التحالف الرئاسي بين طموح الشراكة السياسية وبسيكوز التصحيحيات
| بقلم فاروق ابو سراج الذهب
التحالف الرئاسي حسب وثيقة تأسيسه ليس فقط مجرد جهاز لمساندة برنامج الرئيس عبر المؤسسات البرلمانية والحكومية والمحلية ،على اعتبار أن وجود أطراف التحالف في البرلمان بغرفتيه والجماعات المحلية والحكومة لم يأتي على أساس قوائم تحالفية موحدة أو بعد نتائج رئاسيات 1999او 2004 او 2009، بل جاءت عن طريق تنافس كبير في الاستحقاقات الانتخابية الماضية وبقوائم حزبية صرفة
بل جاءت عن طريق تنافس كبير في الاستحقاقات الانتخابية الماضية وبقوائم حزبية صرفة ،ولكن التحالف الرئاسي فضاء مؤسس للتيار السياسي السائد الذي تحتاج اليه الأمة من اجل تثبيت ثوابتها وترسيخ ثقافتها وهويتها وتطلعاتها الداخلية والخارجية ،وضمان وتأمين مستقبلها من خلال مبدأ استمرارية المشاريع والبرامج والمواثيق وليس استمرارية الأشخاص(حسب الرؤية السياسية التي قدمها المستشار طارق البشري تحت عنوان التيار السياسي السائد) ،وهو من جهة فكرة إستراتيجية أساسية في ظل الوضع الحالي غير المستقر للدولة الجزائرية التي تباشر مشروع استكمال مؤسساتها بما يحقق الهدف الاستراتيجي لبيان أول نوفمبر 1954 ،في ظل أجواء دولية عولمية محمومة تستهدف تجزيء المجزأ وتفتيت المفتت ،على الأقل هذا هو الطموح والحلم الذي نعتقده عندما نتحدث ثقافيا وفكريا عن مفردة التحالف حسب ديباجته ومبادئه وأهدافه،أما الواقع الذي يميز التحالف الرئاسي فهو التردد الذي يطبع أطرافه،والأنانية التي تفضل المكسب الحزبي على المصالح المشتركة ،وإذا كان كل طرف من أطراف التحالف الرئاسي ينظر إليه من منظار المصلحة والضرورة ،فان الضعف الذي يميز واقع الطبقة السياسية الجزائرية وعدم استعدادها لتأسيس فضاء مماثل للتحالف الرئاسي على مستوى البرلمان والساحة الإعلامية والسياسية ،هو سبب الانغلاق والجمود الذي نحسه في الساحة السياسية الجزائرية ،وراح البعض يفضل إستراتيجية تدوير السلطة بدل تداولها ،بين حزبين فقط ،مما افقد العمل السياسي نكهته ،وفي المقابل فان التحالف الرئاسي لمن لم تخونه الذاكرة ،تأسس في ظروف سياسية والجزائر تعيش في مفترق طرق ،سيما إذا ذكرنا الاستقطاب الحاد في سرايا النظام السياسي ،الذي انتهى باعتماد رؤية التحالف ،وبقي من كان في الجهة الأخرى يترصد الفرصة لضربه ،ومن خلال القراءة البسيطة لأسباب ضعف التحالف ،نتحدث عن الوضع السياسي الداخلي الذي تعايشها أطرافه من أزمات داخلية ،و جبهة التحرير الوطني أحسن مثال (مازال في أزمة داخلية مركزية ومحلية منذ سنة 2004).
ورغم كل ما يقال عن التحالف الرئاسي من طرف أطرافه وخصومه ،فان ابرز ما يسجل له من انجازات على المستوى الداخلي والخارجي أمرين أساسيين نعتبرهما استراتيجيين وليسا ثانويين وهما :
على المستوى الداخلي ،وبعد تردد كبير استطاعت حكومة التحالف الرئاسي وعبر قانون المالية التكميلي لسنة 2009 ،إيقاف نزيف اقتصادي كبير عبر تطهير التجارة الخارجية وإعادة الحظوة التجارية والاستثمارية للمتعاملين الاقتصاديين الجزائريين ،بعد أن كان ميدان التجارة والاستثمار لصالح الأجانب ،وبموجب قانون المالية التكميلي لسنة 2009 ،دخلت الجزائر في مرحلة المراجعات الكبرى على مستوى الشراكة مع الاتحاد الأوروبي(2005) من خلال تفعيل المادة 15 من الاتفاق الذي كان استراتيجي بالنسبة للاتحاد الأوروبي ،وسياسي بالنسبة للجزائر على اعتبار ظروف الحصار والمقاطعة التي عانت منها الجزائر طيلة سنوات الفوضى والجنون ،حيث ستراجع كل الإعفاءات الجمركية وتفعيل برامج تأهيل المؤسسة الاقتصادية الجزائرية بما يحقق التنافسية ،والتصدير خارج المحروقات ،ومن جهة أخرى فان تقليص الفاتورة الغذائية والمديونية ورفع نسبة النمو ،وكذا حماية الاقتصاد الوطني من السقوط تحت طائلة الأزمة المالية العالمية من خلال رفض وضع المال الجزائري في الصناديق السيادية ،وهو انجاز اقتصادي هام لا يمكن أن يتغاضى عنه احد ،دون نسيان المؤشرات الاقتصادية والمالية التي تحدثنا عنها الحلقة السابقة.
