السؤال: السؤال:
بسم الله الرحمن الرحيم،
أستاذي الداعية الفاضل،
أرجو إفادتي فـي كيفيَّة نقـل الخبرات والتجارب بين جيلين من الدعاة؟
أو بعبارةٍ أخرى: كيف تتمُّ عمليَّة توريث العمل الدعويِّ والقياديِّ بين الدعاة؟
وجزاكم الله خيرا.
السائل: kalhana
المستشار : د. فتحي يكن
الإجابة :
الجواب د.فتحي يكن:
أخي الكريم سالم، رعاك الله.
أحيِّيك بتحيَّة الإسلام، وبعد،
فإنَّ ما طرحته في استشارتك يعتبر من أهمِّ الموضوعات على الإطلاق، بالرغم من غيابه وعدم الاهتمام به في ساحتنا الإسلاميَّة، مع أنَّه الأوفر حظًّا بالاهتمام لدى الآخرين!.
إنَّ عدم الأخذ بمبدأ "التوريث" يعني: دوام الإفلاس وعدم التقدُّم والاستفادة من التجارب والأخطاء، كما يعني دوام البدء من نقطة الصفر، ممَّا يؤدِّي إلى إضاعة الوقت والجهد من غير طائل.
إنَّ الأصالة لا تتحقَّق إلا من خلال تراكم الخبرات، وإنَّ سنَّ الرشد ومرحلة النضج تسبقها مراحل متعدِّدة -كمرحلة المراهقة مثلا- ملازمةٌ للفرد والجماعة مهما بلغا من العمر.
أقول هذا بمرارةٍ بسبب غياب هذا المفهوم عن واقع العمل الإسلاميّ -تربويًّا ودعويًّا وسياسيًّا وتنظيميّا- الأمر الذي كان يؤدِّي إلى تكرار الأخطاء، وتكرار دفع الأثمان الباهظة هنا وهناك وهنالك، وهو مخالفٌ للفطرة وللسنن الإلهيَّة، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول: "لا يُلدَغ المؤمن من جُحْرٍ مرَّتين"متَّفقٌ عليه.
إنَّ قراءةً سريعةً في كتاب الله تعالى تؤكِّد لزوم مبدأ الاستفادة من التجارب البشريَّة، من ذلك قوله تعالى: "لقد كان في قَصصهم عِبرةٌ لأولي الألباب"، وقوله: "فاقصص القَصص لعلَّهم يتفكَّرون"، وقوله: "فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذِّبين، هذا بيانٌ للنَّاس وهدى وموعظةٌ للمتَّقين".
إنَّ ما نجده اليوم من إنجازٍ علميٍّ وتقدُّمٍ تقنيّ، هو نتيجةٌ لتوارث كلِّ التجارب السابقة التي اختزنتها بنوك المعلومات جيلاً بعد جيل.
إنَّ نقل الخبرات والتجارب بين جيلين من الدعاة إنَّما يتحقَّق بأمرين اثنين:
الأوَّل: من خلال المعايشة بين الأجيال، واستفادة من لا خبرة لديهم ممَّن لديهم خبرة، وهذا يلزمه صبر هؤلاء على أولئك، والحرص على توريثهم كلَّ ما لديهم من مخزون تجارب الحياة، بما في ذلك تنظيم دوراتٍ تدريبيَّةٍ لهذا الغرض.
الثاني: اعتماد مبدأ التسليم والاستلام بين يدي كلِّ مرحلةٍ أو خطوةٍ جديدة، بحيث يتمُّ وضع تقريرٍ مفصَّلٍ عمَّا تمَّ إنجازه وما لم يتمّ، معلَّلٍ بالأسباب الكامنة وراء ذلك، شريطة أن يكون الجيل الجديد على استعدادٍ للتعلُّم ممَّن سبقه، متنزِّهاً من وباء: "نحن رجالٌ وهم رجال"، وحبَّذا لو تراجع كتابنا: (قطوفٌ شائكةٌ من حقل التجارب الإسلاميَّة).
يعقِّب الأستاذ فتحي عبد الستَّار المحرِّر بصفحة "دعوة ودعاة" بالموقع:
"وبانتهاء كلام الأستاذ الدكتور فتحي يكن، أودُّ أن أشير إلى أنَّ الأمرين اللذين أشار إليهما فضيلته لنقل الخبرات والتجارب بين أجيال الدعاة -وهما المعايشة والتسليم والتسلُّم – رغم أهمِّيَّتهما وفاعليَّتهما إلا أنَّهما قد لا يكونا متاحين في جميع الأوقات وفي جميع الأماكن والأقطار.
