إن أساس نجاح الأخت في أداء ما عليها من واجبات؛ يرجع إلى حسن قيامها بدورها كزوجة وكأم داخل بيتها، فيسهل بعد ذلك قيامها بدورها خارج البيت.
ولهذا وجب علينا أن نُوضِّح التأصيل الشرعي لدور المرأة داخل البيت؛ مما يدفعها إلى التفاعل مع واجباتها بروحٍ إيمانية دعوية جيدة.
الأسرة المسلمة أو البيت المسلم من أهم المؤسسات التربوية في حياة الدعوة، ويرجع ذلك إلى الدور العظيم المنوط بالأسرة في تنشئة الأجيال، والمرأة تعتبر دعامةً قويةً في كيان هذه الأسرة، وعاملَ استقرار أساسيًّا في البيت، وعلى عاتقها يقع العبء الأكبر في توجيه البيت الوجهة الصحيحة.
فالأخت الواعية هي التي تُدرك واجباتها وترتيب أولوياتها؛ لذا وجب علينا أن نعرض في أجزاء واجبات الأخت المسلمة، والتي تتمثل في:
- دورها نحو نفسها.
- دورها نحو زوجها.
- دورها نحو أولادها.
- دورها نحو بيتها ووقتها.
- دورها نحو دعوتها.
(1) دورها تجاه نفسها
يتمثل في:
أ- عقيدة سليمة وإيمان قوي خالٍ من كلِّ شائبة، تفهم العقيدة على أنها طبيعة وشعور، وليست علمًا أو فلسفةً، كذلك تفهم أركان الإيمان الفهم العميق، وليست مجرد اعتقاد علمي لقضايا نظرية، وها هو الأسير المسلم عبد الله بن حذافة الذي أسره الروم مع مجموعة من أصحابه، فجاء ملك الروم، وهو يعلم قدر الصحابي عند رسول الله، فقال: مَنْ هؤلاء من أصحاب محمد؟ فقالوا له: عبد الله، فعرض عليه أن يتنصَّر فرفض الصحابي الجليل ذلك، فأمر أن يصلبوه ويرموه بالرماح، دون أن يصيبوه حتى يقبل النصرانية.
وبعد فترةٍ من العذاب عرض عليه الملك أن يتنصَّر، ولكنه أبى.. والعذاب الواقع عليه يزداد كلما تكرر العرض والرفض، فيأمر الملك بإحضار خزان فيه الماء المغلي أو الزيت المغلي، فيُلقَى فيه الأسرى المسلمون واحدًا وراء الآخر أمام ناظرَي عبد الله، وجاء الأمر بقذف عبد الله، فبكى صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففرح الملك، وظنَّ أن تكرار العذاب قد جاء بالنتيجة التي كان يهدف إليها الملك النصراني.
فلما وقف عبد الله مرةً أخرى أمام الملك، أراد الملك أن يسمع منه كلمة كفر- والعياذ بالله- ولكنه لم يسمعها فزادت شراسة الملك، وقال له: لماذا بكيت إذًا؟ فقال له الصحابي الجليل: عندما رأيت أرواح أصحابي تذهب بسرعة، قلتُ في نفسي وأنا كذلك ستذهب روحي بسرعة، وتمنيت أن يكون لي أكثر من روح تخرج كلها في سبيل الله فيزداد أجري عند الله.. أي إيمان هذا؟!
وإذا بالملك يقف ضعيفًا أمام هذا الأسير، ويقول لعبد الله: لو قبَّلت رأس الملك لأطلقت سراحك، فيشترط عليه عبد الله وكذلك أسرى المسلمين جميعًا؛ فيوافق الملك، ويقول أمير المؤمنين: واجبٌ على كل مسلم أن يُقبِّل رأس عبد الله.
فحين يكون إيمان الأخت إيمانًا صادقًا تهون عليها الكثير من الأعباء وتقوم بدورها؛ يقينًا منها أنه وسيلة تتقرَّب بها إلى الله تعالى.. قال الله تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ (56)﴾ (الذاريات).