أما خارجيا فإن نصرة القضية الفلسطينية والاصطفاف الجزائري خلف كل برامج المقاومة وكسر الحصار وبذل الجهد من خلال فعاليات أسطول الحرية الذي اعتبر دوليا علامة فارقة في الصراع العربي الإسرائيلي ،كانت الجزائر حاضرة بقوة وفاعلية فيه ممثلة للعرب جميعا بسفينة محملة بشتى صنوف المساعدة وعلى رأسها الحديد والاسمنت،حيث فرض المتضامنون منطقهم على العالم اجمع ،وسجلوا صفحة جديدة في مضمار التحرير للمقدسات ،او من خلال المساعدات الإنسانية الفعلية والدخول إلى غزة في عدة قوافل مساعدات عبر البر والبحر والجو،وفتح الحدود الجزائرية المغربية استثنائيا للمساعدات ومناصري فلسطين الأوروبيين ،وهو انجاز كبير للتحالف الرئاسي من خلال انسجام أطرافه في نصرة الأقصى وفلسطين ،ومن جهة أخرى الانتصار لقضية الصحراء الغربية على اعتبارها قضية تصفية استعمار وبذل الجهد الدبلوماسي من اجل تقرير مصير الشعب الصحراوي حسب مقتضيات الشرعية الدولية ،وهو انجاز آخر يحسب للتحالف الرئاسي عبر مختلف مؤسساته،كما أن إصرار الجزائر على تنويع شركائها في الخارج وموقفها الثابت من حق الدول ومنها إيران في امتلاك الطاقة النووية ذات الاستخدام السلمي ،والموقف الثابت والمؤسس على مسافة واحدة من أطراف الصراع داخل العراق ،ورفض أي تطبيع مع الاحتلال أي كان شكله هي مواقف تحسب في السجل الناصع لجزائر ما بعد الإرهاب.
وإذا ما أردنا استقراء واقع أطراف التحالف الرئاسي فإننا سنجد أنفسنا أمام واقع حزب جبهة التحرير الوطني الذي لم يعرف الاستقرار منذ رئاسيات 2004 ،وهو اليوم يعيش أزمة قيادية مركزية ومحلية ،بالرغم من أن كل القراءات التي تابعت المؤتمر الخامس للحزب كانت تؤشر على أهمية بالغة للحزب ودور جديد سيقوم به في المستقبل ،على اعتبار التنافس الحاد الذي حسم إداريا ولم يحسم سياسيا ،على مستوى عضوية اللجنة المركزية ،وعلى مستوى حرص الفاعل السياسي على إنجاح المؤتمر ،وعلى مستوى التسويق الإعلامي على مستوى التلفزيون بمعدل 5 دقائق في نشرة الثامنة ،وعلى مستوى قراءة الشخصيات التي زكيت لعضوية اللجنة المركزية .
كل ذلك كان يدل على دور جديد للحزب في المستقبل القريب "تشريعيات 2012 ورئاسيات 2014 "،وعلى مستوى مؤسسات الدولة "الحكومة".
لكن ردود الفعل القيادية التي يتزعمها وزراء ونواب وقيادات سابقة في الحزب،يؤشر إما على أن الدور المستقبلي للحزب سيكون وفيرا ومهما وأساسيا وبالتالي فان التزاحم على المراكز القيادية ومواقع النفوذ في الولايات ،يعد واجب الوقت بالنسبة لبعض القيادات،او أن تغيير قيادي سيحصل في مركز صناعة القرار في الحزب وان ترتيب جديد للساحة السياسية وشيك وبالتالي فان مايحدث في أروقة الحزب ومقراته المحلية من تحضير ،يبرر الحمى التي أصابت بعض القيادات في الحزب ،كما أن التسابق على حجز مكان في البرلمان القادم بنسبة تقاعد مئة في المئة ،هو مسار تركب من اجله المخاطر وظهور الإبل في رمضاء الصحراء ،وتشد له الرحال ،ويستحق المغامرة بالحاضر الوزاري من اجل المستقبل الرئاسي ،ومن جهة أخرى فان الاستحقاقات السياسية القادمة تسيل لعاب الحزبين الحاكمين على من يكون له دور الريادة في 2012 ،ومن جهة اخرى ومن خلال استقراء كل الأزمات التي مر بها حزب جبهة التحرير الوطني ،وعلى اعتبار أن الآفلان حزب ذو طبيعة خاصة تميزه عن الأحزاب الأخرى على مستوى الثقافة القيادية التي تمثل مرجعية لدى إطارات الحزب (الحزب الواحد طيلة أربعين سنة)،وهي ثقافة الجهاز ،حيث لا يفضل اغلب مناضلي الحزب عندما يغضبون او يشعرون بالتهميش أن يخرجوا على الحزب ويؤسسوا فضاءا جديدا يختلف عن الحزب ،بل يفضلون البقاء داخل سراديب الحزب ويمارسون المعارضة بأشكال مختلفة،ويستقوون بالسلطة على اعتبارهم جزء لا يتجزأ منها ،أي يفضلون أخذ مكان في طابور الانتظار شانهم في ذلك شأن النموذج الايراني ،الذي يفضل كل واحد من القيادات التي تختلف مع السلطة مهما كان المنصب الذي كان يشغله الانتظار في طابور المرشد عله يدعى في مرحلة من المراحل للقيام بدور ما ،رغم أن التجربة في الجزائر مع جبهة التحرير الوطني ،تختلف عنها في إيران ،حيث كانت الرؤية في بعض المراحل تشجيع إطارات الجبهة على تأسيس التجمع الوطني الديمقراطي ،ثم الانخراط في الجبهة الوطنية الجزائرية ،إلا أن الرؤية اليوم هي ترجيح البقاء في الحزب حتى يأتي الدور ،عكس الإسلاميين الذين يفضلون التكاثر والتوالد خارج العش ،ويدقون المسامير في نعش الحزب الذي كانوا فيه من المؤسسين، في مقابل مايحدث في جبهة التحرير الوطني ،فان بيت التجمع الوطني الديمقراطي ،يعرف الاستقرار والثبات والانضباط الحزبي بل ويعرف طابورا من المناضلين القياديين الجدد الذين فقدوا المصداقية في أحزابهم من منتخبين ونواب ،ويجد التجمع نفسه مرتاحا وهو يصرح بانخراطات سياسية جديدة ،من أحزاب وطنية وإسلامية ،ومن جهة أخرى فان الأداء المحلي لمنتخبي الحزب لا تسر الخاطر ،وهي مرشحة لان تكون مصدر قلق و تراجع جماهيري ،رغم ما يبذله الأمين العام كرئيس للحكومة من جهد في تجميل صورة التجمع وإبعاد صور التشويه والركود السياسي التي أصابت التجمع وكلست بل ونمطت الاداءات السياسية للحزب .
