بقلم: هابت حــــناشي بعد 13 سنة ـ تمكنت المحقق من كشف المكان الذي دفن فيه، وتحصلت على تفاصيل دقيقة بخصوص قتله، وكيف رمي في حفرة بين أشجار البرتقال بمنطقة المتيجة الى جانب رفيقه وصديقه عبد الرزاق رجام، رئيس ديوان عباسي مدني، وعضو >خلية الازمة< التي أسسها حشاني بعد اعتقال قادة الفيس في صيف.1991
في خريف 1995 نشرت وسائل الإعلام خبر مقتل محمد السعيد من طرف الجماعة الإسلامية المسلحة، وهو داعية إسلامي معروف قبل أن يلتحق بالجبهة الإسلامية للإنقاذ ويصبح من قيادييها الكبار، وبالجماعة الإسلامية المسلحة فيما بعد، وكان خبر مقتله مقتضبا >قتل محمد السعيد من طرف جمال زيتوني في جبال الشريعة، بولاية البليدة< دون أي تفاصيل أخرى، في حين، نشرت الجماعة الإسلامية المسلحة بيانا وقعه أميرها الوطني جمال زيتوني، قالت فيه أن >المجاهد محمد السعيد استشهد في معركة مع الطاغوت بمحاذاة الاربع طرق، في العيساوية، قرب تابلاط، بولاية المدية< ونعته الجماعة بحرارة وتوعدت بالانتقام لمقتله(1) • والآن، بعد مرور 13 سنة عن مقتل محمد السعيد، رفقة عبد الرزاق رجام، وهو الآخر قيادي بارز ضمن الجيل الثاني في الفيس الذي خلف القيادة الاولى، تم الحصول على الخبر اليقين، وهو أن محمد السعيد الذي انضم رفقة رجام الى الجماعة الاسلامية المسلحة في مؤتمر الوحدة الذي عقد في 1994 بجبال تمزقيدة بضواحي المدية، وبايع زيتوني على السمع والطاعة، قتل من طرف هذه الجماعة نفسها وبأمر مكتوب من جمال زيتوني، بتهمة الانتماء أو>تزعم تيار الجزأرة<، وهو تيار >مبتدع ومنافق وجبت محاربته وقتل أنصاره المارقين والزائغين عن أصول الدين<، حسب الفتوى التي أصدرتها >الجيا< لقتل محمد السعيد ورجام وآخرين من أنصار الفيس وقادته، انضموا اليها في ,1994 في اطار ما سمي بمؤتمر الوحدة، الذي نظموه في 1994 وضم جميع التنظيمات المسلحة في تلك الفترة، بما فيها حركة الدولة الاتسلامية الميا والفيدا التي كان محمد السعيد وعبد الرزاق رجام عضوين بهما •
وقال عنصر سابق بالجماعة الإسلامية المسلحة كان ينشط في منطقة المتيجة، أنه شاهد بعينيه عملية قتل ودفن محمد السعيد وعبد الرزاق رجام، في خريف ,1994 وسط حقول البرتقال، قرب بلدية الشبلي، الواقعة إلى الجنوب من العاصمة• وكان شاهد العيان، ويدعى عمار عمران، واحدا من 18 شخصا، كانوا مرابطين في منطقة عبور كانت تديرها الجماعة الاسلامية المسلحة بمزرعة >سان روبير< قرب الشبلي، عندما جــيء بمحمد السعيد ورجـــام حيين من جبال الشريعة عبر عمروسة الى الشبلي، ليتم قتلهما شر قتلة، رميا بالرصاص، ويتم رميهما في حفرتين، تحت أشجار الصنوبر،على الحــدود بين مزرعتي الاربعين شهيدا ومحمد شلح •
حسب أقوال عمار عمران، وهو رجل مسن يبـلغ الســادسة والستين، تم إغتيال محمد السعيد وعبد الرزاق رجام في نهاية أكتوبر ,1995 من طرف أمير كتيبة بوفاريك، يدعى الأمير عماد، وهو شاب دموي يبلغ من العمر 26 سنة، حيث أطلق عليه رصاصة واحدة في الجبهة عندما كان يهم بالتوضؤ لأداء صلاة العصر، ثم وجه رصاصة أخرى الى رأس عبد الرزاق رجام الذي كان هو الآخر يتوضأ، وأمر عناصره بدفنهما في حفرتين، أعدهما قبل ساعتين، يبعدان 50 مترا تقريبا من مكان قتلهما •