فالأخت المسلمة لا بد أن يكون أهم أولوياتها علاقتها بربها، فتلتزم بأداء التكاليف التعبدية كاملةً دون تقصير؛ لأن منهج التغيير يبدأ بالنفس والقلب.. قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾ (الرعد: من الآية 11).
فالإيمان الصادق يفجِّر في النفس كل طاقات الخير والعمل الصالح؛ فتصبح الأخت كلها حيويةً ونشاطًا، فيسهل عليها أن تعطي كل ذي حق حقه.
فلتحرص الأخت المربية على الارتقاء الإيماني دائمًا، وتنظِّم وقتها وفق مواعيد الصلاة وبقية العبادات.
ب- الفهم العميق لدين الله عز وجل: يجب على الأخت أن تفهم أصول هذا الدين من أحكام وفرائض وسنن وآداب ومعاملات؛ حتى تحيا حياةً تتوافق مع منهج الله، وأن تفهم الإسلام كنظام شامل للحياة، ولا صلاح للبشرية إلا بالسير على منهج الله تعالى، والالتزام بأدبه وتعاليمه.
ج- الإعداد الشامل المتكامل في جميع جوانب الحياة، مع الحرص على الالتزام بالضوابط الشرعية في الحركة والمعاملات، ومراعاة هدْي رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل شئون الحياة المنزلية؛ فهي كمربية قدوة للأخريات.
(2) تجاه زوجها
ويتضح ذلك الدور من خلال:
- المفهوم الصحيح للزواج في الإسلام، تفهمه على أنه عبادةٌ تتقرب بها إلى الله، وليس الزواج متعة جنسية فقط.. تفهمه على أنه سكينة ومودة ورحمة ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ (الروم: من الآية 21).
- كذلك عليها أن تفهم أن قوامة الرجال على النساء ليست نوعًا من الظلم والقهر، بل تفهم ذلك الفهم الصحيح الذي يتفق مع طبيعة الرجال والنساء ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾ (النساء: من الآية 34), وهذه بعض المفاهيم التي تعين على القيام بدورها كزوجة:
- تفهم الزواج على أنه شركة يديرها الرجل.
- تفهم أن واجباته هي الأولوية الأولى؛ مهما كانت مسئولياتها وأعمالها.
- تُشعر زوجها بالاهتمام الشخصي، فالزوجة الواعية الماهرة هي التي تثبت وجودها في البيت، ويشعر بها زوجها ما دامت موجودةً؛ حتى إنْ كان وقتها ضيقًا.
- تتذكر دائمًا حديث الرسول صلى الله عليه وسلم "لو أمرت أحدًا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها".
- تحرص على أناقة البيت؛ حتى إن لم يطلب هذا.
- لا تعتب عليه تأخره وغيابه عن البيت، بل تجمع بين إشعاره بانتظاره شوقًا وتقديرًا لأعبائه فخرًا.
- الاهتمام بضيوفه، وعدم الامتعاض من كثرة تردُّدهم على البيت.
- الاهتمام بأوراقه وأدواته الخاصة، والمحافظة عليها.
- حافظي على أسرار بيتك، وأعينيه على تأمين عمله بوعيك وإدراكك لطبيعة عمله.
- أجيدي فنَّ الحوار والاستماع حين تتحدثين مع زوجك.
- قدمي حقوق الزوج وواجباتك نحوه بروح عالية ومشاعر من أجل إسعاده وإعفافه.
- تشجِّع زوجها على القيام بواجبه كرجل دعوة، وألا تكون عائقًا له في ذلك.
- ولا تنسَي أن الزواج وسيلة نتقرب بها لله تعالى، وليس غاية.
(3) تجاه أولادها
ويتمثل ذلك في الآتي:
- أن تقدِّر مسئولية التربية، وتفهمها على أنها حق لأولادها عليها، وعليها أن تتعرف على الأساليب التربوية الصحيحة، والأخت الجيدة هي التي تُحسن متابعة تأثير هذا الأسلوب على الطفل.. هل تقدَّم تربويًّا أم لا؟
توصيات تعينك على القيام بدورك كأمٍّ:
- تنشئة الأولاد على طاعة الله منذ الصغر.