وغير بعيد عن الحزبين الحاكمين تقف حركة مجتمع السلم ،على مشهد سياسي تطبعه حركية سياسية خارجية وداخلية ،أما الداخلية فهي تنفيذ خطة الانفتاح والانتشار على مستوى ربوع الوطن على اعتبار أن حركة مجتمع السلم تشعر أنها منغلقة بشكل تنظيمي وتحتاج إلى تخفيف شروط العضوية من اجل تسهيل دخول بعض الفئات المجتمعية إليها سواء على مستوى النضالية أو على مستوى الانتشار في البلديات التي لا تتواجد فيها الحركة بشكل تنظيمي رغم وجودها السياسي ،وهو إحساس او شعور يعكس مخاوف متوقعة من الاستحقاقات السياسية القادمة ،التي باتت تشكل أولوية لدى اغلب الأحزاب السياسية في الجزائر ،ويرى بعض المراقبين إلى أن حركة مجتمع السلم لا تعاني من الحضور السياسي في اغلب بلديات الوطن ،من خلال قراءة الأرقام الانتخابية في الاستحقاقات الانتخابية السابقة ،ولكنها تعاني انغلاق تنظيمي في شروط العضوية تحتاج إلى تعديل وتيسير من اجل تجميع الأصوات في شكل جمعيات عامة ومكاتب تأسيسية وهو ما فعلته فعلا الحركة من خلال استصدار لائحة من مجلس الشورى الوطني لتقعيد عمل المكاتب التأسيسية .
ومن جهة أخرى فان مبدئية تضامن الحركة مع القضية الفلسطينية ،وحضورها القوي في قوافل المساعدات على مستوى التمويل والتموين والتسيير (رسمي وشعبي )،وتعد مشاركة الحركة في أسطول الحرية من بين أهم البرامج التي استعادت بها الحركة سمعتها وصورتها أمام الرأي العام الجزائري ،وليس ذلك براجماتية انتخابية من الحركة بقدر ماهو توفيق وقبول وبركة يطرحها الله في الأرض لمن يتضامن مع الأرض المباركة (الذي باركنا حوله)، ومن جهة أخرى فان خروج أو استقالة 19 نائب من حركة مجتمع السلم ،يطرح إشكالية التمثيل البرلماني في الولايات المستقيلة ،بالرغم من أن المجتمع الجزائري لا يحب الانشقاق وتغيير الحزب الذي بموجبه اختار الشعب ذلك النائب ،وهذه الولايات تطرح إشكالية خطاب في الاستحقاق القادم ،بالرغم من الجهود التي يبذلها هؤلاء النواب من اجل إعادة انتخابهم في الاستحقاق القادم بأسماء أخرى ،ان وجدت، وهذه الجهود قد تصب في رصيد الحركة بشكل عام ،ولا تصب في رصيد الأشخاص .
ومن جهة أخرى ،نشير إلى أن الحركة خرجت فعلا من الأزمة التنظيمية التي دخلت فيها بعد المؤتمر الرابع ،وهي اليوم في مسيس الحاجة إلى إعادة تقييم سياساتها ومواقفها وعلاقاتها الداخلية والخارجية ،على ضوء التحديات السياسية والاجتماعية والاقتصادية الجديدة ،من خلال إطلاق الجيل الثاني من مشروع المشاركة السياسية ذات الابعاد المجتمعية والسياسية ،على اعتبار أن إستراتيجية المشاركة السياسية بالشكل الحالي استنفذت أغراضها وبلغت السقف المحدد لها سلفا من قبل المنتظم السياسي ،وأصبح مطلب إعادة تحديث وصياغة أهداف وبرامج ومؤسسات المشاركة السياسية أكثر من ضرورة ،فإذا كان العذر فيما سبق هو الوضع الأمني ،ثم الوضع التنظيمي ،فان الحالة المريحة التي تعيشها الحركة ،يجب أن يقابلها إرادة الدخول في مسار سياسي جديد يثمن الكسب ويعالج الخلل ويستشرف المستقبل ،ولعل هذه الضرورة هي أهم وظائف الهيئة الاستشارية الوطنية للدراسة والاستشراف التي شكلها رئيس الحركة في بداية الشهر الماضي .