وعاينت المحقق المكان الذي قتل فيه الرجلان، وسط حقول البرتقال في مزرعة سان روبير، والمكان الذي دفنا فيه، تحت أشجار الصنوبر، لكن وسط حقول البرتقال، بين مزرعتي محمد شلح والاربعين شهيدا، وكلا المكانين يبعدان بحوالي 500 متر عن الطريق العمومي المؤدي الى بلدية الشبلي لما نكون قادمين من بلدية بوعنان •
توجه إلى مكان الوضوء فتلقى رصاصة غادرة
ويروي الشاهد عمار عمران بدقة كيف قتل الرجلان، يقول >حدث ذلك في نهاية أكتوبر ,1994 في زمن >الرمان<، نزلت من الجبل لأزور عائلتي قرب بوفاريك، لم يكن يسمح لنا بالذهاب الى أهالينا بمفردنا، لهذا طلبوا مني أن أتوجه الى منطقة العبور قرب الشبلي، ومن هناك يقوم عناصر الجيا بتغطية زيارتي الى العائلة• كانت منطقة العبور تحت مسؤولية كتيبة بوفاريك، وهي كتيبة تضم بين 120 و150 ارهابيا مدججين بالاسلحة، ويقودها شاب دموي يدعى الأمير عماد• بت ليلتي الأولى بين أهلي، وقبل طلوع الفجر عدت الى منطقة العبور، حيث لم يكن يسمح لنا بالبقاء في بيوتنا نهارا، كنا نبيت الليل وقبل الفجر نعود الى هذه المنطقة، ظُـــهْـرَ ذلك اليوم، جاءوا بمحمد السعيد وعبد الرزاق رجام، جاءوا بهما قبل صلاة الظهر بنصف ساعة تقريبا على متن >رونو اكسبريس< قادمين من عمروسة، قدمهما لنا الأمير عماد على أنهما >اخوة لنا في الدين، أرسلهما الأمير زيتوني لتعليمكم أصول الدين والشريعة <•
كان محمد السعيد في صحة جيدة، يرتدي عباءة بيضاء، والسروال الافغاني القصير>البنجاب< ويرتدي فوقهما >باركا< خضراء اللون، كاكي ويضع على رأسه شاشية بيضاء وعمامة كاكي، في حين ينتعل حذاء رياضيا من نوع أديداس• كان يبدو مسترخيا رفقة صديقه عبد الرزاق رجام وهما يتجولان وسط حقول البرتقال، لكن تحت العيون الصارمة لعناصر الجماعة الاسلامية المسلحة المتربصين بهما •
واصل شاهد العيان، الذي يكشف عن هذه الحقائق لأول مرة روايته لقصة مقتل ومدفن محمد السعيد وعبد الرزاق رجام >بعد صلاة الظهر، طلب منهما الأمير عماد البقاء بمفردهما لأنهما ضيفان وليس عنصرين بكتيبته، حيث يعقد>اجتماعا للجند< لا يجوز لهما المشاركة فيه• كنا حوالي 18 عنصرا، جمعنا الأمير عماد، وهو محاط بأربعة حراس مدججين بالاسلحة، ليقول لنا بصوت منخفض>طلب مني الأمير أبو عبد الرحمن أمين (جمال زيتوني) أن أنفذ فيهما حكم القتل، ثم أخرج لنا من جيبه ورقة مكتوبة•• هذا هو الامر الذي جاءني من الأمير •• هؤلاء جزأرة، منافقون ومرتدون كفرة يجوز قتلهما •• احرسوهم جيدا، لا تتركوهم يختفون عن أعينكم•• سننفذ فيهم الامر قبل صلاة العصر •• عندما كان عماد يخطب فينا، كان محمد السعيد ورجام يضحكان هناك وهما مستلقيان تحت أشجار البرتقال •• وعندما أنهى الأمير >اجتماعه< طلب منهما الانضمام الينا ومشاركتنا الحديث• كنا نعرف أنهما سيقتلان إلا هما <•
ينتمي محمد السعيد، واسمه الحقيقي بلقاسم الوناس، وعبد الرزاق رجام، إلى تيار الجزأرة الذي تأسس في ,1984 وهو تيار كان مضادا لتيار الإخوان المسلمين، الذي كان يمثله محفوظ نحناح، وكان ضد تأسيس الفيس كحزب سياسي، حيث اتهمه بالحزب الشعبوي، غير أن هذا التيار تقرب من الفيس بعد فوز هذا الاخير بالانتخابات المحلية في ,1990 وتمكن من الوصول الى المراكز الأولى في صفوفه، رفقة عبد القادر حشاني، وهذا التيار هو الذي أسس تنظيم الفيدا المسلح، المشهور باغتياله للمثقفين ورجال الدولة، ثم انضم الى الجماعة الاسلامية المسلحة في ,1994 التنظيم الاكثر دموية في تاريخ التنظيمات الارهابية في الجزائر •
