بقلم: عمر غازي
بعيدا عن موقف التيار السلفي في مصر من ثورة 25 يناير وما أثير عن انتهازيته السياسية فيما بعد للاستفادة من أكبر قدر ممكن من التغيير التي أحدثته على صعيد الحريات، فإنه من المهم جدا إلقاء الضوء على موقف السلفيين من الديمقراطية في ظل المتغيرات بعد الثورة ومدى تكيفهم مع الوضع الجديد وما هو التغيير التي أحدثته فيهم سيما إذا علمنا أنهم كانوا متفقين على عدم المشاركة في العمل السياسي بكافة أشكاله وصوره سواء كان ذلك مشروعا مؤجلا أم محرما عند آخرين.
ومرجعنا في القول باتفاقهم على نبذ العمل السياسي هو أنه لم تسجل أية محاولات سلفية لخوض تلك التجربة سواء كانت فردية أو عن طريق السعي لتشكيل أحزاب، بل اكتفوا بالحكم على فشلها وتغليب المفاسد على المصالح في خوضها من خلال تقييمهم لتجربة الإخوان المسلمون على مدار عقود فهاجم الدكتور عبد المنعم الشحات (المتحدث الرسمي حاليا للدعوة السلفية بالإسكندرية) جماعة الإخوان المسلمين في مقال له بعنوان : السلفيون والسياسة.. أسباب المقاطعة" ، رأى فيه أن الإخوان يدفعون ثمنـًا باهظـًا للدخول في لعبة "الديمقراطية"، وهي غير إسلامية في الأصل مما اضطرهم إلى تنازلات وصلت في حدتها إلى حد بوادر خلاف حاد حول انضمام الدكتور "عصام العريان" إلى مكتب الإرشاد؛ لميله إلى تقديم مزيد من التنازلات في سيل الاندماج في اللعبة الديمقراطية، بما في ذلك الاعتراف الضمني بـ"الوصاية الأمريكية" على التجربة الديمقراطية في مصر، وله في ذلك مقالات بعنوان: "الإخوان المسلمون وأمريكا: جدل المبادئ والمصالح حوار ضائع يبحث عن شريعة، وعن أجندة، وعن مستقبل!!".
ويضيف الشحات: وبينما يفضل الإخوان الخوض مع كل هذه المخاطر من الهيمنة الأمريكية إلى التحالف مع الأحزاب العلمانية... ترى الدعوة السلفية أن الفاتورة التي يُطالب الإسلاميون بدفعها تمثل خصمًا من أحكام شرعية قطعية لا يمكن بحال قبولها، ومن ثمَّ أعرضنا عن الحياة السياسية بمفهومها المعاصر، وانصرفنا إلى الدعوة إلى إصلاح المجتمع: حكامًا ومحكومين، وإلى التزام الجميع بشرع الله، ومن الطبيعي لدعوة اختارت أن تنأى بنفسها عن المشاركة في النظام الديمقراطي لأسباب شرعية أن تنأى بنفسها عن مناقشة تفاصيله، وأن تستوي عندها فيه خياراته.
إلى أن يقول: إذن فالصمت هو الموقف الطبيعي تجاه هذه العملية السياسية؛ وهو صمت يحاول كل فريق أن يفسره لصالحه، وهو ما نحرص على نفيه نفيًا قاطعًا، وعلى تأكيد أن الصمت هو رفض للعملية الديمقراطية بأسرها، ورفض لفكرة الدولة المدنية التي تفصل الدين عن الدولة بل عن الحياة كلها وهى الفكرة التي فرضها علينا الغرب في الوقت الذي لا يخجل فيه من إعلان حرب صليبية على الدول الإسلامية المدنية".
لكن السلفيين الذين آثروا الصمت طيلة هذه العقود سارعوا لتغيير مواقفهم فسمعنا وشاهدنا ورأينا بعيد أيام من سقوط النظام خطوات جادة على أرض الواقع تسعى وتحث على المشاركة السياسية الفاعلة والانصهار في العملية الديمقراطية خلاف الخطاب السلفي التقليدي المعهود في مصر طيلة الـ30 عاما الماضية من حكم مبارك.