وتجدر الإشارة إلى أن هنالك بعض الإرادات السياسية التي تريد الاصطياد في المياه العكرة (بالرغم من صفاء مياه الحركة حاليا )،من خلال تسويق صورة متناقضة لتصريحات بعض القيادات ،ليس من اجل الملفات التي كان التصريح بشأنها (أسطول الحرية ،التحالف ،الصحراء الغربية ...) ولكن من اجل إدخال بعض القيادات في إشكاليات جديدة توهم القارئ والمناضل بوجود صراع جديد على القيادة داخل الحركة ،وهو مايجب أن تنتبه إليه المؤسسات ،وتحاصر آثاره وشظاياه تنظيميا ومؤسسيا .
وعلى اعتبار وجود يأس وتذمر جماهيري من الأداء الاقتصادي للحكومة التي تشارك فيها الحركة رغم نجاح وزرائها في تسويق صورة مقبولة لنوعية وفاعلية إطاراتها،وقدرة الحكومة على تحسين صورتها من خلال البرامج الاجتماعية الجديدة ،في مقابل الصورة المشوهة لدى المواطنين للبرلمان ،وهو ما يطرح سؤال جدوى الانتخابات في ظل أجواء العزوف الشعبي عن المشاركة ،وبقاء شبح التزوير يهددها ،فان عملا جبارا ينتظر حركة مجتمع السلم من اجل المساهمة في تقليص هامش العزوف ،على اعتبار أن الفئات العازفة تنخر الوعاء الانتخابي للحركة ،بشكل كبير ،وبات التفكير في مبادرات سياسية غير تقليدية ،أكثر من واجب ،ومن ذلك فتح الباب مشرعا أمام النخب العلمية والأكاديمية والاجتماعية للمساهمة في الإصلاح السياسي واستقطابها إلى باب الترشح والمشاركة ،من خلال طرح مشروع تعديل قانون الانتخابات بغرض إدخال مقترحات تتعلق بالقائمة الوطنية لاستيعاب الكفاءات ،وتحديد كوتة للنساء من اجل ضمان حد أدنى من مشاركة المرأة في الاستحقاقات القادمة ،وتعتبر سنة 2011 هي سنة تحقيق الفرق والتميز واعدة تثبيت الصورة الايجابية في ذهن المواطن من خلال برامج تطرح السؤال الصحيح وتصيغ الإجابة السليمة على أسئلة المجتمع الملحة ،ذلك أن تعديل الصورة النمطية للمواطن حول الحركة ،بطرح بدائل سياسية واجتماعية تستهدف كل شرائح المجتمع من خلال خطاب يستقطب الفئات الفاعلة في المجتمع ،ويستوعب النخب المتسربة من ساحة الفعل السياسي خلال الفترة السياسية الحرجة التي مرت بها الجزائر ،وصياغة خطاب تنموي يفصل المواقف في بعض القضايا التي تمثل يوميات المواطن كارتفاع الأسعار ،وندرة الدواء ،والعقار الفلاحي والبطالة والتشغيل ،والعنوسة والعزوبة،وكذا تدقيق الموقف من مطالب بعض الفئات العمالية والمهن الخاصة ودعمها من اجل الحصول على مطالبها،ومناقشة مشاريع إسلامية عملاقة تتعلق بالحد من آفة الربا والكسب غير المشروع والعمل المصرفي والبنكي والدفع باتجاه برامج أكثر فعالية في ميدان التربية والتعليم ومحو الأمية وحماية اللغة والتراث ....
وتجدر الإشارة قبل الانتهاء من الحديث عن حركة مجتمع السلم ،ان ننبه إلى قضية في غاية الأهمية ،تتعلق بالسقف السياسي المحدد والمسموح للحركات الإسلامية ،حيث لم يعد ذلك كما في السابق ،فالحركة الاسمية في الجزائر خرجت من بوتقة مرحلة التجريب والطمأنة والخوف منها ،على اعتبار الجهل الكبير للنظام السياسي بقدرة هذه الأخيرة على المغالبة والسيطرة على الشارع ،فذلك حديث قديم أصبح اليوم منسوخا،ولا يمكن اعتبار ماحدث في الماضي ،قاعدة عامة ،مسلطة على رقبة الحركات الإسلامية ،والنموذج هو حزب العدالة والتنمية في تركيا ،أما السياق العام لتعامل الأنظمة مع الحركات الإسلامية سيما في العالم العربي ،فقد استأنسته الأنظمة السياسية ،و قبلت به الحركات الإسلامية كأمر واقع ، وهو حال حركة مجتمع السلم في الجزائر ،لذلك فعندما أطلق رئيس حركة مجتمع السلم الشيخ أبو جرة سلطاني تصريحات تتحدث عن الوصول إلى الحكم في سنة 2012 ،كان أول من استهجن هذا الطموح هم قيادات من الحركة نفسها ،لان التطلع نحو مثابات سياسية جديدة كان محدودا ،ولا يرنو إلى مثل هذه الشرفات العالية ،وآن الأوان أن نقول بأن هذا السقف التقليدي أصبح عبارة عن وهم ،يجب إزالته وتبديده ،والسباحة في المساحات المجتمعية الواسعة ،وتوجيه الرؤوس نحو الآفاق البعيدة ،بنفوس تواقة مستعدة للتدافع السنني مع الغير من اجل تحقيق أهداف الرسالة والمشروع .