يواصل الشاهد عمار عمران، الذي يعاني حاليا من الروماتيزم وهشاشة العظام والتهاب المفاصل روايته لمقتل محمد السعيد ورجام "عندما سمعنا آذان العصر من أحد مساجد الشبلي، توجه محمد السعيد إلى حيث يوجد الماء ليتوضأ •• نزع حذاءه ولف كم قميصه ••وهم بالوضوء •• في تلك اللحظة بالضبط، وكنا نعرف ما سيحدث، توجه اليه الأمير عماد •• وجه اليه سلاحه وأطلق عليه رصاصة واحدة في الجبهة، فتفجر رأسه •• سقط مخه قرب >السوندا< التي كان سيتوضأ بها ••وسقط على جنبه الأيسر •• في تلك اللحظات، كان عبد الرزاق رجام، ويسمونه في الجبل عبد القادر هو الآخر بصدد التوضؤ، التفت إلى الأمير عماد وشرع في التشهد ••لا إله إلا الله محمد رسول الله •• "وعلاه وعلاه"(أي لماذا قتلته)، رد عليه الأمير عماد بجملتين >رَّيح ثم •• ريّح ثم< ثم أطلق عليه رصاصة واحدة في الرأس، حيث قتله على الفور •• وشاهدت أجزاء من مخه تلتصق بالشجرة التي كان يتكئ عليها وهو يستعد للوضوء، عندما سقط رجام التفت إلينا الأمير عماد وقال لنا >لا تترحموا عليهما •• لا تصلوا عليهما •• انهما جزأرة كفرة <•
كان عماد قد طلب قبل ساعة من رجاله أن يحفروا حفرتين تحت أشجار الصنوبر بين مزرعتي محمد شلح والاربعين شهيدا، وهما حفرتان لا علاقة لهما بقبور المسلمين •
طلب منا الأمير أن ننقل الجثتين ونرمي بهما في الحفرتين•• تم حمل الجثتين من طرف أربعة عناصر، وفي الطريق سقطت عمامة محمد السعيد وشاشيته البيضاء، فحملهما الأمير عماد وهو يمشي وراء الجثتين محاطا بأربعة حراس شخصيين، حملهما بيده اليسرى وهو يتقزز، وعندما رميت الجثتان في الحفرتين، رمى عماد عمامة محمد السعيد فوق الجثة واستدار عائدا الى منطقة العبور في مزرعة سان روبير• عندما تم الانتهاء من الدفن، قام الأمير بإمامتنا في صلاة العصر•• كان يطلب من الله، ونحن نردد وراءه، أن ينصره وينصرنا على القوم الظالمين، وأن يجعلنا من عباده الصالحين••• عندما انتهينا من الصلاة، قال لنا الأمير، أن الصلاة لا تجوز على الاموات من الجزأرة، فهم كفرة ومنافقون وأتباع الشيطان ••
تصفية عناصر الجزأرة
لم ينته مسلسل القتل بهذه الطريقة في منطقة العبور التي يسيطر عليها الأمير عماد، تحت بطش الجماعة الاسلامية المسلحة •• فبعد ثلاثة أيام، جيئ للامير عماد برجلين آخرين من رجال الجزأرة، هما عبد الحق وعبد الله، كلاهما كان عضوا بالفيس، وانضما الى >الجماعة المسلحة سنة ,1993 كلاهما مهندس في الالكترونيك، وكانا مكلفين بترتيب القنابل المتفجرة وأسلوب التفجير عن بعد••