فسارعت جماعة أنصار السنة المحمدية كبرى الجمعيات السلفية الرسمية بالتنسيق مع مجموعة من أبرز دعاة التيار السلفي المستقلين (حسان ويعقوب) إلى إنشاء ما يسمى بمجلس شورى العلماء برئاسة د / عبد الله شاكر الجنيدي رئيس جماعة أنصار السنة والمحمدية وعضوية كل من الشيخ / محمد بن حسين يعقوب والشيخ محمد حسان والشيخ د. جمال المراكبي رئيس مجلس علماء الجماعة، والشيخ مصطفي العدوي، و الشيخ / أبو بكر الحنبلي ، و الشيخ / وحيد بن عبدالسلام بالي ،خادماً، و الشيخ /جمال عبد الرحمن مقرراً.
وأصدر مجلس شورى العلماء بيانه الأول الذي وضع خارطة طريق للسلفيين في المرحلة المقبلة أظهر نواياهم بوضوح واختصار أيضا يمكن تلخيص أهم ما ورد فيه في التالي:
1- التأكيد على أن الطريق الصحيح لتطبيق الشريعة الإسلامية هو تربية المسلمين علي عقائد الإسلام وأحكامه وآدابه من خلال الوسائل الشرعية المتاحة .
2- مناشدة المسلمين أن لا يتأخروا عن التصويت بالموافقة على التعديلات الدستورية يوم السبت الموافق 14 من ربيع الآخر لعام 1432 هجرياً الموافق 19 / 3 / 2011 ميلادية لأن إيجابياتها أكثر من سلبياتها
3- أنه لا مانع شرعيً من المشاركات السياسية في مجلس الشعب والشورى والمحليات لأنها وسيلة من وسائل التمكين للدعوة ونشرها بين فئات المجتمع .
4-دعا البيان العلماء والدعاة أن لا يترشحوا بأنفسهم حتى لا ينشغلوا عن الدعوة إلي الله وإنما يقدمون من يتبني قضايا الإسلام ومصلحة الأمة .
5- طالب البيان المسلمين أن يصوتوا في انتخابات الرئاسة لمن يرونه أكثر تبنياً لقضايا الشريعة الإسلامية ومصالح الأمة .
6- التحذير من المساس بالمادة الثانية من الدستور بالتغيير أو التبديل في أي صياغة مقبلة للدستور.
من جانبها سارعت الدعوة السلفية في الإسكندرية التي لم يكن لأي من رموزها تمثيل في هذا المجلس إلى إصدار بيان مقتضب تعلن فيه أنها بعد التشاور والمحاورة في ضوء المتغيرات الجديدة قد قررت المشاركة الإيجابية في العملية السياسية، وأنها بصدد تحديد الخيار المناسب لصورة هذه المشاركة، قبل أن تعود لتعلن عن تأسيسها حزب سياسي بمرجعية إسلامية وهو (حزب النور) على أن تكون قيادته مستقلة عن القيادات الشرعية كما أعلنت عن توسعها في إنشاء الجمعيات الخيرية.
وأعلنت مجموعة أخرى من السلفيين إنشاء حزب سياسي باسم (الفضيلة) يترأسه الدكتور عادل عبد المقصود عفيفي ويمثل مرجعيته الدينية التيار السلفي [الحركي] بالقاهرة بقيادة الدكتور محمد عبد المقصود وفوزي السعيد ونشأت أحمد ويرفع الحزب شعار تحقيق العدالة والمساواة بين البشر وإعادة الصدارة لمصر في مختلف الميادين بما يتفق مع مبادئ الشريعة الإسلامية.
