اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي، واجعل الحياة زيادةً لي في كل خير، واجعل الموت راحةً لي من كل شر!.
لقد جاء الرسول صلى الله عليه وسلم مصلحًا لهذه البشرية، وهو الذي دعا بهذا الدعاء وكأنه يريد أن يقول إنه لا صلاح للبشرية إلا بتكامل جوانب الإصلاح، والإصلاح ليس واجبًا شرعيًّا فحسب؛ بل هو فطرة إنسانية يمارسها الإنسان بصورة طبيعية في حياته.
ولقد جاء الإنسان للإعمار.. ومعنى الإعمار: الإصلاح، والمراد إصلاح المجتمع بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن هنا اعتبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن من أول مهام من اتبعوه أن يحملوا رسالة الإصلاح قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (117)﴾ (هود).
ولهذا لا يقبل الله تعالى التوبة من إنسان مخطئ بمجرد لفظ: تبت يا رب.. بل يشترط علي كل تائب أن يحدث إصلاحًا، قال تعالى: ﴿وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)﴾ (العصر)، وكذالك قول الله تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ (110)﴾ (آل عمران).
فلم يأت الحث على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا بعد أن تحدث عن الخيرية؛ ليبين سبحانه وتعالى أن الخيرية لا تكون إلا بالحركة نحو الإصلاح والتغيير.
أخواتي.. إن الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من ألزم الأمور وسط هذا الخليط من التيارات والفساد، سواء الوافد منها أو الموروث.
ولنعلم أن الأرض أرض الله، والمال مال الله، والناس عباد الله حدد لهم حدودًا وموازين ومقاييس؛ ليسيروا عليها، ثم وظَّفهم في كل ذلك، وجعلهم في منصب الخلافة، وطالبهم بالقيام بتبعات الخلافة سواء الإيمان بالله تعالى، والخضوع له والتسليم لقضائه والوقوف عند حدوده والوزن بموازينه تعالى والقياس الرباني ولا يتأتى هذا إلا بممارسة الدعوة إلى الله.
ولكن من يدعو إلى الله لا بد أن يكون على بصيرة وعلم ويقين، قال تعالى: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ (108)﴾ (يوسف).
فالأخت الداعية حين تمارس الدعوة لا بد أن تؤديها في غاية من الدقة والإتقان ليكون لها تأثير؛ ولذا عليها أن تلتزم بما عرفَتْ.
عرفتِ.. فالزمي
- عرفت.. أن الدعوة إلى الله واجب على كل مسلم ومسلمة وأنها ضرورة بشرية، وفريضة شرعية، وهي وسيلة لإيصال نور الحق إلى القلوب؛ لتهتدي إلى الصراط المستقيم.
- فألزمي.. نفسك بالقيام بها، وواظبي عليها، مهما كانت الظروف، ومهما كانت المحن والابتلاءات.
- عرفت.. عِظَم الأجر والثواب الذي يناله الداعية من وراء الدعوة إلى الله، ويوضح ذلك حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم "لأن يهدي الله بك رجلاً خيرًا لك من حُمْر النَّعم".
- فالزمي.. تجديد النية لله دائمًا، والإخلاص في أدائكِ ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ (33)﴾ (فصلت).
فإخلاص الوجه وخلو القلب من كل شائبة مهم للداعية إلى الله، خاصةً أنه قد يتعرض للفتن، إذا لمس قوة التأثير في الناس، وحاز إعجاب الجماهير به والتفافهم حوله.
- عرفت.. وفهمت قول الله تعالى ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةَِ من الآية (125)﴾ (النحل).
- فالزمي.. فن غزو القلوب ومهارات الإقناع والحوار واجمعي بين إثارة الوجدان وإقناع العقول واجعلي أسلوبك مناسبًا للغة العصر بما لا يتعارض مع قاعدة شرعية، أي يجمع بين الأصالة والمعاصرة، وتعاملي مع الوافد من الغرب والموروثات القديمة بالشرع والحكمة.
- عرفتِ.. أن الداعية إلى الله لا بد أن تعيش بقلبها مع ما تدعو إليه بلسانها، فتكون متفاعلة مع المعاني، وهذا يجعل الحديث أكثر تأثيرًا في نفوس السامعين؛ لأن ما يخرج من القلب يصل إلى القلب، وما يخرج من اللسان لا يتجاوز الآذان.
- فالزمي.. أسلوب القدوة ولا تعتمدي عند دعوة الأخريات على الحديث والخطابة والدورات فقط؛ ولكن لا بد أن تكوني نموذجًا عمليًّا يُقتدى به في كل شيء، فتكونين قدوة لهن كزوجة، وأم، وجارة، وزميلة، والتزمي بكل الصفات الجميلة التي يجب أن تكون عليها الأخت الداعية؛ لأن القدوة العملية لها تأثيرها الفعال في استجابة الناس، فلا تصدر منكِ أعمال وتصرفات تخالف ما تدعو إليه الأخريات.
- عرفتِ.. أن الداعية لا بد أن تتعرف على طبيعة البيئة التي تدعو فيها؛ ليكون حديثها واقعيًّا ومناسبًا، وهذا يتطلب منها أن تخالط وتتعايش مع مَن حولها ممن تدعو؛ لتزداد الاستجابة، ويظهر المردود الدعوي، ويؤكد هذا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يخالط الناس ويصبر على آذاهم خير ممن لا يخالط الناس ولا يصبر على آذاهم".
- فالزمي.. الضوابط الشرعية عند مخالطة الناس؛ حيث إنه أحيانًا بدافع الانفتاح على المجتمع والوصول لكل الفئات تذوب الأخت الداعية وسط المجتمع قبل أن تحدث فيه التغيير والإصلاح المطلوب حتى أصبح أحيانًا لا يمكن أن نفرق من حيث المظهر والمعاملات والمفاهيم بين الأخت وغيرها.
- عرفتِ.. أن الدعوة إلى الله دعوة شاملة تتناول جميع جوانب الحياة؛ بحيث تحقق إصلاحًا وتغييرًا شاملاً، يساعد بعد ذلك على تطبيق شرع الله تعالى في كل المجالات، سواء السياسي والإعلامي أو الاقتصادي أو الاجتماعي والأخلاقي وغيرها.
- فالزمي.. نفسك بفهم شامل، ووضوح رؤية للقضايا التي توجد على الساحة حول المجالات المختلفة وما يشغل المرأة منها.
- عرفتِ الطريق، وأهدافه، ومتطلباته، ووسائله، وفهمتِ قول الله تعالى ﴿وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ (الفتح من الآية 10).
- فالزمي.. وأوفي العهد مع الله، وكوني النموذج الأمثل للعمل الجماعي ومتطلباته، وحافظي على ثوابته وأركانه.
وأخيرًا..عرفتِ وتعلمتِ، فاحمدي الله واشكريه.