ولحلِّ هذه المشكلة، لِمَ لا نستخدم الوسائل التكنولوجيَّة الحديثة لتسجيل تلك الخبرات والتجارب وحفظها، سواءً كان ذلك عن طريق الوسائل المسموعة أو المرئيَّة أو المقروءة، ولِمَ لا نستكتب الأساتذة والعلماء والدعاة، ليسجِّلوا لنا هذه العلوم والخبرات والتجارب، فيصبح لدينا رصيدٌ من الأفلام والكتب والأشرطة التي نستطيع استخدامها بسهولةٍ في أيِّ وقتٍ وفي أيِّ مكانٍ بسهولة، مهما كانت طبيعة الوقت والمكان.
إنَّ هذه الوسائل بطبيعة الحال لن تغني عن المعايشة اللصيقة، ولكن ما لا يُدرَك كلُّه لا يُترَك جُلُّه، إنَّنا في السنوات القليلة الماضية فقدنا كثيراً من العلماء والدعاة، تخطَّفهم الموت من بين أيدينا، والبقيَّة تأتي، نسأل الله عزَّ وجلَّ أن يبارك في أعمار علمائنا جميعا، فلِمَ لا ننتهز فرصة وجودهم ونقوم بإجراء الأحاديث معهم واللقاءات، وحثَّهم على استرجاع ذكرياتهم، وكتابة مذكراتهم، وتسجيل كلِّ هذا، ليكون في متناول الأجيال القادمة، فيظلُّ هؤلاء العلماء والدعاة بيننا دائماً بخبراتهم وتجاربهم، وإن غابوا عنَّا بأجسادهم.
كما يجدر التنبيه إلى أنَّ التوريث لا يعني "القولبة"، ولا يعني "الجمود".
فالقولبة تعني تقليدنا الحرفي لهؤلاء الدعاة، دون مراعاةٍ لاختلاف الملَكات والبيئات والظروف والتحدِّيات.
والجمود يعني إغلاق العقول عن التفكير والإبداع أوَّلا، ثمَّ عدم استعمال كلِّ ما هو جديدٌ من وسائل وأدوات وتكنولوجيا والاكتفاء بالوسائل القديمة التي قد يكون بعضها غير مناسبٍ أو ملائم.
علينا أن نستفيد من خبرات وفضل من سبقنا في أن نبني على ما قدَّموا دون أن نبدأ من الصفر، وهذا البناء يجب أن يُستَكمل بمراعاة الواقع والزمن والتحدِّيات والقدرات والإمكانيَّات والجمهور المستهدف، ويجب كذلك أن يُستَكمل بالتفكير والتطوير والتحديث
بسم الله الرحمن الرحيم،
أستاذي الداعية الفاضل،
أرجو إفادتي فـي كيفيَّة نقـل الخبرات والتجارب بين جيلين من الدعاة؟
أو بعبارةٍ أخرى: كيف تتمُّ عمليَّة توريث العمل الدعويِّ والقياديِّ بين الدعاة؟
وجزاكم الله خيرا.
السائل: kalhana
المستشار : د. فتحي يكن
الإجابة :
الجواب د.فتحي يكن:
أخي الكريم سالم، رعاك الله.
أحيِّيك بتحيَّة الإسلام، وبعد،
فإنَّ ما طرحته في استشارتك يعتبر من أهمِّ الموضوعات على الإطلاق، بالرغم من غيابه وعدم الاهتمام به في ساحتنا الإسلاميَّة، مع أنَّه الأوفر حظًّا بالاهتمام لدى الآخرين!.
إنَّ عدم الأخذ بمبدأ "التوريث" يعني: دوام الإفلاس وعدم التقدُّم والاستفادة من التجارب والأخطاء، كما يعني دوام البدء من نقطة الصفر، ممَّا يؤدِّي إلى إضاعة الوقت والجهد من غير طائل.
إنَّ الأصالة لا تتحقَّق إلا من خلال تراكم الخبرات، وإنَّ سنَّ الرشد ومرحلة النضج تسبقها مراحل متعدِّدة -كمرحلة المراهقة مثلا- ملازمةٌ للفرد والجماعة مهما بلغا من العمر.
أقول هذا بمرارةٍ بسبب غياب هذا المفهوم عن واقع العمل الإسلاميّ -تربويًّا ودعويًّا وسياسيًّا وتنظيميّا- الأمر الذي كان يؤدِّي إلى تكرار الأخطاء، وتكرار دفع الأثمان الباهظة هنا وهناك وهنالك، وهو مخالفٌ للفطرة وللسنن الإلهيَّة، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول: "لا يُلدَغ المؤمن من جُحْرٍ مرَّتين"متَّفقٌ عليه.
إنَّ قراءةً سريعةً في كتاب الله تعالى تؤكِّد لزوم مبدأ الاستفادة من التجارب البشريَّة، من ذلك قوله تعالى: "لقد كان في قَصصهم عِبرةٌ لأولي الألباب"، وقوله: "فاقصص القَصص لعلَّهم يتفكَّرون"، وقوله: "فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذِّبين، هذا بيانٌ للنَّاس وهدى وموعظةٌ للمتَّقين".