يقول عمار عمران "قتل عبد الحق وعبد الله بنفس الطريقة ونفس الكيفية قبيل صلاة الظهر، توجه عماد والرشاش في يده اليمنى نحو عبد الحق •• كان هذا الأخير يقرأ القرآن وهو متكئ على جذع شجرة، وجه له الأمير رصاصتين أو ثلاث الى الرأس، فتفجر مخه وانتشر في المكان، في تلك اللحظة التفت صديقه عبد الله وهو يشهد ويكبر"، مرددا نفس العبارة تقريبا التي تفوه بها رجام عندما قتل محمد السعيد "يا الخاوة وعلاه •• وعلاه" فرد عليه الأمير وهو يقترب منه والرشاش في يده اليمنى "ما كان والو •• ما كان والو ••" وأفرغ فيه ما تبقى من رصاص في سلاحه الفتاك، ثم أضاف له شاب يبلغ من العمر 15 سنة ويدعى جلول، والمفضل لدى الأمير، رصاصات أخرى في جسده الميت وهو يصيح >يا وحد الكافر •• يا الجزأرة <•• قال الشاهد عمار عمران أنهما دفنا جنبا الى جنب، على بعد 10 أمتار من المكان الذي دفن فيه السعيد ورجام، تحت أشجار الصنوبر، بين مزرعتي محمد شلح والاربعين شهيدا •
في تلك الليلة، على الثامنة مساء، وكان يوما ماطرا، تنقل عماد ومعه الغلام جلول، وأربعة من حراسه على متن سيارة تجارية، الى بلدة معصومة في ضواحي بوفاريك، حيث اعتادوا المبيت لدى شخص، يوجد قبو أو >كازمة ببيته<، في تلك الليلة، تحصلت قوات الامن على معلومات تفيد بوجود أمير كتيبة بوفاريك هناك رفقة عناصره، وقامت قوات الامن بمحاصرة البيت، وهو بيت بسيط يقع وسط مدينة معصومة، وهناك، وقعت مواجهات عنيفة، انتهت مع آذان الفجر بالقضاء على الأمير عماد الدموي وعناصره، بما فيهم الغلام المفضل لديه الشاب جلول الذي لم يكن قد بلغ السادسة عشر من العمر بعد •
هوامش :
* المقال منشور في أسبوعية المحقق، والعناوين من هيئة التحرير- 1- صارت لندن تشهد اجتماعاً تلو الآخر لمناقشة سيل من الأنباء المقلقة الواردة من الجزائر. وكان أول تلك الأنباء ما سرّبه مؤيدون لـ «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» الجزائرية، في نهاية 1995، في خصوص مقتل شيوخ الجبهة الذين انضموا الى «الجماعة» في «لقاء الوحدة» الشهير في أيار (مايو) 1994، على رأسهم الشيخان محمد السعيد وعبدالرزاق رجام. وقال «الانقاذيون» وقتذاك ان السعيد ورجام وعدداً من مؤيديهم قُتلوا في كمين نصبه لهم «متشددون في الجماعة» في تشرين الثاني (نوفمبر) 1995 في جبال منطقة المدية، جنوب العاصمة الجزائرية. وإزاء هذه المعلومات التي انتشرت بين الإسلاميين كالنار في الهشيم، خصوصاً انها تتعلق بشخصية من وزن محمد السعيد، وهو زعيم تيار إسلامي معروف في الجزائر (تيار الجزأرة)، اتصل مؤيدو «الجماعة» في لندن – وكانوا يعملون آنذاك في إصدار نشرة «الأنصار» ويتكتلون أساساً حول الشيخ «أبو قتادة» – بمسؤولي تنظيمهم في الجزائر، عبر قناة الاتصال المعتادة بين الطرفين. طلبوا رداً منهم على المعلومات عن مقتل السعيد ورفاقه. ووعدهم الشخص المكلف بالاتصال بخلية مؤيدي «الجماعة» في لندن، بالرد على استفسارهم حالما يحصل على جواب. ومرّت أيام كأنها دهر، حتى جاءهم الرد من «الجماعة»، ومفاده ان السعيد ورجام قُتلا «شهيدين» في كمين للجيش الجزائري. وسارع المشرفون على «الأنصار» الى إصدار ذلك التوضيح في نشرتهم. لكن ما كادت «الأنصار» تصدر في هذا الشكل حتى جاء اتصال ثان من قيادة «الجماعة» بخلية لندن، وشكّل فحواه صدمة لمؤيديها. فقد أبلغهم المتصل ان «الجماعة» مسؤولة فعلاً عن قتل السعيد ورجام اللذين صُفّيا لأنهما كانا يتآمران لتنفيذ «انقلاب» داخل «الجماعة» يستهدف «منهجها السلفي»، في إشارة الى ان الرجلين بقيا، على رغم انضمامهما الى «الجماعة» في 1994، على منهجهما السابق عندما كانا في «جبهة الإنقاذ» التي كانت تؤمن بالعمل السياسي والتعددية والانتخابات.