- أحمدك وأشكرك يا رب أن وفَّقتنا للعمل للإسلام في الطريق الصحيح، فما أكثر من ضلوا الطريق!.
- أحمدك يا رب أن سخَّرت من عبادك من يأخذ بيدي إلى طريق الدعوة؛ كي أسير مع العاملين الصادقين، فثبِّت اللهم أقدامنا على طريقك.
- أحمدك يا رب أن شغلتني بالحق بدلاً أن تشغلني بالباطل.
- أحمدك يا رب أن أعنتني على القيام بتكاليف العمل، وتحمل مشاق الطريق، فالفضل منك وإليك، فأدِمْ عليَّ فضلك بالصبر والثبات والتوفيق حتى ألقاك، وأنت راضٍ عني يا ذا الجلال والإكرام.
- أحمدك وأشكرك يا رب أن وفقتني لحمدك وشكرك، فقليل من عبادك الشكور.
- إلهي.. لقد عاهدناك أن نقوم بمتطلبات العمل الجماعي، وذلك عند أولى خطواتنا على طريق الدعوة، وأن نعمل جاهدين؛ لنكون صادقين فيما عاهدناك عليه، فكن عونًا لنا، وثبتنا يا أرحم الراحمين.
- نسألك يا رب أن نكون أهلاً لهذا الاختيار، فاشرح يا رب صدورنا ويسِّر لنا أمورنا يا من بيده الأمر وهو على كل شيء قدير.*
- ﴿رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ (193)﴾ (آل عمران).
إن طبيعة المرحلة التي نعيشها في حاجة شديدة إلى نساء مسلمات ملتزمات بتعاليم الإسلام ليكنَّ قدوة في المجتمع الذي يتحركن فيه، ونحن نعلم أن المرأة المسلمة هي مربية الأجيال وصانعة الرجال ودورها أخطر بكثير من دور الرجال.
ولهذا كان من المهم أن تفقه الأخت رسالتها، وتفهم أبعادها فهمًا صحيحًا؛ لأن الفهم الصحيح يعين على سلامة العمل وحسن التطبيق، ويقي صاحبه من العثرات، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "فقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد"، ومن هنا كان الاهتمام بفهم وأداء الأخت الداعية, يقول الإمام البنا في هذا: "إن العبرة في التفضيل ليست بكثرة المعارف والمحفوظات والأعمال، وإنما بجودة الفقه وصحة الفهم وسلامة الإدراك"، فنحن نريد النموذج المتميز للأخت، والقدوة الحسنة، والصورة المشرفة، والتطبيق الدقيق لما يأمرنا به ديننا الحنيف، فمن الملاحظ أن هناك تغيرًا في بعض المفاهيم، وتنازلاً عن بعض السلوكيات والآداب، وأصبحنا نألف هذه التغيرات، سواء في تصرفاتنا الشخصية، أو نظام حياتنا اليومية، أو صورة ونظام البيت، أو تعاملنا مع متطلبات الحياة من تعليم وعمل وحركة.
نسأل الله تعالى أن يعيننا في سلسلة "عرفت.. فالزمي" أن نقف وقفةً صادقةً عند ثوابت الإسلام والضوابط الشرعية في الحركة والمعاملات، وعدم الانزلاق وراء ما لا يناسب إسلامنا وثوابتنا.
لقد حرص الرسول صلى الله عليه وسلم على أن يقذف في قلوب أصحابه ثلاثة معانٍ تأثروا بها وتربوا عليها:
1 – أن ماجاء به الرسول صلى الله عليه وسلم هو الحق وما عاداه هو الباطل، وأن الإسلام أكمل وأشمل النظم التي تتحقق بها السعادة للبشرية.
2 – أنهم ما داموا أهل الحق، وما داموا حملة الرسالة؛ فلا بد أن يكونوا قدوةً للناس ليرشدوهم إلى الخير.
3 – ما داموا مؤمنين بهذا الدين الحق معتزين به؛ فإن الله معهم وناصرهم ومؤيدهم.
ومن هنا كان شعارنا.. الإيمان بعظمة الرسالة، الاعتزاز باعتناقها، الثقة في تأييد الله ونصره.
ولهذا فإننا نحتاج بين الحين والآخر أن نقف مع أنفسنا وقفةً صادقةً.. هل عملنا بما تعلمنا وعرفنا؟!. عرفتِ.. فالزمي.
* عرفتِ أن من مقومات شخصية الداعية الإيمان بعظمة الرسالة التي جاءت من عند الله رب العباد، فالإيمان الصادق بالله تعالى ورسالة هما مصدر الطمأنينة والاستقرار النفسي، وهما معًا يفجران في النفس طاقات الخير والعمل الصالح؛ مما يجعل الداعية تتحرك بهمة ونشاط وفق شرع الله.
* فالزمي توجيه النية لله، وأدي أدوارك كلها يقينًا منك بأنها وسائل تتقربين بها إلى الله، وخذي بالأسباب، وأحسني التوكل على الله، ولا تتأثري بالتيارات الغربية الوافدة أو العادات الموروثة، والتي تتنافى مع منهجنا وثوابتنا؛ حتى لا تتغير طبيعة دورك كزوجة وأم وأخت، لأن الإيمان الصادق يساعد على أداء الأعمال بإتقان وإحسان ودقة، فهناك فرق بين الزوجة التي تؤدي دورها تجاه زوجها على أنه مجرد واجب شرعي يلزمها الشرع به، وبين زوجة مؤمنة برسالتها، فهي تؤدي حق الزوج لأنه واجب شرعي ولإعفافه وإسعاده، فصدق الإيمان مع الإحسان والإتقان يحقق السعادة والاستقرار والشعور بالأمان.
* عرفتِ أن الأسرة المسلمة هي المرتبة الثانية من مراتب الدعوة؛ ولهذا لا بد أن تسير على منهج الله في كل أمور حياتها، وأن يحسن الزوجان ترتيب أولويات البيت والأولاد، ويعرف كل منهما دوره من أجل النهوض بهذه الدعامة، دون أن ينساقا وراء التيارات المحيطة، ويكون محرك الأسرة هو وقود الإيمان والاعتزاز بعظمة هذه الرسالة.
* فالزمي تعاليم الإسلام في وسائل بناء هذا الصرح العظيم، واضبطي مناخ البيت وفق شرع الله؛ فإذا صلحت الأسرة صلح المجتمع، فلا ننشغل بالمال، أو تحسين الوضع المالي، أو الحصول على شهادات ودورات متعددة لتحسين المركز الوظيفي على حساب أداء رسالتنا السامية تجاه الأسرة، فلا بد من التوازن بين هذا وذاك؛ حفاظًا على كيان الأسرة حتى لا يحدث تفكك أسري، ويفقد الفرد شعوره بالآخر لانشغال الوالدين بمهام كثيرة خارج البيت، أو تظهر ظاهرة التقوقع الأسري وإهمال صلة الرحم؛ نتيجة للانشغال المفرط في متطلبات البيت التي لا تنتهي، من مأكل وملبس وغيرها.. أين البساطة والقناعة؟! ولماذا كل هذه الكماليات؟! احرصي أختي المسلمة أن تقدمي النموذج الأمثل للبيت المسلم الذي يمكن أن يقتدى به الآخرون.