صحيح أن نتائج الحركات الإسلامية المماثلة لحركة مجتمع السلم تراجعت في الاستحقاقات الماضية شرقا وغربا (الكويت العراق،البحرين،الأردن ،اليمن المغرب،موريتانيا... ) ولأسباب مختلفة ومتعددة،ولكننا مهتم كثيرا بالنماذج الناجحة لنتخذ منها قدوة وندرس أسباب نجاحها ،أما النماذج التي أخفقت فحري بنا أن ندرس أسباب الإخفاق بغرض اخذ الدرس والعبرة.
| بقلم فاروق ابو سراج الذهب
التحالف الرئاسي حسب وثيقة تأسيسه ليس فقط مجرد جهاز لمساندة برنامج الرئيس عبر المؤسسات البرلمانية والحكومية والمحلية ،على اعتبار أن وجود أطراف التحالف في البرلمان بغرفتيه والجماعات المحلية والحكومة لم يأتي على أساس قوائم تحالفية موحدة أو بعد نتائج رئاسيات 1999او 2004 او 2009، بل جاءت عن طريق تنافس كبير في الاستحقاقات الانتخابية الماضية وبقوائم حزبية صرفة
بل جاءت عن طريق تنافس كبير في الاستحقاقات الانتخابية الماضية وبقوائم حزبية صرفة ،ولكن التحالف الرئاسي فضاء مؤسس للتيار السياسي السائد الذي تحتاج اليه الأمة من اجل تثبيت ثوابتها وترسيخ ثقافتها وهويتها وتطلعاتها الداخلية والخارجية ،وضمان وتأمين مستقبلها من خلال مبدأ استمرارية المشاريع والبرامج والمواثيق وليس استمرارية الأشخاص(حسب الرؤية السياسية التي قدمها المستشار طارق البشري تحت عنوان التيار السياسي السائد) ،وهو من جهة فكرة إستراتيجية أساسية في ظل الوضع الحالي غير المستقر للدولة الجزائرية التي تباشر مشروع استكمال مؤسساتها بما يحقق الهدف الاستراتيجي لبيان أول نوفمبر 1954 ،في ظل أجواء دولية عولمية محمومة تستهدف تجزيء المجزأ وتفتيت المفتت ،على الأقل هذا هو الطموح والحلم الذي نعتقده عندما نتحدث ثقافيا وفكريا عن مفردة التحالف حسب ديباجته ومبادئه وأهدافه،أما الواقع الذي يميز التحالف الرئاسي فهو التردد الذي يطبع أطرافه،والأنانية التي تفضل المكسب الحزبي على المصالح المشتركة ،وإذا كان كل طرف من أطراف التحالف الرئاسي ينظر إليه من منظار المصلحة والضرورة ،فان الضعف الذي يميز واقع الطبقة السياسية الجزائرية وعدم استعدادها لتأسيس فضاء مماثل للتحالف الرئاسي على مستوى البرلمان والساحة الإعلامية والسياسية ،هو سبب الانغلاق والجمود الذي نحسه في الساحة السياسية الجزائرية ،وراح البعض يفضل إستراتيجية تدوير السلطة بدل تداولها ،بين حزبين فقط ،مما افقد العمل السياسي نكهته ،وفي المقابل فان التحالف الرئاسي لمن لم تخونه الذاكرة ،تأسس في ظروف سياسية والجزائر تعيش في مفترق طرق ،سيما إذا ذكرنا الاستقطاب الحاد في سرايا النظام السياسي ،الذي انتهى باعتماد رؤية التحالف ،وبقي من كان في الجهة الأخرى يترصد الفرصة لضربه ،ومن خلال القراءة البسيطة لأسباب ضعف التحالف ،نتحدث عن الوضع السياسي الداخلي الذي تعايشها أطرافه من أزمات داخلية ،و جبهة التحرير الوطني أحسن مثال (مازال في أزمة داخلية مركزية ومحلية منذ سنة 2004).
ورغم كل ما يقال عن التحالف الرئاسي من طرف أطرافه وخصومه ،فان ابرز ما يسجل له من انجازات على المستوى الداخلي والخارجي أمرين أساسيين نعتبرهما استراتيجيين وليسا ثانويين وهما :
على المستوى الداخلي ،وبعد تردد كبير استطاعت حكومة التحالف الرئاسي وعبر قانون المالية التكميلي لسنة 2009 ،إيقاف نزيف اقتصادي كبير عبر تطهير التجارة الخارجية وإعادة الحظوة التجارية والاستثمارية للمتعاملين الاقتصاديين الجزائريين ،بعد أن كان ميدان التجارة والاستثمار لصالح الأجانب ،وبموجب قانون المالية التكميلي لسنة 2009 ،دخلت الجزائر في مرحلة المراجعات الكبرى على مستوى الشراكة مع الاتحاد الأوروبي(2005) من خلال تفعيل المادة 15 من الاتفاق الذي كان استراتيجي بالنسبة للاتحاد الأوروبي ،وسياسي بالنسبة للجزائر على اعتبار ظروف الحصار والمقاطعة التي عانت منها الجزائر طيلة سنوات الفوضى والجنون ،حيث ستراجع كل الإعفاءات الجمركية وتفعيل برامج تأهيل المؤسسة الاقتصادية الجزائرية بما يحقق التنافسية ،والتصدير خارج المحروقات ،ومن جهة أخرى فان تقليص الفاتورة الغذائية والمديونية ورفع نسبة النمو ،وكذا حماية الاقتصاد الوطني من السقوط تحت طائلة الأزمة المالية العالمية من خلال رفض وضع المال الجزائري في الصناديق السيادية ،وهو انجاز اقتصادي هام لا يمكن أن يتغاضى عنه احد ،دون نسيان المؤشرات الاقتصادية والمالية التي تحدثنا عنها الحلقة السابقة.
