تعد الانتخابات التشريعية 10 ماي 2012 في الجزائر فضيحة تاريخية من فضائح القرن بامتياز..فبالرغم من الوعود بالنزاهة وبمعاقبة المزورين وفي الوقت الذي كان ينتظر فيه الشعب ـ في زمن الحريات ـ نتائج تعكس أصوات الناخبين بصدق، تأتي هذه النتائج التي لا يصدقها عقل ولا تساندها وقائع..
- إشكالية الموضوع وأهميته:
والإشكالية التي من أجلها يكتب الموضوع هي التشكيك في "عدم نزاهة" هذه الانتخابات رغم فضاحتها وفظاعتها، أي أن هناك من يريد تأكيد نزاهتها، ويكرر السؤال الذي ما فتئ يطرح: ما هو دليلكم على أنها مزوّرة؟...وهناك من يصدقون هذا الكلام ويبنون عليه المواقف؛ ومن هذه المواقف:
ـ المباركات والتهاني بنجاح الانتخابات، الوافدة من عدة جهات...!!
ـ التحاليل المبنية على هذه النتائج وكأنها حقيقية والتي تقيّم مستوى الإسلاميين وقوتهم في الجزائر.
ـ مطالبة القادة الإسلاميين ـ حتى من داخل الصف للأسف ـ بالاستقالة على اعتبار أن الفشل حقيقي وأنهم هم السبب فيه.
يحدث كل هذا مع كثرة الأدلة على فظاعة الحدث وبطلان النتائج، وهي أدلة دارت ومازالت تدور على الألسن والأقلام ولكن بشكل متفرق، بحيث لم تُعرض مجتمعة بشكل يعطيها القوة اللازمة لتجلية الشكوك وإثبات الحقيقة ولذلك سنحاول في موضوعنا جمع هذه الأدلة المتفرقة حتى نبيّن أن الجزائر لم تكن ـ في حقيقة الأمرـ استثناء كما يتوهمون، إنما التزييف هو الذي أرجأ ظهور الحقيقة التي ستظل كامنة إلى أن يأذن الله... وهذا الجمع الذي سنقوم به له أهمية بالغة لاسيما بالنسبة للجهات الآتية:
ـ للتاريخ: حتى يسجّل ويدوّن ما حدث بدقة ووضوح في صفحات من حكموا البلاد وسيّروا زمام أمورها لا أقول من الاستقلال ولكن من مؤتمر الصومام إلى اليوم، وهم أنفسهم ـ أشخاصًا أو تيارًا ـ من خطوا أو تبنّوا بيان أول نوفمبر الهادف إلى بناء« دولة جزائرية.....في إطار المبادئ الإسلامية.»
ـ للرأي العام الداخلي: تحسباً لمواعيد لاحقة ومواقف قد تحملها الأيام الحبالى بأحداث تستدعي فرز الظالم من المظلوم وتحميل المسؤوليات أهلها دون إلصاقها بالحركة الإسلامية التي لم تكن شريكا في المفاسد وإن كان فصيل منها(حمس) قد حاول المشاركة في إصلاحها، ولكنه الآن يُرفض بإلحاح وتعطى له المبرّرات المتتالية ليتميّز في وقت يستوجب تمايز الصفوف.
ـ للرأي العام الخارجي: من أجل المساهمة في إعطائه الصورة الواضحة لحقيقة ما يجري عندنا.. ولطالما شوّهت الحقائق اتجاه التيار الإسلامي عموما و"حمس" خصوصا خارج الوطن في عقود سابقة بسبب قلة المساهمات من هذا النوع والنابعة من رحم الأحداث. وربما ما زالت (الحركة) تعاني من آثارها لاسيما فيما يتعلق بإدراك طبيعتها واستيعاب موقفها ومعرفة حجمها والحمد لله على نعمة "النت".
ـ للمعنيين أنفسهم: حتى يتجاوزا مرحلة الشك والذهول ويتوجهوا لخدمة مستقبل أفضل، وفق ما سيذيّل به الموضوع.
- طواعن النزاهة:
لابد في البداية من توضيح أن استعمال تعبير "عدم النزاهة" هو الأنسب والأوسع دلالة في الموضوع من لفظ "التزوير" لأن "عدم النزاهة" يشمل التزوير المادي، واستعمال الحيل والمناورات والتشريع على المقاس... وغير ذلك مما يجعل النتائج تصب في اتجاه مقصود بشكل قسري غير طبيعي ولا مطابق لمعطيات الواقع.
وللتعبير عن هذا المعنى كان الشيخ محفوظ نحناح (رحمه الله) سنة2002 قد أضاف وصفا للتزوير فقال عنه" التزوير الذكي" وهو التزوير الذي لا يمكن أن تقدَّم آلياته ضمن أدلّة الطعون لأنها كلّها ـ أو جلّها ـ مقننة أو محمية بالقانون أو "بحماة القانون"!! ولهذا السبب نجدهم يردّدون بجرأة :" ما هو دليلكم على التزوير"؟.
ولعلّ هذا المعنى ذاته هو الذي قصده ـ أيضا ـ رئيس اللجنة الوطنية لمراقبة الانتخابات في ندوته الصحفية حول التقرير النهائي (المنعقدة مؤخرا بعد تسويد هذا الموضوع).
وكل هذا يعني أن عملية الاحتيال على النتائج تمت وفق خطة شاملة محضرة مسبقا بدأت من التشريع على المقاس بسنّ القوانين التي رفضتها المعارضة وانتهت بالإعلان عن النتائج قبل وصول المحاضر أو حتى بعد ذلك...!! الأمر الذي ستوضّحه البراهين والأدلة اللاحقة التي سنعرضها في إشارات مختصرة لأن المقام لا يسمح بالتحليل والتفصيل أكثر، ولكنها ستكون كافية أو على الأقل موّجهة إلى ما فيه الكفاية، وهذه البراهين نوعان منها المادي العملي ( العام ولكنه مدّعم بأمثلة خاصة في الغالب) ومنها المنطقي (الذي يُستنتج من الأحداث والربط بينها) وهي كالآتي:
1- الإصرار على تشريع ما يفتح باب التزوير:
وقد تحقّق هذا التشريع بمصادقة حزبي النظام (الأغلبية) في البرلمان السابق على قانون الانتخابات دون قبول اقتراحات المعارضة من قبيل " تأطير مكاتب الاقتراع بأعضاء من الإدارة وممثلي الأحزاب وليس من الإدارة فقط " الأمر الذي جعل كتلة "حمس" آنذاك تنسحب أثناء المصادقة رفضا واحتجاجا على مثل هذه القوانين.
2- نظام حساب النتائج المجحف وكثرة القوائم:
لقد كان من أبرز مميزات قانون الانتخابات المفروض بأغلبية النظام والمرفوض من المعارضة أن نظام حساب نتائج الانتخابات فيه مبني على أن القائمة التي لا تتحصل على 05% من الأصوات تسقط ولا تدخل في الحساب أصلا.. وأضيف إلى ذلك ـ ضمن الخطة المدبّرة ـ فتح المجال بل التشجيع بشكل سافر على تكثير القوائم المترشحة حتى تجاوزت الأربعين في كل ولاية الأمر الذي أدى إلى ما يلي:
ـ إحداث نزيف للأصوات المعبّر عنها تَمَّ من خلاله إلغاء عشرات ومئات الآلاف من أصوات المواطنين في كل ولاية وكأنّ أصحابها لم يصوتوا.. وليس هذا من الديمقراطية (وبالإمكان اتخاذ نتائج أية ولاية لتكون عيّنة موضحة لكننا نريد الاختصار).
ـ استحواذ الحزب الأكثر تواجدا في الدائرة الانتخابية على أغلبية مقاعدها وقد كان هذا الحزب في معظم الدوائر هو الحزب الحاكم؛ أولاً لكونه عتيدا ومن السهل تواجده لموالاة الإدارة له في الغالب، ثم لتدابير أخرى سنذكرها كعوامل مستقلة ومنها تضخيم عدد الهيئة الناخبة وما يتبعه من ممارسات وكيفية تصويت الجيش.