* عرفتِ أن الأخت الداعية العاملة في حقل الدعوة لا بد أن تكون متينة الخلق، وعلى مستوى راقٍ من الذوقيات والأخلاق الجميلة، ولقد عَرَّف البعض الذوق بأنه هو الأخلاق الجميلة عندما ترتدين ثوبًا أنيقًا.
فنحن نريد الأخت الأنيقة الرقيقة في معاملاتها مع من حولها.. وللإمام البنا مقولة لطيفة: "يا أخي، لتكن نصيحتك تلميحًا لا تصريحًا، وتصحيحًا لا تجريحًا".
* فالزمي خصال الخلق الجميل كالحلم وسعة الصدر وكظم الغيظ واختيار العبارات الراقية، فلا يناسب الأخت أن تردد الألفاظ والعبارات الشائعة الدخيلة على المجتمع المسلم، والتزمي بالضوابط الشرعية في التعامل مع الرجال؛ فلا ترفعي الكلفة بينك وبين من تتعاملين معهم من الرجال ملتزمةً بقول الله تعالى: ﴿فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفًا﴾ (الأحزاب: من الآية 32)، فلا تقبلي تهاونًا أو تنازلاً فيما اعتدنا عليه من المبادئ والقيم.. فأنتِ أولى الناس أن تلتزمي بثوابت الإسلام، وتتقي الله عندما تؤدين أدوارك, وضعي أمامك دائمًا الصفات والأركان التي تربَّيْنا عليها، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "أفضل ما يوضع في الميزان يوم القيامة التقوى وحسن الخلق".
* عرفتِ أن الأخت المسلمة العاملة في حقل الدعوة لا بد أن تكون مثقفة الفكر؛ سواء ثقافة شرعية أو علمية أو اجتماعية أو سياسية؛ لتكون على وعي بطبيعة المرحلة واحتياجاتها من وسائل وتوجيهات، فيتحقق الإصلاح والتغير المطلوب فتكون الثمرة والإنتاج.
* فالزمي حسن اختيار الثقافات بتوازن وحكمة، فنحن أصبحنا بين أيدي عالم مفتوح مليء بثقافات متعددة، تقدمها لنا وسائل إعلام متنوعة.. فاحذري الترف العلمي، واجعلي اختيارك للثقافات الإضافية يخضع للميزان الرباني الدعوي؛ حتى لا يطغى جانب على الآخر، واحرصي على ترتيب أولوياتك حسب ما تحتاجه مهمتك، سواء الدعوية أو المهنية.
* عرفتِ أنه من الصفات الأساسية للأخت أن تكون قادرةً على الكسب، فالإسلام يدعو إلى الكسب والسعي، ويرفض الكسل والتواكل، ويدعو إلى العمل دون تعالٍ أو تكبر, والإمام الشهيد لم يغفل قضية العمل والتكسب؛ حيث قال موجهًا حديثه للعاملين في الدعوة: "أن تزاول عملاً اقتصاديا مهما كنت غنيًّا، وأن تُقدِم على العمل الحر مهما كان ضئيلاً، وأن تزجَّ بنفسك فيه مهما كانت مواهبك العلمية"، وتطبيق ذلك على الأخت يكون بتعلم المهارات المنزلية وترشيد الاستهلاك وتحديد أولويات الإنفاق.
* فالزمي عدم الإفراط والإسراف في الطعام والشراب، واحذري الاعتماد على الأطعمة الجاهزة.. جاءت لي إحدى الفتيات قائلةً: لقد سألت مربيتي عن طريقة عمل المربيات، فلم تعرف، وطريقة عمل الزبادي فلم تعرف، وطريقة عمل كذا وكذا من الأشياء المعتادة فلم تعرف!! لأنها تعتمد على الجاهز من الأطعمة والأشربة ما أحوجنا لأن نعلِّم بناتنا بعض المهارات المنزلية، وأن نخشوشن في حياتنا، خاصةً أن الأزمات الاقتصادية تفرض وجودها في أقطارنا الإسلامية، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67)﴾ (الفرقان).
قال صلى الله عليه وسلم: "اخشوشنوا فإن النعم لا تدوم"، وقال: "لا تسرف ولو كنت على نهرٍ جارٍ".
حين يكون الإنسان منتجًا يشعر بالراحة النفسية والثقة؛ لعله من المفيد أن نشجع أبناءنا على عمل المشاريع الصغيرة التي يمكن أن تسد احتياجات الدائرة المحيطة.. أخبرتني أخت أنها ظلت تبحث في السوق عن ملابس مناسبة للمحجبات فلم تجد، فاضطرت أن تشتري ملابس لبناتها لا ينطبق عليها مواصفات وشروط الحجاب, في حين أن هناك طرقًا سهلةً جدًّا لعمل زي شرعي بسيط وجميل.. أختي الفاضلة، لا تجعلي نظام الحياة وما فيها يؤثر على فهمك وأدائك.
يا رب أعنا على القيام بواجبات هذا الطريق وتكاليف هذه التجارة الرابحة، ولا تحرمنا من أرباحها الوافرة.
يا رب لقد قلت وقولك الحق: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (10)﴾ (الفتح).. فخذ بيدي يا رب لأوفي بعهدك وبيعتك ولا أنكث فيها؛ لأفوز بالأجر العظيم.. عاهدناك يا رب على المحافظة على الفهم السليم الصحيح للإسلام فهمًا شاملاً دون اجتزاء أو تحريف.. سنحرص يا رب على المحافظة عليه دون تبديل أو تغيير ونورِّثه للأجيال كما تعلمناه..
القدوة العملية أقوى وأشد تأثيرًا لنشر المبادئ والأفكار؛ لأنها تعتبر تجسيدًا وتطبيقًا عمليًّا يسهل مشاهدتها والاقتداء بها بخلاف الأقوال والمحاضرات.
لقد كان الرسول- صلى الله عليه وسلم- قدوةً عمليةً وسط المسلمين الأوائل فكان له التأثير الكبير فاقتدوا به في كلِّ صغيرةٍ وكبيرةٍ.
ولقد حذَّر الله تعالى المؤمنين من أن تخالف أعمالهم أقوالهم التي يدعون إليها.. قال تعالى: ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (44)﴾ (البقرة).
وأكد ذلك رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "يُؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار، فتندلق أقتاب بطنه، فيدور بها كما يدور الحمار بالرحى، فيجتمع إليه أهل النار فيقولون: يا فلان! مالك؟ ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول: بلى. قد كنتُ آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه".