أما خارجيا فإن نصرة القضية الفلسطينية والاصطفاف الجزائري خلف كل برامج المقاومة وكسر الحصار وبذل الجهد من خلال فعاليات أسطول الحرية الذي اعتبر دوليا علامة فارقة في الصراع العربي الإسرائيلي ،كانت الجزائر حاضرة بقوة وفاعلية فيه ممثلة للعرب جميعا بسفينة محملة بشتى صنوف المساعدة وعلى رأسها الحديد والاسمنت،حيث فرض المتضامنون منطقهم على العالم اجمع ،وسجلوا صفحة جديدة في مضمار التحرير للمقدسات ،او من خلال المساعدات الإنسانية الفعلية والدخول إلى غزة في عدة قوافل مساعدات عبر البر والبحر والجو،وفتح الحدود الجزائرية المغربية استثنائيا للمساعدات ومناصري فلسطين الأوروبيين ،وهو انجاز كبير للتحالف الرئاسي من خلال انسجام أطرافه في نصرة الأقصى وفلسطين ،ومن جهة أخرى الانتصار لقضية الصحراء الغربية على اعتبارها قضية تصفية استعمار وبذل الجهد الدبلوماسي من اجل تقرير مصير الشعب الصحراوي حسب مقتضيات الشرعية الدولية ،وهو انجاز آخر يحسب للتحالف الرئاسي عبر مختلف مؤسساته،كما أن إصرار الجزائر على تنويع شركائها في الخارج وموقفها الثابت من حق الدول ومنها إيران في امتلاك الطاقة النووية ذات الاستخدام السلمي ،والموقف الثابت والمؤسس على مسافة واحدة من أطراف الصراع داخل العراق ،ورفض أي تطبيع مع الاحتلال أي كان شكله هي مواقف تحسب في السجل الناصع لجزائر ما بعد الإرهاب.
وإذا ما أردنا استقراء واقع أطراف التحالف الرئاسي فإننا سنجد أنفسنا أمام واقع حزب جبهة التحرير الوطني الذي لم يعرف الاستقرار منذ رئاسيات 2004 ،وهو اليوم يعيش أزمة قيادية مركزية ومحلية ،بالرغم من أن كل القراءات التي تابعت المؤتمر الخامس للحزب كانت تؤشر على أهمية بالغة للحزب ودور جديد سيقوم به في المستقبل ،على اعتبار التنافس الحاد الذي حسم إداريا ولم يحسم سياسيا ،على مستوى عضوية اللجنة المركزية ،وعلى مستوى حرص الفاعل السياسي على إنجاح المؤتمر ،وعلى مستوى التسويق الإعلامي على مستوى التلفزيون بمعدل 5 دقائق في نشرة الثامنة ،وعلى مستوى قراءة الشخصيات التي زكيت لعضوية اللجنة المركزية .
كل ذلك كان يدل على دور جديد للحزب في المستقبل القريب "تشريعيات 2012 ورئاسيات 2014 "،وعلى مستوى مؤسسات الدولة "الحكومة".
لكن ردود الفعل القيادية التي يتزعمها وزراء ونواب وقيادات سابقة في الحزب،يؤشر إما على أن الدور المستقبلي للحزب سيكون وفيرا ومهما وأساسيا وبالتالي فان التزاحم على المراكز القيادية ومواقع النفوذ في الولايات ،يعد واجب الوقت بالنسبة لبعض القيادات،او أن تغيير قيادي سيحصل في مركز صناعة القرار في الحزب وان ترتيب جديد للساحة السياسية وشيك وبالتالي فان مايحدث في أروقة الحزب ومقراته المحلية من تحضير ،يبرر الحمى التي أصابت بعض القيادات في الحزب ،كما أن التسابق على حجز مكان في البرلمان القادم بنسبة تقاعد مئة في المئة ،هو مسار تركب من اجله المخاطر وظهور الإبل في رمضاء الصحراء ،وتشد له الرحال ،ويستحق المغامرة بالحاضر الوزاري من اجل المستقبل الرئاسي ،ومن جهة أخرى فان الاستحقاقات السياسية القادمة تسيل لعاب الحزبين الحاكمين على من يكون له دور الريادة في 2012 ،ومن جهة اخرى ومن خلال استقراء كل الأزمات التي مر بها حزب جبهة التحرير الوطني ،وعلى اعتبار أن الآفلان حزب ذو طبيعة خاصة تميزه عن الأحزاب الأخرى على مستوى الثقافة القيادية التي تمثل مرجعية لدى إطارات الحزب (الحزب الواحد طيلة أربعين سنة)،وهي ثقافة الجهاز ،حيث لا يفضل اغلب مناضلي الحزب عندما يغضبون او يشعرون بالتهميش أن يخرجوا على الحزب ويؤسسوا فضاءا جديدا يختلف عن الحزب ،بل يفضلون البقاء داخل سراديب الحزب ويمارسون المعارضة بأشكال مختلفة،ويستقوون بالسلطة على اعتبارهم جزء لا يتجزأ منها ،أي يفضلون أخذ مكان في طابور الانتظار شانهم في ذلك شأن النموذج الايراني ،الذي يفضل كل واحد من القيادات التي تختلف مع السلطة مهما كان المنصب الذي كان يشغله الانتظار في طابور المرشد عله يدعى في مرحلة من المراحل للقيام بدور ما ،رغم أن التجربة في الجزائر مع جبهة التحرير الوطني ،تختلف عنها في إيران ،حيث كانت الرؤية في بعض المراحل تشجيع إطارات الجبهة على تأسيس التجمع الوطني الديمقراطي ،ثم الانخراط في الجبهة الوطنية الجزائرية ،إلا أن الرؤية اليوم هي ترجيح البقاء في الحزب حتى يأتي الدور ،عكس الإسلاميين الذين يفضلون التكاثر والتوالد خارج العش ،ويدقون المسامير في نعش الحزب الذي كانوا فيه من المؤسسين، في مقابل مايحدث في جبهة التحرير الوطني ،فان بيت التجمع الوطني الديمقراطي ،يعرف الاستقرار والثبات والانضباط الحزبي بل ويعرف طابورا من المناضلين القياديين الجدد الذين فقدوا المصداقية في أحزابهم من منتخبين ونواب ،ويجد التجمع نفسه مرتاحا وهو يصرح بانخراطات سياسية جديدة ،من أحزاب وطنية وإسلامية ،ومن جهة أخرى فان الأداء المحلي لمنتخبي الحزب لا تسر الخاطر ،وهي مرشحة لان تكون مصدر قلق و تراجع جماهيري ،رغم ما يبذله الأمين العام كرئيس للحكومة من جهد في تجميل صورة التجمع وإبعاد صور التشويه والركود السياسي التي أصابت التجمع وكلست بل ونمطت الاداءات السياسية للحزب .