في خريف 1995 نشرت وسائل الإعلام خبر مقتل محمد السعيد من طرف الجماعة الإسلامية المسلحة، وهو داعية إسلامي معروف قبل أن يلتحق بالجبهة الإسلامية للإنقاذ ويصبح من قيادييها الكبار، وبالجماعة الإسلامية المسلحة فيما بعد، وكان خبر مقتله مقتضبا >قتل محمد السعيد من طرف جمال زيتوني في جبال الشريعة، بولاية البليدة< دون أي تفاصيل أخرى، في حين، نشرت الجماعة الإسلامية المسلحة بيانا وقعه أميرها الوطني جمال زيتوني، قالت فيه أن >المجاهد محمد السعيد استشهد في معركة مع الطاغوت بمحاذاة الاربع طرق، في العيساوية، قرب تابلاط، بولاية المدية< ونعته الجماعة بحرارة وتوعدت بالانتقام لمقتله(1) • والآن، بعد مرور 13 سنة عن مقتل محمد السعيد، رفقة عبد الرزاق رجام، وهو الآخر قيادي بارز ضمن الجيل الثاني في الفيس الذي خلف القيادة الاولى، تم الحصول على الخبر اليقين، وهو أن محمد السعيد الذي انضم رفقة رجام الى الجماعة الاسلامية المسلحة في مؤتمر الوحدة الذي عقد في 1994 بجبال تمزقيدة بضواحي المدية، وبايع زيتوني على السمع والطاعة، قتل من طرف هذه الجماعة نفسها وبأمر مكتوب من جمال زيتوني، بتهمة الانتماء أو>تزعم تيار الجزأرة<، وهو تيار >مبتدع ومنافق وجبت محاربته وقتل أنصاره المارقين والزائغين عن أصول الدين<، حسب الفتوى التي أصدرتها >الجيا< لقتل محمد السعيد ورجام وآخرين من أنصار الفيس وقادته، انضموا اليها في ,1994 في اطار ما سمي بمؤتمر الوحدة، الذي نظموه في 1994 وضم جميع التنظيمات المسلحة في تلك الفترة، بما فيها حركة الدولة الاتسلامية الميا والفيدا التي كان محمد السعيد وعبد الرزاق رجام عضوين بهما •
وقال عنصر سابق بالجماعة الإسلامية المسلحة كان ينشط في منطقة المتيجة، أنه شاهد بعينيه عملية قتل ودفن محمد السعيد وعبد الرزاق رجام، في خريف ,1994 وسط حقول البرتقال، قرب بلدية الشبلي، الواقعة إلى الجنوب من العاصمة• وكان شاهد العيان، ويدعى عمار عمران، واحدا من 18 شخصا، كانوا مرابطين في منطقة عبور كانت تديرها الجماعة الاسلامية المسلحة بمزرعة >سان روبير< قرب الشبلي، عندما جــيء بمحمد السعيد ورجـــام حيين من جبال الشريعة عبر عمروسة الى الشبلي، ليتم قتلهما شر قتلة، رميا بالرصاص، ويتم رميهما في حفرتين، تحت أشجار الصنوبر،على الحــدود بين مزرعتي الاربعين شهيدا ومحمد شلح •
حسب أقوال عمار عمران، وهو رجل مسن يبـلغ الســادسة والستين، تم إغتيال محمد السعيد وعبد الرزاق رجام في نهاية أكتوبر ,1995 من طرف أمير كتيبة بوفاريك، يدعى الأمير عماد، وهو شاب دموي يبلغ من العمر 26 سنة، حيث أطلق عليه رصاصة واحدة في الجبهة عندما كان يهم بالتوضؤ لأداء صلاة العصر، ثم وجه رصاصة أخرى الى رأس عبد الرزاق رجام الذي كان هو الآخر يتوضأ، وأمر عناصره بدفنهما في حفرتين، أعدهما قبل ساعتين، يبعدان 50 مترا تقريبا من مكان قتلهما •
وعاينت المحقق المكان الذي قتل فيه الرجلان، وسط حقول البرتقال في مزرعة سان روبير، والمكان الذي دفنا فيه، تحت أشجار الصنوبر، لكن وسط حقول البرتقال، بين مزرعتي محمد شلح والاربعين شهيدا، وكلا المكانين يبعدان بحوالي 500 متر عن الطريق العمومي المؤدي الى بلدية الشبلي لما نكون قادمين من بلدية بوعنان •