فيما استمر الشيخ أبو إسحاق الحويني على صمتهم الذي التزمه وقت الثورة فلم ينضم لمجلس العلماء بالرغم من قيمته العلمية والرمزية كأحد أهم مشايخ التيار السلفي في مصر والذين يحظون بشعبية جارفة وثقة كبيرة في الأوساط السلفية.
وهناك تيار آخر مايزال متمسكا بالمواقف القديمة الرافضة لتلك المشاركة في العملية الديمقراطية برمتها ويمثله التيار المدخلي وآخرون من المدرسة السلفية العلمية [التقليدية] يأثرون الحيطة ويخشون من العواقب ويفضلون العمل الدعوي ويخشون من الانجرار في وحل السياسة والتفريط في مشروعهم الحقيقي القائم على التصفية والتربية والإصلاح من القاعدة وليس من قمة الهرم فتطبيق الشريعة لن يأتي بالدماء ولا بالديمقراطية الآتية من الغرب التي تأله الشعب حيث تجعله هو المشرع وإنما بتغيير المجتمع عن طريق الدعوة إلى الله والعمل الخيري وترسيخ العقيدة الإسلامية الصافية وهذا التيار حتى الآن يفضل الصمت الحذر ومناقشاته في الغالب تدور في الغرف المنغلقة متبعا مبدأ المناصحة مع كبار المشايخ والدعاة حفاظا على وحدة الصف وخشية من التصيد المقصود من قبل وسائل الإعلام حاليا للتيار السلفي الذي سلطت عليه الأضواء فجأة واخترقته سهام الفزاعات، لكن الوضع لن يستمر على حاله وثبات كلٌ على موقفه كفيل بإظهار الأمور للسطح.
الديمقراطية كفر .. ولكن ممارستها جائزة
شكلت (غزوة الصناديق) بداية صاخبة للممارسة السياسية للتيار السلفي، هكذا أسماها أحد أشهر الدعاة السلفيين وهو الشيخ محمد حسين يعقوب في إشارة منه إلى نتائج الاستفتاء على التعديل الدستوري والتي اكتسحه الرأي المؤيد بالتغيير وهو الذي تبناه ودافع عنه وحث عليه التيار السلفي من أجل الحفاظ على المادة الثانية للدستور والتي تقضي بأن الشريعة الإسلامية هي المصدر الأساسي للتشريع، والحقيقة أن التيار السلفي جعل مسألة البقاء على هذه المادة [المعطلة] مسألة حياة أو موت، وهو ما أثار اندهاش البعض كون لم تفعل البتة منذ وضعها الرئيس الراحل محمد أنور السادات قبل عقود، بخلاف إمكانية تعديل الدستور في عهد الرئيس القادم بعد موافقة البرلمان، لكن ما يمكن قوله أن السبب الرئيس وراء اشتعال تلك المعركة هو الاحتراب بين التيارين الإسلامي والليبرالي والعلماني المنادي بإزالتها، كذلك الرغبة في إثبات الوجود والاحساس بنصر ولو معنوي، لكن السبب الأهم برأيي يعود محاولة تأجيل تلك المعارك في الوقت الحالي حتى أوان نقلها إلى قبة البرلمان وهو المسوغ الأهم للسلفيين لخوض هذه العملية الديمقراطية، التي هي في الأصل منهج كفري عندهم لكن دفع المفسدة الأكبر المترتبة على عدم الخوض فيها هو المبرر الوحيد الذي يجعلهم يضطرون لارتكاب هذا المحرم لدفع محرم أكبر في حالة سكوتهم، استنادا إلى القاعدة الأصولية وهي [الأخذ بأخف الضررين].
ومن هنا أيضا منشأ الخلاف بين أطياف التيار السلفي المتفق كليا على تحريم [الديمقراطية] والقول بكفرها وإن حاول البعض تلافي الحديث في هذه الجزئية أو عدم اظهار الخلاف حول جواز المشاركة السياسية القائمة على النظام الديمقراطي في الوقت الحالي وإظهار التيار السلفي في حالة اتفاق على الوضع الجديد.
