ترويج الديمقراطية: هل حان وقت الخطة "ب" ؟
هذا الموضوع منشور منذ أكثر من عامين ..
__________________________________________________ _____
في سياق المراجعات التي يجريها الأكاديميون ومراكز البحوث الأمريكية المعنية بدراسات الشرق الأوسط ، عقد "معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى" The Washington Institute for New East Policy ورشة عمل مؤخرا حول سياسة نشر الديمقراطية في الشرق الأوسط. وركزت المداخلات على ضرورة الانتقال مما أسمته الخطة (أ) إلى الخطة (ب). قدم المداخلات الرئيسية كل من: كارل غيرشمان Carl Gershman، وهو رئيس "المؤسسة الوطنية للديمقراطية" National Endowment of Democracy وعضو اللجنة الاستشارية لوزير الخارجية لنشر الديمقراطية، ومارتن كرامر Martin Kramer الباحث في معهد واشنطن ومؤلف كتاب "الأبراج العاجية على الرمال: فشل دراسات الشرق الأوسط في الولايات المتحدة" Ivory Towers on Sand: The Failure of Middle East Studies in America، وأخيرا جينيفير وندسر Jennifer Windsor، وهي المديرة التنفيذية لمؤسسة فريدام هاوس Freedom House وعضو اللجنة الاستشارية لوزير الخارجية لنشر الديمقراطية. ويعرض تقرير واشنطن فيما يلي الجزء الأول من الدراسة وهي مداخلة كارل غيرشمان بينما نعرض مداخلة مارتن كرامر ففي عدد الأسبوع القادم.
مداخلة كارل غيرشمان
بدأ غيرشمان في تقديمه بالإشارة إلى بعض الملاحظات حول مضمون الخطة (أ)، والتي أعلنها الرئيس جورج بوش منذ حوالي ثلاث سنوات أثناء كلمة له بمناسبة الذكرى العشرين "للمؤسسة الوطنية للديمقراطية" National Endowment for Democracy.
ووفقا لغيرشمان، أشار بوش في كلمته إلى نقطتين رئيسيتين في إطار تلك السياسة. الأولى هي نقد إحدى الحجج والمقولات التقليدية التي تمسكت بها النظم السياسية في منطقة الشرق الأوسط خلال العقود الماضية لتبرير تأجيل عملية الإصلاح السياسي، وهي مقولة "الاستثناء العربي" أو "الخصوصية العربية"، والتي حاولت تلك الأنظمة من خلالها الترويج لفكرة صعوبة التحول الديمقراطي في الشرق الأوسط استنادا إلى الخصوصيات الثقافية والسياسية والدينية...الخ للمنطقة، ومن ثم فإن ما ينطبق على باقي الأقاليم الأخرى- أمريكا اللاتينية، وأوروبا الشرقية، وشرق وجنوب شرقي آسيا بما في ذلك الدول الإسلامية غير العربية أو أفريقيا جنوب الصحراء، لا ينطبق بالضرورة على دول الشرق الأوسط.
النقطة الثانية هي الربط بين انتشار الإرهاب والتنظيمات الإرهابية من ناحية، والجمود والفشل السياسي من ناحية أخرى. وقد دعا الرئيس الأمريكي في كلمته تلك إلى "سياسة جديدة وإستراتيجية مستقبلية للحرية في الشرق الأوسط" A Forward Strategy of Freedom.
