دور المربي في الدعوة الفردية
تأليف:هاشم بن عبدالقادر
المقدمة :
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ثم أما بعد:
فمن وسائل الدعوة إلى الله تعالى الدعوة الفردية، وقد استمعت وقرأت لعدد من الدعاة في هذا المجال فوجدت في كلامهم خيراً كثيراً، فعمدت إلى جمع ما تفرق من هذا الخير عن هذا أو ذاك وأضفت إليه ما عندي، ليخرج ذلك في صورة سهلة ميسرة لعلها تكون زاداً في الطريق للمعلمين والمربين.
والله تعالى الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
- دور المربي في الدعوة الفردية :
يتمثل دور المربي مع المدعو في القرب منه والإحاطة بأموره، والعمل الدءوب لبنائه والارتقاء به، مع المراقبة والتقويم باستمرار، وتوجيهه وإعانته في حل مشكلاته الدعوية والخاصة، ومحاسبته مع التشجيع أو المعاتبة أو غيرهما من صور المجازاة.
فتبين من هذا أن دور المربي مع المدعو يتمثل في خمسة أمور:
1- القرب منه بروح المودة والإخاء والإحاطة بأموره أولاً بأول.
2- الاجتهاد في بنائه والارتقاء به.
3- توجيهه وإعانته في حل مشكلاته الخاصة والدعوية.
4- تقويمه من فترة لأخرى ومراقبة تطوره وتأثره وفقاً لما يبذل معه، مع مراجعة مدى تحقيق الجوانب الدالة على انتظام السير وسلامة البناء.
5- محاسبته ومناقشته للوقوف على مدى قيامه بما يطلب منه أو يوجه إليه مع مجازاته تبعاً لنشاطه أو تقصيره. وفيما يلي تفصيل القول في ذلك.
أمور مهمة لنجاح الداعية :
فيما يلي أمور مهمة لنجاح الداعية أو المربي مع من يربيه:
1- شعور الفرد أو المدعو بالأمان في ظل مربيه أو معه: وهذا الشعور بالأمان ينشأ من:
(أ) الثقة في أن المربي لا يتصرف تصرفاً معيناً يقصد به أو يتعمد الأذى أو الإساءة أو الانتقاص، وهذه الثقة تنشأ من رصيد المربي في صدق المحبة والعاطفة في التعامل مع أصحابه.
(ب) الاطمئنان إلى أن المربي شديد الارتباط بالشرع، محكوم به، فكلاهما يتحاكمان إلى الشرع، ومن السهل حسم أي اضطراب أو إشكال بينهما.
(ج) عدم غياب المربي أو القائد أو غياب تأثيره في الأزمات والمشاكل؛ سواء في ذلك المبادرة والحضور المؤثر إلى جانب الفرد في أزماته ومشاكله الخاصة أو الحضور والتأثير في الأزمات والمشاكل العامة؛ فإنه يكبر بذلك عند من يربيهم، وتطمئن قلوبهم له.
قال علي رضي الله عنه: "كنا إذا احمر البأس ولقي القوم القومَ اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فما يكون منا أحد أدنى من القوم منه " .
وكذا ينبغي للمربي عدم التملص أو التهرب من الأعمال الدعوية بل على العكس، يقدم عليها تضحية لا رياء.
(د) شعور الفرد بأنه يشغل مكاناً في قلب مربيه، وهذا يفسر نشاط وارتباط الفرد بمن دعاه أول مرة فتبصر على يديه، وتأمل قوله صلى الله عليه وسلم: "الولاء لمن أعتق " .
(هـ) عناية المربي بالفرد وأسرته وطاقاته، ولا سيما والمدعو يربط مصيره وأهله وماله بهذه الدعوة.
2- أن يشعر الفرد فيك بالقيادة كما تشعر أنت أيضاً بها. وإذا كانت النقاط السابقة ينشأ عنها شعور الفرد بالأمان في ظل مربيه فإنها تشعره أيضاً بأنك قائد فتسهل متابعتك له وتسهل استجابته.
ونضيف هنا أموراً تساعد أحياناً- ولو لم تقصد- على شعور الآخرين بأنك قائد ومربي، ولها أثر عظيم على شعورهم بقيادتك الأبوية واهتمامك بهم وفطنتك؛ كأن تحفظ معلومة عابرة عنه كاسمه أو اسم ولده أو مشكلة عنده فتلقاه بعد زمن فتقول له: ماذا فعلت في مشكلتك الفلانية؟ أو كيف ولدك فلان أو والدك؟ أو ما فعل مريضك؟.. إلخ، فما أعظم أثر ذلك؟ لا سيما إذا كنت شخصية مرموقة أو كثيرة الأعباء ومنغمسة أو منشغلة في أعمال عديدة، بل قد عزى بعضهم سر نجاح بعض القادة إلى حفظهم لأسماء جنودهم.