فالأيدلوجية السلفية بشكل عام ترى أن العملية الديمقراطية [كفر بالله تعالى] لأنها تجعل له شريك في التشريع ومثالهم على ذلك أننا إذا أردنا تطبيق الشريعة أو إقامة الحدود فإن ذلك في النظام الديمقراطي يتطلب التصويت البرلماني حتى يتم إقراره إذ أن الديمقراطية هي حكم الأغلبية من خلال ممثلي الشعب الذين اختارهم لتمثيله في السلطة التشريعية (البرلمان)، وهذه الجزئية تحديدا كانت منشأ خلاف جوهري مع جماعة الإخوان المسلمين التي أعلن العديد من قادتها قبولهم بالديمقراطية حتى على هذه الصورة ليقينهم أن الشعب في مصر مسلم ولن يقبل سوى بتطبيق الشريعة وهو مالم يقبله السلفيين بأي حال من الأحوال.
وعليه إذا كانت الديمقراطية كفر بهذه الصورة فإن ما يترتب عليها من انتخابات تشريعية (برلمانية) وغيرها أمور محرمة، لا يجوز المشاركة فيها، والعبرة لمن يجيز هو طغيان المصالح على المفاسد في حالة الامتناع عن الانخراط فيها، وهو ما جعل البعض يتحدث عن أن السبب وراء العزوف عن المشاركة السلفية في الماضي هو التزوير والتضييق الأمني، لكن الحافز الأكبر للقائلين بالمشاركة برأيي هو الرغبة في تشكيل أغلبية برلمانية وجماعات ضغط مع التيارات الإسلامية الأخرى كالإخوان والجماعة الإسلامية والجهاد وحزاب الوسط للتصدي للمشروع العلماني والقوانين المخالفة الشريعة وهو أمر قد يصل للوجوب إذا كان تركه سبيل لمرور آخرين سيساهمون في علمنة البلاد وتنحية الشريعة الإسلامية.
خلاصة القول: أن السلفية المصرية كما غيرها في العالم أطياف متعددة وكما رأينا عدة مواقف متباينة إزاء الثورة وحكم الخروج في المظاهرات وتكييف ذلك من الناحية الفقهية هل هو خروج محرم على الحاكم أم لا فإن نفس هذه الانقسامات ستتكرر في مسائل ونوازل متعددة ولن تتفق الأطياف السلفية فيما بينها وإن اتفقت في أصول كثيرة.
وعليه يمكن تلخيص مواقف التيار السلفي من الممارسة الديمقراطية في الوقت الحالي كما يلي:
1- فريق مؤيد ويسعى للانصهار العمل السياسي ويغلب المصالح على المفاسد ويمثله الدعوة السلفية في الإسكندرية وفروعها في المحافظات وأسست حزب النور بمرجعية دينية ، وكذلك التيار السلفي [الحركي] بالقاهرة ورموزه محمد عبد المقصود ونشأت أحمد وفوزي السعيد ويدعم تأسيس حزب سلفي آخر [الفضيلة] ولا يتولى أيضا قيادته وإنما يكتفي بالمرجعية.
2- وقسم آخر يحاول مسك العصا من المنتصف فلا يرفض ولا يشارك بنفسه وقد يوجه البعض بالمشاركة بحسب ما تتضح الأمور وتتبناه جماعة أنصار السنة المحمدية والشيخ محمد حسان وهم الذين أسسوا مجلس شورى العلماء لهذا الغرض.
3- الصامتون: يبرز الشيخ أبو إسحاق الحويني.
4- الممانعون: تيار المدخلية وطيف كبير من التيار السلفي التقليدي لم يعلن عن موقفه بشكل صريح وعلني حتى الآن كما أسلفت، ويمكن الاطلاع على رأي أحد مشايخ هذا التيار بالتفصيل وهو الشيخ هشام البيلي من خلال هذا الرابط http://rpcst.com/news.php?action=show&id=3022 .