هل فشلت الخطة ( أ)؟
وقد واجه تطبيق تلك الخطة صعوبات غير عادية في المنطقة، أبرزها العنف الطائفي في العراق وصعود حماس وحزب الله. ولكن الانتقال إلى الخطة (ب) لا يجب أن يعني إلغاء الخطة (أ)، فقد كان الرئيس بوش محقا عندما قال إن "الديمقراطية يمكن تحقيقها في الشرق الأوسط"، إلا أنه وبدون التقليل من أهمية العلاقة بين الأصولية الإسلامية والنظم السياسية التسلطية في الشرق الأوسط، فإن جوهر الصراع يقع بين هؤلاء الذين يقبلون الحداثة وأولئك الذين يرفضونها بشدة، ومن ثم فإن تطوير مؤسسات وقيم تقبل وتشجع حكم القانون، ووجود حكومات تمثيلية تخضع للمسائلة، واحترام حقوق الإنسان بما في ذلك حقوق المرأة والأقليات، ووجود إعلام مستقل، ومجتمع مدني قوي، واقتصاد السوق الحر، تمثل شروطا أساسية لإقامة مجتمع ديمقراطي حديث في العالم العربي.
ويخلص غيرشمان هنا إلى أن القضية الأساسية ليست ما إذا كان يجب على الولايات المتحدة تشجيع الديمقراطيين في الشرق الأوسط ، فهناك دعم كبير لتلك المسألة داخل الكونغرس، ولكن السؤال هو كيف يمكن إنجاز هذا الهدف على المدى البعيد. الخطة (أ) لم تثر هذا السؤال، بل على العكس تبنت عددا من الأهداف والطموحات غير الواقعية، ومن ثم إذا كان جوهر الخطة (ب) هو البحث في سؤال: كيف يمكن تشجيع عملية التحول الديمقراطي في المنطقة وفق أهداف وأدوات عملية فعالة على المدى البعيد، فإن الوقت قد حان للانتقال إلى تلك الخطة.
معوقات نشر الديمقراطية في الشرق الأوسط
وقبل الانتقال إلى مضمون الخطة (ب) يشير غيرشمان إلى صعوبات عملية التغيير ونشر الديمقراطية في الشرق الأوسط، ويلخصها في أربعة معوقات رئيسية:
1- ضعف المعارضة السياسية في الدول العربية بالمقارنة بمثيلاتها في دول وسط أوروبا وأمريكا اللاتينية خلال مرحلة التحولات السياسية التي شهدتها تلك الأقاليم خلال عقد الثمانينيات. فرغم التطور المهم الذي شهدته المعارضة في مصر، على سبيل المثال، خلال السنوات الأخيرة بالمقارنة بفترات سابقة، إلا أنها لازالت ضعيفة؛ فحزبا الوفد والغد، لم يستطيعا حتى الآن ـ في ظل القيود السياسية والقانونية القائمةـ التحول إلى أحزاب جماهيرية قوية، ولازالت أحزابا نخبوية تقليدية.
2- سيطرة قوتين رئيسيتين على الفضاء السياسي، الأولى هي النظم السياسية الحاكمة، والتي تتراوح بين أوتوقراطيات تقليدية وحداثية، حيث تستند تلك النظم إلى أحزاب جامدة لا تواجه أية معارضة سياسية حقيقية. القوة الثانية هي الجماعات الإسلامية التي تستخدم الدين وتقديم الخدمات المختلفة لتعبئة الفقراء والمهمشين والمناطق الريفية. وكل منهما يقدم خدمة للأخر، فالنظم الحاكمة تبرر سيطرتها على السلطة وتعطيلها أية إصلاحات سياسية حقيقية كنوع من الدفاع عن المجتمع ضد سيطرة الإسلاميين، وفي المقابل، فإن الإسلاميين يستغلون عملية استبعادهم من الحياة السياسية على يد الدولة كوسيلة لجلب التعاطف معهم، كما يقدم لهم المسجد فضاء سياسيا بديلا غير متاح للمعارضة الديمقراطية. ومع ذلك ـ وفقا لـ غيرشمان ـ فإن هذا الوضع يمكن تغييره، إذ يمكن تشجيع الانفتاح السياسي في المنطقة، كما يمكن تطوير تيار إسلامي ديمقراطي في اتجاه التحلي بنوع من البرغماتية السياسية وقبول التعددية والتسامح. وقد تحقق هذا بدرجات مختلفة في حالات مثل المغرب والأردن والكويت واليمن، ولكنها عملية تتم على المدى البعيد، لا يجب التعامل معها من خلال مناهج وخطط قصيرة الأجل.