- الاهتمام بالأسلوب التربوي في التعامل مع الأبناء.
- تحديد الأهداف التربوية التي تريد أن تحقِّقها مع الأبناء، والأسلوب المناسب لكل مرحلة سنية.
- التعرف على فنون الحوار والنقاش مع الأبناء.
- الاهتمام باللقاء الأسري للحفاظ على الترابط والتشاور بين أفراد الأسرة.
- ربط الأبناء بصلة الرحم والأهل والأقارب.
- الاهتمام بتنمية المهارات والمواهب، وشغل وقت الفراغ وتوظيف طاقاتهم.
- الحرص على ربط الأبناء بالمجتمع المسلم والأنشطة الجماعية.
- الحرص على أن تكون صديقةً لبناتها، وتدرك التغيرات النفسية التي تمر بها الفتاة في كل مرحلة.
- تساعد الصبية على إثبات الذات بوسائل عملية تربوية.
- الحرص على إشراك الأولاد، وخاصةً البنات في أعمال البيت من الصغر، وتشجعيهن على ذلك.
- كوني صديقةً لبناتك، وتعرَّفي على التغيُّرات النفسية التي تمر بها الفتاه في كل مرحلة.
وإلى لقاءٍ في الجزء الثاني.. ودور المربية تجاه وقتها وبيتها ودعوتها.
4 - تجاه وقتها وبيتها:
لا بد أن تحرص الأخت على النهوض بالبيت؛ حتى يكون مميزًا عن باقي البيوت التي لا تتبع المنهج الإسلامي، وهذا يحتاج من الأخت أن تنظِّم وقتها، وأهمية الوقت في الكتاب والسنة واضحة، وكم أقسم المولى عزَّ وجلَّ بأجزاء من الوقت (.. والضحى.. والليل.. السحر..)، وذلك حتى ننتبه لأهميته وهو يمر سريعًا، وما فات منه لا يعود.
وكما قال الحسن البصري: (يا ابن آدم أنت أيام مجموعة، كلما ذهب يوم، ذهب بعضك).
ولذلك يجب على الأخت تقدير الوقت، والحرص عليه، والاستفادة منه. ويفضل أن تبدأ الأخت يومها مع طلوع الفجر؛ حتى تستقبل الصباح طاهرًا نقيًّا قبل أن يتلوث بمعاصي العباد "اللهم بارك لأمتي في بكورها".
- ومن الآفات العصرية السهر حتى وقت متأخر من الليل، فيضيع عليهم الخير الكثير من قيام الليل وصلاة الصبح في وقته وفي جماعة.
والأخت المسلمة هي التي تستطيع أن تبدأ يومها بالورد القرآني حتى ولو كان قصيرًا، ثم تنهض لتتابع عملها في بيتها ومع خدمة أولادها وزوجها، وذلك وهي تردِّد أذكار الصباح.
- والأخت الصالحة تجعل بيتها متجددًا على الدوام، ثم تنطلق إلى عملها إن كان لها عمل خارج البيت وفق جدول عمل يومي وأسبوعي.
- ومن خلال الجدول الأسبوعي يتم حصر الأعمال المتشابهة، وتحدد لها وقتًا معينًا، وتحرص بقدر الإمكان على عدم الخروج من البيت إلا لضرورة.
- وتحرص على ترتيب الأولويات خلال اليوم وخلال الأسبوع.
- القيام بعدة محاولات متباينة لأعمال البيت والثبات على أفضلها.
- الحرص على اغتنام الوقت بجمع غايتين في وقت واحد.
- لكل عمل وقت أفضل من الآخر، فليس المهم أن يعمل الإنسان أي شيء في أي وقت، وكأن المهم العمل المناسب في الوقت المناسب، وجاء في وصية سيدنا أبي بكر لعمر بن الخطاب حين استخلفه (أعلم أن لله عملاً بالنهار لا يقبله بالليل وعملاً بالليل لا يقبله بالنهار).
والأخت المربية الداعية التي تريد أن تغتنم وقتها عليها أن تُقدم على عملها وهي متفائلة مستبشرة.