منقول
بعيدا عن موقف التيار السلفي في مصر من ثورة 25 يناير وما أثير عن انتهازيته السياسية فيما بعد للاستفادة من أكبر قدر ممكن من التغيير التي أحدثته على صعيد الحريات، فإنه من المهم جدا إلقاء الضوء على موقف السلفيين من الديمقراطية في ظل المتغيرات بعد الثورة ومدى تكيفهم مع الوضع الجديد وما هو التغيير التي أحدثته فيهم سيما إذا علمنا أنهم كانوا متفقين على عدم المشاركة في العمل السياسي بكافة أشكاله وصوره سواء كان ذلك مشروعا مؤجلا أم محرما عند آخرين.
ومرجعنا في القول باتفاقهم على نبذ العمل السياسي هو أنه لم تسجل أية محاولات سلفية لخوض تلك التجربة سواء كانت فردية أو عن طريق السعي لتشكيل أحزاب، بل اكتفوا بالحكم على فشلها وتغليب المفاسد على المصالح في خوضها من خلال تقييمهم لتجربة الإخوان المسلمون على مدار عقود فهاجم الدكتور عبد المنعم الشحات (المتحدث الرسمي حاليا للدعوة السلفية بالإسكندرية) جماعة الإخوان المسلمين في مقال له بعنوان : السلفيون والسياسة.. أسباب المقاطعة" ، رأى فيه أن الإخوان يدفعون ثمنـًا باهظـًا للدخول في لعبة "الديمقراطية"، وهي غير إسلامية في الأصل مما اضطرهم إلى تنازلات وصلت في حدتها إلى حد بوادر خلاف حاد حول انضمام الدكتور "عصام العريان" إلى مكتب الإرشاد؛ لميله إلى تقديم مزيد من التنازلات في سيل الاندماج في اللعبة الديمقراطية، بما في ذلك الاعتراف الضمني بـ"الوصاية الأمريكية" على التجربة الديمقراطية في مصر، وله في ذلك مقالات بعنوان: "الإخوان المسلمون وأمريكا: جدل المبادئ والمصالح حوار ضائع يبحث عن شريعة، وعن أجندة، وعن مستقبل!!".
ويضيف الشحات: وبينما يفضل الإخوان الخوض مع كل هذه المخاطر من الهيمنة الأمريكية إلى التحالف مع الأحزاب العلمانية... ترى الدعوة السلفية أن الفاتورة التي يُطالب الإسلاميون بدفعها تمثل خصمًا من أحكام شرعية قطعية لا يمكن بحال قبولها، ومن ثمَّ أعرضنا عن الحياة السياسية بمفهومها المعاصر، وانصرفنا إلى الدعوة إلى إصلاح المجتمع: حكامًا ومحكومين، وإلى التزام الجميع بشرع الله، ومن الطبيعي لدعوة اختارت أن تنأى بنفسها عن المشاركة في النظام الديمقراطي لأسباب شرعية أن تنأى بنفسها عن مناقشة تفاصيله، وأن تستوي عندها فيه خياراته.
إلى أن يقول: إذن فالصمت هو الموقف الطبيعي تجاه هذه العملية السياسية؛ وهو صمت يحاول كل فريق أن يفسره لصالحه، وهو ما نحرص على نفيه نفيًا قاطعًا، وعلى تأكيد أن الصمت هو رفض للعملية الديمقراطية بأسرها، ورفض لفكرة الدولة المدنية التي تفصل الدين عن الدولة بل عن الحياة كلها وهى الفكرة التي فرضها علينا الغرب في الوقت الذي لا يخجل فيه من إعلان حرب صليبية على الدول الإسلامية المدنية".
لكن السلفيين الذين آثروا الصمت طيلة هذه العقود سارعوا لتغيير مواقفهم فسمعنا وشاهدنا ورأينا بعيد أيام من سقوط النظام خطوات جادة على أرض الواقع تسعى وتحث على المشاركة السياسية الفاعلة والانصهار في العملية الديمقراطية خلاف الخطاب السلفي التقليدي المعهود في مصر طيلة الـ30 عاما الماضية من حكم مبارك.