3ـ الارتباط القوي بين القضايا الجيو- سياسية والأمنية في المنطقة من ناحية، وعملية التحول الديمقراطي من ناحية أخرى، وهو ربط يتميز به إقليم الشرق الأوسط بدرجة تفوق مثيلها في الأقاليم الأخرى. وكلما اشتعلت الأهداف والأهواء الدينية والطائفية والقومية تحت تأثير الصراعات الإقليمية، خاصة الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، وتصاعد آفاق الصراع السني- الشيعي، كلما أصبحت عملية نشر الديمقراطية في المنطقة أكثر صعوبة وتعقيدا، وزادت عزلة الإصلاحيين والديمقراطيين والمعتدلين وتهميشهم، وقويت شوكة المتطرفين والمتشددين، وتعمق الاستقطاب حول قضايا الإصلاح السياسي والاجتماعي، وتراجع مستوى الضغوط الواقعة على النظم الحاكمة لإجراء إصلاحات داخلية حقيقية. وقد أصبحت تلك المشكلة أكثر وضوحا وتأثيرا في ضوء تزايد نفوذ النظام الإسلامي الإيراني في المنطقة.
4ـ ميل الشعوب العربية - لأسباب عديدة- إلى تحميل الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية مسئولية مشكلات المنطقة، ومسئولية حل تلك المشكلات أيضا، وهو نمط من التفكير لا يتوافق وعملية نشر التحول الديمقراطي في المنطقة، فالخارج ربما يكون مسئولا بشكل أو بآخر عن تلك المشكلات، وتقع عليه أيضا مسئولية تقديم المساعدة لمواجهة تلك المشكلات، إلا أن التحول الديمقراطي الحقيقي يأتي فقط عندما يضطلع الداخل والشعوب العربية ذاتها بمسئولية تقرير مصيرها، فالديمقراطية يجب أن تأتي من الداخل، وإلا فلن تأتي على الإطلاق. ويعني ذلك أن أية دبلوماسية أو إستراتيجية أمريكية لتشجيع التحول الديمقراطية في المنطقة يجب ألا تقوم على اعتبار الولايات المتحدة "الوكيل" الوحيد للتغيير في المنطقة.
وصفة ناجعة لنشر الديمقراطية في الشرق الأوسط
وينتهي غيرشمان استنادا إلى تلك المشكلات، إلى أنه ليس من السهل بناء إستراتيجية فعالة لنشر الديمقراطية في المنطقة، ولكنها ليست مهمة مستحيلة. ويعرض غيرشمان هنا العناصر الرئيسية لأية إستراتيجية فعالة لنشر الديمقراطية في المنطقة.
1- ضرورة إلحاق عناصر من القوى الثلاث الرئيسية على الساحة السياسية في المنطقة، وهي: المعارضة الديمقراطية، والأحزاب السياسية، والحركات الإسلامية. ولكن يجب أن ينصب الجهد الرئيسي على مساعدة ودعم الأحزاب الديمقراطية والفاعلين الرئيسيين في الحياة السياسية، سواء كانوا أفرادا أو جماعات منظمة، وهو ما يعني ضرورة العمل مع القيادات والجماعات الصاعدة من المجتمع المدني والتي شكلت قاعدة مهمة لحركات التغيير الجماهيرية (مثل حركة "كفاية" في مصر)، والتي نجحت في مراقبة الانتخابات كما حدث في العراق ومصر واليمن والبحرين وفلسطين، فالناشطون الذين قادوا تلك الجهود يشكلون قيادات سياسية محتملة، ولكنهم في حاجة إلى تطوير خطاب وأجندة اجتماعية جديدة تتعامل مع القضايا الاجتماعية الرئيسية (الصحة، التوظيف، التعليم..الخ) بشكل يسمح لها بأخذ زمام المبادرة من الحركات والجماعات الأيديولوجية الراديكالية، ويسمح لها ببناء قاعدة واسعة من الدعم السياسي. ومن ناحية أخرى، فإن دعم تلك القوى يجب أن يكمله دعم الجماعات المدنية والمهنية التي تراقب أنشطة الأجهزة الحكومية، والتي تلعب دورا مهما في التأثير في السياسات العامة، ودعم الإعلام المستقل، ومحاربة الفساد، ودعم حكم القانون واحترام حقوق الإنسان وتشجيع مشاركة المرأة والشباب، والانفتاح الاقتصادي وحماية حقوق العمال.