3- صدق العاطفة وربط الأفراد بالحب قبل الخوف، والقدرة على استمالة قلوب الآخرين، وإن كان بقاء حد أدنى من الهيبة والاحترام لابد منه كما سبق.
4- طيبة القلب وسلامة الصدر.
5- التواضع والاحترام للفرد صغيراً كان أو كبيراً، ويراعى مع ذلك إنزال الناس منازلهم.
6- حسن الخلق والدماثة والعطف والرفق، وأن تعامل الآخرين بمثل ما تحب أن يعاملوك به.
7- الإيمان بالمهمة والتحمس لها.
8- الاتصال المستمر في المتابعة وعدم وجود فترات انقطاع؛ لأن فترات الانقطاع قد تؤدي لتقهقر الفرد أو فتوره.
9- تذكر عمل الدعاة معك، وما حببهم إليك، وما كاد أن ينفرك منهم.
10- مطابقة العمل للقول (القدوة).
11- العدل والهدوء وضبط النفس.
12- التوسط في الحزم.
13- التأني والتدرج في نقل الفرد من مستوى لآخر.
14- العلم الشرعي وإدراك الواقع.
15- الاستفادة من خبرات السابقين.
16- الفراسة ومعرفة الرجال، والمدخل إلى كل منهم، والطبيعة النفسية لكل منهم، وما فيها من سهولة أو التواء.
17- إدراك مراتب الولاء والبراء حسب القرب والبعد عن الله وعما كان عليه رسول صلى الله عليه وسلم.
18- القدرة على الإلقاء أو التعبير والإيضاح.
19- القدرة على التحليل والاستنتاج.
20- السهولة والبساطة وسعة الصدر وعدم التكلف.
21- القدرة على توظيف الطاقات واكتشاف المواهب وتنميتها.
22- الكرم والتضحية.
23- التوسط في مخالطة المتربي؛ فقد دلت التجارب على أدن ذلك أدعى لنجاح المربي في توجيه المتربي ووقايته من كثير من الآفات.
أمور تفسد التربية وتفشل الدعوة الفردية
بالإضافة إلى افتقاد شيء مما سبق فهناك عدة أمور تسبب فشل الداعية مع المدعو أو فشل المربي مع المتربي منها:
1- التعلق بفرد معين من المدعوين أو الذوبان في المدعو أو المتربي، ومن ثم فقدان زمام التوجيه وتحول المسألة إلى مسألة حب وتعلق لا غير.
2- ضعف التعلق أو ضعف الصلة بالله تعالى.
3- ظن البعض أن المتابعة أو التربية تعني أن يضرب حول المتربي بسور حتى لا يتعامل مع غيره ولا يستفيد من غيره، حتى أنه ليصبح شديد الحساسية والغضب لمجرد رؤيته لبعض أقرانه يسلم على من يربيه أو يبتسم له، وحتى أنه ليتطفل ويتدخل في أخص خصوصياته، ويضعه
في قفص حديدي وفي عنقه ويده الأغلال والحبال، حتى يصبح كابوساً جاثماً على صدره.
4- الخلط بين معنى المتابعة أو التربية والأخوة الخاصة، فالبعض تكون علاقته بالمدعو علاقة أخوة خاصة لكن ليس فيها معنى القيادة والتوجيه، وعلاقة الأخوة الخاصة هذه تليق وتصلح للأقران أكثر من التلاميذ.
5- غيرة بعض المربين من تلاميذهم؛ فيضيقون ذرعاً بالنابغ في علم ما أو من تظهر عليه بوادر ترشحه لتخصص ما لا يجيدونه هم، فيقتلون فيه ما يميزه عنهم بدلاً من الأخذ بيده ليكون من المتخصصين، كالوالد يفرح بتفوق ولده عليه بل ويهيئ له السبل لذلك، وهذا السلوك المخلص في الحقيقة يزيد الفرد قناعة بمربيه لا كما يظنه المربي القاصر الذي يخاف من تميز الأفراد وتفوقهم، ويتوهم أنه لو ساعدهم على ذلك سيفقدون قناعتهم به، فيقع فيما يحذره، فيفقدون قناعتهم به لطول حبسه لهم وتأخيره لهم عن أقرانهم ممن تربوا مع غيره.
