أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد أشرف المرسلين، وعلى آله وصحابته أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
(سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم).
أما بعد..
أدلة جواز السدل في الصلاة، وعن حكمه هل هو سنة أو مندوب أو مكروه أو ماذا؟.
وسميت هذه النقول المنتقاة، بـ أدلة سنية السدل في الصلاة.
ومن الله أرجو الإعانة وبلوغ المأمول، وأسأله القبول..
[حكم السدل في الصلاة]
أما حكم السدل في الصلاة، فقد قال عليش في فتاويه: أما بعد، فاعلم أن سدل اليدين في الصلاة ثابت في السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم وأمر به بإجماع المسلمين، وأجمع الأئمة الأربعة على جوازه فيها، واشتهر ذلك عند مقلديهم، حتى صار كالمعلوم من الدين بالضرورة، وأنه أول وآخر فعليه صلى الله عليه وسلم.
أما الدليل على أنه أول فعليه وأمر به، فالحديث الذي أخرجه مالك رضي الله عنه في الموطأ، عن سهل بن سعد واقتصر عليه البخاري ومسلم، من قوله: (كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة).
ووجه دلالته أن أمرهم بالوضع المذكور دليل نص على أنهم كانوا يسدلون، وإلا كان أمراً بتحصيل الحاصل، وهو عبثٌ محالٌ على الشارع صلى الله عليه وسلم.
ومن المعلوم بالضرورة أنهم لم يعتادوا السدل ولم يفعلوه إلا لرؤيتهم فعل الرسول صلى الله عليه وسلم إياه، وأمرهم به بقوله: (صلوا كما رأيتموني أصلي).
وأما الدليل على أنه كان آخر فعليه وأمريه صلى الله عليه وسلم، فهو استمرار عمل الصحابة والتابعين عليه، حتى قال مالك في رواية ابن القاسم في المدونة: لا أعرفه، يعني الوضع في الفريضة، إذ لا يجوز جهلهم بآخر حالي الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا مخالفته؛ لملازمتهم له بضبط أحواله واتباعه فيها، فلهذا ضمَّ مالكٌ عملهم للآية المحكمة والحديث الصحيح السالم من معارضة العلم به، والإجماع، وجعل الأربعة أصول مذهبه.
وأما القبض في الفرض، فاختلفوا في كراهته وندبه وإباحته، مع اتفاقهم على ثبوت فعله والأمر به من النبي صلى الله عليه وسلم، اهـ.
وقال الإمام الشعراني في الميزان، في جواب شرذمة من البطالين يقولون: كيف تترك الآيات والأحاديث الصحيحة وتقلد الأئمة في اجتهادهم المحتمل للخطأ، ما نصه:
إن تقليد الأئمة في اجتهادهم ليس تركاً للآيات والأحاديث الصحيحة، بل هو عين التمسك والأخذ بالآيات والأحاديث الصحيحة، فإن القرآن ما وصل إلينا إلا بواسطتهم، مع كونهم أعلم ممن بعدهم بناسخه ومنسوخه، ومطلقه ومقيده، ومجمله ومبينه، ومتشابهه ومحكمه، وأسباب نزوله ومعانيه، وتأويلاته ولغاته، وسائر علومه، وتلقيهم ذلك عن التابعين المتلقين ذلك عن الصحابة المتلقين ذلك عن الشارع صلى الله عليه وسلم، المعصوم من الخطأ، الشاهد للقرون الثلاثة بالخيرية.
وكذلك الأحاديث ما وصلت إلينا إلا بواسطتهم، مع كونهم أعلم ممن بعدهم بصحيحها وحسنها وضعيفها ومرفوعها ومرسلها ومتواترها وآحادها ومعضلها وغريبها وتأويلها وتاريخها المتقدم والمتأخر، والناسخ والمنسوخ، وأسبابها ولغاتها، وسائر علومها، مع تمام ضبطهم وتحريرهم لها، وكمال إدراكهم، وقوة ديانتهم، واعتنائهم وتفرغهم، ونور بصائرهم.
فلا يخلو أمر هذه الشرذمة من أحد الشيئين: إما نسبة الجهل للأئمة المجمع على كمال علمهم، المشار إليه في أحاديث الشارع الصادق عليه الصلاة والسلام.
وإما نسبة الضلال وقلة الدين للأئمة الذين هم من خير القرون، بشهادة الرسول صلى الله عليه وسلم، (إنها لا تعمى الأبصار، ولكن تعمى القلوب التي في الصدور).
وقولهم أيضاً لمن قلد مالكاً مثلاً: نقول لك: قال الله تعالى أو قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنت تقول: قال مالك، أو ابن القاسم أو خليل أو ابن عاشر!! إلى آخره.
جوابه: أن قول المقلد: قال مالك إلخ معناه: قال مالك فاهماً من كلام الله أو من كلام رسوله، أو متمسكاً بعمل الصحابة والتابعين الفاهمين كلام الله أو كلام رسوله، أو المتأسين بفعل رسوله.
ومعنى قوله: (قال ابن القاسم) أنه نقل عن مالك ما فهمها من كلام الله إلخ، أو أنه فهمه ابن القاسم نفسه من كلام الله إلخ.
ومعنى قوله: (قال خليل) مثلاً، أنه ناقل عمن ذكر، ومالكٌ وابن القاسم مجمع على إمامتهما ومن خير القرون.
أما التارك للتقليد يقول: قال الله، أو قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مستقلاً بفهمه، مع عجزه عن ضبطِ الآية والحديث، ووصل السند، فضلاً عن معرفة ناسخه ومنسوخه، ومطلقه ومقيده، ومجمله ومبينه، وظاهره ونصه، وعامه وخاصه، وتأويله وسبب نزوله، ولغاته وسائر علومه، فانظر أيهما يقدَّم؟ قول المقلد: قال مالك الإمام بالإجماع، أو قول الجهول: قال الله تعالى قال رسول الله؟ (إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور).
فتبين من هذا أن المشهور في مذهب مالك هو كراهة القبض في صلاة الفرض، ولاسيما والكراهة هي رواية ابن القاسم في المدونة، وعليها عمل أهل المدينة.
وفي سنن أبي داود قال: حدثنا محمد بن عيسى بن الطباع، قال: حدثنا حجاج، عن أبي جريح، قال: كثيراً ما رأيت عطاء يصلي سادلاً، اهـ