توجه إلى مكان الوضوء فتلقى رصاصة غادرة
ويروي الشاهد عمار عمران بدقة كيف قتل الرجلان، يقول >حدث ذلك في نهاية أكتوبر ,1994 في زمن >الرمان<، نزلت من الجبل لأزور عائلتي قرب بوفاريك، لم يكن يسمح لنا بالذهاب الى أهالينا بمفردنا، لهذا طلبوا مني أن أتوجه الى منطقة العبور قرب الشبلي، ومن هناك يقوم عناصر الجيا بتغطية زيارتي الى العائلة• كانت منطقة العبور تحت مسؤولية كتيبة بوفاريك، وهي كتيبة تضم بين 120 و150 ارهابيا مدججين بالاسلحة، ويقودها شاب دموي يدعى الأمير عماد• بت ليلتي الأولى بين أهلي، وقبل طلوع الفجر عدت الى منطقة العبور، حيث لم يكن يسمح لنا بالبقاء في بيوتنا نهارا، كنا نبيت الليل وقبل الفجر نعود الى هذه المنطقة، ظُـــهْـرَ ذلك اليوم، جاءوا بمحمد السعيد وعبد الرزاق رجام، جاءوا بهما قبل صلاة الظهر بنصف ساعة تقريبا على متن >رونو اكسبريس< قادمين من عمروسة، قدمهما لنا الأمير عماد على أنهما >اخوة لنا في الدين، أرسلهما الأمير زيتوني لتعليمكم أصول الدين والشريعة <•
كان محمد السعيد في صحة جيدة، يرتدي عباءة بيضاء، والسروال الافغاني القصير>البنجاب< ويرتدي فوقهما >باركا< خضراء اللون، كاكي ويضع على رأسه شاشية بيضاء وعمامة كاكي، في حين ينتعل حذاء رياضيا من نوع أديداس• كان يبدو مسترخيا رفقة صديقه عبد الرزاق رجام وهما يتجولان وسط حقول البرتقال، لكن تحت العيون الصارمة لعناصر الجماعة الاسلامية المسلحة المتربصين بهما •
واصل شاهد العيان، الذي يكشف عن هذه الحقائق لأول مرة روايته لقصة مقتل ومدفن محمد السعيد وعبد الرزاق رجام >بعد صلاة الظهر، طلب منهما الأمير عماد البقاء بمفردهما لأنهما ضيفان وليس عنصرين بكتيبته، حيث يعقد>اجتماعا للجند< لا يجوز لهما المشاركة فيه• كنا حوالي 18 عنصرا، جمعنا الأمير عماد، وهو محاط بأربعة حراس مدججين بالاسلحة، ليقول لنا بصوت منخفض>طلب مني الأمير أبو عبد الرحمن أمين (جمال زيتوني) أن أنفذ فيهما حكم القتل، ثم أخرج لنا من جيبه ورقة مكتوبة•• هذا هو الامر الذي جاءني من الأمير •• هؤلاء جزأرة، منافقون ومرتدون كفرة يجوز قتلهما •• احرسوهم جيدا، لا تتركوهم يختفون عن أعينكم•• سننفذ فيهم الامر قبل صلاة العصر •• عندما كان عماد يخطب فينا، كان محمد السعيد ورجام يضحكان هناك وهما مستلقيان تحت أشجار البرتقال •• وعندما أنهى الأمير >اجتماعه< طلب منهما الانضمام الينا ومشاركتنا الحديث• كنا نعرف أنهما سيقتلان إلا هما <•
ينتمي محمد السعيد، واسمه الحقيقي بلقاسم الوناس، وعبد الرزاق رجام، إلى تيار الجزأرة الذي تأسس في ,1984 وهو تيار كان مضادا لتيار الإخوان المسلمين، الذي كان يمثله محفوظ نحناح، وكان ضد تأسيس الفيس كحزب سياسي، حيث اتهمه بالحزب الشعبوي، غير أن هذا التيار تقرب من الفيس بعد فوز هذا الاخير بالانتخابات المحلية في ,1990 وتمكن من الوصول الى المراكز الأولى في صفوفه، رفقة عبد القادر حشاني، وهذا التيار هو الذي أسس تنظيم الفيدا المسلح، المشهور باغتياله للمثقفين ورجال الدولة، ثم انضم الى الجماعة الاسلامية المسلحة في ,1994 التنظيم الاكثر دموية في تاريخ التنظيمات الارهابية في الجزائر •