ـ حصول حزب السلطة على الأغلبية الساحقة بعدد ضئيل من الأصوات وطنيا وهو1.3 مليون صوت فقط، في حين لم يكن للتشكيلات الأخرى نفس التناسب بين أصواتها ومقاعدها على مستوى وطني حيث كان من المنطقي – مثلا - أن يحصل الحزب الذي له1/3 أصوات الحزب الأول على 1/3 عدد مقاعده وهذا ما لم يحدث بسبب النزيف المذكور.
3- تضخيم عدد الهيئة الناخبة:
ويحدث هذا غالبا في الصناديق التي يسهل الاستخلاء بها وخاصة في القرى والمداشر والصناديق المتنقلة، وذلك تحسبا لوجود فرص لملئها لصالح من يريد الفاعل، ولاشك أن ذلك قد تمّ بكثافة بدليل أرقام نتائج مثل هذه الصناديق ونسبة المشاركة العالية فيها الأمر الذي جعل الصحافة تسأل وزير الداخلية عقب إعلانه عن النتائج عن سبب ارتفاع نسبة المشاركة في الجنوب وبالذات في الصحاري الخالية... وكان جوابه سخيفا (مع احتراماتنا له). ثم بدليل مادي من خلال أرقام نعرف مناطقها وهي الشريط الحدودي في ولاية الوادي (دائرة الطالب العربي) التي بها ثلاث قرى صغيرة وعدد المسجلين فيها قرابة 09 آلاف(وهو عدد مدهش)، منهم 3805 في البلدية(الرعوية) التي رشّح من أكبر عشائرها رقم 02 في قائمة حزب ما!!
وقد أثارت محاولات التزوير في هذه المنطقة ضجة إعلامية سمع بها الجميع ولكن المنافسة كانت شديدة والمراقبة محكمة فلم يتحقق ما كان مبرمجا رغم مساومة المراقبين بالمناصفة فكان عدد المصوتين 995 فقط فأين هم قرابة 03 آلاف الباقية في دشرة أفرادها معرفون واحدا واحدا؟..ولكن الذي لم يتحقق هنا تحقّق في أماكن أخرى لم تكن المراقبة فيها موجودة أصلا لسبب آخر سنذكره لاحقا يدخل ضمن الخطة الشاملة والمتداخلة.
4- الطريقة الجائرة في إجراء قرعة مراقبي الصناديق:
مهما كان عدد القوائم المرشحة فإن القانون لا يسمح إلا لخمسة ممثلين لها فقط بالمراقبة وعليه تجرى القرعة بينهم، وكان من المنطقي - كما طلبت الأحزاب - أن تجرى هذه القرعة بين ممثلي القوائم الموجودة فعليا الذين قدمت أسماؤهم لإدارة عين المكان ولكن الإدارة أصّرت على أن تجرى القرعة بين كل القوائم المرشحة في الولاية حتى التي لم تكن حاضرة بممثليها لعدم قدرتها على التغطية بالرقابة والهدف واضح وهو توفير أكبر قدر ممكن من الفراغات والصناديق غير المراقبة من أجل فسح المجال للتزوير،وهذا ما حدث بالفعل لأن الأحزاب الفاعلة لم تسمح لها القرعة بالرقابة إلاّ بنسبة ضئيلة جداً.
5- طريقة تصويت الجيش:
لا يوجد أي مشكل في التصويت ذاته للجيش وكل الأسلاك الخاصة،ولكن المشكل في الطريقة التي تم التصويت بها، والتي تدل دلالة واضحة على أنها مقصودة وموجهة من أجل ترجيح كفة معيّنة. وقد شاع الحديث عن عدة إجراءات اتخذت لتحقيق هذا الغرض؛ منها التوجيه المباشر أو غير المباشر للمصوتين ومنها ازدواجية التصويت من خلال إرسال وكالات إلى الأهالي..ولكن نظرا لخصوصية هذه المؤسسة المحترمة وسريتها لا نستطيع أن نجزم إلا بما ظهر للجميع في وسائل الإعلام وهو الإصرار على "تسجيل أفراد الجيش في القوائم الانتخابية التابعة للبلديات التي توجد فيها ثكناتهم وغالبا ما يكون هؤلاء مسجلين في بلدياتهم الأصلية ، وقد تم هذا التسجيل خارج الآجال القانونية".
وهذا الإصرار يفهم منه استهداف أمر معين ولن يكون غير ترجيح كفة الجهة التي تكلمنا عنها وذلك بضمان تواجدها الأكبر حتى لا تقصى بنسبة أقل من05% ، وبالتالي حصد حصة الأسد من المقاعد.
هذا بالإضافة إلى تحقيق تضخيم الهيئة الناخبة ورفع نسبة المشاركة كتحصيل حاصل..وتبقى الدقة في تفاصيل هذه المسائل من دور التحقيقات الرسمية لو كانت آلياتها متوفرة.
6- المشادات بين اللجنة الوطنية لمراقبة الانتخابات والإدارة (الحكومة):
إن النزاهة تقتضي أن تسمع الحكومة بسهولة لمقترحات المعارضة الممثلة في لجنة مراقبة الانتخابات ولكن عندما تكون النية مبيتة للتزوير فإن مقترحات الأحزاب تُرفض بإصرار. وهذا ما حدث، فالجميع سمع بالمشادات العنيفة التي وقعت بين اللجنة والحكومة وكادت أن تؤدي إلى الانسداد والاستقالة الجماعية لمعظم أعضاء اللجنة لولا تعقّلهم ورضاهم بالأمر الواقع بشكل يطعن بوضوح في نزاهة كل ما يأتي بعد ذلك، خاصة عندما نعرف أن النقاط التي وقع فيها الخلاف وكانت سببا في المشادات هي من النوع الذي يفترض منطقيا أن يسدّ باب التزوير ومنها على سبيل المثال، ما كنا نتكلم فيه حول تسجيل أفراد الجيش خارج الآجال القانونية، ومنها التصويت بورقة واحدة بدل أكثر من أربعين ورقة.
والحقيقة أن بيانات اللجنة المعنية وتقاريرها كافية للطعن في النزاهة خاصة عندما نعلم أن حزبي النظام لم يوقعا على التقرير النهائي مقابل أكثر من 40 تشكيلة موقعة.
7- تقوية تيار المقاطعة في أوساط المعارضين للسلطة:
في الوقت الذي تضخم فيه الهيئة الناخبة وترفع نسبة المشاركة لصالح النظام كما أسلفنا، ومع دعوة السلطة للشعب لكي يصوت بقوة نظراً لأهمية الموعد الذي شبّه بثورة التحرير واستفتاء 1962... نجد في المقابل أجهزة وأبواق أخرى محسوبة على النظام بشكل أو بآخر تعمل على تقوية تيار المقاطعة بالمنطق الذي يدعو إليه "الفيس" وأتباعه، وأصحاب هذا التيار هم الذين إذا صوّتوا لن يكون تصويتهم لصالح السلطة. هذه حيلة من الحيل التي يضرب لصاحبها المثل الشعبي« يقول للسارق خُش ويقول للكلب إِشْ».
وربما كانت هي السبب في ارتفاع عدد الأصوات الملغاة التي بلغ عددها أزيد من1.7 مليون والتي عبّر عنها البعض "بحزب المرتبة الأولى"، فأصحاب هذه الأصوات قد يكونون ممّن تأثروا بالدعوة إلى المشاركة والدعوة إلى المقاطعة كلتيهما. وفي كل الأحوال فقد كانت حيلة "ناجحة"، حيّدت الأصوات غير المضمونة لصالح النظام وهي طعنة متميّزة في النزاهة.
8- انحياز رئيس الجمهورية:
الجميع تكّلم عن "خرجة" رئيس الجمهورية التي أحدثت زخما إعلاميا كبيرا حين قام بحملة انتخابية خارج الآجال القانونية لحزبه الذي "لا غبار على انتمائه إليه".. وقد " شهد شهود من أهلها" في وسائل الإعلام أنه بذلك "كان للرئيس الفضل في فوز الجبهة ولم يكن الفضل لأمينها العام".