- ومن أخطر آفات الوقت "التسويف"، وكما قيل: عمل الغد يبدأ اليوم، وقيل سوف خبر من خبر إبليس.
- وبالاستفادة من الوقت، وتنظيمه يكون جو البيت هادئًا، وتتمكن من الدعوة إلى الله خارجه.
- ولا تنسي ترتيب أولويات تربية الأولاد؛ حتى لا يكون تعليمهم هو كل شيء ولا شيء غيره؛ حيث أصبح هذا هو المفهوم السائد في المجتمع الحالي.
5- تجاه دعوتها:
لا بد أن تنتبه الأخت المربية قبل ممارسة الدعوة إلى الله خارج البيت أن تطمئن على وضع البيت وواجباتها نحو الزوج والأولاد، وضرورة التنسيق بين هذه الواجبات، وما يجب عليها من طاعات وواجبات دعوية.
فيجب عيها:
1) أن يكون لديها وعي شامل في كل الجوانب: الثقافي والإيماني والعبادي والسلوكي الحركي والاجتماعي، وعوامل تطبيقه عمليًّا.
2) الوعي الكامل بأساليب الدعوة الشاملة الصحيحة.
3) تعرفي على الفقه الدعوي لحركة الأخت؛ ليساعدك على التحرك بسهولة وحكمة في الوسط النسائي، فتتحقق الأهداف المطلوبة في الوقت المحدد لها دون إضاعة الوقت.
4) تعرفي على المقاييس المادية التي تشغل عموم النساء، فهذا يساعد على اختيار مداخل الحديث المناسبة.
5) انتبهي أن يؤثر على طبيعتك الأنثوية كثرة الأعمال الدعوية أو المهنية.
6) وجود وعي العمل الجماعي ومتطلباته ومراحله.
7) وعي بإعداد وتربية أخوات عاملات يشاركن في الدعوة إلى الله، واعلمي يا أختاه أن العمل لا يكون متصلاً إلا بالإعداد والتربية.
تحرص أن يكون لها رديفة في العمل.
إن العمل الدعوي النسائي ليس بالسهل؛ فهو يحتاج من الأخت بشكل عام صفات يجب أن تتحلى بها؛ حتى تستطيع القيام بدورها الدعوي.
عليها أن تستشعر عظم الدعوة وثقلها والشرف العظيم الذي تحظى به إذا ما قامت بأمر الدعوة. ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ المُسْلِمِينَ (33)﴾ (فصلت).
وعليها أن تستشعر الثواب العظيم الذي تناله من وراء الدعوة إلى الله؛ فتصغر العقبات والمحن التي تقابلها على طريق الدعوة "ولئن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك من حمر النعم".
والصفات هي:
1- الإخلاص والتجرد: فلا بد من الترفع عن الذات وتجديد النية دائمًا ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ (5)﴾ (البينة).
2- الصدق وقول الحق، ولو كان مُرًّا، ولكن بأسلوب حسن ﴿فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى (18)وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى (19)﴾ (النازعات)، وكيف كان أسلوب الرسول صلى الله عليه وسلم مع الأعرابي الذي بَال في المسجد ومع غيره.
3- التواضع والحياة البسيطة، والتقرب والتودد إلى الأخريات، وتقديم الخير لهن.
4- القدرة على استيعاب الأخريات، والتعرف على اهتماماتهن؛ لتحسن الدخول إلى قلوبهن.
5- الخبرة بالعوامل النفسية للنساء والأطفال، وكيفية استيعاب كل نفس.
6- أن تكون ذات عاطفة قوية تكسب بها الأخريات وتستأثر بحبهن.
7- أن تكون واسعة الأفق، وتتمكن من تحريك مشاعر الأخريات.
8- التمييز في العمل وإتقانه حتى تكون قدوة أيًّا كان هذا العمل.
9- أن تفهم أنها إن لم تكن بأخوتها لم تكن بغيرهن.
10- أن تلغي ذاتها في سبيل الجماعة وفي سبيل الدعوة إلى الله.
أهدي إليك ثلاث زهرات:
* زهرة الاعتزاز بالإسلام.