فسارعت جماعة أنصار السنة المحمدية كبرى الجمعيات السلفية الرسمية بالتنسيق مع مجموعة من أبرز دعاة التيار السلفي المستقلين (حسان ويعقوب) إلى إنشاء ما يسمى بمجلس شورى العلماء برئاسة د / عبد الله شاكر الجنيدي رئيس جماعة أنصار السنة والمحمدية وعضوية كل من الشيخ / محمد بن حسين يعقوب والشيخ محمد حسان والشيخ د. جمال المراكبي رئيس مجلس علماء الجماعة، والشيخ مصطفي العدوي، و الشيخ / أبو بكر الحنبلي ، و الشيخ / وحيد بن عبدالسلام بالي ،خادماً، و الشيخ /جمال عبد الرحمن مقرراً.
وأصدر مجلس شورى العلماء بيانه الأول الذي وضع خارطة طريق للسلفيين في المرحلة المقبلة أظهر نواياهم بوضوح واختصار أيضا يمكن تلخيص أهم ما ورد فيه في التالي:
1- التأكيد على أن الطريق الصحيح لتطبيق الشريعة الإسلامية هو تربية المسلمين علي عقائد الإسلام وأحكامه وآدابه من خلال الوسائل الشرعية المتاحة .
2- مناشدة المسلمين أن لا يتأخروا عن التصويت بالموافقة على التعديلات الدستورية يوم السبت الموافق 14 من ربيع الآخر لعام 1432 هجرياً الموافق 19 / 3 / 2011 ميلادية لأن إيجابياتها أكثر من سلبياتها
3- أنه لا مانع شرعيً من المشاركات السياسية في مجلس الشعب والشورى والمحليات لأنها وسيلة من وسائل التمكين للدعوة ونشرها بين فئات المجتمع .
4-دعا البيان العلماء والدعاة أن لا يترشحوا بأنفسهم حتى لا ينشغلوا عن الدعوة إلي الله وإنما يقدمون من يتبني قضايا الإسلام ومصلحة الأمة .
5- طالب البيان المسلمين أن يصوتوا في انتخابات الرئاسة لمن يرونه أكثر تبنياً لقضايا الشريعة الإسلامية ومصالح الأمة .
6- التحذير من المساس بالمادة الثانية من الدستور بالتغيير أو التبديل في أي صياغة مقبلة للدستور.
من جانبها سارعت الدعوة السلفية في الإسكندرية التي لم يكن لأي من رموزها تمثيل في هذا المجلس إلى إصدار بيان مقتضب تعلن فيه أنها بعد التشاور والمحاورة في ضوء المتغيرات الجديدة قد قررت المشاركة الإيجابية في العملية السياسية، وأنها بصدد تحديد الخيار المناسب لصورة هذه المشاركة، قبل أن تعود لتعلن عن تأسيسها حزب سياسي بمرجعية إسلامية وهو (حزب النور) على أن تكون قيادته مستقلة عن القيادات الشرعية كما أعلنت عن توسعها في إنشاء الجمعيات الخيرية.
وأعلنت مجموعة أخرى من السلفيين إنشاء حزب سياسي باسم (الفضيلة) يترأسه الدكتور عادل عبد المقصود عفيفي ويمثل مرجعيته الدينية التيار السلفي [الحركي] بالقاهرة بقيادة الدكتور محمد عبد المقصود وفوزي السعيد ونشأت أحمد ويرفع الحزب شعار تحقيق العدالة والمساواة بين البشر وإعادة الصدارة لمصر في مختلف الميادين بما يتفق مع مبادئ الشريعة الإسلامية.