ومهما تكن حقيقة تأثير هذه "الخرجة" في نتائج الانتخابات من عدمه، فإنها في ذاتها ـ دون تأثيرها ـ تطعن في النزاهة حين يتدخل من لا يسمح له القانون بالتدخل ويستعمل نفوذه لصالح جهة معينة، فالكلمة التي قالها تدلّ على رغبة الرجل الأول في من سيكون الفائز والجميع يعلم ما وراء إعلان الرجل الأول عن رغبته!! وكل عاقل يقول: كان الواجب أن يبقى الرئيس في منأى عن هذا حتى يبقى أباً للجميع، خاصة وأن الذين اختاروه رئيسا بنسبة 82% ليسوا من حزب واحد، وصاحب الفضل لا ينسى الفضل... ولكن "قدّر الله ما شاء فعل".. لعلّ في الأمر خيرا لأهل الخير.
9- نتائج العيّنات التي لم يطلها التزوير لا تتناسب مع النتيجة العامة:
هناك بعض المراكز وحتى الدوائر الانتخابية لم تقع تحت طائلة التزوير إما لأن المراقبة كانت محكمة والتنافس كان شديدا وإما لأن ذلك لم يدخل ضمن الخطة عن قصد (تحفظا أو تمويها)، المهم أن نتائج هذه العينات لا تتناسب مع النتيجة العامة بمعنى أن الفائز الأول على مستوى وطني كاد يكون منعدم الوجود حيث لا يوجد التزوير، وهذا التضارب غير معقول في وطن واحد بل في ولاية واحدة حين يكون الفارق محليا مقصيا للفائز الأول على مستوى أعلى.
10- إجراءات تزوير استثنائية متفرقة:
لو كانت إرادة النزاهة متوفرة لكان الجو نقيا تمام النقاء ولرُدع المتسببون في التزوير والمحاولون له وضُربوا بيد من حديد كما كانت الوعود، ولكن ذلك لم يحدث ولم يظهر أنه سيحدث من البداية، مما جعل هؤلاء يتجرؤون على أفعال صريحة أو مشبوهة كإجراءات للتزوير دون خوف هنا وهناك، وقد حدث ذلك في الغالب ـ فيما نعلم ـ من مناضلي الحزب الحاكم أو مناصري القوائم النابعة منه، وجرأتهم هذه توشي بعلمهم أو على الأقل بإحساسهم بما يطبخ في الداخل، وبأن ما يفعلونه هو من جنس ما يخطط له الكبار ومن أمثلة هذه الإجراءات المتخذة:
ـ استعمال العنف اللفظي والقوة المادية في المكاتب التي يعرفون أن ليس لهم فيها نصيب،عملاً على إلغائها بسبب الفوضى، وقد تحدثت لجنة مراقبة الانتخابات في بيان لها عن حالات عنف أدخلت ضحايا إلى المستشفى.
ـ مساومة مراقبي أحزاب المعارضة بالتزوير وملء الصناديق مناصفة (شهادات حية).
ـ حيل تنم عن نية التزوير بوضوح منذ الترشيحات (يطول شرحها).
ـ الاختلاء بالصناديق خاصة المتنقلة في غياب المراقبين.
ـ المحاضر الموقعة على بياض؛ وقد أظهر ممثل أحد الأحزاب في إحدى القنوات عينة منها.
ـ تسليم محاضر الفرز للمراقبين الخمسة فقط دون بقية التشكيلات، خلافا للقانون.
هذه المظاهر لم تكن عامة وقد تكون معزولة ولكنها في كل الأحوال تدل على أن الجو لم يكن نظيفا وتعكس حقيقة مفادها أن الوعود بمعاقبة المزورين غير صادقة ومن هنا تُطعن النزاهة.
11- حالة الحزبين الفائزين الأولين لا تتناسب مع قوة نتائجهما:
الجميع يعرف أن حزبي النظام يعيشان حالة من ضعف والانقسام لم يكن أحد يتوقع أن تكون لهما نتائج بهذا الحجم أو حتى ما يقاربها ومن الأدلة على ذلك:
ـ الصراع القائم والحركات التصحيحية الثائرة فيهما على مستوى مركزي، وبالأخص في الحزب الأول.. الأمر الذي لم توقفه حتى النتائج المبهرة، فعوض أن يكرّم أمينه العام بسببها ما زالت التهديدات توجه إليه بعدها لقناعة المعنيين الداخلية بأن هذه النتائج ليست حقيقية وأنها لم تأت بالعمل وعرق الجبين..
ـ الانقسامات وكثرة القوائم المنشقة عن الحزبين، فكل مناضل يرى نفسه مؤهلا ولم يرتّب في أول القائمة يشكل لنفسه قائمة أخرى، وهذا يدّل على أن التشتّت ليس مركزيا فحسب ـ كما يقولون ـ وإنما هو قاعديا كذلك، والعيّنات التي لم يمسها التزوير شاهدة كما ذكرنا..
12- ضعف الحملة الانتخابية للحزبين الفائزين وتفوّق غيرهما:
كل من عاش وقائع الحملة شاهد والتوثيق الإعلامي يشهد على أن نشاط الحزبين الفائزين وخاصة الأول منهما كان ضعيفا لا يرقى إلى مستوى نتائج المتحصل عنها، من حيث عدد الأنشطة والأعمال الجوارية وكذا من حيث الحشد الجماهيري، وفي المقابل فإن تشكيلات أخرى كانت أقوى بكثير في الميدان، ويأتي في المرتبة الأولى "التكتل الأخضر" الذي مازالت صور نشاطاته على موقعه الالكتروني شاهدة، ولكن الحقائق انقلبت بعد الاقتراع من خلال الأرقام المعلنة.
13- النتائج الأولية ليلة الاقتراع تشير إلى فوارق بعيدة:
من المعتاد أن مؤشرات النتائج في كل انتخابات تبدأ بالظهور فور انتهاء الاقتراع من خلال المصادر الحزبية أو حتى من تسريبات القنوات الرسمية، وهذه المؤشرات وإن لم تكن دقيقة فهي تعطي الملامح العامة التي تتقارب عادة مع النتائج المعلنة رسميا يوم الغد، فلا تكون فوارقها بعيدة بحيث لا تغيّر ـ مثلاـ من الترتيب العام في المراتب الأولى على الخصوص..ولكن الذي حدث هذه المرة هو العكس فقد كانت الملامح الأولية تشير إلى أن التكتل الإسلامي هو الثاني بفارق قليل مع الحزب الأول الذي لم يتجاوز 120 مقعدا، وإذا بها في الصباح تتسّرب (عن طريق الفيس بوك) بشكل غير رسمي النتائج التي أذهلت الجميع.
والملفت للانتباه في تلك الليلة أنه بمجرد شيوع النتائج الأولية المذكورة كان هناك حرص من جهات معينة!! على تسجيل تصريحات إعلامية لقادة التكتل الإسلامي ليعبروا عن ارتياحهم بهذه النتائج مما يفهم منه أن ذلك كان بدافع العمل على تجميع الحجج لإثبات نزاهة الانتخابات لعلمهم أنها سيطعن فيها... ولكن تلك التصريحات نُسخت بمواقف عملية بعد انقلاب النتائج، ويبقى ما حدث إزاءها حجة مضادة طاعنة في النزاهة.
14- الإعلان عن النتائج الرسمية قبل تجميع كل محاضر الفرز مركزيا:
هذا ما نددت به اللجنة الوطنية لمراقبة الانتخابات في بيان لها، ومهما كانت مبرراته الإدارية فهو عمل يتنافى والرسميات وفيه مدعاة للتلاعب بالأرقام من أجل استكمالها وبالتالي فهو يطعن في النزاهة، ولو كانت إمكانية التحقيق متاحة لظهرت الحقائق والفوارق بين الأرقام التي بنيت عليها النتائج المعلنة وبين المحاضر الحقيقية التي لم تصل عشية الإعلان ما دامت الأولى غير رسمية أو مكهنة، ويا ليت إحدى الهيئات الدولة المكلفة بمراقبة الانتخابات قامت بهذا التحقيق!!