* زهرة تضحية عظيمة لا تعرف إلا النصر أو الشهادة.
* زهرة تفاؤل واطمئنان بنصر الله.
ولهذا وجب علينا أن نُوضِّح التأصيل الشرعي لدور المرأة داخل البيت؛ مما يدفعها إلى التفاعل مع واجباتها بروحٍ إيمانية دعوية جيدة.
الأسرة المسلمة أو البيت المسلم من أهم المؤسسات التربوية في حياة الدعوة، ويرجع ذلك إلى الدور العظيم المنوط بالأسرة في تنشئة الأجيال، والمرأة تعتبر دعامةً قويةً في كيان هذه الأسرة، وعاملَ استقرار أساسيًّا في البيت، وعلى عاتقها يقع العبء الأكبر في توجيه البيت الوجهة الصحيحة.
فالأخت الواعية هي التي تُدرك واجباتها وترتيب أولوياتها؛ لذا وجب علينا أن نعرض في أجزاء واجبات الأخت المسلمة، والتي تتمثل في:
- دورها نحو نفسها.
- دورها نحو زوجها.
- دورها نحو أولادها.
- دورها نحو بيتها ووقتها.
- دورها نحو دعوتها.
(1) دورها تجاه نفسها
يتمثل في:
أ- عقيدة سليمة وإيمان قوي خالٍ من كلِّ شائبة، تفهم العقيدة على أنها طبيعة وشعور، وليست علمًا أو فلسفةً، كذلك تفهم أركان الإيمان الفهم العميق، وليست مجرد اعتقاد علمي لقضايا نظرية، وها هو الأسير المسلم عبد الله بن حذافة الذي أسره الروم مع مجموعة من أصحابه، فجاء ملك الروم، وهو يعلم قدر الصحابي عند رسول الله، فقال: مَنْ هؤلاء من أصحاب محمد؟ فقالوا له: عبد الله، فعرض عليه أن يتنصَّر فرفض الصحابي الجليل ذلك، فأمر أن يصلبوه ويرموه بالرماح، دون أن يصيبوه حتى يقبل النصرانية.
وبعد فترةٍ من العذاب عرض عليه الملك أن يتنصَّر، ولكنه أبى.. والعذاب الواقع عليه يزداد كلما تكرر العرض والرفض، فيأمر الملك بإحضار خزان فيه الماء المغلي أو الزيت المغلي، فيُلقَى فيه الأسرى المسلمون واحدًا وراء الآخر أمام ناظرَي عبد الله، وجاء الأمر بقذف عبد الله، فبكى صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففرح الملك، وظنَّ أن تكرار العذاب قد جاء بالنتيجة التي كان يهدف إليها الملك النصراني.
فلما وقف عبد الله مرةً أخرى أمام الملك، أراد الملك أن يسمع منه كلمة كفر- والعياذ بالله- ولكنه لم يسمعها فزادت شراسة الملك، وقال له: لماذا بكيت إذًا؟ فقال له الصحابي الجليل: عندما رأيت أرواح أصحابي تذهب بسرعة، قلتُ في نفسي وأنا كذلك ستذهب روحي بسرعة، وتمنيت أن يكون لي أكثر من روح تخرج كلها في سبيل الله فيزداد أجري عند الله.. أي إيمان هذا؟!
وإذا بالملك يقف ضعيفًا أمام هذا الأسير، ويقول لعبد الله: لو قبَّلت رأس الملك لأطلقت سراحك، فيشترط عليه عبد الله وكذلك أسرى المسلمين جميعًا؛ فيوافق الملك، ويقول أمير المؤمنين: واجبٌ على كل مسلم أن يُقبِّل رأس عبد الله.
فحين يكون إيمان الأخت إيمانًا صادقًا تهون عليها الكثير من الأعباء وتقوم بدورها؛ يقينًا منها أنه وسيلة تتقرَّب بها إلى الله تعالى.. قال الله تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ (56)﴾ (الذاريات).
فالأخت المسلمة لا بد أن يكون أهم أولوياتها علاقتها بربها، فتلتزم بأداء التكاليف التعبدية كاملةً دون تقصير؛ لأن منهج التغيير يبدأ بالنفس والقلب.. قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾ (الرعد: من الآية 11).
