التستر على الهاربين من السجون؛ لأن في هذا إعانة لهم على الإثم، وقد نهى الله تعالى عن التعاون على الإثم فقال سبحانه: "وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ" [المائدة/2]، كما أن في هذا افتياتا على حق المجتمع، فمن جملة ما شرعت له العقوبة في الإسلام حق المجتمع في أن يزجر من يفكر في الجريمة بعقوبة من مارس الجريمة بالفعل.
ولذلك روعي في الفقه الإسلامي أن تكون العقوبة رادعة بحيث تمنع الكافة من التفكير في الجريمة فضلا عن اقترافها والوقوع في براثنها، فإذا ما وقعت الجريمة كانت العقوبة، بحيث تؤدب الجاني على جنايته وتزجر غيره من التشبه به وسلوك طريقه، وفي هذا يقول بعض الفقهاء عن العقوبات: "إنها موانع قبل الفعل، زواجر بعده، أي العلم بشريعتها يمنع الإقدام على الفعل، وإيقاعها بعده يمنع العود إليه".
كما أن العقوبة هي الجزاء المقرر لمصلحة الجماعة على عصيان أمر الشارع.
والمقصود من فرض عقوبة على عصيان أمر الشارع هو إصلاح حال البشر، وحمايتهم من المفاسد، واستنقاذهم من الجهالة، وإرشادهم من الضلالة، وكفهم عن المعاصي، وبعثهم على الطاعة، ولم يرسل الله رسوله للناس ليسيطر عليهم أو ليكون عليهم جباراً، وإنما أرسله رحمة للعالمين، وذلك مصداق قوله تعالى: "لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُسَيْطِرٍ" [الغاشية: 22]، وقوله: "وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ" [ق: 45]، وقوله: "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ".
فالله أنزل شريعته للناس وبعث رسوله فيهم لتعليم الناس وإرشادهم، وقد فرض العقاب على مخالفة أمره لحمل الناس على ما يكرهون ما دام أنه يحقق مصالحهم، ولصرفهم عما يشتهون ما دام أنه يؤدي إلى فسادهم، فالعقاب مقرر لإصلاح الأفراد ولحماية الجماعة وصيانة نظامها، والله الذي شرع لنا هذه الأحكام وأمرنا بها لا تضره معصية عاصٍ ولو عصاه أهل الأرض جميعاً، ولا تنفعه طاعة مطيع ولو أطاعه أهل الأرض جميعاً.
وقد يتيقن بعض الناس من أن الهارب من السجن بريء، وأنه أخذ خطأ، فقد يجوز في حق من تيقن من ذلك ألا يبلغ عنه السلطات؛ وأما مجرد الظن والشك فلا يسوغ ذلك، ويحمل التبعة في ذلك من حكم عليه ظلما.
والله أعلم.