15- طريقة الإعلان عن النتائج غير معتادة:
أهم ما ميّز الطريقة التي أعلنت بها نتائج هذه الانتخابات أمران وهما:
ـ التأخر في الوقت: حيث كان من المعتاد أن تعلن النتائج صبيحة اليوم الموالي للاقتراع ولكنها تأخرت هذه المرّة إلى المساء (سا 15:00) في حين كان من المفترض الاستفادة من التطور الإعلامي المتزايد باستمرار بعد خمس سنوات وإذا به يحدث العكس ..وهذا يدل على أن الأمر غير عادي وفيه إرباكات وحسابات أكثر من المعتاد وإن كان المعتاد أيضا غير بريء.
ـ عدم الإعلان عن حصة كل تشكيلة من الأصوات وطنيا: وقد جرت العادة على ذكرها، ولكنها هذه المرة كانت محرجة وأرقامها فاضحة للخطة المحكمة!!
16- أرقام النتائج فاضحة ولو كانت كلها صحيحة:
إن الحزب الأول تحصل على قرابة 1/2 عدد المقاعد بـ 01.3 مليون صوت فقط من حوالي 09.3 ملايين مصوت و 07.6 ملايين صوت معبر عنه و 21.6 مليون مسجل...فهذه الأرقام فاضحة من وجهين:
ـ الوجه الأول: إن طريقة حساب النتائج غير المعقولة المفصلة سابقا هي التي أوصلت هذا الحزب إلى هذا المقام بهذا العدد الضئيل من الأصوات (1.3مليون) قياسا بالأرقام المذكورة بعده.
ـ والوجه الآخر: لا يعقل أن يحكم حزب البلاد بهذا العدد القليل من الأصوات، وأية ديمقراطية هذه التي تحكم فيها الأقلية الأكثرية، بناء على خطة مفبركة؟!!
17- الطعون المقدمة من قبل التشكيلات والقوائم:
إن وجود الطعون في ذاتها أمر طبيعي يحدث ولو مع النزاهة، ولكننا نتكلم هنا عن الكثرة المفرطة (الحديث عن أكثر من 100 طعن) وعن نوعيتها وأدلتها المادية، مما يبرهن على ضلوع جهات معينة في إرادة التزوير... ومن المؤسف أن بعض هذه الطعون لم تؤثر في تعديلات المجلس الدستوري بالرغم من الأرقام الصحيحة والإثباتات المقدمة فيها بشهادة قضاة لجنة الإشراف(بيان المكتب الولائي لحمس بالشلف نموذجا).
18- انعدام مظاهر الفرحة عقب الإعلان عن النتائج:
وهذا ما لاحظه عدد من القادة السياسيين في تصريحاتهم المعقبة عن النتائج وهو أول ما يلاحظه كل عاقل كدليل على أن النتائج لم يكن فيها أي طعم لكونها مزيّفة فلم تجد في المجتمع من يتبناها ويعبر عن فرحته بها على اعتبار أنه عمل وتعب على تحقيقها، وانتظرها بفارغ الصبر، فلو كان الفائز بهذا الحجم من المعارضة لحدث ما حدث.
19- الحقيقة لا تتغيّر مهما زيّفت:
مهما فعلت المنشطات لجسم عليل فهي لم تُزل عنه علته وصاحبه يحس بها، ومهما غيّرت المساحيق مظهر وجه دميم فهو باق في الأصل على حاله ومن حوله يعرفونه وكذلك مهما زيّفت نتائج الانتخابات فالحقيقة في الواقع لم تتغيّر:
ـ فالمزيفون يعرفون أنهم زيّفوا.. فلو تحركت في نفوس بعضهم عقيدة الإيمان بـ" يوم تبلى السرائر" لنطقوا بالحقيقة وقالوا:" لقد زوّرنا" وعندها يكون " الاعتراف سيّد الأدلة".. وسيقلونها كما قالوا سابقا في وقت غير بعيد متظاهرين بالتوبة " لقد زوّرنا من أجل الجزائر" وما تفطنّوا إلى أن الجزائر التي زوّروا من أجلها زادت معاناتها منهم...!!
ـ وكل الناس يعرفون أن الإسلاميين هم المتقدمون في الواقع وهم المطلب الجماهيري لأنهم مظنّة التغيير الإيجابي.
20- تأثير الربيع العربي:
إن الشعب الجزائري غير معزول عن العالم ولا يعقل أبدا ألاّ تؤثر فيه الأحداث الجارية من حوله وألاّ تكون له مثل غيره طموحات التغيير والتحرر من رداءة عانى منها 50 سنة، في زمن تهيّأت فيه الظروف المواتية للتغيير مهما اختلفت عن ظروف غيره. وعليه فلا يعقل أن يتلاقي ويتناسب هذا الواقع الجديد مع هذه النتائج التي لم ينل الحزب الفائز مثلها في واقع سابق هو أنسب لها، لولا ما ذكرناه من عناصر الخطة المحبكة الهادفة إلى تزييف الحقائق و توجيه النتائج قسرا في مصب معين.
- المـــــــآلات:
فهل يبقى بعد كل هذه الأدلة والبراهين ما يدل على أن الانتخابات نزيهة مع أنها أدلة مجموعة بجهد فردي، ولاشك أنها لو كانت نتاج عمل مؤسسة (حزب أو لجنة أو مركز دراسات..) لكانت أقوى وأوثق، ولكنها على كل حال تفي بالغرض وكافية لتدلّ على ما يلي:
ـ إن المعادلة المشهورة :" نزاهة الانتخابات = فوز الإسلاميين" التي ثبتت في كل بلد عربي وإسلامي (حتى الآن على الأقل)، مازالت قائمة في الجزائر ولم تنفها الانتخابات السابقة ما دامت النزاهة لم توفر بالشكل المطلوب، بمعنى أن عدم فوز الإسلاميين كان باطلا وليس حقيقة ما دام سببه هو عدم النزاهة، ولذلك فإن الجزائر ليست استثناء كما يتوهّمون؛ خاصة وأنه بشهادة النتائج المطعون فيها، بعد التيّار المزوّر له يأتي التيار الإسلامي، فالتيار الإسلامي هو البديل.. فإذا انتفى التزوير يأتي الإسلاميون، حين يأذن القدر.
ـ هذه النتائج هي إرهاصات تغيير قادم لأنها ستعرّي النظام أكثر وتحمّله وحده مسؤولية الأوضاع السابقة واللاحقة، وتؤكد في النفوس أكثر انتهاء صلاحيته، لأن ما قام به يشبه إلى حد بعيد إرادة "التوريث" التي كانت من أهم الأسباب في إسقاط أنظمة سابقة.
- مــاذا بعـــد؟!
لم يبق للمؤهلين (الإسلاميين) والحال هذه إلا أن يعملوا على ما يلي ولا ييأسوا:
1- العمل على توحيد صفوفهم، فمهما كان التزوير فإن النتائج مع توحيد الصفوف تكون أهون.
2- إقناع المقاطعين وأصحاب الأصوات الملغاة بأن ما قاموا به ليس حلا وإنما هو تكريس لما تريده السلطة، لأن كثرة الإقبال على التصويت لجهة معارضة تحرج المزورين وتفسد حساباتهم، ولذلك كان العمل على تقوية تيار المقاطعة في صفوف المعارضة من عناصر خطة التزييف المذكورة.
3- السعي الجاد لتغيير وتعديل ما أمكن من القوانين الفاتحة لأبواب التزوير والموجّهة للنتائج وذلك باستعمال مختلف الطرق والآليات السياسية والضغوطات الدبلوماسية واغتنام فرصة احتمال أن السلطة ستفعل شيئا وتستجيب لبعض المطالب بعد هذه الفضيحة تجنبّا لعزوف أسوأ في مواعيد لاحقة.