فالإيمان الصادق يفجِّر في النفس كل طاقات الخير والعمل الصالح؛ فتصبح الأخت كلها حيويةً ونشاطًا، فيسهل عليها أن تعطي كل ذي حق حقه.
فلتحرص الأخت المربية على الارتقاء الإيماني دائمًا، وتنظِّم وقتها وفق مواعيد الصلاة وبقية العبادات.
ب- الفهم العميق لدين الله عز وجل: يجب على الأخت أن تفهم أصول هذا الدين من أحكام وفرائض وسنن وآداب ومعاملات؛ حتى تحيا حياةً تتوافق مع منهج الله، وأن تفهم الإسلام كنظام شامل للحياة، ولا صلاح للبشرية إلا بالسير على منهج الله تعالى، والالتزام بأدبه وتعاليمه.
ج- الإعداد الشامل المتكامل في جميع جوانب الحياة، مع الحرص على الالتزام بالضوابط الشرعية في الحركة والمعاملات، ومراعاة هدْي رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل شئون الحياة المنزلية؛ فهي كمربية قدوة للأخريات.
(2) تجاه زوجها
ويتضح ذلك الدور من خلال:
- المفهوم الصحيح للزواج في الإسلام، تفهمه على أنه عبادةٌ تتقرب بها إلى الله، وليس الزواج متعة جنسية فقط.. تفهمه على أنه سكينة ومودة ورحمة ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ (الروم: من الآية 21).
- كذلك عليها أن تفهم أن قوامة الرجال على النساء ليست نوعًا من الظلم والقهر، بل تفهم ذلك الفهم الصحيح الذي يتفق مع طبيعة الرجال والنساء ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾ (النساء: من الآية 34), وهذه بعض المفاهيم التي تعين على القيام بدورها كزوجة:
- تفهم الزواج على أنه شركة يديرها الرجل.
- تفهم أن واجباته هي الأولوية الأولى؛ مهما كانت مسئولياتها وأعمالها.
- تُشعر زوجها بالاهتمام الشخصي، فالزوجة الواعية الماهرة هي التي تثبت وجودها في البيت، ويشعر بها زوجها ما دامت موجودةً؛ حتى إنْ كان وقتها ضيقًا.
- تتذكر دائمًا حديث الرسول صلى الله عليه وسلم "لو أمرت أحدًا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها".
- تحرص على أناقة البيت؛ حتى إن لم يطلب هذا.
- لا تعتب عليه تأخره وغيابه عن البيت، بل تجمع بين إشعاره بانتظاره شوقًا وتقديرًا لأعبائه فخرًا.
- الاهتمام بضيوفه، وعدم الامتعاض من كثرة تردُّدهم على البيت.
- الاهتمام بأوراقه وأدواته الخاصة، والمحافظة عليها.
- حافظي على أسرار بيتك، وأعينيه على تأمين عمله بوعيك وإدراكك لطبيعة عمله.
- أجيدي فنَّ الحوار والاستماع حين تتحدثين مع زوجك.
- قدمي حقوق الزوج وواجباتك نحوه بروح عالية ومشاعر من أجل إسعاده وإعفافه.
- تشجِّع زوجها على القيام بواجبه كرجل دعوة، وألا تكون عائقًا له في ذلك.
- ولا تنسَي أن الزواج وسيلة نتقرب بها لله تعالى، وليس غاية.
(3) تجاه أولادها
ويتمثل ذلك في الآتي:
- أن تقدِّر مسئولية التربية، وتفهمها على أنها حق لأولادها عليها، وعليها أن تتعرف على الأساليب التربوية الصحيحة، والأخت الجيدة هي التي تُحسن متابعة تأثير هذا الأسلوب على الطفل.. هل تقدَّم تربويًّا أم لا؟
توصيات تعينك على القيام بدورك كأمٍّ:
- تنشئة الأولاد على طاعة الله منذ الصغر.
- الاهتمام بالأسلوب التربوي في التعامل مع الأبناء.