يواصل الشاهد عمار عمران، الذي يعاني حاليا من الروماتيزم وهشاشة العظام والتهاب المفاصل روايته لمقتل محمد السعيد ورجام "عندما سمعنا آذان العصر من أحد مساجد الشبلي، توجه محمد السعيد إلى حيث يوجد الماء ليتوضأ •• نزع حذاءه ولف كم قميصه ••وهم بالوضوء •• في تلك اللحظة بالضبط، وكنا نعرف ما سيحدث، توجه اليه الأمير عماد •• وجه اليه سلاحه وأطلق عليه رصاصة واحدة في الجبهة، فتفجر رأسه •• سقط مخه قرب >السوندا< التي كان سيتوضأ بها ••وسقط على جنبه الأيسر •• في تلك اللحظات، كان عبد الرزاق رجام، ويسمونه في الجبل عبد القادر هو الآخر بصدد التوضؤ، التفت إلى الأمير عماد وشرع في التشهد ••لا إله إلا الله محمد رسول الله •• "وعلاه وعلاه"(أي لماذا قتلته)، رد عليه الأمير عماد بجملتين >رَّيح ثم •• ريّح ثم< ثم أطلق عليه رصاصة واحدة في الرأس، حيث قتله على الفور •• وشاهدت أجزاء من مخه تلتصق بالشجرة التي كان يتكئ عليها وهو يستعد للوضوء، عندما سقط رجام التفت إلينا الأمير عماد وقال لنا >لا تترحموا عليهما •• لا تصلوا عليهما •• انهما جزأرة كفرة <•
كان عماد قد طلب قبل ساعة من رجاله أن يحفروا حفرتين تحت أشجار الصنوبر بين مزرعتي محمد شلح والاربعين شهيدا، وهما حفرتان لا علاقة لهما بقبور المسلمين •
طلب منا الأمير أن ننقل الجثتين ونرمي بهما في الحفرتين•• تم حمل الجثتين من طرف أربعة عناصر، وفي الطريق سقطت عمامة محمد السعيد وشاشيته البيضاء، فحملهما الأمير عماد وهو يمشي وراء الجثتين محاطا بأربعة حراس شخصيين، حملهما بيده اليسرى وهو يتقزز، وعندما رميت الجثتان في الحفرتين، رمى عماد عمامة محمد السعيد فوق الجثة واستدار عائدا الى منطقة العبور في مزرعة سان روبير• عندما تم الانتهاء من الدفن، قام الأمير بإمامتنا في صلاة العصر•• كان يطلب من الله، ونحن نردد وراءه، أن ينصره وينصرنا على القوم الظالمين، وأن يجعلنا من عباده الصالحين••• عندما انتهينا من الصلاة، قال لنا الأمير، أن الصلاة لا تجوز على الاموات من الجزأرة، فهم كفرة ومنافقون وأتباع الشيطان ••
تصفية عناصر الجزأرة
لم ينته مسلسل القتل بهذه الطريقة في منطقة العبور التي يسيطر عليها الأمير عماد، تحت بطش الجماعة الاسلامية المسلحة •• فبعد ثلاثة أيام، جيئ للامير عماد برجلين آخرين من رجال الجزأرة، هما عبد الحق وعبد الله، كلاهما كان عضوا بالفيس، وانضما الى >الجماعة المسلحة سنة ,1993 كلاهما مهندس في الالكترونيك، وكانا مكلفين بترتيب القنابل المتفجرة وأسلوب التفجير عن بعد••
يقول عمار عمران "قتل عبد الحق وعبد الله بنفس الطريقة ونفس الكيفية قبيل صلاة الظهر، توجه عماد والرشاش في يده اليمنى نحو عبد الحق •• كان هذا الأخير يقرأ القرآن وهو متكئ على جذع شجرة، وجه له الأمير رصاصتين أو ثلاث الى الرأس، فتفجر مخه وانتشر في المكان، في تلك اللحظة التفت صديقه عبد الله وهو يشهد ويكبر"، مرددا نفس العبارة تقريبا التي تفوه بها رجام عندما قتل محمد السعيد "يا الخاوة وعلاه •• وعلاه" فرد عليه الأمير وهو يقترب منه والرشاش في يده اليمنى "ما كان والو •• ما كان والو ••" وأفرغ فيه ما تبقى من رصاص في سلاحه الفتاك، ثم أضاف له شاب يبلغ من العمر 15 سنة ويدعى جلول، والمفضل لدى الأمير، رصاصات أخرى في جسده الميت وهو يصيح >يا وحد الكافر •• يا الجزأرة <•• قال الشاهد عمار عمران أنهما دفنا جنبا الى جنب، على بعد 10 أمتار من المكان الذي دفن فيه السعيد ورجام، تحت أشجار الصنوبر، بين مزرعتي محمد شلح والاربعين شهيدا •