4- الاعتماد على عقيدة " وما النصر إلا من عند الله" و "إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم" إذا صلحت النوايا، وتوفّرت الأسباب التي من بينها "عامل الزمن" الذي سبقنا فيه غيرنا في المحيط الإقليمي...فلا نستعجل.
والله غالب على أمره.
- إشكالية الموضوع وأهميته:
والإشكالية التي من أجلها يكتب الموضوع هي التشكيك في "عدم نزاهة" هذه الانتخابات رغم فضاحتها وفظاعتها، أي أن هناك من يريد تأكيد نزاهتها، ويكرر السؤال الذي ما فتئ يطرح: ما هو دليلكم على أنها مزوّرة؟...وهناك من يصدقون هذا الكلام ويبنون عليه المواقف؛ ومن هذه المواقف:
ـ المباركات والتهاني بنجاح الانتخابات، الوافدة من عدة جهات...!!
ـ التحاليل المبنية على هذه النتائج وكأنها حقيقية والتي تقيّم مستوى الإسلاميين وقوتهم في الجزائر.
ـ مطالبة القادة الإسلاميين ـ حتى من داخل الصف للأسف ـ بالاستقالة على اعتبار أن الفشل حقيقي وأنهم هم السبب فيه.
يحدث كل هذا مع كثرة الأدلة على فظاعة الحدث وبطلان النتائج، وهي أدلة دارت ومازالت تدور على الألسن والأقلام ولكن بشكل متفرق، بحيث لم تُعرض مجتمعة بشكل يعطيها القوة اللازمة لتجلية الشكوك وإثبات الحقيقة ولذلك سنحاول في موضوعنا جمع هذه الأدلة المتفرقة حتى نبيّن أن الجزائر لم تكن ـ في حقيقة الأمرـ استثناء كما يتوهمون، إنما التزييف هو الذي أرجأ ظهور الحقيقة التي ستظل كامنة إلى أن يأذن الله... وهذا الجمع الذي سنقوم به له أهمية بالغة لاسيما بالنسبة للجهات الآتية:
ـ للتاريخ: حتى يسجّل ويدوّن ما حدث بدقة ووضوح في صفحات من حكموا البلاد وسيّروا زمام أمورها لا أقول من الاستقلال ولكن من مؤتمر الصومام إلى اليوم، وهم أنفسهم ـ أشخاصًا أو تيارًا ـ من خطوا أو تبنّوا بيان أول نوفمبر الهادف إلى بناء« دولة جزائرية.....في إطار المبادئ الإسلامية.»
ـ للرأي العام الداخلي: تحسباً لمواعيد لاحقة ومواقف قد تحملها الأيام الحبالى بأحداث تستدعي فرز الظالم من المظلوم وتحميل المسؤوليات أهلها دون إلصاقها بالحركة الإسلامية التي لم تكن شريكا في المفاسد وإن كان فصيل منها(حمس) قد حاول المشاركة في إصلاحها، ولكنه الآن يُرفض بإلحاح وتعطى له المبرّرات المتتالية ليتميّز في وقت يستوجب تمايز الصفوف.
ـ للرأي العام الخارجي: من أجل المساهمة في إعطائه الصورة الواضحة لحقيقة ما يجري عندنا.. ولطالما شوّهت الحقائق اتجاه التيار الإسلامي عموما و"حمس" خصوصا خارج الوطن في عقود سابقة بسبب قلة المساهمات من هذا النوع والنابعة من رحم الأحداث. وربما ما زالت (الحركة) تعاني من آثارها لاسيما فيما يتعلق بإدراك طبيعتها واستيعاب موقفها ومعرفة حجمها والحمد لله على نعمة "النت".
ـ للمعنيين أنفسهم: حتى يتجاوزا مرحلة الشك والذهول ويتوجهوا لخدمة مستقبل أفضل، وفق ما سيذيّل به الموضوع.
- طواعن النزاهة:
لابد في البداية من توضيح أن استعمال تعبير "عدم النزاهة" هو الأنسب والأوسع دلالة في الموضوع من لفظ "التزوير" لأن "عدم النزاهة" يشمل التزوير المادي، واستعمال الحيل والمناورات والتشريع على المقاس... وغير ذلك مما يجعل النتائج تصب في اتجاه مقصود بشكل قسري غير طبيعي ولا مطابق لمعطيات الواقع.
وللتعبير عن هذا المعنى كان الشيخ محفوظ نحناح (رحمه الله) سنة2002 قد أضاف وصفا للتزوير فقال عنه" التزوير الذكي" وهو التزوير الذي لا يمكن أن تقدَّم آلياته ضمن أدلّة الطعون لأنها كلّها ـ أو جلّها ـ مقننة أو محمية بالقانون أو "بحماة القانون"!! ولهذا السبب نجدهم يردّدون بجرأة :" ما هو دليلكم على التزوير"؟.
ولعلّ هذا المعنى ذاته هو الذي قصده ـ أيضا ـ رئيس اللجنة الوطنية لمراقبة الانتخابات في ندوته الصحفية حول التقرير النهائي (المنعقدة مؤخرا بعد تسويد هذا الموضوع).
وكل هذا يعني أن عملية الاحتيال على النتائج تمت وفق خطة شاملة محضرة مسبقا بدأت من التشريع على المقاس بسنّ القوانين التي رفضتها المعارضة وانتهت بالإعلان عن النتائج قبل وصول المحاضر أو حتى بعد ذلك...!! الأمر الذي ستوضّحه البراهين والأدلة اللاحقة التي سنعرضها في إشارات مختصرة لأن المقام لا يسمح بالتحليل والتفصيل أكثر، ولكنها ستكون كافية أو على الأقل موّجهة إلى ما فيه الكفاية، وهذه البراهين نوعان منها المادي العملي ( العام ولكنه مدّعم بأمثلة خاصة في الغالب) ومنها المنطقي (الذي يُستنتج من الأحداث والربط بينها) وهي كالآتي:
1- الإصرار على تشريع ما يفتح باب التزوير:
وقد تحقّق هذا التشريع بمصادقة حزبي النظام (الأغلبية) في البرلمان السابق على قانون الانتخابات دون قبول اقتراحات المعارضة من قبيل " تأطير مكاتب الاقتراع بأعضاء من الإدارة وممثلي الأحزاب وليس من الإدارة فقط " الأمر الذي جعل كتلة "حمس" آنذاك تنسحب أثناء المصادقة رفضا واحتجاجا على مثل هذه القوانين.
2- نظام حساب النتائج المجحف وكثرة القوائم:
لقد كان من أبرز مميزات قانون الانتخابات المفروض بأغلبية النظام والمرفوض من المعارضة أن نظام حساب نتائج الانتخابات فيه مبني على أن القائمة التي لا تتحصل على 05% من الأصوات تسقط ولا تدخل في الحساب أصلا.. وأضيف إلى ذلك ـ ضمن الخطة المدبّرة ـ فتح المجال بل التشجيع بشكل سافر على تكثير القوائم المترشحة حتى تجاوزت الأربعين في كل ولاية الأمر الذي أدى إلى ما يلي:
ـ إحداث نزيف للأصوات المعبّر عنها تَمَّ من خلاله إلغاء عشرات ومئات الآلاف من أصوات المواطنين في كل ولاية وكأنّ أصحابها لم يصوتوا.. وليس هذا من الديمقراطية (وبالإمكان اتخاذ نتائج أية ولاية لتكون عيّنة موضحة لكننا نريد الاختصار).
ـ استحواذ الحزب الأكثر تواجدا في الدائرة الانتخابية على أغلبية مقاعدها وقد كان هذا الحزب في معظم الدوائر هو الحزب الحاكم؛ أولاً لكونه عتيدا ومن السهل تواجده لموالاة الإدارة له في الغالب، ثم لتدابير أخرى سنذكرها كعوامل مستقلة ومنها تضخيم عدد الهيئة الناخبة وما يتبعه من ممارسات وكيفية تصويت الجيش.