2- دعم الإصلاحات الحقيقية داخل الأحزاب السياسية الحاكمة والتيار الإسلامي المعتدل الذي يقبل بفكرة الإصلاح الديمقراطي، ومساعدة هذا التيار على تطوير قيم وقواعد جديدة للمشاركة السياسية تتجاوز مجرد قبول المشاركة في الانتخابات واحترام نتائجها. هذه القواعد والمبادئ يجب أن تشمل التخلي عن العنف، وقبول حقوق المرأة وحقوق الأقليات، ودعم الديمقراطية داخل الأحزاب السياسية، وقبول التعددية ليس فقط في مجال السياسات ولكن أيضا في مجال تفسير نصوص الشريعة الإسلامية. إن تطوير شكل من "الديمقراطية الإسلامية" Muslim Democracy في الشرق الأوسط مسألة يمكن تحقيقها إذا تمكن الإسلاميين من المشاركة في الانتخابات الدورية، لأن ذلك من شأنه أن يشجعهم على التحول إلى فاعلين سياسيين برغماتيين، وعلى صياغة سياسات تستجيب للحاجات الحقيقية للمواطنين وقابلة للمحاسبة والمساءلة من الناخبين.
3ـ لا يمكن إغفال دور الولايات المتحدة في تشجيع التحولات السابقة وتشجيع التحول الديمقراطي في المنطقة، ولكن يجب أن يتم ذلك على المستوى غير الحكومي بالأساس. إن العمل مع قوى المجتمع المدني والجماعات السياسية السابق الإشارة إليها يحتاج إلى منهج طويل الأجل يقوم على الثقة والشراكة مع الفاعلين المحليين استنادا إلى قيم سياسية مشتركة. إن تشجيع الديمقراطية في الشرق الأوسط يجب أن تقوده حاجات ورؤى الفاعلين المحليين وليس الأهداف والأوامر التي تتضمنها سياسة موضوعة مسبقا.
وبمعنى أخر، هناك ثلاثة مجالات أساسية يصبح الدعم الأمريكي والخارجي فيها مفيدا وضروريا: الأول هو تقديم الدعم للمؤسسات الرسمية وشبه الرسمية لتحسين وتطوير أدائها وتحسين قدرتها على تقديم الخدمات الاجتماعية. المجال الثاني هو تبني سياسات دبلوماسية وأمنية تضمن خلق بيئة سياسية وأمنية مستقرة تحد من قدرة التيارات "الديماغوغية" والإسلامية المتطرفة على توظيف البيئة السياسية لتدعيم مقولاتها ومواقفها السياسية، وتساهم في تحسين فرص التيار المعتدل لاحتلال قمة الفضاء السياسي. المجال الثالث هو استغلال الولايات المتحدة نفوذها السياسي لتشجيع حكومات المنطقة على فتح الفضاء السياسي أمام أحزاب المعارضة السياسية والأقليات، وللدفاع عن الناشطين الديمقراطيين، والمثال المهم هنا هو حالة رئيس حزب الغد المصري، أيمن نور، إذ يجب على الولايات المتحدة ـ وفقا غيرشمان ـ أن تمارس المزيد من الضغوط على الحكومة المصرية لإطلاق سراحه وتصحيح التراجع عن خط الإصلاح السياسي.
و كل ذلك بحسب المصدر المذكور نصا و دون تعليق.
المصدر: تقرير واشنطن-العدد92
هذا الموضوع منشور منذ أكثر من عامين ..
__________________________________________________ _____
في سياق المراجعات التي يجريها الأكاديميون ومراكز البحوث الأمريكية المعنية بدراسات الشرق الأوسط ، عقد "معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى" The Washington Institute for New East Policy ورشة عمل مؤخرا حول سياسة نشر الديمقراطية في الشرق الأوسط. وركزت المداخلات على ضرورة الانتقال مما أسمته الخطة (أ) إلى الخطة (ب). قدم المداخلات الرئيسية كل من: كارل غيرشمان Carl Gershman، وهو رئيس "المؤسسة الوطنية للديمقراطية" National Endowment of Democracy وعضو اللجنة الاستشارية لوزير الخارجية لنشر الديمقراطية، ومارتن كرامر Martin Kramer الباحث في معهد واشنطن ومؤلف كتاب "الأبراج العاجية على الرمال: فشل دراسات الشرق الأوسط في الولايات المتحدة" Ivory Towers on Sand: The Failure of Middle East Studies in America، وأخيرا جينيفير وندسر Jennifer Windsor، وهي المديرة التنفيذية لمؤسسة فريدام هاوس Freedom House وعضو اللجنة الاستشارية لوزير الخارجية لنشر الديمقراطية. ويعرض تقرير واشنطن فيما يلي الجزء الأول من الدراسة وهي مداخلة كارل غيرشمان بينما نعرض مداخلة مارتن كرامر ففي عدد الأسبوع القادم.
مداخلة كارل غيرشمان
بدأ غيرشمان في تقديمه بالإشارة إلى بعض الملاحظات حول مضمون الخطة (أ)، والتي أعلنها الرئيس جورج بوش منذ حوالي ثلاث سنوات أثناء كلمة له بمناسبة الذكرى العشرين "للمؤسسة الوطنية للديمقراطية" National Endowment for Democracy.
ووفقا لغيرشمان، أشار بوش في كلمته إلى نقطتين رئيسيتين في إطار تلك السياسة. الأولى هي نقد إحدى الحجج والمقولات التقليدية التي تمسكت بها النظم السياسية في منطقة الشرق الأوسط خلال العقود الماضية لتبرير تأجيل عملية الإصلاح السياسي، وهي مقولة "الاستثناء العربي" أو "الخصوصية العربية"، والتي حاولت تلك الأنظمة من خلالها الترويج لفكرة صعوبة التحول الديمقراطي في الشرق الأوسط استنادا إلى الخصوصيات الثقافية والسياسية والدينية...الخ للمنطقة، ومن ثم فإن ما ينطبق على باقي الأقاليم الأخرى- أمريكا اللاتينية، وأوروبا الشرقية، وشرق وجنوب شرقي آسيا بما في ذلك الدول الإسلامية غير العربية أو أفريقيا جنوب الصحراء، لا ينطبق بالضرورة على دول الشرق الأوسط.
النقطة الثانية هي الربط بين انتشار الإرهاب والتنظيمات الإرهابية من ناحية، والجمود والفشل السياسي من ناحية أخرى. وقد دعا الرئيس الأمريكي في كلمته تلك إلى "سياسة جديدة وإستراتيجية مستقبلية للحرية في الشرق الأوسط" A Forward Strategy of Freedom.
هل فشلت الخطة ( أ)؟
وقد واجه تطبيق تلك الخطة صعوبات غير عادية في المنطقة، أبرزها العنف الطائفي في العراق وصعود حماس وحزب الله. ولكن الانتقال إلى الخطة (ب) لا يجب أن يعني إلغاء الخطة (أ)، فقد كان الرئيس بوش محقا عندما قال إن "الديمقراطية يمكن تحقيقها في الشرق الأوسط"، إلا أنه وبدون التقليل من أهمية العلاقة بين الأصولية الإسلامية والنظم السياسية التسلطية في الشرق الأوسط، فإن جوهر الصراع يقع بين هؤلاء الذين يقبلون الحداثة وأولئك الذين يرفضونها بشدة، ومن ثم فإن تطوير مؤسسات وقيم تقبل وتشجع حكم القانون، ووجود حكومات تمثيلية تخضع للمسائلة، واحترام حقوق الإنسان بما في ذلك حقوق المرأة والأقليات، ووجود إعلام مستقل، ومجتمع مدني قوي، واقتصاد السوق الحر، تمثل شروطا أساسية لإقامة مجتمع ديمقراطي حديث في العالم العربي.
ويخلص غيرشمان هنا إلى أن القضية الأساسية ليست ما إذا كان يجب على الولايات المتحدة تشجيع الديمقراطيين في الشرق الأوسط ، فهناك دعم كبير لتلك المسألة داخل الكونغرس، ولكن السؤال هو كيف يمكن إنجاز هذا الهدف على المدى البعيد. الخطة (أ) لم تثر هذا السؤال، بل على العكس تبنت عددا من الأهداف والطموحات غير الواقعية، ومن ثم إذا كان جوهر الخطة (ب) هو البحث في سؤال: كيف يمكن تشجيع عملية التحول الديمقراطي في المنطقة وفق أهداف وأدوات عملية فعالة على المدى البعيد، فإن الوقت قد حان للانتقال إلى تلك الخطة.
معوقات نشر الديمقراطية في الشرق الأوسط
وقبل الانتقال إلى مضمون الخطة (ب) يشير غيرشمان إلى صعوبات عملية التغيير ونشر الديمقراطية في الشرق الأوسط، ويلخصها في أربعة معوقات رئيسية:
1- ضعف المعارضة السياسية في الدول العربية بالمقارنة بمثيلاتها في دول وسط أوروبا وأمريكا اللاتينية خلال مرحلة التحولات السياسية التي شهدتها تلك الأقاليم خلال عقد الثمانينيات. فرغم التطور المهم الذي شهدته المعارضة في مصر، على سبيل المثال، خلال السنوات الأخيرة بالمقارنة بفترات سابقة، إلا أنها لازالت ضعيفة؛ فحزبا الوفد والغد، لم يستطيعا حتى الآن ـ في ظل القيود السياسية والقانونية القائمةـ التحول إلى أحزاب جماهيرية قوية، ولازالت أحزابا نخبوية تقليدية.
2- سيطرة قوتين رئيسيتين على الفضاء السياسي، الأولى هي النظم السياسية الحاكمة، والتي تتراوح بين أوتوقراطيات تقليدية وحداثية، حيث تستند تلك النظم إلى أحزاب جامدة لا تواجه أية معارضة سياسية حقيقية. القوة الثانية هي الجماعات الإسلامية التي تستخدم الدين وتقديم الخدمات المختلفة لتعبئة الفقراء والمهمشين والمناطق الريفية. وكل منهما يقدم خدمة للأخر، فالنظم الحاكمة تبرر سيطرتها على السلطة وتعطيلها أية إصلاحات سياسية حقيقية كنوع من الدفاع عن المجتمع ضد سيطرة الإسلاميين، وفي المقابل، فإن الإسلاميين يستغلون عملية استبعادهم من الحياة السياسية على يد الدولة كوسيلة لجلب التعاطف معهم، كما يقدم لهم المسجد فضاء سياسيا بديلا غير متاح للمعارضة الديمقراطية. ومع ذلك ـ وفقا لـ غيرشمان ـ فإن هذا الوضع يمكن تغييره، إذ يمكن تشجيع الانفتاح السياسي في المنطقة، كما يمكن تطوير تيار إسلامي ديمقراطي في اتجاه التحلي بنوع من البرغماتية السياسية وقبول التعددية والتسامح. وقد تحقق هذا بدرجات مختلفة في حالات مثل المغرب والأردن والكويت واليمن، ولكنها عملية تتم على المدى البعيد، لا يجب التعامل معها من خلال مناهج وخطط قصيرة الأجل.
3ـ الارتباط القوي بين القضايا الجيو- سياسية والأمنية في المنطقة من ناحية، وعملية التحول الديمقراطي من ناحية أخرى، وهو ربط يتميز به إقليم الشرق الأوسط بدرجة تفوق مثيلها في الأقاليم الأخرى. وكلما اشتعلت الأهداف والأهواء الدينية والطائفية والقومية تحت تأثير الصراعات الإقليمية، خاصة الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، وتصاعد آفاق الصراع السني- الشيعي، كلما أصبحت عملية نشر الديمقراطية في المنطقة أكثر صعوبة وتعقيدا، وزادت عزلة الإصلاحيين والديمقراطيين والمعتدلين وتهميشهم، وقويت شوكة المتطرفين والمتشددين، وتعمق الاستقطاب حول قضايا الإصلاح السياسي والاجتماعي، وتراجع مستوى الضغوط الواقعة على النظم الحاكمة لإجراء إصلاحات داخلية حقيقية. وقد أصبحت تلك المشكلة أكثر وضوحا وتأثيرا في ضوء تزايد نفوذ النظام الإسلامي الإيراني في المنطقة.
4ـ ميل الشعوب العربية - لأسباب عديدة- إلى تحميل الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية مسئولية مشكلات المنطقة، ومسئولية حل تلك المشكلات أيضا، وهو نمط من التفكير لا يتوافق وعملية نشر التحول الديمقراطي في المنطقة، فالخارج ربما يكون مسئولا بشكل أو بآخر عن تلك المشكلات، وتقع عليه أيضا مسئولية تقديم المساعدة لمواجهة تلك المشكلات، إلا أن التحول الديمقراطي الحقيقي يأتي فقط عندما يضطلع الداخل والشعوب العربية ذاتها بمسئولية تقرير مصيرها، فالديمقراطية يجب أن تأتي من الداخل، وإلا فلن تأتي على الإطلاق. ويعني ذلك أن أية دبلوماسية أو إستراتيجية أمريكية لتشجيع التحول الديمقراطية في المنطقة يجب ألا تقوم على اعتبار الولايات المتحدة "الوكيل" الوحيد للتغيير في المنطقة.
وصفة ناجعة لنشر الديمقراطية في الشرق الأوسط
وينتهي غيرشمان استنادا إلى تلك المشكلات، إلى أنه ليس من السهل بناء إستراتيجية فعالة لنشر الديمقراطية في المنطقة، ولكنها ليست مهمة مستحيلة. ويعرض غيرشمان هنا العناصر الرئيسية لأية إستراتيجية فعالة لنشر الديمقراطية في المنطقة.
1- ضرورة إلحاق عناصر من القوى الثلاث الرئيسية على الساحة السياسية في المنطقة، وهي: المعارضة الديمقراطية، والأحزاب السياسية، والحركات الإسلامية. ولكن يجب أن ينصب الجهد الرئيسي على مساعدة ودعم الأحزاب الديمقراطية والفاعلين الرئيسيين في الحياة السياسية، سواء كانوا أفرادا أو جماعات منظمة، وهو ما يعني ضرورة العمل مع القيادات والجماعات الصاعدة من المجتمع المدني والتي شكلت قاعدة مهمة لحركات التغيير الجماهيرية (مثل حركة "كفاية" في مصر)، والتي نجحت في مراقبة الانتخابات كما حدث في العراق ومصر واليمن والبحرين وفلسطين، فالناشطون الذين قادوا تلك الجهود يشكلون قيادات سياسية محتملة، ولكنهم في حاجة إلى تطوير خطاب وأجندة اجتماعية جديدة تتعامل مع القضايا الاجتماعية الرئيسية (الصحة، التوظيف، التعليم..الخ) بشكل يسمح لها بأخذ زمام المبادرة من الحركات والجماعات الأيديولوجية الراديكالية، ويسمح لها ببناء قاعدة واسعة من الدعم السياسي. ومن ناحية أخرى، فإن دعم تلك القوى يجب أن يكمله دعم الجماعات المدنية والمهنية التي تراقب أنشطة الأجهزة الحكومية، والتي تلعب دورا مهما في التأثير في السياسات العامة، ودعم الإعلام المستقل، ومحاربة الفساد، ودعم حكم القانون واحترام حقوق الإنسان وتشجيع مشاركة المرأة والشباب، والانفتاح الاقتصادي وحماية حقوق العمال.
2- دعم الإصلاحات الحقيقية داخل الأحزاب السياسية الحاكمة والتيار الإسلامي المعتدل الذي يقبل بفكرة الإصلاح الديمقراطي، ومساعدة هذا التيار على تطوير قيم وقواعد جديدة للمشاركة السياسية تتجاوز مجرد قبول المشاركة في الانتخابات واحترام نتائجها. هذه القواعد والمبادئ يجب أن تشمل التخلي عن العنف، وقبول حقوق المرأة وحقوق الأقليات، ودعم الديمقراطية داخل الأحزاب السياسية، وقبول التعددية ليس فقط في مجال السياسات ولكن أيضا في مجال تفسير نصوص الشريعة الإسلامية. إن تطوير شكل من "الديمقراطية الإسلامية" Muslim Democracy في الشرق الأوسط مسألة يمكن تحقيقها إذا تمكن الإسلاميين من المشاركة في الانتخابات الدورية، لأن ذلك من شأنه أن يشجعهم على التحول إلى فاعلين سياسيين برغماتيين، وعلى صياغة سياسات تستجيب للحاجات الحقيقية للمواطنين وقابلة للمحاسبة والمساءلة من الناخبين.
3ـ لا يمكن إغفال دور الولايات المتحدة في تشجيع التحولات السابقة وتشجيع التحول الديمقراطي في المنطقة، ولكن يجب أن يتم ذلك على المستوى غير الحكومي بالأساس. إن العمل مع قوى المجتمع المدني والجماعات السياسية السابق الإشارة إليها يحتاج إلى منهج طويل الأجل يقوم على الثقة والشراكة مع الفاعلين المحليين استنادا إلى قيم سياسية مشتركة. إن تشجيع الديمقراطية في الشرق الأوسط يجب أن تقوده حاجات ورؤى الفاعلين المحليين وليس الأهداف والأوامر التي تتضمنها سياسة موضوعة مسبقا.
وبمعنى أخر، هناك ثلاثة مجالات أساسية يصبح الدعم الأمريكي والخارجي فيها مفيدا وضروريا: الأول هو تقديم الدعم للمؤسسات الرسمية وشبه الرسمية لتحسين وتطوير أدائها وتحسين قدرتها على تقديم الخدمات الاجتماعية. المجال الثاني هو تبني سياسات دبلوماسية وأمنية تضمن خلق بيئة سياسية وأمنية مستقرة تحد من قدرة التيارات "الديماغوغية" والإسلامية المتطرفة على توظيف البيئة السياسية لتدعيم مقولاتها ومواقفها السياسية، وتساهم في تحسين فرص التيار المعتدل لاحتلال قمة الفضاء السياسي. المجال الثالث هو استغلال الولايات المتحدة نفوذها السياسي لتشجيع حكومات المنطقة على فتح الفضاء السياسي أمام أحزاب المعارضة السياسية والأقليات، وللدفاع عن الناشطين الديمقراطيين، والمثال المهم هنا هو حالة رئيس حزب الغد المصري، أيمن نور، إذ يجب على الولايات المتحدة ـ وفقا غيرشمان ـ أن تمارس المزيد من الضغوط على الحكومة المصرية لإطلاق سراحه وتصحيح التراجع عن خط الإصلاح السياسي.
و كل ذلك بحسب المصدر المذكور نصا و دون تعليق.
المصدر: تقرير واشنطن-العدد92