6- عدم التلازم بين المربي والمتربي.
7- كثرة أعباء المرء وتعدد مسؤولياته وانفتاحه في العمل العام.
8- انشغال ذهن المربي بقضايا خاصة أو مشكلات اجتماعية أو مادية.
9- وجود تيارات أو أفكار مخالفة لها تأثيرها على المتربين، لاسيما إذا صاحبها كسل من المتابعين أو ضعف.
10- الأنانية والحرص الشديد على المصالح الخاصة، والبخل أو الإمساك.
11- إيثار بعض الناس أو الأصحاب غير الجادين بأوقات طويلة- دون جدوى- في الوقت الذي يجد فيه المتربون أنفسهم بأمس الحاجة لمثل هذه الأوقات، مما يقلل المربي في نظرهم ويفقدهم الثقة به، بل وربما يفتنهم ويضعفهم.
12- ربط الأشخاص بالخوف والقهر لا بالحب والإقناع والإفادة.
13- عدم الاكتراث بمواهب الفرد وميوله وإهمال توظيف طاقاته.
14- عدم اجادة سياسة معاوية في شد الشعرة التي بينه وبين الناس وإرخائها، دون قطعها أو تركها بالكلية، وكذلك خسارة من لا يكسبهم.
15- التهاون أو التسرع في أخذ القرار أو الإفتاء، أو التهاون في ضبط الفتوى أو النقل مما يؤدي إلى الاضطراب وفقدان الثقة.
16- الجمود على مستوى علمي معين، وإهمال القراءة والبحث والاطلاع.
الـخاتـمة :
إن قضية الدعوة الفردية وتربية الأفراد في الحقيقة خط عريض في العمل الإسلامي لا بد منه؛ بل هي قضية المحافظة على العمل الإسلامي واستمراره.
لئن مات جيل فجيل يجيء وإن مات صف فصف يباري
ومن ثم يجب علينا رعاية هذه القضية وإعطاؤها حقها حتى يظل للدعوة حيويتها وتوهجها ويبقى عمودها الفقري سليماً قوياً.
أسأل الله جل وعلا أن يعيننا على ذلك وأن يجزل المثوبة والأجر لكل من نفعني الله به فيما كتبته في هذه الرسالة، وأن يغفر لي ما كان فيها من زلل أو نقص، والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
تأليف:هاشم بن عبدالقادر
المقدمة :
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ثم أما بعد:
فمن وسائل الدعوة إلى الله تعالى الدعوة الفردية، وقد استمعت وقرأت لعدد من الدعاة في هذا المجال فوجدت في كلامهم خيراً كثيراً، فعمدت إلى جمع ما تفرق من هذا الخير عن هذا أو ذاك وأضفت إليه ما عندي، ليخرج ذلك في صورة سهلة ميسرة لعلها تكون زاداً في الطريق للمعلمين والمربين.
والله تعالى الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
- دور المربي في الدعوة الفردية :
يتمثل دور المربي مع المدعو في القرب منه والإحاطة بأموره، والعمل الدءوب لبنائه والارتقاء به، مع المراقبة والتقويم باستمرار، وتوجيهه وإعانته في حل مشكلاته الدعوية والخاصة، ومحاسبته مع التشجيع أو المعاتبة أو غيرهما من صور المجازاة.
فتبين من هذا أن دور المربي مع المدعو يتمثل في خمسة أمور:
1- القرب منه بروح المودة والإخاء والإحاطة بأموره أولاً بأول.
2- الاجتهاد في بنائه والارتقاء به.
3- توجيهه وإعانته في حل مشكلاته الخاصة والدعوية.
4- تقويمه من فترة لأخرى ومراقبة تطوره وتأثره وفقاً لما يبذل معه، مع مراجعة مدى تحقيق الجوانب الدالة على انتظام السير وسلامة البناء.
5- محاسبته ومناقشته للوقوف على مدى قيامه بما يطلب منه أو يوجه إليه مع مجازاته تبعاً لنشاطه أو تقصيره. وفيما يلي تفصيل القول في ذلك.
أمور مهمة لنجاح الداعية :
فيما يلي أمور مهمة لنجاح الداعية أو المربي مع من يربيه:
1- شعور الفرد أو المدعو بالأمان في ظل مربيه أو معه: وهذا الشعور بالأمان ينشأ من:
(أ) الثقة في أن المربي لا يتصرف تصرفاً معيناً يقصد به أو يتعمد الأذى أو الإساءة أو الانتقاص، وهذه الثقة تنشأ من رصيد المربي في صدق المحبة والعاطفة في التعامل مع أصحابه.