ـ حصول حزب السلطة على الأغلبية الساحقة بعدد ضئيل من الأصوات وطنيا وهو1.3 مليون صوت فقط، في حين لم يكن للتشكيلات الأخرى نفس التناسب بين أصواتها ومقاعدها على مستوى وطني حيث كان من المنطقي – مثلا - أن يحصل الحزب الذي له1/3 أصوات الحزب الأول على 1/3 عدد مقاعده وهذا ما لم يحدث بسبب النزيف المذكور.
3- تضخيم عدد الهيئة الناخبة:
ويحدث هذا غالبا في الصناديق التي يسهل الاستخلاء بها وخاصة في القرى والمداشر والصناديق المتنقلة، وذلك تحسبا لوجود فرص لملئها لصالح من يريد الفاعل، ولاشك أن ذلك قد تمّ بكثافة بدليل أرقام نتائج مثل هذه الصناديق ونسبة المشاركة العالية فيها الأمر الذي جعل الصحافة تسأل وزير الداخلية عقب إعلانه عن النتائج عن سبب ارتفاع نسبة المشاركة في الجنوب وبالذات في الصحاري الخالية... وكان جوابه سخيفا (مع احتراماتنا له). ثم بدليل مادي من خلال أرقام نعرف مناطقها وهي الشريط الحدودي في ولاية الوادي (دائرة الطالب العربي) التي بها ثلاث قرى صغيرة وعدد المسجلين فيها قرابة 09 آلاف(وهو عدد مدهش)، منهم 3805 في البلدية(الرعوية) التي رشّح من أكبر عشائرها رقم 02 في قائمة حزب ما!!
وقد أثارت محاولات التزوير في هذه المنطقة ضجة إعلامية سمع بها الجميع ولكن المنافسة كانت شديدة والمراقبة محكمة فلم يتحقق ما كان مبرمجا رغم مساومة المراقبين بالمناصفة فكان عدد المصوتين 995 فقط فأين هم قرابة 03 آلاف الباقية في دشرة أفرادها معرفون واحدا واحدا؟..ولكن الذي لم يتحقق هنا تحقّق في أماكن أخرى لم تكن المراقبة فيها موجودة أصلا لسبب آخر سنذكره لاحقا يدخل ضمن الخطة الشاملة والمتداخلة.
4- الطريقة الجائرة في إجراء قرعة مراقبي الصناديق:
مهما كان عدد القوائم المرشحة فإن القانون لا يسمح إلا لخمسة ممثلين لها فقط بالمراقبة وعليه تجرى القرعة بينهم، وكان من المنطقي - كما طلبت الأحزاب - أن تجرى هذه القرعة بين ممثلي القوائم الموجودة فعليا الذين قدمت أسماؤهم لإدارة عين المكان ولكن الإدارة أصّرت على أن تجرى القرعة بين كل القوائم المرشحة في الولاية حتى التي لم تكن حاضرة بممثليها لعدم قدرتها على التغطية بالرقابة والهدف واضح وهو توفير أكبر قدر ممكن من الفراغات والصناديق غير المراقبة من أجل فسح المجال للتزوير،وهذا ما حدث بالفعل لأن الأحزاب الفاعلة لم تسمح لها القرعة بالرقابة إلاّ بنسبة ضئيلة جداً.
5- طريقة تصويت الجيش:
لا يوجد أي مشكل في التصويت ذاته للجيش وكل الأسلاك الخاصة،ولكن المشكل في الطريقة التي تم التصويت بها، والتي تدل دلالة واضحة على أنها مقصودة وموجهة من أجل ترجيح كفة معيّنة. وقد شاع الحديث عن عدة إجراءات اتخذت لتحقيق هذا الغرض؛ منها التوجيه المباشر أو غير المباشر للمصوتين ومنها ازدواجية التصويت من خلال إرسال وكالات إلى الأهالي..ولكن نظرا لخصوصية هذه المؤسسة المحترمة وسريتها لا نستطيع أن نجزم إلا بما ظهر للجميع في وسائل الإعلام وهو الإصرار على "تسجيل أفراد الجيش في القوائم الانتخابية التابعة للبلديات التي توجد فيها ثكناتهم وغالبا ما يكون هؤلاء مسجلين في بلدياتهم الأصلية ، وقد تم هذا التسجيل خارج الآجال القانونية".
وهذا الإصرار يفهم منه استهداف أمر معين ولن يكون غير ترجيح كفة الجهة التي تكلمنا عنها وذلك بضمان تواجدها الأكبر حتى لا تقصى بنسبة أقل من05% ، وبالتالي حصد حصة الأسد من المقاعد.
هذا بالإضافة إلى تحقيق تضخيم الهيئة الناخبة ورفع نسبة المشاركة كتحصيل حاصل..وتبقى الدقة في تفاصيل هذه المسائل من دور التحقيقات الرسمية لو كانت آلياتها متوفرة.
6- المشادات بين اللجنة الوطنية لمراقبة الانتخابات والإدارة (الحكومة):
إن النزاهة تقتضي أن تسمع الحكومة بسهولة لمقترحات المعارضة الممثلة في لجنة مراقبة الانتخابات ولكن عندما تكون النية مبيتة للتزوير فإن مقترحات الأحزاب تُرفض بإصرار. وهذا ما حدث، فالجميع سمع بالمشادات العنيفة التي وقعت بين اللجنة والحكومة وكادت أن تؤدي إلى الانسداد والاستقالة الجماعية لمعظم أعضاء اللجنة لولا تعقّلهم ورضاهم بالأمر الواقع بشكل يطعن بوضوح في نزاهة كل ما يأتي بعد ذلك، خاصة عندما نعرف أن النقاط التي وقع فيها الخلاف وكانت سببا في المشادات هي من النوع الذي يفترض منطقيا أن يسدّ باب التزوير ومنها على سبيل المثال، ما كنا نتكلم فيه حول تسجيل أفراد الجيش خارج الآجال القانونية، ومنها التصويت بورقة واحدة بدل أكثر من أربعين ورقة.
والحقيقة أن بيانات اللجنة المعنية وتقاريرها كافية للطعن في النزاهة خاصة عندما نعلم أن حزبي النظام لم يوقعا على التقرير النهائي مقابل أكثر من 40 تشكيلة موقعة.
7- تقوية تيار المقاطعة في أوساط المعارضين للسلطة:
في الوقت الذي تضخم فيه الهيئة الناخبة وترفع نسبة المشاركة لصالح النظام كما أسلفنا، ومع دعوة السلطة للشعب لكي يصوت بقوة نظراً لأهمية الموعد الذي شبّه بثورة التحرير واستفتاء 1962... نجد في المقابل أجهزة وأبواق أخرى محسوبة على النظام بشكل أو بآخر تعمل على تقوية تيار المقاطعة بالمنطق الذي يدعو إليه "الفيس" وأتباعه، وأصحاب هذا التيار هم الذين إذا صوّتوا لن يكون تصويتهم لصالح السلطة. هذه حيلة من الحيل التي يضرب لصاحبها المثل الشعبي« يقول للسارق خُش ويقول للكلب إِشْ».
وربما كانت هي السبب في ارتفاع عدد الأصوات الملغاة التي بلغ عددها أزيد من1.7 مليون والتي عبّر عنها البعض "بحزب المرتبة الأولى"، فأصحاب هذه الأصوات قد يكونون ممّن تأثروا بالدعوة إلى المشاركة والدعوة إلى المقاطعة كلتيهما. وفي كل الأحوال فقد كانت حيلة "ناجحة"، حيّدت الأصوات غير المضمونة لصالح النظام وهي طعنة متميّزة في النزاهة.
8- انحياز رئيس الجمهورية:
الجميع تكّلم عن "خرجة" رئيس الجمهورية التي أحدثت زخما إعلاميا كبيرا حين قام بحملة انتخابية خارج الآجال القانونية لحزبه الذي "لا غبار على انتمائه إليه".. وقد " شهد شهود من أهلها" في وسائل الإعلام أنه بذلك "كان للرئيس الفضل في فوز الجبهة ولم يكن الفضل لأمينها العام".