إنَّ ما نجده اليوم من إنجازٍ علميٍّ وتقدُّمٍ تقنيّ، هو نتيجةٌ لتوارث كلِّ التجارب السابقة التي اختزنتها بنوك المعلومات جيلاً بعد جيل.
إنَّ نقل الخبرات والتجارب بين جيلين من الدعاة إنَّما يتحقَّق بأمرين اثنين:
الأوَّل: من خلال المعايشة بين الأجيال، واستفادة من لا خبرة لديهم ممَّن لديهم خبرة، وهذا يلزمه صبر هؤلاء على أولئك، والحرص على توريثهم كلَّ ما لديهم من مخزون تجارب الحياة، بما في ذلك تنظيم دوراتٍ تدريبيَّةٍ لهذا الغرض.
الثاني: اعتماد مبدأ التسليم والاستلام بين يدي كلِّ مرحلةٍ أو خطوةٍ جديدة، بحيث يتمُّ وضع تقريرٍ مفصَّلٍ عمَّا تمَّ إنجازه وما لم يتمّ، معلَّلٍ بالأسباب الكامنة وراء ذلك، شريطة أن يكون الجيل الجديد على استعدادٍ للتعلُّم ممَّن سبقه، متنزِّهاً من وباء: "نحن رجالٌ وهم رجال"، وحبَّذا لو تراجع كتابنا: (قطوفٌ شائكةٌ من حقل التجارب الإسلاميَّة).
يعقِّب الأستاذ فتحي عبد الستَّار المحرِّر بصفحة "دعوة ودعاة" بالموقع:
"وبانتهاء كلام الأستاذ الدكتور فتحي يكن، أودُّ أن أشير إلى أنَّ الأمرين اللذين أشار إليهما فضيلته لنقل الخبرات والتجارب بين أجيال الدعاة -وهما المعايشة والتسليم والتسلُّم – رغم أهمِّيَّتهما وفاعليَّتهما إلا أنَّهما قد لا يكونا متاحين في جميع الأوقات وفي جميع الأماكن والأقطار.
ولحلِّ هذه المشكلة، لِمَ لا نستخدم الوسائل التكنولوجيَّة الحديثة لتسجيل تلك الخبرات والتجارب وحفظها، سواءً كان ذلك عن طريق الوسائل المسموعة أو المرئيَّة أو المقروءة، ولِمَ لا نستكتب الأساتذة والعلماء والدعاة، ليسجِّلوا لنا هذه العلوم والخبرات والتجارب، فيصبح لدينا رصيدٌ من الأفلام والكتب والأشرطة التي نستطيع استخدامها بسهولةٍ في أيِّ وقتٍ وفي أيِّ مكانٍ بسهولة، مهما كانت طبيعة الوقت والمكان.
إنَّ هذه الوسائل بطبيعة الحال لن تغني عن المعايشة اللصيقة، ولكن ما لا يُدرَك كلُّه لا يُترَك جُلُّه، إنَّنا في السنوات القليلة الماضية فقدنا كثيراً من العلماء والدعاة، تخطَّفهم الموت من بين أيدينا، والبقيَّة تأتي، نسأل الله عزَّ وجلَّ أن يبارك في أعمار علمائنا جميعا، فلِمَ لا ننتهز فرصة وجودهم ونقوم بإجراء الأحاديث معهم واللقاءات، وحثَّهم على استرجاع ذكرياتهم، وكتابة مذكراتهم، وتسجيل كلِّ هذا، ليكون في متناول الأجيال القادمة، فيظلُّ هؤلاء العلماء والدعاة بيننا دائماً بخبراتهم وتجاربهم، وإن غابوا عنَّا بأجسادهم.
كما يجدر التنبيه إلى أنَّ التوريث لا يعني "القولبة"، ولا يعني "الجمود".
فالقولبة تعني تقليدنا الحرفي لهؤلاء الدعاة، دون مراعاةٍ لاختلاف الملَكات والبيئات والظروف والتحدِّيات.
والجمود يعني إغلاق العقول عن التفكير والإبداع أوَّلا، ثمَّ عدم استعمال كلِّ ما هو جديدٌ من وسائل وأدوات وتكنولوجيا والاكتفاء بالوسائل القديمة التي قد يكون بعضها غير مناسبٍ أو ملائم.
علينا أن نستفيد من خبرات وفضل من سبقنا في أن نبني على ما قدَّموا دون أن نبدأ من الصفر، وهذا البناء يجب أن يُستَكمل بمراعاة الواقع والزمن والتحدِّيات والقدرات والإمكانيَّات والجمهور المستهدف، ويجب كذلك أن يُستَكمل بالتفكير والتطوير والتحديث