فيما استمر الشيخ أبو إسحاق الحويني على صمتهم الذي التزمه وقت الثورة فلم ينضم لمجلس العلماء بالرغم من قيمته العلمية والرمزية كأحد أهم مشايخ التيار السلفي في مصر والذين يحظون بشعبية جارفة وثقة كبيرة في الأوساط السلفية.
وهناك تيار آخر مايزال متمسكا بالمواقف القديمة الرافضة لتلك المشاركة في العملية الديمقراطية برمتها ويمثله التيار المدخلي وآخرون من المدرسة السلفية العلمية [التقليدية] يأثرون الحيطة ويخشون من العواقب ويفضلون العمل الدعوي ويخشون من الانجرار في وحل السياسة والتفريط في مشروعهم الحقيقي القائم على التصفية والتربية والإصلاح من القاعدة وليس من قمة الهرم فتطبيق الشريعة لن يأتي بالدماء ولا بالديمقراطية الآتية من الغرب التي تأله الشعب حيث تجعله هو المشرع وإنما بتغيير المجتمع عن طريق الدعوة إلى الله والعمل الخيري وترسيخ العقيدة الإسلامية الصافية وهذا التيار حتى الآن يفضل الصمت الحذر ومناقشاته في الغالب تدور في الغرف المنغلقة متبعا مبدأ المناصحة مع كبار المشايخ والدعاة حفاظا على وحدة الصف وخشية من التصيد المقصود من قبل وسائل الإعلام حاليا للتيار السلفي الذي سلطت عليه الأضواء فجأة واخترقته سهام الفزاعات، لكن الوضع لن يستمر على حاله وثبات كلٌ على موقفه كفيل بإظهار الأمور للسطح.
الديمقراطية كفر .. ولكن ممارستها جائزة
شكلت (غزوة الصناديق) بداية صاخبة للممارسة السياسية للتيار السلفي، هكذا أسماها أحد أشهر الدعاة السلفيين وهو الشيخ محمد حسين يعقوب في إشارة منه إلى نتائج الاستفتاء على التعديل الدستوري والتي اكتسحه الرأي المؤيد بالتغيير وهو الذي تبناه ودافع عنه وحث عليه التيار السلفي من أجل الحفاظ على المادة الثانية للدستور والتي تقضي بأن الشريعة الإسلامية هي المصدر الأساسي للتشريع، والحقيقة أن التيار السلفي جعل مسألة البقاء على هذه المادة [المعطلة] مسألة حياة أو موت، وهو ما أثار اندهاش البعض كون لم تفعل البتة منذ وضعها الرئيس الراحل محمد أنور السادات قبل عقود، بخلاف إمكانية تعديل الدستور في عهد الرئيس القادم بعد موافقة البرلمان، لكن ما يمكن قوله أن السبب الرئيس وراء اشتعال تلك المعركة هو الاحتراب بين التيارين الإسلامي والليبرالي والعلماني المنادي بإزالتها، كذلك الرغبة في إثبات الوجود والاحساس بنصر ولو معنوي، لكن السبب الأهم برأيي يعود محاولة تأجيل تلك المعارك في الوقت الحالي حتى أوان نقلها إلى قبة البرلمان وهو المسوغ الأهم للسلفيين لخوض هذه العملية الديمقراطية، التي هي في الأصل منهج كفري عندهم لكن دفع المفسدة الأكبر المترتبة على عدم الخوض فيها هو المبرر الوحيد الذي يجعلهم يضطرون لارتكاب هذا المحرم لدفع محرم أكبر في حالة سكوتهم، استنادا إلى القاعدة الأصولية وهي [الأخذ بأخف الضررين].
ومن هنا أيضا منشأ الخلاف بين أطياف التيار السلفي المتفق كليا على تحريم [الديمقراطية] والقول بكفرها وإن حاول البعض تلافي الحديث في هذه الجزئية أو عدم اظهار الخلاف حول جواز المشاركة السياسية القائمة على النظام الديمقراطي في الوقت الحالي وإظهار التيار السلفي في حالة اتفاق على الوضع الجديد.