ومهما تكن حقيقة تأثير هذه "الخرجة" في نتائج الانتخابات من عدمه، فإنها في ذاتها ـ دون تأثيرها ـ تطعن في النزاهة حين يتدخل من لا يسمح له القانون بالتدخل ويستعمل نفوذه لصالح جهة معينة، فالكلمة التي قالها تدلّ على رغبة الرجل الأول في من سيكون الفائز والجميع يعلم ما وراء إعلان الرجل الأول عن رغبته!! وكل عاقل يقول: كان الواجب أن يبقى الرئيس في منأى عن هذا حتى يبقى أباً للجميع، خاصة وأن الذين اختاروه رئيسا بنسبة 82% ليسوا من حزب واحد، وصاحب الفضل لا ينسى الفضل... ولكن "قدّر الله ما شاء فعل".. لعلّ في الأمر خيرا لأهل الخير.
9- نتائج العيّنات التي لم يطلها التزوير لا تتناسب مع النتيجة العامة:
هناك بعض المراكز وحتى الدوائر الانتخابية لم تقع تحت طائلة التزوير إما لأن المراقبة كانت محكمة والتنافس كان شديدا وإما لأن ذلك لم يدخل ضمن الخطة عن قصد (تحفظا أو تمويها)، المهم أن نتائج هذه العينات لا تتناسب مع النتيجة العامة بمعنى أن الفائز الأول على مستوى وطني كاد يكون منعدم الوجود حيث لا يوجد التزوير، وهذا التضارب غير معقول في وطن واحد بل في ولاية واحدة حين يكون الفارق محليا مقصيا للفائز الأول على مستوى أعلى.
10- إجراءات تزوير استثنائية متفرقة:
لو كانت إرادة النزاهة متوفرة لكان الجو نقيا تمام النقاء ولرُدع المتسببون في التزوير والمحاولون له وضُربوا بيد من حديد كما كانت الوعود، ولكن ذلك لم يحدث ولم يظهر أنه سيحدث من البداية، مما جعل هؤلاء يتجرؤون على أفعال صريحة أو مشبوهة كإجراءات للتزوير دون خوف هنا وهناك، وقد حدث ذلك في الغالب ـ فيما نعلم ـ من مناضلي الحزب الحاكم أو مناصري القوائم النابعة منه، وجرأتهم هذه توشي بعلمهم أو على الأقل بإحساسهم بما يطبخ في الداخل، وبأن ما يفعلونه هو من جنس ما يخطط له الكبار ومن أمثلة هذه الإجراءات المتخذة:
ـ استعمال العنف اللفظي والقوة المادية في المكاتب التي يعرفون أن ليس لهم فيها نصيب،عملاً على إلغائها بسبب الفوضى، وقد تحدثت لجنة مراقبة الانتخابات في بيان لها عن حالات عنف أدخلت ضحايا إلى المستشفى.
ـ مساومة مراقبي أحزاب المعارضة بالتزوير وملء الصناديق مناصفة (شهادات حية).
ـ حيل تنم عن نية التزوير بوضوح منذ الترشيحات (يطول شرحها).
ـ الاختلاء بالصناديق خاصة المتنقلة في غياب المراقبين.
ـ المحاضر الموقعة على بياض؛ وقد أظهر ممثل أحد الأحزاب في إحدى القنوات عينة منها.
ـ تسليم محاضر الفرز للمراقبين الخمسة فقط دون بقية التشكيلات، خلافا للقانون.
هذه المظاهر لم تكن عامة وقد تكون معزولة ولكنها في كل الأحوال تدل على أن الجو لم يكن نظيفا وتعكس حقيقة مفادها أن الوعود بمعاقبة المزورين غير صادقة ومن هنا تُطعن النزاهة.
11- حالة الحزبين الفائزين الأولين لا تتناسب مع قوة نتائجهما:
الجميع يعرف أن حزبي النظام يعيشان حالة من ضعف والانقسام لم يكن أحد يتوقع أن تكون لهما نتائج بهذا الحجم أو حتى ما يقاربها ومن الأدلة على ذلك:
ـ الصراع القائم والحركات التصحيحية الثائرة فيهما على مستوى مركزي، وبالأخص في الحزب الأول.. الأمر الذي لم توقفه حتى النتائج المبهرة، فعوض أن يكرّم أمينه العام بسببها ما زالت التهديدات توجه إليه بعدها لقناعة المعنيين الداخلية بأن هذه النتائج ليست حقيقية وأنها لم تأت بالعمل وعرق الجبين..
ـ الانقسامات وكثرة القوائم المنشقة عن الحزبين، فكل مناضل يرى نفسه مؤهلا ولم يرتّب في أول القائمة يشكل لنفسه قائمة أخرى، وهذا يدّل على أن التشتّت ليس مركزيا فحسب ـ كما يقولون ـ وإنما هو قاعديا كذلك، والعيّنات التي لم يمسها التزوير شاهدة كما ذكرنا..
12- ضعف الحملة الانتخابية للحزبين الفائزين وتفوّق غيرهما:
كل من عاش وقائع الحملة شاهد والتوثيق الإعلامي يشهد على أن نشاط الحزبين الفائزين وخاصة الأول منهما كان ضعيفا لا يرقى إلى مستوى نتائج المتحصل عنها، من حيث عدد الأنشطة والأعمال الجوارية وكذا من حيث الحشد الجماهيري، وفي المقابل فإن تشكيلات أخرى كانت أقوى بكثير في الميدان، ويأتي في المرتبة الأولى "التكتل الأخضر" الذي مازالت صور نشاطاته على موقعه الالكتروني شاهدة، ولكن الحقائق انقلبت بعد الاقتراع من خلال الأرقام المعلنة.
13- النتائج الأولية ليلة الاقتراع تشير إلى فوارق بعيدة:
من المعتاد أن مؤشرات النتائج في كل انتخابات تبدأ بالظهور فور انتهاء الاقتراع من خلال المصادر الحزبية أو حتى من تسريبات القنوات الرسمية، وهذه المؤشرات وإن لم تكن دقيقة فهي تعطي الملامح العامة التي تتقارب عادة مع النتائج المعلنة رسميا يوم الغد، فلا تكون فوارقها بعيدة بحيث لا تغيّر ـ مثلاـ من الترتيب العام في المراتب الأولى على الخصوص..ولكن الذي حدث هذه المرة هو العكس فقد كانت الملامح الأولية تشير إلى أن التكتل الإسلامي هو الثاني بفارق قليل مع الحزب الأول الذي لم يتجاوز 120 مقعدا، وإذا بها في الصباح تتسّرب (عن طريق الفيس بوك) بشكل غير رسمي النتائج التي أذهلت الجميع.
والملفت للانتباه في تلك الليلة أنه بمجرد شيوع النتائج الأولية المذكورة كان هناك حرص من جهات معينة!! على تسجيل تصريحات إعلامية لقادة التكتل الإسلامي ليعبروا عن ارتياحهم بهذه النتائج مما يفهم منه أن ذلك كان بدافع العمل على تجميع الحجج لإثبات نزاهة الانتخابات لعلمهم أنها سيطعن فيها... ولكن تلك التصريحات نُسخت بمواقف عملية بعد انقلاب النتائج، ويبقى ما حدث إزاءها حجة مضادة طاعنة في النزاهة.
14- الإعلان عن النتائج الرسمية قبل تجميع كل محاضر الفرز مركزيا:
هذا ما نددت به اللجنة الوطنية لمراقبة الانتخابات في بيان لها، ومهما كانت مبرراته الإدارية فهو عمل يتنافى والرسميات وفيه مدعاة للتلاعب بالأرقام من أجل استكمالها وبالتالي فهو يطعن في النزاهة، ولو كانت إمكانية التحقيق متاحة لظهرت الحقائق والفوارق بين الأرقام التي بنيت عليها النتائج المعلنة وبين المحاضر الحقيقية التي لم تصل عشية الإعلان ما دامت الأولى غير رسمية أو مكهنة، ويا ليت إحدى الهيئات الدولة المكلفة بمراقبة الانتخابات قامت بهذا التحقيق!!