ونحن على طريق الدعوة- أخواتي- نتصدى لتحقيق أعظم مهمة على وجه الأرض، وهي التمكين لدين الله في الأرض بإقامة دولة الإسلام لتؤدي دورها في حمايةِ أرض الإسلام، وعلى رأسها المسجد الأقصى، ولنحمي أرواح المسلمين، وهذا البناء الضخم يحتاج إلى القدوة الحسنة في كل مراحل البناء سواء الفرد أو الأسرة أو المجتمع، والداعية القدوة يعتبر دعامةً أساسيةً في تحقيق هذا البناء، ومن هنا كانت سلسلة "عرفتِ فالزمي".
* عرفتِ أن اقتداءنا برسول الله- صلى الله عليه وسلم- يعني الاتباع وعدم الابتداع حتى يظل هدي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- سليمًا بعيدًا عن أي تشويهٍ أو انحرافٍ، فعن السيدة عائشة- رضي الله عنها- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد".
* فالزمي نهج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في كل شيء، واحرصي على الاقتداء برسول الله عليه الصلاة والسلام اقتداءً متكاملاً، وليس مجتزئًا؛ فلا يجوز أن نقتدي في بعض الجوانب ونخالف في جوانب أخرى, والعاملون في حقل الدعوة لا بد أن يكونوا أشد حرصًا على هذا التكامل
* وألزمي الفهم الصحيح المستمد من القرآن والسنة مسترشدة في ذلك بالأصول العشرين التي وضعها لنا الإمام البنا، واعلمي أن الفهم الصحيح النقي الذي جاء به الرسول- صلى الله عليه وسلم- هو الذي يتم به التمكين.. فكوني حارسةً أمينةً على هذا الفهم من أي تغييرٍ أو انحراف؛ وفاءً لبيعتك مع الله، فالتزمي به في حركتكِ ومعاملاتكِ وثقافاتكِ وحديثك، وللإمام مقولة في ذلك: "ويفهم القرآن طبقًا لقواعد اللغة العربية من غير تكلفٍ ولا تعسفٍ, ويرجع في فهم السنة المطهرة إلى رجال الحديث الثقات".
* عرفت أن الداعيةَ إلى الله عليها ألا تنشغل بكثرةِ المباح، والمباح لا يعدُّ حرامًا، بل هو في بعض الأوقات قد يكون ضروريًّا ليكون بمثابة الاستراحة للداعية للانطلاق لما هو مهم وحتى لا نمل من كثرةِ الانشغال بالأمور الجادة، ولكن إذا زاد الانشغال بهذا المباح وأخذ مساحةً كبيرةً من حياةِ الداعية هنا يتحول إلى مشكلة؛ حيث إنه يُشكِّل مانعًا للقيام بالواجبات، وخاصةً الدعوية فتكثر الاعتذارات، ويظهر التقصير في الواجبات الأساسية، وشيئًا فشيئًا تتغير السلوكيات الدعوية.
* فالزمي التوازن الحركي والإداري حتى لا يحدث مللٌ أثناء القيام بالعمل، واحرصي على إيجاد جوٍّ أخوى رطب وتوفير بعض البرامج الترفيهية الجذابة، وفي نفس الوقت لا تغفلي عن الخواطر الإيمانية من أجل التذكرة.
* الزمي تربية النفس، ولا تستجيبي لجميع رغباتها؛ لأن كثرةَ الراحة للنفس في الدنيا يجلب التعب والمساءلة يوم الدين، ومجاهدته في الدنيا هو سبيل راحتها في جنان الخلد؛ لأن الداعية لا بد أن يكون مهمومًا بدعوته منشغلاً بها؛ فلقد كان سلفنا الصالح يتركون تسعة أعشار المباح مخافةَ الوقوع في الحرام.
* عرفتِ أن الأخت الداعية لا بد أن تكون حريصةً على وقتها منظمة في شئونها، فكل شيء يُعوض إلا الوقت، فالوقت هو الحياة، هكذا يفهمه أصحاب الهمم العالية والطموحات الغالية، ولقد عُرِفَ الأستاذ مصطفى مشهور بهذه العبارة "أن حياةَ المرء لا تُقاس بعددِ السنين التي عاشها، ولكنها تُقاس بما قام به من أعمالٍ وتأثير هذه الأعمال في حياة الناس"، كما أن الدقةَ من سماتِ المؤمن قال صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يُتقنه"، وقال: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة الفراغ".
* فالزمي الانضباط في المواعيد والحفاظ على وقت أخواتك، وتذكري قول الإمام البنا في هذا "الواجبات أكثر من الأوقات فعاوِّن غيرك على الانتفاع بوقته، وإن كان لك مهمة فأوجز في قضائها"؛ ولنحرص على حسن استغلال وتوزيع الواجبات على الأوقات على حسب أولوياتها.
* عرفتِ أن الداعية لا بد أن تتميز بالجدية والانضباط والإرادة الفورية في التنفيذ والعزم على سرعة الاستجابة ومغالبة الأعذار، ولقد رأينا هذه الاستجابة الفورية في موقف نساء الأنصار من آياتِ الخمار حين سمعن قول الله تعالى: ﴿وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ﴾ (النور: من الآية 31) أسرعن بالتنفيذ.
ولقد وجدنا المثابرة والعمل المتصل في تبليغ الرسول- صلى الله عليه وسلم- لهذه الدعوة سواءً في السر أو العلن.. في العسر أو اليسر، وبلا كللٍ أو ملل.
فالجدية أمر لازم لأصحاب الدعوات الذين عاهدوا الله على إحياء دعواتهم؛ لأن بها تُؤدى التكاليف والواجبات، وتتحقق أسمى الأهداف والغايات؛ ولذلك حرص الإمام البنا من أول يومٍ على أن يكون أفراد الجماعة عمليين لا نظريين ولا جدليين، فحثَّهم على العمل الجاد والشاق، وفي كل المجالات، فاستنهض الهمم والعزائم، وحذَّر من الشعارات البراقة دون عمل، وكان يُؤثر الناحية العملية عن الدعاية والإعلانات.
يا إلهي، يا عليم يا خبير تعلم مشاعرنا وأحاسيسنا وهمومنا وآمالنا ومدى انشغالنا بحال الإسلام والمسلمين وما يُثقل كاهلنا من أمانات ومسئوليات، وكلما زاد همنا نعود إليك يا رب نقول: يا رب.. إنه دينك وأنت أغير عليه منا، فأعنَّا على اتباع نبيك صلى الله عليه وسلم لنفوز بحبك ومغفرتك.. ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31)﴾ (آل عمران).
اللهم ارزقنا حبك وحب مَن يحبك وحب كلِّ عمل يقربنا إلى حبك، وصلّى اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
----------------
** هذا الدعاء من كتاب (مناجاة على طريق الدعوة) للأستاذ مصطفى مشهور عليه رحمة الله.
لقد جاء الرسول صلى الله عليه وسلم مصلحًا لهذه البشرية، وهو الذي دعا بهذا الدعاء وكأنه يريد أن يقول إنه لا صلاح للبشرية إلا بتكامل جوانب الإصلاح، والإصلاح ليس واجبًا شرعيًّا فحسب؛ بل هو فطرة إنسانية يمارسها الإنسان بصورة طبيعية في حياته.
ولقد جاء الإنسان للإعمار.. ومعنى الإعمار: الإصلاح، والمراد إصلاح المجتمع بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن هنا اعتبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن من أول مهام من اتبعوه أن يحملوا رسالة الإصلاح قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (117)﴾ (هود).
ولهذا لا يقبل الله تعالى التوبة من إنسان مخطئ بمجرد لفظ: تبت يا رب.. بل يشترط علي كل تائب أن يحدث إصلاحًا، قال تعالى: ﴿وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)﴾ (العصر)، وكذالك قول الله تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ (110)﴾ (آل عمران).
فلم يأت الحث على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا بعد أن تحدث عن الخيرية؛ ليبين سبحانه وتعالى أن الخيرية لا تكون إلا بالحركة نحو الإصلاح والتغيير.
أخواتي.. إن الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من ألزم الأمور وسط هذا الخليط من التيارات والفساد، سواء الوافد منها أو الموروث.
ولنعلم أن الأرض أرض الله، والمال مال الله، والناس عباد الله حدد لهم حدودًا وموازين ومقاييس؛ ليسيروا عليها، ثم وظَّفهم في كل ذلك، وجعلهم في منصب الخلافة، وطالبهم بالقيام بتبعات الخلافة سواء الإيمان بالله تعالى، والخضوع له والتسليم لقضائه والوقوف عند حدوده والوزن بموازينه تعالى والقياس الرباني ولا يتأتى هذا إلا بممارسة الدعوة إلى الله.
ولكن من يدعو إلى الله لا بد أن يكون على بصيرة وعلم ويقين، قال تعالى: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ (108)﴾ (يوسف).
فالأخت الداعية حين تمارس الدعوة لا بد أن تؤديها في غاية من الدقة والإتقان ليكون لها تأثير؛ ولذا عليها أن تلتزم بما عرفَتْ.
عرفتِ.. فالزمي
- عرفت.. أن الدعوة إلى الله واجب على كل مسلم ومسلمة وأنها ضرورة بشرية، وفريضة شرعية، وهي وسيلة لإيصال نور الحق إلى القلوب؛ لتهتدي إلى الصراط المستقيم.
- فألزمي.. نفسك بالقيام بها، وواظبي عليها، مهما كانت الظروف، ومهما كانت المحن والابتلاءات.
- عرفت.. عِظَم الأجر والثواب الذي يناله الداعية من وراء الدعوة إلى الله، ويوضح ذلك حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم "لأن يهدي الله بك رجلاً خيرًا لك من حُمْر النَّعم".
- فالزمي.. تجديد النية لله دائمًا، والإخلاص في أدائكِ ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ (33)﴾ (فصلت).
فإخلاص الوجه وخلو القلب من كل شائبة مهم للداعية إلى الله، خاصةً أنه قد يتعرض للفتن، إذا لمس قوة التأثير في الناس، وحاز إعجاب الجماهير به والتفافهم حوله.
- عرفت.. وفهمت قول الله تعالى ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةَِ من الآية (125)﴾ (النحل).
- فالزمي.. فن غزو القلوب ومهارات الإقناع والحوار واجمعي بين إثارة الوجدان وإقناع العقول واجعلي أسلوبك مناسبًا للغة العصر بما لا يتعارض مع قاعدة شرعية، أي يجمع بين الأصالة والمعاصرة، وتعاملي مع الوافد من الغرب والموروثات القديمة بالشرع والحكمة.
- عرفتِ.. أن الداعية إلى الله لا بد أن تعيش بقلبها مع ما تدعو إليه بلسانها، فتكون متفاعلة مع المعاني، وهذا يجعل الحديث أكثر تأثيرًا في نفوس السامعين؛ لأن ما يخرج من القلب يصل إلى القلب، وما يخرج من اللسان لا يتجاوز الآذان.
- فالزمي.. أسلوب القدوة ولا تعتمدي عند دعوة الأخريات على الحديث والخطابة والدورات فقط؛ ولكن لا بد أن تكوني نموذجًا عمليًّا يُقتدى به في كل شيء، فتكونين قدوة لهن كزوجة، وأم، وجارة، وزميلة، والتزمي بكل الصفات الجميلة التي يجب أن تكون عليها الأخت الداعية؛ لأن القدوة العملية لها تأثيرها الفعال في استجابة الناس، فلا تصدر منكِ أعمال وتصرفات تخالف ما تدعو إليه الأخريات.
- عرفتِ.. أن الداعية لا بد أن تتعرف على طبيعة البيئة التي تدعو فيها؛ ليكون حديثها واقعيًّا ومناسبًا، وهذا يتطلب منها أن تخالط وتتعايش مع مَن حولها ممن تدعو؛ لتزداد الاستجابة، ويظهر المردود الدعوي، ويؤكد هذا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يخالط الناس ويصبر على آذاهم خير ممن لا يخالط الناس ولا يصبر على آذاهم".
- فالزمي.. الضوابط الشرعية عند مخالطة الناس؛ حيث إنه أحيانًا بدافع الانفتاح على المجتمع والوصول لكل الفئات تذوب الأخت الداعية وسط المجتمع قبل أن تحدث فيه التغيير والإصلاح المطلوب حتى أصبح أحيانًا لا يمكن أن نفرق من حيث المظهر والمعاملات والمفاهيم بين الأخت وغيرها.
- عرفتِ.. أن الدعوة إلى الله دعوة شاملة تتناول جميع جوانب الحياة؛ بحيث تحقق إصلاحًا وتغييرًا شاملاً، يساعد بعد ذلك على تطبيق شرع الله تعالى في كل المجالات، سواء السياسي والإعلامي أو الاقتصادي أو الاجتماعي والأخلاقي وغيرها.
- فالزمي.. نفسك بفهم شامل، ووضوح رؤية للقضايا التي توجد على الساحة حول المجالات المختلفة وما يشغل المرأة منها.
- عرفتِ الطريق، وأهدافه، ومتطلباته، ووسائله، وفهمتِ قول الله تعالى ﴿وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ (الفتح من الآية 10).
- فالزمي.. وأوفي العهد مع الله، وكوني النموذج الأمثل للعمل الجماعي ومتطلباته، وحافظي على ثوابته وأركانه.
وأخيرًا..عرفتِ وتعلمتِ، فاحمدي الله واشكريه.
- أحمدك وأشكرك يا رب أن وفَّقتنا للعمل للإسلام في الطريق الصحيح، فما أكثر من ضلوا الطريق!.
- أحمدك يا رب أن سخَّرت من عبادك من يأخذ بيدي إلى طريق الدعوة؛ كي أسير مع العاملين الصادقين، فثبِّت اللهم أقدامنا على طريقك.
- أحمدك يا رب أن شغلتني بالحق بدلاً أن تشغلني بالباطل.
- أحمدك يا رب أن أعنتني على القيام بتكاليف العمل، وتحمل مشاق الطريق، فالفضل منك وإليك، فأدِمْ عليَّ فضلك بالصبر والثبات والتوفيق حتى ألقاك، وأنت راضٍ عني يا ذا الجلال والإكرام.
- أحمدك وأشكرك يا رب أن وفقتني لحمدك وشكرك، فقليل من عبادك الشكور.
- إلهي.. لقد عاهدناك أن نقوم بمتطلبات العمل الجماعي، وذلك عند أولى خطواتنا على طريق الدعوة، وأن نعمل جاهدين؛ لنكون صادقين فيما عاهدناك عليه، فكن عونًا لنا، وثبتنا يا أرحم الراحمين.
- نسألك يا رب أن نكون أهلاً لهذا الاختيار، فاشرح يا رب صدورنا ويسِّر لنا أمورنا يا من بيده الأمر وهو على كل شيء قدير.*
- ﴿رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ (193)﴾ (آل عمران).
إن طبيعة المرحلة التي نعيشها في حاجة شديدة إلى نساء مسلمات ملتزمات بتعاليم الإسلام ليكنَّ قدوة في المجتمع الذي يتحركن فيه، ونحن نعلم أن المرأة المسلمة هي مربية الأجيال وصانعة الرجال ودورها أخطر بكثير من دور الرجال.
ولهذا كان من المهم أن تفقه الأخت رسالتها، وتفهم أبعادها فهمًا صحيحًا؛ لأن الفهم الصحيح يعين على سلامة العمل وحسن التطبيق، ويقي صاحبه من العثرات، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "فقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد"، ومن هنا كان الاهتمام بفهم وأداء الأخت الداعية, يقول الإمام البنا في هذا: "إن العبرة في التفضيل ليست بكثرة المعارف والمحفوظات والأعمال، وإنما بجودة الفقه وصحة الفهم وسلامة الإدراك"، فنحن نريد النموذج المتميز للأخت، والقدوة الحسنة، والصورة المشرفة، والتطبيق الدقيق لما يأمرنا به ديننا الحنيف، فمن الملاحظ أن هناك تغيرًا في بعض المفاهيم، وتنازلاً عن بعض السلوكيات والآداب، وأصبحنا نألف هذه التغيرات، سواء في تصرفاتنا الشخصية، أو نظام حياتنا اليومية، أو صورة ونظام البيت، أو تعاملنا مع متطلبات الحياة من تعليم وعمل وحركة.
نسأل الله تعالى أن يعيننا في سلسلة "عرفت.. فالزمي" أن نقف وقفةً صادقةً عند ثوابت الإسلام والضوابط الشرعية في الحركة والمعاملات، وعدم الانزلاق وراء ما لا يناسب إسلامنا وثوابتنا.
لقد حرص الرسول صلى الله عليه وسلم على أن يقذف في قلوب أصحابه ثلاثة معانٍ تأثروا بها وتربوا عليها:
1 – أن ماجاء به الرسول صلى الله عليه وسلم هو الحق وما عاداه هو الباطل، وأن الإسلام أكمل وأشمل النظم التي تتحقق بها السعادة للبشرية.
2 – أنهم ما داموا أهل الحق، وما داموا حملة الرسالة؛ فلا بد أن يكونوا قدوةً للناس ليرشدوهم إلى الخير.
3 – ما داموا مؤمنين بهذا الدين الحق معتزين به؛ فإن الله معهم وناصرهم ومؤيدهم.
ومن هنا كان شعارنا.. الإيمان بعظمة الرسالة، الاعتزاز باعتناقها، الثقة في تأييد الله ونصره.
ولهذا فإننا نحتاج بين الحين والآخر أن نقف مع أنفسنا وقفةً صادقةً.. هل عملنا بما تعلمنا وعرفنا؟!. عرفتِ.. فالزمي.
* عرفتِ أن من مقومات شخصية الداعية الإيمان بعظمة الرسالة التي جاءت من عند الله رب العباد، فالإيمان الصادق بالله تعالى ورسالة هما مصدر الطمأنينة والاستقرار النفسي، وهما معًا يفجران في النفس طاقات الخير والعمل الصالح؛ مما يجعل الداعية تتحرك بهمة ونشاط وفق شرع الله.
* فالزمي توجيه النية لله، وأدي أدوارك كلها يقينًا منك بأنها وسائل تتقربين بها إلى الله، وخذي بالأسباب، وأحسني التوكل على الله، ولا تتأثري بالتيارات الغربية الوافدة أو العادات الموروثة، والتي تتنافى مع منهجنا وثوابتنا؛ حتى لا تتغير طبيعة دورك كزوجة وأم وأخت، لأن الإيمان الصادق يساعد على أداء الأعمال بإتقان وإحسان ودقة، فهناك فرق بين الزوجة التي تؤدي دورها تجاه زوجها على أنه مجرد واجب شرعي يلزمها الشرع به، وبين زوجة مؤمنة برسالتها، فهي تؤدي حق الزوج لأنه واجب شرعي ولإعفافه وإسعاده، فصدق الإيمان مع الإحسان والإتقان يحقق السعادة والاستقرار والشعور بالأمان.
* عرفتِ أن الأسرة المسلمة هي المرتبة الثانية من مراتب الدعوة؛ ولهذا لا بد أن تسير على منهج الله في كل أمور حياتها، وأن يحسن الزوجان ترتيب أولويات البيت والأولاد، ويعرف كل منهما دوره من أجل النهوض بهذه الدعامة، دون أن ينساقا وراء التيارات المحيطة، ويكون محرك الأسرة هو وقود الإيمان والاعتزاز بعظمة هذه الرسالة.
* فالزمي تعاليم الإسلام في وسائل بناء هذا الصرح العظيم، واضبطي مناخ البيت وفق شرع الله؛ فإذا صلحت الأسرة صلح المجتمع، فلا ننشغل بالمال، أو تحسين الوضع المالي، أو الحصول على شهادات ودورات متعددة لتحسين المركز الوظيفي على حساب أداء رسالتنا السامية تجاه الأسرة، فلا بد من التوازن بين هذا وذاك؛ حفاظًا على كيان الأسرة حتى لا يحدث تفكك أسري، ويفقد الفرد شعوره بالآخر لانشغال الوالدين بمهام كثيرة خارج البيت، أو تظهر ظاهرة التقوقع الأسري وإهمال صلة الرحم؛ نتيجة للانشغال المفرط في متطلبات البيت التي لا تنتهي، من مأكل وملبس وغيرها.. أين البساطة والقناعة؟! ولماذا كل هذه الكماليات؟! احرصي أختي المسلمة أن تقدمي النموذج الأمثل للبيت المسلم الذي يمكن أن يقتدى به الآخرون.
* عرفتِ أن الأخت الداعية العاملة في حقل الدعوة لا بد أن تكون متينة الخلق، وعلى مستوى راقٍ من الذوقيات والأخلاق الجميلة، ولقد عَرَّف البعض الذوق بأنه هو الأخلاق الجميلة عندما ترتدين ثوبًا أنيقًا.
فنحن نريد الأخت الأنيقة الرقيقة في معاملاتها مع من حولها.. وللإمام البنا مقولة لطيفة: "يا أخي، لتكن نصيحتك تلميحًا لا تصريحًا، وتصحيحًا لا تجريحًا".
* فالزمي خصال الخلق الجميل كالحلم وسعة الصدر وكظم الغيظ واختيار العبارات الراقية، فلا يناسب الأخت أن تردد الألفاظ والعبارات الشائعة الدخيلة على المجتمع المسلم، والتزمي بالضوابط الشرعية في التعامل مع الرجال؛ فلا ترفعي الكلفة بينك وبين من تتعاملين معهم من الرجال ملتزمةً بقول الله تعالى: ﴿فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفًا﴾ (الأحزاب: من الآية 32)، فلا تقبلي تهاونًا أو تنازلاً فيما اعتدنا عليه من المبادئ والقيم.. فأنتِ أولى الناس أن تلتزمي بثوابت الإسلام، وتتقي الله عندما تؤدين أدوارك, وضعي أمامك دائمًا الصفات والأركان التي تربَّيْنا عليها، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "أفضل ما يوضع في الميزان يوم القيامة التقوى وحسن الخلق".
* عرفتِ أن الأخت المسلمة العاملة في حقل الدعوة لا بد أن تكون مثقفة الفكر؛ سواء ثقافة شرعية أو علمية أو اجتماعية أو سياسية؛ لتكون على وعي بطبيعة المرحلة واحتياجاتها من وسائل وتوجيهات، فيتحقق الإصلاح والتغير المطلوب فتكون الثمرة والإنتاج.
* فالزمي حسن اختيار الثقافات بتوازن وحكمة، فنحن أصبحنا بين أيدي عالم مفتوح مليء بثقافات متعددة، تقدمها لنا وسائل إعلام متنوعة.. فاحذري الترف العلمي، واجعلي اختيارك للثقافات الإضافية يخضع للميزان الرباني الدعوي؛ حتى لا يطغى جانب على الآخر، واحرصي على ترتيب أولوياتك حسب ما تحتاجه مهمتك، سواء الدعوية أو المهنية.
* عرفتِ أنه من الصفات الأساسية للأخت أن تكون قادرةً على الكسب، فالإسلام يدعو إلى الكسب والسعي، ويرفض الكسل والتواكل، ويدعو إلى العمل دون تعالٍ أو تكبر, والإمام الشهيد لم يغفل قضية العمل والتكسب؛ حيث قال موجهًا حديثه للعاملين في الدعوة: "أن تزاول عملاً اقتصاديا مهما كنت غنيًّا، وأن تُقدِم على العمل الحر مهما كان ضئيلاً، وأن تزجَّ بنفسك فيه مهما كانت مواهبك العلمية"، وتطبيق ذلك على الأخت يكون بتعلم المهارات المنزلية وترشيد الاستهلاك وتحديد أولويات الإنفاق.
* فالزمي عدم الإفراط والإسراف في الطعام والشراب، واحذري الاعتماد على الأطعمة الجاهزة.. جاءت لي إحدى الفتيات قائلةً: لقد سألت مربيتي عن طريقة عمل المربيات، فلم تعرف، وطريقة عمل الزبادي فلم تعرف، وطريقة عمل كذا وكذا من الأشياء المعتادة فلم تعرف!! لأنها تعتمد على الجاهز من الأطعمة والأشربة ما أحوجنا لأن نعلِّم بناتنا بعض المهارات المنزلية، وأن نخشوشن في حياتنا، خاصةً أن الأزمات الاقتصادية تفرض وجودها في أقطارنا الإسلامية، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67)﴾ (الفرقان).
قال صلى الله عليه وسلم: "اخشوشنوا فإن النعم لا تدوم"، وقال: "لا تسرف ولو كنت على نهرٍ جارٍ".
حين يكون الإنسان منتجًا يشعر بالراحة النفسية والثقة؛ لعله من المفيد أن نشجع أبناءنا على عمل المشاريع الصغيرة التي يمكن أن تسد احتياجات الدائرة المحيطة.. أخبرتني أخت أنها ظلت تبحث في السوق عن ملابس مناسبة للمحجبات فلم تجد، فاضطرت أن تشتري ملابس لبناتها لا ينطبق عليها مواصفات وشروط الحجاب, في حين أن هناك طرقًا سهلةً جدًّا لعمل زي شرعي بسيط وجميل.. أختي الفاضلة، لا تجعلي نظام الحياة وما فيها يؤثر على فهمك وأدائك.
يا رب أعنا على القيام بواجبات هذا الطريق وتكاليف هذه التجارة الرابحة، ولا تحرمنا من أرباحها الوافرة.
يا رب لقد قلت وقولك الحق: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (10)﴾ (الفتح).. فخذ بيدي يا رب لأوفي بعهدك وبيعتك ولا أنكث فيها؛ لأفوز بالأجر العظيم.. عاهدناك يا رب على المحافظة على الفهم السليم الصحيح للإسلام فهمًا شاملاً دون اجتزاء أو تحريف.. سنحرص يا رب على المحافظة عليه دون تبديل أو تغيير ونورِّثه للأجيال كما تعلمناه..
القدوة العملية أقوى وأشد تأثيرًا لنشر المبادئ والأفكار؛ لأنها تعتبر تجسيدًا وتطبيقًا عمليًّا يسهل مشاهدتها والاقتداء بها بخلاف الأقوال والمحاضرات.
لقد كان الرسول- صلى الله عليه وسلم- قدوةً عمليةً وسط المسلمين الأوائل فكان له التأثير الكبير فاقتدوا به في كلِّ صغيرةٍ وكبيرةٍ.
ولقد حذَّر الله تعالى المؤمنين من أن تخالف أعمالهم أقوالهم التي يدعون إليها.. قال تعالى: ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (44)﴾ (البقرة).
وأكد ذلك رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "يُؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار، فتندلق أقتاب بطنه، فيدور بها كما يدور الحمار بالرحى، فيجتمع إليه أهل النار فيقولون: يا فلان! مالك؟ ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول: بلى. قد كنتُ آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه".
ونحن على طريق الدعوة- أخواتي- نتصدى لتحقيق أعظم مهمة على وجه الأرض، وهي التمكين لدين الله في الأرض بإقامة دولة الإسلام لتؤدي دورها في حمايةِ أرض الإسلام، وعلى رأسها المسجد الأقصى، ولنحمي أرواح المسلمين، وهذا البناء الضخم يحتاج إلى القدوة الحسنة في كل مراحل البناء سواء الفرد أو الأسرة أو المجتمع، والداعية القدوة يعتبر دعامةً أساسيةً في تحقيق هذا البناء، ومن هنا كانت سلسلة "عرفتِ فالزمي".
* عرفتِ أن اقتداءنا برسول الله- صلى الله عليه وسلم- يعني الاتباع وعدم الابتداع حتى يظل هدي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- سليمًا بعيدًا عن أي تشويهٍ أو انحرافٍ، فعن السيدة عائشة- رضي الله عنها- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد".
* فالزمي نهج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في كل شيء، واحرصي على الاقتداء برسول الله عليه الصلاة والسلام اقتداءً متكاملاً، وليس مجتزئًا؛ فلا يجوز أن نقتدي في بعض الجوانب ونخالف في جوانب أخرى, والعاملون في حقل الدعوة لا بد أن يكونوا أشد حرصًا على هذا التكامل
* وألزمي الفهم الصحيح المستمد من القرآن والسنة مسترشدة في ذلك بالأصول العشرين التي وضعها لنا الإمام البنا، واعلمي أن الفهم الصحيح النقي الذي جاء به الرسول- صلى الله عليه وسلم- هو الذي يتم به التمكين.. فكوني حارسةً أمينةً على هذا الفهم من أي تغييرٍ أو انحراف؛ وفاءً لبيعتك مع الله، فالتزمي به في حركتكِ ومعاملاتكِ وثقافاتكِ وحديثك، وللإمام مقولة في ذلك: "ويفهم القرآن طبقًا لقواعد اللغة العربية من غير تكلفٍ ولا تعسفٍ, ويرجع في فهم السنة المطهرة إلى رجال الحديث الثقات".
* عرفت أن الداعيةَ إلى الله عليها ألا تنشغل بكثرةِ المباح، والمباح لا يعدُّ حرامًا، بل هو في بعض الأوقات قد يكون ضروريًّا ليكون بمثابة الاستراحة للداعية للانطلاق لما هو مهم وحتى لا نمل من كثرةِ الانشغال بالأمور الجادة، ولكن إذا زاد الانشغال بهذا المباح وأخذ مساحةً كبيرةً من حياةِ الداعية هنا يتحول إلى مشكلة؛ حيث إنه يُشكِّل مانعًا للقيام بالواجبات، وخاصةً الدعوية فتكثر الاعتذارات، ويظهر التقصير في الواجبات الأساسية، وشيئًا فشيئًا تتغير السلوكيات الدعوية.
* فالزمي التوازن الحركي والإداري حتى لا يحدث مللٌ أثناء القيام بالعمل، واحرصي على إيجاد جوٍّ أخوى رطب وتوفير بعض البرامج الترفيهية الجذابة، وفي نفس الوقت لا تغفلي عن الخواطر الإيمانية من أجل التذكرة.
* الزمي تربية النفس، ولا تستجيبي لجميع رغباتها؛ لأن كثرةَ الراحة للنفس في الدنيا يجلب التعب والمساءلة يوم الدين، ومجاهدته في الدنيا هو سبيل راحتها في جنان الخلد؛ لأن الداعية لا بد أن يكون مهمومًا بدعوته منشغلاً بها؛ فلقد كان سلفنا الصالح يتركون تسعة أعشار المباح مخافةَ الوقوع في الحرام.
* عرفتِ أن الأخت الداعية لا بد أن تكون حريصةً على وقتها منظمة في شئونها، فكل شيء يُعوض إلا الوقت، فالوقت هو الحياة، هكذا يفهمه أصحاب الهمم العالية والطموحات الغالية، ولقد عُرِفَ الأستاذ مصطفى مشهور بهذه العبارة "أن حياةَ المرء لا تُقاس بعددِ السنين التي عاشها، ولكنها تُقاس بما قام به من أعمالٍ وتأثير هذه الأعمال في حياة الناس"، كما أن الدقةَ من سماتِ المؤمن قال صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يُتقنه"، وقال: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة الفراغ".
* فالزمي الانضباط في المواعيد والحفاظ على وقت أخواتك، وتذكري قول الإمام البنا في هذا "الواجبات أكثر من الأوقات فعاوِّن غيرك على الانتفاع بوقته، وإن كان لك مهمة فأوجز في قضائها"؛ ولنحرص على حسن استغلال وتوزيع الواجبات على الأوقات على حسب أولوياتها.
* عرفتِ أن الداعية لا بد أن تتميز بالجدية والانضباط والإرادة الفورية في التنفيذ والعزم على سرعة الاستجابة ومغالبة الأعذار، ولقد رأينا هذه الاستجابة الفورية في موقف نساء الأنصار من آياتِ الخمار حين سمعن قول الله تعالى: ﴿وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ﴾ (النور: من الآية 31) أسرعن بالتنفيذ.
ولقد وجدنا المثابرة والعمل المتصل في تبليغ الرسول- صلى الله عليه وسلم- لهذه الدعوة سواءً في السر أو العلن.. في العسر أو اليسر، وبلا كللٍ أو ملل.
فالجدية أمر لازم لأصحاب الدعوات الذين عاهدوا الله على إحياء دعواتهم؛ لأن بها تُؤدى التكاليف والواجبات، وتتحقق أسمى الأهداف والغايات؛ ولذلك حرص الإمام البنا من أول يومٍ على أن يكون أفراد الجماعة عمليين لا نظريين ولا جدليين، فحثَّهم على العمل الجاد والشاق، وفي كل المجالات، فاستنهض الهمم والعزائم، وحذَّر من الشعارات البراقة دون عمل، وكان يُؤثر الناحية العملية عن الدعاية والإعلانات.
يا إلهي، يا عليم يا خبير تعلم مشاعرنا وأحاسيسنا وهمومنا وآمالنا ومدى انشغالنا بحال الإسلام والمسلمين وما يُثقل كاهلنا من أمانات ومسئوليات، وكلما زاد همنا نعود إليك يا رب نقول: يا رب.. إنه دينك وأنت أغير عليه منا، فأعنَّا على اتباع نبيك صلى الله عليه وسلم لنفوز بحبك ومغفرتك.. ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31)﴾ (آل عمران).
اللهم ارزقنا حبك وحب مَن يحبك وحب كلِّ عمل يقربنا إلى حبك، وصلّى اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
----------------
** هذا الدعاء من كتاب (مناجاة على طريق الدعوة) للأستاذ مصطفى مشهور عليه رحمة الله.