وغير بعيد عن الحزبين الحاكمين تقف حركة مجتمع السلم ،على مشهد سياسي تطبعه حركية سياسية خارجية وداخلية ،أما الداخلية فهي تنفيذ خطة الانفتاح والانتشار على مستوى ربوع الوطن على اعتبار أن حركة مجتمع السلم تشعر أنها منغلقة بشكل تنظيمي وتحتاج إلى تخفيف شروط العضوية من اجل تسهيل دخول بعض الفئات المجتمعية إليها سواء على مستوى النضالية أو على مستوى الانتشار في البلديات التي لا تتواجد فيها الحركة بشكل تنظيمي رغم وجودها السياسي ،وهو إحساس او شعور يعكس مخاوف متوقعة من الاستحقاقات السياسية القادمة ،التي باتت تشكل أولوية لدى اغلب الأحزاب السياسية في الجزائر ،ويرى بعض المراقبين إلى أن حركة مجتمع السلم لا تعاني من الحضور السياسي في اغلب بلديات الوطن ،من خلال قراءة الأرقام الانتخابية في الاستحقاقات الانتخابية السابقة ،ولكنها تعاني انغلاق تنظيمي في شروط العضوية تحتاج إلى تعديل وتيسير من اجل تجميع الأصوات في شكل جمعيات عامة ومكاتب تأسيسية وهو ما فعلته فعلا الحركة من خلال استصدار لائحة من مجلس الشورى الوطني لتقعيد عمل المكاتب التأسيسية .
ومن جهة أخرى فان مبدئية تضامن الحركة مع القضية الفلسطينية ،وحضورها القوي في قوافل المساعدات على مستوى التمويل والتموين والتسيير (رسمي وشعبي )،وتعد مشاركة الحركة في أسطول الحرية من بين أهم البرامج التي استعادت بها الحركة سمعتها وصورتها أمام الرأي العام الجزائري ،وليس ذلك براجماتية انتخابية من الحركة بقدر ماهو توفيق وقبول وبركة يطرحها الله في الأرض لمن يتضامن مع الأرض المباركة (الذي باركنا حوله)، ومن جهة أخرى فان خروج أو استقالة 19 نائب من حركة مجتمع السلم ،يطرح إشكالية التمثيل البرلماني في الولايات المستقيلة ،بالرغم من أن المجتمع الجزائري لا يحب الانشقاق وتغيير الحزب الذي بموجبه اختار الشعب ذلك النائب ،وهذه الولايات تطرح إشكالية خطاب في الاستحقاق القادم ،بالرغم من الجهود التي يبذلها هؤلاء النواب من اجل إعادة انتخابهم في الاستحقاق القادم بأسماء أخرى ،ان وجدت، وهذه الجهود قد تصب في رصيد الحركة بشكل عام ،ولا تصب في رصيد الأشخاص .
ومن جهة أخرى ،نشير إلى أن الحركة خرجت فعلا من الأزمة التنظيمية التي دخلت فيها بعد المؤتمر الرابع ،وهي اليوم في مسيس الحاجة إلى إعادة تقييم سياساتها ومواقفها وعلاقاتها الداخلية والخارجية ،على ضوء التحديات السياسية والاجتماعية والاقتصادية الجديدة ،من خلال إطلاق الجيل الثاني من مشروع المشاركة السياسية ذات الابعاد المجتمعية والسياسية ،على اعتبار أن إستراتيجية المشاركة السياسية بالشكل الحالي استنفذت أغراضها وبلغت السقف المحدد لها سلفا من قبل المنتظم السياسي ،وأصبح مطلب إعادة تحديث وصياغة أهداف وبرامج ومؤسسات المشاركة السياسية أكثر من ضرورة ،فإذا كان العذر فيما سبق هو الوضع الأمني ،ثم الوضع التنظيمي ،فان الحالة المريحة التي تعيشها الحركة ،يجب أن يقابلها إرادة الدخول في مسار سياسي جديد يثمن الكسب ويعالج الخلل ويستشرف المستقبل ،ولعل هذه الضرورة هي أهم وظائف الهيئة الاستشارية الوطنية للدراسة والاستشراف التي شكلها رئيس الحركة في بداية الشهر الماضي .
وتجدر الإشارة إلى أن هنالك بعض الإرادات السياسية التي تريد الاصطياد في المياه العكرة (بالرغم من صفاء مياه الحركة حاليا )،من خلال تسويق صورة متناقضة لتصريحات بعض القيادات ،ليس من اجل الملفات التي كان التصريح بشأنها (أسطول الحرية ،التحالف ،الصحراء الغربية ...) ولكن من اجل إدخال بعض القيادات في إشكاليات جديدة توهم القارئ والمناضل بوجود صراع جديد على القيادة داخل الحركة ،وهو مايجب أن تنتبه إليه المؤسسات ،وتحاصر آثاره وشظاياه تنظيميا ومؤسسيا .
وعلى اعتبار وجود يأس وتذمر جماهيري من الأداء الاقتصادي للحكومة التي تشارك فيها الحركة رغم نجاح وزرائها في تسويق صورة مقبولة لنوعية وفاعلية إطاراتها،وقدرة الحكومة على تحسين صورتها من خلال البرامج الاجتماعية الجديدة ،في مقابل الصورة المشوهة لدى المواطنين للبرلمان ،وهو ما يطرح سؤال جدوى الانتخابات في ظل أجواء العزوف الشعبي عن المشاركة ،وبقاء شبح التزوير يهددها ،فان عملا جبارا ينتظر حركة مجتمع السلم من اجل المساهمة في تقليص هامش العزوف ،على اعتبار أن الفئات العازفة تنخر الوعاء الانتخابي للحركة ،بشكل كبير ،وبات التفكير في مبادرات سياسية غير تقليدية ،أكثر من واجب ،ومن ذلك فتح الباب مشرعا أمام النخب العلمية والأكاديمية والاجتماعية للمساهمة في الإصلاح السياسي واستقطابها إلى باب الترشح والمشاركة ،من خلال طرح مشروع تعديل قانون الانتخابات بغرض إدخال مقترحات تتعلق بالقائمة الوطنية لاستيعاب الكفاءات ،وتحديد كوتة للنساء من اجل ضمان حد أدنى من مشاركة المرأة في الاستحقاقات القادمة ،وتعتبر سنة 2011 هي سنة تحقيق الفرق والتميز واعدة تثبيت الصورة الايجابية في ذهن المواطن من خلال برامج تطرح السؤال الصحيح وتصيغ الإجابة السليمة على أسئلة المجتمع الملحة ،ذلك أن تعديل الصورة النمطية للمواطن حول الحركة ،بطرح بدائل سياسية واجتماعية تستهدف كل شرائح المجتمع من خلال خطاب يستقطب الفئات الفاعلة في المجتمع ،ويستوعب النخب المتسربة من ساحة الفعل السياسي خلال الفترة السياسية الحرجة التي مرت بها الجزائر ،وصياغة خطاب تنموي يفصل المواقف في بعض القضايا التي تمثل يوميات المواطن كارتفاع الأسعار ،وندرة الدواء ،والعقار الفلاحي والبطالة والتشغيل ،والعنوسة والعزوبة،وكذا تدقيق الموقف من مطالب بعض الفئات العمالية والمهن الخاصة ودعمها من اجل الحصول على مطالبها،ومناقشة مشاريع إسلامية عملاقة تتعلق بالحد من آفة الربا والكسب غير المشروع والعمل المصرفي والبنكي والدفع باتجاه برامج أكثر فعالية في ميدان التربية والتعليم ومحو الأمية وحماية اللغة والتراث ....
وتجدر الإشارة قبل الانتهاء من الحديث عن حركة مجتمع السلم ،ان ننبه إلى قضية في غاية الأهمية ،تتعلق بالسقف السياسي المحدد والمسموح للحركات الإسلامية ،حيث لم يعد ذلك كما في السابق ،فالحركة الاسمية في الجزائر خرجت من بوتقة مرحلة التجريب والطمأنة والخوف منها ،على اعتبار الجهل الكبير للنظام السياسي بقدرة هذه الأخيرة على المغالبة والسيطرة على الشارع ،فذلك حديث قديم أصبح اليوم منسوخا،ولا يمكن اعتبار ماحدث في الماضي ،قاعدة عامة ،مسلطة على رقبة الحركات الإسلامية ،والنموذج هو حزب العدالة والتنمية في تركيا ،أما السياق العام لتعامل الأنظمة مع الحركات الإسلامية سيما في العالم العربي ،فقد استأنسته الأنظمة السياسية ،و قبلت به الحركات الإسلامية كأمر واقع ، وهو حال حركة مجتمع السلم في الجزائر ،لذلك فعندما أطلق رئيس حركة مجتمع السلم الشيخ أبو جرة سلطاني تصريحات تتحدث عن الوصول إلى الحكم في سنة 2012 ،كان أول من استهجن هذا الطموح هم قيادات من الحركة نفسها ،لان التطلع نحو مثابات سياسية جديدة كان محدودا ،ولا يرنو إلى مثل هذه الشرفات العالية ،وآن الأوان أن نقول بأن هذا السقف التقليدي أصبح عبارة عن وهم ،يجب إزالته وتبديده ،والسباحة في المساحات المجتمعية الواسعة ،وتوجيه الرؤوس نحو الآفاق البعيدة ،بنفوس تواقة مستعدة للتدافع السنني مع الغير من اجل تحقيق أهداف الرسالة والمشروع .
صحيح أن نتائج الحركات الإسلامية المماثلة لحركة مجتمع السلم تراجعت في الاستحقاقات الماضية شرقا وغربا (الكويت العراق،البحرين،الأردن ،اليمن المغرب،موريتانيا... ) ولأسباب مختلفة ومتعددة،ولكننا مهتم كثيرا بالنماذج الناجحة لنتخذ منها قدوة وندرس أسباب نجاحها ،أما النماذج التي أخفقت فحري بنا أن ندرس أسباب الإخفاق بغرض اخذ الدرس والعبرة.