15- طريقة الإعلان عن النتائج غير معتادة:
أهم ما ميّز الطريقة التي أعلنت بها نتائج هذه الانتخابات أمران وهما:
ـ التأخر في الوقت: حيث كان من المعتاد أن تعلن النتائج صبيحة اليوم الموالي للاقتراع ولكنها تأخرت هذه المرّة إلى المساء (سا 15:00) في حين كان من المفترض الاستفادة من التطور الإعلامي المتزايد باستمرار بعد خمس سنوات وإذا به يحدث العكس ..وهذا يدل على أن الأمر غير عادي وفيه إرباكات وحسابات أكثر من المعتاد وإن كان المعتاد أيضا غير بريء.
ـ عدم الإعلان عن حصة كل تشكيلة من الأصوات وطنيا: وقد جرت العادة على ذكرها، ولكنها هذه المرة كانت محرجة وأرقامها فاضحة للخطة المحكمة!!
16- أرقام النتائج فاضحة ولو كانت كلها صحيحة:
إن الحزب الأول تحصل على قرابة 1/2 عدد المقاعد بـ 01.3 مليون صوت فقط من حوالي 09.3 ملايين مصوت و 07.6 ملايين صوت معبر عنه و 21.6 مليون مسجل...فهذه الأرقام فاضحة من وجهين:
ـ الوجه الأول: إن طريقة حساب النتائج غير المعقولة المفصلة سابقا هي التي أوصلت هذا الحزب إلى هذا المقام بهذا العدد الضئيل من الأصوات (1.3مليون) قياسا بالأرقام المذكورة بعده.
ـ والوجه الآخر: لا يعقل أن يحكم حزب البلاد بهذا العدد القليل من الأصوات، وأية ديمقراطية هذه التي تحكم فيها الأقلية الأكثرية، بناء على خطة مفبركة؟!!
17- الطعون المقدمة من قبل التشكيلات والقوائم:
إن وجود الطعون في ذاتها أمر طبيعي يحدث ولو مع النزاهة، ولكننا نتكلم هنا عن الكثرة المفرطة (الحديث عن أكثر من 100 طعن) وعن نوعيتها وأدلتها المادية، مما يبرهن على ضلوع جهات معينة في إرادة التزوير... ومن المؤسف أن بعض هذه الطعون لم تؤثر في تعديلات المجلس الدستوري بالرغم من الأرقام الصحيحة والإثباتات المقدمة فيها بشهادة قضاة لجنة الإشراف(بيان المكتب الولائي لحمس بالشلف نموذجا).
18- انعدام مظاهر الفرحة عقب الإعلان عن النتائج:
وهذا ما لاحظه عدد من القادة السياسيين في تصريحاتهم المعقبة عن النتائج وهو أول ما يلاحظه كل عاقل كدليل على أن النتائج لم يكن فيها أي طعم لكونها مزيّفة فلم تجد في المجتمع من يتبناها ويعبر عن فرحته بها على اعتبار أنه عمل وتعب على تحقيقها، وانتظرها بفارغ الصبر، فلو كان الفائز بهذا الحجم من المعارضة لحدث ما حدث.
19- الحقيقة لا تتغيّر مهما زيّفت:
مهما فعلت المنشطات لجسم عليل فهي لم تُزل عنه علته وصاحبه يحس بها، ومهما غيّرت المساحيق مظهر وجه دميم فهو باق في الأصل على حاله ومن حوله يعرفونه وكذلك مهما زيّفت نتائج الانتخابات فالحقيقة في الواقع لم تتغيّر:
ـ فالمزيفون يعرفون أنهم زيّفوا.. فلو تحركت في نفوس بعضهم عقيدة الإيمان بـ" يوم تبلى السرائر" لنطقوا بالحقيقة وقالوا:" لقد زوّرنا" وعندها يكون " الاعتراف سيّد الأدلة".. وسيقلونها كما قالوا سابقا في وقت غير بعيد متظاهرين بالتوبة " لقد زوّرنا من أجل الجزائر" وما تفطنّوا إلى أن الجزائر التي زوّروا من أجلها زادت معاناتها منهم...!!
ـ وكل الناس يعرفون أن الإسلاميين هم المتقدمون في الواقع وهم المطلب الجماهيري لأنهم مظنّة التغيير الإيجابي.
20- تأثير الربيع العربي:
إن الشعب الجزائري غير معزول عن العالم ولا يعقل أبدا ألاّ تؤثر فيه الأحداث الجارية من حوله وألاّ تكون له مثل غيره طموحات التغيير والتحرر من رداءة عانى منها 50 سنة، في زمن تهيّأت فيه الظروف المواتية للتغيير مهما اختلفت عن ظروف غيره. وعليه فلا يعقل أن يتلاقي ويتناسب هذا الواقع الجديد مع هذه النتائج التي لم ينل الحزب الفائز مثلها في واقع سابق هو أنسب لها، لولا ما ذكرناه من عناصر الخطة المحبكة الهادفة إلى تزييف الحقائق و توجيه النتائج قسرا في مصب معين.
- المـــــــآلات:
فهل يبقى بعد كل هذه الأدلة والبراهين ما يدل على أن الانتخابات نزيهة مع أنها أدلة مجموعة بجهد فردي، ولاشك أنها لو كانت نتاج عمل مؤسسة (حزب أو لجنة أو مركز دراسات..) لكانت أقوى وأوثق، ولكنها على كل حال تفي بالغرض وكافية لتدلّ على ما يلي:
ـ إن المعادلة المشهورة :" نزاهة الانتخابات = فوز الإسلاميين" التي ثبتت في كل بلد عربي وإسلامي (حتى الآن على الأقل)، مازالت قائمة في الجزائر ولم تنفها الانتخابات السابقة ما دامت النزاهة لم توفر بالشكل المطلوب، بمعنى أن عدم فوز الإسلاميين كان باطلا وليس حقيقة ما دام سببه هو عدم النزاهة، ولذلك فإن الجزائر ليست استثناء كما يتوهّمون؛ خاصة وأنه بشهادة النتائج المطعون فيها، بعد التيّار المزوّر له يأتي التيار الإسلامي، فالتيار الإسلامي هو البديل.. فإذا انتفى التزوير يأتي الإسلاميون، حين يأذن القدر.
ـ هذه النتائج هي إرهاصات تغيير قادم لأنها ستعرّي النظام أكثر وتحمّله وحده مسؤولية الأوضاع السابقة واللاحقة، وتؤكد في النفوس أكثر انتهاء صلاحيته، لأن ما قام به يشبه إلى حد بعيد إرادة "التوريث" التي كانت من أهم الأسباب في إسقاط أنظمة سابقة.
- مــاذا بعـــد؟!
لم يبق للمؤهلين (الإسلاميين) والحال هذه إلا أن يعملوا على ما يلي ولا ييأسوا:
1- العمل على توحيد صفوفهم، فمهما كان التزوير فإن النتائج مع توحيد الصفوف تكون أهون.
2- إقناع المقاطعين وأصحاب الأصوات الملغاة بأن ما قاموا به ليس حلا وإنما هو تكريس لما تريده السلطة، لأن كثرة الإقبال على التصويت لجهة معارضة تحرج المزورين وتفسد حساباتهم، ولذلك كان العمل على تقوية تيار المقاطعة في صفوف المعارضة من عناصر خطة التزييف المذكورة.
3- السعي الجاد لتغيير وتعديل ما أمكن من القوانين الفاتحة لأبواب التزوير والموجّهة للنتائج وذلك باستعمال مختلف الطرق والآليات السياسية والضغوطات الدبلوماسية واغتنام فرصة احتمال أن السلطة ستفعل شيئا وتستجيب لبعض المطالب بعد هذه الفضيحة تجنبّا لعزوف أسوأ في مواعيد لاحقة.
4- الاعتماد على عقيدة " وما النصر إلا من عند الله" و "إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم" إذا صلحت النوايا، وتوفّرت الأسباب التي من بينها "عامل الزمن" الذي سبقنا فيه غيرنا في المحيط الإقليمي...فلا نستعجل.
والله غالب على أمره.