(ب) الاطمئنان إلى أن المربي شديد الارتباط بالشرع، محكوم به، فكلاهما يتحاكمان إلى الشرع، ومن السهل حسم أي اضطراب أو إشكال بينهما.
(ج) عدم غياب المربي أو القائد أو غياب تأثيره في الأزمات والمشاكل؛ سواء في ذلك المبادرة والحضور المؤثر إلى جانب الفرد في أزماته ومشاكله الخاصة أو الحضور والتأثير في الأزمات والمشاكل العامة؛ فإنه يكبر بذلك عند من يربيهم، وتطمئن قلوبهم له.
قال علي رضي الله عنه: "كنا إذا احمر البأس ولقي القوم القومَ اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فما يكون منا أحد أدنى من القوم منه " .
وكذا ينبغي للمربي عدم التملص أو التهرب من الأعمال الدعوية بل على العكس، يقدم عليها تضحية لا رياء.
(د) شعور الفرد بأنه يشغل مكاناً في قلب مربيه، وهذا يفسر نشاط وارتباط الفرد بمن دعاه أول مرة فتبصر على يديه، وتأمل قوله صلى الله عليه وسلم: "الولاء لمن أعتق " .
(هـ) عناية المربي بالفرد وأسرته وطاقاته، ولا سيما والمدعو يربط مصيره وأهله وماله بهذه الدعوة.
2- أن يشعر الفرد فيك بالقيادة كما تشعر أنت أيضاً بها. وإذا كانت النقاط السابقة ينشأ عنها شعور الفرد بالأمان في ظل مربيه فإنها تشعره أيضاً بأنك قائد فتسهل متابعتك له وتسهل استجابته.
ونضيف هنا أموراً تساعد أحياناً- ولو لم تقصد- على شعور الآخرين بأنك قائد ومربي، ولها أثر عظيم على شعورهم بقيادتك الأبوية واهتمامك بهم وفطنتك؛ كأن تحفظ معلومة عابرة عنه كاسمه أو اسم ولده أو مشكلة عنده فتلقاه بعد زمن فتقول له: ماذا فعلت في مشكلتك الفلانية؟ أو كيف ولدك فلان أو والدك؟ أو ما فعل مريضك؟.. إلخ، فما أعظم أثر ذلك؟ لا سيما إذا كنت شخصية مرموقة أو كثيرة الأعباء ومنغمسة أو منشغلة في أعمال عديدة، بل قد عزى بعضهم سر نجاح بعض القادة إلى حفظهم لأسماء جنودهم.
3- صدق العاطفة وربط الأفراد بالحب قبل الخوف، والقدرة على استمالة قلوب الآخرين، وإن كان بقاء حد أدنى من الهيبة والاحترام لابد منه كما سبق.
4- طيبة القلب وسلامة الصدر.
5- التواضع والاحترام للفرد صغيراً كان أو كبيراً، ويراعى مع ذلك إنزال الناس منازلهم.
6- حسن الخلق والدماثة والعطف والرفق، وأن تعامل الآخرين بمثل ما تحب أن يعاملوك به.
7- الإيمان بالمهمة والتحمس لها.
8- الاتصال المستمر في المتابعة وعدم وجود فترات انقطاع؛ لأن فترات الانقطاع قد تؤدي لتقهقر الفرد أو فتوره.
9- تذكر عمل الدعاة معك، وما حببهم إليك، وما كاد أن ينفرك منهم.
10- مطابقة العمل للقول (القدوة).
11- العدل والهدوء وضبط النفس.
12- التوسط في الحزم.
13- التأني والتدرج في نقل الفرد من مستوى لآخر.
14- العلم الشرعي وإدراك الواقع.
15- الاستفادة من خبرات السابقين.
16- الفراسة ومعرفة الرجال، والمدخل إلى كل منهم، والطبيعة النفسية لكل منهم، وما فيها من سهولة أو التواء.
17- إدراك مراتب الولاء والبراء حسب القرب والبعد عن الله وعما كان عليه رسول صلى الله عليه وسلم.
18- القدرة على الإلقاء أو التعبير والإيضاح.
19- القدرة على التحليل والاستنتاج.
20- السهولة والبساطة وسعة الصدر وعدم التكلف.
21- القدرة على توظيف الطاقات واكتشاف المواهب وتنميتها.
22- الكرم والتضحية.
23- التوسط في مخالطة المتربي؛ فقد دلت التجارب على أدن ذلك أدعى لنجاح المربي في توجيه المتربي ووقايته من كثير من الآفات.