- تحديد الأهداف التربوية التي تريد أن تحقِّقها مع الأبناء، والأسلوب المناسب لكل مرحلة سنية.
- التعرف على فنون الحوار والنقاش مع الأبناء.
- الاهتمام باللقاء الأسري للحفاظ على الترابط والتشاور بين أفراد الأسرة.
- ربط الأبناء بصلة الرحم والأهل والأقارب.
- الاهتمام بتنمية المهارات والمواهب، وشغل وقت الفراغ وتوظيف طاقاتهم.
- الحرص على ربط الأبناء بالمجتمع المسلم والأنشطة الجماعية.
- الحرص على أن تكون صديقةً لبناتها، وتدرك التغيرات النفسية التي تمر بها الفتاة في كل مرحلة.
- تساعد الصبية على إثبات الذات بوسائل عملية تربوية.
- الحرص على إشراك الأولاد، وخاصةً البنات في أعمال البيت من الصغر، وتشجعيهن على ذلك.
- كوني صديقةً لبناتك، وتعرَّفي على التغيُّرات النفسية التي تمر بها الفتاه في كل مرحلة.
وإلى لقاءٍ في الجزء الثاني.. ودور المربية تجاه وقتها وبيتها ودعوتها.
4 - تجاه وقتها وبيتها:
لا بد أن تحرص الأخت على النهوض بالبيت؛ حتى يكون مميزًا عن باقي البيوت التي لا تتبع المنهج الإسلامي، وهذا يحتاج من الأخت أن تنظِّم وقتها، وأهمية الوقت في الكتاب والسنة واضحة، وكم أقسم المولى عزَّ وجلَّ بأجزاء من الوقت (.. والضحى.. والليل.. السحر..)، وذلك حتى ننتبه لأهميته وهو يمر سريعًا، وما فات منه لا يعود.
وكما قال الحسن البصري: (يا ابن آدم أنت أيام مجموعة، كلما ذهب يوم، ذهب بعضك).
ولذلك يجب على الأخت تقدير الوقت، والحرص عليه، والاستفادة منه. ويفضل أن تبدأ الأخت يومها مع طلوع الفجر؛ حتى تستقبل الصباح طاهرًا نقيًّا قبل أن يتلوث بمعاصي العباد "اللهم بارك لأمتي في بكورها".
- ومن الآفات العصرية السهر حتى وقت متأخر من الليل، فيضيع عليهم الخير الكثير من قيام الليل وصلاة الصبح في وقته وفي جماعة.
والأخت المسلمة هي التي تستطيع أن تبدأ يومها بالورد القرآني حتى ولو كان قصيرًا، ثم تنهض لتتابع عملها في بيتها ومع خدمة أولادها وزوجها، وذلك وهي تردِّد أذكار الصباح.
- والأخت الصالحة تجعل بيتها متجددًا على الدوام، ثم تنطلق إلى عملها إن كان لها عمل خارج البيت وفق جدول عمل يومي وأسبوعي.
- ومن خلال الجدول الأسبوعي يتم حصر الأعمال المتشابهة، وتحدد لها وقتًا معينًا، وتحرص بقدر الإمكان على عدم الخروج من البيت إلا لضرورة.
- وتحرص على ترتيب الأولويات خلال اليوم وخلال الأسبوع.
- القيام بعدة محاولات متباينة لأعمال البيت والثبات على أفضلها.
- الحرص على اغتنام الوقت بجمع غايتين في وقت واحد.
- لكل عمل وقت أفضل من الآخر، فليس المهم أن يعمل الإنسان أي شيء في أي وقت، وكأن المهم العمل المناسب في الوقت المناسب، وجاء في وصية سيدنا أبي بكر لعمر بن الخطاب حين استخلفه (أعلم أن لله عملاً بالنهار لا يقبله بالليل وعملاً بالليل لا يقبله بالنهار).
والأخت المربية الداعية التي تريد أن تغتنم وقتها عليها أن تُقدم على عملها وهي متفائلة مستبشرة.
- ومن أخطر آفات الوقت "التسويف"، وكما قيل: عمل الغد يبدأ اليوم، وقيل سوف خبر من خبر إبليس.