في تلك الليلة، على الثامنة مساء، وكان يوما ماطرا، تنقل عماد ومعه الغلام جلول، وأربعة من حراسه على متن سيارة تجارية، الى بلدة معصومة في ضواحي بوفاريك، حيث اعتادوا المبيت لدى شخص، يوجد قبو أو >كازمة ببيته<، في تلك الليلة، تحصلت قوات الامن على معلومات تفيد بوجود أمير كتيبة بوفاريك هناك رفقة عناصره، وقامت قوات الامن بمحاصرة البيت، وهو بيت بسيط يقع وسط مدينة معصومة، وهناك، وقعت مواجهات عنيفة، انتهت مع آذان الفجر بالقضاء على الأمير عماد الدموي وعناصره، بما فيهم الغلام المفضل لديه الشاب جلول الذي لم يكن قد بلغ السادسة عشر من العمر بعد •
هوامش :
* المقال منشور في أسبوعية المحقق، والعناوين من هيئة التحرير- 1- صارت لندن تشهد اجتماعاً تلو الآخر لمناقشة سيل من الأنباء المقلقة الواردة من الجزائر. وكان أول تلك الأنباء ما سرّبه مؤيدون لـ «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» الجزائرية، في نهاية 1995، في خصوص مقتل شيوخ الجبهة الذين انضموا الى «الجماعة» في «لقاء الوحدة» الشهير في أيار (مايو) 1994، على رأسهم الشيخان محمد السعيد وعبدالرزاق رجام. وقال «الانقاذيون» وقتذاك ان السعيد ورجام وعدداً من مؤيديهم قُتلوا في كمين نصبه لهم «متشددون في الجماعة» في تشرين الثاني (نوفمبر) 1995 في جبال منطقة المدية، جنوب العاصمة الجزائرية. وإزاء هذه المعلومات التي انتشرت بين الإسلاميين كالنار في الهشيم، خصوصاً انها تتعلق بشخصية من وزن محمد السعيد، وهو زعيم تيار إسلامي معروف في الجزائر (تيار الجزأرة)، اتصل مؤيدو «الجماعة» في لندن – وكانوا يعملون آنذاك في إصدار نشرة «الأنصار» ويتكتلون أساساً حول الشيخ «أبو قتادة» – بمسؤولي تنظيمهم في الجزائر، عبر قناة الاتصال المعتادة بين الطرفين. طلبوا رداً منهم على المعلومات عن مقتل السعيد ورفاقه. ووعدهم الشخص المكلف بالاتصال بخلية مؤيدي «الجماعة» في لندن، بالرد على استفسارهم حالما يحصل على جواب. ومرّت أيام كأنها دهر، حتى جاءهم الرد من «الجماعة»، ومفاده ان السعيد ورجام قُتلا «شهيدين» في كمين للجيش الجزائري. وسارع المشرفون على «الأنصار» الى إصدار ذلك التوضيح في نشرتهم. لكن ما كادت «الأنصار» تصدر في هذا الشكل حتى جاء اتصال ثان من قيادة «الجماعة» بخلية لندن، وشكّل فحواه صدمة لمؤيديها. فقد أبلغهم المتصل ان «الجماعة» مسؤولة فعلاً عن قتل السعيد ورجام اللذين صُفّيا لأنهما كانا يتآمران لتنفيذ «انقلاب» داخل «الجماعة» يستهدف «منهجها السلفي»، في إشارة الى ان الرجلين بقيا، على رغم انضمامهما الى «الجماعة» في 1994، على منهجهما السابق عندما كانا في «جبهة الإنقاذ» التي كانت تؤمن بالعمل السياسي والتعددية والانتخابات.