أمور تفسد التربية وتفشل الدعوة الفردية
بالإضافة إلى افتقاد شيء مما سبق فهناك عدة أمور تسبب فشل الداعية مع المدعو أو فشل المربي مع المتربي منها:
1- التعلق بفرد معين من المدعوين أو الذوبان في المدعو أو المتربي، ومن ثم فقدان زمام التوجيه وتحول المسألة إلى مسألة حب وتعلق لا غير.
2- ضعف التعلق أو ضعف الصلة بالله تعالى.
3- ظن البعض أن المتابعة أو التربية تعني أن يضرب حول المتربي بسور حتى لا يتعامل مع غيره ولا يستفيد من غيره، حتى أنه ليصبح شديد الحساسية والغضب لمجرد رؤيته لبعض أقرانه يسلم على من يربيه أو يبتسم له، وحتى أنه ليتطفل ويتدخل في أخص خصوصياته، ويضعه
في قفص حديدي وفي عنقه ويده الأغلال والحبال، حتى يصبح كابوساً جاثماً على صدره.
4- الخلط بين معنى المتابعة أو التربية والأخوة الخاصة، فالبعض تكون علاقته بالمدعو علاقة أخوة خاصة لكن ليس فيها معنى القيادة والتوجيه، وعلاقة الأخوة الخاصة هذه تليق وتصلح للأقران أكثر من التلاميذ.
5- غيرة بعض المربين من تلاميذهم؛ فيضيقون ذرعاً بالنابغ في علم ما أو من تظهر عليه بوادر ترشحه لتخصص ما لا يجيدونه هم، فيقتلون فيه ما يميزه عنهم بدلاً من الأخذ بيده ليكون من المتخصصين، كالوالد يفرح بتفوق ولده عليه بل ويهيئ له السبل لذلك، وهذا السلوك المخلص في الحقيقة يزيد الفرد قناعة بمربيه لا كما يظنه المربي القاصر الذي يخاف من تميز الأفراد وتفوقهم، ويتوهم أنه لو ساعدهم على ذلك سيفقدون قناعتهم به، فيقع فيما يحذره، فيفقدون قناعتهم به لطول حبسه لهم وتأخيره لهم عن أقرانهم ممن تربوا مع غيره.
6- عدم التلازم بين المربي والمتربي.
7- كثرة أعباء المرء وتعدد مسؤولياته وانفتاحه في العمل العام.
8- انشغال ذهن المربي بقضايا خاصة أو مشكلات اجتماعية أو مادية.
9- وجود تيارات أو أفكار مخالفة لها تأثيرها على المتربين، لاسيما إذا صاحبها كسل من المتابعين أو ضعف.
10- الأنانية والحرص الشديد على المصالح الخاصة، والبخل أو الإمساك.
11- إيثار بعض الناس أو الأصحاب غير الجادين بأوقات طويلة- دون جدوى- في الوقت الذي يجد فيه المتربون أنفسهم بأمس الحاجة لمثل هذه الأوقات، مما يقلل المربي في نظرهم ويفقدهم الثقة به، بل وربما يفتنهم ويضعفهم.
12- ربط الأشخاص بالخوف والقهر لا بالحب والإقناع والإفادة.
13- عدم الاكتراث بمواهب الفرد وميوله وإهمال توظيف طاقاته.
14- عدم اجادة سياسة معاوية في شد الشعرة التي بينه وبين الناس وإرخائها، دون قطعها أو تركها بالكلية، وكذلك خسارة من لا يكسبهم.
15- التهاون أو التسرع في أخذ القرار أو الإفتاء، أو التهاون في ضبط الفتوى أو النقل مما يؤدي إلى الاضطراب وفقدان الثقة.
16- الجمود على مستوى علمي معين، وإهمال القراءة والبحث والاطلاع.
الـخاتـمة :
إن قضية الدعوة الفردية وتربية الأفراد في الحقيقة خط عريض في العمل الإسلامي لا بد منه؛ بل هي قضية المحافظة على العمل الإسلامي واستمراره.
لئن مات جيل فجيل يجيء وإن مات صف فصف يباري
ومن ثم يجب علينا رعاية هذه القضية وإعطاؤها حقها حتى يظل للدعوة حيويتها وتوهجها ويبقى عمودها الفقري سليماً قوياً.
أسأل الله جل وعلا أن يعيننا على ذلك وأن يجزل المثوبة والأجر لكل من نفعني الله به فيما كتبته في هذه الرسالة، وأن يغفر لي ما كان فيها من زلل أو نقص، والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين