- الشيخ ابن باز: دخول المجالس النيابية لإحقاق الحق أمر واجب
- الشيخ العثيميين: لماذا نتركها للعلمانيين والفسقة يفعلوا فيها ما يشاءون
- الشيخ الألباني: انتخاب الناس للمرشح المسلم في المجالس المنتخبة واجب
- الشيخ أبو زهرة: هي أمرٌ واجبٌ لأنه يحمي الجماعة، وينشر الدعوة، ويفيد الحياة النيابية.
ما زالت المشاركة في المجالس المنتخبة سواء كانت مجلس شعب أو شوري أو محليات مثار خلاف وجدل فيما يتعلق بمشروعيتها وهو الخلاف الذي وضح منذ أول محاولة للإخوان عام 1938م، ولم تسمح الجماعة إلا للإمام "البنَّا" فقط بخوض الانتخابات في دائرة الإسماعيلية، ورغم أن الإمام "البنَّا" تنازل عن ترشيح نفسه في هذه الانتخابات إلا أن مجرَّد مشاركة (الإخوان) في الانتخابات النيابية كان مثار حديث الجميع عن جدوى المشاركة، والهدف منها وهو ما دفع (مجلة الإخوان المسلمين) إلى نشر حوار مع العالم الشيخ "محمد أبو زهرة"- أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية الحقوق- جامعة القاهرة- حول دخول (الإخوان المسلمون) الانتخابات النيابية، وأجاب الشيخ "أبو زهرة" على عدةِ أسئلة، كان من أهمها الرأي الشرعي في ترشيح بعض (الإخوان المسلمون) أنفسهم في الانتخابات النيابية، وقد قال الشيخ "أبو زهرة": إن ترشيح بعض (الإخوان المسلمون)، الذين يستمسكون بالعروة الوثقى، وللدين الاعتبار الأول في نفوسهم- أمرٌ جدُّ واجبٌ- لأنه يحمي جماعة (الإخوان)، وينشر دعوتهم، ويفيد الحياة النيابية في مصر.
أما حمايته لجماعة (الإخوان)؛ فلأن وجود نواب يمثلونهم يمكِّن الجماعة من أن ترفع صوتًا في دار الشورى بالشكاة العادلة ممَّا يقع على أعضائها من مظالم أو اضطهادات أو نحو ذلك؛ وهو ما تتعرَّض له الجماعات في مصر، وأما أنه سبيلٌ لنشر فكرتها؛ فلأنه يُمكِّن ممثليها من أن يدلوا بآراء الجماعة الصحيحة في كل ما يعرض من قوانين في مسائل إدارية ونظامية، وأن صوتهم سيكون صوت الإسلام يتردد في قبة البرلمان، وهو رقابة قوية تستمد قوتها من الدين وضمان وثيق؛ لكي تسير أمور الدولة في قابل أمرها غير متجانفة عن الإسلام ولا مجافية لأحكامه، وأما فائدتها للنيابة في مصر؛ فلأن نواب الجماعة سيكونون ممثلين لفكرة فوق تمثيلهم لناخبيهم، وسيعملون تحت سلطان هذه الفكرة، على أن يكونوا رقباء على الحكومة، فاحصين لأعمالها- ناقدين أو مؤيدين- على أساس من القسطاس المستقيم، وبذلك يعلم سائر النواب وتعلم الأمة أن عمل النائب ليس التردد في الدواوين حاملاً للشفاعات متوسلاً للرجاء لقضاء الحاجات، فلا يكون عنده قوة للاعتراض على مَن توصل إليهم ولا للرقابة عليهم.. إن عمل النائب الذي رُشِّح له هو أن يُراقب الوزراء لا أن يرجوهم، وأن يصلح الإدارة المصرية لا أن يُفسدها، وأن يقطع السبيل على مَن يجعلون الأمور تسير بالشفاعةِ والضَّراعة، لا أن يروج الشفاعة في صفوف القائمين بالأمر في الكافة على هذه الجادة أن يسير ممثلو (الإخوان)، فيكونون مثلاً صحيحًا لممثلي الأمة، وما يجب أن يكون عليه النائب الذي يعرف غايته وغرضه وهدفه.
والقول بمشروعية الدخول إلى المجالس التشريعية والوصول إلى الولايات العامة عن طريق الانتخاب هو قول كثير من علماء السلفية المعاصرين والسابقين ومنهم سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز وفضيلة الشيخ محمد صالح العثيميين، وفيما يلي بعض آراء أهل العلم الدين أيدوا المشاركة ورأوا فيها صالح العباد والبلاد:
رأي الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي- رحمه الله
فهذا العلامة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي المتوفي سنة 1376هـ إمام نجد وفي زمانه يقول في تفسيره (تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان) عند قوله تعالى: ﴿قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ﴾ (هود: 91).
قال- رحمه الله-: في الفوائد المتحصلة من هذه الآية: (ومنها: أن الله يدفــع عن المؤمنين بأسباب كثيرة وقد يعلمون بعضها وقد لا يعلمون شيئًا منها، وربما دفع عنهم بسبب قبيلتهم، وأهل وطنهم الكفار، كما دفع الله عن شعيب، رجم قومه، بسبب رهطه، وأن هذه الروابط، التي يحصل بها الدفع عن الإسلام والمسلمين، لا بأسَ بالسعي فيها، بل ربما تعين ذلك؛ لأنَّ الإصلاح مطلوب، حسب القدرة والإمكان.
فعلى هذا، لو سعى المسلمون الذين تحت ولاية الكفار، وعملوا على جعل الولاية جمهورية، يتمكن فيها الأفراد والشعوب، من حقوقهم الدينية والدنيوية لكان أولى، من استسلامهم لدولة تقضي على حقوقهم، الدينية والدنيوية، وتحرص على إبادتها، وجعلهم عَمَلَةً وخَدَمًا لهم.
نعم إن أمكن أن تكون الدولة للمسلمين، وهم الحكام، فهو المتعين، ولكن لعدم إمكان هذه المرتبة، فالمرتبة التي فيها دفع ووقاية للدين والدنيا مقدمة، والله أعلم".
وأنت ترى هنا أنَّ مدار هذه الفتوى، وهذا الاستنباط من الآية الكريمة على القاعدة الفقهية (ارتكاب أخف الضررين) فلئن يسعى المسلمون ليكون لهم شركة في الحكم مع الكفار يصونون بذلك أعراضهم وأموالهم ويحمون دينهم، خيرًا ولا شكَّ مما أن يعيشوا تحت وطأة الكفار بلا حقوقٍ تصون شيئًا من دينهم وأموالهم…
وهذا النظر والفهم هو ما ارتضاه وأفتى به شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- ولا شكَّ أنَّ هذا هو الفهم والفقه الذي لا يجوز خلافه فالمسلم إذا خير بين مفسدتين عليه أن يختار أدناهما.. إلى أن يأذن الله سبحانه وتعالى برفع المفسدة كلها ويكون للمسلمين حكمهم الخالص الذي لا يُشركهم فيه غيرهم، ولا يخالطهم فيه سواه.
رأي سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز- رحمه الله
وهـذا الذي أثبتناه من قول الشيخ العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي- رحمه الله- هو نفسـه ما أفتى به سماحة الوالد الشيخ عبد العزيز بن باز، وذلك في مواطن كثيرة والإخوة يبلغـون حدِّ التواتر، ومن معنى قوله إنه يشرع الدخول إلى المجالس الانتخابية من أجل إحقاقِ الحق، والدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، وقد قيد كثير من الإخوة السائلين فتوى والدنا وشيخنا عبد العزيز بن باز على ذلك النحو الذي أثبتناه.
وقد نقلت كذلك فتوى مطبوعة لشيخنا عبد العزيز بن باز- حفظه الله- في مجلة لواء الإسلام العدد الثالث ذو القعدة سنة 1409هـ، يونيو سنة 1989م، ونقلها عن المجلة الشيخ مناع القطان في كتاب (معوقات تطبيق الشريعة الإسلامية)، وقد جاءت جوابًا لسائل يسأل عن شرعية الترشيح لمجلس الشعب، وحكم الإسلام في استخراج بطاقة انتخابات بنية انتخاب الدعاة والإخوة المتدينين لدخول المجلس فأجاب سماحة شيخنا قائلاً: "إن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى"؛ لذا فلا حرجَ في الالتحاقِ بمجلسِ الشعبِ إذا كان المقصود من ذلك تأييد الحق، وعدم الموافقة على الباطل، لما في ذلك من نصر الحق، والانضمام إلى الدُعاة إلى الله.