فالأيدلوجية السلفية بشكل عام ترى أن العملية الديمقراطية [كفر بالله تعالى] لأنها تجعل له شريك في التشريع ومثالهم على ذلك أننا إذا أردنا تطبيق الشريعة أو إقامة الحدود فإن ذلك في النظام الديمقراطي يتطلب التصويت البرلماني حتى يتم إقراره إذ أن الديمقراطية هي حكم الأغلبية من خلال ممثلي الشعب الذين اختارهم لتمثيله في السلطة التشريعية (البرلمان)، وهذه الجزئية تحديدا كانت منشأ خلاف جوهري مع جماعة الإخوان المسلمين التي أعلن العديد من قادتها قبولهم بالديمقراطية حتى على هذه الصورة ليقينهم أن الشعب في مصر مسلم ولن يقبل سوى بتطبيق الشريعة وهو مالم يقبله السلفيين بأي حال من الأحوال.
وعليه إذا كانت الديمقراطية كفر بهذه الصورة فإن ما يترتب عليها من انتخابات تشريعية (برلمانية) وغيرها أمور محرمة، لا يجوز المشاركة فيها، والعبرة لمن يجيز هو طغيان المصالح على المفاسد في حالة الامتناع عن الانخراط فيها، وهو ما جعل البعض يتحدث عن أن السبب وراء العزوف عن المشاركة السلفية في الماضي هو التزوير والتضييق الأمني، لكن الحافز الأكبر للقائلين بالمشاركة برأيي هو الرغبة في تشكيل أغلبية برلمانية وجماعات ضغط مع التيارات الإسلامية الأخرى كالإخوان والجماعة الإسلامية والجهاد وحزاب الوسط للتصدي للمشروع العلماني والقوانين المخالفة الشريعة وهو أمر قد يصل للوجوب إذا كان تركه سبيل لمرور آخرين سيساهمون في علمنة البلاد وتنحية الشريعة الإسلامية.
خلاصة القول: أن السلفية المصرية كما غيرها في العالم أطياف متعددة وكما رأينا عدة مواقف متباينة إزاء الثورة وحكم الخروج في المظاهرات وتكييف ذلك من الناحية الفقهية هل هو خروج محرم على الحاكم أم لا فإن نفس هذه الانقسامات ستتكرر في مسائل ونوازل متعددة ولن تتفق الأطياف السلفية فيما بينها وإن اتفقت في أصول كثيرة.
وعليه يمكن تلخيص مواقف التيار السلفي من الممارسة الديمقراطية في الوقت الحالي كما يلي:
1- فريق مؤيد ويسعى للانصهار العمل السياسي ويغلب المصالح على المفاسد ويمثله الدعوة السلفية في الإسكندرية وفروعها في المحافظات وأسست حزب النور بمرجعية دينية ، وكذلك التيار السلفي [الحركي] بالقاهرة ورموزه محمد عبد المقصود ونشأت أحمد وفوزي السعيد ويدعم تأسيس حزب سلفي آخر [الفضيلة] ولا يتولى أيضا قيادته وإنما يكتفي بالمرجعية.
2- وقسم آخر يحاول مسك العصا من المنتصف فلا يرفض ولا يشارك بنفسه وقد يوجه البعض بالمشاركة بحسب ما تتضح الأمور وتتبناه جماعة أنصار السنة المحمدية والشيخ محمد حسان وهم الذين أسسوا مجلس شورى العلماء لهذا الغرض.
3- الصامتون: يبرز الشيخ أبو إسحاق الحويني.
4- الممانعون: تيار المدخلية وطيف كبير من التيار السلفي التقليدي لم يعلن عن موقفه بشكل صريح وعلني حتى الآن كما أسلفت، ويمكن الاطلاع على رأي أحد مشايخ هذا التيار بالتفصيل وهو الشيخ هشام البيلي من خلال هذا الرابط http://rpcst.com/news.php?action=show&id=3022 .
منقول