- وبالاستفادة من الوقت، وتنظيمه يكون جو البيت هادئًا، وتتمكن من الدعوة إلى الله خارجه.
- ولا تنسي ترتيب أولويات تربية الأولاد؛ حتى لا يكون تعليمهم هو كل شيء ولا شيء غيره؛ حيث أصبح هذا هو المفهوم السائد في المجتمع الحالي.
5- تجاه دعوتها:
لا بد أن تنتبه الأخت المربية قبل ممارسة الدعوة إلى الله خارج البيت أن تطمئن على وضع البيت وواجباتها نحو الزوج والأولاد، وضرورة التنسيق بين هذه الواجبات، وما يجب عليها من طاعات وواجبات دعوية.
فيجب عيها:
1) أن يكون لديها وعي شامل في كل الجوانب: الثقافي والإيماني والعبادي والسلوكي الحركي والاجتماعي، وعوامل تطبيقه عمليًّا.
2) الوعي الكامل بأساليب الدعوة الشاملة الصحيحة.
3) تعرفي على الفقه الدعوي لحركة الأخت؛ ليساعدك على التحرك بسهولة وحكمة في الوسط النسائي، فتتحقق الأهداف المطلوبة في الوقت المحدد لها دون إضاعة الوقت.
4) تعرفي على المقاييس المادية التي تشغل عموم النساء، فهذا يساعد على اختيار مداخل الحديث المناسبة.
5) انتبهي أن يؤثر على طبيعتك الأنثوية كثرة الأعمال الدعوية أو المهنية.
6) وجود وعي العمل الجماعي ومتطلباته ومراحله.
7) وعي بإعداد وتربية أخوات عاملات يشاركن في الدعوة إلى الله، واعلمي يا أختاه أن العمل لا يكون متصلاً إلا بالإعداد والتربية.
تحرص أن يكون لها رديفة في العمل.
إن العمل الدعوي النسائي ليس بالسهل؛ فهو يحتاج من الأخت بشكل عام صفات يجب أن تتحلى بها؛ حتى تستطيع القيام بدورها الدعوي.
عليها أن تستشعر عظم الدعوة وثقلها والشرف العظيم الذي تحظى به إذا ما قامت بأمر الدعوة. ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ المُسْلِمِينَ (33)﴾ (فصلت).
وعليها أن تستشعر الثواب العظيم الذي تناله من وراء الدعوة إلى الله؛ فتصغر العقبات والمحن التي تقابلها على طريق الدعوة "ولئن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك من حمر النعم".
والصفات هي:
1- الإخلاص والتجرد: فلا بد من الترفع عن الذات وتجديد النية دائمًا ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ (5)﴾ (البينة).
2- الصدق وقول الحق، ولو كان مُرًّا، ولكن بأسلوب حسن ﴿فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى (18)وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى (19)﴾ (النازعات)، وكيف كان أسلوب الرسول صلى الله عليه وسلم مع الأعرابي الذي بَال في المسجد ومع غيره.
3- التواضع والحياة البسيطة، والتقرب والتودد إلى الأخريات، وتقديم الخير لهن.
4- القدرة على استيعاب الأخريات، والتعرف على اهتماماتهن؛ لتحسن الدخول إلى قلوبهن.
5- الخبرة بالعوامل النفسية للنساء والأطفال، وكيفية استيعاب كل نفس.
6- أن تكون ذات عاطفة قوية تكسب بها الأخريات وتستأثر بحبهن.
7- أن تكون واسعة الأفق، وتتمكن من تحريك مشاعر الأخريات.
8- التمييز في العمل وإتقانه حتى تكون قدوة أيًّا كان هذا العمل.
9- أن تفهم أنها إن لم تكن بأخوتها لم تكن بغيرهن.
10- أن تلغي ذاتها في سبيل الجماعة وفي سبيل الدعوة إلى الله.
أهدي إليك ثلاث زهرات:
* زهرة الاعتزاز بالإسلام.
* زهرة تضحية عظيمة لا تعرف إلا النصر أو الشهادة.
* زهرة تفاؤل واطمئنان بنصر الله.