كما أنه لا حَرَجَ كذلك في استخراج البطاقة التي يُستعان بها على انتخابِ الدُعاة الصالحين، وتأييد الحق وأهله، والله الموفق".
وأنت ترى هنا أنَّ سماحة الشيخ- حفظه الله- اعتمد في فتواه على أمور:
أولاً: أن هذه نية صالحة في تأييد الحق وعدم الموافقة على الباطل.
ثانيًا: أنه في الدخول إلى مجلس الشعب نصرًا للحق، وانضمامًا إلى الدعاة وتأييدًا لهم.
فإذا أضفت هـذا المعنى إلى ما سبق من قول الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي اتضحت لك الصورة أكبر وأن الدخول إلى هذه المجالس تقليل للشر، وتأييد للحق.
رأي الشيخ محمد الصالح العثيميين- رحمه الله
وبهذا أيضًا أفتى سماحة والدنا وشيخنا محمد صالح العثيميين شفاهةً لعددٍ كبيرٍ من الإخوة طلاب العلم الذين سألوه عن حكم الترشيح للمجالس النيابية، فأجابهم بجواز الدخول، وقد كرر عليه بعضهم السؤال مع شرح ملابسات الدخول إلى هذه المجالس، وحقيقة الدساتير التي تحكم وكيفية اتخاذ القرار فكان قوله-حفظه الله- في ذلك (ادخلوها. أتتركوها للعلمانيين والفسقة؟) وهذه إشارة منه- حفظه الله- إلى أن المفسـدة التي تتأتى بعدم الدخول أعظم كثيرًا من المفسدة التي تتأتى بالدخول إن وجدت.. أ.هـ.
ونظنه قد وضح السبيل الآن واتضحت الرؤية أنَّ القول بمشروعية الدخول إلى المجالس التشـريعية، هو قول الجُلة من أئمة وقادة الدعوة السلفية ومن أهل الفكـر والنظر والفقه من علماء الأمة
رأي فضيلة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني- رحمه الله
وللشيخ محمد ناصر الدين الألباني حفظه الله رأي مشهور بعدم جواز الترشيح للدخول في المجالس النيابية، معللاً ذلك بأنها مجالس تحكم بغير ما أنزل الله حتى وإن ذكر في الدستور أن دين الدولة الرسمي هو الإسلام، ومعللاً ذلك أيضًا بأن النائب قد يفتتن في دينه ويتنازل عن بعض الحق.
ولكنه حفظـه الله لا يقول هذا الرأي من بابِ تحريم الدخول إلى المجالس التشريعية وتكفير أو تضليل من يفعل ذلك، وإنما من باب أنه خلاف الأولى بدليل أنه يرى أن الشعب المسلم عليه أن ينتخب المرشحين (الإسلاميين) فقط إذا تقدَّم إلى الترشيح مَن يُعادي الإسلام، وفيما يلي نصوص عباراته حفظه الله في جوابه على الأسئلة المقدمة إليه من جبهة الإنقاذ الجزائرية:
قال: "ولكن لا أرى ما يمنع الشعب المسلم إذا كان في المرشحين مَن يُعادي الإسلام، وفيهم مرشحون إسلاميون من أحزابٍ مختلفةِ المناهج فننصح- والحالة هذه- كل مسلم أن ينتخب من الإسلاميين فقط مَن هو أقرب إلى المنهج الصحيح- الذي تقدَّم بيانه- أقول هذا- وإن كنت أعتقد أنَّ هذا الترشيح والانتخاب لا يحقق الهدف المنشود كما تقدَّم بيانه من باب تقليلِ الشر، أو من باب دفع المفسدة الكبرى بالمفسدة الصغرى كما يقول الفقهاء".